المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

من كلامه فإنّ السيرة العقلائيّة قاضية بأن ما أعدّه لذلك يكون هو المراد النهائي للمتكلّم ، ولا يختلف الحال في الآليّة التي استعملها لذلك ، أي سواء كان الإعداد تمّ بواسطة القرائن النوعيّة أو كان بواسطة القرينة الشخصيّة على النظر.

هذا هو حاصل ما أفاده السيّد الصدر رحمه‌الله في بيان ضابطة الحكومة بتمام أقسامها.

* * *

٣١٠ ـ الحكومة الانسداديّة

ونذكر لها معنيين :

المعنى الأوّل : وهو الذي تبنّاه صاحب الكفاية رحمه‌الله ، وحاصله : انّه اذا تمّت مقدّمات الانسداد الأربع أو الخمس ـ والتي منها عدم وجوب الاحتياط التامّ إمّا لتعذّره أو لأنّ الالتزام به يؤول الى اختلال النظام أو العسر والحرج ـ فإنّ العقل حينئذ يحكم بحجيّة الظنّ المطلق في مقابل المشكوكات والموهومات. ومعنى حكم العقل بحجيّة الظنّ المطلق هو حكمه بمنجزيّته ومعذريّته كما هو الحال في حكم العقل بحجيّة القطع ، فمعنى الحكومة ـ بناء على هذا المعنى ـ هو حكم العقل بمنجزيّة ومعذريّة الظن.

وقد تبنّى السيّد الصدر رحمه‌الله هذا المعنى وأصرّ على انّ مراد صاحب الكفاية رحمه‌الله من حكم العقل هو إدراك العقل لمنجزيّة ومعذريّة الظنّ عند تماميّة مقدّمات الانسداد ، فلا يرد عليه ما أورده السيّد الخوئي رحمه‌الله من انّه ليس للعقل شأنيّة الحكم والتشريع وانّ وظيفته متمحّضة في الإدراك.

وأمّا ما أورده المحقّق النائيني رحمه‌الله على صاحب الكفاية رحمه‌الله من انّ الحجيّة من ذاتيّات القطع لكونه كاشفا تاما ، وأمّا الظن فليست الحجيّة من ذاتيّاته ، ومن هنا يستحيل ثبوت الحجيّة له دون جعل ، فهو على أيّ تقدير ـ سواء تمّت مقدّمات الانسداد أو لم تتمّ ـ لا تثبت الحجيّة للظنّ إلاّ بواسطة الجعل ، فافتراض انّ الحجيّة تصبح من

٦١

ذاتيّات الظنّ عند تماميّة مقدّمات الانسداد غير معقول.

هذا الإيراد انّما يتمّ بناء على انّ الحجيّة من ذاتيّات القطع وليست من ذاتيّات حقّ المولويّة ، وأمّا بناء على انّ المنجزيّة والمعذريّة من اللوازم الذاتيّة لحقّ المولويّة فالقطع عندئذ لا يختلف عن الظنّ من جهة إمكان حكم العقل بثبوت الحجيّة له لو افترض دخوله في اطار حقّ المولويّة.

وبتعبير آخر : انّه لو افترض اتّساع حقّ المولويّة ـ ولو في بعض الحالات ـ ليشمل التكاليف المظنونة فإنّ العقل حينئذ يدرك ثبوت المنجزيّة والمعذريّة للظنّ عينا كما في إدراكه لثبوتها للقطع ، وذلك لافتراض انّ الحجيّة ليست من اللوازم الذاتيّة للقطع بما هو قطع وانّما لكونه كاشفا عن الاوامر المولويّة المقتضية ذاتا للمنجزيّة والمعذريّة. ومن أجل ذلك تبنى السيد الصدر رحمه‌الله ما أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله في معنى الحكومة.

المعنى الثاني : وهو الذي تبنّاه السيّد الخوئي رحمه‌الله ، وحاصله : انّه مع افتراض تماميّة مقدّمات الانسداد يستقل العقل بإدراك حجيّة الامتثال الإجمالي الظني ، وذلك لانعقاد العلم الإجمالي ـ كما هو الفرض ـ وعدم امكان الاحتياط التام ، بمعنى انّ العقل القاضي بلزوم الطاعة للمولى جلّ وعلا يدرك عند عدم امكان الاحتياط التام لزوم التبعيض في الاحتياط ، فيدور الأمر حينئذ بين الامتثال الإجمالي الشكي أو الوهمي وبين الامتثال الإجمالي الظني ، فلا محيص عندئذ عن الامتثال الاجمالي الظنّي بعد امكانه وعدم لزوم محذور اختلال النظام أو العسر والحرج.

وإدراك العقل للزوم الامتثال الإجمالي الظني يعني إدراكه لاستحقاق المكلّف للعقاب لو لم يلتزم بذلك واكتفى بالامتثال الاجمالي الشكّي أو الوهمي ، كما يعني إدراكه لمعذوريّة المكلّف عند اتّفاق مخالفة الواقع.

