فقه الحضارة في ضوء فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

الدكتور محمد حسين علي الصّغير

فقه الحضارة في ضوء فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

المؤلف:

الدكتور محمد حسين علي الصّغير


الموضوع : الفقه
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٥

لم تطلع الشمس فيه ، أو لم تغرب بعد ، فهل عليه الصلاة أداءً أو قضاءً أو بقصد ما في الذمة؟

فيه وجوه ، والأحوط هو الاتيان بها بقصد ما في الذمة ، أي الأعم من الأداء والقضاء.

٤ ـ إذا سافر جواً بالطائرة وأراد الصلاة فيها ، فإن تمكّن من الإتيان بها إلى القبلة واجداً لشرطَي الاستقبال والاستقرار ولغيرهما من الشرائط صحّت ، وإلا لم تصح ـ على الأحوط ـ إذا كان في سعة الوقت ، بحيث يتمكن من الإتيان بها واجدة للشرائط بعد النزول من الطائرة.

وأمّا إذا ضاق الوقت ، وجب عليه الإتيان بها فيها ، وعندئذٍ إن علم بكون القبلة في جهة خاصة صلى إليها ، ولا تصح صلاته لو أخلّ بالاستقبال إلاّ مع الضرورة ، وحينئذٍ ينحرف إلى القبلة كلّما انحرفت الطائرة ، ويسكت عن القراءة والذكر في حال الانحراف ، وإن لم يتمكن من استقبال عين القبلة فعليه مراعاة أن تكون بين اليمين واليسار ، وإن لم يعلم بالجهة التي توجد فيها القبلة بذل جهده في معرفتها ، ويعمل على ما يحصل له من الظّن ، ومع تعذره يكتفي بالصلاة إلى أي جهة يحتمل وجود القبلة فيها ، وإن كان الأحوط الإتيان بها إلى أربع جهات.

هذا فيما إذا تمكن من الاستقبال ، وإن لم يتمكن منه إلاّ في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه ، وإن لم يتمكن منه أصلاً سقط.

والأقوى جواز ركوب الطائرة ونحوها اختياراً قبل دخول

١٤١

الوقت وإن علم أنه يضطر إلى أداء الصلاة فيها فاقداً لشرطي الاستقبال والاستقرار.

٥ ـ لو ركب طائرة كانت سرعتها سرعة حركة الأرض ، وكانت متجهة من الشرق إلى الغرب ، ودارت حول الأرض مدة من الزمن ، فالأحوط الإتيان بالصوات الخمس بنية القربة المطلقة في كل أربع وعشرين ساعة ، وأما الصيام فيجب عليه قضاؤه.

وأما إذا كانت سرعتها ضعف سرعة الأرض فعندئذٍ ـ بطبيعة الحال ـ تتم الدورة في كل اثنتي عشر ساعة ، وفي هذه الحالة هل يجب عليه الإتيان بصلاة الصبح عند كل فجر ، وبالظهرين عند كل زوال ، وبالعشائين عند كل غروب؟

فيه وجهان : الأحوط الوجوب.

ولو دارت حول الأرض بسرعة فائقة حيث تتم كل دورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقل ، فالظاهر عدم وجوب الصلاة عليه عند كل فجرٍ وزوالٍ وغيروب ، والأحوط حينئذٍ الإتيان بها في كل أربع وعشرين ساعة بنية القربة المطلقة ، مراعياً وقوع صلاة الصبح بين طلوعين ، والظهرين بين زوال وغروب بعدها ، والعشائين بين غروب ونصف ليل بعد ذلك.

ومن هنا يظهر حال ما إذا كانت حركة الطائرة من الغرب إلى الشرق ، وكانت سرعتها مساوية لسرعة حركة الأرض ، فإن الأظهر حينئذ الإتيان بالصلوات في أوقاتها.

وكذا الحال فيما إذا كانت سرعتها أقل من سرعة الأرض ، وأما إذا كانت سرعتها أكثر من سرعة الأرض بكثير ، بحيث تتم

١٤٢

الدورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقلّ ، فيظهر حكمه مما تقدم.

