بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ذلك فيه فالمعادن وقال بعضهم وإنما قلنا مع تحقق الحس والحركة لأنه لا قطع بعدمهما في النبات والمعدن بل ربما يدعي حصول الشعور والإرادة للنبات لأمارات تدل على ذلك مثل ما يشاهد في ميل النخلة الأنثى إلى الذكر وتعشقها به بحيث لو لم تلقح منه لم تثمر وميل عروق الأشجار إلى جهة الماء وميل أغصانها في الصعود من جانب الموانع إلى الفضاء ثم ليس هذا ببعيد عن القواعد الفلسفية فإن تباعد الأمزجة عن الاعتدال الحقيقي إنما هو على غاية من التدريج فانتقاض استحقاق الصور الحيوانية وخواصها لا بد أن يبلغ قبل الانتفاء إلى حد الضعف والخفاء وكذا النباتية ولهذا اتفقوا على أن من المعدنيات ما وصل إلى أفق النباتية ومن النباتات ما وصل إلى أفق الحيوانية كالنخلة وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكرموا عمتكم النخلة وقال بعضهم أخرى طبقات المعادن متصلة بأولى طبقات النباتات كما أن المرجان التي هي من المعادن ينمو في قعر البحر وهو قريب من النباتات التي تنبت في فصل الربيع وتذبل وتفنى سريعا وأخرى طبقات النبات تتصل بأولى طبقة الحيوانات كالنخل فإنها شبيهة بالحيوان في أنها إذا غرقت في الماء أو تقطع رأسها تموت ولا تثمر كثيرا بدون اللقاح ورائحة طلعها شبيهة برائحة المني وتعشق بعضها بعضا بحيث لا تحمل إلا إذا صب فيها من طلعه ويميل بعضها إلى بعض وهي قريبة من الحيوانات المتولدة في الأراضي الندية كالخراطين وأشباهها وأخرى طبقة الحيوانات تتصل بأفق الإنسان كالفيل والقردة فإنهما تتعلمان بأدنى تعليم وفي كثير من الصفات شبيهة بالإنسان وهي قريبة من بعض أفراد الإنسان كالسودان والأتراك الذين ليس فيهم من الإنسانية إلا الأكل والشرب والنوم والسفاد.

ثم إنهم قالوا إن الأبخرة والأدخنة المحتبسة في باطن الأرض إذا كثرت يتولد منها ما مر من الرجفة والزلزلة وانفجار العيون وإذا لم تكن كثيرة اختلطت على ضروب من الاختلاطات المختلفة في الكم والكيف والمزج بحسب الأمكنة والأزمنة والإعدادات فتكون منها الأجسام المعدنية بإذن الله تعالى وهي أول ما يحدث من المركبات العنصرية التامة المزاجية ثم إذا غلب البخار على الدخان

١٨١

تتولد مثل اليشم والبلور والزئبق وغيرها من الجواهر المشفة وإن غلب الدخان يتولد الملح والزاج والكبريت والنوشادر ثم من اختلاط بعض هذه مع بعض يتولد غيرها من المعادن وأصنافها خمسة لأنها إما ذائبة أو غير ذائبة والذائبة إما منطرقة أو غير منطرقة والغير المنطرقة إما مشتعلة أو غير مشتعلة وغير الذائبة أما عدم ذؤبانه لفرط الرطوبة أو لفرط اليبوسة فأقسامها ذائب منطرق وذائب مشتمل وذائب غير منطرق ولا مشتعل وغير ذائب لفرط الرطوبة وغير ذائب لفرط اليبوسة.

فالذائب المنطرق هو الجسم الذي انجمد فيه الرطب واليابس بحيث لا يقدر النار على تفريقهما مع بقاء دهنية قوية بسببها يقبل ذلك الجسم الانطراق وهو الاندفاع في السحق بانبساط يعرض للجسم في الطول والعرض قليلا دون انفصال شيء والذوبان سيلان الجسم بسبب تلازم رطبه ويابسه والمشهور من أنواع الذائب المنطرق سبعة الذهب والفضة والرصاص والأسرب والحديد والنحاس والخارصيني وقيل الخارصيني هو جوهر شبيه بالنحاس يتخذ منها مرايا لها خواص وذكر بعضهم أنه لا يوجد في عهدنا (١) والذي يتخذ منه المرايا ويسمى بالحديد الصيني والهفتجوش فجوهر مركب من بعض الفلزات وليس بالخارصيني والذوبان في غير الحديد ظاهر وأما في الحديد فيكون بالحيلة كما يعرفه أرباب الصنعة وشهدت الأمارات بأن مادة الأجساد السبعة الزئبق والكبريت واختلاف الأنواع والأصناف عائد إلى اختلاف صفاتهما واختلاطهما وتأثر أحدهما عن الآخر أما الأمارات فهي أنها سيما الرصاص يذوب إلى مثل الزئبق والزئبق ينعقد برائحة الكبريت إلى مثل الرصاص والزئبق يتعلق بهذه الأجساد وأما كيفية تكون تلك الأجساد منهما فهي أنه إذا كان الزئبق والكبريت صافيين وكان انطباخ أحدهما بالآخر تاما فإن كان الكبريت مع بقائه أبيض غير محترق تكونت الفضة وإن كان أحمر وفيه قوة صباغة لطيفة غير

__________________

(١) عصرنا ( خ ).

١٨٢

محترقة تكون الذهب وإن كانا نقيين وفي الكبريت قوة صباغة لكن وصل إليه قبل كمال النضج برد مجمد عاقد تكون الخارصيني وإن كان الزئبق نقيا والكبريت رديا فإن كان مع الرداءة فيه قوة إحراقية تكون النحاس وإن كان غير شديد المخالطة بالزئبق بل متداخلا إياه سافا فسافا تولد الرصاص وإن كان الزئبق والكبريت رديين فإن قوي التركيب وفي الزئبق تخلخل أرضي وفي الكبريت إحراق تكون الحديد وإن ضعف التركيب تكون الأسرب ويسمى الرصاص الأسود قال صاحب المواقف بعد إيراد مثل هذا التقسيم وأنت خبير بأن القسمة غير حاصرة وأن التكون على هذا الوجه لا سبيل فيه إلى اليقين ولا يرجى له إلا الحدس والتخمين وإن سلم فتكونها على غير هذا الوجه مما لم يقم على امتناعه دليل كيف والمهوسون بالكيمياء لهم في الأجساد السبعة والأرواح التي تفيد الصورة الذهبية والفضية تفنن والكل عندنا للفاعل المختار من غير إحالة على شيء مما ذكروه انتهى.