والمتحصّل انّ المراد من الحكومة هو التبعيض في الاحتياط بنحو

٦٢

الامتثال الإجمالي الظني ، هذا لو لم تكن هذه المرتبة من الامتثال موجبة أيضا لمحذور اختلال النظام أو العسر والحرج وإلاّ فالمتنجّز عندئذ على المكلّف هو الامتثال الإجمالي الشكي إلاّ أن تكون هذه المرتبة مستوجبة أيضا لأحد المحذورين فانّ المتعيّن مع هذا الفرض هو الامتثال الإجمالي الوهمي.

والخلاصة انّه بعد تماميّة مقدّمات الانسداد وعدم امكان الاحتياط التام يكون المتنجّز بحكم العقل هو التبعيض في الاحتياط ، وتكون المرتبة المتنجّزة هي التي لا تستلزم أحد المحذورين.

* * *

٣١١ ـ الحكومة الواقعيّة والحكومة الظاهريّة

عند ما يتصدّى الدليل الشرعي للتضييق أو التوسعة من دائرة محمولات أو موضوعات الأحكام الواقعيّة بحيث لا يكون للشكّ في الحكم الواقعي دخل في اعتبار التوسعة أو التضييق بل إنّ الملحوظ عند اعتبار أحدهما هو الموضوع بما هو ، أو المحمول ( الحكم ) بما هو عند ما يكون الأمر كذلك فالحكومة واقعيّة.

ومثال ذلك قوله عليه‌السلام : « الطواف في البيت صلاة » فإنّ هذا الخطاب وسّع من دائرة الموضوع ( الصلاة ) اعتبارا فجعل الطواف فردا للصلاة.

وهذه التوسعة واقعيّة لأنّ الملحوظ حين اعتبار التوسعة هو الصلاة بما هي ، أي أنّ المولى لاحظ الصلاة واعتبر الطواف فردا منها ، ولم يكن حين اعتبار التوسعة قد لاحظ الصلاة بما هي مشكوكة الحكم. لذلك تكون هذه التوسعة ثابتة مطلقا أي بقطع النظر عن العلم بحكم الصلاة أو الجهل به. فلو اتّفق أن كان المكلّف جاهلا بحكم الصلاة ثمّ علم به فإنّ العلم بحكم الصلاة لا يؤثّر في سقوط التوسعة.

وهكذا الحال بالنسبة لقوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) بناء على أنّ معنى الآية هو نفي الحكم الحرجي ، أي أنّ الله لم يجعل حكما

٦٣

حرجيّا ، فإنّ هذا الدليل بناء على هذا المعنى يوجب التضييق من دائرة محمولات الأدلّة على الأحكام الواقعيّة ، فكلّ دليل يقتضي ثبوت حكم لموضوع فإنّه يكون محكوما بهذا الدليل ، بمعنى أنّ هذا الدليل يضيّق من سعته بعد أن كان واسعا ، فبعد أن كان الوجوب ثابتا لمطلق الوضوء مثلا كما هو مقتضى دليله فإنّه يصبح بمقتضى الآية الشريفة منفيّا لو صادف أن كان حرجيّا.

فالتضييق من جانب المحمول ( الوجوب ) في الآية الشريفة إنّما كان من الحكومة الواقعيّة بسبب أنّ الملحوظ حين اعتبار التضييق هو الوجوب الثابت للوضوء مثلا ، أو قل إنّ الملحوظ هو مطلق الأحكام الواقعيّة الثابتة بأدلّتها.

ولهذا فكلّ حكم حرجي فهو منفي بهذه الآية رغم أنّ مقتضى دليله هو الثبوت ، فالوجوب الذي ينشأ عنه الحرج أو الذي لا ينشأ منه الحرج ثابت بدليله إلاّ أنّ الآية الشريفة جاءت لتضيّق من دائرة الوجوب وذلك بنفي الوجوب الذي ينشأ منه الحرج.

وأمّا الحكومة الظاهريّة فهو أن يتصدّى الدليل الشرعي للتوسعة أو التضييف من دائرة محمولات أو موضوعات الأحكام الواقعيّة ولكن في مرحلة الظاهر ومقام الإثبات ، وهذا معناه أنّ الواقع لو انكشف بعد ذلك على خلاف ما اقتضاه اعتبار التوسعة أو التضييق فإنّ هذا الاعتبار يكون ساقطا.

وكيفيّة التعرّف على أنّ الحكومة ظاهريّة يتمّ بملاحظة دليل التوسعة أو التضييق ، فإن افترض فيه الشكّ في الحكم الواقعي فالحكومة ظاهريّة ، ومن هنا كانت الحكومة الظاهريّة في طول الواقع فهي وسيلة لإحرازه وطريق لإثباته.

