مرآة العقول - ج ١٦

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٣

أجزي عليه.

٧ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليمان عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ » قال الصبر الصيام وقال إذا نزلت بالرجل النازلة والشديدة فليصم فإن الله عز وجل يقول : « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ » يعني الصيام.

______________________________________________________

أن النية محلها القلب فلا يطلع عليها غير الله تعالى ، وأنا أجزي به معناه مضاعفة الجزاء من غير عدد ولا حساب ، لأن الكريم إذا أخبر أنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى أن يكون بحسب عظمته وسعته انتهى.

أقول : رويت من بعض مشايخي : أنه كان يقرأ « أجزي به » على بناء المفعول أي هو جزاء لنعمي وشكر لها.

وربما يقال : أن المعنى أنا جزاؤه ولا يخفى بعده.

الحديث السابع : مرسل.

قوله تعالى « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ » قال : أكثر المفسرين إن المراد بالصبر هنا : الصبر على المشاق والمكاره التي تعرض في الدين من الجوع والضيق وغيرها وقد ورد تفسيره في هذا الخبر وغيره بالصوم لأنه يتضمن الصبر على ترك المشتهيات ، وبه فسر بعض المفسرين أيضا ولذا يسمى شهر رمضان شهر الصبر.

قال في النهاية : (١) في حديث الصوم « صم شهر الصبر » هو شهر رمضان. وأصل الصبر : الحبس ، فسمي الصوم صبرا لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح.

قوله عليه‌السلام : وقال إذا نزلت« لعله» عليه‌السلام قال : ذلك في مجلس آخر ، أو في ذلك المجلس تفريعا وتأكيدا.

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ٣ ص ٧.

٢٠١

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن منذر بن يزيد ، عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام من صام لله عز وجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر قال الله عز وجل له ما أطيب ريحك وروحك ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له.

٩ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن علي ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن طلحة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصائم في عبادة وإن كان على فراشه ما لم يغتب مسلما.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من كتم صومه قال الله عز وجل لملائكته عبدي استجار من عذابي فأجيروه ووكل الله تعالى ملائكته بالدعاء للصائمين ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب لهم فيه.

______________________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف. « والظمأ » بالتحريك العطش و « الروح » بالفتح نسيم الريح ، ويحتمل أن يكون المراد هنا تنفس الصائم.

الحديث التاسع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « ما لم يغتب مسلما » يحتمل أن يكون هذا على المثال ، ويحتمل أن يكون لخصوص الغيبة مدخلا في الحرمان عن كناية ثواب العبادة له ، وربما يقال : لأنه نوع من الأكل لقوله تعالى « أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً » (١).

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « من كتم » لعل التخصيص بالكتمان لأن في صورة الكتمان يتحقق الإخلاص وبدونه لا يحصل به النجاة من النار ، وبعبارة أخرى الاستجارة إنما يتحقق إذا لم يشركه غرض آخر وهذا إنما يتحقق مع الكتمان غالبا.

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٢.

٢٠٢

١١ ـ علي ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إن الله عز وجل وكل ملائكته بالدعاء للصائمين وقال أخبرني جبرئيل عليه‌السلام عن ربه أنه قال ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه.

١٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح.

١٣ ـ علي ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه‌السلام ما يمنعك من مناجاتي فقال يا رب أجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم

______________________________________________________

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

الحديث الثالث عشر : حسن ويمكن أن يعد صحيحا.

قوله عليه‌السلام « لخلوف فم الصائم » في بعض النسخ بالقاف وهو تصحيف.

قال السيد الداماد : قدس‌سره « الخلوف » بضم الخاء المعجمة قبل اللام والفاء بعد الواو : رائحة الفم ، وأما الخلوق بإعجام الخاء المفتوحة وضم اللام والقاف أخيرا فهو طيب معروف مركب يصنع في الحجازيين ، ويتخذ من الزعفران وغيره ، وقد تكرر وروده في الحديث في مواضع كثيرة وهو في هذا الموضع تصحيف.

وقال بعض المحققين : لا يقال استطابة الروائح من الصفات التي لا يليق بذاته تعالى إذ هو منزه عن أمثاله.

لأنا نقول : المراد بالأطيب الأقبل ، لأن الطيب مستلزم للقبول عادة أي خلوفه أقبل عند الله من قبول ريح المسك عندهم ، أو هذا الكلام جرى على سبيل الفرض أي لو تصور الطيب عند الله لكان الخلوف أطيب.

