بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أقول : الخبران طويلان أوردتهما بأسانيدهما في باب نص أمير المؤمنين عليه‌السلام على الاثني عشر عليهم‌السلام في المجلد التاسع.

كتاب الأقاليم والبلدان والأنهار للفرات فضائل كثيرة.

٦ ـ روي أن أربعة من أنهار الجنة سيحون وجيحون والنيل والفرات.

٧ ـ وعن علي عليه‌السلام قال : يا أهل الكوفة نهركم هذا ينصب إليه ميزابان من الجنة.

٨ ـ وروي عن جعفر الصادق عليه‌السلام أنه شرب من ماء الفرات ثم استزاد وحمد الله تعالى قال ما أعظم بركته لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا على حافتيه القباب ما انغمس فيه ذو عاهة إلا برئ.

وعن السدي أن الفرات مد في زمن عمر فألقى رمانة عظيمة منها كرمان الحب فأمر المسلمين أن يقسموها بينهم فكانوا يزعمون أنها من الجنة.

٩ ـ وقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النيل يخرج من الجنة ولو التمستم فيه حين يخرج لوجدتم من ورقها.

وقال في وصف بعض البحار نقلا عن صاحب كتاب عجائب الأخبار هذا البحر فيه طائر مكرم لأبويه فإنهما إذا كبرا وعجزا عن القيام بأمر أنفسهما يجتمع عليهما فرخان من فراخهما فيحملانهما على ظهورهما إلى مكان حصين ويبنيان لهما عشا ويتعاهدانهما الزاد والماء إلى أن يموتا فإن مات الفرخان قبلهما يأتي إليهما فرخان آخران من فراخهما ويفعلان بهما كما فعل الفرخان الأولان وهلم جرا وهذا دأبهما.

١٠ ـ قرب الإسناد ، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (١) عليهم‌السلام قال : « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » قال من ماء السماء ومن ماء البحر فإذا أمطرت ففتحت (٢) الأصداف أفواهها في البحر فيقع فيها من ماء المطر

__________________

(١) في المصدر : عن علي عليه‌السلام.

(٢) في المصدر : فتحت.

٤١

فتخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة واللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة (١).

١١ ـ كامل الزيارة ، عن أبيه عن الحسن بن متيل (٢) عن عمران بن موسى عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : نهران مؤمنان ونهران كافران نهران كافران نهر بلخ ودجلة والمؤمنان نيل مصر والفرات فحنكوا أولادكم بماء الفرات.

بيان قال الجزري في النهاية فيه نهران مؤمنان ونهران كافران أما المؤمنان فالنيل والفرات وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ جعلهما مؤمنين على التشبيه لأنهما يفيضان على الأرض فيسقيان الحرث بلا مئونة وجعل الآخرين كافرين لأنهما لا يسقيان ولا ينتفع بهما إلا بمئونة وكلفة فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين وهذان في قلة النفع كالكافرين انتهى وأقول ربما يومئ التفريع بقوله فحنكوا إلى أن المراد أن للأولين مدخلا في الإيمان وللآخرين (٣) في الكفر وهو في الفرات ظاهر كما عرفت وأما في النيل فلعل شقاوة أهله لسوء تربة مصر كما ورد في الأخبار فلو جرى في غيره لم يكن كذلك ونهر بلخ هو نهر جيحون وقال البرجندي ويخرج عموده من حدود بدخشان من موضع طوله أربع وتسعون درجة وعرضه سبع وثلاثون درجة ثم يجتمع معه أنهار كثيرة ويذهب إلى جهة المغرب والشمال إلى حدود بلخ ثم يجاوزه إلى ترمد ثم يذهب إلى المغرب والجنوب إلى ولاية زم (٤) وطوله تسع وثمانون درجة وعرضه سبع وثلاثون ثم يمر إلى المغرب والشمال إلى موضع

__________________

(١) قرب الإسناد : ٨٥.

(٢) بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت على ما ضبطه العلامة في الخلاصة والإيضاح ، وحكى عن ابن داود ضم الميم وفتح التاء المشددة. قال النجاشي الحسن بن متيل وجه من وجوه أصحابنا كثير الحديث ، وصحح العلامة حديثه ، وتصحيح حديثه لا يقصر عن توثيقه.

(٣) الأخيرين ( خ ).

(٤) بفتح الزاى وتشديد الميم ، بليدة على طريق جيحون بين ترمذ وآمل ( مراصد الاطلاع ).

٤٢

طوله ثمان وثمانون درجة وعرضه تسع وثلاثون ثم يمر إلى أن ينصب (١) في بحيرة خوارزم ونهر دجلة مشهور ويخرج من بلاد الروم من شمال ميارقين (٢) من تحت حصار ذي القرنين ويذهب من جهة الشمال والمغرب إلى جهة الجنوب والمشرق ويمر بمدينة آمد والموصل وسرمن رأى وبغداد ثم إلى واسط ثم ينصب في بحر فارس.

