بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ظن إمكان المعالجة بغيره من الأدوية والظاهر الأمراض الجسمانية أي مرض كان وربما يوسع بحيث يشمل الأمراض الروحانية وفيه إشكال وأما الأكل بمحض التبرك فالظاهر عدم الجواز للتصريح به في بعض الأخبار وعموم بعضها لكن ورد في بعض الأخبار جواز إفطار العيد به وإفطار يوم عاشوراء أيضا به وجوزه فيهما بعض الأصحاب ولا يخلو من قوة والاحتياط في الترك إلا أن يكون له مرض يقصد الاستشفاء به أيضا قال المحقق الأردبيلي ره ولا بد أن يكون بقصد الاستشفاء وإلا فيحرم ولم يحصل له الشفاء كما في رواية أبي يحيى ويدل عليه غيرها أيضا وقد نقل أكله يوم عاشوراء بعد العصر وكذا الإفطار بها يوم العيد ولم تثبت صحته فلا يؤكل إلا للشفاء انتهى وقال ابن فهد قدس‌سره ذهب ابن إدريس إلى تحريم التناول إلا عند الحاجة وأجاز الشيخ في المصباح الإفطار عليه في عيد الفطر وجنح العلامة إلى قول ابن إدريس لعموم النهي عن أكل الطين مطلقا وكذا المحقق في النافع ثم قال يحرم التناول إلا عند الحاجة عند ابن إدريس ويجوز على قصد الاستشفاء والتبرك وإن لم يكن هناك ضرورة عند الشيخ.

الرابع المقدار المجوز للأكل والظاهر أنه لا يجوز التجاوز في كل مرة عن قدر الحمصة وإن جاز التكرار إذا لم يحصل الشفاء بالأول وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار وكان الأحوط عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن الناس يروون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إن العدس بارك عليه سبعون نبيا فقال هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس (١). وفي الصحيح عن رفاعة عنه عليه‌السلام قال : إن الله عز وجل لما عافى أيوب عليه‌السلام نظر إلى بني إسرائيل قد ازدرعت فرفع طرفه إلى السماء فقال إلهي وسيدي عبدك أيوب المبتلى عافيته ولم يزدرع شيئا وهذا لبني إسرائيل زرع فأوحى الله عز وجل إليه يا أيوب خذ من سبحتك كفا فابذره وكانت سبحته فيها ملح فأخذ أيوب كفا

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٤٣.

١٦١

منها فبذره فخرج هذا العدس وأنتم تسمونه الحمص ونحن نسميه العدس (١). لأنهما يدلان على أنه يطلق الحمص على العدس أيضا فيمكن أن يكون المراد بالحمصة في تلك الأخبار العدسة لكن العدول عن الحقيقة لمحض إطلاقه في بعض الأخبار على غيره غير موجه مع أن ظاهر الخبرين أنهم عليهم‌السلام كانوا يسمون الحمصة عدسة لا العكس فتأمل وكذا فهمهما الكليني حيث أوردهما في باب الحمص لا العدس.

الخامس الطين الأرمني هل يجوز الاستشفاء به واستعماله في الأدوية فقيل نعم لأنه ورد في الأخبار المؤيدة بعمومات دلائل حل المحرمات عند الاضطرار وقيل لا لعدم صلاحية تلك الأخبار لتخصيص أخبار التحريم وقد ورد المنع عن التداوي بالحرام والأكثر لم يعتنوا بهذه الأخبار وجعلوا الخلاف فيه فرعا للخلاف في جواز التداوي بالحرام وعدمه ولذا ألحقوا به الطين المختوم وإن لم يرد فيه خبر قال المحقق روح الله روحه في الشرائع وفي الأرمني رواية بالجواز حسنة لما فيه من المنفعة المضطر إليها وقال الشهيد الثاني نور الله ضريحه موضع التحريم في تناول الطين ما إذا لم يدع إليه حاجة فإن في بعض الطين خواص ومنافع لا تحصل في غيره فإذا اضطر إليه لتلك المنفعة بإخبار طبيب عارف يحصل الظن بصدقه جاز تناول ما تدعو إليه الحاجة لعموم قوله تعالى « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » وقد وردت الرواية بجواز تناول الأرمني وهو طين مخصوص يجلب من أرمنية تترتب عليه منافع خصوصا في زمن الوباء وللإسهال وغيره مما هو مذكور في كتب الطب ومثله الطين المختوم وربما قيل بالمنع لعموم ما دل على تحريم الطين وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما جعل شفاؤكم في ما حرم عليكم وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا شفاء في محرم وجوابه أن الأمر عام مخصوص بما ذكر وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا إضرار والخبران نقول بموجبهما لأنا نمنع من تحريمه حال الضرورة والمراد ما دام محرما وموضع الخلاف ما إذا لم يخف الهلاك وإلا جاز بغير إشكال انتهى وسيأتي تمام الكلام في التداوي بالحرام في بابه إن شاء الله تعالى وقال ابن فهد ره الطين الأرمني

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٤٣.

١٦٢

إذا دعت الضرورة إليه عينا جاز تناوله خاصة دون غيره وقيل إنه من طين قبر إسكندر والفرق بينه وبين التربة من وجوه الأول أن التربة يجوز تناولها لطلب الاستشفاء من الأمراض وإن لم يصفها الطبيب بل وإن حذر منها والأرمني لا يجوز تناوله إلا أن يكون موصوفا الثاني أن التربة لا يتجاوز منها قدر الحمصة وفي الأرمني يباح القدر الذي تدعو إليه الحاجة وإن زاد عن ذلك الثالث أن التربة محترمة لا يجوز تقريبها من النجاسة وليس كذلك الأرمني.

