إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى

من الاسفار القيمة ، والكتب التأريخية المهمة ، عرض فيه مؤلفه ـ بأبوابه وفصوله المتعددة ـ فضائل وحياة أهل بيت العصمة والطهارة عليهم‌السلام وبشكل مرتّب ومنسق تنسيقاً دقيقاً.

رتّب المؤلّف كتابه على أربعة أركان ، تتفرّع عنها أبواب وفصول متعددة ، تناول فيها بالتفصيل من خلال استعراض حياة المعصوم عليه‌السلام مجمل ما يختص بالتأريخ المتصل به ، والمعاصر له.

خصص الركن الاول من كتابه لسيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والاحداث الكبرى التي زاملت عصر الرسالة الاولى ، وبترتيب وتنسيق دقيقين ، تتبع منخلال ذلك معظم الجوانب المتصلة بحياة الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والقضايا التي تربط ارتباطاً عضوياً بالعقيدة الاسلامية المباركة ، ومنها تأكيدات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوجيهاته للاُمّة بوجوب التمسك بأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام باعتبارهم قرناء القرآن ، والامناء على الرسالة من بعده.

وأما الركن الثاني من الكتاب فقد خصصه لوصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخليفته من بعده الامام علي بن ابي طالب عليه‌السلام مستعرضاً فيه مجمل جوانب حياته المباركة ، ودوره المتميز في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ، والمحن والفتن التي لازمته حتى استشهاده.

وخصص المؤلف رحمه‌الله الركن الثالث من الكتاب لباقي الائمة المعصومين عليهم‌السلام حتى الامام الحسن العسكري عليه‌السلام من خلال أبواب وفصول متعددة.

وكان نصيب الامام المهدي عليه‌السلام الركن الرابع والاخير من الكتاب ،

٢١

حيث تناول معظم الاخبار والروايات المتصلة به ، مستعرضاً من خلال ذلك الظروف والاحداث التي عاصرها ابان حضوره الظاهري ، منتقلاً منها الى ما رافق غيبتيه الصغرى والكبرى ، وما يتصل بهما ، والاحداث والوقائع التي ستصاحب ظهوره المنتظر باذن الله تعالى.

وقد حاول المؤلف في كتابه هذا عرض الاخبار والاحداث بشكل مرتب ومنظم ، وبالصورة التي تساعد على رسم صورة واقعية للزمن الذي عاصرته هذه الاحداث ، ووفق المقاييس المرتكزة على جوهر العقيدة الاسلامية ، ومبانيها الواضحة والصحيحة ، وباعتماد جملة من المراجع والمصادر المهمة والمعتبرة ، والتي يشكّل كتاب الارشاد للشيخ المفيد رحمه‌الله واحداً منها.

وعموماً فان هذا الكتاب يمثل خطوة رائدة في عملية كتابة التأريخ بالشكل الذي يرتكز ارتكازاً واضحاً وبيناً على المنهج المتفرع عن التوصيات المتكررة للمشرّع المقدس ، واعتماداً على خطوطه العامة التي تقدمت منّا الاشارة اليها آنفاً.

بين إعلام الورى وربيع الشيعة

من يتأمل في متني كتابنا هذا ـ إعلام الورى ـ وربيع الشيعة المنسوب للسيد ابن طاووس رحمه‌الله يجد توافقاً غريباً ، وتطابقاً عجيباً بين الاثنين ، سواء في ترتيب الاَركان والاَبواب والفصول ، أو في المواضيع التي تناولتها هذه التقسيمات ، باستثناء بعض الاختصارات المحدودة ، والاختلاف في خطبة الكتاب ، وهذا ممّا أثار استغراب قرّاء الكتابين وتعجبهم ، ودفعهم للتفحُّص بدقة وعناية في علّة هذا التوافق ومصدره ، وهل ان هذين الاسمين لكتابين

٢٢

مختلفين ومؤلّفين اثنين؟ أم هناك التباس دفع لهذه الشبهة وان العنوانين هما لكتاب واحد ، ولمؤلّف واحد؟ أو لعل احدى هاتين التسميتين مضافة قهراً أو سهواً على هذا الكتاب ، وبالشكل الذي قد يدفع البعض للاعتقاد باثنينيتهما؟

نعم ، ان هذا الامر وان شكّل في أول وهلة حيرة عند الفضلاء والعلماء ، إلاّ أنّ البعض منهم لم يلبث أن قطع بعد الفحص والتأمُّل بان هذين الاَصلين يعودان ـ بلا أدنى شك ـ لكتاب واحد ، لاتحادهما الشامل ، وتوافقهما الكبير كما ذكرنا آنفاً.