١٢ ـ العياشي ، عن إبراهيم بن أبي العلاء عن غير واحد عن أحدهما عليهما‌السلام قال : لما قال الله « يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي » قالت الأرض إنما أمرت أن أبلع مائي أنا فقط ولم أومر أن أبلع ماء السماء قال فبلعت الأرض ماءها وبقي ماء السماء فصير بحرا حول الدنيا (٣).

١٣ ـ الكافي ، عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن جبرئيل عليه‌السلام كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ فما سقت أو سقي منها فللإمام والبحر المطيف بالدنيا.

بيان قال البرجندي نهر مهران هو نهر السند يمر أولا في ناحية ملتان ثم يميل إلى الجنوب ويمر بالمنصورة ثم يمر حتى ينصب في بحر ديبل من جانب المشرق وهو نهر عظيم وماؤه في غاية العذوبة وشبيه بنيل مصر ويكون فيه التمساح كالنيل وقيل إذا وصل إلى موضع طوله مائة وسبع درجات وعرضه ثلاث وعشرون درجة ينقسم إلى شعبتين ينصب إحداهما في بحر الهند والأخرى تمر وتنصب فيه بعد مسافة أيضا فما سقت أي بأنفسها أو سقي منها أي سقي الناس منها وهذا الخبر رواه في الفقيه بسند صحيح عن أبي البختري (٤) وزاد في آخره

__________________

(١) في أكثر النسخ : يصب.

(٢) كذا ، والظاهر أنه مصحف « ميافارقين » اسم مدينة ببلاد الروم.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٤٠٩.

(٤) الفقيه : ١٥٩.

٤٣

وهو أفسبكون ولعله من الصدوق فصار سببا للإشكال لأن أفسبكون معرب آبسكون وهو بحر الخزر ويقال له بحر جرجان وبحر طبرستان وبحر مازندران وطوله ثمانمائة ميل وعرضه ستمائة ميل وينصب فيه أنهار كثيرة منها نهر آتل (١) وهذا البحر غير محيط بالدنيا بل محاط بالأرض من جميع الجوانب ولا يتصل بالمحيط ولعله إنما تكلف ذلك لأنه لا يحصل من المحيط شيء وهو غير مسلم وقرأ بعض الأفاضل المطيف بضم الميم وسكون الطاء وفتح الياء اسم مفعول أو اسم المكان من الطواف ولا يخفى ضعفه فإن اسم المفعول منه مطاف بالضم أو مطوف واسم المكان كالأول أو مطاف بالفتح وربما يقرأ مطيف بتشديد الياء المفتوحة وهو أيضا غير مستقيم لأنه بالمعنى المشهور واوي فالمفعول من باب التفعيل مطوف وأيضا كان ينبغي أن يقال المطيف به الدنيا نعم قال في القاموس طيف تطييفا وطوف أكثر الطواف انتهى لكن حمله على هذا أيضا يحتاج إلى تكلف شديد وما في الكافي أظهر وأصوب والمعنى أن البحر المحيط بالدنيا أيضا للإمام عليه‌السلام.

١٤ ـ نوادر الراوندي ، بإسناده عن أبي جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شر اليهود يهود بيسان وشر النصارى نصارى نجران وخير ماء نبع على وجه الأرض ماء زمزم وشر ماء نبع على وجه الأرض ماء برهوت واد بحضرموت يرد عليه هام الكفار وصداهم.

بيان في القاموس بيسان قرية بالشام وقرية بمرو وموضع باليمامة ولعل الأول هنا أظهر ونجران موضع باليمن وفي النهاية فيه لا عدوى ولا هامة الهامة الرأس واسم طائر وهو المراد في الحديث وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها وهي من طير الليل وقيل هي البومة وقيل إن العرب كانت تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتقول اسقوني اسقوني فإذا أدرك بثأره طارت وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة فتطير ويسمونه الصدى فنفاه الإسلام ونهاهم عنه وفي القاموس الصدى الجسد من الآدمي بعد موته و

__________________

(١) آمل ( خ ).

٤٤

طائر يخرج من رأس المقتول إذا بلي بزعم الجاهلية.

١٧ ـ كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي رفعه عن الأصبغ بن نباتة قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أول شيء ضج على الأرض قال واد باليمن هو أول واد فار منه الماء.

١٨ ـ كتاب النوادر ، لعلي بن أسباط عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده قال قال عليه‌السلام لو عدل في الفرات لسقى (١) ما على الأرض كله.

بيان يحتمل أن يكون المراد بها الأراضي التي على شطه وبالقرب منه.

