المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

من قبيل مناسبات الحكم والموضوع ، كما انّها تفتقر الى معرفة الوسائل التي يصحّ الاعتماد عليها لغرض الوصول الى حقيقة هذه الموضوعات ، أي ماهيّة الوسائل التي يكون الاعتماد عليها معتبرا من الوسائل التي لا تكون معتبرة ، ومن هنا يعبّر عن هذه الموضوعات بالمستنبطة وذلك لأنّ الوصول الى حقيقتها يحتاج الى نظر واستنباط.

وهنا يقع البحث عن انّ تشخيص هذه الموضوعات هل هو من مناصب الفقيه أو انّه يصحّ للمكلّف الاستقلال عن المجتهد في تشخيصها وان كان له أن يعوّل على المجتهد ولا يكلّف نفسه اعباء البحث عنها ، أو انّ تشخيص المجتهد لهذه الموضوعات لا يكون حجّة على المكلّف ما لم يحصل له الاطمئنان بتشخيصه وإلاّ فهو ملزم ببذل الجهد لغرض تنقيح هذه الموضوعات. فهذه اتّجاهات ثلاثة ذهب السيّد الخوئي رحمه‌الله الى الأوّل منها بنفس التقريب في القسم الأوّل.

٥٤١

هوامش حرف الميم

(١) سورة الإسراء : ٢٣.

(٢) سورة الإسراء : ٢٣.

٥٤٢

حرف النّون

٥٤٣

عناوين حرف النون

٥٨١ ـ النسب الأوليّة والنسب الثانويّة

٥٨٢ ـ النسبة

٥٨٣ ـ النسبة التحليليّة

٥٨٤ ـ النسخ

٥٨٥ ـ نسخ الوجوب

٥٨٦ ـ نفي الحكم بلسان الموضوع

٥٨٧ ـ النكرة

٥٨٨ ـ النكرة في سياق النفي أو النهي

٥٨٩ ـ النهي

٥٩٠ ـ النهي الإرشادي

٥٩١ ـ النهي التحريمي

٥٩٢ ـ النهي التنزيهي

٥٩٣ ـ النهي في العبادات

٥٩٤ ـ النهي في المعاملات

٥٩٥ ـ النهي النفسي والغيري

٥٤٤

حرف النون

٥٨١ ـ النسب الأوليّة والنسب الثانويّة

النسب الذهنيّة كالمفاهيم الاسميّة من جهة انّها تارة تكون معقولات أوليّة وتارة تكون معقولات ثانويّة ، فكما انّ المفهوم الاسمي قد يكون منتزعا عن الخارج ابتداء كمفهوم الشجر والحجر فيكون معقولا أوليا ، وقد يكون منتزعا عن المعقول الأولي كالكليّة والجنسيّة والنوعيّة فيكون معقولا ثانويّا كذلك الحال في النسب والمعاني الحرفيّة فقد ينتزعها الذهن عن الخارج ابتداء كالنسبة الظرفيّة والنسبة الاستعلائيّة والابتدائيّة فتكون معقولا أوّليّا ، وقد ينتزعها الذهن عن معقول أولي فتكون معقولا ثانويا.

وضابطة الفرق بين النسب الأوليّة والنسب الثانويّة هو انّ النسبة ان كان موطنها الأصلي هو الخارج والذهن انّما ينتزعها عنه فهذه نسب أوليّة ، ومثالها النسب الظرفيّة حيث انّها مأخوذة عن ملاحظة وجودين خارجيين أحدهما مظروف والآخر ظرف له ، فموطن النسبة الظرفيّة الأصلي هو الخارج والذهن ينتزعها عنه ابتداء.

وأمّا لو كان موطن النسبة الأصلي هو الذهن ، أي لا وجود لها في الخارج ويتمحّض وجودها في عالم الذهن ، فإنّ الذهن عند ما ينتزع عن هذه النسبة نسبة اخرى تكون هذه النسبة المنتزعة نسبة ثانويّة. ومثالها : النسبة الاستثنائيّة والإضرابيّة والتأكيديّة ،

٥٤٥

فالنسبة الاستثنائيّة لا وجود لها في الخارج وانّما ينتزعها الذهن عن النسبة الذهنيّة الواقعة بين المستثنى والمستثنى منه.

مثلا عند ما يقال : « جاء القوم إلاّ زيد » فإنّه لا يوجد في الخارج نسبة استثنائيّة بين القوم وزيد كما هو واضح ، نعم هناك نسبة بين القوم وزيد في الذهن ، هذه النسبة ينتزع عنها الذهن نسبة استثنائيّة ، فموطن هذه النسبة الاصلي هو الذهن ، ولهذا لو قطعنا النظر عنه لم يكن ثمّة نسبة استثنائيّة ، ومن هنا كانت معقولا ثانويّا ونسبة ثانويّة.