وقيل : المراد « من عند الله » عند ملائكة الله على أنهم يتنفرون من الروائح

٢٠٣

فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك.

١٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن منصور بن العباس ، عن عمرو بن سعيد ، عن الحسن بن صدقة قال قال أبو الحسن عليه‌السلام قيلوا فإن الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه.

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سلمة صاحب السابري ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه.

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن السمان الأرمني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا رأى الصائم قوما يأكلون أو رجلا يأكل سجت كل شعرة منه.

______________________________________________________

الكريهة.

وقيل : هو تفضيل لما يستكره من الصيام على أطيب ما يستلذ في جنسه وهو المسك ليقاس ما فوقه من آثار الصوم به.

الحديث الرابع عشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « قيلوا » من القيلولة وهي النوم عند الظهيرة.

وفي بعض النسخ أقيلوا على بناء الأفعال ولم يرد في اللغة. ولعل المراد بالإطعام والسقي لازمهما وهو تسكين شدة الجوع والعطش كما هو المجرب والله يعلم.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فرحتان » لعل ضم الفرحتين مع أن بينهما بونا بعيدا لئلا يغفل العبد عند إدراك هذه اللذة القليلة عن تلك اللذة الجليلة فيدرك شيئا منها في الدنيا أيضا.

الحديث السادس عشر : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « سجت » لعل المراد أنه يعطى ثواب ذلك ، أو أن شهوته للطعام لما أثرت في جميع بدنه وأثيب بقدر ذلك فكأنه سجت جميع أعضائه.

٢٠٤

١٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سنان ، عن منذر بن يزيد ، عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام من صام لله يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله عز وجل به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر قال الله عز وجل ما أطيب ريحك وروحك ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له.

(باب)

(فضل شهر رمضان)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عمرو الشامي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ

______________________________________________________

الحديث السابع عشر : ضعيف. قد تقدم هذا الحديث بعينه آنفا بدون توسط بكر بن صالح بين سهل ، وابن سنان ولعله إنما زيد هنا أو سقط هنا لك.

باب فضل شهر رمضان

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فغرة الشهور » الفاء للتعقيب الذكر أي أولها أو أشرفها وأفضلها أو المنور من بينها.

قال في النهاية (١) : غرة كل شيء أوله والغرة البياض وكل شيء رفع قيمته فهو غرة.

ووصف ليلة القدر بكونها قلب شهر رمضان لكونها أشرف أجزائه كما أن القلب أشرف أجزاء البدن ويحتمل أن يكون إشارة إلى كونها في أواسط الشهر أيضا ، وأما نزول القرآن في أول ليلة منه فيمكن الجمع بينه وبين ما دل على أنه نزل في ليلة القدر بأن يحمل على نزوله على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وذاك على نزوله إلى البيت

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ٣ ص ٣٥٣.

٢٠٥

السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » فغرة الشهور شهر الله عز ذكره وهو شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان فاستقبل الشهر بالقرآن.

٢ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن المسمعي أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يوصي ولده إذا دخل شهر رمضان فأجهدوا أنفسكم فإن فيه تقسم الأرزاق وتكتب الآجال وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة.

٤ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن أبي الورد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس

______________________________________________________

المعمور والسماء الدنيا ، أو أحدهما على ابتداء النزول والآخر على اختتامه ، أو أحدهما على النزول دفعة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والآخر على ابتداء النزول عليه تدريجا كما روي أن القرآن كان يعرض عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل سنة مرة وعرض عليه في سنة وفاته مرتين.

قوله عليه‌السلام : « فاستقبل » بصيغة الأمر ، أو على بناء المجهول ، والأول أظهر ، والمراد : الأمر بتلاوته في أول ليلة منه ، ويحتمل التقديم أيضا.

الحديث الثاني : موثق على الظاهر إذ الظاهر أن المسمعي هو مسمع بن عبد الملك ، ويحتمل أن يكون ضعيفا أيضا.

قوله عليه‌السلام : « وفد الله » أي يقدر فيه حاج بيت الله وهو جمع وافد كصحب وصاحب يقال : وفد فلان على الأمير أي ورد رسولا فكأن الحاج وفد الله وأضيافه نزلوا عليه رجاء بره وإكرامه.

الحديث الثالث : مجهول لا يقصر عن الصحيح.

الحديث الرابع : حسن.