المتهجد ، يستحب صوم هذا العشر فإذا كان يوم العاشر أمسك عن الطعام والشراب إلى بعد العصر ثم يتناول شيئا يسيرا من التربة.

٢٩ ـ الإقبال ، روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام إني أفطرت يوم الفطر على طين وتمر قال لي جمعت بركة وسنة. قال السيد رضي‌الله‌عنه يعني بذلك التربة المقدسة على صاحبها السلام (١).

٣٠ ـ دعائم الإسلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن أكل الطين وقال إن الله عز وجل خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته ومن أكل الطين فقد أعان على نفسه ومن أكله فمات لم أصل عليه.

٣١ ـ وقال جعفر بن محمد عليه‌السلام أكل الطين يورث النفاق (٢).

__________________

(١) الإقبال : ٢٨١.

(٢) قد مر مرسلا عن المحاسن تحت الرقم (١٤).

١٦٣

٣٤

(باب المعادن)

(وأحوال الجمادات والطبائع وتأثيراتها وانقلابات)

(الجواهر وبعض النوادر)

الآيات :

الحجر « وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ » (١)

النحل « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ » (٢)

أسرى « تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » (٣)

الأنبياء « قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » (٤) وقال تعالى « وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها » (٥)

الحج « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » (٦)

سبأ « وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ » إلى قوله تعالى « وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ » (٧)

__________________

(١) الحجر : ١٩.

(٢) النحل : ٤٨ ـ ٤٩.

(٣) الإسراء : ٤٤.

(٤) الأنبياء : ٦٩.

(٥) الأنبياء : ٧٩ ـ ٨١.

(٦) الحج : ١٨.

(٧) سبأ : ١٠ ـ ١٢.

١٦٤

فاطر « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » (١).

ص « إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ » (٢) وقال سبحانه « فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ » (٣).

الحديد « وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ » (٤).

تفسير « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ » قيل استفهام إنكار أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع فما بالهم لم يتفكروا ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافوا منه وما موصولة مبهمة بيانها « يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ » أي أولم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة « عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ » أي عن أيمانها وشمائلها أي جانبي كل واحد منها استعارة عن يمين الإنسان وشماله ولعل توحيد اليمين وجمع الشمائل لاعتبار اللفظ والمعنى كتوحيد الضمير في « ظِلالُهُ » وجمعه في قوله « سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ » وهما حالان عن الضمير في « ظِلالُهُ » والمراد من السجود الانقياد والاستسلام سواء كان بالطبع أو بالاختيار يقال سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب وقال الشاعر :

ترى الأكم فيها سجدا للحوافر

و « سُجَّداً » حال من الظلال « وَهُمْ داخِرُونَ » من الضمير والمعنى يرجع الظلال بارتفاع الشمس وانحدارها أو باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير الله تعالى من جانب إلى جانب منقادة لما قدر لها من التفيؤ أو واقعة على الأرض ملتصقة بها كهيئة الساجد والأجرام في أنفسها أيضا داخرة أي صاغرة منقادة لأفعال الله فيها وجمع « داخِرُونَ » لأن من جملتها من يعقل أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء وقيل المراد باليمين والشمائل عن يمين الفلك وهو جانبه الشرقي لأن الكوكب يظهر منه أخذه في

__________________

(١) فاطر : ٤١.

(٢) ص : ١٨.

(٣) ص : ٣٦.

(٤) الحديد : ٢٥.

١٦٥

الارتفاع والسطوع وشماله هو الجانب الغربي المقابل له فإن الأظلال في أول النهار تبتدئ من المشرق واقعة على الربع الغربي من الأرض وعند الزوال يبتدئ من المغرب واقعة على الربع الشرقي من الأرض كما ذكره البيضاوي وغيره وقال بعضهم كان الحسن يقول أما ظلك فيسجد لربك وأما أنت فلا تسجد لربك بئس ما صنعت وعن مجاهد ظل الكافر يصلي وهو لا يصلي وقيل ظل كل شيء يسجد لله وسواء كان ذلك ساجدا لله أم لا وقال الطبرسي ره وقيل إن المراد بالظل هو الشخص بعينه قال الشاعر كان في أظلالهن الشمس أي في أشخاصهن فعلى هذا يكون تأويل الظلال في الآية تأويل الأجسام التي عنها الظلال « وَهُمْ داخِرُونَ » أي أذلة صاغرون قد نبه الله سبحانه بهذا على أن جميع الأشياء تخضع له بما فيها من الدلالة على الحاجة إلى واضعها ومدبرها بما لولاه لبطلت ولم يكن لها قوام طرفة عين فهي في ذلك كالساجد من العباد بفعله الخاضع بذله انتهى وقال النيسابوري في تأويلها بعد تفسيرها بما مر « إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ » هو عالم الأجسام فإن عالم الأرواح خلق من لا شيء « يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ » فإن الأجسام ظلال الأرواح فتارة تميل بعمل أهل السعادة إلى أصحاب اليمين وأخرى تميل بعمل أهل الشقاء إلى أصحاب الشمال سجدا لله منقادين لأمره مسخرين لما خلقوا لأجله وإنما وحد اليمين وجمع الشمائل لكثرة أصحاب الشمال وسجود كل موجود يناسب حالة كما أن تسبيح كل منهم يلائم لسانه انتهى.