ثمّ انّ ما ذكر من انّ المعاني الحرفيّة نسب تحليليّة انّما هو خاص بالنسب الأوليّة المنتزعة عن الخارج ، وأمّا النسب الثانويّة فليست نسبا تحليليّة ، إذ انّ النسبة الثانويّة نسبة واقعة بين وجودين ذهنيين متغايرين في صقع الذهن هما المستثنى والمستثنى منه ، فالنسبة الثانويّة تحكي عن هذا الوجود الذهني الرابط ، فليس حالها كحال النسب الأوليّة المنتزعة عن الخارج حيث انّ ما ينتزعه الذهن عن الخارج انّما هو وجود وحداني يتمّ تحليله في الذهن الى وجودين ورابط. كما أوضحنا ذلك في النسبة التحليليّة.

* * *

٥٨٢ ـ النسبة

المراد من مفهوم النسبة هو الربط بين الشيئين أو بتعبير آخر النسبة بالحمل الاولي هي مفهوم يعبّر عن العلاقة والإضافة بين شيئين ، وهي من المعاني الاسميّة الاستقلاليّة القابلة للحضور في الذهن استقلالا والقابلة لأن تحمل عليها مفاهيم اخرى ، ولأن تحمل على مفاهيم اخرى فيقال مثلا : « النسبة مفهوم اسمي » ، كما يقال : « الفوقيّة والتحتيّة من المفاهيم النسبيّة ».

إلاّ انّها بالحمل الشائع ليست كذلك ، بمعنى انّ واقع النسبة ليس من المفاهيم الاسميّة الاستقلاليّة ، فلا يكون حضورها في الذهن إلاّ في اطار

٥٤٦

طرفيها ، والنسبة بهذا المعنى هو المعبّر عنه في الفلسفة بالوجود الرابط كما سيأتي توضيحه في محلّه ان شاء الله تعالى.

ولكي يتّضح المراد من واقع النسبة نذكر هذه التنبيهات التي أفادها السيّد الصدر رحمه‌الله.

التنبيه الأوّل : أنّ ما ينتزعه الذهن عند ملاحظة وجودين خارجيين بينهما نحو ارتباط هو نوعان من المفاهيم :

الأوّل : هو ما يكون حضوره في الذهن لغرض الحكم عليه ، وواضح انّ هذا الغرض يتحقّق بتصوّر مفهوم ذلك الشيء أي استحضاره في الذهن بنحو الحمل الأولي ليكون معبّرا عمّا في الخارج وتكتسب مصاديقه الخارجيّة ما ثبت له من حكم.

الثاني : هو ما يحضر في الذهن بواقعه وحقيقته وتمام خصائصه ، وانّه لا يتحقّق الغرض من حضوره إلاّ بهذا النحو من الحضور.

والنوع الأوّل من المفاهيم هو المعبّر عنها بالمعاني الاسميّة والتي هي مستقلّة في ذاتها ، وأمّا النوع الثاني فهو المعبّر عنه بواقع النسبة وبالنسبة بالحمل الشائع الصناعي ، بمعنى انّ ما يحضر في الذهن عند ملاحظة الخارج هو واقع الربط والعلقة بين المفهومين ، فالنسبة المنتزعة عن الخارج عند ملاحظة وجودين خارجيين بينهما نحو ارتباط هو حقيقة النسبة لا مفهومها التصوري والذي هو ليس نسبة واقعا.

ولكي يتّضح هذا التنبيه نذكر هذا المثال : لو شاهدنا في الخارج طيرا على شجرة ، فإنّ ما ينتزعه الذهن من هذه الملاحظة هو نوعين من المفاهيم ، النوع الاوّل هو مفهوم الطير ومفهوم الشجرة ، وهذا النوع من المفاهيم يكون الغرض من حضوره في الذهن هو جعل الحكم عليه ، ولهذا يكفي أن يكون حضوره في الذهن هو الحضور المفهومي التصوري ، أي يكون الحاضر في الذهن هو صورة ذلك الموجود الخارجي ، فلا غرض من

٥٤٧

حضور واقع الموجود الخارجي بخصائصه التكوينيّة ، إذ الحكم على الشيء لغرض ثبوت الحكم لمصاديقه الخارجيّة يكفي فيه تصوّر مفهوم ذلك الشيء.

والنوع الثاني من المفاهيم التي ينتزعها الذهن عند ملاحظة الطير على الشجرة هو نحو الربط الواقع بين الطير والشجرة ، وهذا لا يكون حضوره في الذهن إلاّ بواقعة وحقيقته ، ولا يتحقّق المقصود منه لو كان الحاضرة هو مفهومه التصوري ، إذ انّ الغرض من حضوره في الذهن هو ايجاد الربط بين مفهومي الطير والشجرة ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بحضور الربط حقيقة ، وأمّا الربط بالحمل الأوّلي فهو مفهوم تصوري استقلالي لا يصلح لايجاد الربط والعلقة بين المفهومين لأنّه ليس ربطا حقيقيّا بالحمل الشائع كما هو واضح.