٢٠٦

في آخر جمعة من شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أيها الناس إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة « خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ » وهو شهر رمضان فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كتطوع صلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله عز وجل ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله فيما سواه من الشهور وهو شهر الصبر وإن الصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وهو شهر يزيد الله في رزق المؤمن فيه ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى قيل يا رسول الله ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائما فقال إن الله كريم يعطي هذا الثواب لمن لم يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه وهو شهر أوله رحمة وأوسطه

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قد أظلكم » قال الجزري : أي أقبل عليكم ودنا منكم كأنه ألقى عليكم ظله.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وجعل لمن تطوع » ظاهره فضل الفرائض مطلقا على النوافل.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وهو شهر الصبر » قال الوالد العلامة : « رحمه‌الله » أي للصبر على ترك المألوفات ، أو لأنه ينبغي أن يصبر فيه عن غير ما يوجب رضاه تعالى.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وشهر المواساة » هي المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق كما ذكره الجزري ، أي هو شهر ينبغي فيه أن يشرك الناس الفقراء وأهل الحاجة في معائشهم.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « على مذقة » هي بالفتح ، الشربة من اللبن الممذوق.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوله » أي عشر أوله ، أو اليوم الأول. والأول أظهر أي في العشر الأول ينزل الله تعالى الرحمات الدنيوية والأخروية على عباده ، وفي العشر الأوسط يغفر ذنوبهم وفي العشر الأخر يستجيب دعاءهم ويعتق رقابهم من النار.

٢٠٧

مغفرة وآخره الإجابة والعتق من النار ولا غنى بكم عن أربع خصال خصلتين ترضون الله بهما وخصلتين لا غنى بكم عنهما فأما اللتان ترضون الله عز وجل بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله فيه حوائجكم والجنة وتسألون العافية وتعوذون به من النار.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان قال لبلال ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن هذا الشهر قد خصكم الله به وحضركم وهو سيد الشهور ليلة فيه « خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ » تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنان فمن أدركه ولم يغفر له فأبعده الله ومن أدرك والديه ولم يغفر له فأبعده الله ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فلم يغفر الله له فأبعده الله.

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « وأما اللتان لا غنى بكم عنهما » أي فيهما محض عدم الغناء وليس فيهما الرضا التي تحصل بالأولين وإن كان يحصل فيهما الرضا أيضا لئلا يلزم اتحاد المقسم والقسم.

الحديث الخامس : مرسل.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « فأبعده الله » إما جملة خبرية ، أو إنشائية دعائية.

فعلى الأول : المراد أن في مثل هذا الشهر الذي يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات فمن لم يعمل عملا يستحق الغفران فقد كان أبعده الله عن توفيقه ورحمته بسوء أعماله حتى استحق هذا الحرمان ، والوجهان جاريان في نظيريه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ومن ذكرت » يدل على وجوب الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلما ذكر سواء كان بالاسم ، أو الكنية ، أو اللقب ، أو الضمير فإن الذكر يشملها لأن التهديد يدل على الوجوب.

٢٠٨

٦ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل بوجهه إلى الناس فيقول يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة وغلقت أبواب النار واستجيب الدعاء وكان لله فيه عند

______________________________________________________

الحديث السادس : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « غلت مردة الشياطين » المارد : المتمرد عن الإطاعة والمتجاوز عن حده ، والإضافة من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أو لامية بأن يكون مخصوصا ببعض منهم و « الغل » إما حقيقة ، وإما كناية عن منعهم عن التسلط على المؤمنين والمخالفات الحاصلة في شهر رمضان إما عن غير المردة منهم ، وإما من النفس الأمارة بالسوء ، أو كناية عن أن بالصوم تنكسر القوي الشهوانية وتقوى القوة العاقلة به كما روي أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع كذا ذكره الوالد العلامة قدس الله روحه. وقال سيد بن طاوس : نور الله ضريحه في كتاب الإقبال (١) : قد سألني بعض أهل الدين فقال : إننى ما يظهر لي زيادة انتفاع بمنع الشياطين لأنني أرى الحال التي كنت عليها من الغفلة قبل شهر رمضان كأنها على حالها ما نقصت بمنع أعوان الشيطان. فقلت له يحتمل أن الشياطين لو تركوا على حالهم في إطلاق العنان كانوا يحسدونكم على هذا شهر الصيام فيجتهدون في هلاككم مع الله جل جلاله ، أو في الدنيا بغاية الإمكان فيكون الانتفاع بمنعهم من زيادات الأذيات والمضرات ودفعهم عما يعجز الإنسان عليه من المحذورات.