والثاني أي الذائب المشتعل هو الجسم الذي فيه رطوبة دهنية مع يبوسة غير مستحكم المزاج ولذلك يقوى النار على تفريق رطبه عن يابسه وهو الاشتعال وذلك كالكبريت المتولد من مائية تخمرت بالأرضية والهوائية تخمرا شديدا بالحرارة حتى صارت تلك المائية دهنية وانعقدت بالبرد وقيل دخانية تخمر بها بخارية تخمرا شديدا بالحر حتى حصل فيها دهنية ثم انعقدت بالبرد وكالزرنيخ وهو كذلك إلا أن الدهنية فيه أقل.

والثالث أي الذائب الذي لا ينطرق ولا يشتمل ما ضعف امتزاج رطبه ويابسه وكثرت رطبته المنعقدة بالحر واليبس كالزاجات وتولدها من ملحية وكبريتية وحجارة وفيها قوة بعض الأجساد الذائبة وكالأملاح وتولدها من ماء خالطه دخان حار لطيف كثير النارية وانعقد باليبس مع غلبة الأرضية الدخانية ولهذا يتخذ الملح من الرماد المحترق بالطبخ والتصفية.

والرابع أي الذي لا يذوب ولا ينطرق لرطوبته ما استحكم الامتزاج بين أجزائه الرطبة الغالبة والأجزاء اليابسة بحيث لا يقول النار على تفريقهما كالزئبق وهو مركب

١٨٣

من مائية صافية جدا خالطتها دخانية كبريتية لطيفة مخالطة شديدة بحيث لا ينفصل منه سطح إلا ويغشاه من تلك اليبوسة شيء فلذلك لا يعلق باليد ولا ينحصر انحصارا شديدا بشكل ما يحويه ومثاله قطارات الماء الواقعة على تراب في غاية اللطافة فإنه يحيط بالقطرة سطح ترابي حاصر للماء كالغلاف له بحيث تبقى القطرة على شكلها في وجه التراب وإذا تلاقت قطرتان منهما فربما ينخرق الغلافان ويصير الماءان في غلاف واحد وبياض الزئبق لصفاء المائية وبياض الأرضية وممازجة الهوائية.

والخامس أي الذي لا يذوب ولا ينطرق ليبوسة ما اشتد الامتزاج بين أجزائه الرطبة والأجزاء اليابسة المستولية بحيث لا يقدر النار على تفريقهما مع إحالة البرد للمائية إلى الأرضية بحيث لا تبقى رطوبة حسية دهنية ولذا لا ينطرق ولما كان تعقده باليبس لا يذوب إلا بالحيلة بحيث لا يبقى ذلك الجوهر بخلاف الحديد المذاب وذلك كالياقوت واللعل والزبرجد ونحو ذلك من الأحجار.

ثم إن من المعادن ما يتولد بالصنعة بتهيئة المواد وتكميل الاستعداد كالنوشادر والملح وإن منها ما يعمل له شبيه يعسر التميز في بادئ النظر كالذهب والفضة واللعل وكثير من الأحجار المعدنية وهل يمكن أن يعمل حقيقة هذه الجواهر بالصنعة من غير جهة الإعجاز فذهب كثير من العقلاء إلى أن تكون الذهب والفضة بالصنعة واقع ذهب ابن سينا إلى أنه لم يظهر له إمكان فضلا عن الوقوع لأن الفصول الذاتية التي بها تصير هذه الأجساد أنواعا أمور مجهولة والمجهول لا يمكن إيجاده نعم يمكن أن يعمل النحاس بصبغ الفضة والفضة بصبغ الذهب وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص لكن هذه الأمور المحسوسة يجوز أن لا تكون هي الفصول بل عوارض ولوازم وأجيب بأنا لا نسلم اختلاف الأجسام بالفصول والصور النوعية بل هي متماثلة لا تختلف إلا بالعوارض التي يمكن زوالها بالتدبير ولو سلم فإن أريد بمجهولية الصور النوعية والفصول الذاتية أنها مجهولة من كل وجه فممنوع كيف وقد علم أنها مباد لهذه الخواص والأعراض وإن أريد أنها مجهولة بحقائقها وتفاصيلها فلا نسلم أن الإيجاد موقوف على العلم بذلك وأنه لا يكفي العلم بجميع

١٨٤

المواد على وجه حصل الظن بفيضان الصور عنده لأسباب لا تعلم على التفصيل كالحية من الشعر والعقرب من البادروج ونحو ذلك وكفى بصنعة الترياق وما فيه من الخواص والآثار شاهدا على إمكان ذلك نعم الكلام في الوقوع وفي العلم بجميع المواد وتحصيل الاستعداد ولهذا جعل الكيمياء في اسم بلا مسمى.

أقول ويظهر من بعض الأخبار تحققه لكن علم غير المعصوم به غير معلوم ومن رأينا وسمعنا ممن يدعي علم ذلك منهم أصحاب خديعة وتدليس ومكر وتلبيس ولا يتبعهم إلا مخدوع وصرف العمر فيه « لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ».

١٣ ـ توحيد المفضل ، قال قال الصادق عليه‌السلام لو فطنوا طالبوا الكيمياء لما في العذرة لاشتروها بأنفس الأثمان وغالبوا بها.

١٤ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن عبد الله بن عبد الرحمن عن يحيى الحلبي عن الثمالي قال : مررت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في سوق النحاس فقلت جعلت فداك هذا النحاس أيش (١) أصله فقال فضة إلا أن الأرض أفسدتها فمن قدر على أن يخرج الفساد منها انتفع بها (٢).

١٥ ـ المجازات النبوية للرضي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجبل ظهورها حرز وبطونها كنز.

قال السيد ره هذا القول خارج عن طريق المجاز لأن بطون الجبل على الحقيقة كنز وإنما أراد أن أصحابها يستخرجون منها من الأفلاذ ما تنمي به أموالهم وتحسن معه أحوالهم وظهورها حرز أراد أنها منجاة من المعاطب وملجأة عند المهارب.

١٦ ـ الخرائج ، روى أحمد بن عمر الحلال قال : قلت لأبي الحسن الثاني عليه‌السلام جعلت فداك إني أخاف عليك من هذا صاحب الرقة قال ليس علي منه بأس إن لله بلادا تنبت الذهب قد حماها بأضعف خلقه بالذر فلو أرادتها الفيلة ما وصلت إليها

__________________

(١) في المصدر : أى شيء.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٠٧.

