فقه الحضارة في ضوء فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

الدكتور محمد حسين علي الصّغير

فقه الحضارة في ضوء فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

المؤلف:

الدكتور محمد حسين علي الصّغير


الموضوع : الفقه
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٥

ذات زوج ام لا ، رضي الزوج والزوجة بذلك أم لا ، أكان التلقيح بواسطة الزوج أم غيره.

٢ ـ لو تمّ تلقيح المرأة بماء غير الزوج فحملت منه ثم ولدت ، فإن حدث ذلك اشتباهاً ـ كما لو أريد تلقيحها بماء زوجها فاشتبه بغيره ـ فلا إشكال في لحوقه بصاحب الماء ، فإنه نظير الوطء بشبهة.

وأما إن حدث ذلك مع العلم والعمد ، فلا يبعد لحوقه به أيضاً ، وثبوت جميع أحكام النسب بينهما حتى الإرث ، لأن المستثنى من الإرث هو الولد عن زناً ، وهذا ليس كذلك وإن كان العمل الموجب لانعقاد نطفته محرّماً.

وهكذا الحال في لحوقه بأمّهِ فإنه يلحق بها حتى في الصورة الثانية على الأقرب ، ولا فرق بينه وبين سائر أولادها أصلاً.

ومن قبيل هذه الصورة ما لو ألقت المرأة نطفة زوجها في فرج امرأة أخرى بالمساحقة أو نحوها ، فحملت المرأة ثم ولدت ، فإنه يلحق بصاحب النطفة وبالتي حملته ، وإن كان العلم المذكور محرماً.

٣ ـ لو أخذت بويضة المرأة وماء الرجل ، فلُقّحت به ووضعت في رحم صناعية ، وتمّت تربيتها لغرض التوليد حتى أصبحت ولداً . فالظاهر أنه ملحق بصاحب الماء وصاحبة البويضة ، ويثبت بينه وبينهما جميع أحكام النسب حتى الأرث.

نعم : لا يرث الولد ممن مات منهما قبل التلقيح.

٢١

٤ ـ لو نقلت بويضة المرأة الملقحة بماء الرجل إلى رحم أمرأة أخرى ، فنشأ وتولد ، فهل هو ملحق بالأولى أو الثانية؟ ففيه وجهان ، لا يخلو أولهما عن وجه ، وإن كان الأحتياط لا يترك.

٥ ـ يجوز تلقيح الزوجة بنطفة زوجها. نعم ، لا يجوز أن يكون المباشر غير الزوج إذا كان ذلك موجباً للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مسّ ما لا يجوز مسّه ، وحكم الولد منه حكم سائر أولادها بلا فرق أصلاً » (١).

٦ ـ رجل لقح بويضة امرأة خارج رحمها بمنيّه ثم وضعت البويضة المخصّبة داخل رحم زوجته فولدت ولداً فهل عملية التلقيح هذه محرمة؟

الجواب : لا بأس بها في حد ذاتها مع الغض عن المقارنات.

٧ ـ إذا كان ترك تلقيح المرأة بماء زوجها يعرض حياتها الزوجية للأنفكاك مما يوقعها في الحرج فهل يجوز لها الكشف أمام الطبيب ليقوم بالعملية؟

الجواب : إذا كان الحرج بحيث لم تجر العادة بتحمله فهو رافع للتكليف ويجوز معه ذلك ، وإذا جاز لها ذلك جاز للطبيب أو الطبيبة النظر بقدر الضرورة.

٨ ـ هل يجوز أن تلقح بويضة الزوجة بخليّة حيّة مأخوذة من خصية الزوج ثم تعاد البويضة الملقحة إلى الرحم؟

الجواب : لا بأس بالعملية المذكورة ولكن في عدّ صاحب

__________________

(١) ظ السيد السيستاني | منهاج الصالحين | ٤٥٩ ـ ٤٦٠.

٢٢

الخلية أباً للمولود شوب إشكال ، وإن كان هو الأرجح.

