إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

بمكّة»(١).

وقد روي أيضاً عن الصادق عليه‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساق في حجّته مائة بدنة ، فنحر نيّفاً وستّين ، ثمّ أعطى عليّاً فنحر نيّفاً وثلاثين ، فلمّا رجع علي عليه‌السلام إلى جيشه وجد الناس قد لبسوا تلك الحلل ، فقال للذي استخلفه عليهم : « ويحك ما دعاك إلى ما فعلت من غير إذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ » قال : إنّهم سألوني أن أدفعها إليهم فيتجملوا بها ويحرموا فيها.

فقال : «بئس ما فعلوا وبئس ما فعلت».

فانتزعها عليه‌السلام من القوم وشدّها في الأعدال ، فكثرت شكاية القوم عليّاً ، فنادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارفعوا ألسنتكم عن شكاية عليّ فإنّه أخشن في ذات الله.

ولمّا قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومكّة وطاف وسعى نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام ـ وهو على المروة ـ بهذه الآية ( وَاتِمّوا الحَجَّ والعُمرَةَ للهِ )(٢) فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة ـ وشبّك بين أصابعه ـ ثمّ قال عليه‌السلام : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي».

ثمّ أمر مناديه فنادى : من لم يسق منكم هدياً فليحلّ وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هدياً فليقم على إحرامه.

__________________

(١) انظر : ارشاد المفيد ١ : ١٧١ ، قصص الأنبياء للراوندي : ٣٥٥ | ٤٣١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٢٤٩ ، دلائل النبوة للبيهقي ٥ : ٣٩٩ ، أحكام القرآن للقرطبي ٢ : ٣٧٠ ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢١ : ٣٨٣ | ١٠.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٦.

٢٦١

وقام إليه رجلٌ من بني عديّ وقال : يا رسول الله أتخرجنّ إلى منى ورؤسنا تقطر من الماء(١) فقال عليه‌السلام : «إنّك لن تؤمن بها حتّى تموت».

فقام إليه سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟

قال : «لا ، بل لأبد الأبد».

فأحلّ الناس أجمعون ، إلاّ من كان معه هدي.

وخطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس يوم النفرمن منى فودّعهم ، ولمّا قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسكه وقفل إلى المدينة ، وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خمّ ، وليس بموضع يصلح للنزول لعدم الماء فيه والمرعى ، نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام ، وأمره أن يقيم عليّاً وينصبه إماماً للناس ، فقال : «ربّ إنّ اُمّتي حديثو عهد بالجاهليّة» فنزل عليه : أنّها عزيمة لا رخصة فيها ، فنزلت الآية : (يا اَيُّها الرَّسُولُ بَلَّغ ما اُنزِلَ اِليك مِن رَبَّك وَاِن لَم تَفعل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعصمُك مِنَ النَّاسِ)(٢).

فنزل رسول الله بالمكان الذي ذكرناه ، ونزل المسلمون حوله ، وكان يوماً شديد الحر ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه فنادى بالناس الصلاة جامعة ، فاجتمعوا إليه ، وإنّ أكثرهم ليلفٌ رداءه على قدميه من شدّة الرّمضاء ، فصعد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تلك الرحال حتّى صار في ذروتها ، ودعا عليّاً عليه‌السلام فرقى معه حتّى قام عن

__________________

(١) في نسخة «م» : النساء.

(٢) المائدة ٥ : ٦٧.

٢٦٢

يمينه ، ثمّ خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ ونعى إلى الاُمّة نفسه فقال : «إنّي دعيت ويوشك أن اُجيب ، وقد حان منّي خفوقٌ من بين أظهركم ، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض».

ثمّ نادى بأعلى صوته : «ألست أولى منكم بأنفسكم؟».

فقالوا : اللهمّ بلى.

فقال لهم على النسق وقد أخذ بضبعي(١) عليّ فرفعهما حتى رُئي بياض إبطيهما وقال : «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله».

ثمّ نزل عليه‌السلام وكان وقت الظهيرة ، فصلى ركعتين ، ثمّ زالت الشمس فأذّ ن مؤذّنه لصلاة الظهر فصلّى بالناس وجلس في خيمته ، وأمر عليّاً عليه‌السلام أن يجلس في خيمة له بإزائه ، ثمّ أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فواجاً فوجاً فيهنّوه بالاِمامة ، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل الناس ذلكاليوم كلّهم ، ثمّ أمر أزواجه وجميع نساء المؤمنين معه أن يدخلن معه ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن ذلك ، وكان ممّن أطنب في تهنئته بذلك المقام عمر بن الخطّاب وقال فيما قال : بخّ بخّ لك يا عليّ ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

وأنشأ حسّان يقول :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

مّ وأسمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم ووليّكم

قالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

لن تجدن منّا لك اليوم عاصيا


__________________

(١) الضبع : العضد. «الصحاح ـ ضبع ـ ٣ : ١٢٤٧».

