المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

الدليل الظنّي المحرز على المدلول الالتزامي بمستوى كاشفيّته عن المدلول المطابقي ، فلا مبرّر للتفريق بينهما من حيث الحجّيّة ، إذ أنّ الحجّيّة ثابتة لكلّ ما كشف عنه الدليل.

ويمكن صياغة الدليل بشكل آخر ، بأن يقال : إنّنا فرغنا في بحث سابق عن أنّ السبب الوحيد في جعل الحجّيّة للأمارة هو أنّ الأمارة كاشفة عن مفادها وليس للمولى أي ملاحظة لنوع الحكم الذي تكشف عنه الأمارة بل أنّ نظره مقتصر ـ في مقام جعل الحجّيّة للأمارة ـ على ما للأمارة من كاشفيّة عن الواقع.

ومن هنا يمكن أن نستظهر أنّ المولى حينما جعل الحجّيّة للأمارة جعلها لكلّ ما تكشف عنه الأمارة فلمّا كانت تكشف عن المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي معا فهذا يعني أنّ المولى قد جعل الحجّيّة لكلا المدلولين إذ أنّ كلاّ منهما قد كشفت عنه الأمارة ، وبهذا يتّضح منشأ ذهاب المشهور إلى حجّيّة المدلولات الالتزاميّة لمطلق الأمارات.

المورد الرابع : ما إذا كان الدليل من قبيل الأدلة العمليّة المقرّرة لوظيفة المكلّف في ظرف الجهل بالحكم الواقعي. وهنا ذهب المشهور إلى عدم حجّيّة مدلولاتها الالتزامية ، فلذلك اشتهر عنهم « إنّ مثبتات الأصول ليست بحجّة » ويمكن أن نمثّل لذلك بقاعدة الفراغ المثبتة لصحّة العبادة في ظرف الشكّ في الصحّة إذا كان الشكّ قد وقع بعد الفراغ عن العبادة ، فإنّ هذه القاعدة لا تقتضي أكثر من الحكم بصحّة الصلاة مثلا المفروغ عنها ، إذ أنّ هذا هو مدلولها المطابقي ، ولقاعدة الفراغ في بعض الموارد مدلول التزامي ، فلو فرغ المكلّف من الصلاة ثمّ شكّ في صحتها من جهة أنّه هل كان متطهّرا عند ما دخل في الصلاة أم لا؟ فإنّ مقتضى قاعدة الفراغ هو الحكم بصحّة هذه الصلاة ، وهذا هو مدلول القاعدة المطابقي ، وللحكم بصحّة الصلاة مدلول التزامي وهو أنّه كان على طهارة حين دخل الصلاة إلاّ أنّ هذا المدلول الالتزامي غير حجّة ،

٤٤١

فلو أراد الدخول في صلاة أخرى فإنّه ملزم بالإتيان بوضوء جديد لها ولا تكون قاعدة الفراغ التي أجراها لغرض تصحيح الصلاة صالحة لإثبات طهارته الحدثيّة.

ويمكن الاستدلال على ذلك بأنّ المجعول في الأصول العمليّة هو الجري العملي على طبق الأصل إذ أنّ الملحوظ حين جعل الحجّيّة للأصل هو نوع الحكم المشكوك وأهميته بنظر المولى دون أن يكون للمولى ملاحظة لكاشفيّة الأصل حتّى لمدلوله المطابقي فضلا عن الالتزامي ، إذ أنّ الأصل لا يكشف عن أنّ مؤدّاه هو الواقع ، وقد تكون للمولى ـ كما في موارد الأصول المحرزة ـ ملاحظة لكاشفيّة الأصل عن الواقع إلاّ أنّ الكاشفيّة ليست هي الملاك التامّ في جعل الحجّيّة للأصل بل إنّ الملاك هو الكاشفيّة مع ملاحظة نوع الحكم المشكوك وأهميّته بنظر المولى.