وفيما يتعلق بتخصيب بيضة المرأة بحُويمِن الرجل في أنابيب الاختبار فهناك صورتان:

الأولى : أن تنقل بويضة المرأة ، ونطفة الرجل ، ويتم تلاقحهما خارج الجسم الإنساني ، وبعد التخصيب ينقلان داخل الجسم مرة أخرى.

وقد وجه إلى سماحة السيد دام ظله الشريف السؤال الآتي :

٩ ـ هل تجوز زراعة الأنابيب ، أي أن تنقل بويضة الزوجة ونطفة الرجل ، وتلقح البويضة خارج الجسم ، ثم تنقل إلى داخل الجسم بعد ذلك؟

وقد أفتى سماحته بقوله : يجوز ذلك في حد ذاته (١).

الصورة الثانية : إن عملية التلقيح هذه خارج الرحم ، قد ينجم عنها تعدد الأجنّة ، فلو أعيدت إلى رحم المرأة ثانية ، وتحقق التعدد ، فهذا يعني أن حياتها مهددة بالخطر ، وفي مثل هذه الحال لا بدّ من اختيار واحدة منها وطرح البقية حفاضاً على حياة الأم ، إذ لا يجب زرع الأجنة في رحم المرأة ، وإنما هو أمر جائز.

وقد توجه إلى سماحة السيد دام ظله الوريف السؤال الآتي :

__________________

(١) الفتوى في فقه المغتربين ٢٤٤| وهي مخطوطة في حوزة المؤلف بختم سماحته.

٢٣

١٠ ـ في عملية التلقيح داخل الأنابيب قد تتكون عدة أجنّة في آنٍ واحد ، مما يصبح زرعها كلها في رحم الأم مسألة خطرة على حياة الأم ، أو مُمِيتَة.

فهل يحق لنا انتقاء جنين واحد وإتلاف الأجنة الباقية؟ وقد أجاب سماحته دام عزه العتيد بقوله:

البويضة المُخصّبة بالحويمن في أنبوبة الاختبار لا يجب زرعها في الرحم ، ففي مفروض السؤال يجوز انتقال واحدة منها وإتلاف البقية (١).

ولسماحة السيد زاد الله في شرفه آراء أخرى لم نعرض لها في الموضوع ، لأن البحث قائم على أساس النموذج والتمثيل ، لا على نحو الاستقصاء والاستيعاب.

__________________

(١) الإجابة في فقه المغتربين ٢٤٥| وهي مخطوطة في حوزة المؤلف بختم سماحته.

٢٤

(٤)

أطفال الأنابيب وعملية الاستنساخ

ما اكتفى علماء الطب الحديث بالتلقيح الصناعي ، وبعملية تخصيب بويضة المرأة بحويمن الرجل في أنابيب الاختبار ، حتى توصلوا إلى ابتكارين جديدين مذهلين حقاً.

الأول : طفل الأنابيب بفرز بويضة المرأة خارج الرحم ، وفرز حويمن الرجل ، وتخصيبهما بأنبوب خاص بهما ، ومن ثم تجري عمليات التوجيه والسيطرة والمراقبة في أنبوب أكبر حتى تتكامل الخلقة.

ولقد تمكن صديقنا الخبير الاستراتيجي بأطفال الأنابيب الأستاذ الدكتور منذر البرزنجي ، وهو أستاذ في كلية الطب بجامعة الكوفة من استيعاب خطوات هذا الإنجاز فتوصل بنجاح باهر إلى ولادة أول طفل للأنابيب عام ١٩٨٨م ، وبقي هذا الطفل لمدة تقارب السنتين ثم توفى ، هذا ما حدثني به البرزنجي شخصياً ، ولقد نشرت الصحف والدوريات الطبية أنباء هذا الحدث على يد طبيب عراقي ، وفي جامعة الكوفة ، وهذا مما يضاف إلى أمجاد

٢٥

الكوفة عاصمة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

وعملية أطفال الأنابيب خطوة طبية عملاقة ، فإن سلمت من المقدمات المحرمة فالذي أعرفه من رأي سماحة السيد مشافهة : أنه جائز في حد ذاته ؛ وفيه تفصيل خاص به بالنسبة للإرث والنسب ليس هذا موضع عرضه.