١٩ ـ الدر المنثور ، عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ماء زمزم لما شرب له من شربة لمرض شفاه الله أو لجوع أشبعه الله أو لحاجة قضاها الله.

قال الحكيم الترمذي وحدثني أبي قال دخلت الطواف في ليلة ظلماء فأخذني من البول ما شغلني فجعلت أعتصر حتى آذاني وخفت إن خرجت من المسجد أن أطأ بعض تلك الأقذار وذلك أيام الحاج فذكرت هذا الحديث فدخلت زمزم فتبلعت منه فذهب عني إلى الصباح (٢).

٢٠ ـ ومنه ، عن ابن عباس « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » قال أرسل البحرين « بَيْنَهُما بَرْزَخٌ » قال حاجز « لا يَبْغِيانِ » قال لا يختلطان.

وروي أيضا عنه قال : بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » قال إذا مطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها من قطر السماء فهو اللؤلؤ (٣).

٢١ ـ وعن ابن جبير قال : إذا نزل القطر من السماء تفتحت له الأصداف فكان لؤلؤا (٤).

٢٢ ـ وعن علي بن أبي طالب قال : المرجان عظام اللؤلؤ. وعن ابن عباس مثله (٥).

__________________

(١) لاسقى ( خ ).

(٢) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ٢٢١.

(٣ _ ٥) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٤٢.

٤٥

٢١ ـ وفي رواية أخرى عنه المرجان اللؤلؤ الصغار (١).

٢٢ ـ وعن ابن مسعود المرجان الخرز الأحمر (٢).

٢٣ ـ وعن عمير بن سعد قال : كنا مع علي على شط الفرات فمرت سفينة فقرأ هذه الآية « وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ » (٣).

٢٤ ـ مجمع البيان ، روى مقاتل عن عكرمة وعن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله تعالى أنزل من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله تعالى من عين واحدة وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم وذلك قوله « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ » (٤).

٢٥ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الله بن أحمد عن علي بن النعمان عن صالح بن حمزة عن أبان بن مصعب عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما لكم من هذه الأنهار (٥) فتبسم وقال إن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات فما سقت أو استقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه شيء إلا ما غصب عليه وإن ولينا لفي أوسع مما بين ذه إلى ذه يعني بين السماء والأرض ثم تلا هذه الآية « قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » المغصوبين عليها « خالِصَةً » لهم « يَوْمَ الْقِيامَةِ » بلا غصب.

توضيح لعل التبسم لأجل من التبعيضية يخرق كينصر ويضرب أي

__________________

(١ و ٢) الدر المنثور : ج ٦ ص ١٤٢.

(٣) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٤٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٠٢.

(٥) في المصدر : الأرض.

٤٦

يشق ويحفر ومنهم من حمل الكلام على الاستعارة التمثيلية لبيان أن حدوث الأنهار ونحوها مستندة إلى قدرة الله تعالى ردا على الفلاسفة الذين يسندونها إلى الطبائع وفي أكثر النسخ هنا جيحان بالألف وفي بعضها بالواو وهو أصوب لما عرفت أن نهر بلخ بالواو وعلى الأول إن كان التفسير من بعض الرواة فيمكن أن يكون اشتباها منه ولو كان من الإمام عليه‌السلام وصح الضبط كان الاشتباه من اللغويين والشاش بلد بما وراء النهر كما في القاموس ونهره على ما ذكره البرجندي بقدر ثلثي الجيحون ومنبعه من بلاد الترك من موضع عرضه اثنتان وأربعون درجة وطوله إحدى وسبعون درجة ويمر إلى المغرب مائلا إلى الجنوب إلى خجند ثم إلى فاراب ثم ينصب في بحيرة خوارزم وتسميته بالخشوع غير مذكور فيما رأينا من كتب اللغة وغيرها فما سقت أي سقته من الأشجار والأراضي والزروع أو استقت أي منه أي أخذت الأنهار منه وهو بحر المطيف بالدنيا أو بحر السماء فالمقصود أن أصلها وفرعها لنا أو ضمير استقت راجع إلى ما باعتبار تأنيث معناه والتقدير استقت منها وضمير منها المقدر للأنهار فالمراد بما سقت ما جرت عليها من غير عمل وبما استقت ما شرب منها بعمل كالدولاب وشبهه ونسبة الاستسقاء (١) إليها على المجاز كذا خطر بالبال وهو أظهر وقيل ضمير استقت راجع إلى الأنهار على الإسناد المجازي لأن الاستقاء فعل لمن يخرج الماء منها بالحفر والدولاب يقال استقيت من البئر أي أخرجت الماء منها وبالجملة يعتبر في الاستقاء ما لا يعتبر في السقي من الكسب والمبالغة في الاعتمال إلا ما غصب عليه على بناء المعلوم والضمير للعدو أي غصبنا عليه أو على بناء المجهول أي إلا شيء صار مغصوبا عليه يقال غصبه على الشيء أي قهره والاستثناء منقطع إن كان اللام للاستحقاق وإن كان للانتفاع فالاستثناء متصل وذه إشارة إلى المؤنث أصلها ذي قلبت الياء هاء المغصوبين عليها الحاصل أن خالصة حال مقدرة من قبيل قولهم جاءني زيد صائدا صقره غدا قال في مجمع البيان قال ابن عباس يعني أن المؤمنين يشاركون المشركين في الطيبات في الدنيا ثم يخلص الله

__________________

(١) الاستقاء ( ظ ).