ومثال الحكومة الظاهريّة الموسّعة لدائرة الموضوع هو ما لو قامت البيّنة على خمريّة هذا المائع ، فإنّ جعل الحجّيّة للبيّنة معناه اعتبارها وسيلة

٦٤

لإحراز الواقع ، وإذا كانت كذلك فهي مقتضية في المثال لاعتبار السائل المشكوك الخمريّة خمرا في مرحلة الظاهر ، فلو كان خمرا واقعا لما كان للبيّنة سوى دور الإحراز والوسطيّة في إثبات الواقع ، ولو لم يكن خمرا واقعا إلاّ أنّه لم ينكشف لنا خلافه فإنّ البيّنة أنتجت اعتباره خمرا في مرحلة الظاهر ، وهذا هو معنى التوسعة ، إذ أنّ البيّنة وسّعت دائرة الخمر الواقعي فاعتبرت مشكوك الخمريّة خمرا ولكن في مرحلة الظاهر أي في ظرف الشكّ.

وهذا يقتضي أنّ الواقع لو انكشف بعد ذلك وكان على خلاف ما اقتضته البيّنة فإنّ اعتبار خمريّة هذا السائل يصبح ساقطا.

وهكذا لو أخبر الثقة عن نجاسة عرق الجنب من الحرام فإنّ ذلك يكون من الحكومة الظاهريّة الموسّعة من دائرة المحمول ( الحكم ). وذلك لأنّ دليل الحجّيّة لخبر الثقة يقتضي اعتبار خبره وسيلة لإحراز الواقع ولمّا كان كذلك فهو يقتضي في المثال التوسعة من دائرة الحكم ، إذ أنّ ثبوت النجاسة لعرق الجنب إمّا أن يكون ثابتا واقعا فخبر الثقة عندئذ سوف لن يكون له سوى دور الوسطيّة في الإثبات والإحراز للواقع ، وإذا لم يكن عرق الجنب نجسا واقعا ولم يكن قد انكشف ذلك لنا فإنّ خبر الثقة يكون مقتضيا لاعتبار ثبوت النجاسة ولكن في مرحلة الظاهر ، ولذلك لو انكشف الواقع فإنّ هذا الاعتبار يكون ساقطا.

* * *

٣١٢ ـ الحكومة بملاك الرفع

والمقصود من هذا النحو من الحكومة هو ان يتكفّل أحد الدليلين لرفع الموضوع في الدليل الآخر من غير أن يكون للدليل ـ الرافع لموضوع الحكم في الدليل الآخر ـ نظر للدليل الآخر لغرض شرحه وتفسيره ، بمعنى انّ المناط في حاكميّة أحد الدليلين على الآخر هو كونه صالحا لنفي موضوع الدليل الآخر دون أن يناط ذلك

٦٥

باشتمال الدليل الحاكم على قرينة النظر للدليل المحكوم.

وعليه لا يشترط في الدليل الحاكم أن يكون وجوده لاغيا لو لا وجود الدليل المحكوم ـ كما هو الحال في الحكومة بملاك النظر ـ فالدليل الحاكم هنا يتعقّل صدوره دون أن يكون الدليل المحكوم موجودا.

ومثال الحكومة بملاك الرفع هو ما يقال من حكومة الأمارات على الاصول العمليّة الشرعيّة ، فإنّ الأمارة تنفي موضوع الأصل الشرعي تعبدا ، وذلك لأنّ موضوع الأصل هو الشك ومع قيام الامارة ينتفي الشك تعبدا.

مثلا : لو وقع الشك في حرمة لحم الأرنب فإنّ مقتضى أصالة البراءة هو الحليّة الظاهريّة ، فلو اتّفق ان قام الدليل الاجتهادي « الامارة » على حرمة لحم الأرنب فإن موضوع الأصل وهو الشك في الحرمة ينتفي تعبدا.

ومن هنا كان دليل الأمارة حاكما على دليل الأصل بمعنى انّه ناف لموضوع دليل الأصل ، وتلاحظون انّ الحكومة هنا غير منوطة بوجود قرينة على نظر دليل الامارة لدليل الأصل ، فإنّ دليل الأمارة الذي جعل الحجيّة لها لا يكون لاغيا لو افترض عدم وجود دليل الأصل ، وبذلك تفترق الحكومة بملاك الرفع عن الحكومة بملاك النظر.

هذا بناء على التقسيم الذي ذكره السيّد الخوئي رحمه‌الله للحكومة ، وأمّا بناء على ما ذكره السيّد الصدر رحمه‌الله فإنّ الحكومة دائما تكون بملاك النظر ، فرفع أحد الدليلين لموضوع الدليل الآخر لا يكون من الحكومة لو لم يشتمل الدليل الرافع على قرينة النظر ، وحينئذ يكون الرفع امّا بمناط الورود أو بمناط التخصيص ، على انّه يمكن توجيه المثال المذكور بنحو يثبت معه انّ الامارة ناظر لدليل الأصل ، وحينئذ تكون الحكومة بملاك النظر إلاّ انّ ذلك خارج عن المقصود.