الثاني : عملية الاستنساخ والتي أسميها « الاستنسال » فهي جائزة شرعاً ، ولا مانع على الإطلاق من إجرائها عند سماحة السيد مدّ ظله ، ولدى مذاكرتنا مع سماحته في الموضوع في رمضان عام ١٤١٨ هـ أبدى سماحته بعض التحفظات المهمة على نتائج الاستنسال مستقبلياً مما هو مجهول الحال عند علماء الأطباء ، فربما تصاب البشرية بكوارث إنسانية غير متوقعة نتيجة لوجود هذا الإنسان ـ إن ذلك على المستوى التطبيقي ـ لأن المشروع برمته ما زال قيد البحث الجاد بالنسبة للإنسان ، وإن حقق نجاحاً باهراً بالنسبة للحيوان ، فقد استنسلت النعجة « دولي » على يد أحد العلماء الاستراليّين مما يعني إمكانية إجراء هذا الاستنسال على الإنسان ، والذي يتخوفه سماحة السيد أن هذا الإنسان قد يكون خارق القدرات بحيث يحدث شرخاً في حياة الإنسانية . وقد يكون ـ مستقبلياً إذا تكاثر ـ متخلف الإدراك فتُمنى الجماعة البشرية بعاهات جديدة والمجتمع في غنى عن ذاك. وقد لا يكون هذا أو ذاك ، ولكن العُقد النفسية قد تصاحب وليد الاستنساخ بشكل لا معقول مما يؤثر على مسيرته في الحياة تصرفاً وميولاً ونزعات ، وإذا حدث مثل هذا فإننا نكون قد عمدنا إلى خلق جيل جديد يميل بطبيعة تكوينه إلى التدهور والانحلال.

٢٦

هذا ملخص ما تحدث به سماحة السيد دام ظله الشريف في التأريخ المذكور. أما الأحكام النسبية وقضايا الإرث واستلحاق الجينات فلسماحته فيها آراء قيّمة دقيقة جامعة مانعة ، فلا يدخل فيها ما هو خارج عنها ، ولا يخرج منها ما هو داخل فيها ، وقد تحدثتُ عنها مفصلاً في الندوة المتخصصة التي أقامها آل محي الدين بديوانهم العامر في النجف الأشرف بتأريخ ٢٥ رمضان المبارك ١٤١٨ هـ تحت شعار « الاستنساخ بين الطب والشريعة الإسلامية » وقد تولى الخبير الاستراتيجي في شؤون الاستنساخ الأستاذ الدكتور منذر البرزنجي الذي تم على يديه ميلاد أول طفل أنابيب في العراق ، الحديث عن الاستنساخ طبياً ومختبرياً ، وتولى كاتب هذه السطور الحديث عن رأي الفقهاء في الموضوع ، وهناك طرح دقائق ما توصل إليه سماحة السيد السيستاني ، وسماحة السيد محمد سعيد الحكيم من آراء فقهية أصيلة تواكب مسيرة الحضارة في تطلعاتها المستقبلية ، وليس هذا موضع بحثها.

وللتأريخ فقد ناقشت الدكتور منذر البرزنجي في التسمية وكونها استنسالاً لا استنساخاً ، فاقتنع بأن تسمى العملية بجملتها « عملية الاستنسال » وقام بتعديل عنوان بحثه في هذا الضوء.