٤٧

الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء (١) انتهى.

ثم اعلم أنه عليه‌السلام ذكر في الأول ثمانية وإنما ذكر في التفصيل سبعة فيحتمل أن يكون ترك واحدا منها لأنه لم يكن في مقام تفصيل الجميع بل قال منها سيحان الخبر وقيل لما كان سيحان اسما لنهرين نهر بالشام ونهر بالبصرة أراد هنا كليهما من قبيل استعمال المشترك في معنييه وهو بعيد ولعله سقط واحد منها من الرواة وكأنه كان جيحان وجيحون فظن بعض النساخ والرواة زيادة أحدهما فأسقطه وحينئذ يستقيم التفسير أيضا.

فائدة قال النيسابوري في تفسير قوله تعالى « وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ » قد سلف أن الماء المحيط (٢) بأكثر جوانب القدر المعمور من الأرض فذلك هو البحر المحيط وقد دخل في ذلك الماء من جانب الجنوب متصلا بالمحيط الشرقي ومنقطعا عن الغربي إلى وسط العمارة أربعة خليجات الأول إذا ابتدأ من المغرب الخليج البربري لكونه في حدود بربر من أرض الحبشة طوله من الجنوب إلى الشمال مائة وستون فرسخا وعرضه خمسة وثلاثون فرسخا وعلى ضلعه الغربي بلاد كفار الحبشة وبعض الزنج وعلى الشرقي بلاد مسلمي الحبشة والثاني الخليج الأحمر طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة وستون فرسخا وعرضه بقرب منتهاه ستون فرسخا وبين طرفه وفسطاط مصر الذي على شرق النيل مسيرة ثلاثة أيام على البر وعلى ضلعه الغربي بعض بلاد البربر وبعض بلاد الحبشة وعلى ضلعه الشرقي سواحل عليها فرضه مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوافل مصر والحبشة إلى الحجاز ثم سواحل اليمن ثم عدن على الذؤابة الشرقية منه الثالث خليج فارس طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة وستون فرسخا وعرضه قريب من مائة وثمانين فرسخا وعلى سواحل ضلعه الغربي بلاد عمان ولهذا ينسب البحر هناك إليها وجملة ولاية الغرب وإحيائهم من الحجاز واليمن والطائف وغيرها وبواديهم بين الضلع الغربي من هذا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤١٣.

(٢) محيط ( ظ ).

٤٨

البحر والشرقي من الخليج الأحمر فلهذا سميت العمارة الواقعة بينهما جزيرة العرب وفيها مكة زادها الله شرفا وعلى سواحل ضلعه الشرقي بلاد فارس ثم هرموز ثم مكران ثم سواحل السند الرابع الخليج الأخضر مثلث الشكل آخذ من الجنوب إلى الشمال ضلعه الشرقي بلاد فارس ثم هرموز ثم مكران متصل بالمحيط الشرقي وضلعه الغربي خمسمائة فرسخ تقريبا وعلى سواحل هذا الضلع ولايات الصين ولهذا يسمى بحر الصين ومن زاويته الغربية إلى زاوية من بحر فارس يسمى بحر الهند لكون بعض ولايتهم على سواحله وأيضا فقد دخل إلى العمارة من جانب الغرب خليج عظيم يمر من جانب الجنوب على كثير من بلاد المغرب ويحاذي أرض السودان وينتهي إلى بلاد مصر والشام ومن جانب الشمال على بلاد الروس والجلالقة والصقالبة إلى بلاد الروم والشام ويتشعب منه شعبة من شمال أرض الصقالبة إلى أرض مسلمي بلغار يسمى بحر ورنك طوله المعلوم مائة فرسخ وعرضه ثلاث وثلاثون وإذا جاوز تلك النواحي امتد نحو المشرق عما وراء جبال غير مسلوكة وأرض غير مسكونة وتتشعب (١) منه أيضا شعبة يسمى بحر طرابزون فهذه هي البحار المتصلة بالمحيط وأما غير المتصلة فأعظمها بحر طبرستان وجيلان وباب الأبواب والخزر وأبسيكون (٢) لكون هذه الولايات على سواحله مستطيل الشكل آخذ من المشرق إلى المغرب بأكثر من مائتين وخمسين فرسخا ومن الجنوب إلى الشمال بقرب من مائتين ومن عجائب البحار الحيوانات المختلفة الأعظام والأنواع والأصناف ومنها الجزائر الواقعة فيها فقد يقال في بحر الهند من الجزائر العامرة ألف وثلاثمائة وسبعون منها جزيرة عظيمة في أقصى البحر مقابل أرض الهند في ناحية المشرق وعند بلاد الصين تسمى جزيرة سرانديب (٣) دورها ثلاثة آلاف ميل فيها جبال عظيمة وأنهار كثيرة ومنها يخرج الياقوت الأحمر وحول هذه الجزيرة تسع عشرة جزيرة عامرة فيها مدائن