* * *

٦٦

٣١٣ ـ الحكومة بملاك النظر

قلنا انّ هناك ضابطين للحكومة وباعتبارهما تمّ تقسيمها الى قسمين ، ونبيّن تحت هذا العنوان القسم الاوّل ، وهو الحكومة بملاك النظر.

وحاصله : انّ قوام الحكومة هو نظر الدليل الثاني للدليل الاول لغرض شرحه وتفسيره ، وهذا معناه وجود قرينة على انّ المتكلّم ناظر لكلامه الأوّل وقاصد لشرحه وبيانه ، ولذلك صورتان :

الصورة الاولى : أن تكون وسيلة التعبير عن النظر هي أحد أدوات الشرح والتفسير مثل كلمة « أي ـ أعني ـ أقصد » وما يؤدى مؤدى هذه الكلمات.

الصورة الثانية : أن تكون وسيلة التعبير عن النظر غير أدوات الشرح والتفسير ، كأن يتوسّل المتكلّم للتعبير عن النظر بواسطة التنزيل أو مناسبات الحكم والموضوع.

والسيّد لخوئي رحمه‌الله ذكر انّ الضابطة لهذه الصورة هي لغويّة الدليل الحاكم لو لم يكن هناك دليل آخر جاء الدليل الحاكم لغرض شرحه وبيانه.

ومثاله : قوله « لا شك لكثير الشك » ، فإنّ هذا التعبير لا يكون مبرّرا ومعقولا لو لم يكن هناك دليل آخر جاء هذا الدليل لغرض شرحه وبيان بعض حدوده ، فلو لم يكن للشك في الصلاة حكم خاص ورد في دليل آخر فما معنى نفي الشك أي حكمه بالنسبة لكثير الشك.

فلغوية الدليل الثاني مع افتراض عدم الدليل الاول هو المعبّر عن نظر الدليل الثاني للدليل الاول ، واذا ثبت النظر ثبتت الحاكميّة للدليل الثاني على الدليل الاول.

ثمّ انّ للحكومة بملاك النظر اسلوبين :

الاسلوب الاول : ويعبّر عنه بالنظر في عقد الوضع : وهو ان يتصدّى الدليل الحاكم لشرح الدليل الاول عن طريق التصرّف في موضوعه إمّا بنحو التضييق أو بنحو التوسيع ، ويكون

٦٧

الغرض من ذلك نفي الحكم عما هو خارج عن حدود الدائرة المضيّقة بواسطة الدليل الحاكم في النحو الاوّل أو اثبات الحكم لما هو أوسع من دائرة موضوع الحكم في الدليل المحكوم في النحو الثاني ، ويعبّر عن النحو الاول بنفي الحكم بلسان نفي الموضوع وتكون الحكومة معه مضيّقة ، ويعبّر عن النحو الثاني باثبات الحكم بلسان اثبات الموضوع وتكون الحكومة معه موسعة.

ومثال الحكومة المضيّقة : ما لو قال المولى : « من شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع وتشهّد وسلّم ثمّ قام فجاء بركعة بفاتحة الكتاب وتشهّد بعدها وسلّم » ثمّ قال : « لا شكّ لكثير الشك » ، فإنّ الكلام الثاني ناظر الى الكلام الاوّل ، وذلك بقرينة انّ الكلام الثاني لا يكون له معنى محصّل ومعقول لو لا وجود كلام سابق يكون هذا الكلام مفسرا له ومبينا لحدوده ، إذ ما معنى أن يقال ابتداء « لا شك لكثير الشك » لو لا أن يكون للشك حكم ثابت بدليل آخر.

وأمّا انّه كيف يكون الكلام الثاني في المثال متصرّفا في موضوع الحكم في الكلام الاوّل فهو لأنّ المتكلّم استعمل موضوع الحكم في الدليل الاوّل كوسيلة لشرح وبيان حدود موضوع الحكم جدا وواقعا فنفى بعض أفراد الموضوع عن أن تكون مشمولة للموضوع المجعول عليه الحكم في الدليل الأوّل. ونفي الموضوعيّة عن هذه الأفراد معناه نفي الحكم عنها ، إذ انّ الاحكام تابعة لموضوعاتها ثبوتا وانتفاء ، ومن هنا قيل بانّ المنفي روحا في الدليل الحاكم هو الحكم ولكن بلسان نفي الموضوع أي بواسطة نفي موضوعيّة بعض الافراد عن موضوع الحكم في الدليل المحكوم ومعه ينتفي الحكم عن هذه الأفراد ولمزيد من التوضيح راجع عنوان « نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ».