ويحتمل : أن يكون لكل شهر شياطين يختص به دون سائر الشهور ، فيكون منع الشياطين في شهر رمضان يراد به شياطين هذا الشهر المذكور وغيرهم من الشياطين على حالهم مطلقين فيما يريدونه بالإنسان من الأمور فلذلك ما يظهر للإنسان سلامته من وسوسة الصدور.

__________________

(١) الإقبال : ص ٢١.

٢٠٩

كل فطر عتقاء يعتقهم الله من النار وينادي مناد كل ليلة هل من سائل هل من مستغفر اللهم أعط كل منفق خلفا وأعط كل ممسك تلفا حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير ولا الدراهم.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن لله عز وجل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار إلا من أفطر على مسكر فإذا كان في آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه.

______________________________________________________

ويحتمل : أن يكون منع الشياطين عن قوم مخصوصين بحسب ما يقتضيه مصلحتهم ورحمة رب العالمين ، وإلا فإن الكفار وغيرهم ربما لا تغل عنهم الشياطين في شهر رمضان ولا في غيره من الأزمان.

ومن الجواب : إنه يحتمل أن العبد معه إبليس والشياطين فإذا غلت الشياطين كفاه إبليس في غروره للمكلفين.

ومن الجواب : أنه يحتمل أن العبد معه نفسه وطبعه وقرناء السوء وإذا غلت الشياطين فيكفيه (١) هؤلاء في غرورهم وعداوتهم للمكلف المسكين.

ومن الجواب : أن العبد له قبل شهر رمضان ذنوب قد سودت قلبه وعقله وصارت حجابا بينه وبين الله جل جلاله فلا يستبعد منه أن تكون ذنوبه السالفة كافية له في استمرار غفلته فلا يؤثر منع الشياطين عند الإنسان لعظيم مصيبته ، ويمكن غير ذلك من الجواب وفي هذا كفاية لذوي الألباب.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كل فطر » أي وقت الإفطار أو يوم العيد ، والأول أظهر ، والخلف العوض والإعطاء في التلف إما على المشاكلة أو على التهكم ، ويقال : غدا عليه أي بكر.

الحديث السابع : مجهول.

__________________

(١) هكذا في الأصل : وفي الإقبال فكفاه.

٢١٠

(باب)

(من فطر صائما)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سلمة صاحب السابري ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من فطر صائما فله مثل أجره.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن سعدان بن مسلم ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك.

٣ ـ أحمد بن محمد بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن سيابة ، عن ضريس ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح وتقطع أعضاء وتطبخ فإذا كان عند المساء أكب على القدور حتى يجد ريح المرق وهو صائم ثم يقول هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان واغرفوا لآل فلان ثم يؤتى بخبز وتمر فيكون ذلك عشاءه صلى الله عليه وعلى آبائه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليه‌السلام قال دخل سدير على أبي عليه‌السلام في شهر رمضان فقال يا سدير هل

______________________________________________________

باب من فطر صائما

الحديث الأول : مجهول.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور. (١) قوله عليه‌السلام : « أفضل من صيامك » الأفضلية لا تنافي المماثلة العرفية مع أنه يحتمل أن يكون الاختلاف باختلاف الأشخاص والأعمال والنيات.

الحديث الثالث : مجهول. و « القصاع » بالكسر جمع القصعة بالفتح وهي الظرف الذي يؤكل فيه ، « والعشاء » بالفتح والمد : الطعام الذي يؤكل بالعشي.

الحديث الرابع : ضعيف.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن الظاهر أنّ هناك اشتباه وربما يكون من النسّاخ لأنّ حديث الثاني مجهول والثالث ضعيف على المشهور.

٢١١

تدري أي الليالي هذه فقال نعم فداك أبي هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك فقال له أتقدر على أن تعتق في كل ليلة من هذه الليالي عشر رقبات من ولد إسماعيل فقال له سدير بأبي أنت وأمي لا يبلغ مالي ذاك فما زال ينقص حتى بلغ به رقبة واحدة في كل ذلك يقول لا أقدر عليه فقال له فما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا مسلما فقال له بلى وعشرة فقال له أبي عليه‌السلام فذاك الذي أردت يا سدير إن إفطارك أخاك المسلم يعدل رقبة من ولد إسماعيل ع.