__________________

(١) تنشعب ( خ ) ،.

(٢) آبسكون ( خ ).

(٣) سرنديب ( خ ).

٤٩

وقرى كثيرة ومن جزائر هذا البحر جزيرة كله التي يجلب منها الرصاص القلعي وجزيرة سريرة التي يجلب منها الكافور وغرائب البحر كثيرة ولهذا قيل حدث عن البحر ولا حرج وسئل بعض العقلاء ما رأيت من عجائب البحر قال سلامتي منه.

تتمة قالت الحكماء في سبب انفجار العيون من الأرض أن البخار إذا احتبس في داخل من الأرض لما فيها من ثقب وفرج يميل إلى جهة فيبرد بها فينقلب مياها مختلطة بأجزاء بخارية فإذا كثر لوصول مدد متدافع إليه بحيث لا تسعه الأرض أوجب انشقاق الأرض وانفجرت منها العيون أما الجارية على الولاء فهي إما لدفع تاليها سابقها أو لانجذابه إليه لضرورة عدم الخلاء بأن يكون البخار الذي انقلب ماء وفاض إلى وجه الأرض ينجذب إلى مكانه ما يقوم مقامه لئلا يكون خلاء فينقلب هو أيضا ماء ويفيض وهكذا استتبع كل جزء منه جزء آخر وأما العيون الراكدة فهي حادثة من أبخرة لم تبلغ من كثرة موادها وقوتها أن يحصل منها معاونة شديدة أو يدفع اللاحق السابق وأما مياه القنى (١) والآبار فهي متولدة من أبخرة ناقصة القوة عن أن يشق الأرض فإذا أزيل ثقل الأرض عن وجهها صادفت منفذا تندفع إليه بأدنى حركة فإن لم يجعل هناك مسيل فهو البئر وإن جعل فهو القناة ونسبة القنى إلى الآبار كنسبة العيون السيالة إلى الراكدة ويمكن أن تكون هذه المياه متولدة كما قاله أبو البركات البغدادي من أجزاء مائية متولدة من أجزاء متفرقة في ثقب أعماق الأرض ومنافذها إذا اجتمعت بل هذا أولى لكون مياه العيون والآبار والقنوات تزيد بزيادة الثلوج والأمطار قال الشيخ في النجاة وهذه الأبخرة إذا انبعثت عيونا أمدت البحار بصب الأنهار إليها ثم ارتفع من البحار والبطائح والأنهار وبطون الجبال خاصة أبخرة أخرى ثم قطرت ثانيا إليها فقامت بدل ما يتحلل منها على الدور دائما.

__________________

(١) القنى والقناء ـ بكسر القاف فيهما ـ : جمع القناة ، وهي ما يحفر من الأرض ليجرى فيها الماء.

٥٠

٣١

(باب)

(الأرض وكيفيتها وما أعد الله للناس فيها وجوامع أحوال)

(العناصر وما تحت الأرضين)

الآيات :

البقرة « يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (١)

الرعد « وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » (٢)

إبراهيم « اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ » (٣)

الحجر « وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ » (٤)

النحل « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ

__________________

(١) البقرة : ٢١ ـ ٢٢.

(٢) الرعد : ٣ ـ ٤.

(٣) إبراهيم : ٣٢ ـ ٣٤.

(٤) الحجر : ١٩ ـ ٢٠.

٥١

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » إلى قوله تعالى « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ » (١)

الكهف « إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » (٢)

طه « لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى » (٣) وقال تعالى « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » (٤)

الأنبياء « وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ » (٥)

الشعراء « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ » (٦)

وقال تعالى « أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ » (٧)

__________________

(١) النحل : ١٠ ـ ١٨.

(٢) الكهف : ٧.

(٣) طه : ٦.

(٤) طه : ٥٣ ـ ٥٥.

(٥) الأنبياء : ٣١.

(٦) الشعراء : ٧ ـ ٨.