وأمّا مثال الحكومة الموسّعة : فهو ما لو قال المولى « لا صلاة إلاّ بطهور »

٦٨

ثمّ قال في كلام آخر « الطواف بالبيت صلاة » فإنّ هذا اللسان يعبّر عن النظر بنفس التقريب السابق ، والنظر هنا في عقد الوضع كما في المثال السابق ، أي انّ تصرّف الدليل الحاكم انّما هو في موضوع الدليل المحكوم إلاّ انّه بنحو التوسيع من دائرة موضوع الحكم في الدليل المحكوم ، فموضوع الحكم في الدليل المحكوم هو الصلاة والحكم المترتّب على هذا الموضوع هو شرطيّة الطهارة ، والدليل الحاكم جاء ليشرح المراد من الصلاة في الدليل المحكوم ويثبت انّ الطواف فرد من أفراد الصلاة ، وبذلك يترتّب الحكم المجعول ـ على الصلاة في الدليل المحكوم ـ على الطواف ، وذلك لأنّه ـ بمقتضى الدليل الحاكم ـ فرد من أفراد الصلاة ، وبهذا يتوسّع موضوع الحكم في الدليل الاوّل المحكوم وتصبح الطهارة شرطا للطواف كما هي شرط للصلاة. فهو إثبات لشرطيّة الطهارة ولكن عن طريق اعتبار الطواف فردا للصلاة ، وهذا هو معنى قولهم « إثبات الحكم بلسان إثبات الموضوع ».

الاسلوب الثاني : ويعبّر عنه بالنظر في عقد الحمل ، وهنا يتوسّل المتكلّم في مقام شرحه لكلامه الاول بالتصرّف في محمول القضيّة في الكلام الاوّل ، أي في التصرّف في نفس الحكم ابتداء دون توسيط الموضوع في ذلك كما في الاسلوب الاول.

ومثال ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا ضرر ولا ضرار » وقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، ) فإنّ هذين الدليلين ناظران الى الأحكام الشرعيّة الثابتة في الادلّة الاخرى ، حيث انّ مقتضى تلك الأدلّة هو ثبوت تلك الاحكام بنحو مطلق سواء كانت ضرريّة وحرجيّة أو لم تكن.

وحينئذ لو فهمنا من الرواية انّه لم يجعل الله تعالى حكما ضرريا وفهمنا من الآية المباركة انّ الله تعالى لم يجعل حكما حرجيا فإنّ الدليلين يكونان حاكمين على أدلّة الأحكام الشرعيّة الاوليّة وموجبين لتضييق دائرة تلك الاحكام.

٦٩

وتلاحظون انّ هذين الدليلين قد تصرّفا في نفس الحكم في الأدلّة المحكومة حيث انّ المنفي في هذين الدليلين هو الحكم ، فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا ضرر » معناه لا حكم ضرري مجعول على المكلفين وكذلك قوله لا حرج معناه لا حكم حرجي مجعول من المولى جلّ وعلا. ومن هنا كانت الحكومة في هذين المثالين من نحو الحكومة المتصرّفة في عقد الحمل.

واتّضح ممّا ذكرناه تقريب الضابطة التي ذكرها السيّد الخوئي رحمه‌الله للتعرّف على انّ الدليل الثاني ناظر للدليل الاول ، إذ لا معنى لتصدّي المولى لنفي الحكم الضرري والحرجي لو لم يكن هناك أدلّه تقتضي ثبوت الأحكام حتى في موارد الضرر والحرج.

* * *

٣١٤ ـ أصالة الحل

وهي من الأصول العمليّة المؤمّنة ، والتي تنفي المسئولية تجاه الفعل المشكوك الحرمة ، ويمكن تصوير جريانها في موارد الشك بنحو الشبهة الحكميّة كما يمكن تصوير جريانها في موارد الشك بنحو الشبهة الموضوعيّة.

أما تصوير جريانها في الشبهة الحكميّة فهو انّه متى ما وقع الشك في جعل الحرمة على شيء أو عدم جعلها له نتيجة فقدان الدليل الاجتهادي أو تعارض ما يدل على الحرمة مع ما يدل على الحليّة وعدم وجود المرجّح والبناء على التساقط في مثل هذا الفرض ، أو نتيجة اجمال الدليل ، ففي تمام هذه الفروض يكون المجرى هو أصالة الحلّ بمعنى انّ الحكم الظاهري الثابت للفعل المشكوك حكمه من حيث الحليّة والحرمة هو الحلية ، ومثاله ما لو وقع الشك في حكم أكل لحم الأرنب.

وأمّا تصوير جريانها في الشبهة الموضوعيّة فهو ما لو كان الشك ناشئا عن اشتباه الامور الخارجيّة ، كما لو شك المكلّف في شخص سائل وانّه سائل خمري أو هو خلّ ، فإنّ هذا النحو من الشك يؤول الى الشك في

٧٠

حليّة هذا السائل أو حرمته. والاصل الجاري حينئذ هو أصالة الحل.