(باب)

(في النهي عن قول رمضان بلا شهر)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين ، عن محمد بن يحيى الخثعمي ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه لا تقولوا رمضان ولكن قولوا « شَهْرُ رَمَضانَ » فإنكم لا تدرون

______________________________________________________

باب النهي عن قول رمضان بلا شهر

الحديث الأول : موثق.

قوله عليه‌السلام : « ولكن قولوا » قال سيد المحققين (ره) في المدارك : اختلف في رمضان فقيل : إنه اسم من أسماء الله تعالى ، وعلى هذا : فمعنى شهر رمضان شهر الله وقد ورد ذلك في عدة أخبار.

وقيل : إنه علم للشهر ، كرجب وشعبان ، ومنع الصرف للعلمية والألف والنون واختلف في اشتقاقه. فعن الخليل أنه من الرمض بتسكين الميم وهو مطر يأتي في وقت الخريف يطهر وجه الأرض من الغبار ، سمي الشهر بذلك لأنه يطهر الأبدان عن الأوضار والأوزار.

وقيل : من الرمض بمعنى شدة الحر من وقع الشمس. وقال الزمخشري في الكشاف : رمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء ، سمي بذلك ، إما لارتماضهم

٢١٢

ما رمضان.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن هشام بن سالم ، عن سعد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كنا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان فقال لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان فإن رمضان

______________________________________________________

فيه من حر الجوع كما سموه نابقا لأنه كان ينبقهم أي يزعجهم بشدته عليهم ، أو لأن الذنوب ترمض فيه أي تحترق.

وقيل : إنما سمي بذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يرمضون أسلحتهم فيه ليقضوا منها أوطارهم في شوال قبل دخول الأشهر الحرم.

وقيل : إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسميت بذلك.

الحديث الثاني : في بعض النسخ عن مسعدة ، فالخبر ضعيف. وفي بعضها عن سعد يعني ابن طريف وهو مختلف فيه فالخبر كذلك.

قوله عليه‌السلام : « لا تقولوا هذا رمضان » لعله على الفضل والأولوية فإن الذي يقول رمضان ظاهرا أنه يريد الشهر إما بحذف المضاف ، أو بأنه صار بكثرة الاستعمال اسما للشهر وإن لم يكن في الأصل كذلك ، ويؤيده أنه ورد في كثير من الأخبار رمضان بدون ذكر الشهر وإن أمكن أن يكون الإسقاط من الرواة ، والأحوط العمل بهذا الخبر بل ربما رواه سيد بن طاوس ـ رضي‌الله‌عنه ـ في كتاب الإقبال (١) من كتاب الجعفريات قال وهي ألف حديث بإسناد واحد عظيم الشأن إلى مولانا موسى بن جعفر عليه‌السلام ، عن مولانا جعفر بن محمد ، عن مولانا محمد بن علي ، عن مولانا علي بن الحسين ، عن مولانا الحسين ، عن مولانا علي بن أبي طالب صلى الله عليهم أجمعين قال : لا تقولوا رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان ، فمن قاله فليتصدق وليصم كفارة

__________________

(١) الإقبال : ص ٣ سطر ٢٧.

٢١٣

اسم من أسماء الله عز وجل لا يجيء ولا يذهب وإنما يجيء ويذهب الزائل ولكن قولوا « شَهْرُ رَمَضانَ » فإن الشهر مضاف إلى الاسم والاسم اسم الله عز ذكره وهو الشهر « الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » جعله مثلا وعيدا.

(باب)

(ما يقال في مستقبل شهر رمضان)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أهل

______________________________________________________

لقوله ولكن قولوا (١) كما قال الله تعالى شهر رمضان ، وإن كان حمله على الاستحباب متعينا والله يعلم.

قوله عليه‌السلام : « جعله مثلا وعيدا » أي الشهر أو القرآن مثلا أي حجة وعيدا أي محل سرور لأوليائه « والمثل » بالثاني أنسب كما أن العيد بالأول أنسب.

وقال الفيروزآبادي : والعيد بالكسر. ما اعتادك من هم أو مرض أو حزن ونحوه انتهى ، وعلى الأخير يحتمل كون الواو جزء للكلمة.

باب ما يقال في مستقبل شهر رمضان

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « إذا أهل » على بناء المجهول ، ورفع الهلال بالفاعلية ، أو على بناء المعلوم بأن يكون الفاعل ضميرا راجعا إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهلال مفعولا أو منصوبا بنزع الخافض.