وبما ذكرناه يتّضح انّ النوع الثاني من المفاهيم المنتزعة عن ملاحظة موجودين بينهما نحو ارتباط هو سنخ مفهوم تعلّقي واقعة الربط بين مفهومين ، فلا يكون بينه وبين الربط الخارجي أيّ فرق ، فالربط الذهني المنتزع عن الخارج والربط الواقع في الخارج هو واقع الربط وحقيقته ، غايته انّ الربط الخارجي يكون ربطا بين وجودين ، أمّا الربط الذهني فيكون بين مفهومين ..

وبهذا يتقرّر انّ الذي يوقع الربط بين المفهومين انّما هو النسبة بالحمل الشائع ، وأمّا مفهوم النسبة فلا يمكن أن يربط بين مفهومين ، لأنّه ليس نسبة حقيقة وواقعا ، والمفروض انّ الارتباط بين المفهومين لا يكون إلاّ بالنسبة الحقيقة الواجدة لخصائص النسبة التكوينيّة والتي هي ايجاد العلقة والربط بين المفاهيم.

التنبيه الثاني : انّ المقوّم الذاتي للنسبة بالحمل الشائع هو شخص المفهومين المرتبطين بواقع النسبة ، ولهذا لا يكون ثمّة جامع ذاتي بين النسب الحقيقية ، فالنسبة الواقعة بين شخص هذين المفهومين مغاير للنسبة

٥٤٨

الواقعة بين شخص مفهومين آخرين.

مثلا : لو كانت هناك ثلاث نسب ، الاولى هي نسبة الطير الى الشجرة في الخارج ، والثانية هي نسبة الطير الى الشجرة في ذهن المتكلّم ، والثالثة هي نسبة الطير الى الشجرة في ذهن السامع ، فهذه النسب الثلاث متباينة ، لأنّ مقوّم النسبة الاولى هو شخص الطير والشجرة الخارجيين ، ومقوّم النسبة الثانية هو شخص مفهوم الطير والشجرة في ذهن المتكلّم ، ومقوّم النسبة الثالثة هو شخص الطير والشجرة في ذهن السامع ، وعليه لا يكون ثمّة جامع ذاتي بين النسب الثلاث وذلك :

أولا : لأنّ مفهوم النسبة وإن كان جامعا بين النسب الثلاث إلاّ انّه ليس جامعا ذاتيا ، لأنّه لا يتوفّر على واقع النسبة وحقيقتها ، إذ انّ مفهوم النسبة ليس نسبة بالحمل الشائع.

وثانيا : انّ الجامع الذاتي معناه الجامع المشترك بين الأفراد الواجد للمقوّمات الذاتيّة لهذه الأفراد ، فحينما نريد انتزاع جامع ذاتي لزيد وخالد وعمرو فإنّنا نجرّد هذه الأفراد عن خصوصيّاتها العرضيّة ويتحصّل عندنا بعد إلغاء هذه الخصوصيّات جامع ذاتي بين هذه الأفراد واجد للمقوّمات الذاتيّة لها وهذا الجامع هو الإنسانيّة.

أمّا لو أردنا انتزاع جامع ذاتي للنسب المذكورة فإنّه من غير الممكن التحفّظ على المقوّم الذاتي لهذه النسب بعد إلغاء خصوصيّة كلّ فرد ، إذ انّ خصوصيّة كلّ فرد هي المقوّم الذاتي للنسبة فلا ينحفظ بعد الغائه المقوّم الذاتي لتلك النسبة ، وعليه لا يمكن ان نتحصّل من مجموع النسب على جامع ذاتي مشترك بين هذه النسبة ، وذلك لما ذكرناه من انّ المقوّم الذاتي للنسبة بين الطير والشجرة في الخارج انّما هو شخص الطير والشجرة وانّ المقوّم الذاتي للنسبة بين الطير والشجرة في ذهن المتكلّم انّما هو شخصهما في ذهن المتكلّم وهكذا في النسبة الثالثة ، فلو كان البناء هو حذف المشخّصات لكلّ

٥٤٩

نسبة لكان معنى ذلك هو حذف المقوّم الذاتي لكلّ نسبة ، وعندئذ يستحيل تحصيل جامع ذاتي لهذه النسب.

التنبيه الثالث : انّه يتّضح ممّا تقدّم انّ النسبة بالحمل الشائع ليس لها وراء وجودها تقرّر ماهوي ، وهذا بخلاف المفهوم الاسمي فإنّ له تقرّر ماهوي بقطع النظر عن وجوده ، ومن هنا عبّر الفلاسفة عن وجود النسبة بالوجود الرابط وعن وجود المفهوم الاسمي بالوجود المحمولي.

وبيان ذلك : انّ للمفاهيم الاسميّة تقرر ماهوي قبل حمل الوجود عليها ، بمعنى انّ الذهن عند ما ينتزع مفهوم الطير فإنّه يمكن أن يحلل هذا المفهوم الى ماهيّة ووجود ويشكل بذلك قضيّة موضوعها الماهيّة وهي الطير ومحمولها الوجود ، وبهذا يكون لمفهوم الطير تقرّر ماهوي بقطع النظر عن حمل الوجود عليه ، وهذا هو معنى انّ المفاهيم الاسميّة متقرّرة ذاتا وبنحو مستقلّ عن الوجود وانّ حضورها في الذهن وتصوّرها ليس منوطا بثبوت الوجود لها ، ولهذا فنحن نتصوّر المفاهيم الاسميّة وما لها من جنس وفصل بقطع النظر عن حمل الوجود عليها.