٢٦٣

فقال له قم يا علي فإنّني

يتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

كونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهمّ وال وليّه

كن للّذي عادا عليّاً معاديا

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ».

ولم يبرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك المكان حتّى نزل(اَليَوم اَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَاَتَممتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِتُ لَكُمُ الاِسلامَ دِيناً)(١) فقال : «الحمد لله على كمال الدين ، وتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي»(٢).

ولمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة من حجّ الوداع بعث بعده اُسامة بن زيد وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه ، وقال له : «أوطىء الخيل أواخر الشام من أوائل الرّوم». وجعل في جيشه وتحت رايته أعيان المهاجرين ووجوه الأنصار ، وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة.

وعسكر اُسامة بالجرف ، فاشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شكواه التي توفّي فيها ، وكان عليه‌السلام يقول في مرضه : « نفّذوا جيش اُسامة » ويكرّر ذلك ، وإنّما فعل عليه‌السلام ذلك لئلاّ يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الاِمامة ، ويطمع في الامارة ، ويستوسق الأمر لأهله(٣).

قال : ولمّا أحسّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمرض الذي

__________________

(١) المائدة ٥ : ٣.

(٢) ارشاد المفيد ١ : ١٧٣ ، وباختلاف يسير في تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٠٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢١ : ٣٨٩ | ١٢.

(٣) انظر : ارشاد المفيد ١ : ١٨٠ ، قصص الأنبياء للراوندي : ٣٥٧ | ٤٣٢ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٣٠٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١١٣.

٢٦٤

اعتراه ـ وذلك يوم السبت أو يوم الأحد ليال بقين من صفر ـ أخذ بيد عليّ عليه‌السلام ، وتبعه جماعة من أصحابه ، وتوجّه إلى البقيع ثمّ قال : «السلام عليكم أهل القبور ، ليهنئكم ما أصبحتم فيه ممّا فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها. ثمّ قال : إنّ جبرئيل عليه‌السلام كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة ، وقد عرضه علي العام مرّتين ، ولا أراه إلاّ لحضور أجلي».

ثمّ قال : «يا علي ، إنّي خُيِّرت بين خزائن الدينا والخلود فيها أو الجنّة ، فاخترت لقاء ربّي والجنّة ، فإذا أنا مت فغسّلني واستر عورتي ، فإنّه لا يراها أحد إلاّ اُكمه».

ثمّ عاد إلى منزله ، فمكث ثلاثة أيّا موعوكاً ، ثمّ خرج إلى المسجد يوم الأربعاء معصوب الرأس متّكئاً على علي بيمنى يديه وعلى الفضل بن عبّاس باليد الاُخرى ، فجلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أمّا بعد : أيّها الناس ، إنّه قد حان منّي خفوق من بين أظهركم ، فمن كانت له عندي عدة فليأتني اُعطه ايّاها ، ومن كان له عليّ دين فليخبرني به».

فقام رجلٌ فقال : يا رسول الله لي عندك عدة ، إنّي تزوّجت فوعدتني ثلاثة أواق ، فقال عليه‌السلام : «أنحلها ايّاه يا فضل».

ثمّ نزل فلبث الأربعاء والخميس ، ولمّا كان يوم الجمعة جلس على المنبر فخطب ثمّ قال : «أيّها الناس إنّه ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيراً أو يصرف به عنه شرّاً إلاّ العمل الصالح ، أيّها الناس لا يدّع مدّع ، ولا يتمنّ متمنّ ، والذي بعثني بالحقّ لا ينجي إلاّ عمل مع رحمة الله ، ولو عصيت لهويت ، اللهمّ هل بلّغت؟ ـ ثلاثاً ـ».

ثمّ نزل فصلّى بالناس ، ثمّ دخل بيته ، وكان إذ ذاك في بيت اُمّ سلمة ، فأقام به يوماً أو يومين ، فجاءت عائشة فسألته أن ينقل إلى بيتها لتتولّى تعليله

٢٦٥

فأذن لها ، فانتقل إلى البيت الذي أسكنته عائشة فاستمر المرض به فيه أيّاماً وثقل عليه‌السلام ، فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله مغمور بالمرض فنادى الصلاة رحمكم الله ، فقال عليه‌السلام : «يصلّي بالناس بعضهم» ، فقالت عائشة : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، وقالت حفصة : مروا عمر.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اُكففن ، فإنّكن صويحبات يوسف ».