٢٧

(٥)

تحديد النسل وموانع الحمل

في أطار التصعيد الحضاري تنعقد الحياة الاقتصادية فتتأرجح بين الإسراف والاعتدال ، وفي ظلال الصخب التكنولوجي تتعالى صيحة الداعين إلى الاستكانة والهدوء ، ومع اضطراب الحياة العامة تتعسر مبادىء التربية الفضلى ، وفي انعدام الراحة البدنية جرّاء العمل المضني تفقد الأسر نصيبها من التوجية والعناية الروحية والعقلية ، وهذا المناخ الحاشد بهذه المفردات الضخمة يدعو إلى تحجيم العائلة عدداً ، وتحديد النسل إقلالاً ، فيعمد المسؤول عن ذلك إلى استعمال موانع الحمل حيناً ، ووسائل الإجهاض حيناً آخر ، ولمّا كان الأخير محرّماً شرعاً وقانوناً ، كان الأول هو المتعين حصراً دون إثارة أو ضجة ، فبرزت عقاقير منع الحمل ، وشاع استعمال اللولب المانع من الحمل ، وأشيع تأجيل الدورة الشهرية عن وقتها المحدد.

الداعي وراء هذا التطور في أساليب تحديد النسل ، إما أن يكون اقتصادياً ، لأن الزوج قد لا يستطيع الوفاء بالتزاماته المالية في ظل عائلة متعددة الأفراد أو كثيرة العدد. وإما أن يكون

٢٨

تربوياً ، لأن الزوج وزوجته عاجزان عن إدارة وتربية جمهرة من الأولاد ، قد تستدعي تربيتهم جهداً إضافياً مضنياً لا يتوافران عليه إضافة إلى واجبات الحياة الأخرى. وإما أن يكون عاطفياً بأزاء حصر المشاعر الجياشة موزعة بين اثنين من الذرية لا تتعداهما إلى فوضى الكثرة المتعددة من الأبناء والبنات ، فلا تعطي النتائج المتوخاة ، بل هي تصد رغبة الإشباع في العاطفة والحب مقتصرة على الواحد أو الاثنين غير متجاوزة هذا العدد إلى الإسفاف.

كل هذه الاحتمالات واردة إزاء تحديد النسل ، وقد يضاف إليها العامل الصحي الذي يفرض إرادته قهراً ، ومن أجل هذا كله كان للشرع الشريف رايه في هذه المفردات ، وقد يسرها سماحة السيد مد ظله العالي في ضوء الفتاوى الآتية :

١ ـ يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير المعدّة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، ولا فرق في ذلك بين رضا الزوج به وعدمه.

٢ ـ يجوز للمرأة استعمال اللولب المانع من الحمل ونحوه من الموانع بالشرط المتقدّم ، ولكن لا يجوز أن يكون المباشر لوضعه غير الزوج إذا كان ذلك يتوقف على النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مسّ ما لا يجوز مسّهُ من بدنها ، إلاّ مع الحرج الشديد كما مر.

هذا إذا لم يعلم أن استعمال اللولب يستتبع تلف النطفة بعد انعقادها ، وإلاّ فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه مطلقاً.

٣ ـ هل يكفي في صدق عنوان الضرورة المجوزة للكشف أمام الطبيب الانزعاج الشديد والتذمّر النفسي الذي يسببه لها كثرة

٢٩

الحمل فيجوز لها الكشف أما الطبيب أو الطبيبة لوضع اللولب؟

الجواب : لا يكفي ذلك إلا إذا كان الانجاب يسبب لها من القلق النفسي الشديد ما يوجب وقوعها في الحرج الرافع للتكليف فيجوز لها الكشف إن لم تكن هناك طريقة أخرى تفي بالغرض ولا تتوقف على الكشف أمام الطبيب.

٤ ـ هل يجوز للمرأة أن تجري عملية جراحية لقطع النسل بحيث لا تنجب أبداً؟

* فيه إشكال ، وإن كان لا يبعد جوازه فيما إذا لم يستلزم ضرراً بليغاً بها ، ومنه قطع بعض الأعضاء كالمبيض.