وأمّا النسبة بالحمل الشائع فباعتبارها متقوّمة ذاتا بشخص الوجود الثابت لطرفيها فإنّ ذلك يقتضي عدم تقررها بقطع النظر عن وجودها ، فإنّ المصحّح لتقرّر الماهيات والمفاهيم الاسميّة بغضّ النظر عن وجودها هو انّ مقوّمها الذاتي والذي هو فصلها وجنسها ليس هو الوجود فافتراض عدم وجودها لا يساوق انتفاء مقوّمها الذاتي ، ولهذا تكون الماهيّة متعقّلة ومدركة رغم عدم ثبوت الوجود لها.

وأمّا النسبة فليست كذلك لأنّ مقوّمها الذاتي لا ينحفظ إلاّ في اطار شخص الوجود لطرفيها ، ولهذا لا نسبة مع عدم ثبوت الوجود لشخص طرفيها ، فما لم يكن ثمّة وجود شخصي للطير والشجرة في الذهن فإنّ ذلك معناه عدم وجود نسبة رابطة بين

٥٥٠

هذين الطرفين. وبهذا يتّضح معنى انّ النسبة ليس لها تقرّر ماهوي بقطع النظر عن وجود طرفيها.

التنبيه الرابع : انّ المفاهيم الاسميّة تارة تلاحظ باعتبارها موجودة في الذهن وهذا هو لحاظها بالحمل الشائع ، وحينئذ يكون المفهوم الاسمي مفهوما جزئيّا وتكون نسبته الى ما يسانخه في الخارج نسبة المماثل لمماثله ، وأمّا إذا لوحظت المفاهيم الاسميّة بقطع النظر عن وجودها في الذهن ، بمعنى انّ الملحوظ في الذهن هو صورة المفهوم بالحمل الأولي فإنّه يكون مفهوما كليّا وتكون نسبته الى منطبقه في الخارج نسبة الكلّي الى مصاديقه.

وأمّا النسبة فإنّها لا تكون كذلك في اللحاظين ، أمّا اللحاظ الأوّل وهو ملاحظتها باعتبارها موجودة في الذهن فإنّها وان كانت جزئيّة كما هو واقعها دائما إلاّ انّ نسبتها الى النسبة الخارجيّة هي نسبة المباين لمباينه ، وذلك لأنّ النسبة الموجودة في الذهن متقوّمة بشخص الوجود الثابت لطرفيها الذهنيين ، وأمّا النسبة الخارجيّة فهي متقوّمة بشخص الوجود لطرفيها الخارجيين.

وأمّا اللحاظ الثاني وهو ملاحظة النسبة بقطع النظر عن وجودها في الذهن فإنّها حينئذ لا يكون لها تقرّر ماهوي لما ذكرناه من انّ تقرّرها متقوّم بشخص الوجود لطرفيها ، وقد افترضنا قطع النظر عنه ، وحينئذ لا معنى للبحث عن انطباقها على ما في الخارج وانّه من انطباق الكلّى على مصاديقه ، إذ انّ الكلّي لا بدّ وأن يكون له تقرّر ماهوي بقطع النظر عن وجوده في حين انّ تقرّر النسبة غير معقول بقطع النظر عن وجود طرفيها.

وأمّا ما نلاحظه بالوجدان من حكاية النسبة الذهنيّة عن النسبة الخارجيّة فهو بسبب طرفيها ، إذ المفترض انّهما من المفاهيم الاسميّة التي يمكن ملاحظتها باللحاظ التصوري ، فيصلحان حينئذ للحكاية عمّا في الخارج ، فتكون حكاية

٥٥١

النسبة الذهنيّة عن النسبة الخارجيّة انّما هو بتبع حكاية الطرفين الذهنيين عن الطرفين الخارجيين.

وبالتأمّل في هذه التنبيهات الأربعة يتّضح المراد من معنى النسبة.

* * *

٥٨٣ ـ النسبة التحليليّة

وهي نظريّة السيّد الصدر رحمه‌الله في المعاني الحرفيّة ، وحاصل المراد من النسبة التحليليّة يتّضح بهذا البيان :

انّه قد ذكرنا في بحث النسبة انّه عند ملاحظة وجودين خارجيين بينهما نحو ارتباط فإنّه ينخلق في الذهن وجودات ثلاثة ، الأوّل والثالث يكونان من سنخ الوجودات المحموليّة والثاني من سنخ الوجود الرابط ، وفي المثال الذي ذكرناه يكون المنخلق في الذهن هو صورة الطير وصورة الشجرة والربط الواقع بين الصورتين والمعبّر عنها بواقع النسبة.