(٧) الشعراء : ١٤٦ ـ ١٤٩.

٥٢

النمل « أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » (١)

لقمان « خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » (٢)

فاطر « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ » (٣)

يس « وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ » (٤)

المؤمن « اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً » (٥)

السجدة « وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (٦)

حمعسق « وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى

__________________

(١) النمل : ٦٠ ـ ٦١.

(٢) لقمان : ١٠ ـ ١١.

(٣) فاطر : ٢٧ ـ ٢٨.

(٤) يس : ٣٣ ـ ٣٦.

(٥) المؤمن : ٦٤.

(٦) فصلت : ٣٩.

٥٣

جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ » (١)

الزخرف « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » (٢)

الجاثية « وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (٣)

ق « وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ » (٤)

الذاريات « وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (٥)

الرحمن « وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » (٦)

الحديد « اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » (٧)

الطلاق « اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً » (٨)

الملك « هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » (٩)

__________________

(١) الشورى : ٢٩.

(٢) الزخرف : ١٠.

(٣) الجاثية : ١٣.

(٤) ق : ٧ ـ ٨.

(٥) الذاريات : ٤٨ ـ ٤٩.

(٦) الرحمن : ١٠ ـ ١٣.

(٧) الحديد : ١٧.

(٨) الطلاق : ١٢.

(٩) الملك : ١٥.

٥٤

نوح « وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً » (١)

المرسلات « أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » (٢)

النبأ « أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً » (٣)

الطارق « وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ » (٤) الغاشية « أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ » (٥)

الشمس : « وَالْأَرْضِ وَما طَحاها » (٦)

تفسير « الَّذِي خَلَقَكُمْ » قيل إنه تعالى عدد في هذا المقام عليهم خمسة دلائل اثنين من الأنفس وهما خلقهم وخلق أصولهم وثلاثة من الآفاق بجعل الأرض فراشا والسماء بناء والأمور الحاصلة من مجموعهما وهي إنزال الماء من السماء وإخراج الثمرات بسببه وسبب هذا الترتيب ظاهر لأن أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه ثم مأمنه ومنشؤه وأصله ثم الأرض التي هي مكانه ومستقره يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على فراشه ثم السماء التي كالقبة المضروبة والخيمة المبنية على هذا القرار ثم ما يحصل من شبه الازدواج بين المقلة والمظلة من إنزال الماء عليها والإخراج به من بطنها أشباه النسل من الحيوان ألوان الغذاء

__________________

(١) نوح : ١٩ ـ ٢٠.

(٢) المرسلات : ٢٥ ـ ٢٨.

(٣) النبأ : ٦ ـ ١٦.

(٤) الطارق : ١٢.

(٥) الغاشية : ١٧ ـ ٢٠.

(٦) الشمس : ٦.

٥٥

وأنواع الثمار رزقا لبني آدم وأيضا خلق المكلفين أحياء قادرين أصل لجميع النعم وأما خلق الأرض والسماء فذلك إنما ينتفع به بشرط حصول الخلق والحياة والقدرة والشهوة وذكر الأصول مقدم على ذكر الفروع وأيضا كل ما كان في السماء والأرض من الدلائل على وجود الصانع فهو حاصل في الإنسان بزيادة الحياة والقدرة والشهوة والعقل ولما كانت وجوه الدلالة فيه أتم كان تقديمه في الذكر أهم.

والفراش اسم لما يفرش كالبساط لما يبسط وليس من ضرورات الافتراش أن يكون سطحا مستويا كالفراش على ما ظن فسواء كانت كذلك وعلى شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع لعظم جرمها وتباعد أطرافها ولكنه لا يتم الافتراش عليها ما لم تكن ساكنة في حيزها الطبيعي وهو وسط الأفلاك لأن الأثقال بالطبع تميل إلى تحت كما أن الخفاف بالطبع تميل إلى فوق والفوق من جميع الجوانب ما يلي السماء والتحت ما يلي المركز فكما أنه يستبعد حركة الأرض في ما يلينا إلى جهة السماء فكذلك يستبعد هبوطها في مقابلة ذلك لأن ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السماء فإذن لا حاجة في سكون الأرض وقرارها في حيزها إلى علاقة من فوقها ولا إلى دعامة من تحتها بل يكفي في ذلك ما أعطاها خالقها وركز فيها من الميل الطبيعي إلى الوسط الحقيقي بقدرته واختياره « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ».

ومما من الله على عباده في خلق الأرض أن لم تجعل في غاية الصلابة كالحجر ولا في غاية اللين والانغمار كالماء ليسهل النوم والمشي عليها وأمكنت الزراعة واتخاذ الأبنية منها ويتأتى حفر الآبار وإجراء الأنهار ومنها أن لم تخلق في نهاية اللطافة والشفيف لتستقر الأنوار عليها وتتسخن منها فيمكن جوازها (١).