١٨٥

قال الوشاء إني سألت عن هذه البلاد وقد سمعت الحديث قبل مسألتي فأخبرت أنه بين البلخ والتبت وأنها تنبت الذهب وفيها نمل كبار أشباه الكلاب على حلقها قلس لا [ خلقها فليس ] يمر بها الطير فضلا عن غيره تكمن بالليل في جحرها وتظهر بالنهار فربما غزوا الموضع على الدواب التي تقطع ثلاثين فرسخا في ليلة لا يعرف شيء من الدواب يصبر صبرها فيوقرون أحمالهم ويخرجون فإذا النمل خرجت في الطلب فلا تلحق شيئا إلا قطعته فتشبه بالريح من سرعتها وربما شغلوهم (١) باللحم يتخذ لها إذا لحقتهم يطرح لها في الطريق إن لحقتهم قطعتهم ودوابهم.

بيان الرقة بلد على الفرات والمراد بصاحبها هارون لأنه كان في تلك الأيام فيها والقلس حبل ضخم من ليف أو خوص أو غيرهما وكأنه وصف المشبه به أي الكلاب المعلمة.

١٧ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عمن ذكره قال : قيل للرضا عليه‌السلام إنك تتكلم بهذا الكلام والسيف يقطر دما فقال إن لله واديا من ذهب حماه بأضعف خلقه النمل فلو رامته البخاتي لم تصل إليه.

١٨ ـ توحيد المفضل ، قال قال الصادق عليه‌السلام فكر يا مفضل في هذه المعادن وما يخرج منها من الجواهر المختلفة مثل الجص والكلس والجبسين والزرانيخ والمرتك والقوينا (٢) والزئبق والنحاس والرصاص والفضة والذهب والزبرجد والياقوت والزمرد وضروب الحجارة وكذلك ما يخرج منها من القار والموميا والكبريت والنفط وغير ذلك مما يستعمله الناس في مآربهم فهل يخفى على ذي عقل أن هذه كلها ذخائر ذخرت للإنسان في هذه الأرض ليستخرجها فيستعملها عند الحاجة إليها ثم قصرت حيلة الناس عما حاولوا من صنعتها على حرصهم واجتهادهم في ذلك فإنهم لو ظفروا بما حاولوا من هذا العلم كان لا محالة سيظهر ويستفيض في العالم حتى تكثر الفضة والذهب ويسقطا عند الناس فلا يكون لهما

__________________

(١) شغلوها ( ظ ).

(٢) القوبنا ( خ ).

١٨٦

قيمة ويبطل الانتفاع بهما في الشرى والبيع والمعاملات ولا كان يجبي السلطان الأموال ولا يدخرهما أحد للأعقاب وقد أعطي الناس مع هذا صنعة الشبه من النحاس والزجاج من الرمل والفضة من الرصاص والذهب من الفضة وأشباه ذلك مما لا مضرة فيه فانظر كيف أعطوا إرادتهم في ما لا ضرر فيه ومنعوا ذلك في ما كان ضارا لهم لو ناولوه ومن أوغل في المعادن انتهى إلى واد عظيم يجري منصلتا بماء غزير لا يدرك غوره ولا حيلة في عبوره ومن ورائه أمثال الجبال من الفضة تفكر الآن في هذا من تدبير الخالق الحكيم فإنه أراد جل ثناؤه أن يري العباد مقدرته (١) وسعة خزائنه ليعلموا أنه لو شاء أن يمنحهم كالجبال من الفضة لفعل لكن لا صلاح لهم في ذلك لأنه لو كان فيكون فيها كما ذكرنا سقوط هذا الجوهر عند الناس وقلة انتفاعهم به واعتبر ذلك بأنه قد يظهر الشيء الطريف مما يحدثه الناس من الأواني والأمتعة فما دام عزيزا قليلا فهو نفيس جليل آخذ الثمن فإذا فشا وكثر في أيدي الناس سقط عندهم وخست قيمته ونفاسة الأشياء من عزتها.

بيان : الكلس بالكسر الصاروج والجبس بالكسر الجص وفي أكثر النسخ الجبسين ولم أجده في ما عندنا من كتب اللغة لكن في لغة الطب كما في أكثر النسخ والمرتك كمقعد المرداسنج والقوبنا بالباء الموحدة أو الياء المثناة من تحت ولم أجدهما في كتب اللغة لكن في القاموس القونة القطعة من الحديد أو الصفر يرقع بها الإناء وفي بعض النسخ والتوتياء وفي كتب اللغة أنه حجر يكتحل به والقار القير وجبى الخراج جباية جمعه والإيغال المبالغة في الدخول والذهاب وانصلت مضى وسبق.

تتميم نفعه عميم

اعلم أن الذي يستفاد من الآيات المتظافرة والأخبار المتواترة هو أن تأثيره سبحانه في الممكنات لا يتوقف على المواد والاستعدادات و « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً

__________________

(١) قدرته ( ظ ).

١٨٧

أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (١) وهو سبحانه جعل للأشياء منافع وتأثيرات وخواص أودعها فيها وتأثيراتها مشروطة بإذن الله تعالى وعدم تعلق إرادته القاهرة بخلافها كما أنه أجرى عادته بخلق الإنسان من اجتماع الذكر والأنثى وتولد النطفة منهما وقرارها في رحم الأنثى وتدرجها علقة ومضغة وهكذا فإذا أراد غير ذلك فهو قادر على أن يخلق من غير أب كعيسى ومن غير أم أيضا كآدم وحواء وكخفاش عيسى وطير إبراهيم وغير ذلك من المعجزات المتواترة عن الأنبياء في إحياء الموتى وجعل الإحراق في النار فلما أراد غير ذلك قال للنار « كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » وجعل الثقيل يرسب في الماء وينحدر من الهواء فأظهر قدرته بمشي كثير على الماء ورفعهم إلى السماء وجعل في طبع الماء الانحدار فأجرى حكمه عليه بأن تقف أمثال الجبال منه في الهواء حتى تعبر بنو إسرائيل من البحر ومع عدم القول بذلك لا يمكن تصديق شيء من

__________________

(١) لا بأس بتذييل لهذا التتميم يجعل نفعه أعم وفائدته أتم ، فنقول :

هناك أمور لا مجال للارتياب فيها لمن له قدم في العلوم الإلهية :

( الأول ) كل ما سوى الله تعالى مخلوق له محتاج إليه في جميع شئونه الوجودية ، سواء في ذلك الشئون العلمية والارادية وغيرها.

( الثاني ) ان الله تعالى غنى عن جميع ما سواه ولا يحتاج إلى غيره في شيء أصلا ، وليس لقدرته تعالى حد ونهاية ، فهو القادر على كل أمر ممكن في ذاته وليس لقدرته على شيء من الأشياء شرط ولا مانع ، « سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ ».