٦ ـ من كانت وظيفته الصيام في السفر ، وطلع عليه الفجر في بلده ، ثم سافر جواً ناوياً للصوم ، ووصل إلى بلد آخر لم يطلع في الفجر بعد ، فهل يجوز له الأكل والشرب ونحوهما؟ الظاهر جوازه.

٧ ـ من سافر في شهر رمضان من بلده بعد الزوال ووصل إلى بلد لم تزل فيه الشمس بعد ، فهل يجب عليه الإمساك وإتمام الصوم؟ الأحوط ذلك.

٨ ـ من كان وضيفته الصيام في السفر ، إذا سافر من بلده الذي رؤي فيه هلال رمضان إلى بلد لم يُرَ فيه الهلال بعد ، لاختلافهما في الأفق ، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم.

ولو عيّد في بل رؤي فيه هلال شوال ، ثم سافر إلى بلد لم يُرَ فيه الهلال ، لاختلاف أفقهما ، فالأحوط له الإمساك بقية ذلك اليوم وقضاؤه.

٩ ـ إذا فُرِضَ كون المكلّف في مكان نهاره ستة أشهر ، وليله ستة أشهر مثلاً ، فالأحوط له في الصلاة ملاحظة أقرب الأماكن التي لها ليل ونهار كل أربع وعشرين ساعة ، فيصلي الخمس على حسب أوقاتها بنية القربة المطلقة ، وأما في الصوم فيجب عليه الانتقال إلى بلد يتمكن فيه من الصيام إمّا في شهر رمضان او من بعده ، وإن لم يتمكن من ذلك فعليه الفدية بدل الصوم.

وأما إذا كان في بلد له في كل أربع وعشرين ساعة ليل

١٤٣

ونهار ـ وإن كان نهاره ثلاثاً وعشرين ساعة ، وليله ساعة أو العكس ـ فحكم الصلاة يدور مدار الأوقات الخاصة فيه.

وأمّا صوم شهر رمضان فيجب عليه أداؤه مع التمكن منه ، ويسقط مع عدم التمكن ، فإن تمكن من قضائه وجب ، وإلاّ فعليه الفدية بدله (١).

__________________

(١) السيستاني | منهاج الصالحين ١|٤٦٤ ـ ٤٦٧.

١٤٤

(٣)

القبلة في نيويورك

ما زالت القبلة في الولايات المتحدة وفي نيويورك بخاصة مثار جدل واختلاف نظر عند الفقهاء ، فبعضهم يرجح فيها الاتجاه إلى المشرق المتمايل إلى الجنوب بحجة أن مكة المكرمة تقع تحت خط عرض (٢٢) ونيويورك تقع فوق خط عرض (٤٠) ولازم هذا التدقيق أن اتجاه الكعبة في نيويورك بالنسبة للمتجه إليها متمايلاً إلى الجنوب دون الشمال ، بينما الذي يختاره سماحة السيد دام ظله الشريف الاتجاه نحو الشمال الشرقي باعتبار أن الخطوط المتوازية بالنسبة لبدن المصلي تكون في خط مقوس نظراً لتقوس ظهر الأرض فتصل إلى الكعبة ولو احتمالاً ، وهو في هذا الضوء يعطي التفصيل الآتي تغطية لأبعاد الموضوع من وجهاته كافة.

يرى سماحة السيد أعز الله مجده الوريف : أنّ استقبال القبلة في الأماكن البعيدة التي يجول بينها وبين الكعبة المعظمة تقوس الأرض إنما يتحقق بأن تتجه الخطوط المتوازية المبدوءة من مقاديم بدن المصلي والمقوسة بتقوّس سطح الأرض إلى الجهة

١٤٥

التي تقع فيها الكعبة المعظمة بحيث تنتهي إليها ولو احتمالاً ، ويتضح جلياً اتجاه هذه الخطوط إذا ربطنا بين موقف المصلي والكعبة المعظمة على الخارطة الكروية بخيط ، مراعين استقامته وعدم انحرافه يميناً أو شمالاً ، وحسب اختبارنا يكون اتجاه هذا الخيط في مثل نيويورك من مناطق أمريكا الشمالية نحو الشرق المتمايل إلى الشمال بالمقدار الذي يشير إليه الخط المذكور.