وأقول ويحتمل أن يكون المراد بظلالة مثاله على القول بعالم المثال كما مر تحقيقه أو روحه كما عبر في الأخبار الكثيرة عن عالم الأرواح بالظلال فالمراد بالتفيؤ عن اليمين ميلهم إلى السعادة والتشبه بأصحاب اليمين وبالشمائل خلافه وهذا كلام على سبيل الاحتمال في مقابلة ما ذكروه من ذلك والله يعلم تفسير كلامه وحججه الكرام عليهم‌السلام.

« وَلِلَّهِ يَسْجُدُ » قال الرازي قد ذكرنا أن السجود على نوعين سجود هو عبادة كسجود المسلمين لله تعالى وسجود هو عبارة عن الانقياد والخضوع ويرجع حاصل

١٦٦

هذا السجود إلى أنها في أنفسها ممكنة الوجود والعدم قابلة لهما لأنه لا يرجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح إذا عرفت هذا فنقول من الناس من قال المراد بالسجود المذكور في هذه الآية السجود بالمعنى الثاني وهو التواضع والانقياد والدليل عليه أن اللائق بالدابة ليس إلا هذا السجود ومنهم من قال المراد بالسجود هاهنا هو المعنى الأول لأن اللائق بالملائكة هو السجود بهذا المعنى لأن السجود بالمعنى الثاني حاصل في كل الحيوانات والنباتات والجمادات ومنهم من قال السجود لفظ مشترك بين المعنيين وحمل اللفظ المشترك لإفادة مجموع معنييه جائز فحمل لفظ السجود في هذه الآية على الأمرين معا أما في حق الدابة فبمعنى التواضع وأما في حق الملائكة فبمعنى سجود المسلمين لله تعالى وهذا القول ضعيف لأنه ثبت أن استعمال اللفظ المشترك لإفادة جميع مفهوماته معا غير جائز قوله « مِنْ دابَّةٍ » قال الأخفش يريد من الدواب وقال ابن عباس يريد كل ما دب على الأرض فإن قيل ما الوجه في تخصيص الدواب والملائكة بالذكر قلنا فيه وجوه الأول أنه تعالى بين في آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة لله تعالى لأن أخسها الدواب وأشرفها الملائكة فلما بين في أخسها وأشرفها كونها منقادة لله تعالى وبين بهذه الآية أن الحيوانات بأسرها منقادة لله تعالى كان ذلك دليلا على أنها بأسرها منقادة خاضعة لله تعالى.

والوجه الثاني قال حكماء الإسلام الدابة اشتقاقها من الدبيب والدبيب عبارة عن الحركة الجسمانية فالدابة اسم لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب فلما ميز الله الملائكة من الدابة علمنا أنها ليست مما يدب بل هي أرواح محضة مجردة ويمكن الجواب عنه بأن الطير بالجناح مغاير للدبيب (١) بدليل قوله تعالى « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ » (٢) انتهى (٣).

__________________

(١) في المصدر : بان الجناح للطيران مغاير للدبيب.

(٢) الأنعام : ٣١.

(٣) مفاتيح الغيب : ج ٢٠ ، ص ٤٣.

١٦٧

وأقول التخصيص بعد التعميم أيضا شائع كعطف جبرئيل على الملائكة كما ذكره البيضاوي وما ذكره من عدم جواز استعمال المشترك في معنييه على تقدير تسليمه لا حاجة في التعميم على حمله على ذلك بل يمكن حمله على معنى الانقياد والتواضع وهو يشمل الانقياد لإرادته وتأثيره طبعا والانقياد لتكليفه وأمره طوعا كما حمل عليه البيضاوي وقال بعضهم هذه الآية تدل على أن العالم كله في مقام الشهود والعبادة إلا كل مخلوق له قوة التفكر وليس إلا النفوس الناطقة الإنسانية والحيوانية خاصة من حيث أعيان أنفسهم لا من حيث هياكلهم فإن هياكلهم كسائر العالم في التسبيح له والسجود فأعضاء البدن كلها مسبحة ناطقة ألا تراها تشهد على النفوس المسخرة لها يوم القيامة من الجلود والأيدي والأرجل والألسنة والسمع والبصر وجميع القوى « فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ » انتهى.

وأقول والأرواح والنفوس أيضا لها جهتان فمن جهة مسخرة منقادة لربها في جميع ما أراد منها ومن جهة أخرى عاصية مخالفة لربها بل من هذه الجهة أيضا مسخرة ساجدة خاضعة لإرادة ربها حيث أقدرها على ما أرادت ودالة على وجود صانعها الذي جعلها مختارة مريدة قادرة على الإتيان بما أرادت فهي من هذه الجهة أيضا مسبحة لربها ذاكرة لها دالة عليها منادية بلسان حالها من جهة إمكانها وحدوثها وافتقارها بأن لي ربا جعلني مريدا مختارا لحكمته وكماله وعنايته الأزلية كما قال بعض العارفين بالفارسية عين إنكار منكر إقرار است والكلام في هذا المقام دقيق لا يمكن إجراء أكثر من ذلك منه على الأقلام ويصعب دركها على الأفهام وقد أومأت إلى شيء منه في شرح كتاب توحيد الكافي في توضيح أخبار إرادة الله تعالى وبيان معانيها.