( الثالث ) كل ممكن في ذاته يستوى نسبته إلى الوجود والعدم ، ولا بد في ترجح أحدهما من مرجح وهذا حكم ضرورى لا يكاد يشك فيه عاقل فضلا عن الإنكار اللهم الا من لم يتصور طرفى القضية أو عرض له شبهة لم يستطع دفعها أو مكابر ينكر باللسان ما يعترف به قلبا. وهذا أساس جل براهين التوحيد بل المعارف الحقة.

( الرابع ) طريق معرفة العلل والمرجحات ـ سوى ما يعرفه الإنسان وجدانا وبالضرورة اختبار ارتباط وجود شيء بشيء وكشف حدود ذاك الارتباط ، وهذا من معرفة صنع الله تعالى وكشف مجارى مشيئته في خلقه ، لا من باب كشف شرائط قدرته تعالى على الأشياء فتفطن. ومن الواضح ان معرفة سبب ما لشيء لا تنفى سببية شيء آخر له وقد ثبت في محله ان هذا ليس.

١٨٨

المعجزات اليقينية المتواترة عن الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام وكذا جرى عادته على انعقاد الجواهر في المعادن بأسباب من المؤثرات الأرضية والسماوية لبعض المصالح فإذا أراد إظهار كمال قدرته ورفع شأن وليه يجعل الحصا في كفه دفعة جوهرا ثمينا والحديد في يد نبيه عجينا ويخرج الأجساد البالية دفعة من التراب في يوم الحساب فهذه كلها وأمثالها لا تستقيم مع الإذعان بقواعدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة.

وقال بعضهم حذرا من التشهير والتفكير إعادة النفس إلى بدن مثل بدنها الذي كان لها في الدنيا مخلوق من سنخ هذا البدن بعد مفارقتها عنه في القيامة كما نطقت

__________________

من صدور الواحد من الكثير لمكان تعدد الحيثيات ولا اظن أن يرتاب أحد في سببية الأسباب والعلل لمسبباتها ومعلولاتها وارتباط الثانية بالاولى ارتباطا ذاتيا وجوديا إلا ان تعرض شبهة لمن لا يستطيع على حلها كالاشاعرة حيث قالوا بان عادة الله جرت على ايجاد شيء عقيب شيء آخر دون ان يرتبط به ارتباطا وجوديا ، والتزموا بذلك زعما منهم ان القول بالعلية وارتباط المعلول بالعلة ينافى التوحيد ، وجهلا بأن هذا منهم هدم لاساس التوحيد وإنكار لسنة الله تعالى في خلقه.

( الخامس ) كل علة غير الواجب تعالى ليس مستقلا في التأثير كما أنه ليس مستقلا في الوجود ، فكما انها تحتاج في ذاتها إلى علة اخرى حتى تنتهى إلى الواجب تبارك وتعالى فكذا في أفعالها وجميع شئونها فما من اثر وجودى في شيء من الأشياء من حيث هو اثر وجودى إلا وهو مستند إلى الله تعالى قبل استناده إلى سائر علله ويشهد لهذا المعنى آيات كثيرة جدا نسب فيها أفعال العباد والمخلوقات إلى الله تعالى أو انيط فيها تأثير الأشياء باذن الله تعالى ومشيئته ، لكن استناد الافعال والآثار إلى الله سبحانه لا يوجب صلب انتسابها إلى عللها المتوسطة وتأثير العلل باذن ربها ، فاستناد خلق الإنسان إلى الله تعالى لا ينافى توسط ملائكة وتأثير اسباب ومعدات بل يستلزمها ، لا لانه سبحانه يحتاج إليها وقدرته على الخلق يتوقف عليها بل لان مرتبة الفعل هي التي تقتضى ذلك ، فكل معلول له مرتبة تخصه وحدود يتشخص بها بحيث لو تبدل بعضها إلى بعض لانقلب إلى شيء آخر ، كما ان كل عدد له مرتبة خاصة لا يتقدم عليها ولا يتأخر عنها وإلا لانقلب إلى عدد آخر ، وفيض الوجود مطلق لا يقيد من ناحية ذات المفيض تعالى بشيء بل مجارى الفيض هي التي تحدده حتى تتقدر باقدار خاصة تسعها ظروف المعاليل المتأخرة « وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » فتقدره انما هو عند نزوله واما عنده تعالى فالخزائن التي لا تتناهى وقد جرت سنته تعالى باجراء الأمور من أسبابها « فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً

١٨٩

به الشريعة ممكن غير مستحيل ولا استبعاد أيضا فيها ولا يلزم أن يكون حدوث لياقته واستعداده لتعلقها مما يحصل له شيئا فشيئا ككونه أولا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم طفلا إلى تمام الخلقة حسب ما يقتضيه التوالد والتناسل فإن ذلك نحو خاص من الحدوث والحدوث لا ينحصر للإنسان في هذا النحو لجواز أن يتكون دفعة تاما كاملا لأجل خصوصية بعض الأزمنة والأوقات والأوضاع الفلكية ترجح إرادة الله

__________________

وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً ». نعم ، من الأسباب ما يكون واضحا وكيفية تأثيره وشرائطه معروفة ومنها ما يكون خفيا لا يطلع عليها إلا الخواص بعد جهد بالغ وتجارب كثيرة ، ومنها ما يكون غير عادى لا يستطاع الحصول عليه إلا لمن شاء الله تعالى فربما يدعى من لا يعرف هذين النوعين من الأسباب انحصار سبب شيء في ما هو الواضح المتعارف ، كما كان الناس يزعمون استحالة كثير من الأمور التي حصلت اليوم ببركة العلم الحديث ، وكما كان كثير من الاقوام يزعمون استحالة حدوث بعض الآيات قبل مشاهدتها ويسندونها إلى سحر الاعين بعد رؤيتها. لكن العقل السليم لا يأبى وجود أسباب خفية على الناس وغير طائعة لهم كما لا ينكر تأثير نفوس قدسية بأمر الله تعالى ولا يعد المعجزات وخوارق العادات تجويزا للمحال ولا ناقضا لقانون العلية ، لكن يأبى استناد الحوادث أياما كانت بلا واسطة إلى الله تعالى لاستلزام ذلك اختلال سلسلة العلل والمعاليل وتقدر الفيض من غير مقدر والترجح بلا مرجح وأما مرجحية إرادة الله تعالى ومقدريتها للفيض فالارادة ان فرضت حادثة في ذاته سبحانه استلزمت صيرورة الذات محلا للحوادث ومعرضا للكيفيات ـ جل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ وان فرضت حادثة في خارج ذاته كانت مخلوقه له محتاجة إلى إرادة اخرى متسلسلة وتغيير العبارة والتعبير بالمشيئة لا يحل المشكلة وان فرضت قديمة لزم انفكاك المعلول عن العلة وأما الإرادة المنتزعة عن مقام الفعل فمنشأ انتزاعها نفس الفعل فلا تكون مرجحة له وهذا ليس بمعنى اشتراط قدرته تعالى على الفعل بحصول الأسباب واجتماع الشرائط واستعداد المواد ، فان قدرته تعالى ليست محدودة بشيء ولا متوقفة على شيء ، بل بمعنى نقص المقدور ومحدوديته ذاتا وتأخره عن علله رتبة وارتباطه بها ثبوتا ، وبعبارة اخرى المعلول الخاص هو الذي يكون محدودا بحدود وقيود خاصة وإلا لم يكن ذاك المعلول لا أن الله تعالى لا يكون قادرا على ايجاد هذا المعلول إلا بهذه الخصوصيات كما انه لا ينافى تكون الأشياء بنفس امر الله تعالى ، فان أمره يوجب وجودها في ظروفها و.