وأمّا ما يقال من أن مكة المكرمة تقع تحت خط عرض (٢٢) ونيويورك تقع فوق خط العرض (٤٠) ولازمه أن يكون الواقف في نيويورك إلى جهة الكعبة المشرفة متمايلاً إلى الجنوب دون الشمال.

فالجواب عنه أن هذا إنما يصح بالنظر إلى الخارطة المسطحة دون الكروية ، بل إن تغيّر اتجاه الخيط المذكور في الخارطة الكروية إنما نشأ من اختلاف أجزائه الواقعة بين النقطتين إذا لوحظت بالقياس إلى قطبي الشمال والجنوب.

والشاهد عليه أنا لو أغمضنا النظر إلى الجهات الأربع الثابتة للكرة ولم نأخذها بعين الاعتبار ، وأدرنا الخارطة الكروية وجعلنا مكة المكرمة واقعة في قمتها بمنزلة قطب الشمال ، لاحظنا أن اتجاه الخيط المذكور هو نفس الاتجاه السابق الذكر من دون تغيّر ، وأن الواقف في نيويورك إذا أراد التوجه نحو الكعبة المعظمة يلزمه الوقوف باتجاه هذه الخط لا منحرفاً عنه إلى جانب اليمين.

والحاصل أن الأرجح في النظر بناءً على ما تقدم في كيفية

١٤٦

الاستقبال هو ما ذكرناه بل الظاهر أنه هو الأرجح أيضاً بناءً على لزوم رعاية الخط الوهمي المارّ في عمق الأرض مستقيماً بين موقف المصلي والكعبة المعظمة ، فإن هذا الخط بما أنه لا يمكن التوجه نحوه حال الصلاة فيتعين الاتجاه نحو الخط المقوس الموازي له والمار على سطح الأرض. والخط الموازي المذكور هو نفس الخط الذي مرّ ذكره والذي يكون اتجاهه في نيويورك نحو الشمال الشرقي هذا ، ومع ذلك تكون صلاة من يتجه إلى الشرق المتمايل إلى الجنوب عملاً بالحجة الشرعية القائمة عنده على ذلك. والله أعلم (١).

__________________

(١) المستحدثات من المسائل الشرعية | ٩ ـ ١١.

١٤٧

(٤)

متفرقات في أحكام السفر

تعرض للإنسان حالات يحتاج معها إلى الدليل الكاشف بين يديه لامتثال أمره تعالى ، وفي السفر في الوسائل الحديثة والخطوط الجوية قد يواجه بعض الإشكالات ، منها ما يأتي :

١ ـ كيف نُصلّي صلاتنا الواجبة في الطائرة والقبلة مجهولة والطمأنينة مفقودة؟

* أما القبلة فيمكن تحديد جهتها بالسؤال من القبطان أو المضيفين ، فإنّ أجوبتهم تورث ـ في الغالب ـ الاطمئنان أو الظن فليزم العمل وفقه. وأما الاستقرار فتسقط شرطيته مع عدم إمكان التحفظ عليه ، ولكن لا بد من رعاية سائر الشروط حسب المستطاع ، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها في كل الأحوال.

٢ ـ كيف نصلي صلاتنا في القطارات والسيارات؟ وهل يجب أن نسجد على شيء ، أو لا يجب ذلك ويكفي الانحناء.