قوله سبحانه « تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ » قال النيسابوري قالت العقلاء تسبيح الحي المكلف يكون تارة باللسان بأن يقول سبحان الله وأخرى بدلالة أحواله على وجود الصانع الحكيم وتسبيح غيره لا يكون إلا من القبيل الثاني وقد تقرر في الأصول أن اللفظ المشترك لا يحمل على معنييه معا في حالة واحدة فتعين التسبيح

١٦٨

هاهنا على المعنى الثاني ليشمل الكل هذا ما عليه المحققون وأورد عليه أنه لو كان المراد بالتسبيح ما ذكرتم لم يقل « وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » لأن التسبيح بهذا الوجه مفقوه معلوم وأجيب بأن دلالة كل شيء على وجود الصانع معلومة على الإجمال دون التفصيل فإنك إذا أخذت تفاحة واحدة فلا شك أنها مركبة من أجزاء لا تتجزأ ولكن عدد تلك الأجزاء وصفة كل منها من الطبع والطعم واللون والحيز والجهة وغيرها لا يعلمها إلا الله وأيضا الخطاب للمشركين وإنهم وإن كانوا مقرين بالخالق إلا أنهم أثبتوا شريكا وأنكروا قدرته على البعث والإعادة ولم ينظروا في المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فكأنهم لم يفقهوا التسبيح إذ لم يتوسلوا به إلى نتيجة النظر الصحيح ولهذا ختم الآية بقوله « إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » حين لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء نظركم وزعم بعض الظاهريين أن ما سوى الحي المكلف يسبح لله تعالى باللسان أيضا كل بلغته ولسانه الذي لا نعرف نحن ولا نفقه وزعم أيضا أن الحيوان إذا ذبح لا يسبح وكذا غصن الشجرة إذا كسر فأورد عليه أن كونه جمادا لا يمنع من كونه مسبحا فكيف صار ذبح الحيوان مانعا عن التسبيح وكذا كسر الغصن ويمكن أن يجاب بأن تسبيح كل شيء لعله يختص بتركيبه الذي خلق عليه فإذا بطل ذلك التركيب وفكك ذلك النظم لم يبق مسبحا مطلقا أو لا على ذلك النحو.

وقال في تأويلها لكل ذرة من ذرات الموجودات ملكوت لقوله « فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ » (١) والملكوت باطن الكون وهو الآخرة والآخرة حيوان لا جماد لقوله « وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ » (٢) فلكل ذرة لسان ملكوتي ناطق بالتسبيح والحمد تنزيها لصاحبه وحمدا له على ما أولاه من نعمه وبهذا اللسان نطق الحصا في كف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبه تنطق الأرض يوم القيامة « يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها » (٣) وبه تنطق الجوارح « أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ » (٤) وبه نطقت

__________________

(١) يس : ٨٣.

(٢) العنكبوت : ٦٤.

(٣) الزلزال : ٤.

(٤) فصلت : ٢١.

١٦٩

السماوات والأرض « قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً » في الأزل إذ أخرج من العدم من يكفر به ويجحده « غَفُوراً » لمن تاب عن كفره.

« قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً » قال الطبرسي هذا مثل فإن النار جماد لا يصح خطابه والمراد أنا جعلنا النار بردا عليه وسلامة لا يصيبه من أذاها شيء كما قال سبحانه « كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ » (١) والمعنى أنه صيرهم كذلك لا أنه خاطبهم وأمرهم بذلك وقيل يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك صلاحا للملائكة ولطفا لهم وذكر في كون النار بردا وسلاما على إبراهيم وجوها أحدها أن الله سبحانه أحدث فيها بردا بدلا من شدة الحرارة فيها فلم تؤذه وثانيها أنه سبحانه حال بينها وبين إبراهيم فلم تصل إليه وثالثها أن الإحراق يحصل بالاعتمادات التي في النار صعدا فيجوز أن يذهب سبحانه تلك الاعتمادات وعلى الجملة فعلمنا أن الله سبحانه منع النار من إحراقه وهو أعلم بتفاصيله (٢) انتهى.

وقال البيضاوي انقلاب النار هواء طيبة ليس ببدع غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكنه تعالى دفع عنه أذاها كما في السمندر ويشعر به قوله « عَلى إِبْراهِيمَ » (٣) انتهى.

وأقول على مذهب الأشاعرة لا إشكال في ذلك لأنهم يقولون لا مؤثر في الوجود إلا الله وإنما أجرى عادته بالإحراق عند قرب شيء من النار فإذا أراد غير ذلك لا يخلق الإحراق وأما عند غيرهم من القائلين بتأثير الطبائع ولزوم الصفات لها فيشكل ذلك عندهم والأولى أن يقال إحراق النار وتبريد الثلج وقتل السموم وغير ذلك من التأثيرات لما كانت مشروطة بشروط كقابلية المادة وغيرها فلم لا يجوز أن تكون مشروطة بعدم تعلق إرادة القادر المختار بخلافه (٤) فإذا تعلقت

__________________

(١) البقرة : ٦٥ ، والأعراف : ١٦٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٥٤.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٨٦.

(٤) هذا تنزيل لمقام إرادته القاهرة التي بها تسببت الأسباب وانسجم نظام الكون ويستلزم جعلها في عداد الشرائط المادية ، ويترتب عليه لوازم نغمض عن ذكرها. والحق أن.