ولمّا كانت نسبة كتاب إعلام الورى للشيخ الطبرسي رحمه‌الله مقطوعاً بها ، وثابتة بشكل لا يرقى اليه الشك ، فان هذا الشك كان منصباً ومتوجهاً نحو الكتاب الآخرـ إن تنازلنا وقلنا بعدم وحدتهما ـ وصحة نسبته للسيّد ابن طاووس رحمه‌الله وهو الاَمر الذي لا يعسر على باحث ومتمرّس في عمله القطع بعدم صواب هذه النسبة وابطال شبهتها.

ولا غرو في ذلك ، فان التحقٍّق في مدى نسبة كتاب ربيع الشيعة للسيّد ابن طاووس رحمه‌الله تظهر بجلاء وهن وضعف هذه النسبة التي لم يُثار إلاّ من خلال ما وجد على بعض نسخه التي تشير إلى انه من تصانيف السيّدعلي بن طاووس فحسب ، وهذا الاَمر عند اخضاعه للبحث والتمحيص نجده لا يقف قطعاً أمام القرائن والدلائل المتعددة النافية لهذه النسبة ، وهذه التسمية.

ولعلّ من تلك القرائن ـ كما ذكر ذلك الشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه‌الله ـ ان الممارس لبيانات السيد ابن طاووس لا يرتاب في أن ربيع الشيعة ليس

٢٣

له ، والمراجع له لا يشك في اتحاده مع إعلام الورى(١).

نعم فان للسيد ابن طاووس اسلوباً معلوماً ومنهجاً واضحاً في كتبه ومؤلفاته تجعل من نسبة هذا الكتاب اليه غريبة وشاذة ، بل وغير معهودة لما عرف عنه ، وتعاهد عليه الجميع.

ثم ان من تعرّض لجرد مؤلّفاته وكتبه رحمه‌الله لم يذهب الى نسبة هذا الكتاب اليه ، وكذا معظم من ترجم له ، إلاّ في حالات متشككّة ومتردّدة ، وفي هذا الاَمر ما يضعف أيضاً نسبة الكتاب اليه.

بل ولعل ممّا يقطع بانتفاء هذه النسبة من جانب ، وكون النسختين لكتابين مستقلين من جانب آخر ، مسألة التطابق بين النسختين بالشكل الذي يدفع القارىء للقول بان ما يقرأه كتاب واحد فحسب ، حيث لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يتفق مؤلّفان في كتابين مستقلّين على جميع مواد كتابيهما ، وتفاصيل بحوثهما وأخبارهما ألاّ اذا عمد اللاحق الى استنساخ ما كتبه السابق ثم قيامه بنسبة ما استنسخه اليه ، وهذا الفعل السيء لا يمكن بأي حال من الاحوال نسبته للسيّد ابن طاووس رحمه‌الله لانه محض وهم وافتراء لا يليق توجيهه لعلم من أعلام الطائفة الكبار له الكثير من المؤلفات القيمة التي كانت وما زالت تزدان بها المكتبة الاسلامية العامرة ، فهذا الاَمر مستحيل الوقوع ، ومردود الافتراض(٢).

ومن هنا فقد كان لهذا التطابق الغريب بين هاتين النسختين الاثر

__________________

(١) الذريعة ٢ : ٢٤١.

(٢) ان المنطق والبديهية ترفض وقوع مثل هذا الامر ، كما ان أي افتراض آخر يذهب الى اثنينية هذا الكتاب باطل قطعاً ، لا سيما وان الطبرسي وابن طاووس من أعلام الطائفة وجهابذتها ، ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان يقع فيما بينهما هذا التداخل المردود ، فلاحظ وتأمل.

٢٤

الكبير في كيفية التعامل معهما ، فاُخذ من الاول ـ أي الاعلام ـ واعتمد عليه دون الثاني ، للقطع الحاصل بصحة انتساب الاول الى مؤلفه خلاف ما هو الثاني.