والاصوليّون لم يفردوا لهذا الأصل بحثا مستقلا ، وذلك لأنّه لو افترض تماميّة أدلته فإنّه يكون مشمولا لعنوان أصالة البراءة الشرعيّة ، ولهذا تجد انّ الاصوليّين يستعرضون روايات الحلّ في بحث البراءة الشرعيّة على انّها من أدلتها :

وتقريب مشموليّة أصالة الحلّ لأصالة البراءة الشرعيّة هو انّ أصالة البراءة الشرعيّة تنفي المسئوليّة عن كلّ تكليف إلزامي وقع الشك في ثبوته على عهدة المكلّف ، فموضوع البراءة الشرعيّة هو الشك في التكليف ، وعندئذ لو وقع الشك في ثبوت الحرمة لشيء ـ سواء بنحو الشبهة الحكميّة أو بنحو الشبهة الموضوعيّة ـ فهذا معناه الشك في التكليف وهو موضوع أصالة البراءة كما انّه موضوع لأصالة الحلّ باعتبار انّ متعلّق الشك هو الحرمة ، فالنسبة بين الأصلين هو العموم المطلق ، فأصالة الحلّ أخصّ مطلقا من أصالة البراءة الشرعيّة.

ثم انّ أصالة الحل قد تطلق في بعض الكلمات ويراد منها أصالة الاباحة العقليّة ، وهو ما أوضحنا المراد منه تحت عنوان « أصالة الإباحة » ، وحينئذ لا يكون مدرك أصالة الحل روايات الحل بل يكون مدركها هو مدرك أصالة الإباحة العقليّة.

على انّه يمكن اعتبار أصالة الحل مشمولة لأصالة البراءة العقليّة المستفادة من قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وذلك لأنّ الحرمة التي لم يقم عليها بيان مجرى لأصالة البراءة العقليّة كما هو مجرى لأصالة الحلّ إلاّ انّه لم يعهد من الاصوليين هذا الاستعمال حسب الظاهر.

* * *

٣١٥ ـ الحمل الأولي والحمل الشائع

الحمل الأولي هو ما كان فيه الاتّحاد بين الموضوع والمحمول من جهة المفهوم ، والحمل الشائع هو ما

٧١

كان الاتّحاد فيه بين الموضوع والمحمول من جهة الوجود.

وببيان أوضح وأدقّ : انّ الحمل الأولي هو ما يكون فيه المحمول ذاتيا للموضوع ، بمعنى انّه المقوم للذات أو جزء المقوّم ، فالمقصود من الذاتي هو الذاتي في باب الكليّات لا الذاتي في باب البرهان ، فكلما كان المحمول ذاتيا للموضوع فالحمل حينئذ يكون حملا أوليا.

ومن هنا قالوا انّ الحمل الأولي هو ما كان فيه المحمول حدّا للموضوع سواء كان حدّا تاما أو ناقصا. فتعريف الشيء بجنسه وفصله أو بجنسه أو بفصله يكون من الحمل الاولي لأنّه تعريف بنحو الحدّ التام أو الناقص.

وبتعبير آخر : عند ما يكون مؤلف القضيّة في مقام بيان حقيقة الموضوع وماهيّته فإنّه لا يصحّ بيان حقيقته إلاّ بواسطة حمل ذاتياته عليه ، وحينئذ يكون الحمل أوليا ذاتيا.

فحمل الحيوان الناطق أو الناطق أو الحيوان على الإنسان يكون حملا أوليّا ، وذلك لأنّ هذا الحمل مبيّن لماهيّة وحقيقة الإنسان.

وأمّا حمل الضاحك أو الماشي على الإنسان ، كأن يقال الإنسان ضاحك أو ماش فليس حملا أوليّا ، وذلك لأنّ المشي والضحك ليسا من ذاتيات الإنسان بل انّ الاول عرض عام والثاني عرض خاص ، ولذلك لا يحملون على الموضوع إذا كان الغرض بيان حقيقة وماهيّة الموضوع ، أي اذا ما كان الغرض بيان حدّ الموضوع.

وهكذا لو حملنا الزوجيّة على الأربعة فإنّ الحمل لا يكون أوليّا ، وذلك لأنّ الزوجيّة ليست من ذاتيّات الأربعة ، فلا هي مقوّم للاربعة ولا هي جزؤها المقوّم ، نعم هي ذاتي للاربعة بنحو الذاتي في باب البرهان ، وقد قلنا انّ الذاتي الذي يكون معه الحمل أوليا هو الذاتي في باب الكليّات.

وبما ذكرناه يتّضح انّ الحمل الاولي هو ما كان الموضوع ملحوظا بنحو صرف الذات ، أي انّ ماهية الموضوع

٧٢

ملحوظة بما هي هي بقطع النظر عن وجودها الخارجي مثلا وبقطع النظر عن تمام آثارها وأحكامها ، وانّ المحمول فيه ـ وهي الذاتيّات ـ ملحوظة أيضا بنحو صرف كونها ذاتيات ، وانّ الغرض من الحمل هو بيان ماهية الموضوع وحقيقته.