١٧٠

بذلك انتفى تأثيرها كما أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم لكن بشرط عدم تعلق إرادته القاهرة بخلافه ولذا ورد في الأخبار أنه لا يحدث شيء في السماء والأرض إلا بإذنه سبحانه.

قوله تعالى « وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ » قال الطبرسي ره قيل معناه سيرنا الجبال مع داود حيث سار فعبر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الآية العظيمة التي تدعو إلى تسبيح الله وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به وكذلك تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لا يجوز عليه ما يجوز على العباد وقيل إن الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير يسبح بالغداة والعشي معجزة له انتهى (١).

وقال الرازي قال أصحاب المعاني يحتمل أن يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » وتخصيص داود عليه‌السلام بذلك إنما كان

__________________

جميع الآيات والمعجزات خرق للنظام المتعارف الذي نتعاهده معاشر الناس في حياتنا ونعرف فيه أسبابا وشرائط وجودية وعدمية ومعدات لكن ليس خرقا للنظام العلى والمعلولى رأسا ، فجعل النار بردا مثلا ليس إبطالا للنظام السببى والمسببى الحاكم على العالم بحذافيره ، بل إعمال لأسباب وشرائط لا نتعاهدها ويكفى له إيجاد مانع من تأثير النار في جسمه عليه‌السلام أو حول بدنه أو تسخير النار لايجاد البرودة كما تسخر قوة الكهرباء اليوم له ، كل ذلك لا من طريق متعارف عند الناس بل بسبب إلهى وطريق غيبى ومجرى نفسى غير مشهود للعامة ، والله على كل شيء قدير.

فان قيل : مرجع الأخير إلى أن الله تعالى أراد أن تتبرد النار فبردت ، وهذه إبطال لسببية النار للاحراق ـ لعدم إمكان سببية شيء واحد لضدين ومتقابلين ـ أو التزام بحصول معلول مادى من غير حصول علته المسانخة له قلنا : الاحتراق عبارة عن تبدل الصورة تبدلا خاصا والنار معدة له لا مفيضة للصورة الحادثة ، ولا يمتنع تأثيرها في ضده كما يشاهد في الكهرباء أضف الى ذلك حديث تعدد الجهات. وأما استناد الحوادث إلى إرادة الله تعالى من غير واسطة فمخالف للسنة الإلهية التي لن تجد لها تبديلا ولن تجد لها تحويلا ، ومستلزم للطفرة واختلال نظام العلل والمعاليل. والحاصل أن إرادة الله تعالى فوق العلل المادية وفي طولها لا في رتبتها وهو القاهر فوق عباده.

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٥٨.

١٧١

بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقينا وتعظيما وأما المعتزلة فقالوا لو حصل الكلام في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله تعالى فيه والأول محال لأن بنية الجبل لا تحتمل الحياة والعلم والقدرة وما لا يكون حيا عالما قادرا يستحيل منه الفعل والثاني أيضا محال لأن المتكلم عندهم من كان فاعلا للكلام لا من كان محلا له فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله تعالى لكان المتكلم هو الله لا الجبل فجعلوا التسبيح من السباحة وبناء التفعيل للتكثير مثل قوله « يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ » والحاصل سيري معه.

واعلم أن مدار هذا القول على أن بنية الجبل لا تقبل الحياة وهذا ممنوع وعلى أن التكلم من فعل الله وهو أيضا ممنوع وأما الطير فلا امتناع في أن يصدر عنها الكلام ولكن اجتمعت الأمة على أن المكلفين إما الجن (١) والإنس أو الملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكون حاله كحال الطفل في أن يؤمر وينهى وإن لم يكن مكلفا فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق وأيضا دلالته على قدرة الله وعلى تنزيهه مما لا يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال انتهى (٢).

« وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ » أي علمناه كيف يصنع الدروع قال قتادة أول من صنع الدروع داود وإنما كانت صفائح جعل الله سبحانه الحديد في يده كالعجين فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين « وَلِسُلَيْمانَ » أي سخرنا له « الرِّيحَ عاصِفَةً » أي شديدة الهبوب « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ » لعل المراد بالسجود غاية الخضوع والانقياد الممكن من الشيء ففي الجمادات والعجم من الحيوانات يحصل منهم غاية الانقياد الذي يتأتى منهم وكذا الملائكة وصالحو المؤمنين وأما الكفار والفجار فلما لم يتأت منهم غاية الانقياد أخرجهم وقال « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » لأنهم وإن كانوا في الأوامر التكوينية منقادين فليسوا في الأوامر التكليفية كذلك

__________________

(١) في المصدر : أو.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٢٢ ، ص ٢٠٠.