قال الجوهري : أهل الهلال واستهل على ما لم يسم فاعله ، ويقال : أيضا استهل هو بمعنى تبين ولا يقال أهل.

قال الفيروزآبادي : هل الهلال. ظهر كأهل واستهل بضمهما والشهر ظهر.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في الإقبال « قولوا شهر رمضان كما قال الله ».

٢١٤

هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم أهله علينا بالأمن و

______________________________________________________

هلاله ولا تقل أهل وأهل نظر إلى الهلال.

وقال في المصباح المنير : « أهل الهلال » بالبناء للمفعول والفاعل أيضا ومنهم من يمنعه ، واستهل بالبناء للمفعول ، ومنهم من يجيز بناءه للفاعل ، وهل من باب ضرب لغة أيضا إذا ظهر ، وأهللنا الهلال واستهللناه رفعنا الصوت برؤيته.

ثم اعلم : أن هذا الخبر يدل على رجحان الدعاء عند رؤية الهلال ، وقال ابن أبي عقيل : بوجوبه عند رؤية هلال شهر رمضان وعين دعاء مخصوصا وهو هذا : « الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدر منازلك ، وجعلك مواقيت للناس ، اللهم أهله علينا إهلالا مباركا اللهم أدخله علينا بالسلامة والإسلام واليقين والإيمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى » وما ذهب إليه خلاف المشهور بل ادعي الإجماع على خلافه.

ثم إنه اختلف في وقت الدعاء وهو تابع لتسميته هلالا ، واختلف فيه كلام اللغويين والعلماء.

وقال الجوهري : « الهلال أول » ليلة والثانية والثالثة ثم هو قمر.

وزاد الفيروزآبادي : فقال الهلال غرة القمر ، أو إلى ليلتين ، أو إلى ثلاث ، أو إلى سبع والليلتين من آخر الشهر ست وعشرين وسبع وعشرين وفي غير ذلك قمر.

وقال الشيخ الطبرسي قدس الله روحه : اختلفوا في أنه إلى كم يسمى هلالا ومتى يسمى قمرا فقال بعضهم : يسمى هلالا لليلتين من الشهر ثم لا يسمى هلالا إلى أن يعود في الشهر الثاني.

وقال آخرون : يسمى هلالا ثلاث ليال ، ثم يسمى قمرا.

وقال آخرون : يسمى هلالا حتى يحجره ، وتحجيره أن يستدير بخط دقيق وهذا قول الأصمعي.

٢١٥

الإيمان والسلامة والإسلام والعافية المجللة والرزق الواسع ودفع الأسقام

______________________________________________________

وقال بعضهم : يسمى هلالا حتى يبهر ضوؤه سواد الليل ثم يقال قمرا ، وهذا يكون في الليلة السابعة انتهى.

وقال شيخنا البهائي قدس الله روحه ونعم ما قال : يمتد وقت الدعاء بامتداد وقت تسميته هلالا ، والأولى عدم تأخيره عن الأول عملا بالمتيقن المتفق عليه لغة وعرفا فإن لم يتيسر فعن الثانية لقول أكثر أهل اللغة بالامتداد إليها فإن فاتت فعن الثالثة لقول كثير منهم بأنها آخر لياليه.

وأما ما ذكره صاحب القاموس ، وشيخنا الشيخ أبو علي (ره) : من إطلاق الهلال عليه إلى السابعة فهو خلاف المشهور لغة وعرفا وكأنه مجاز من قبيل إطلاقه عليه في الليلتين الأخيرتين.

قوله عليه‌السلام : « استقبل القبلة » يدل على استحباب استقبال القبلة للدعاء وعدم استقبال الهلال ، والأولى عدم الإشارة إليه كما ورد في الخبر وسيأتي لا تشيروا إلى الهلال ولا إلى المطر ، وروى سيد بن طاوس رضي‌الله‌عنه في كتاب الإقبال (١) وغيره عن الصادق عليه‌السلام أنه قال إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله عز وجل وخاطب الهلال وقل (٢) ربي وربك الله إلى آخر الدعاء ، ولا ينافي مخاطبة الهلال عدم التوجه إليه فإن المخاطبة لا يستلزم المواجهة وقد يخاطب الإنسان من ورائه ، ويدل أيضا على استحباب رفع اليدين عند الدعاء للهلال ، وإن كان في هذا الخبر مخصوصا بشهر رمضان ويدل ظاهرا على عدم الزوال عن موضع الرؤية كما هو صريح غيره من الأخبار.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أهله » أي أطلعه وأدخله علينا. أو أظهره لنا مقرونا بالأمن من مخاوف الدارين والإيمان الكامل الذي يلزمه العمل بالشرائع والسلامة من

__________________

(١) الإقبال : ص ١٨.