وهنا نقول : انّ الربط بين الوجودين الاستقلاليين بواقع النسبة يستحيل أن يكون صالحا للحكاية عن النسبة الخارجيّة الواقعة بين الطير والشجرة ، إذ انّ ذلك لا يخلو عن أحد معنيين :

الأوّل : أن يكون الرابط بين الوجودين الذهنيين انّما هو مفهوم النسبة ، وهذا ما قلنا باستحالته في بحث « النسبة » ، وذلك لأنّ مفهوم النسبة ليس نسبة بالحمل الشائع ، إذ انّه مفهوم اسمي ، ومن هنا لا يمكن ايجاد الربط بواسطته.

الثاني : أن يكون الرابط بين الوجودين الذهنيين هو واقع النسبة ، ففي مثالنا يكون الرابط بين الطير والشجرة الذهنيين هو واقع النسبة الاستعلائيّة ، فيكون هناك نسبة استعلائيّة واقعيّة ذهنيّة مسانخة للنسبة الاستعلائيّة الخارجيّة وهو مستحيل ، إذ انّ النسبة الاستعلائيّة الخارجيّة انّما هي من شئون الجسم فلا تصلح للربط بين الصور الذهنيّة باعتبارها أعراض وكيفيّات نفسانيّة ، فلم يبق سوى افتراض أن يكون

٥٥٢

الرابط بين الوجودين الذهنيين هو نسبة واقعيّة اخرى مناسبة لكون المرتبط بها وجودات ذهنيّة ، وعندئذ يستحيل أن تصلح للحكاية عن النسبة الخارجيّة لعدم التسانخ بين النسبتين.

وبهذا خرج السيّد الصدر رحمه‌الله بهذه النتيجة وهي انّه لا يوجد في الذهن سوى وجود ذهني واحد ، بمعنى انّ ما يحضر في الذهن عند ملاحظة الوجودين الخارجيين المرتبطين هو وجود واحد يتمّ تحليله في الذهن الى وجودين ذهنيين استقلاليين ووجود رابط ، وهذا الوجود الرابط المعبّر عنه بالنسبة هو المعنى الحرفي وهو جزء المركّب التحليلي الذهني ، فما يفيده الحرف هو النسبة التحليليّة الذهنيّة والتي هي جزء واقعي للوجود الوحداني الذهني المنتزع عن ملاحظة الوجودين الخارجيين المرتبطين ، ويمكن تنظير هذا الوجود الوحداني بماهيّة الإنسان فإنّها وجود وحداني يمكن تحليله الى أجزائه من جنس وفصل.

والمتحصّل : انّ ما يحضر في الذهن عند ملاحظة الطير والشجرة هو وجود واحد ، وهذا الوجود يتمّ تحليله في الذهن الى وجودين ونسبة فتكون النسبة جزء تحليلي للمركّب الذهني وهي التي وضع الحرف بإزائها.

ثمّ انّ السيّد الصدر احتمل انّ هذا المعنى هو ما أراده السيّد الخوئي رحمه‌الله من دعواه في انّ الحروف موضوعة للتحصيص وقد أوضحنا ذلك في « الجمل الناقصة ».

* * *

٥٨٤ ـ النسخ

المراد من النسخ في اللغة هو الإزالة ، فعند ما يقال نسخت الشمس الظلّ فإنّ ذلك معناه إزالتها للظلّ ومحوها ايّاه بعد ثبوته.

وأمّا معناه في الاصطلاح فهو رفع ما ثبت في الشريعة بانتهاء أمده ووقته ، من غير فرق بين أن يكون الثابت المرتفع بالنسخ من سنخ الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة.

٥٥٣

وحتى يتبلور المراد من النسخ نقول : انّ للحكم المجعول في الشريعة مرتبتان :

المرتبة الاولى : ويعبّر عنها بمرتبة الجعل والتشريع ، وهي عبارة عن جعل الحكم على موضوعه المقدّر الوجود على نهج القضايا الحقيقيّة ، ومعنى ذلك افتراض الموضوع ثمّ جعل الحكم عليه ، وهذا يقتضي عدم اناطة ثبوت الحكم لموضوعه بوجود الموضوع خارجا كما أوضحنا ذلك في محلّه.

فحينما يقال : « انّ السارق تقطع يده » و « انّ المستطيع يجب عليه الحجّ » لا يلزم من ذلك وجود السارق والمستطيع خارجا بل انّ معنى ذلك هو انّه لو اتّفق تحقّق وجود السارق خارجا فإنّ الحكم الثابت عليه شرعا هو ان تقطع يده وهكذا الكلام في القضيّة الثانية.

المرتبة الثانية : ويعبّر عنها بمرتبة المجعول والفعليّة ، وهي منوطة بتحقّق الموضوع خارجا ، بمعنى انّه لو اتّفق تحقّق الموضوع خارجا فإنّ الحكم الثابت في مرتبة الجعل يكون فعليا في هذه المرحلة ، فلو اتّفق وجود المستطيع فإنّ وجوب الحجّ يكون فعليا في حقّه ، ومن هنا يكون تحقّق الموضوع خارجا بمثابة العلّة لتحقّق الفعليّة للحكم.