ومنشأ التعبير عن هذا الحمل بالذاتي هو انّ المحمول فيه ذاتي للموضوع ، كما انّ منشأ التعبير عنه بالأولي هو انّ القضايا في هذا الحمل لا تكون إلاّ قضايا أوليّة بديهيّة والتي يكون فيها تصوّر الموضوع وتصوّر المحمول كافيا في التصديق بالنسبة.

وأمّا الحمل الشائع الصناعي فهو ما كان فيه المحمول أحد أحكام الموضوع الخارجة ذاتا عن ماهيّته والثابتة له بلحاظ وجوده.

فالموضوع بما هو موجود له مجموعة من الآثار والأحكام ، وحينما تحمل هذه الآثار والأحكام على الموضوع بما هو موجود فالحمل عندئذ يكون حملا شايعا صناعيا.

والتعبير عنه بالشائع باعتبار شيوع استعماله بين الناس ، وأمّا التعبير عنه بالصناعي فباعتبار تداول استعماله في الصناعات ، أي في العلوم.

وتلاحظون انّ الحمل الشائع لا صلة له ببيان حقيقة وماهيّة الموضوع ، وهذا ما يعبّر عن الفراغ عن معرفته وتشخصه ، إذ انّ حمل الآثار والأحكام عليه انما هو فرع تصوّره ووضوحه.

وبهذا يكون حمل العرض الخاص والعرض العام على موضوعه من الحمل الشائع ، وذلك لأنّ العرض الخاص وكذلك العام انّما هما من آثار الموضوع الوجوديّة ، فليس لهما بيان ماهيّة وحقيقة الموضوع ، فحمل المشي على الإنسان انّما هو باعتبار وجوده وإلاّ فليس المشي جزء من ماهية الإنسان بما هو ، إذ انّ الإنسانيّة ليست متقوّمة بالمشي كما هو واضح ، فالإنسان بما هو موجود يكون ماشيا ، وأمّا بما هو مفهوم فليس هو بماش. ولهذا يصحّ أن يقال « الإنسان ماش »

٧٣

« والإنسان ليس بماش » ، وذلك لأنّ الإنسان في القضيّة الاولى لوحظ باعتباره موجودا خارجيا ، وأمّا في القضيّة الثانية فالملحوظ هو صرف الذات أي ماهيّة الإنسان بما هي.

وهكذا الكلام في حمل الحرارة على النار والزوجيّة على الأربعة فإنّ الحمل معهما حمل شايع صناعي ، لأنّ الحرارة انّما تثبت للنار الموجودة خارجا لا لمفهوم النار ، فحملها على النار انّما هو لبيان أثر من آثار وجودها.

ومنه اتّضح انّ حمل الذاتي في باب البرهان على موضوعه يكون من الحمل الشائع ، وذلك لأنّ الذاتي في باب البرهان خارج عن حقيقة الذات لازم لها ، وهذا التلازم انّما هو بلحاظ وجود الذات لا بلحاظ الذات بما هي ، فحمل الزوجيّة على الأربعة انّما هو بلحاظ وجود الأربعة لا بلحاظ صرف ماهيّتها وإلاّ فالزوجيّة ليست جنسا لذات الأربعة ولا هي فصلها وانّما هي من اللوازم الوجوديّة لذات الأربعة.

ويتّضح أيضا ممّا ذكرناه انّ المصحّح لحمل المغاير على مغايره انّما هو لأنّ المحمول أحد آثار الموضوع الوجوديّة ، فالمصحّح لحمل القيام على زيد هو انّ القيام عرض من أعراض وجود زيد.

والمتحصّل ممّا ذكرناه انّ الحمل الشائع هو ما يكون فيه المحمول أثرا من آثار الموضوع الوجوديّة.

* * *

٣١٦ ـ الحمل البسيط والحمل المركّب

والمراد من الحمل البسيط هو ما كان بمفاد كان التامّة والذي يكون المحمول معه هو الوجود ، فالحمل البسيط معناه ثبوت الشيء ، والتعبير عنه بالبساطة ناشئ عن انّ القضيّة لم تثبت شيئا لشيء وانّما أثبتت الشيء نفسه أي اثبت الوجود له والشيء « كالإنسان » ليس شيئا آخر غير وجوده.

والمراد من الحمل المركّب هو ما

٧٤

كان بنحو مفاد كان الناقصة والتي يتمّ بها إثبات شيء لشيء. فالمحمول في الحمل المركّب يكون أثرا من آثار الموضوع الوجوديّة أو عرضا من أعراضه.

ويعبّر عن هذا الحمل بالحمل بنحو الهليّة المركبة في مقابل الحمل البسيط والذي يكون الحمل معه بنحو الهليّة البسيطة. ومثال الحمل المركب « الإنسان ماش » و « زيد قائم » ، حيث تمّ فيهما إثبات شيء لشيء ، وهذا هو منشأ التعبير عن هذا الحمل بالمركّب.