(٢) هكذا في الأصل : وفي الإقبال : « تقول ».

٢١٦

اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو بن

______________________________________________________

آفات الدنيا والآخرة أو من الذنوب ، والإسلام هو الانقياد الكامل في جميع الأقوال والأفعال.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « والعافية المجللة » هي إما بكسر اللام المشددة أي الشاملة لجميع البدن يقال : « سحاب مجلل » أي يجلل الأرض بالمطر أي يعم. ذكره الجوهري ، أو بفتحها أي العافية التي جللت علينا وجعلت كالجل شاملة لنا من قولهم اللهم جللهم خزيا أي عظمهم به كما يتجلل الرجل بالثوب ذكره الجزري.

قوله عليه‌السلام : « سلمه لنا » أي من اشتباه الهلال ، « وتسلمه منا » أي خذه ، وتقبل منا ما عملنا فيه من الخير وسلمنا فيه من البلايا والمعاصي.

« تذنيب » حكم العلامة « قدس‌سره » باستحباب الترائي للهلال ليلتي الثلاثين من شهر شعبان وشهر رمضان على الأعيان وبوجوبه فيهما على الكفاية ، واستدل طاب ثراه بأن الصوم واجب في أول شهر رمضان وكذا الإفطار في العيد فيجب التوصل إلى معرفة وقتهما لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

واعترض عليه شيخنا البهائي قدس‌سره بأنه إنما يجب صوم ما يعلم أو يظن أنه من شهر رمضان لا ما يشك في كونه منه ، وهكذا إنما يجب إفطار ما يعلم أو يظن أنه العيد لا ما يشك في أنه هو كيف ، والأغلب في الشهر أن يكون تاما كما يشهد به التتبع انتهى كلامه زيد إكرامه ، والأحوط عدم التقصير في الترائي في كل شهر يتعلق به أمر واجب وإن كان ما ذكره رحمه‌الله متينا.

الحديث الثاني : موثق.

٢١٧

سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى الساباطي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فقل : اللهم رب شهر رمضان ومنزل القرآن هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن وأنزلت فيه آيات بينات « مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ » اللهم ارزقنا صيامه وأعنا على قيامه اللهم سلمه لنا وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك ومعافاة واجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم فيما يفرق من الأمر الحكيم « فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام المبرور حجهم المشكور سعيهم المغفور ذنبهم المكفر عنهم سيئاتهم واجعل فيما تقضي وتقدر أن تطيل لي في عمري وتوسع علي من الرزق الحلال

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « أنزلت فيه القرآن » أي ابتدأت نزوله فيه ، أو أنزلته جملة إلى سماء الدنيا ، أو إلى بيت المعمور ، وقيل : المراد أنزلت في شأنه القرآن وهو بعيد وقد مر الكلام فيه.

قوله عليه‌السلام : « من الهدى » أي مما يهدى إلى الحق ويفرق بين الحق والباطل فكلمة من تبعيضية ، أو بيانية.

قوله عليه‌السلام : « في يسر منك » بأن تيسر لنا أسباب الطاعات حتى لا يشق علينا ونكون في عافية.

قوله عليه‌السلام : « فيما يفرق » إشارة إلى قوله تعالى « فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » (١) فإنه قد ورد في الأخبار أن المراد بها أن في ليلة القدر يقدر كل أمر محكم ، أو كل أمر يوافق الحكمة.

قوله عليه‌السلام : « المبرور حجهم » أي المقبول حجهم.

قال الجوهري : بر حجه وبر حجه وبر الله : حجة برا بالكسر في هذا كله.

قوله عليه‌السلام : « المشكور سعيهم » شكر الله تعالى قبوله للعمل وثوابه ، أو مضاعفة

__________________

(١) سورة الدخان : الآية ٤.

٢١٨

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن العبد الصالح عليه‌السلام قال ادع بهذا الدعاء في شهر رمضان مستقبل دخول السنة وذكر أنه من دعا به محتسبا مخلصا لم تصبه في تلك السنة فتنة ولا آفة يضر بها دينه وبدنه ووقاه الله عز ذكره شر ما يأتي به تلك السنة.