ثمّ قال وهو لا يستقلّ على الأرض من الضعف ، وقد كان عنده أنّهما خرجا إلى اُسامة ، فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب والفضل بن عبّاس فاعتمدهما ورجلاه تخطان الأرض من الضعف ، فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومأ إليه بيده ، فتأخّر أبو بكر ، وقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبّر وابتدأ بالصلاة ، فلمّا سلّم وانصرف إلى منزله استدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر المسجد ثمّ قال : «ألم آمركم أن تنفذوا جيش اُسامة؟» فقال أبو بكر : إنّي كنت خرجت ثمّ عدت لاُحدث بك عهداً ، وقال عمر : إنّي لم أخرج لاَني لم اُحب أن أسال عنك الركب.

فقال عليه‌السلام : ( نفذوا جيش اُسامة ) ـ يكررها ثلاث مرات ـ ثمّاُغمي عليه صلوات الله عليه وآله من التعب الذي لحقه ، فمكث هنيئة وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ومن حضر ، فافاق عليه‌السلام وقال : «ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً » ثمّ اُغميعليه.

فقام بعض من حضر من أصحابه يلتمس دواة وكتفاً ، فقال له عمر : ارجع فإنّه يهجر !! فرجع.

فلمّا أفاق [ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] قال بعضهم : ألاّ نأتيك يا رسول الله بكتف؟ دواة؟ فقال : « أبعد الذي قلتم !! لا ، ولكن احفظوني في أهل

٢٦٦

بيتي ، واستوصوا بأهل الذمة خيراً ، وأطعموا المساكين (الصلاة)(١) وما ملكت أيمانكم ».

فلم يزل يردّد ذلك حتّى أعرض بوجهه عن القوم ، فنهضوا ، وبقي عندهالعبّاس والفضل وعليّ عليه‌السلام وأهل بيته خاصّة ، فقال له العبّاس : يارسول اللهّ إن يكن هذا الأمر فينا مستقرّاً من بعدك فبشّرنا ، وإن كنت تعلم أنّا نغلب عليه فأوص بنا ، فقال : «أنتم المستضعفون من بعدي » واصمت ، ونهض القوم وهم يبكون.فلمّا خرجوا من عنده قال : « ردّوا عليّ أخي عليّ بن أبي طالب وعمّي » فحضرا ، فلمّا استقر بهما المجلس قال رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عبّاس يا عمّ رسول الله ، تقبل وصيّتي وتنجز عدتي وتقضي ديني؟ ». فقال له العبّاس : يا رسول الله ، عمّك شيخ كبير ذو عيال كثير ، وأنت تباري الريح سخاء وكرماً ، وعليك وعدٌ لا ينهض به عمّك.فأقبل على عليّ عليه‌السلام فقال : «يا أخي تقبل وصيّتي وتنجز عدتي وتقضي ديني؟».

فقال : «نعم يا رسول الله ».

فقال : «اُدن منّي » فدنا منه فضمّه إليه ونزع خاتمه من يده فقال له : «خذ هذا فضعه في يدك » ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته فدفع ذلك إليه ، والتمس عصابة كان يشدها على بطنه إذا لبس درعه ـ ويروى : أنّ جبرئيل نزل بها من السماء ـ فجيء بها إليه ، فدفعها إلى امير المؤمنين عليه‌السلام وقال له : «اقبض هذا في حياتي ». ودفع إليه بغلته وسرجها وقال : «امض على اسم الله إلى منزلك ».

__________________

(١) كذا.

٢٦٧

فلمّا كان من الغد حجب الناس عنه ، وثقل في مرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان عليّ لا يفارقه إلاّ لضرورة ، فقام في بعض شؤونه فأفاق إفاقة فافتقد عليّاً فقال : «ادعوا لي أخي وصاحبي » وعاوده الضعف فاصمت ، فقالت عائشة : اُدعوا أبا بكر ، فدعي فدخل ، فلمّا نظر إليه أعرض عنه بوجهه ، فقام أبو بكر.

فقال : «اُدعوا لي أخي وصاحبي » فقالت حفصة : اُدعوا له عمر ، فدعي ، فلمّا حضر رآه النبيّ عليه‌السلام فأعرض عنه بوجهه فانصرف.