* يجب أداء الصلاة فيها وفق صلاة المختار إن أمكن ، فتلزم رعاية الاستقبال في جميع حالات الصلاة إن تيسرت ، وإلا

١٤٨

ففي حال تكبيرة الإحرام مع التمكن منه ، وإلا تسقط شرطية الاستقبال ، كما أنه مع التمكن من الإتيان بالركوع والسجود الاختياريين يتعين الإتيان بهما ـ كما لو تيسرت الصلاة في ممر القطار أو الباص ـ وأمّا مع عدم التمكن منهما ، فإن تيسر الانحناء بمقدار صدق اسميهما لزم وتعين . ويراعى في السجود وضع الجبهة على المسجد ولو برفعة ، ومع عدم تيسر الانحناء بالمقدار المذكور يكفي الإيماء بدلاً عنهما (١).

٣ ـ لو سافر مسافرٌ من بلده بعد أذان الظهر مباشرة من دون أن يصلي ، ووصل لمقصده بعد الغروب ، فهل يأثم؟ وهل يجب عليه قضاء صلاة الظهر؟

* نعم هو آثم بتركه الفريضة في الوقت ، وعليه قضاؤها (٢).

__________________

(١) فقه المغتربين | ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) المرجع نفسه | ٩٣.

١٤٩

الفصل الخامس

شؤون الأطعمة واللحوم والأغذية والمعلبات

في الدول الأجنبية

١ ـ التذكية واللحوم وطعام غير المسلمين

٢ ـ ريادة المطاعم المشبوهة والعمل فيه

٣ ـ المعلّبات والمنتجات في الدول الأوروبية

٤ ـ فتاوى حضارية في الإغذية والأشربة

١٥٠
١٥١

(١)

التذكية واللحوم وطعام غير المسلمين

أحل الله الطيبات من الرزق وحرّم الخبائث منها ، وكان ما أحله الله تعالى أكثر مما حرمه ، وعائدية هذا التحليل والتحريم معاً إنما شرعت لمصلحة الإنسان الصحية والنفسية ، وكان تفضل الله عميماً على البشرية أن أباح لها السمك من حيوان البحر ، وحرّم غيره من حيوانه حتى المسمى باسم ما يؤكل من حيوان البرّ كبقره وفرسه ، وكذا الضفدع والسرطان والسلحفاة ، ولا يحل من السمك إلا ما كان له فلسٌ ولو بالأصل ، فيحل الكنعت والربيثا والبز والبني والشبوط والقطان والطبراني والأبلامي والأربيان ، ولا يحل ما ليس له فلس في الأصل كالبحري والزمّير والزهو والمار ماهي ، وإذا شك في وجود الفلس وعدمه بنى على العدم (١).

وأحل الله من البهائم البرية صنفين من الأهلية والوحشية : أما الأهلية فيحل منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل ، ويكره

__________________

(١) ظ السيستاني | منهاج الصالحين ٣|٢٩١.

١٥٢

الخيل والبغال والحمير ، ويحرم منها الكلب والهر ونحوهما.

وأما الوحشية فتحل منها الظباء والغزلان والبقر والكباش الجبلية واليحامير والحمر والوحشية . وتحرم منها السباع ، وهي ما كان مفترساً وله ظفر أو ناب قوياً كان كالأسد والنمر والفهد والذئب ، أو ضعيفاً كالثعلب والضبع وابن آوى ، كما تحرم المسوخ ومنها الخنزير والقرد والفيل والدبّ (١). وأحل الله كل طائر ذي ريش فيحل أكل لحمه إلا السباع ، فيحلّ الحمام بجميع أصنافه ، كما يحل الدجاج بجميع أقسامه ، والعصفور بجميع أنواعه ومنه البلبل والزرزور والقبرة ، ويحل الهدهد والخطاف والشقراق ، وتحل النعامة والطاووس على الأقوى . ويحرم كل ذي مخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق والنسر والبغاث ، وكذا الغراب (٢) ويشترط في حلية أكل ما تقدم التذكية الشرعية.

أما السمك فتحصل ذكاته بأخذه من داخل الماء إلى خارجه حياً باليد أو الشبكة والشعب أو الغالة أو غيرها ، وفي أخذه هذا يكون ذكياً (٣).