وبهذا البيان يتّضح ما هو المنشأ لمبنى المشهور في عدم حجّيّة المدلولات الالتزامية للأصول ، إذ أنّه لمّا كانت الحجّيّة مجعولة على الأصل العملي بوصف كونه وظيفة مقرّرة في ظرف الشكّ واهتمام المولى بهذه الوظيفة وأهميتها على سائر الوظائف دون أن يكون المنشأ لجعل هذه الوظيفة هو كاشفيّة الوظيفة العمليّة عن الواقع ، فإنّه لا يمكن في مثل هذه الحالة تعدية الحجّيّة الثابتة للوظيفة العمليّة لمدلولاتها الالتزامية إذ أنّه من أين لنا العلم أنّ الشارع جعل الحجّيّة للمدلول الالتزامي بالإضافة إلى المدلول المطابقي ، وهل هذا إلاّ « من حلب الدم » والتخرّص على المولى جلّ وعلا بغير علم ، نعم لو كان دليل جعل الحجّيّة صادقا عرفا على كلا المدلولين لكان ذلك مسوّغا للتمسّك بالمدلول الالتزامي كما هو الحال في بعض المدلولات الالتزاميّة للاستصحاب والبحث في محلّه.

وبهذا البيان اتّضح عدم حجية المدلولات الالتزاميّة للأصول العمليّة.

٤٤٢

والمتحصّل من كلّ ما ذكرناه في الموارد الأربعة أنّ الموردين الأوّل والثاني تكون فيهما المدلولات الالتزاميّة حجّة ، وفي المورد الثالث وقع الخلاف وذهب المشهور إلى الحجّيّة ، وأمّا المورد الرابع فلا إشكال في عدم الحجّيّة.

* * *

٥١٣ ـ ليس التامّة والناقصة

المقصود من ليس التامّة هي التي تنفي الوجود عن الشيء ، وذلك في مقابل مفاد كان التامّة والتي يكون مفادها ثبوت الوجود لشيء ، ويعبّر عن مفاد ليس التامّة بالعدم المحمولي ، كما يعبّر عن مفاد كان التامّة بالوجود المحمولي.

فحينما يقال : « ليس زيد » فهذا معناه نفي الوجود عنه وهو العدم المحمولي ، كما انّه حينما يقال « كان زيد » فإنّ معناه « وجد زيد » ، وهو المعبّر عنه بالوجود المحمولي.

وأمّا المقصود من ليس الناقصة فهي التي تستعمل لنفي الصفات عن الشيء ، وذلك في مقابل كان الناقصة وهي التي تثبت صفة لشيء بعد الفراغ عن أصل وجوده ، ويعبّر عن مفاد ليس الناقصة بالعدم النعتي ، لأنّ الذي ينفى بها هو الوجود النعتي عن الشيء ، كما يعبّر عن كان الناقصة بالوجود النعتي ، فحينما يقال ليس زيد قائما فإنّ المنفي عن زيد هو القيام ، كما انّه حينما يقال « كان زيد قائما » يكون المثبت لزيد هو القيام والذي هو وجود نعتي لزيد.

ولا ريب انّ ثبوت الوجود النعتي لزيد منوط بأصل الوجود لزيد ، وهذا هو معنى انّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له. انّما الكلام عن انّ نفي شيء بمفاد ليس الناقصة هل هو فرع ثبوت المنفي عنه ، فلا يمكن نعت زيد بعدم القيام إلاّ حينما يكون زيد موجودا أو انّ نفي شيء عن شيء غير منوط بوجود المنفي عنه ، فيمكن نفي القيام عن زيد رغم عدم وجوده ، وتحقيق هذه المسألة في بحث العدم

٤٤٣

الأزلي وقد أوضحناها في بحث « استصحاب مجهولي التاريخ ».

* * *

٥١٤ ـ اللوازم الذاتيّة

اللازم الذاتي هو المحمول الخارج عن الذات اللازم لها ، ومنشأ التعبير عن هذا اللازم بالذاتي هو انّ اللزوم بين اللازم وملزومه ينشأ عن مقام الذات للملزوم ، فالزوجيّة والتي هي لازم ذاتي للأربعة وان كانت خارجة عن ذات الأربعة إلاّ انّ لزومها للأربعة نشأ عن مقام الذات للأربعة ، بمعنى انّه لم يتوسّط شىء خارج عن ذات الأربعة لغرض صيرورة الزوجيّة لازما للأربعة ، فثبوت الزوجيّة للأربعة ضروري ، ولهذا قالوا انّ الذاتي لا يعلّل ، بمعنى انّه ليس ثمّة علة أوجبت ثبوت اللازم الذاتي لملزومه بل انّ العلّة المفيضة للملزوم هي عينها العلّة المفيضة للازم. ولمزيد من التوضيح راجع عنوان « الذاتي لا يعلّل » « وذاتي باب البرهان » و « العرض الذاتي ».