ومنها أن جعلت بارزة بعضها من الماء مع أن طبعها الغوص فيها لتصلح لتعيش الحيوانات البرية عليها وسبب انكشاف ما برز منها وهو قريب من ربعها إن لم تخلق صحيحة الاستدارة بل خلقت هي والماء بمنزلة كرة واحدة يدل على ذلك في ما بين الخافقين

__________________

(١) جوارها ( خ ).

٥٦

تقدم طلوع الكواكب وغروبها للمشرقيين على طلوعها وغروبها للمغربيين وفي ما بين الشمال والجنوب ازدياد ارتفاع القطب الظاهر وانحطاط الخفي للواغلين في الشمال وبالعكس للواغلين في الجنوب وتركب الاختلافين لمن يسير على سمت بين السمتين إلى غير ذلك من الأعراض الخاصة بالاستدارة يستوي في ذلك راكب البر وراكب البحر وهذه الجبال وإن شمخت لا تخرجها عن أصل الاستدارة لأنها بمنزلة الخشونة القادحة في ملاسة الكرة لا في استدارتها.

ومنها الأشياء المتولدة فيها من المعادن والنبات والحيوان والآثار العلوية والسفلية ولا يعلم تفاصيلها إلا موجدها ومنها اختلاف بقاعها في الرخاوة والصلابة والدماثة والوعورة بحسب اختلاف الحاجات والأغراض « وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ » ومنها اختلاف ألوانها « وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ » ومنها انصداعها بالنبات « وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ » ومنها جذبها للماء المنزل من السماء « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ » ومنها العيون والأنهار العظام التي فيها « وَالْأَرْضَ مَدَدْناها » ومنها أن لها طبع الكرم والسماحة تأخذ واحدة وترد سبعمائة « كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ » ومنها حياتها وموتها « وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها » ومنها الدواب المختلفة « وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ » ومنها النباتات المتنوعة « وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » فاختلاف ألوانها دلالة واختلاف طعومها دلالة واختلاف روائحها دلالة فمنها قوت البشر ومنها قوت البهائم « كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ » ومنها الطعام ومنها الإدام ومنها الدواء ومنها الفواكه ومنها كسوة البشر نباتية كالقطن والكتان وحيوانية كالشعر والصوف والإبريسم والجلود ومنها الأحجار المختلفة بعضها للزينة وبعضها للأبنية فانظر إلى الحجر الذي تستخرج منه النار مع كثرته وانظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته وانظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير وقلة النفع بهذا الخطير ومنها ما أودع الله تعالى فيها من المعادن الشريفة كالذهب والفضة.

ثم تأمل أن البشر استنبطوا الحرف الدقيقة والصنائع الجليلة واستخرجوا

٥٧

السمك من قعر البحر واستنزلوا الطير من أوج الهواء وعجزوا عن اتخاذ الذهب والفضة والسبب فيه أن معظم فائدتهما ترجع إلى الثمنية وهذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة والقدرة على اتخاذهما تبطل هذه الحكمة فلذلك ضرب الله دونهما بابا مسدودا ومن هاهنا اشتهر في الألسنة من طلب المال بالكيمياء أفلس.

ومنها ما يوجد على الجبال والأراضي من الأشجار الصالحة للبناء والسقف والحطب وما اشتد إليه الحاجة في الخبز والطبخ ولعل ما تركناه من الفوائد أكثر مما عددناه فإذا تأمل العاقل في هذه الغرائب والعجائب اعترف بمدبر حكيم ومقدر عليم إن كان ممن يسمع ويبصر ويعتبر.

وأما منافع السماء فإن الله تعالى زينها بمصابيح « وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ » وبالقمر « وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً » وبالشمس « وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً » وبالعرش « رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » وبالكرسي « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » وباللوح « فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ » وبالقلم « ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ » وسماها سقفا محفوظا وسبعا طباقا وسبعا شدادا وذكر أن خلقها مشتمل على حكم بليغة وغايات صحيحة « رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا » وجعلها مصعد الأعمال ومهبط الأنوار وقبلة الدعاء ومحل الضياء والصفاء وجعل لونها أنقع الألوان وهو المستنير وشكلها أفضل الأشكال وهو المستدير ونجومها رجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وقيض للشمس طلوعا وسهل معه التقلب لقضاء الأوطار في الأطراف وغروبا يصلح معه الهدء والقرار في الأكناف لتحصيل الراحة وانبعاث القوة الهاضمة وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء وأيضا لو لا الطلوع لانجمدت المياه وغلبت البرودة والكثافة وأفضت إلى جمود الحرارة الغريزية وانكسار سورتها ولو لا الغروب لحميت الأرض حتى يحترق كل من عليها من حيوان ونبات فهي بمنزلة السراج يوضع لأهل بيت بمقدار حاجتهم ثم يرفع عنهم ليستقروا ويستريحوا فصار النور والظلمة مع تضادهما متظاهرين على ما فيه صلاح قطان الأرض.