وباتّضاح هذه المقدّمة يتّضح انّ النسخ لا يكون من قبيل انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ، بمعنى انّ انتفاء وجوب الحجّ لعدم وجود المستطيع خارجا لا يكون من النسخ كما انّ ارتفاع وجوب أداء الصلاة بانتهاء وقتها لا يكون من النسخ ، وذلك لأنّ فعليّة الحكم من أوّل الأمر كانت منوطة بتحقّق الموضوع خارجا.

وبهذا يتقرّر انّ النسخ انّما هو بمعنى رفع الحكم في مرتبة الجعل والتشريع حتى مع افتراض تحقّق الموضوع خارجا كما لو رفع المولى جلّ وعلا وجوب الحجّ عن العباد حتى لو اتّفق وجود المستطيع.

ثمّ انّ الظاهر عدم الخلاف بين

٥٥٤

المسلمين في امكان النسخ بل وقوعه في الشريعة المقدّسة ، والمقصود من الإمكان هنا هو الإمكان الوقوعي ، بمعنى انّه لا يلزم من فرض وجود النسخ في الشريعة محذور عقلي ، فما ذهب إليه اليهود والنصارى من استحالة وقوع النسخ في الشريعة غير تامّ كما سيتّضح ان شاء الله تعالى.

ولا يبعد انّ دعوى الاستحالة منهم نشأت عن حرصهم على التحفّظ على دينهم وانّه لم يطرأ عليه النسخ ، وإلاّ فلا معنى للقول باستحالته بعد ان اتّضح ما هو المراد منه وانّه عبارة عن ارتفاع الحكم بانتهاء أمده ، إذ انّ الأحكام كما هو واضح تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها ، وحينئذ يكون الحكم محدودا بحدود الملاك الكامن في متعلّقه ، ومتى ما انتفى ذلك الملاك فإنّه لا مبرّر لبقاء الحكم ، غايته انّ المولى جلّ وعلا قد يصرّح بالحدّ الذي ينتهي معه أمد الحكم وقد لا يصرّح بذلك لمصلحة قد لا تكون مدركة عندنا.

فالنسخ ليس بمعنى توهّم وجود مصلحة في متعلّق الحكم ثمّ انكشاف عدمها وعليه يتصدى لرفع الحكم فيكون ذلك مستوجبا لنسبة الجهل اليه تعالى ، كما انّه ليس بمعنى رفع الحكم اعتباطا وجزافا رغم اشتماله على الملاك الموجب لبقاء الحكم فيكون ذلك مستوجبا لنفي الحكمة عن الحكيم جلّ وعلا.

ولمزيد من التوضيح نقول : انّ الأحكام لما كانت تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها فإنّ من الممكن جدا أن يكون لزمن معيّن دخل في ثبوت المصلحة أو المفسدة وانّ انقضاءه يكون مقتضيا لانتفاء المصلحة أو المفسدة عن ذلك المتعلّق وإلاّ فما معنى أن يكون يوم السبت هو اليوم الذي يحرم فيه الصيد على اليهود وما معنى أن يكون يوم الأحد هو اليوم الذي تجب فيه الصلاة على النصارى ، وما معنى أن يكون التيه المفروض على بني اسرائيل أربعين سنة كلّ ذلك يعبّر عن انّه قد يكون

٥٥٥

الزمان دخيلا في ثبوت الحكم لموضوعه وانّ انقضاءه يؤدّي الى انتفاء الملاك عن الموضوع فينتفي عندئذ الحكم لانتفاء المبرّر من جعله.

نعم قد يصرّح المولى جلّ وعلا بمدخليّة الزمان في ثبوت الحكم لموضوعه وقد لا يصرّح ، وتصريحه وعدم تصريحه تابع لأغراضه المناسبة لحكمته المطلقة جلّ وعلا ، فأيّ محذور في أن يجعل المولى حكما على موضوع وكان قاصدا من أوّل الأمر تحديده بحدّ زمني ينتفي عنده الحكم عن موضوعه إلاّ انّه لم يصرّح بذلك لغاية اقتضتها حكمته البالغة.

ومن هنا كان النسخ تخصيص أزماني للحكم بقرينة منفصلة ، فيكون أشبه بالتخصيص الأفرادي والأحوالي بقرينة منفصلة ، غايته انّ المخصّص في النسخ هو العموم الأزماني والمخصّص في الفرض الثاني هو العموم الأفرادي والأحوالي.

* * *

٥٨٥ ـ نسخ الوجوب

والبحث في المقام عن انّه إذا نسخ الوجوب فهل يبقى متعلّقه على الجواز بالدليل المنسوخ أو الدليل الناسخ أو لا؟ أي هل يمكن استفادة الجواز لمتعلّق الوجوب المنسوخ من دليل المنسوخ أو من دليل الناسخ أو لا يمكن استظهار ذلك منهما ، وإذا لم يكن ذلك ممكنا فهل يمكن استفادة الجواز بواسطة الاستصحاب؟

المشهور بينهم عدم إمكان اثبات الجواز لا بدليل المنسوخ ولا بدليل الناسخ ، فلو كان شيء واجبا ثمّ طرأ عليه النسخ فإنّه لا يمكن الاستدلال على بقاء الجواز لا بواسطة دليل الوجوب المنسوخ ولا بواسطة ما دلّ على نسخ الوجوب.