وهذا الاَمر هو الذي دفع العلاّمة المجلسي رحمه‌الله الى التوقُّف عن نقل أي مورد عن ما يُعرف بكتاب ربيع الشيعة ، قال : وتركنا منهاـ أي من كتب ابن طاووس ـ كتاب ربيع الشيعة لموافقته لكتاب إعلام الورى في جميع الاَبواب والترتيب ، وهذا ممّا يقضي منه العجب(١).

ثم ان عين الحيرة هي التي أصابت الشيخ الكاظمي في تكملته ، حيث قال : وقد وقفت على إعلام الورى للطبرسي ، وربيع الشيعة لابن طاووس ، وتتبعتهما من أولهما الى آخرهما ، فوجدتهما واحداً من غير زيادة ونقصان ، ولا تقديم ولا تأخير أبداً ، إلاّ الخطبة (٢).

اذن ما الذي أوقع هذا الالتباس والحيرة في نسبة هذا الكتاب الى علمين كبيرين من أعلام الطائفة لكلِّ واحد منهما مؤلَّفاته وكتبه العديدة التي طبق صيتها الآفاق ، وتناقلتها الاَيدي من مكان الى مكان ، وكثر النقل عنها والرجوع من قبل الكتّاب والباحثين والمؤلِّفين؟

والمستقرىء في مجمل هذه الشواهد والقرائن يقطع ـ بعد تسليمه بان نسبة هذا الكتاب الى السيد ابن طاووس وبهذه التسمية باطلة وساقطة ـ بان

__________________

(١) بحار الاَنوار ١ : ٣١.

(٢) تكملة الرجال ١ : ١١.

بيد أن الشيخ الكاظمي لم يفطن لعلة هذا التوافق وسببه ، ولم تنقضحيرته من ذلك الاّ عند مطالعته لما كتبه العلاّمة المجلسي في بحاره ، ولكن ماذهب اليه كان خلاف الواقع الذي أشرنا اليه ، وحيث ذهب رحمه‌الله الى تعددهما ، فراجع.

٢٥

للنسّاخ الدور الاكبر في حصول هذا الامر ووقوعه ، والى هذا الامر ذهب الشيخ الطهراني في ذريعته ، حيث قال بعد نفيه نسبة الكتاب الى السيد ابن طاووس : وقد احتمل بعض المشايخ كون منشأ هذه الشبهة ان السيد ابن طاووس حين شرع في أن يقرأ على السامعين كتاب إعلام الورى هذا حمد الله تعالى وأثنى عليه ، وصلّى على النبي وآله صلوات الله عليهم على ما هو ديدنه ، ثم مدح الكتاب وأثنى عليه بقوله : ان هذا الكتاب ربيع الشيعة ، والسامع كتب على ما هو ديدنه هكذا : يقول الامام ـ وذكر ألقابه واسمه الى قوله ـ ان هذا الكتاب ربيع الشيعة. ثم كتب كل ما سمعه من الكتاب الى آخره ، فظن من رأى النسخة بعد ذلك أن ربيع الشيعة اسمه ، وأن مؤلّفه هو السيد ابن طاووس(١).

أو غير ذلك من الوجوه المحتملة في وقوع هذا الالتباس دون علم السيد ابن طاووس به كما هو مقطوع به.

والخلاصة : ان ما يذكر من وجود كتاب للسيد علي بن طاووس يعرف بربيع الشيعة محض وهم واشتباه لا يؤبه به ، وان الاصل في ذلك هو كتاب إعلام الورى للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي فحسب ، وعلى ذلك توافق الدارسون والباحثون.

منهجية التحقيق

لمّا كان كتاب اعلام الورى من مصادر بحار الانوار التي أخذ عنها

__________________

(١) الذريعة ٢ : ٢٤١|٩٥٧. كما ان العلاّمة النوري قد وافق في رأيه الشيخ الطهراني ، وأورد في تفسير ذلك شرحاً مستفيضاً في خاتمة لمستدرك الوسائل ، فليراجع اليها من طلب المزيد من البحث التفصيل.