نعم ، لا يجوز أن يكون المباشر للعملية غير الزوج إذا كان ذلك موجباً للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مسّ ما لا يجوز مسّهُ من بدنها إلا مع الحرج الشديد كما مرّ.

ونظير هذا الكلام يجري في الرجل أيضاً.

٥ ـ لا يجوز إسقاط الحمل بعد انعقاد نطفته ، إلا فيما إذا خافت الاُمّ الضرر على نفسها من استمرار وجوده أو سبّب لها حرجاً لم تجر العادة بتحمله للمرأة الحامل ، فإنه يجوز لها إسقاطه ما لم تلجه الروح ، وأما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقاً.

وإذا أسقطت الأُمّ حملها وجبت عليها ديته لأبيه أو غيره من ورثته ، وإن اسقطه الأب فعليه ديته لأُمه ، ومقدار الدية مذكور في كتاب الديات.

٦ ـ يجوز للمرأة استعمال العقاقير التي تؤجل الدورة

٣٠

الشهرية عن وقتها لغرض إتمام بعض الواجبات ـ كالصيام ومناسك الحج أو لغير ذلك كما يجوز لها استعجالها لاتمام العدّة ـ بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، وإذا استعملت العقار فرأت دماً متقطعاً لم يكن لها أحكام الحيض وإن رأته في أيام العيادة (١).

__________________

(١) السيد السيستاني | منهاج الصالحين ١| ٤٦٠ وما بعدها + المستحدثات من المسائل الشرعية ٧٨ وما بعدها.

٣١

(٦)

مرض الإيدز أو فقدان المناعة المكتسبة

إحدى كوارث الانحدار الأخلاقي في خضم العلاقات الجنسيّة المشبوهة ، يبرز مرض الإيدز بشبحه المخيف ليلتهم ملايين النفوس بالموت المحتم ، وكان لأنحطاط الجنسي في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا الشمالية وما وراء جزر البهاما ومجموعة الدول الأوروبية ولا ختلاط المياه في أغلب الدول الإفريقية والبدائية وحتى بعض البلاد العربية ، أضف لها جنوب إفريقيا بالذات وأماكن أخرى في العالم لا يحصيها هذا البيان الموجر لأننا لسنا بصدد استيعابها.

أقول كان لهذا وذاك الأمر الفاعل في انتشار هذا الوباء الفتاك ذي العدوى الخطيرة التي يسببها الإفراط الجنسي خاصةً للجنس الواحد. وإنه ليمعن بالانتقال الجرثومي عن طريق الدم بل وحتى عن طريق الأمومة والطفولة ، فالأجنة تتأثر عادةً بإصابة الأم بهذا المرض. وحينئذ ينتقل المرض إلى الأولاد عند الحمل أو أثناء الولادة . ( وتشير الإحصائيات الأخيرة إلى وفاة مليون ونصف المليون شخص بالإيدز خلال عام ١٩٩٦ وحدها ليصبح عدد

٣٢

الذين توفوا به حتى الآن ٦ ملايين نسمة كما أعلن ذلك منظمة الصحة العالمية بمناسبة يوم الإيدز العالمي المصادف ١|١٢|١٩٩٦ ) (١).

ولقد دأب الفقه الإسلامي على معالجة هذه الظاهرة بالتي هي أحسن ، فبدى رحيماً شفيقاً بالمصاب أولاً حادباً عليه يمتعه بشيء من الحرية في الحركة والانتقال فلا يُحرّم عليه الزواج بل يجوزه شريطة أن لا يخدع زوج زوجته بإخفاء المرض ، ولا يجوّز الفقه الأسلامي منع المصاب عن حضور الأماكن العامة كالمساجد والأماكن الخاصة كالدور والقصور ، هذا في حالة أن لا خطر من انتقال العدوى وعموم البلوى. نعم يجب أن يُراقب في خصوص الطرق الناقلة قطعاً أو احتمالاً (٢).