ثمّ قال : «اُدعوا لي أخي وصاحبي » فقالت اُمّ سلمة : ادعوا له عليّاً فإنّه لا يريد غيره ، فدعي أمير المؤمين عليه‌السلام ، فلمّا دنا منه أومأ إليه فأكبّ علجه ، فناجاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً ، ثمّ قام فجلس ناحية حتّى أغفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا أغفى خرج فقال له الناس : يا أبا الحسن ما الذي أوعز إليك؟ فقال : «علّمني رسول الله ألف باب من العلم فتح لي كلّ باب ألف باب ، ووصاني بما أنا قائمٌ به إن شاء اللهّ».

ثمّ ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحضره الموت ، فلمّا قرب خروج نفسه قال له : «ضع رأسي يا عليّ في حجرك فقد جاء أمر الله عزّ وجل ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة ، وتولّ أمري ، وصلّ عليّ أوّل الناس ، ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي ، واستعن بالله عزّ وجل ».

وأخذ عليّ رأسه فوضعه في حجره فاُغمي عليه ، وأكبّت فاطمة عليها‌السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول :

« وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل »

ففتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه وقال بصوت ضئيل :

٢٦٨

«يا بنيّة هذا قول عمّك أبي طالب لا تقوليه ، ولكن قولي : (وَما مُحَمّدٌ الاّ رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ اَفَاِن ماتَ اَو قُتِلَ أنقَلَبتُم عَلى أعقابكُم )(١)» فبكت طويلاً ، فاومأ إليها بالدنوّ منه ، فدنت إليه ، فأسر إليها شيئَاً هلل له وجهها.

ثمّ قضى [ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ، ففاضت نفسه عليه‌السلام فيها ، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ، ثمّوجّهه وغمّضه ومدّ عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره.

فسئلت فاطمة عليها‌السلام : ما الذي أسر إليك رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسرى عنك؟ قالت : «أخبرني أنّي أوّل أهل بيته لحوقاً به ، وأنّه لن تطول المدّة بي بعده حتّى أدركه ، فسرى ذلك عنّي » (٢).

وروي عن اُمّ سلمة قالت : وضعت يدي على صدر رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم مات ، فمرّ بي جُمع آكل وأتوضّأ ما يذهب ريح المسك عن يدي (٣).

وروى ثابت ، عن أنس قال : قالت فاطمة عليها‌السلام - لمّا ثقل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعل يتغشّاه الكرب - : «يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه ، يا أبتاه مِن ربه ما أدناه ، يا أبتاه جنان الفردوس مأواه ، يا أبتاه أجاب رباً دعاه » (٤).

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) ارشاد المفيد ا : ١٨١ ، ونقله المجلسي في بحارالأنوار ٢ : ٤٦٥ | ١٩.

(٣) دلائل النبوة للبيهقي ٧ : ٢١٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢ ٢ : ٥٢٨ | ٣٥.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب ١ : ٢٣٧ ، الطبقات الكبرى ٢ : ٣١١ ، دلائل النبوة للبيهقي ٧ : ٢١٢ ، الأنوار في شمائل النبي المختار ٢ : ١٢٥٣ | ٧٥٢ ، الوفا باحوال المصطفى ٢ : ٨٠٢ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٢ : ٥٢٨ | ٣٥.

٢٦٩

قال الباقر عليه‌السلام : «لمّا حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة نزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا رسول الله أتريد الرجوع إلى الدنيا وقد بلغت؟ قال : لا ، ثم قال له : يا رسول الله تريد الرجوع إلى الدنيا؟ قال : لا ، الرفيق الأعلى»(١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «قال جبرئيل عليه‌السلام : يا محمد هذا آخر نزولي إلى الدنيا ، إنّما كنت أنت حاجتي منها. قال : وصاحت فاطمة عليها‌السلام وصاح المسلمون و ( صاروا )(٢) يضعون التراب على رؤوسهم » (٣).

ومات صلوات الله عليه وآله لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته (٤).

وروي أيضاً لاثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول يوم الاثنين (٥).

ولمّا أراد عليّ عليه‌السلام غسله استدعى الفضل بن عبّاس ، فأمره أن يناوله الماء ، بعد أن عصب عينيه ، فشقّ قميصه من قبل جيبه حتّى بلغ به إلى سرّته ، وتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يناوله الماء ، فلمّا فرغ من غسله وتجهيزه تقدّم فصلّى عليه (٦).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ١ : ٢٣٧ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٥٢٨ | ٣٥.