٢٦

المجلسي رحمه‌الله في كتابه المذكور ، فقد كان من الطبيعي ان تنيط ادراة المؤسسة ـ بعد ان وقع اختيارها المبتني على دارسه دقيقة وشاملة لمصادر هذه الموسوعة ـ مسؤولية تحقيق هذا السفر الجليل بلجنة مصادر البحار في المؤسسة ، والتي بادرت ـ ووفقاً لمنهجية عمل المؤسسة الجماعي ـ الى تشكيل جملة من اللجان المتخصصة التي أناطت بكل واحدة منها جانباً من هذا العمل التحقيقي.

وقد كانت الخطوة الاولى هي الحصول على نسخ مخطوطة نفيسة لهذا الكتاب ، وحيث وقع اختيارها ـ بعد الفحص والتقصي الدقيقين ـ على النسختين المخطوتين التاليتين :

١ ـ نسخة ثمينة مصوّرة محفوظة في مكتبة العلاّمة المحقِّق السيّد عبدالعزيز الطباطبائي رحمه‌الله يعود تأريخ نسخها الى القرن السابع الهجري ، وكان سماحته قد زوَّدنا بها أيام حياته مع توجيهات كريمة منه لعموم ما يتصل بهذا العمل وتحقيقه ، كعادته رحمه‌الله في عموم أعمال المؤسسة التحقيقية المتواصلة ـ وقد رمزنا لها بالحرف (ط) ـ جزاه الله تعالى عنّا وعن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام أفضل وأحسن الجزاء.

٢ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة ملك| طهران ، برقم ١٩٠٢ ويعود تأريخها الى عام ٩٦٧ هـ ، والموسومة بربيع الشيعة ، ورمزها (ق).

٣ ـ ولما كان الكتاب مصدراً لبحار الاَنوار فقد اعتمدناه نسخة ثالثة ، اضف ان نسخة العلاّمة المجلسي قدس‌سره هي بخط المصنف قدس‌سره.

٤ ـ النسخة المطبوعة في بيروت عام ١٩٨٥ م حيث كانت مصب العمل ورمزها (م).

هذا ، وقسمت الاَعمال على اللجان التالية.

١ ـ المقابلة ، وعملها مقابلة النسخ ، وثبت الاختلافات ، وتولى مسؤولية

٢٧

هذه اللجنة كل من الاخوين الفاضلين : الحاج عزالدين عبدالملك ، والسيد مظفر الرضوي.

٢ ـ لجنة التخريج ، وتتولى هذه اللجنة مسؤولية تخريج الاحاديث والروايات والاخبار وغير ذلك من مواد الكتاب ، وقد اُنيطت بالاخوة الاَماجد : عباس الشهرستاني ، وحسين آل جعفر ، واحسان الجواهري ، وسعد فوزي جودة ، كما ان مسؤولية تدقيق ومراجعة أعمال هذه اللجنة قد اُنيطت بالاخ الفاضل هيثم شاهمراد السّماك.

٣ ـ وأمّا مسؤولية تقويم الكتاب ، وضبط نصه ، والاشراف على تحقيقه ، فقد اُنيطت بالاخ المحقِّق الفاضل علاء آل جعفر ، مسؤول لجنة مصادر البحار في المؤسسة.

٤ ـ وتولى مسؤولية مراجعة الكتاب وقراءته القراءة النهائية سماحة حجَّة الاسلام والمسلمين السيّد علي الخراساني.

وفَّق الله تعالى العاملين على نشر علوم تراث العترة الطاهرة ، وتقبَّل منهم صالح أعمالهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لاِحياء التراث

٢٨

٢٩

٣٠

٣١

٣٢
٣٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الاَحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، تعالى عن الصاحبة والولد ، واستغنى عن العُدد والعَدد ، وتقدّست عن شبه الخلائق صفته ، وارتفعت عن مذاهب العقول عظمته ، وأعجزت غوامض الفكر جلالته ، ووضحت بالشواهد الساطعة حجّته ، وظهرت في كلّ شيء حكمته ، أحقَّ الحقَّ بما نصب من أعلامه ودلالاته ، وأوضح من حججه وبيّناته ، وأبطل الباطل بما أدحض من شبهاته ، وأبان عن مشبهاته.