أما ذكاة الذبيحة فيشترط فيها :

١ ـ أن يكون الذابح مسلماً أو من بحكمه كالمتولد منه.

٢ ـ أن يكون الذبح بالحديد مع الإمكان ، فلو ذبح بغيره مع التمكن لم يحل وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس

__________________

(١) السيستاني | منهاج الصالحين ٣|٢٩٢.

(٢) السيستاني | منهاج الصالحين ٣|٢٩٣.

(٣) السيستاني | منهاج الصالحين ٣|٢٧٢.

١٥٣

والذهب والفضة والرصاص وغيرها . والأحوط وجوباً عدم الذبح بالاستيل مع التمكن من الحديد.

٣ ـ قصد الذبح بفري الأوداج.

٤ ـ الاستقبال بالذبيحة حال الذبح إلى القبلة ، فإن أخلّ بالاستقبال عالماً عامداً حرمت . نعم إذا كان الإخلال بالاستقبال لإعتقاد الذابح عدم لزومه شرعاً فلا يضر بذكاة ذبيحته.

٥ ـ تسمية الذابح عليها حين الشروع بالذبح أو متصلاً به عرفاً ، ولا تجزيء تسمية غير الذابح عليها ، والمدار في التسمية ذكر اسم الله وحده عليها ، فيكفي أن يقول : بسم الله ، أو الله أكبر ، أو الحمد لله ، أو لا إله إلا الله ، ونحو ذلك.

٦ ـ قطع الأعضاء الأربعة ، وهي : المري : وهو مجرى الطعام ، والحلقوم : وهو مجرى النفس ومحله فوق المريء ، والودجان : وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء.

وقطع الأعضاء الأربعة يستلزم بقاء ( الجوزة ) متصلة بالرأس ، فلو بقي شيء منها في الجسد لم يتحقق قطع تمامها.

٧ ـ خروج الدم المتعارف منها حال الذبح ، فلو لم يخرج منها الدم ، أو كان الخارج قليلاً ـ بالإضافة إلى نوعها ـ بسبب انجماد الدم في عروقها أو نحوه لم تحل . وأما إذا كان عدم خروجه من جهة نزيف قبل الذبح حلّ.

٨ ـ أن تتحرك الذبيحة بعد تمامية الذبح ولو حركة يسيرة ،

__________________

(١) السيستاني | منهاج الصالحين ٣|٢٧٦ ـ ٢٨٠.

١٥٤

بأن تطرف عينها ، أو تحرك رجلها أو ذنبها ، هذا إذا شك في حياتها عند الذبح ، وإلا فلا تعتبر الحركة أصلاً.

وتختص الإبل من بين البهائم بأن تذكيتها بالنحر ، ولا يجوز ذلك في غيرها ، وكيفيته : أن يدخل الآلة من سكين أو غيره من الآلات الحادة الحديدية في لبتها ، وهو الموضع المنخفض الواقع في أعلى الصدر متصلاً بالعنق ، والشروط المعتبرة في الذبح تعتبر نظائرها في النحر ، عدا الشرط السادس ، وهو قطع الأعضاء الأربعة (١).

وأغلب المشاكل التي يتعرض لها المسلمون والمغتربون منهم بصورة خاصة هي مشكلة التذكية ، أو تقديم ما ليس بمذكّى ، أو اللحم غير المباح ، مما تفرضه طبيعة المناخ الذي يتواجدون فيه ، مما يلزم العسر والحرج أحياناً ، ويقتضي التأمل والتثبت أحياناً أخرى ، وثمت مشكلة أخرى وهي تناول الطعام المعدُّ من غير المسلمين ، ومشكلة المعلبات والأجبان ، وشراء اللحم من غير المسلم ، ومشكلة الذبح بالأجهزة الحديثة ، ومشكلة شراء اللحم ممن يبيع الخمر ، وهكذا مما ستراه.