(٢) لم ترد في نسختي «ق » و«ط » واثبتناها من نسخة «م ».

(٣) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٢ : ٥٢٩ | ٣٥.

(٤) المقنعة : ٤٥٦ ، مسار الشيعة (ضمن مجموعة نفيسة) : ٦٣ ، التهذيب ٦ : ٢ ، مصباح المتهجد : ٧٣٢ ، قصص الأنبياء للراوندي : ٣٥٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢ ٢ : ٥٢٩ | ٣٥.

(٥) الكافي ١ : ٣٦٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٢٣ ، دلائل النبوة للبيهقي ٧ : ٢٣٥ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢ ٢ : ٥٢٩ | ٣٥.

(٦) ارشاد المفيد ١ : ١٨٧ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٢ : ٥٢٩ | ٣٥.

٢٧٠

قال أبان : وحدّثني أبو مريم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال الناس : كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّ صلوات الله وسلامه عليه : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمامنا حيّاً وميّتاً ، فدخل عليه عشرة عشرة فصلّوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء ، حتّى الصباح ويوم الثلاثاء ، حتّى صلّى عليه صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وانثاهم ، وضواحي المدينة ، بغير إمام.

وخاض المسلمون في موضع دفنه ، فقال عليّ عليه‌السلام : «إنّ الله سبحانه لم يقبض نبيّاً في مكان إلاّ وارتضاه لرمسه فيه ، وإنّي دافنه في حجرته التي قبض فيها» فرضي المسلمون بذلك.

فلمّا صلّى المسلمون عليه أنفذ العبّاس رجلاً إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ، وكان يحفر لأهل مكّة ويصرح ، وأنفذ إلى زيد بن سهل أبي طلحة ، وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد ، فاستدعاهما وقال : اللهم خر لنبيّك ، فوجد أبو طلحة فقيل له : اُحفر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحفر له لحداً.

ودخل أمير المؤمنين علي صلوات الله وسلامه عليه والعباس والفضل واُسامة بن زيد ليتولّوا دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنادت الأنصارمن وراء البيت : يا عليّ إنّا نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يذهب ، أدخِل منّا رجلاً يكون لنا به حظّ من مواراة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : «ليدخل أوس بن خولي » رجل من بني عوف بن الخزرج وكان بدريّاً ، فدخل البيت وقال له عليّ صلوات الله وسلامه عليه : «انزل القبر» فنزل ، ووضع عليّ عليه‌السلام رسول الله على يديه ثمّ دلاه في حفرته ثمّ قال له : « اخرج » فخرج ونزل عليّ عليه‌السلام فكشف عن وجهه ووضع خدَّه على الأرض موجّهاً إلى القبلة على يمينه ، ثمّ

٢٧١

وضع عليه اللبن وهال عليه التراب (١).

وانتهزت الجماعة الفرصة لاشتغال بني هاشم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلوس عليّ صلوات الله وسلامه عليه للمصيبة فسارعوا إلى تقرير ولاية الأمر ، وتِّفق لأبي بكر ما اتّفق لاختلاف الأنصار فيما بينهم ، وكراهة القوم تأخير الأمر إلى أن يفرغ بنو هاشم من مصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيستقرّ الأمر مقرّه ، فبايعوا أبا بكر لحضوره. وليس هذا الكتاب بموضع لشرح ذلك ، وتجده في مواضعه إن شئت.

وروي : أنّ أبا سفيان جاء إلى باب رسول الله فقال :

بني هاشم لايطمع الناس فيكم

ولا سيّما تيم بن مرّة أو عديّ

فما الأمر إلاّ فيكم وإليكم

وليس لها إلاّ أبو حسن عليّ

أبا حسن فاشدد بها كفّ حازم

فإنّك بالأمر الذي يرتجى ملي


ثمّ نادى بأعلى صوته : يا بني هاشم ، يا بني عبد مناف ، أرضيتم أنيلي عليكم أبو فصيل الرذل بن الرذل؟ أما والله لئن شئتم لأملأنّها عليهم خيلاً ورجلاًَ ، فناداه أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ارجع يا أبا سفيان ، فوالله ما تريد الله بما تقول ، وما زلت تكيد الإسلام وأهله ، ونحن مشاغيل برسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى كلّ امرئ ما اكتسب وهو وليّ ما احتقب »(٢).

قال : وبعثوا إلى عكرمة بن أبي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيرهم فأحضروهم ، وعقدوا لهم الرايات على نواحي اليمن والشام ، ووجّهوهم من ليلهم ، وبعثوا إلى أبي سفيان فارضوه بتولية يزيد بن أبي سفيان.