وصلّى الله على عبده المجتبى ، ونبيّه المصطفى ، خير الاَنبياء والمرسلين ، وأفضل الاَوّلين والآخرين ، البشير النذير ، الداعي بإذنه والسراج المنير ، سيّد سادات العرب والعجم ، محمّد بن عبدالله بن عبد المطلب.

وعلى أوصيائه وأصفيائه الاَئمة المهديّين المرضيّين المنتجبين من اُرومته(١) ، الحافظين لشريعته ، المعصومين من كلّ دنس ورجس ، المفضَّلين على كافّة الجنّ والاِنس ، الذين ينتجز الموعود يوم المآب

__________________

(١) الارومة : الاَصل. «لسان العرب ١٢ : ١٤».

٣٤

بإنجازهم ، ولا يُجاز الصراط إلاّ بجوازهم ، فهم النمرقة (١) الوسطى ، من تقدّمهم مرق ، ومن تأخّر عنهم زهق ، ومن لزمهم لحق ، وهم كباب حطّة ، ومثل سفينة نوح من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى. وهم خاصّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصفوة عترته الذين قرن الله معرفتهم بمعرفته ، وجعل محبّتهم في الوجوب كمحبّته. وهم دعائم الاِسلام ، وأئمّة الاَنام ، وحجج المهيمن السلام ، سرج في كلّ ظلام ، ودرج إلى كلّ مرام. عليهم أفضل الصلاة والسلام مالاح برق واسستهلّ غمام ، وتوسّمت الرياض بفرادى نباتها والتوأم.

وبعد :

فإنّ أشرف الكلام عند الخاصّ والعامّ ما وجّه إلى أشرف من حاز الله له رواء الملك إلى بهاء العلم ، وسناء الحلم ، وإمضاء الحكم ، لا زال مبرّاً على ملوك الاَرض وولاة النهي والاَمر بما آتاه من علوّ الشأن وجلالة القدر ، وميّزه بجلائل من المجد (ودقائق من الشرف المعد ، وخواص من العدل ، وعوام من الفواضل والفضل)(٢) ، لا يندرج أدناها تحت القدرة والاِمكان ، ولا ينال أقصاها بالعبارة والبيان ، وهذه صفة الاصفهبذ (٣) الاَجلّ (الاَعظم ، الملك المؤيد العادل)(٤) شرف الدينا والدين ، ظهير الاِسلام والمسلمين ، (تاج الملوك والسلاطين ، عضد الجيوش في العالمين ، قاهر الكفرة والمشركين ، قامع العتاة والمتمردين ، علاء الدولة ، وبهاء الملة ، مجد

__________________

(١) النمرقة (بضم النون والراء وبكسرهما) : الوسادة ، وجمعها نمارق. «النهاية ٥ : ١١٨».

(٢) في نسخة «م» : والجلال وفواضل القدر من الفضل والافضال.

(٣) قال المسعودي في الاَشراف والتنبيه (٩١) : الاصفهبذ : وهو أمير الجيوش ، وتفسيره حافظ الجيش ، لاَن الجيش «اصبه» و«بذ» حافظ.

(٤) في نسخة «م» : الملك العادل المؤيد المنصور.

٣٥

الاَُمة ، صفوة الخلافة ، قطب المعالي) (١) ملك مازندران ، خُسرو (٢) ايران ، اصفهبذ ، اصفهبذان ، شاه فرشواذكر (٣) أبي الحسن عليّ بن شهريار بن قارن نصرة أمير المؤمنين ، أعلى الله شأنه ، ونصر سلطانه ، وحرس حوباه ، وطرّز بالنجح لواه ، إذ هو باتّفاق الأوياء والاَعداء ، واصفاق القرباء والبعداء ، واحد الدهر ، وثمال(٤) أهل العصر ، وغرّة الاَفلاك الدائرة ، وعمدة العترة الطاهرة.

لا جرم قد ملّكه الله زمام الدهر ، وأنفذ حكمه في البرّ والبحر ، وشدّ به أزر الاِسلام ، ومهّد له أسباب المعدلة في الاَنام ، وجعل أيّامه للزمان أعياداً ومواسم ، وللاِِقبال مباهج ومباسم ، متّعه الله تعالى بجمال هذه الحال ، وأدام له في العباد والبلاد كرائم الاِِفضال ، ومواد النوال ، بلطفه وطوله وسعة جوده وفضله.