٤٤٤

هوامش حرف اللاّم

(١) سورة البقرة : ١٩٧.

(٢) سورة البقرة : ١٩٧.

(٣) الوسائل : باب ٧ من أبواب الربا الديث ١ و ٣.

(٤) الوسائل : باب ٥ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٤ و ١١.

(٥) الوسائل : باب ٤٩ من أبواب آداب التجارة الحديث ٤.

(٦) لم نجد هذا اللسان في كتب الأخبار ، نعم الموجود هو « ليس في دين الله قياس ».

(٧) سورة الحج : ٧٨.

٤٤٥
٤٤٦

حرف الميم

٤٤٧

عناوين حرف الميم

٥١٥ ـ المانع الشرعي

٥٣٣ ـ المخالفة القطعيّة والاحتماليّة

٥١٦ ـ الماهية المجرّدة

٥٣٤ ـ المخصّص والمقيّد

٥١٧ ـ الماهية المخلوطة

٥٣٥ ـ المسألة الاصوليّة

٥١٨ ـ الماهيّة المطلقة والمرسلة

٥٣٦ ـ مسألة مقدّمة الواجب

٥١٩ ـ الماهيّة المهملة

٥٣٧ ـ المستقلات العقليّة

٥٢٠ ـ المبادئ الأحكاميّة

٥٣٨ ـ مسقطات التكليف

٥٢١ ـ المبادئ التصديقيّة

٥٣٩ ـ المشتقّ

٥٢٢ ـ المبادئ التصوريّة

٥٤٠ ـ المصالح المرسلة

٥٢٣ ـ مبادئ الحكم

٥٤١ ـ المعاني الحرفيّة والمعاني الاسميّة

٥٢٤ ـ متعلّق الحكم

٥٤٢ ـ المعقولات الأوليّة

٥٢٥ ـ مثبتات الأمارة والأصل

٥٤٣ ـ المعقولات الثانية

٥٢٦ ـ المجاز

٥٤٤ ـ المفاهيم الأدويّة

٥٢٧ ـ المجاز العقلي

٥٤٥ ـ المفاهيم الإفراديّة

٥٢٨ ـ المجمل والمبين

٥٤٦ ـ المفهوم

٥٢٩ ـ المحصّلات الشرعيّة

٥٤٧ ـ مفهوم الاستثناء

٥٣٠ ـ المحصّلات العقليّة والعاديّة

٥٤٨ ـ مفهوم الحصر

٥٣١ ـ المحمولات الأوّليّة والثانويّة

٥٤٩ ـ مفهوم الشرط

٥٣٢ ـ المحمول بالضميمة

٥٥٠ ـ مفهوم العدد

٤٤٨

٥٥١ ـ مفهوم الغاية

٥٧٣ ـ مناسبات الحكم والموضوع

٥٥٢ ـ مفهوم اللقب

٥٧٤ ـ المنطوق

٥٥٣ ـ مفهوم المخالفة

٥٧٥ ـ الموافقة الاحتماليّة

٥٥٤ ـ مفهوم الموافقة

٥٧٦ ـ الموافقة الالتزاميّة

٥٥٥ ـ مفهوم الوصف

٥٧٧ ـ الموافقة القطعيّة

٥٥٦ ـ قاعدة المقتضي والمانع

٥٧٨ ـ موضوع الحكم

٥٥٧ ـ مقدمات الحكمة

٥٧٩ ـ الموضوعات المركّبة

٥٥٨ ـ المقدّمة التوليديّة

٥٨٠ ـ الموضوعات المستنبطة

٥٥٩ ـ مقدّمة الحرام

٥٦٠ ـ المقدّمة الخارجيّة

٥٦١ ـ المقدّمة الداخليّة

٥٦٢ ـ مقدّمة الصحّة

٥٦٣ ـ المقدّمة العقليّة والشرعيّة والعاديّة

٥٦٤ ـ المقدّمة العلميّة

٥٦٥ ـ مقدّمة المستحبّ والمكروه

٥٦٦ ـ المقدّمة المفوتة

٥٦٧ ـ المقدّمة الموصلة

٥٦٨ ـ المقدّمة الوجوبيّة

٥٦٩ ـ المقدّمة الوجوديّة

٥٧٠ ـ الملاك الاقتضائي

٥٧١ ـ الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع

٥٧٢ ـ ملاك الحمل

٤٤٩
٤٥٠

حرف الميم

٥١٥ ـ المانع الشرعي

عند ما تكون المانعيّة مستفادة بواسطة الدليل الشرعي فإنّ ذلك يكون مصحّحا لإضافة المنع إلى الشرع.