١٩٠

تعالى (١) في إيجاد الناس وتكوين أجسادهم دفعة واحدة ونفخ أرواحهم في أجسادهم المتكونة نفخة واحدة بتوسط بعض ملائكته فرد الله تعالى بواسطة واهب الصور تلك الصور إلى موادها لحصول المزاج الخاص مرة أخرى كما تتكون ألوف كثيرة من أصناف الحيوانات كالذباب وغيرها في الصيف من العفونات تكونا دفعيا ولا يلزم أن يكون نحو التعلق واحدا في المبدإ والإعادة بل يجوز أن يكون التعلق الأخرى إلى البدن على وجه لا يكون مانعا من حصول الأفعال الغريبة والآثار العجيبة ومشاهدة أمور غيبية لم يكن من شأن النفس مشاهدتها إياها في النشأة الدنيوية وكذا اقتدارها على إيجاد صور عجيبة غريبة حسنة أو قبيحة مناسبة لأوصافها وأخلاقها انتهى وأنت تعلم إذا تأملت في مجاري كلامه أنه مع إعمال التقية فيه لوح إلى مرامه ونقل بعض قدماء الأطباء عن جالينوس في بيان تشريح الأعضاء وفوائدها أنه قال وشعر الحاجبين أيضا مما لم يقصر فيه ولم يتوان عنه وهو والأشفار دون سائر الشعر جعل له مقدار يقف عنده فلا يطول أكثر منه وأما شعر الرأس واللحية فإنه يطول كثيرا والسبب في ذلك أن شعر الرأس واللحية له منفعتان إحداهما تغطية ما تحته من الأعضاء وسترها والأخرى إفناء الفضول الغليظة ومنفعته من جهة التغطية والستر تختلف على وجوه شتى وذلك لأن حاجتنا إلى التغطية والستر تختلف بقدر اختلاف

__________________

على حدودها ، وتعين الحدود والقيود من شئون الموجود بأمر الله تعالى لا من قيود أمره وايجاده فافهم.

إذا عرفت هذه الأمور علمت ان قواعد الفلسفة لا تنفى خوارق العادات وتكون الأشياء من غير طريق أسبابها المتعارفة ، كما لا توجب محدودية قدرته تعالى وتوقفها على حصول استعدادات للمواد ، وان انكر ذلك منكر فلا يعاب به على القواعد العقلية كما لا يعاب بغلط المحاسب على قواعد الحساب ، فنفس القواعد امر واجراؤها في مواردها امر آخر. والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

(١) لا يخفى ما في هذه العبارة ، فارادة الله تعالى قاهرة للأشياء لا مقهورة لها ومترجحة بها ، إلا أن يكون مراده ما أشرنا إليه سابقا.

١٩١

الأسنان وأزمان السنة والبلدان وإخراج البدن لأن حاجة الرجل التام إلى طول الشعر ليست كحاجة الصبي الصغير إلى ذلك ولا كحاجة الشيخ الفاني ولا كحاجة المرأة وكذلك أيضا ليست الحاجة إلى طول الشعر في الصيف والشتاء سواء ولا في البلاد الحارة والباردة ولا حاجة من كانت عينه معتلة من الرمد أو كان رأسه يصدع إلى ذلك كحاجة من هو صحيح البدن لا علة به فاحتيج لذلك أن نكون نحن نجعل طول الشعر في الأوقات المختلفة بأقدار مختلفة بحسب ما يوافق كل وقت منها وأما الحاجبان والأشفار فإنه إن زيد فيه أو نقص منه فسدت منفعته وذاك أن الأشفار تحوط العين بمنزلة الجدار ليحجب عنها ويمنع من أن يسقط فيها شيء من الأجرام الصغار إذا كانت مفتوحة وشعر الحاجبين جعل يلقي ما ينحدر من الرأس قبل وصوله إلى العين بمنزلة الصور المانع فمتى قصرت من طوله أو قللت من عدده أكثر مما ينبغي كان ما يدخل على منفعته من الفساد بحسب ما ينقص من المقدار الذي يحتاج إليه وذاك أن الأشفار حينئذ تطلق ما قد كانت تمنعه قبل النقصان من الوصول إلى العين وشعر الحاجبين يرسل ما قد كان يحبسه ويمنعه من الوصول إلى العين من الأشياء التي تسيل من الرأس فإن أنت طولت هذا الشعر وكثرته فوق المقدار الذي ينبغي لم يقم حينئذ للعين مقام الحاجب ولا مقام السور المانع لكنه يغطي العين ويعلو عليها حتى يصير منه في مثل حبس ضيق وذاك أنه يستر الحدقة ويحجبها حتى تظلم والحدقة أحوج الحواس كلها إلى أن لا تحجب ولا يحال بينها وبين ما يدركه البصر وإذا كان الأمر على ما وصفت فما الذي ينبغي أن نقول فيه أنقول إن الخالق أمر هذا الشعر أن يبقى على مقدار واحد ولا يطول أكثر منه وإن الشعر قبل ذلك الأمر فأطاع فيبقى لا يخالف ما أمر به إما للفزع والخوف من المخالفة لأمر الله وإما للمجاملة والاستحياء من الله الذي أمره بهذا الأمر وإما لأن الشعر نفسه يعلم أن هذا أولى به وأحمد من فعله أما موسى فهذا رأيه في الأشياء الطبيعية وهذا الرأي عندي أحمد وأولى أن يتمسك به من رأى أفيقورس إلا أن الأجود الإضراب عنهما جميعا والاحتفاظ بأن الله هو مبدئ خلق