ولقد دأب سماحة السيد دام ظله الشريف على تذليل الصعوبات ، واحتواء العقبات في الطريق واستوعب هذه المشاكل بأبعادها فأبان رأي الشرع الشريف بما لا عسر فيه ولا حرج ضمن المسائل المهمة الآتية :

__________________

(١) السيستاني | منهاج الصالحين ٣|٢٨٢.

١٥٥

١ ـ يحق للمسلم أن يتناول الطعام المعدّ من قبل الكافر غير الكتابي ، إذا لم يعلم المسلم أو يطمئن بأن ذلك الكافر قد مسّه مع البلل ، شرط أن لا يعلم أو يطمئن المسلم باحتواء ذلك الطعام على ما يحرم تناوله كالخمر مثلاً.

٢ ـ يحق للمسلم أن يتناول أي طعام أعدّه صانعه للأكل ، إذا جهل المسلم معتقد ودين ومبدأ ذلك المعدّ للطعام ، سواء مسّه معدّه مع البلل ، أو لم يمسّه ، شرط أن لا يعلم أو يطمئن المسلم باحتواء ذلك الطعام على ما يحرم عليه تناوله كالخمر مثلاً.

وللحوم والشحوم ومشتقاتها حكم خاص سيأتي بعد ذلك.

هذا ولا يجب على المسلم يؤال معدّ الطعام عن إيمانه أو كفره ، أو عن مسّه الطعام أو عدمه ، حتى وإن كان ذلك السؤال سهلاً يسيراً عليه ، وطبيعياً على ما يسأله.

وباختصار فإن المأكولات بأنواعها المختلفة عدا اللحوم والشحوم ومشتقاتها ، يحق للمسلم تناولها ، حتى إذا ظن بأن في محتوياتها ما لا يجوز له أكله ، أو ظن أن صانعها أياً كان قد مسّها مع البلل (١).

وهنا مسألتان :

١ ـ هل يجوز للمسلم طبخ غير المُذكّى؟ علماً أن لا علاقة له بالبيع أو التقديم . ثمّ ما هو حكم تقديم الطعام النجس ( غير المذكى ) أو نقله لغير المسلمين؟ وهل يفرق في هذا بين الخنزير وغيره؟

__________________

(١) فقه المغتربين |١٤٠ وما بعدها استناداً إلى إفتاء سماحة السيد بالموضوع.

١٥٦

* لا مانع من طبخ غير المذكى ، ولا تقديمه إلى مُستحلّيه ، ويشكل بيعه منهم ، لكن لا مانع من أخذ المال إزاء التنازل عنه أو استنقاذاً ، وأما الخنزير فيشكل تقديمه لمستحلية ، ولا يجوز بيعه بلا إشكال والله العالم.

٢ ـ هل يصح للمسلم امتلاك مطعم يقدم فيه اللحم غير المذكّى ، علماً بأنه لا يمارس العمل بنفسه ، بل يشرف على المشروع ويديره؟ وعلى فرض عدم الجواز كيف يصحح امتلاك العوائد؟ وما هو موقف من يعتمد في نفقته عليه كزوجته وأطفاله؟

* لا بأس بامتلاكه ذلك إذا كان تقديم اللحم غير المذكى إلى المستحلين له ، وإن قدمه إلى مسلم أخبره بالحال إن احتمل تأثير الأخبار في حقه ، وإلاّ لم يجب ، وأما العوائد فليصحح امتلاكها بطريقة الاستنقاذ أو التنازل حسبما مرّ ، دون البيع ، فإن صحّحها هو حلّت أيضاً لمن يعيلهم ، وإن لم يفعل فليقصدوا تملك ما يدفعه إليهم من أعيانهم فتحل لهم ، والله العالم (١).

__________________

(١) المستحدثات من المسائل الشرعية | ١٢ ـ ١٣.