ثمّ إنّ الشيء قد يكون عدمه قيدا للحكم وقد يكون عدمه قيدا لمتعلّق الحكم.

ومثال الأوّل الحيض بالنسبة لوجوب الصلاة فإنّ عدمه أخذ قيدا لوجوب الصلاة ، من هنا يكون الحيض مانعا عن وجوب الصلاة ، فالمكلّف لا يكون مخاطبا بالصلاة عند ما يكون مبتليا بحدث الحيض. وبذلك يتّضح المراد من المانع الشرعي حينما يكون متعلّقا بالوجوب مثلا وأنّه عبارة عن الشيء الذي أخذ عدمه قيدا في الوجوب.

ومثال الثاني لبس الحرير بالنسبة للصلاة ـ والتي هي متعلّق الوجوب ـ فإنّ عدمه أخذ قيدا في صحّة الصلاة ، ولذلك يكون لبس الحرير أثناء الصلاة مانعا من صحّتها.

وهذا ما يقتضي أن يكون المانع الشرعي عبارة عن الشيء الذي أخذ عدمه قيدا في صحّة متعلّق الحكم فيكون المتعلّق فاقدا للصحّة عند ما يكون واجدا للمانع الشرعي.

* * *

٥١٦ ـ الماهية المجرّدة

وهي الماهية بشرط لا ويعبّر عنها بالكلّي العقلي ، وقد أوضحنا المراد

٤٥١

منها تحت عنوان « الكلي العقلي » وكذلك تحت عنوان « اعتبارات الماهية » في القسم الثاني.

* * *

٥١٧ ـ الماهية المخلوطة

وهي الماهية بشرط شيء ، وقد أوضحنا المراد منها في القسم الثالث من « اعتبارات الماهية » وقلنا انّها تنقسم الى قسمين : الماهية الملحوظة معها قيد وجودي ، والماهية الملحوظ معها قيد عدمي ، وكلاهما يعبّر عنه بالماهيّة بشرط شيء إلاّ انّ الاصوليين قد يطلقون على القسم الثاني من الماهية المخلوطة عنوان الماهية بشرط لا.

* * *

٥١٨ ـ الماهيّة المطلقة والمرسلة

وهي الماهيّة اللابشرط القسمي ، وقد ذكرنا لها معنيين تحت عنوان « اللابشرط القسمي ».

* * *

٥١٩ ـ الماهيّة المهملة

قد أوضحنا المراد منها تحت عنوان « اعتبارات الماهيّة » ، وهي الكلّي الطبيعي بنظر السيّد الخوئي رحمه‌الله كما ذكرنا ذلك تحت عنوانه.

* * *

٥٢٠ ـ المبادئ الأحكاميّة

لم نجد في كتب المنطق في حدود اطلاعنا ذكرا للمبادئ الأحكاميّة والتي يفترض أن تكون من أجزاء العلوم مثل المبادئ التصوّريّة والتصديقيّة.

إلاّ انّه ذكر البعض أو احتمل انّ مثل مقدّمة الواجب من المبادئ الأحكاميّة لعلم الاصول ، وقد انكر السيّد الخوئي رحمه‌الله أن تكون ثمّة مبادئ يعبّر عنها بالمبادئ الأحكاميّة إلاّ أن يكون المقصود منها المبادئ التصوّريّة أو التصديقيّة.

إلاّ انّه نسب للسيّد البروجردي رحمه‌الله انّ القدماء يبحثون عن أحكام

٤٥٢

المسائل من جهة ما يعاندها ويضادها ومن جهة ما يلازمها ويعبّرون عن البحث من هذه الجهة بالمبادئ الأحكاميّة. فالمبادئ الأحكاميّة بناء على هذا المعنى تكون عبارة عن البحث عن أحكام المسائل من جهة استلزاماتها ومن جهة ما يعاندها ويضادها.