١٧٢

فالسجود محمول على معنى واحد وليس من استعمال المشترك في معنييه كما عرفت سابقا وقال الرازي الرؤية هنا بمعنى العلم وفي السجود وجوه أحدها قال الزجاج أجود الوجوه في سجود هذه الأمور أنها تسجد مطيعة لله تعالى وهو كقوله « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » الآية « أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ » والمعنى أن هذه الأجسام لما كانت قابلة لجميع الأعراض التي يحدثها الله تعالى فيها من غير امتناع البتة أشبهت الطاعة والانقياد وهو السجود وأما قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » ففيه وجوه أحدها أن السجود بالمعنى الذي ذكرناه وإن كان عاما في حق الكل إلا أن بعضهم تمرد وتكبر وترك السجود في الظاهر فهذا الشخص وإن كان ساجدا بذاته لكنه متمرد بظاهره أما المؤمن فإنه ساجد بذاته وبظاهره فلأجل هذا الفرق حصل التخصيص بالذكر وثانيها أن نقطع قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » عما قبله ثم فيه ثلاثة أوجه الأول أن نقول تقدير الآية ولله يسجد من في السماوات والأرض ويسجد له كثير من الناس فيكون السجود الأول بمعنى الانقياد والثاني بمعنى الطاعة والعبادة لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه جميعا الثاني أن يكون قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » مبتدأ خبره محذوف وهو مثاب لأن خبر مقابله يدل عليه وهو قوله « حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » والثالث أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب فيعطف كثير على كثير ثم يخبر عنهم « حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » وثالثها من يجوز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعا يقول إن المراد بالسجود في حق الأحياء العقلاء السجود وفي حق الجمادات الانقياد فإن قيل قوله « مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ » لفظ العموم فيدخل فيه الناس فلم قال مرة أخرى « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » قلنا لو اقتصر على ما تقدم لأوهم أن كل الناس يسجدون فبين أن كثيرا منهم يسجدون طوعا دون كثير منهم فإنه يمتنع عن ذلك.

القول الثاني في تفسير السجود أن كل ما سوى الله تعالى فهو ممكن لذاته والممكن لذاته لا يترجح وجوده على عدمه إلا عند الانتهاء إلى الواجب لذاته كما قال

١٧٣

« وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى » (١) وكما أن الإمكان لازم للممكن حال حدوثه وبقائه فافتقاره إلى الواجب حاصل حال حدوثه وحال بقائه وهذا الافتقار الذاتي اللازم للماهية أدل على الخضوع والتواضع من وضع الجبهة على الأرض فإن ذلك علامة وضعية للافتقار وقد يتطرق إليه الصدق والكذب أما نفس الافتقار الذاتي فإنه ممتنع التغير والتبدل فجميع الممكنات ساجدة بهذا المعنى لله أي خاضعة متذللة معترفة بالفاقة إليه والحاجة إلى تخليقه وتكوينه وعلى هذا تأولوا قوله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » وهذا قول القفال القول الثالث أن سجود هذه الأشياء سجود ظلها كقوله تعالى « يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ » الآية وهذا قول مجاهد (٢) انتهى.

قوله تعالى « أَوِّبِي مَعَهُ » قال البيضاوي أي ارجعي معه التسبيح على الذنب أو النوحة وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمل فيها (٣) أو سيري معه حيث سار و « الطَّيْرَ » عطف على محل الجبال « وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ » جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير أحماء وطرق بآلاته أو بقوة « عَيْنَ الْقِطْرِ » أي النحاس المذاب أسال (٤) له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن (٥) « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا » أي كراهة أن تزولا فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ أو يمنعهما أن تزولا لأن الإمساك منع « وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما » أي ما أمسكهما « مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ » أي من بعد الله أو من بعد الزوال والجملة سادة مسد الجوابين ومن الأولى مزيدة والثانية للابتداء « إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » حيث أمسكهما وكانتا جديرتين أن تهدا هدا لأعمال العباد.

قوله تعالى « فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ » فإن آلات الحرب متخذة عنه « وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ » إذ ما من صنعة إلا والحديد آلتها « وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ » باستعمال الأسلحة

__________________

(١) النجم : ٤٢.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٢٣ ، ص ٢٠.

(٣) في المصدر : تأملها.

(٤) فيه : أساله.

(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٨٥.

١٧٤

ومجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلا أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله « بِالْغَيْبِ » حال من المستكن في « يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ قَوِيٌ » على إهلاك من أراد إهلاكه « عَزِيزٌ » لا يفتقر إلى نصره وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.

وقال الرازي وأما حديد ففيه البأس الشديد فإن آلات الحرب متخذة منه وفيه أيضا منافع كثيرة منها قوله تعالى « وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ » ومنها أن مصالح العالم إما أصول وإما فروع أما الأصول فأربعة الزراعة والحياكة وبناء البيوت والسلطنة وذلك لأن الإنسان يضطر إلى طعام يأكله وثوب يلبسه وبناء يسكن فيه والإنسان مدني بالطبع فلا تتم مصلحته إلا عند اجتماع جمع من أبناء جنسه ليشتغل كل واحد منهم بمهم خاص فحينئذ ينتظم من الكل مصالح الكل وذلك الانتظام لا بد وأن يفضي إلى المزاحمة ولا بد من شخص يدفع ضرر البعض عن البعض وذلك هو السلطان فثبت أنه لا تنتظم مصلحة العالم إلا بهذه الأصول الأربعة أما الزراعة فمحتاجة إلى الحديد وذلك من كرب الأرض وحفرها ثم عند تكون هذه الحبوب وتولدها لا بد من جزها وتنقيتها وذلك لا يتم إلا بالحديد (١) ثم لا بد من خبزها ولا يتم إلا بالنار ولا بد فيها من المقدحة الحديدية وأما الفواكه فلا بد من تنظيفها من قشورها وقطعها على الوجوه الموافقة للأكل ولا يتم ذلك إلا بالحديد ثم يحتاج في آلات الحياكة إلى الحديد ثم نفزع (٢) في قطع الثياب وخياطتها إلى الحديد والذهب لا يقوم مقام الحديد في شيء من هذه المصالح فلو لم يوجد الذهب في الدنيا ما كان يختل شيء من مصالح الدنيا ولو لم يوجد الحديد لاختل جميع مصالح الدنيا ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة جعله سهل الوجدان كثير الوجود والذهب لما قلت الحاجة إليه جعله عزيز الوجود وعند هذا يظهر أثر جود الله ورحمته على عبيده فإن كل ما كانت حاجاتهم إليه أكثر جعل وجدانه أسهل ولهذا قال بعض

__________________

(١) في المصدر : ثم الحبوب لا بد من طحنها وذلك لا يتم الا بالحديد.