١٥٧

(٢)

ريادة المطاعم المشبوهة والعمل فيها

هناك مطاعم ومحلات يختلط فيها الحابل بالنابل ، فكما تبيع المذكى تبيع غير المذكى ، وكما تستعمل المحلل تستعمل المحرم ، وقد تتجاوز هذا إلى بيع لحم الخنزير وتقديم الخمر وأشباه ذلك ، وقد يلتبس الحال فلا ندري المحتويات محللةً أو محرمةً ، وللإجابة عن هذه المشكلات نضع أمام المسلم المعاصر الفتاوى الآتية :

١ ـ ندخل محلات في الدول الغربية تبيع مأكولات لا ندري محتوياتها ، فربما هي خالية مما يحرم أكله أو شربه ، وربما فيها شيء يحرم أكله أو شربه ، فهل يحق لنا أكلها دون النظر لمحتوياتها أو السؤال عن محتوياتها ، أو لا يحق لنا ذلك؟

* يجوز ما لم يعلم اشتمالها على شيء من اللحوم والشحوم ومشتقاتها (١).

__________________

(١) فقه المغتربين |١٥٥.

١٥٨

٢ ـ هل يجوز للمسلم العمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير أو الخمر؟ وإذا كان لا يجوز فهل يشمل الحكم غسل الصحون وما شابه ذلك؟

* تقديم الخمر إلى الغير محرم ، وإن كان المقدّم إليه مستحلاً لها ، وكذا غسل الأواني إذا كان مقدمة لشرب الخمر فيها أو تقديمها إلى شاربها.

والأحوط وجوبا عدم تقديم لحم الخنزير حتى إلى مستحليه ولا يجوز بيعه بلا إشكال.

وإجازة المسلم نفسه للعمل المحرم عليه باطلة ، وأخذ الأجرة عليه حرام ، نعم لا بأس بتملك بدل العمل استنقاذاً من غير محترمي المال (١).

٣ ـ هل يجوز للمسلم العمل في المطاعم التي تقدم اللحم غير المذكى؟

* لا يبعد جوازه فيما إذا كان يقدم إلى مستحله بل مطلقاً مع الإعلام بالحال إذا احتمل تأثيره في حقه بارتداعه عن تناوله وإلا لم يجب (٢).

٤ ـ ما حكم الأجور التي يتقاضاها العامل في تلك المطاعم؟ هل تعتبر من الأموال المختلطة بالحرام كما هي أساساً ، أو تعتبر حلالاً بالنسبة للعامل كونها أجرة من عمل حلال؟

__________________

(١) المستحدثات من المسائل الشرعية |٢٢.

(٢) المرجع نفسه |٢٣.

١٥٩

* الأموال التي يتسلمها المسلم من غير المسلمين بأزاء عمل محلل لهم يحكم بحليتها وإن اكتسبوها بالمكاسب المحرمة في شريعتنا إذا كانت محللة عندهم كبيع الخمر والخنزير من غير المسلم ، ولا تعد تلك الأموال من الحلال المختلط بالحرام ليجب فيها الخمس.

٥ ـ هل يجوز للمسلم العمل في محلات بيع الخمور أو الملاهي في غير تقديم الخمر أو المحرمات الأخرى وذلك من قبيل تنظيف الأواني وترتيب المقاعد وما شابه ذلك؟

* لا يجوز ذلك في محلات بيع الخمور ، والأحوط لزوماً تركه في محلات الملاهي أيضاً.

٦ ـ شخص مسلم يملك فندقاً وأكثر زبائنه من الكفار ، فهل يجوز له أن يقدم لهم الخمر أو اللحوم غير الحلال؟

* قد ظهر مما تقدم عدم جواز التقديم بالنسبة إلى الخمر ، وجوازه من حيث هو في اللحم غير المذكى.

٧ ـ هل يجوز للمسلم بيع اللحوم غير المذكاة لغير المسلمين؟

* جوازه لا يخلو عن إشكال ، نعم لا مانع من أخذ المال إزاء تنازل أو استنقاذاً من غير محترمي المال.

٨ ـ هل يجوز للمسلم أن يحضر في المجالس التي يقدم فيها الخمور؟

* الأكل والشرب في تلك المجالس محرم ، وأما مجرد

١٦٠