ولقد وضع صاحب « فقه المغتربين » بين يدي سماحة السيد مدّ ظله العالي الاستفتاءات الآتية في الموضوع حسماً لكل نزاع مرتقب أو مصور ، على شكل سؤال وجواب فيهما الكفاية من وجهة النظر العلمية ، وفيهما حصر الموضوع بعيداً عن الاثره.

١ ـ ما هو حكم عزل المصاب بالإيدز؟ فهل يجب عليه أن يعزل نفسه؟ وهل يجب على أهله عزله؟

* لا يجب عليه أن يعزل نفسه كما لا يجب عزله على الآخرين ، بل لا يجوز منعه من حضور الأماكن العامة كالمساجد

__________________

(١) فقه المغتربين | ٢٤٦.

(٢) ظ السيد السيستاني | فقه المغتربين | ٢٤٧.

٣٣

ونحوها ما دام أنه لا خطر في ذلك من انتقال العدوى إلى غيره ، نعم يجب أن يُراقِب ويُرَاقَب في خصوص الطرق الناقلة للعدوى قطعاً أو احتمالاً.

٢ ـ ما هو حكم تعمد نقل العدوى؟

* لا يجوز ذلك ، فإن أدى إلى موت المنتقل إليه ولو بعد مدة من الزمن ، جاز لوليّه القصاص من الناقل إذا كان ملتفتاً في حينه إلى كونه موجباً للهلاك عادة ، وأما لو كان جاهلاً بذلك ، فليست عليه سوى الدية والكفارة.

٣ ـ هل يجوز للمصاب بالإيدز أن يتزوج من السليم؟

* نعم ، ولكن لا يجوز له أن يخدعه بأن يصف نفسه بالسلامة عند الخطبة والمقاولة مع علمه بمرض نفسه ، كما لا يجوز له مقاربته المؤدية إلى انتقال العدوى إليه ، وأما مع احتمال الانتقال وعدم التأكّد منه ، فلا يجب الاجتناب عن المقاربة مع موافقته عليها.

٤ ـ ما حكم زواج حاملي فيروس الإيدز من بعضهم؟

* لا مانع منه ، نعم إذا كانت المعاشرة الجنسية بينهما تؤدي إلى ازدياد المرض زيادة خطيرة لزم التجنب عنها.

٥ ـ ما حكم المعاشرة الجنسية بالنسبة للمصاب بمرض الإيدز؟ وهل يحق لغير المصاب بالإيدز أن يمتنع عن المعاشرة لأنها من الطرق الرئيسة للعدوى؟

* يحق للزوجة السليمة أن لا تمكن زوجها المصاب من

٣٤

المقاربة المؤدية ـ ولو احتمالاً ـ إلى انتقال العدوى إليها بل يجب عليها منعه من ذلك ، ولو أمكن تقليل احتمال الإصابة إلى درجة لا يعتد بها ـ كـ ٢% ـ باستعمال العازل الذكري أو غيره ، جاز لها التمكين بل لا يجوز المنع عندئذ على الأحوط. وبذلك يظهر حكم الزوج السليم مع زوجته المصابة فإنه لا يجوز له مقاربتها مع احتمال انتقال العدوى إليه احتمالاً معتداً به عند العقلاء ، ويسقط حقها في المقاربة عند كل أربعة أشهر إلا مع التمكن من اتخاذ الوسيلة الكفيلة بعدم نقل العدوى.

٦ ـ ما حكم حق السليم من الزوجبن في طلب الفرقة؟

* إذا حصل التدليس عند العقد بأن تمّ توصيف الزوج أو الزوجة بالسلامة عند الخطبة والمقاولة ، ثم أجري العقد مبنياً عليه ، ثبت الخيار للمدلس عليه ، ولا يتحقق التدليس الموجب للخيار بمجرد سكوت الزوجة ووليها مثلاً عن المرض مع اعتقاد الزوج عدمه.

وأما مع عدم التدليس أو تجدد المرض بعد العقد ، فللزوج السليم أن يطلّق زوجته المصابة.