١٩٢

كل شيء كما قال موسى وزيادة المبدإ الذي من المادة فإن خالقنا إنما جعل الأشفار وشعر الحاجبين يحتاج أن يبقى على مقدار واحد من الطول لأن هكذا كان أوفق وأصلح فلما علم أن هذا الشعر كان ينبغي أن يجعل على هذا جعل تحت الأشفار جرما صلبا يشبه الغضروف يمتد في طول الجفن وفرش تحت الحاجبين جلدة صلبة ملزقة بغضروف الحاجبين وذلك (١) أنه لم يكن يكتفي في بقاء الشعر على مقدار واحد من الطول بأن يشاء الخالق أن يكون هكذا كما أنه لو شاء أن يجعل الحجر دفعه إنسانا لم يكن ذلك بممكن والفرق في ما بين إيمان موسى وإيماننا وأفلاطون وسائر اليونانيين هو هذا موسى يزعم أنه يكتفي بأن يشاء الله أن يزين المادة ويهيئها لا غير فيتزين ويتهيأ على المكان وذاك أنه يظن أن الأشياء كلها ممكنة عند الله فإنه لو شاء الله أن يخلق من الرماد فرسا أو ثورا دفعة لفعل وأما نحن فلا نعرف هذا ولكنا نقول إن من الأشياء أشياء في أنفسها غير ممكنة وهذه الأشياء لا يشاء الله أصلا أن تكون وإنما يشاء أن تكون الأشياء الممكنة وأيضا لا يختار إلا أجودها وأوفقها وأفضلها ولذا لما كان الأصلح والأوفق للأشفار وشعر الحاجبين أن يبقى على مقداره من الطول على عدده الذي هو عليه دائما أبدا لسنا نقول في هذا الشعر إن الله إنما شاء أن يكون على ما هو عليه فصار من ساعته على ما شاء الله وذاك أنه لو شاء ألف ألف مرة أن يكون هذا الشعر على هذا لم يكن ذلك أبدا بعد أن يجعل منشؤه من جلدة رخوة إلا أنه لو لم يغرس أصول الشعر في جرم صلب لكان مع ما يتغير كثير مما هو عليه لا يبقى أيضا قائما منتصبا وإذا كان هذا هكذا فإنا نقول إن الله سبب لأمرين أحدهما اختيار أجود الحالات وأصلحها وأوفقها لما يفعل والثاني اختيار المادة الموافقة ومن ذلك أنه لما كان الأصلح والأجود أن يكون شعر الأشفار قائما منتصبا وأن يدوم بقاؤه على حالة واحدة في مقدار طوله وفي عدده جعل مغرس الشجر ومركزه في جرم صلب ولو أنه غرسه في جرم رخو لكان أجهل من موسى وأجهل من قائد جيش سخيف يضع أساس سور مدينة أو حصنه

__________________

(١) ذاك ( خ ).

١٩٣

على أرض رخوة غارقة بالماء وكذلك بقاء شعر الحاجبين ودوامه على حالة واحدة إنما جاء من قبل اختياره للمادة وكما أن العشب وسائر النبات ما كان منه ينبت في أرض رطبة سمينة خصبة فإنه يطول وينشأ نشوءا حسنا وما كان منه في أرض صخرية جافة فإنه لا ينمو ولا يطول كذلك أحد الأمرين انتهى كلامه ضاعف الله عذابه وانتقامه.

وأقول قد لاح من الكلام الرديء المشتمل على الكفر الجلي أمور.

الأول ما أسلفنا من أن الأنبياء المخبرين عن وحي السماء لم يقولوا بتوقف تأثير الصانع تعالى شأنه على استعداد المواد ولا استحالة تعلق إرادته بإيجاد شيء من شيء بدون مرور زمان أو إعداد وله أن يخلق كل شيء كان من أي شيء أراد.

الثاني أن الحكماء لم يكونوا يعتقدون نبوة الأنبياء ولم يؤمنوا بهم وإنهم يزعمون أنهم أصحاب نظر وأصحاب آراء مثلهم يخطئون ويصيبون ولم يكن علومهم مقتبسة من مشكاة أنوارهم كما زعمه أتباعهم.

الثالث أنهم كانوا منكرين لأكثر معجزات الأنبياء عليهم‌السلام فإن أكثرها مما عدوها من المستحيلات.

الرابع أنهم كانوا في جميع الأعصار معارضين لأرباب الشرائع والديانات كما هم في تلك الأزمنة كذلك (١).

__________________

(١) من الناس من يفرط في حسن الظن بفلاسفة اليونان لا سيما الاقدمين منهم ، ويظن أن علومهم مأخوذة من الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ بل يظن أن فيهم من كان نبيا ، ثم يتعب نفسه في تفسير الكلمات المنقولة عنهم والمترجمة من كتبهم وتأويلها بما يوافق الحق في زعمه ومنهم من يفرط في حقهم بل في حق من سمى فيلسوفا من علماء الإسلام ، ويتهم فلاسفة الإسلام أيضا بأنهم أدخلوا انفسهم في المسلمين ليضيعوا عليهم دينهم ويفسدوا عليهم عقائدهم! وربما يقع التصارع بين الطرفين فيتمسك كل منهما لاثبات مدعاه بما لا يليق التمسك به للمحققين. ولعمرى كلاهما خارجان عن طور العدل والحكم بالقسط ، والذي نرى لزوم التنبيه عليه امور.

١ ـ ان وقوع الاختلاف الكثير بين الفلاسفة منذ العهد الاقدم دليل على أن كل رأى.