وباعتبار انّ البحث عن مقدّمة الواجب بحث عن الملازمة بين وجوب الشيء والذي هو حكم وبين وجوب مقدّمته باعتبار ذلك تكون مسألة مقدّمة الواجب من المبادئ الأحكاميّة لعلم الاصول ، وبناء على ذلك يكون البحث في مسألة الضدّ بحثا عن المبادئ الأحكاميّة لعلم الاصول ، وذلك لأنّ البحث في مسألة الضدّ بحث عن الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه ، أي هل هناك ملازمة بين ثبوت الوجوب لشيء والذي هو حكم وبين حرمة ضدّه ، وهكذا البحث عن التضادّ بين الأحكام والبحث عن امتناع اجتماع الأمر والنهي فإنّه يمكن اعتبارها بوجه من الوجوه من المبادئ الأحكاميّة.

إلاّ انّه قد يقال انّ المبادئ الأحكاميّة لا تخلو إمّا أن تكون تصديقيّة أو تصوريّة. أمّا انّ المبادئ الأحكاميّة مبادئ تصوريّة فباعتبار انّ البحث عن ملازمات الأحكام ومعانداتها بحث عمّا يتّصل بمحمولات المسائل من جهة بيان حدود المسائل وعوارضها الذاتيّة ويكون البحث عن معاندتها لغرض اعطاء صورة واضحة عنها ، لأنّ بيان المعاند وحدوده يساهم بشكل ما في تصوّر ما يعانده.

وأمّا انّ المبادئ الأحكاميّة مبادئ تصديقيّة فلأنّها قضايا مثبّتة بالدليل في علم آخر وانّها قضايا يقينيّة يستفاد منها كمقدّمات في أقيسة علم من العلوم. فمثلا : الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته مبدأ تصديقي لعلم الفقه ، وذلك لوقوعه كبرى في القياس المنتج للمسألة الفقهيّة.

* * *

٤٥٣

٥٢١ ـ المبادئ التصديقيّة

المبادئ التصديقيّة من كلّ علم هي عبارة عن القضايا الثابتة في مرتبة سابقة والمبرهن عليها في علم آخر ويعتمدها علم من العلوم كمقدّمات لأقيسته التي يريد بواسطتها الوصول للنتائج المتّصلة بغرضه.

فالمبادئ التصديقيّة كالمبادئ التصوريّة ليست من مسائل العلم بل هي من مسائل علم آخر ، فمسألة حجيّة خبر الثقة مثلا ليست من مسائل علم الفقه وانّما هي من المبادئ التصديقيّة لعلم الفقه ، وذلك لأنّ علم الفقه يعتمدها كمقدّمة يتوسّل بواسطتها للوصول للنتيجة الفقهيّة.

وبتعبير آخر : انّ مسألة حجيّة خبر الثقة مسألة اصوليّة ، إلاّ انّها مبدأ تصديقي لعلم الفقه ، وذلك لوقوعها كبرى في الأقيسة التي يتوسّل بها علم الفقه للوصول للنتيجة الفقهيّة.

وكذلك مسألة انّ الصعيد هو مطلق وجه الأرض فإنّها مسألة لغويّة إلاّ انّها مبدأ تصديقي لعلم الفقه ، وذلك لوقوعها صغرى للقياس المنتج للمسألة الفقهيّة.

وبذلك يتّضح انّ المبادئ التصديقيّة لكلّ علم يتمّ إثبات حقانيتها في علم آخر ويتلقاها العلم الذي تكون بالنسبة له مبادئ تصديقيّة كأصل موضوعي أو كمصادرة أو كعلم متعارف كما ذكر المناطقة.

فإن كانت المسألة الواقعة مبدأ تصديقيّا لهذا العلم بيّنة وواضحة عبّر عنها بالعلم المتعارف ، وإن لم تكن كذلك فإن اخذت مأخذ التسليم عبّر عنها بالأصل الموضوعي وإلاّ فهي مصادرة.