ثم إنّ خادم الدعاء المخلص بالولاء وإن سبق في ميدان الفضل فهو عكاشة غايته ، وبرز على فرسان العلم فهو عرابة رايته وإن كان قد قصر وهمه وهمّه ، وجمع وكده (٥) وكدّه ـ منذ خطّ الشباب بالمسك عذاره ، إلى أن وخط المشيب بالكافور أطراره (٦) ـ على اقنتاء العلوم وجمع أفانينها (٧) وضبط قوانينها حتى اصبح مقتطفاً من ثمار النحو والاَدب زواهرها وغررها ، مغترفاً

__________________

(١) اثبتناها من نسخة «ط».

(٢) خُسرو (بضم الاَول وسكون الثاني وفتح الثالث) : أي ملك وامام عادل. «البرهان القاطع : ٤٣٦».

(٣) فرشواذكر : كلمة من اللغة البهلوية ، وهي لقب يطلق على ملوك الجبال في أقاليم طبرستان ومازندران. «انظر : لغة نامه مادة فرشوادكر».

(٤) الثمال : من يلتجأ إليه قومه وإليه يفزعون. «انظر : لسان العرب ١١ : ٩٤».

(٥) الوكد : الهم. «لسان العرب ٣ : ٤٦٧».

(٦) الطرة : الناصية. «الصحاح ـ طرر ـ ٢ : ٧٢٥».

(٧) الاَفانين : الاَساليب ، وهي أجناس الكلام وطرقه. «الصحاح ـ فنن ـ ٦ : ٢١٧٧».

٣٦

من بحار اصول الدين وفروعه جواهرها ودررها ، فإنّ كلّ فاضل وإن بعد في الفضل مداه ، وبلغ من كلّ علم أقصاه ، إذا لم يتشرّف بتقبيل تراب الحضرة العالية الاِِصفهبذية العلائية ، أدام الله لها العلو والعلا والسمو والسنا والقدرة والبهاء ولم ينسب إلى جملة خدمها ، ولم يحسب في زمرة حشمها ، فهو ناقص عن حيّز الكمال ، عادل عن الحقيقة إلى المحال.

لاَنــها الـغايةُ القُصوى التي عجزتْ

عنْ أنْ تـــؤمٍّل ادراكاً لهم الـهممُ

ما يـستـحقُّ ملوكُ الـدهـر مـرتبةً

إلا لصـاحـبهـا مِـنْ فـوقـِها قدَمُ

فـرأيهُ إنْ دَجـا لـيلُ الشكوكِ هُدى

وظلُّه إنْ خـطــا صرفُ الردى حَرمُ

فــلـو عداالـكرمُ الموصوفُ راحتهُ

عن انْ يُجاورهـا لم يـكرمِ الـكـرمُ

جلالة الملك أدنى درجاته ، وحماية الدين أقلّ أدواته ، وإكرام ذوي الفضل من الاَنام واصطناع الكرام والاِِنعام على الخاصّ والعامّ أشهر صفاته ، فالآمال منوطة به ، والهمم مصروفة إليه ، والثناء والحمد والشكر بأجمعها موقوفة عليه ، واستقلّ بما عجزت الملوك عن حمل أعبائه ، وقام بما قعد الدّهر عن معاناة عنائه ، (بهمةّ عليّة) (١) ، وعزيمة (٢) علانية ، (٣) وعقيدة علويّة ، فردّ سمل الدين جديداً ، وأعاد ذميم الاَيام حميداً ، بحق أوضحه ، وباطل فضحه ، وهدى أعاده ، وضلالٍ أباده :

فلا انـتـزعَ الله العدي حـدَ بأسهِ

ولا انتزعَ الله الهدي عـزِّ نـصرِهِ

واحـسـنَ عنْ حـبِ الـنبي وآلهِ

ورعى سوام الدينِ تــوفيرُ شكرهِ

فـمـا يـدركُ المداحُ ادنى حقوقِهِ

باغراقِ مـنظـومِ الكلامِ ونـثـرهِ

__________________

(١) لم ترد في نسخة «ط».

(٢) في نسخة «ط» : بعزمة.

(٣) في نسخة «ط» زيادة : عزيزة علوية.