وأما الزوجة السليمة فهل يحق لها طلب الطلاق من زوجها المصاب لمجرد حرمانها من المقاربة ـ مثلاً ـ أم لا؟ فيه وجهان ، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك ، نعم إذا هجرها زوجها بالمرة فصارت كالمعلقة ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي لإلزام الزوج بأحد الأمرين اما العدول عن الهجر او الطلاق.

٣٥

٧ ـ ما حكم الطلاق من المرأة إذا كان الزوج مصاباً بمرض الإيدز؟

* تقدم بيانه آنفاً.

٨ ـ ما حكم إجهاض الحامل المصابة بمرض الإيدز؟

* لا يجوز ذلك ، ولا سيما بعد ولوج الروح فيه ، نعم إذا كان استمرار الحمل ضرراً على ألام ، جاز لها إجهاضه قبل ولوج الروح فيه ، لا بعده.

٩ ـ ما حكم حضانة الأم المصابة لوليدها السليم ، وإرضاعه ( اللباء وغيره )؟

* لا يسقط حقها في حضانة وليدها ، ولكن لا بدّ من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم انتقال العدوى إليه ، فلو احتمل ـ ولو احتمالاً معتدّاً به ـ انتقالها بالإرضاع من ثديها ، لزم التجنب عنه.

١٠ ـ ما حكم اعتبار مرض الإيدز مرض موت؟

* لما كان هذا المرض من الأمراض التي تستمر بصاحبها مدة طويلة فما يعدّ من مرض الموت هو مراحله الأخيرة القريبة من الوفاة كمرحلة التهيج والقضاء على قوة المناعة أو ظهور أعراض عصبية قاتلة.

١١ ـ هل يجوز للطبيب ، أو يجب عليه أن يعلن عن الإصابة بمرض الإيدز لمن يهمهم أمر المريض كالزوجات أو الأزواج مثلاً؟

* يجوز الإعلام إن سمح به المريض أو وليه ، ويجب إذا

٣٦

توقف عليه إنقاذ حياته ولو لفترة أطول كما يجب إذا علم أن تركه يستتبع انتقال العدوى إليهم من جهة تركهم الاحتياطات الضرورية والله العالم.

١٢ ـ لو علم مسلم أنه مصاب بمرض ( الإيدز ) المعدي ، فهل يجوز له ممارسة العمل الجنسي مع زوجته؟ وهل يجب عليه إعلامها بذلك؟

* إذا علم بانتقال المرض إليها بالمقاربة لم تجز له مطلقاً ، وكذلك إن احتمل ذلك احتمالاً معتداً به (١).

__________________

(١) ظ : ـ فقه المغتربين ٢٤٧ ـ ٢٥١.

٣٧

(٧)

أخطار التدخين ونوادر علمائنا الأعلام

أ ـ أخطار التدخين

التدخين من الظاهر الشائعة في العالم بنسبة ٦٠% من مجموع الكائن البشري على وجه الكرة الأرضية ، وهي نسبة عالية جداً إذا استثنينا الأطفال وأكثر النساء من استقبال الدخان ، وهناك الآف المعامل المتطورة تقنياً وإنتاجياً تعمل ليل نهار لإخراج الآف الأنواع من السجائر المصنعة من أجود أصناف التبوغ المعطّرة والمصفاة الهادئة والحارة والمعتدلة ، وهناك الإعلانات الدعائية في الإعلام للإشارة إلى تلك السيجارة أو هذه ، وهو أمر تدأب على الترويج له كبريات شركات الدخان في العالم.