(٢) في المصدر : يحتاج.

١٧٥

الحكماء إن أعظم الأمور حاجة إليه هو الهواء فإنه لو انقطع وصوله إلى القلب لحظة مات الإنسان في الحال فلا جرم جعله الله أسهل الأشياء وجدانا وهيأ أسباب التنفس وآلاته حتى أن الإنسان يتنفس دائما بمقتضى طبعه من غير حاجة فيه إلى تكلف عمل وبعد الهواء الماء إلا أنه لما كانت الحاجة إلى الماء أقل من الحاجة إلى الهواء جعل تحصيل الماء أشق قليلا من تحصيل الهواء وبعد الماء الطعام ولما كانت الحاجة إلى الطعام أقل من الحاجة إلى الماء جعل تحصيل الطعام أشق من تحصيل الماء ثم تتفاوت الأطعمة في درجات الحاجة والعزة فكل ما كانت الحاجة إليه أكثر كان وجدانه أسهل وكل ما كان وجدانه أعسر كانت الحاجة إليه أقل والجواهر لما كانت الحاجة إليها قليلة جدا لا جرم كانت عزيزة جدا فعلمنا أن كل شيء كانت الحاجة إليه أكثر كان وجدانه أسهل ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله أشد من الحاجة إلى كل شيء فنرجو من رحمة الله أن يجعلها أسهل الأشياء وجدانا (١)

١ ـ العلل ، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن محمد القاساني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن علي بن المعلى عن إبراهيم بن الخطاب بن الفراء رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : شكت أسافل الحيطان إلى الله عز وجل من ثقل أعاليها فأوحى الله عز وجل إليها يحمل بعضك بعضا (٢).

الكافي ، عن العدة عن البرقي عن إبراهيم الثقفي مثله (٣) ـ

المحاسن ، عن القاساني مثله إلا أن فيه يحمل بعضها بعضا (٤).

بيان لعل الشكاية بلسان الافتقار والاضطرار والوحي بالخطاب التكويني كما قيل في قوله تعالى « وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ » أي بلسان استعداداتكم وقابلياتكم

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٢٩ ، ص ٢٤٢.

(٢) العلل : ج ٢ ، ص ١٥٠.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٣٢.

(٤) المحاسن : ٦٢٣.

١٧٦

أو يكون استعارة تمثيلية لبيان أن الله تعالى خلق الأجزاء الأرضية والترابية بحيث يلتصق بعضها ببعض ولا يكون ثقل الجميع على الأسافل فتنهدم سريعا.

٢ ـ المحاسن ، عن علي بن أسباط عن داود البرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قوله تعالى « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » قال نقض الجدر تسبيحها (١).

الكافي ، عن العدة عن سهل بن زياد عن ابن أسباط مثله إلا أن فيه تنقض الجدر (٢).

٣ ـ المحاسن ، عن ابن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » قال نقض الجدر تسبيحها قلت نقض الجدر تسبيحها قال نعم (٣).

٤ ـ العياشي ، عن أبي الصلاح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » قال كل شيء يسبح بحمده وإنا لنرى أن تنقض الجدار هو تسبيحها.

ومنه في رواية الحسين بن سعيد عنه عليه‌السلام مثله.

٥ ـ ومنه ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » قال إنا نرى أن تنقض الحيطان تسبيحها.

٦ ـ ومنه ، عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام أنه دخل عليه رجل فقال له فداك أبي وأمي إني أجد الله يقول في كتابه « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » فقال هو كما قال فقال له أتسبح الشجرة اليابسة فقال نعم أما سمعت خشب البيت تنقض وذلك تسبيحه فسبحان الله على كل حال.

__________________

(١) المحاسن : ٦٢٣.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٣١.

(٣) المحاسن : ٦٢٣.

١٧٧

٧ ـ العلل ، لمحمد بن علي بن إبراهيم قال : بكاء السماء احمرارها من غير غيم وبكاء الأرض زلازلها (١) وتسبيح الشجر حركتها من غير ريح وتسبيح البحار زيادتها ونقصانها وتسبيح الشجر نموه ونشوؤه وقال أيضا ظله يسبح الله.

بيان قد مضى من البيان في تفسير الآيات ما يمكن به فهم هذه الأخبار والحاصل أن تنقض الجدار لدلالتها على حدوث التغير فيها وفنائها نداء منها بلسان حالها على افتقارها إلى من يوجدها ويبقيها منزها عن صفاتها المحوجة إلى ذلك وأيضا نقصانات الخلائق دلائل على كمالات الخالق وكثراتها واختلافاتها ومضاداتها شواهد وحدانيته وانتفاء الشريك عنه والند والضد له كما قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له (٢) وبمضادته بين الأشياء (٣) عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له (٤). والحاصل أن جميع المصنوعات والممكنات بصفاتها ولوازمها وآثارها دالة على صانعها وبارئها ومصورها وعلمه وحكمته شاهدة بتنزهه عن صفاتها المستلزمة للعجز والنقصان مطيعة لربها في ما خلقها له وأمرها به من مصالح عالم الكون موجه إلى ما خلقت له فسكون الأرض خدمتها وتسبيحها وصرير الماء وجريه تسبيحه وطاعته وقيام الأشجار والنباتات ونموها وجري الريح وأصواتها وهذه الأبنية وسقوطها وتحريق النار ولهبها وأصوات الصواعق وإضاءة البروق وجلاجل الرعود وجري الطيور في الجو ونغماتها كلها طاعة لخالقها وسجدة وتسبيح وتنزيه له سبحانه.