١٩٤

قال الشيخ المفيد قدس‌سره في كتاب المقالات أقول إن الطباع معان تحل الجسم يتهيأ بها للانفعال كالبصر وما فيه من الطبيعة التي بها يتهيأ لحلول الحس فيه والإدراك ثم قال وإن ما يتولد بالطبع فإنما هو لمسببه بالفعل في المطبوع وإنه لا فعل على الحقيقة لشيء من الطباع وهذا مذهب أبي القاسم الكعبي وهو خلاف مذهب المعتزلة في الطباع وخلاف الفلاسفة الملحدين أيضا في ما ذهبوا إليه من أفعال الطباع ثم قال قد ذهب كثير من الموحدين إلى أن الأجسام كلها مركبة من الطبائع الأربع وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واحتجوا في ذلك بانحلال كل جسم إليها وبما يشاهدونه من استحالتها كاستحالة الماء بخارا والبخار ماء والموات حيوانا والحيوان مواتا ووجود النارية والمائية والهوائية والترابية في كل جسم وإنه لا ينفك جسم من الأجسام من ذلك ولا يعقل على خلافه ولا ينحل إلا إليه وهذا ظاهر مكشوف لست أجد لدفعه حجة أعتمد عليها ولا أراه مفسدا لشيء من التوحيد أو العدل أو الوعيد أو النبوات أو الشرائع فاطرحه لذلك بل

__________________

من كل فيلسوف ليس بحيث يعد وحيا منزلا ونصا محكما يستحق بذل الجهود في تفسيره وتأويله والتوفيق بينه وبين آراء سائر الحكماء وتطبيقه على المعارف الدينية الحقيقية.

٢ ـ ان كثيرا من مدارك التأييد والطعن ينتهى إلى ما ترجم عن كتب لا يعرف مؤلفها ومصنفها ، ولا يوثق بناقلها ومترجمها ، مثل ما ينسبه طبيب إلى جالينوس ، أو شكاك إلى سقراط! فربما ينسب كتاب إلى فيلسوف ويترجم بما انه حاك عن آراء مكتب خاص من المكاتب الفلسفية ثم بعد حين يشكك في النسبة وفي الترجمة وينسب إلى فيلسوف آخر من مكتب مخالف للمكتب الأول ، ويلتمس له شواهد وقرائن ربما لا تترجح على شواهد النسبة الأولى. وما ندرى لعله لعبت بكثير من هذه التراجم أيدي خائنة ، أو حرفتها أقلام قاصرة أو مقصرة ، أضف إلى ذلك عويصة الاصطلاحات العلمية ونقلها إلى لسان آخر. فكيف نعتمد على مثلها في تعظيم رجال أو تحطيمهم؟ لا سيما إذا انجر الامر إلى تقديسهم والحكم بلزوم اتباعهم والاقتداء بهم بما أنهم أئمة المعرفة وأصحاب الكشف واليقين ، او الى تكفيرهم والحكم عليهم بالخلود في النار ومضاعفة العذاب!

٣ ـ انه لو سلم إلحاد متفلسف وانكاره للشرائع والنبوات فليس ذلك بحيث يسرى إلحاده إلى كل من سمى فيلسوفا حتى وان كان مصرحا بتصديق الأنبياء ثم يجب علينا ان لا نقصر في.

١٩٥

هو مؤيد للدين مؤكد لأدلة الله تعالى على ربوبيته وحكمته وتوحيده وممن دان به من رؤساء المتكلمين النظام وذهب إليه البلخي ومن اتبعه في المقال.

وقال الشيخ الرضي أمين الدين الطبرسي نور الله مرقده في مجمع البيان في تفسير سورة الفيل بعد إيراد القصة المشهورة وفيه حجة لائحة قاصمة لظهور الفلاسفة والملحدين والمنكرين للآيات الخارقة للعادات فإنه لا يمكن نسبة شيء مما ذكره الله من أمر أصحاب الفيل إلى طبع وغيره كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرها مما أهلك الله تعالى به الأمم الخالية إلى ذلك إذ لا يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة إرسال جماعات من الطير معها أحجار معدة مهيأة لهلاك أقوام معينين قاصدات إياهم دون من سواهم فترميهم بها حتى تهلكهم وتدمر عليهم لا يتعدى ذلك إلى غيرهم ولا يشك من له مسكة من عقل ولب أن هذا لا يكون إلا من فعل الله

__________________

قدحه والطعن عليه دون أن نحمل كلامه على التقية من المسلمين والخوف من التكفير والتشهير والحاصل أن الحكم ليس دائرا مدار الاسم ، فليس طعن فقيه على الفلاسفة الملحدين دليلا على بطلان رأى كل فيلسوف في كل عصر وفي كل مسألة ، كما ان تجليل حكيم للفلاسفة الالهيين لا يصير دليلا على حقية جميع آراء الفلاسفة في جميع الأزمنة والامكنة! والحق أحق أن يتبع أينما وجد.

٤ ـ ان الذي ثبت من مدح الفلاسفة الالهيين أنهم رفعوا لواء التوحيد في عهد وفي أرض كان يسيطر فكرة الشرك والوثنية على القلوب ، ووجهوا أنظار الجمهور إلى ما وراء الطبيعة بينما كان ائمة الكفر يدعون الناس إلى الطبيعة والدهر ، وقادوا بالهمم إلى العالم الأبدي وحياة الآخرة حينما كانت تقصر على العالم المادى وتخلد إلى الأرض والحياة الدنيا. وإذا كانت علوم الطب والهندسة وامثالها ترتضع من ثدى النبوة فلا غروان تكون منشأ تلك المعارف العالية تعاليم رجال الوحى وان وقع فيها بعد حين تحريف او سوء تعبير وتفسير. وأما أنهم هل كانوا يدينون دين الحق ، أو كانوا يرفضون دعوة الأنبياء ويجحدون الحق بعد ما تمت عليهم الحجة وقامت عليهم البينة ، أو كانوا مختلفين في ذلك ، فذلك مما لم يتحقق لنا بعد ولعل من يصر على أنهم ملحدون جاحدون للحق ويدعو عليهم بمضاعفة العذاب له حجة على مدعاه ، والله عليم بذات الصدور. نستعيذ بالله تعالى من لحن القول ولهو الحديث ونسأله التوفيق لملازمة الحق وسواء الطريق.

١٩٦

تعالى مسبب الأسباب ومذلل الصعاب وليس لأحد أن ينكر هذا لأن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل أقروا به وصدقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالرد عليه وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل لأنكروه وجحدوه وكيف وأنهم قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصي بن كعب وغير ذلك وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل ونظموه ونقلته الرواة عنهم.