__________________

(١) ارشاد المفيد ١ : ١٨٨ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٢ : ٥٢٩ | ٣٥.

(٢) ارشاد المفيد ١ : ١٨٩.

٢٧٢

قال : ولمّا بايع الناس أبا بكر قيل له : لو حبست جيش اُسامة واستعنت بهم على من يأتيك من العرب؟ وكان في الجيش عامّة المهاجرين ، فقال اُسامة لأبي بكر : ما تقول في نفسك أنت؟ قال : قد ترى ما صنع الناس ، فأنا اُحبّ أن تأذن لي ولعمر ، قال : فقَد أذنت لكما.

قال : وخرج اُسامة بذلك الجيش ، حتى إذا انتهى إلى الشام عزله واستعمل مكانه يزيد بن أبي سفيان ، فما كان بين خروج أسامة ورجوعه إلى المدينة إلاّ نحو من أربعين يوماً ، فلمّا قدم المدينة قام على باب المسجد ثمّ صاح : يا معشر المسلمين ، عجباً لرجل استعملني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأمّر عليّ وعزلني !

٢٧٣

(الباب الخامس)

في ذكر أزواح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

وأولاده وأعمامه وعمّاته وقراباته ومواليه ومولياته وجواريه

وفيه أربعة فصول :

٢٧٤

(الفصل الأول)

في ذكر أزواجه وأولاده صلوات الله عليه وآله

أوّل امرأة تزوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، تزوّجها وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وكانت قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي فولدت له جارية ، ثم تزوجهاأبو هالة الأسدي فولدت له هند بن أبي هالة ، ثمّ تزوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّى ابنها هنداً.

فلما استوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبلغ أشدّه ـ وليس له كثير مال ـ استأجرته خديجة إلى سوق خباشة ، فلمّا رجع تزوّج خديجة ، زوّجها إيّاه أبوها خوليد بن أسد ، وقيل : زوّجها عمّها عمرو بن أسد.

وخطب أبو طالب عليه‌السلام لنكاحها ـ ومن شاهده من قريش حضور ـ فقال : الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرّيّة إسماعيل ، وجعل لنا بيتاً محجوباً و(١) حرماً آمناً يُجبى إليه ثمرات كل شيء ، وجعلنا الحكام على الناس(٢) في بلدنا الذي نحن فيه ، ثمّ إنّ ابن أخي محمّد بن عبدالله بن عبد المطّب لا يوزن برجل من قريش إلاّ رجّح ، ولا يقاس بأحد منهم إلاّ عظم عنه ، وإن كان في المال قل فإنّ المال رزق حائل ، وظّل زائل ، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة ، والصداق ما سألتم عاجله وآجله من مالي.

وكان (أبو طالب)(٣) له خطر عظيم ، وشأن رفيع ، ولسان شافع جسيم ،

__________________

(١) في نسخة «م» زيادة : وانزلنا.

(٢) في نسخة «م» زيادة : وبارك لنا.

(٣) لم يرد في نسختي «ق» و «ط» وأثبتنا من نسخة «م».

٢٧٥

فزوّجه ودخل بها من الغد.

ولم يتزوّج عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى ماتت ، وأقامت معه أربعاً وعشرين سنة وشهراً ، ومهرها اثنتا عشرة أوقيّة ونشّ ، وكذلك مهر سائر نسائه عليه‌السلام.

فأوّل ما حملت ولدت عبدالله بن محمّد ـ وهو الطيّب الطاهر ـ وولدت له القاسم ، وقيل : إنّ القاسم أكبر وهو بكره وبه كان يكنّى. والناس يغلطون فيقولون : ولد له منها أربع بنين : القاسم ، وعبدالله ، والطيّب ، والطاهر. وإنّما ولد له منها ابنان وأربع بنات : زينب ، ورقيّة ، واُمّ كلثوم ، وفاطمة(١).

فأمّا زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتزوّجها أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف في الجاهليّة ، فولدت لاَبي العاص جارية اسمها اُمامة تزوّجها علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعد وفاة فاطمة عليها‌السلام ، وقتل عليّ وعنده اُمامة ، فخلف عليها بعده المغيرة بن

__________________

(١) تُعد نسبة زينب ورقية وأم كلثوم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبنات له من المسائل التي أخذت جانباً من الأخذ والرد ، وبين القبول والرفض.

فعلى الرغم من ذهاب البعض إلى كونهنًّ من بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسوة بفاطمة الزهراء عليها‌السلام ، فإن هناك آراء جديَّة تجزم بانهنَّ ربائبه ولسن بناته.