قال بعض العارفين خلق الله الخلق ليوحدوه فأنطقهم بالتسبيح والثناء عليه والسجود فقال « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » (٥) وقال أيضا « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي

__________________

(١) زلزالها ( خ ).

(٢) ليس هذه الجملة في النهج.

(٣) في النهج : الأمور.

(٤) النهج : ج ١ ، ص ٣٥٥.

(٥) النور : ٤١.

١٧٨

الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ » الآية (١) وخاطب بهاتين الآيتين نبيه الذي أشهده ذلك ورآه فقال « أَلَمْ تَرَ » ولم يقل ألم تروا فإنا ما رأيناه فهو لنا إيمان ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عيان فأشهده سجود كل شيء وتواضعه لله وكل من أشهده الله ذلك ورآه دخل تحت هذا الخطاب وهذا تسبيح فطري وسجود ذاتي عن تجل تجلى لهم فأحبوه فانبعثوا إلى الثناء عليه من غير تكليف بل اقتضاء ذاتي وهذه هي العبادة الذاتية التي أقامهم الله فيها بحكم الاستحقاق الذي يستحقه.

وفي القاموس تنقض البيت تشقق فسمع له صوت وقوله بكاء السماء احمرارها أي خارجا عن العادة فإنه من علامات غضبه تعالى فكأنه يبكي على من استحق الغضب أو على من يستحق العباد له الغضب كما وقع بعد شهادة الحسين عليه‌السلام وقوله حركتها من غير ريح أي عند الزلزلة أو بالنمو فيكون ما بعده تأكيدا له.

٨ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله « وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ » فإن الله تبارك وتعالى أنبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه هذه لا تباع إلا وزنا (٢).

بيان لعل المراد بالجوهر الأحجار كالياقوت والعقيق والفيروزج وأشباهها.

٩ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ » قال تحويل كل ظل خلقه الله هو سجوده لله لأنه ليس شيء إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحويله سجوده (٣).

١٠ ـ ومنه ، في قوله تعالى « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » فحركة كل شيء تسبيح لله عز وجل (٤).

١١ ـ ومنه ، في قوله « وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ » لفظ الشجر واحد ومعناه جمع (٥)

__________________

(١) الحج : ١٨.

(٢) تفسير القمي : ٣٥٠.

(٣) التفسير : ٣٦١.

(٤) تفسير القمي : ٣٨٢.

(٥) التفسير : ٤٣٧.

١٧٩

وفي قوله تعالى « وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ » قال الصفر (١).

١٢ ـ المناقب لابن شهرآشوب ، قال : قال ضباع بن نصر الهندي للرضا عليه‌السلام ما أصل الماء قال أصل الماء خشية الله بعضه من السماء ويسلكه في الأرض ينابيع وبعضه ماء عليه الأرضون وأصله واحد عذب فرات قال فكيف منها عيون نفط وكبريت وقار (٢) وملح وأشباه ذلك قال غيره الجوهر وانقلبت كانقلاب العصير خمرا وكما انقلبت الخمر فصارت خلا وكما يخرج « مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً » قال فمن أين أخرجت أنواع الجواهر قال انقلبت منها كانقلاب النطفة علقة ثم مضغة ثم خلقه مجتمعة مبنية على المتضادات الأربع قال (٣) إذا كانت الأرض خلقت من الماء والماء بارد رطب فكيف صارت الأرض باردة يابسة قال سلبت النداوة فصارت يابسة قال الحر أنفع أم البرد قال بل الحر أنفع من البرد لأن الحر من حر الحياة والبرد من برد (٤) الموت وكذلك السموم القاتلة الحارة منها أسلم وأقل ضررا من السموم الباردة (٥).

توضيح قوله خشية الله إشارة إلى ما ورد في بعض الكتب السماوية أن الله تعالى خلق أولا درة بيضاء فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ماء عليه الأرضون أي البحر الأعظم غيره الجوهر أي جوهر الأرض التي نبع منها من حر الحياة أي من جنسه لأن الروح الحيواني والحرارة الغريزية سببان للحياة وزوالهما سبب للموت وفيه إشارة إلى ما ذكره الحكماء في تولد المعادن فلنذكر ما ذكروه في ذلك.

قالوا المركبات التي لها مزاج ثلاثة أنواع تسمى بالمواليد وهي المعادن والنباتات والحيوانات ووجه الحصر أنه إن تحقق فيه مبدأ التغذية فأما مع تحقق مبدإ الحس والحركة الإرادية فهو الحيوان أو بدونه وهو النبات وإن لم تحقق

__________________

(١) التفسير : ٥٣٧.

(٢) في المصدر : ومنها قار ...

(٣) في المصدر : قال عمران.

(٤) بعد ( خ ).

(٥) المناقب : ج ٤ ، ص ٣٥٤.

١٨٠