اللهم إني أسألك باسمك الذي دان له كل شيء وبرحمتك التي « وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » وبعزتك التي قهرت بها كل شيء وبعظمتك التي تواضع لها كل شيء وبقوتك التي خضع لها كل شيء وبجبروتك التي غلبت كل شيء وبعلمك الذي « أَحاطَ بِكُلِ

______________________________________________________

ثوابه. والمراد بالسعي مطلق العمل ، أو المشي أو السعي المخصوص ، والأول أظهر.

الحديث الثالث : حسن.

قوله عليه‌السلام : « مستقبل دخول السنة » هو إما بكسر الباء حالا عن فاعل ادع ، أو بالفتح صفة أو بدلا للشهر ، وعلى التقديرين فهو مبني على أن السنة الشرعية أو لها شهر رمضان ، ويحتمل أن يكون القيد لبيان ذلك فكان وقته كل الشهر ، وأن يكون لتعيين الوقت أي أول ليلة ، أو يوم منه فإنه استقبال السنة وأولها.

قوله عليه‌السلام : « محتسبا » أي متقربا طالبا للأجر ، وقوله « مخلصا » تأكيدا له أو المراد بالإخلاص ما لا يكون مشوبا بالأغراض الأخروية أيضا.

قوله عليه‌السلام : « فتنة » أي في دينه ولا آفة أي في دنياه وبدنه بأن يكون على سبيل اللف والنشر ، أو الكل في الكل.

قوله عليه‌السلام : « دان » أي أطاع وذل.

قوله عليه‌السلام : « يا نور » هو من أسماء المقدسة ، والمراد به الظاهر بآثاره المظهر لكل شيء بإيجاده وإفاضة علمه على المواد القابلة بحسب طاقتها.

قوله عليه‌السلام : « يا قدوس » قال في النهاية (١) من أسماء الله تعالى « القدوس » هو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص ، وفعول بالضم من أبنية المبالغة وقد تفتح القاف

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ٤ ص ٢٣.

٢١٩

شَيْءٍ » يا نور يا قدوس يا أول قبل كل شيء ويا باقي بعد كل شيء يا الله يا رحمان يا الله صل على محمد وآل محمد واغفر لي الذنوب التي تغير النعم واغفر لي الذنوب التي تنزل النقم واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء واغفر لي الذنوب التي تديل الأعداء

______________________________________________________

وليس بالكثير ولم يجيء منه إلا قدوس وسبوح وذروح.

قوله عليه‌السلام : « يا أول » كان الظاهر يا أولا ، ويمكن أن يقال : « قبل » جملة مستأنفة فإنه لما قال يا أول فكأنه سئل كيف أوليته ، فقال : هو قبل كل شيء ، ويمكن أن يكون « قبل » عطف بيان للأول وكذا الفقرة الثانية.

قوله عليه‌السلام : « التي تغير النعم » قال : الوالد العلامة رفع الله مقامه يمكن أن تكون الأوصاف توضيحية فإن جميع الذنوب مشتركة فيها في الجملة وأن تكون احترازية ، ويؤيده ما مر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : الذنوب التي تغير النعم « البغي » وهو الظلم والفساد (٢) ، « والتي تورث الندم » القتل « والتي تنزل النقم » بكسر النون وفتح القاف وبالعكس جمع النقمة وهي المكافاة بالعقوبة الظلم « والتي تهتك الستور » شرب الخمر « والتي تحبس الرزق » الزنا « والتي تعجل الفناء » قطيعة الرحم « والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء » عقوق الوالدين ، ويحتمل أن يكون المراد كلا منها مع أشباهه ومقدماته لتصح الجمعية ، « وتغيير النعم » إزالتها كما قال تعالى (٣) « إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ».

قوله عليه‌السلام : « التي تقطع الرجاء » أي يحصل بسببه اليأس من روح الله ، « إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ » (٤) أو مظنة لقطع الرجاء لكبرها وإن لم

__________________

(١) الوسائل : ج ١١ ص ٥١٣ ح ٣.

(٢) اعلم أنّ هذه الجملة وهي « الظلم والفساد » ليست جزءا من الرواية بل الظاهر والله أعلم أنّها تفسير من المؤلّف قدس‌سره لكلمة البغي ، هذا وفي الرواية بعد هذه الجملة كلمة « والذنوب » التي هي محذوفة هنا فراجع المصدر.

(٣) سورة الرعد :. ١١.

(٤) سورة يوسف : ٨٧.

٢٢٠