٧٥
٧٦

حرف الخاء

٧٧

عناوين حرف الخاء

٣١٧ ـ الخارج المحمول

٣١٨ ـ الخاصّ

٣١٩ ـ الخبر بالواسطة

٣٢٠ ـ الخبر الحسن

٣٢١ ـ الخبر الحسّي والخبر الحدسي

٣٢٢ ـ الخبر الصحيح

٣٢٣ ـ الخبر الضعيف

٣٢٤ ـ الخبر المتواتر

٣٢٥ ـ الخبر المستفيض

٣٢٦ ـ الخبر الموثّق

٣٢٧ ـ الخبر الموثوق

٣٢٨ ـ خبر الواحد

٣٢٩ ـ الخطابات الشفاهيّة

٧٨

حرف الخاء

٣١٧ ـ الخارج المحمول

المقصود من الخارج المحمول هو الذاتي في باب البرهان ، وقد أوضحنا المراد منه تحت عنوانه.

* * *

٣١٨ ـ الخاصّ

الخاصّ وصف للحكم يثبت له حينما تكون بعض أفراد موضوع الحكم أو متعلّقه خارجة عنه بواسطة التخصيص ، وذلك في مقابل العامّ والذي هو وصف للحكم الثابت لتمام أفراد موضوعه أو متعلّقه.

مثلا : حينما يقال للمكلّف ( يجب عليك إكرام العلماء إلاّ الفسّاق ) فإنّ الوجوب في المثال هو الموصوف بالخاصّ ، وذلك لأنّ موضوعه وهو العلماء قد تمّ إخراج بعضهم عن الحكم ( الوجوب ) بواسطة التخصيص بـ ( إلاّ ) ، ففسّاق العلماء وإن كانوا من أفراد العلماء موضوعا إلاّ أنّهم خارجون عن الحكم بالوجوب بواسطة التخصيص. لذلك كان الحكم بالوجوب خاصّا لاختصاصه ببعض أفراد موضوعه وهم العلماء غير الفسّاق.

أمّا لو قيل للمكلّف ( يجب إكرام العلماء ) فإنّ الوجوب يكون عامّا وذلك لشموله لتمام أفراد موضوعه.

* * *

٣١٩ ـ الخبر بالواسطة

والمراد من الخبر بالواسطة هو

٧٩

الخبر الذي وصل إلينا بأكثر من واسطة كواسطتين أو ثلاث أو أكثر ، أمّا لو وصل إلينا الخبر بواسطة واحدة ـ كأن كان المتلقي للخبر قد تلقّاه عمّن يروي عن الإمام عليه‌السلام مباشرة ـ فهذا الفرض غير مشمول للعنوان المذكور.

والغرض من عرض هذا العنوان في كتب الاصول هو تقريب كيفيّة شمول أدلّة الحجيّة للخبر بالواسطة ، وذلك لتوهّم افتقاده لشرطين أساسيّين من شرائط ثبوت الحجيّة للخبر ، وهما إحراز الخبر واشتمال مدلوله على أثر شرعي ، فهنا إشكالان على ثبوت الحجيّة للخبر بالواسطة.

الإشكال الاول : انّه لا ريب انّ الحجيّة الثابتة للخبر منوطة بإحراز الخبر ، وذلك لأنّ الحجيّة بمثابة الحكم الثابت لموضوعه والذي هو الخبر ، واذا كان كذلك فلا بدّ من تقرّر الخبر واحرازه في رتبة سابقة عن ثبوت الحجيّة له وإلاّ لزم فعليّة الحكم قبل وجود موضوعه ، وهو باطل بلا ريب.

ومع اتّضاح هذه المقدّمة تتّضح استحالة ثبوت الحجيّة للخبر بالواسطة ، وذلك لأنّ الخبر بالواسطة ينحلّ الى أخبار طوليّة بعدد الوسائط ، والخبر المحرز من هذه الأخبار هو الذي نقله إلينا الراوي الواقع في آخر سلسلة السند من جهتنا ، وواضح انّ الذي يرويه الواقع في آخر سلسلة السند هو انّ شيخه نقل اليه عن شيخه ، فالخبر المحرز وجدانا هو ما أخبر به الواقع في آخر سلسلة السند ، ومضمون خبره هو انّ شيخه أخبره عن شيخه ، وأمّا خبر شيخ الواقع في آخر السلسلة عن شيخه فليس محرزا وجدانا ، نعم يمكن احرازه تعبدا بواسطة ثبوت الحجيّة لخبر الواقع في آخر السلسلة ، وهذا معناه انّ إحراز الخبر بالواسطة متأخّر عن ثبوت الحجيّة لخبر الواقع في آخر السلسلة ، وقد قلنا انّ ذلك مستحيل ، لأنّ الحجيّة فرع احراز الخبر في حين انّ المقام تكون الحجيّة هي المحرزة للخبر فيلزم تقدم الحكم على

٨٠