وحتى يتّضح المطلب نذكر أحد التقريبات التي يمكن أن يتوهّم معها بقاء الجواز عند طرو النسخ على الوجوب ، وهو انّ الوجوب عبارة عن جواز الفعل والمنع عن تركه أو هو

٥٥٦

عبارة عن الأمر بالفعل مع المنع عن تركه ، والنسخ عند ما يطرأ على الوجوب يرفع حيثيّة المنع عن الترك فيبقى جواز الفعل أو الأمر به على حاله ، فيكون دليل الوجوب المنسوخ صالحا للدلالة على الجواز بمعنى الإباحة أو الجواز بمعنى الاستحباب.

وقد اجيب عن هذا التقريب بعدم تماميّة أصل المبنى وانّ الوجوب هو المركّب من جواز الفعل والمنع عن الترك ، وذلك لأنّ الوجوب معنى بسيط فلا يفترض فيه إلاّ حالتان إمّا الوجود أو العدم ، فمع افتراض نسخه يكون معدوما.

وأمّا دعوى استفادة الجواز من الاستصحاب فتقريبه انّ الجواز قبل أن يطرأ النسخ محرز لمتعلّق الوجوب ثمّ بعد طروء النسخ على الوجوب وقع الشك في ارتفاع الجواز فنستصحب بقاءه.

وقد أورد السيّد الخوئي رحمه‌الله على هذا التقريب بأنّه من استصحاب الكلّي من القسم الثالث والذي هو ساقط عن الحجيّة ، وذلك لأنّ الجواز المتيقّن سابقا انّما هو الجواز الواقع في ضمن الوجوب وقد ارتفع يقينا بارتفاع الوجوب والجواز المشكوك انّما هو فرد آخر منه ، فما هو معلوم يقينا قد ارتفع يقينا وما هو مشكوك لم يكن لنا علم بحدوثه فلا تكون أركان الاستصحاب في مورده تامّة.

* * *

٥٨٦ ـ نفي الحكم بلسان الموضوع

المراد من هذا التعبير هو انّ النفي قد يدخل على موضوع ويكون الغرض منه نفي الطبيعة عن أن تكون واقعة في ضمن فرد ، وهذا ما يكون موجبا للدلالة على انتفاء الحكم ـ الثابت للطبيعة في مرحلة سابقة ـ عن الطبيعة الواقعة في ضمن هذا الفرد.

وبتعبير آخر : انّه قد يثبت حكم لطبيعة بنحو مطلق ، وهذا ما يقتضي انحلال الحكم الى أحكام بعدد أفراد تلك الطبيعة ثمّ يرد دليل آخر ينفي موضوعيّة فرد لتلك الطبيعة ، أي ينفي

٥٥٧

وقوع الطبيعة في اطار ذلك الفرد ويكون الغرض من نفي وقوع الطبيعة في ضمن ذلك الفرد هو نفي الحكم الثابت للطبيعة عن أن يكون مشمولا لذلك الفرد والذي هو من أفرادها حقيقة ، وهذا هو معنى نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، أي انّ المتكلّم توسّل في نفي الحكم عن أحد أفراد الطبيعة بواسطة نفي نفس الفرد عن الطبيعة.

وهذا ما يستبطن توفّر حيثيّتين في هذا الأسلوب :

الاولى : انّ هناك حكم ثابت في مرحلة سابقة موضوعه هو الطبيعة الشاملة للفرد المنفي.

الثانية : أن يكون الفرد المنفي وقوع الطبيعة في ضمنه فردا حقيقيّا للطبيعة بحيث لو لم يرد الدليل الثاني النافي لفرديّة هذا الفرد للطبيعة لكان الدليل الأوّل مقتضيا لشمول الحكم الثابت للطبيعة لذلك الفرد.

ويمكن التمثيل لذلك بقوله عليه‌السلام : « لا ربا بين الوالد وولده » ، فإنّ المنفي في هذه الرواية هو طبيعة الربا بمعنى نفيها عن أن تكون واقعة في ضمن الحصّة المذكورة ، والغرض من هذا النفي هو نفي الحكم الثابت للطبيعة عن هذه الحصّة.

فالمنفي في الرواية واقعا هو الحكم ولكن بواسطة نفي موضوعيّة هذه الحصّة عن الطبيعة ، والنفي في مثل هذه الصياغة لا يكون إلاّ بنحو التنزيل والتعبّد ، بمعنى انّ الشارع يعتبر عدم صدق الطبيعة ـ ذات الحكم الثابت سابقا ـ على الحصّة المنفيّة ، ومن هنا قالوا بقرينيّة هذه الصياغة على الحكومة حيث ذكرنا في بحث الحكومة انّها بمعنى النظر في الدليل المحكوم لغرض شرحه وتفسيره ، وانّ قرينة النظر هو أن لا يكون للدليل الحاكم معنى مبرّر لو لم يكن ناظرا لدليل آخر لغرض شرحه وتفسيره أو قل لغرض التصرّف في سعته وضيقه ، وهذه الضابطة منطبقة على محلّ الكلام ، إذ لا معنى لنفي الطبيعة في ضمن فرد لو لم يكن للطبيعة حكم

٥٥٨

ثابت بدليل آخر يكون هذا النفي مضيقا لدائرة موضوعه.