وليس هذا الرأي بمستحدث ، بل ان له جذوره القديمة والتي يعود بعضها إلى زمن الشيخ المفيد رحمه‌الله تعالى ، والتي يشير إليها ما ذكره في أجوبة المسائل الحاجبية (١٧) ، حيث قال : وسأل فقال : الناس مختلفون في رقية وزينب ، هل كانتا ابنتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم ربيبتيه؟

وعموماً فإن هذا الموضوع قد خضع لدراسات علمية متينة لعل أوسعها ما كتبه السيد جعفر مرتضى العاملي حول هذا الموضوع يراجع على صفحات مجلة تراثنا الفصلية التي تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام في عددها الخاص بالذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد رحمه‌الله تعالى.

٢٧٦

نوفل ابن الحارث بن عبد المطّلب وتوفّيت عنده. واُمّ أبي العاص هالة بنت خويلد ، فخديجة خالته. وماتت زينب بالمدينة لسبع سنين من الهجرة.

وأمّا رقيّة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتزوجها عتبة بن أبي لهب ، فطّلقها قبل أن يدخل بها ، ولحقها منه أذى ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهمّ سلّط على عتبة كلباً من كلابك» فتناوله الأسد من بين أصحابه. وتزوّجها بعده بالمدينة عثمان بن عفّان ، فولدت له عبدالله ومات صغيراً ، نقره ديك على عينيه فمرض ومات. وتوفيت بالمدينة زمن بدر ، فتخلّف عثمان على دفنها ، ومنعه ذلك أن يشهد بدراً ، وقد كان عثمان هاجر إلى الحبشة ومعه رقيّة.

وأمّا اُم كلثوم فتزوّجها أيضاً عثمان بعد اُختها رقيّة وتوفيّت عنده.

وأمّا فاطمة عليها‌السلام فسنفرد لها باباً فيما بعد إن شاء الله.

ولم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد من غير خديجة إلاّ إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مارية القبطيّة ، ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ومات بها وله سنة وستّة أشهر وبعض أيّام ، وقبره بالبقيع.

والثانية : سودة بنت زمعة ، وكانت قبله عند السكران بن عمرو فمات عنها بالحبشة مسلماً.

والثالثة : عائشة بنت أبي بكر ، تزوّجها بمكّة وهي بنت سبع ، ولم يتزوّج بكراً غيرها ، ودخل بها وهي بنت تسع ، لسبعة أشهر من مقدمة المدينة ، وبقيت إلى خلافة معاوية.

والرابعة : اُمّ شريك التي وهبت نفسها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واسمها غزية بنت دودان بن عوف بن عامر ، وكانت قبله عند أبي العكر بن سميّ الأزدي فولدت له شريكاً.

٢٧٧

والخامسة : حفصة بنت عمر بن الخطّاب ، تزوجها بعد ما مات زوجها خنيس بن عبدالله بن حذافة السهمي ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وجّهه إلى كسرى فمات ولا عقب له ، وماتت بالمدينة في خلافة عثمان.

والسادسة : اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، واسمها رملة ، وكانت تحت عبيدالله بن جحش الأسدي فهاجر بها إلى الحبشة وتنصّر بها ومات هناك ، فتزوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده ، وكان وكيله عمرو بن اُميّة الضمريّ.

والسابعة : اُمّ سلمة ، وهي بنت عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب. وقيل : هي عاتكة بنت عامر بن ربيعة من بني فراس بن غنم ، واسمها هند بنت أبي اُميّة بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم ، وهي ابنة عمّ أبي جهل. وروي : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل إلى اُمّ سلمة : أن مري ابنك أن يزوّجك ، فزوّجها ابنها سلمة بن أبي سلمة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غلام لم يبلغ ، وأدّى عنه النجاشي صداقها أربعمائة دينار عند العقد. وكانت اُمّ سلمة من آخر أزوارج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاة بعده ، وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد واُمّه برّة بنت عبدالمطّلب ، وهو ابن عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان لاُمّ سلمة منه زينب وعمر ، وكان عمر مع عليّ عليه‌السلام يوم الجمل وولاّه البحرين وله عقب بالمدينة ، ومن مواليها شيبة بن نصاح إمام أهل المدينة في القراءة ، وخيرة اُمّ الحسن البصري.