٥٨

وأما ارتفاع الشمس وانحطاطها فقد جعله الله تعالى سببا لإقامة الفصول الأربعة ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر والنبات فيتولد منه مواد الثمار ويستكثف الهواء فيكثر السحاب والمطر وتقوى أبدان الحيوانات بسبب احتقان الحرارة الغريزية في البواطن وفي الربيع تتحرك الطبائع وتظهر المواد المتولدة في الشتاء وينور الشجر ويهيج الحيوان للسفاد وفي الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار وتتحلل فضول الأبدان ويجف وجه الأرض ويتهيأ للعمارة والزراعة وفي الخريف يظهر البرد واليبس فتدرك الثمار وتستعد الأبدان قليلا قليلا للشتاء.

وأما القمر فهو تلو الشمس وخليفتها وبه يعلم عدد السنين والحساب وتضبط المواقيت الشرعية ومنه يحصل النماء والرواء وقد جعل الله في طلوعه مصلحة وفي غيبته مصلحة يحكى أن أعرابيا نام عن جمله ليلا ففقده فلما طلع القمر وجده فنظر إلى القمر وقال إن الله صورك ونورك وعلى البروج دورك فإذا شاء نورك وإذا شاء كورك فلا أعلم مزيدا أسأله لك فإن أهديت إلي سرورا فقد أهدى الله إليك نورا ثم أنشأ في ذلك أبياتا.

وقال الجاحظ إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والإنسان كما لك البيت المتصرف فيه وضروب النبات مهيأة لمنافعه وصنوف الحيوان متصرفة في مصالحه فهذه جملة واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل وتقدير شامل وحكمة بالغة وقدرة غير متناهية.

ثم إنهم اختلفوا في أن السماء أفضل أم الأرض قال بعضهم السماء أفضل لأنها معبد الملائكة وما فيها بقعة عصي الله فيها ولما أتى آدم بالمعصية أهبط من الجنة وقال الله لا يسكن في جواري من عصاني وقال تعالى « وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً » وقال « تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً » وورد في الأكثر ذكر السماء مقدما على ذكر الأرض والسماوات مؤثرة والأرضيات متأثرة والمؤثر أشرف من المتأثر.

٥٩

وقال آخرون بل الأرض أفضل لأنه تعالى وصف بقاعا من الأرض بالبركة « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً » و « فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها » يعني أرض الشام ووصف جملة الأرض بالبركة « وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ »

فإن قيل أي بركة في المفاوز المهلكة قلت إنها مساكن الوحوش ومراعيها ومساكن الناس إذا احتاجوا إليها ومساكن خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى فلهذه البركات قال « فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ » تشريفا لهم لأنهم هم المنتفعون بها كما قال « هُدىً لِلْمُتَّقِينَ » وخلق الأنبياء منها « مِنْها خَلَقْناكُمْ » وأودعهم فيها « وَفِيها نُعِيدُكُمْ » وأكرم نبيه المصطفى فجعل الأرض كلها له مسجدا وطهورا.

ومعنى إخراج الثمرات بالماء وإنما خرجت بقدرته ومشيته أنه جعل الماء سببا في خروجها ومادة لها كالنطفة في خلق الولد وهو قادر على إنشاء الأشياء بلا أسباب ومواد كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد ولكن له في هذا التدريج والتسبيب حكما يتبصر بها من يستبصر ويتفطن لها من يعتبر.

ومن في « مِنَ الثَّمَراتِ » للتبعيض كما أنه قصد بتنكير « السَّماءَ » و « رِزْقاً » معنى البعضية فكأنه قيل وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم ويجوز أن يكون للبيان كقولك أنفقت من الدراهم ألفا والند المثل المناوي « وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » حال من ضمير « فَلا تَجْعَلُوا » ومفعول « تَعْلَمُونَ » مطروح أي حالكم أنكم من أهل العلم والنظر وأصابه الرأي فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات منفرد بوجود الذات متعال عن مشابهة المخلوقات أو منوي وهو أنها لا تماثله ولا تقدر على مثل ما يفعله.

« وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ » قال الرازي أي جعل الأرض (١) بذلك المقدار المعين الحاصل لا أزيد ولا أنقص والدليل عليه هو أن كون الأرض أزيد مقدارا مما هو الآن أو أنقص منه أمر جائز فاختصاصه بذلك المقدار المعين لا بد وأن يكون

__________________

(١) في المصدر : مختصة بذلك ...

٦٠