أما استهلاك كل أنواع السجائر في سكان المعمورة ، فقد يتجاوز حد المعقول والقصور في مليارات العملات المالية والنقدية مما يكفي عادة لإدارة أكبر دولة عظمى .. والناس يتهافتون على التدخين بشكل مسرف عند بعضهم ، وعلى مستوى معتدل عند الآخرين ، ومما يؤسف له حقاً اليوم تهافت الشباب

٣٨

والناس لا سيما في أوروبا على الإفراط بالتدخين مما يعني استقبال آفات جديدة قد تؤثر على الأجنّة فيما بعد ، ويقسم التدخين عادة إلى مباشر وغير مباشر ، فالمباشر هو تدخين المرء نفسه ، وغير المباشر هو الجالس الذي يشم دخان المدخنين ، لهذا تجد في أوروبا أن القطارات والسيارات والأماكن العامة وصالات الاجتماعات الكبرى تنقسم إلى قسمين يكتب على أحدها Smoken ويكتب على القسم الآخر من القاطرة أو السيارة أو الصالة No Smoken ، وتعني الأولى السماح بالتدخين ، كما تعني الثانية منع التدخين ، وهناك تجد الأماكن المخصصة للمدخنين وغير المدخنين درءاً لأضرار التدخين غير المباشر. ولقد تنبهت منظمة الصحة العالمية للأخطار والأضرار المحدقة من التدخين ، ففرضت أن يكتب على علب السجائر بعض العبارات المحذّرة من التدخين كقولهم : التدخين يسبب مرض القلب ، وتصلب الشرايين ، وسرطان الرئة ، وقرحة المعدة ، ويورث ضغط الدم ، ويؤثر على النسل ، ولكن المدخّن يرى ذلك ولا يقرؤه ، أو يقرؤه ، ولا يعبأ به.

ومهما يكن من أمر فقد عالج سيدنا الأجل دام ظله هذه الظاهرة من جوانبها المتعددة ، فعنده أن الإنسان إنما يحرم عليه التدخين ، إذا كان يلحق به ضرراً بليغاً آنياً أو مستقبلياً ، سواء أكان الضرر البليغ معلوماً ، أو مظنوناً ، أم محتملاً بدرجة يصدق معه الخوف عند العقلاء ، وأما مع الأمن من الضرر البليغ ولو من جهة عدم الإكثار منه ، فلا بأس ، هذا بالنسبة للمبتدي في التدخين ، وأما المعتاد عليه ، فإذا كان استمراره في التدخين يلحق

٣٩

عليه ضرراً بليغاً على نحو ما مرّ ، لزمه الإقلاع عنه ، إلاّ إذا كان يتضرر بتركه ضرراً مماثلاً لضرر الاستمرار عليه ، أو أشد من ذلك الضرر ، أو كان يجد حرجاً كبيراً في الإقلاع عنه بحد لا يُتَحمّل عادة.

هذا في التدخين المباشر ، وأما التدخين غير المباشر ، فعند السيد دام ظله أنه يجري عليه نظير التفصيل المتقدم لدى المدخن المبتدىء (١).

هكذا عالج سيدنا دام علاه هذه الظاهرة من جوانبها كافة ، وأعطى رأي الشرع الحنيف فيها.

ب ـ نوادر علمائنا الأعلام والتدخين

المراجع العظام في النجف الأشرف لهم نوادر هادفة تدور حول التدخين تمثل الاتجاه المعاكس حيناً ، والاتجاه المطّرد حيناً آخر ، فهي حلقة مفرغة بين الإيجابية المطلقة ، وبين السلبية المحددة ، إلا أنها تمثل روح المعاصرة في النية الصادقة والطرفة البريئة ، وقد أدركت هذا المناخ ميدانياً خلال نصف قرن من الزمان. وأنا أرويه لك بأمانة ودقة متناهيتين ، فقد أحطتُ به خبراً عن قرب ، ليعبر لك عن مدى الاستجابة والرفض في ظروف متماثلة أو متباينة ، وهذه الطبقة المثلى هي التي نتلقّى منها أحكامنا الشرعية ، وهي بعد أطهر من ماء السماء.

١ ـ الإمام السيد محسن الحكيم قدس‌سره الشريف أصيب

__________________

(١) فتوى خطية مصورة في حوزة المؤلف عليها ختمه الشريف.

٤٠