والثامنة : زينب بنت جحش الأسديّة ، وهي ابنة عمّته ميمونة بنت عبد المطّلب ، وهي أوّل من مات من أزواجه بعده ، توفّيت في خلافة عمر ، وكانت قبله عند زيد بن حارثة فطلّقها زيد ، وذكر الله تعالى شأنه وشأن زوجته

٢٧٨

زينب في القرآن ، وهي أوّل امرأة جعل لها النعش ، جعلته لها أسماء بنت عميس يوم توفّيت ، وكانت بأرض الحبشة رأتهم يصنعون ذلك(١).

والتاسعة : زينب بنت خزيمة الهلاليّة ، من ولد عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. وقيل : كانت عند أخيه الطفيل بن الحارث ، وماتت قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يقال لها : اُمّ المساكين.

والعاشرة : ميمونة بنت الحارث ، من ولد عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة ، تزوّجها وهو بالمدينة ، وكان وكيله أبو رافع. وبنى بها بسرف حين رجع من عمرته على عشرة أميال من مكّة ، وتوفّيت أيضاً بسرف ودفنت هناك أيضاً. وكانت قبله عند أبي سبرة بن أبي العامريّ.

والحادية عشر : جويرية بنت الحارث ، من بني المصطلق ، سباها فأعتقها وتزوّجها ، وتوفّيت سنة ستّ وخمسين.

والثانية عشر : صفيّة بنت حيّي بن أخطب النضريّ ، من خيبر ، اصطفاها لنفسه من الغنيمة ثمّ أعتقها وتزوّجها وجعل عتقها صداقها ، وتوفّيت سنة ستّ وثلاثين.

فهذه اثنتا عشرة امرأة دخل بهنّ رسول الله ، وقد تزوّج إحدى عشرة منهنّ وواحدة وهبت نفسها له.

وقد تزوّج صلوات الله عليه وآله عالية بنت ظبيان وطلّقها حين اُدخلت عليه.

__________________

(١) روت المصادر المختلفة ان أول من صنع لها النعش هي فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولما كانت وفاتها عليها‌السلام اسبق من وفاة زينب رحمها الله فانّ في ذلك تأكيداً لهذا الأمر.

انظر : الكافي ٣ : ٢٥١ | ٦ ، الفقيه ١ : ١٢٤ | ٥٩٧ ، علل الشرائع ١ : ١٨٥ | ٢ ، التهذيب ١ : ٤٦٩ | ١٥٣٩ و ١٥٤٠ ، كشف الغمة ١ : ٥٠٣ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢.

٢٧٩

وتزوّج قتيلة بنت قيس اُخت الأشعث بن قيس ، فمات قبل أن يدخل بها ، فتزوّجها عكرمة بن أبي جهل بعده. وقيل : إنّه طلقها قبل أن يدخل بها ثمّ مات صلوات الله عليه وآله.

وتزوّج فاطمة بنت الضحّاك بعد وفاة ابنته زينب ، وخيّرها حين اُنزلت آية التخيير(١) فاختارت الدنيا وفارقها ، فكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول : أنا الشقيّة اخترت الدّنيا.

وتزوّج سنى بنت الصلت فماتت قبل أن تدخل عليه.

وتزوّج أسماء بنت النعمان بن شراحيل فلمّا اُدخلت عليه قالت : أعوذ بالله منك فقال : «قد أعذتك الحقي بأهلك». وكان بعض أزواجه علّمتها ذلك فطلّقها ولم يدخل بها.

وتزوّج مليكة الليثيّة ، فلمّا دخل عليها قال لها : «هبي لي نفسك» ، فقالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ، فأهوى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده يضعها عليها فقالت : أعوذ بالله منك ، فقال : «لقد عذت بمعاذ» فسرّحها ومتّعها.

وتزوّج عمرة بنت يزيد ، فرأى بها بياضاً فقال : «دلّستم عليّ» وردّها.

وتزوّج ليلى بنت الخطيم الأنصاريّة فقالت(٢) أقلني ، فأقالها(٣).

وخطب امرأة من بني مرّة فقال أبوها : إن بها برصاً ، ولم يكن بها ، فرجعفإذا هي برصاء.

وخطب عمرة فوصفها أبوها ، ثمّ قال : وأزيدك إنّها لم تمرض قطّ ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما لهذه عند الله من خير ». وقيل : انّه

__________________

(١) الاحزاب : ٢٨ ـ ٢٩.

(٢) في نسخة «ط» زيادة : ضربت ظب هرة ، فقال : أكلك الأسود ، ثم تزوجها فقالت ...

(٣) في نسخة «ط» زيادة : فأكلها الذئب.

٢٨٠