* * *

٥٨٧ ـ النكرة

والمقصود منها اسم الجنس الذي لا يكون معرفا بالألف واللام ولا مضافا الى ما هو معرّف ، وذلك مثل « رجل » « انسان » « أسد » ، وهي على قسمين :

القسم الأوّل : أن تكون النكرة منوّنة بتنوين التنكير.

القسم الثاني : أن تكون منوّنة بتنوين التمكين.

أمّا القسم الأوّل : وهو النكرة المنوّنة بتنوين التنكير فقد ذكر صاحب الكفاية رحمه‌الله انّ المعروف على الألسنة انّها موضوعة للدلالة على الفرد المردّد في الخارج.

وقد أورد على ذلك بأنّه لا واقع للفرد المردّد ، وذلك لأنّ افتراض الوجود للفرد يساوق افتراض تعيّنه وتشخّصه لأنّ الشيء ما لم يتشخّص لا يوجد ، ومن هنا يكون الظاهر من قولهم انّ النكرة موضوعة للدلالة على الفرد المردّد هو انّ النكرة موضوعة بإزاء الطبيعة بقيد الوحدة والتي تقبل الصدق على كلّ فرد من أفراد الطبيعة فلا خصوصيّة لفرد على فرد من جهة صدق الطبيعة عليه.

ثمّ انّ صاحب الكفاية رحمه‌الله ادعى انّ للنكرة استعمالين :

الأوّل : انّها تستعمل في المعيّن عند المتكلّم وان كان التعيّن مجهولا عند المخاطب ومثّل لذلك بقوله تعالى : ( وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ) (١) ، فإنّ « رجل » استعمل في الآية الشريفة فيما هو متعيّن ومعلوم لدى المتكلّم إلاّ انّه مجهول لدى المخاطب ، ولذلك لا تكون النكرة مستعملة في الطبيعة كما هو شأن اسم الجنس.

الثاني : انّها تستعمل في الطبيعة بقيد الوحدة ، وبهذا تختلف عن النكرة غير المنوّنة بتنوين التنكير ، إذ انّ قيد الوحدة غير مأخوذ في النكرة غير

٥٥٩

المنوّنة بتنوين التنكير بل هي موضوعة للطبيعة بما هي هي.

وبتعبير آخر : انّ النكرة المنوّنة بتنوين التنكير موضوعة للطبيعة المقيّدة بالوحدة ، فيكون مفادها الواحد من الطبيعة الملغاة عنه الخصوصيّة الفرديّة ، ولهذا يمكن تطبيقه على أيّ فرد من أفراد الطبيعة.

ومثاله : « أكرم رجلا » ، فإنّ المطلوب هو إكرام رجل واحد من أفراد طبيعة الرجل ، فيكون تنوين التنكير معبّرا عن معنى زائد على المعنى المفاد بالنكرة لو لم تكن منوّنة بتنوين التنكير.

إلاّ انّ جمعا من الأعلام أوردوا على صاحب الكفاية رحمه‌الله بأنّ النكرة المنوّنة بتنوين التنكير موضوعة للطبيعة دون قيد الوحدة كما هو الحال في النكرة غير المنوّنة بتنوين التنكير أو غير المنوّنة أصلا ، غايته انّ استفادة الوحدة في حالات تنوين النكرة بتنوين التنكير يكون مستفادا من دال آخر هو تنوين التنكير فيكون استفادة الطبيعة بقيد الوحدة منها انّما هو من باب تعدد الدال والمدلول ، فالدال على الطبيعة هو النكرة ، والدال على قيد الوحدة هو تنوين التنكير ، فليس للنكرة وضعان وضع بإزاء النكرة المنوّنة بتنوين التنكير ووضع بإزاء النكرة.

القسم الثاني : وهو النكرة المنوّنة بتنوين التمكين ، والمقصود من تنوين التمكين هو ما يعرض الأسماء المعربة لغرض تشخيصها عن الأسماء المبنيّة ، وليس لهذا النوع من التنوين أيّ معنى يمكن أن يضاف الى المعنى الموضوع له اسم الجنس « النكرة ».

ويمكن التمثيل له بقوله عليه‌السلام : « من تزوّج امرأة لما لها وكله الله إليه » ، فإنّ التنوين العارض لاسم الجنس « امرأة » هو من تنوين التمكين بدليل انّ العرف لا يفهم من اسم الجنس الواقع في هذه الجملة إلاّ معنى الطبيعة ، وهذا يعني انّ التنوين لم يضف معنى زائدا ، ولو كان هذا التنوين هو تنوين التنكير لكان مفيدا بالإضافة الى معنى

٥٦٠