٣٧

لاَن ادنى نِعَمِه يستغرق جميع الشكر ، وايسر مننه يفوز مدى الوصف والذكر :

فكلّ أروعَ مِن آلِ ( الرسول عدا ) (١)

جَـلانَ يرفلُ مِنْ نـعـماهُ في حـُلل

فَـلو أجابَ كـتابَ اللهِ سائـلــهُ

مـنْ خـير هذاُ الورى لم يسمِ غيرَ علي

ولمّا عاق هذا الدّاعي المخلص عن (ورود الحضرة) (٢) العالية ، والوصول منها إلى رواق العز والجلال ، والاكتحال بتلك النهجة والجمال عوائق الزحال وعوادي الاُصول (٣) أراد أن يخدمها بخدمة تبقى عوائدها على تعاقب الاَيام وتناوب الشهور والاَعوام ، فيؤلّف كتاباً يتضمّن أسامي الاَئمة الهداة والسادة الولاء واُولي الاَمر وأهل الذكر وأهل بيت الوحي ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، ويشتمل على تواريخ مواليدهم وأعمارهم ، وطرف من أخبارهم ومحاسن آثارهم ، والنصوص الدالّة على صحّة إمامتهم ، والآيات الظاهرة من الله عليهم الشاهدة لتمييزهم عمّن سواهم وإبانتهم عمّن عداهم. ثمّ فكّر في ذلك وقدّر وتأمّل وتدبّر وقال : إذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الشجرة وهم أغصانها ، والدوحة وهم أفنانها ، ومنبع العلم وهم عيبته ، ومعدن الحكم وهم خزانته ، وشارع الدين وهم حفظته ، وصاحب الكتاب وهم حملته ، فهو أولى بان يقدّم في الذكر وتبيّن آياته الناطقة برسالاته وأعلامه الدالّة على نبوّته ومعجزاته القاهرة ودلالاته الباهرة.

فاستخار الله سبحانه في الابتداء به ، واستعان به في إتمام ما قصده ،

__________________

(١) كان في المطبوع : النبي نجد ، وما أثبتناه من نسخة «ط».

(٢) كان في المطبوع : الاستسعاد بخدمة حضرته ، وما اثبتناه من نسخة «ط».

(٣) في المطبوع زيادة : والانبساط لتقبيل بساطها ، والانخراط في سلك سماطها ، والمرتوع في ظلال كرمها ، والشروع في مشارع حرمها.

٣٨

وسمّاه كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى وجعله أربعة أركان :

الركن الاَول : في ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والركن الثاني : في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

والركن الثالث : في ذكر الاَئمة من أبنائه من الحسن بن علي الرضيّ إلى الحسن بن علي الزكي عليهم‌السلام.

والركن الرابع : في إمامة الاَئمة الاثني عشر والاِِمام الثاني عشر عليهم‌السلام.

وكلّ ركن منها يتضمّن أبواباً وفصولاً تزهر بما فيها من مكنون العلم ومخزون الحكم ، مفصولاً وموصولاً ، وإنّ من أولى الاُمور وأصوبها عند الجمهور أن تحلّى مسائل العقائد على أجلّ معتقديها ، وتعرّض فرائد الجواهر على أكمل منتقديها ، والمأمول المسؤول من الرّأي العالي أعلاه الله أن يغدق على هذه الكريمة الجسيمة ويسبل على هذه الرّسلة العقلية النيلة جناح القبول ، لينال الدّاعي المخلص بذلك غاية المرام ونهاية المأمول فاستخرجت درّة فإنها خير باكورة جلبت إلى قلوب المؤمنين وأكرم بشارة صبّت على أذان الغارمين والله تعالى الموفّق للسداد ، الهادي إلى الرشاد ، وعليه توكّلت وإليه اُنيب.

* * *

٣٩

(الركن الاَول من الكتاب)

في ذكر النبي المصطفى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونسبه ، ومولده ، ومبعثه ، ومدّة حياته ، ووقت وفاته ، وبيان أسمائه وصفاته ، ودلائل نبوّته ومعجزاته ، وذكر أولاده وأزواجه وأعمامه وأخواله ، ومعرفة بعض غزواته وأحواله.

ويشتمل على ستّة أبواب :

٤٠