وأقول هذه الجناية على الدين وتشهير كتب الفلاسفة بين المسلمين من بدع خلفاء الجور المعاندين لأئمة الدين ليصرفوا الناس عنهم وعن الشرع المبين ويدل على ذلك ما ذكره الصفدي في شرح لامية العجم أن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى أظنه صاحب جزيرة قبرس طلب منهم خزانة كتب اليونان وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك فكلهم أشار بعدم تجهيزها إليه إلا مطران واحد فإنه قال جهزها إليهم ما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت الاختلاف بين علمائها وقال في موضع آخر أن المأمون لم يبتكر النقل والتعريب أي لكتب الفلاسفة بل نقل قبله كثير فإن يحيى بن خالد بن برمك عرب من كتب الفرس كثيرا مثل كليلة ودمنة وعرب لأجله كتاب المجسطي من كتب اليونان والمشهور أن أول من عرب كتب اليونان خالد بن يزيد بن معاوية لما أولع بكتب الكيمياء ويدل على أن الخلفاء وأتباعهم كانوا مائلين إلى الفلسفة وأن يحيى البرمكي كان محبا لهم ناصرا لمذهبهم ما رواه الكشي بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن قال كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام شيئا من طعنه على الفلاسفة فأحب أن يغري به هارون ويضربه على القتل ثم ذكر قصة طويلة في ذلك أوردناها في باب أحوال أصحاب الكاظم عليه‌السلام وفيها أنه أخفى هارون في بيته ودعا هشاما ليناظر العلماء وجروا الكلام إلى الإمامة وأظهر الحق فيها وأراد هارون قتله فهرب ومات من ذلك الخوف رحمه‌الله وعد أصحاب الرجال من كتبه كتاب الرد على أصحاب الطبائع و

١٩٧

كتاب الرد على أرسطاطاليس في التوحيد وعد الشيخ منتجب الدين في فهرسه من كتب قطب الدين الراوندي كتاب تهافت الفلاسفة وعد النجاشي من كتب الفضل بن شاذان كتاب رد على الفلاسفة وهو من أجلة الأصحاب وطعن عليهم الصدوق ره في مفتتح كتاب إكمال الدين وقال الرازي عند تفسير قوله تعالى « فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » فيه وجوه ثم ذكر من جملة الوجوه أن يريد علم الفلاسفة والدهريين من بني يونان وكانوا إذا سمعوا بوحي الله صغروا علم الأنبياء إلى علمهم وعن سقراط أنه سمع بموسى عليه‌السلام وقيل له أوهاجرت إليه فقال نحن قوم مهذبون فلا حاجة إلى من يهذبنا وقال الرازي في المطالب العالية أظن أن قول إبراهيم لأبيه « يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً » إنما كان لأجل أن أباه كان على دين الفلاسفة وكان ينكر كونه تعالى قادرا وينكر كونه تعالى عالما بالجزئيات فلا جرم خاطبه بذلك الخطاب.

٣٥

(باب نادر)

١ ـ الخصال ، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما خلق الله عز وجل خلقا إلا وقد أمر عليه آخر يغلبه به وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق السحاب (١) فخرت وزخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الله عز وجل الفلك فأدارها بها وذللها ثم إن الأرض فخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الجبال فأثبتها في ظهرها أوتادا منعها من أن تميد بما عليها فذلت واستقرت ثم إن الجبال فخرت على الأرض فشمخت واستطالت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الله الحديد فقطعها فقرت الجبال وذلت ثم إن الحديد فخر على الجبال وقال

__________________

(١) في المصدر « البحار » وهو الصواب ظاهرا.

١٩٨

أي شيء يغلبني فخلق الله النار فأذابت الحديد فذل الحديد ثم إن النار زفرت وشهقت وفخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الماء فأطفأها فذلت ثم إن الماء فخر وزخر وقال أي شيء يغلبني فخلق الريح فحركت أمواجه وأثارت ما في قعره وحبسته عن مجاريه فذل الماء ثم إن الريح فخرت وعصفت وأرخت أذيالها وقالت أي شيء يغلبني فخلق الإنسان فاحتال واتخذ ما يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح ثم إن الإنسان طغى وقال من أشد مني قوة فخلق الموت فقهره فذل الإنسان ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله جل جلاله لا تفخر فإني أذبحك (١) بين الفريقين أهل الجنة والنار ثم لا أحييك أبدا فذل وخاف (٢).

بيان فخلق الله الفلك فأدارها بها لعل المعنى أن الأفلاك بأجرامها النيرة مسلطة على السحاب تبعثها وتثيرها وتدنيها (٣) وتفرقها وقد مر برواية الكليني هكذا وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلى فخرت وزخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت ثم إن الأرض فخرت إلى آخر الخبر وهو الظاهر بل لا يستقيم ما في الخصال كما لا يخفى وقد سبق شرح الخبر في الباب الأول.

٢ ـ الخصال ، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام في ما سأل رسول معاوية لأسئلة ملك الروم الحسن بن علي عليه‌السلام قال وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شيء خلقه الله عز وجل الحجر وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر وأشد من الحديد النار تذيب الحديد وأشد من النار الماء يطفئ النار وأشد من الماء السحاب يحمل الماء وأشد من السحاب الريح يحمل السحاب وأشد من الريح الملك الذي يرسلها وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت وأشد من الموت أمر الله رب العالمين

__________________

(١) في المصدر : ذابحك.

(٢) الخصال : ٥٨.

(٣) تذيبها ( خ ).

١٩٩

الذي يميت الموت (١).

٣ ـ كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي ، عن الشعبي قال : قال ابن الكواء لأمير المؤمنين عليه‌السلام أي [ شيء ] خلق الله أشد قال إن أشد خلق الله عشرة الجبال الرواسي والحديد تنحت به الجبال والنار تأكل الحديد والماء يطفئ النار والسحاب المسخر بين السماء والأرض تحمل الماء والريح تقل السحاب والإنسان يغلب الريح يتقيها بيديه ويذهب لحاجته والسكر يغلب الإنسان والنوم يغلب السكر والهم يغلب النوم فأشد خلق ربك الهم.

٤ ـ العلل ، عن أحمد بن محمد العلوي عن محمد بن إبراهيم بن أسباط عن أحمد بن محمد بن زياد عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عليهم‌السلام ن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه سئل مما خلق الله عز وجل الذر الذي يدخل في كوة البيت فقال إن موسى عليه‌السلام لما قال « رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ » قال الله عز وجل إن استقر الجبل لنوري فإنك ستقوى على أن تنظر إلي وإن لم يستقر فلا تطيق إبصاري لضعفك فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل تقطع ثلاث قطع فقطعة ارتفعت في السماء وقطعة غاضت تحت الأرض وقطعة تفتت فهذا الذر من ذلك الغبار غبار الجبل (٢).

بيان هذا الخبر على تقدير صحته وصدوره عن الإمام لعل المعنى أن له أيضا مدخلية في تلك الذرات في بعض البلاد أو كلها بأن تكون تفرقت بقدرة الله تعالى في جميع البلاد.

__________________

(١) الخصال : ٥٨.

(٢) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ١٨٣.

٢٠٠