ثمّ انّه قد يتصدّى العلم لإثبات بعض مبادئه التصديقيّة كمقدّمة لذلك العلم ، وذلك فيما إذا لم تكن المسألة منقّحة ومبرهنة في العلم الذي ينبغي له التصدّي لتنقيحها والبرهنة عليها إلاّ انّ بحثها في هذا العلم لا يصيّرها من مسائله. راجع « المسألة الاصوليّة ».

* * *

٤٥٤

٥٢٢ ـ المبادئ التصوريّة

المبادئ التصوريّة من كلّ علم هي المباحث المتصدّية لبيان حدود موضوعات مسائل ذلك العلم وأجزائها وأعراضها الذاتيّة بل كلّ ما يوجب تصوّر تلك الموضوعات.

إلاّ انّ جمعا من الأعلام أفادوا انّ المبادئ التصوريّة لا تختصّ ببيان موضوعات المسائل بل انّها تشمل البحث عن حدود المحمولات وأجزائها وأعراضها وكلّ ما يتّصل بتصوّرها.

وعليه فالبحث مثلا عن معنى الصلاة والحيض والصعيد والكعب والفقير وكذلك البحث عن معنى الوجوب والإباحة والطهارة والنجاسة البحث عن هذه العناوين من هذه الجهة بحث في المبادئ التصوّريّة لعلم الفقه ، وذلك لأنّ مثل الصلاة والحيض من موضوعات مسائل علم الفقه كما انّ الوجوب والإباحة من محمولات مسائل هذا العلم ، فالبحث عن حدودها وأجزائها وأقسامها ولوازمها وكلّ ما يتّصل بتصوّرها بحث في المبادئ التصوريّة لعلم الفقه.

* * *

٥٢٣ ـ مبادئ الحكم

قد أوضحنا المراد منها تحت عنوان « الجعل الشرعي » و « شرائط الجعل والمجعول ».

* * *

٥٢٤ ـ متعلّق الحكم

المراد من متعلّق الحكم هو الفعل الذي وقع مصبّا للحكم ، فمتعلّق الوجوب هو الفعل المطلوب تحصيله ، ومتعلّق الحرمة هو الفعل المطلوب تركه أو قل هو الفعل المزجور عنه ، ومتعلّق الإباحة هو الفعل الذي يكون للمكلّف تركه أو ارتكابه.

ويمكن التمثيل لمتعلّق الوجوب بالصلاة ولمتعلّق الحرمة بشرب الخمر ولمتعلّق الإباحة بشرب الماء ولمتعلّق

٤٥٥

الاستحباب بالنافلة ولمتعلّق الكراهة بالنوم بين الطلوعين.

وبذلك يتبيّن أنّ الواجب هو متعلّق الوجوب والحرام هو متعلّق الحرمة والمباح هو متعلّق الإباحة وهكذا.

ويتبيّن أيضا أنّ متعلّق الحكم ينشأ عن الحكم ، بمعنى أنّ الفعل لا يكون واجبا إلاّ حينما يكون مصبّا للوجوب كما لا يكون الفعل حراما إلاّ حينما يكون مصبّا للحكم بالحرمة ، ومعنى ذلك أنّ متعلّق الحكم يقع في طول الحكم خلافا لموضوع الحكم والذي تناط فعليّة الحكم به.

فهو ـ أي الموضوع ـ لا يلزم تحصيله إلاّ أنّه لو اتّفق وجوده فإنّ الوجوب مثلا يصبح بذلك فعليّا وعندها يكون متعلّقه لازم التحصيل.

فوجود الموضوع تنشأ عنه فعليّة الوجوب وحين يصبح الوجوب فعليّا يصبح متعلّقه لازم التحصيل ، هو معنى وقوع المتعلّق في طول الحكم.

هذا فيما يتّصل بالأحكام التكليفيّة ، وأمّا ما يتّصل بالأحكام الوضعيّة فكذلك تجري عليه نفس الضابطة المذكورة وهي كلّ شيء كان مصبّا للحكم وناشئا عنه فهو متعلّق الحكم.

فالصحيح هو متعلّق الحكم بالصحّة والطاهر هو متعلّق الحكم بالطهارة ، وهكذا.

* * *

٥٢٥ ـ مثبتات الأمارة والأصل

قد أوضحنا المراد من ذلك تحت عنوان لوازم الأدلّة.

* * *

٥٢٦ ـ المجاز

يعرّف المجاز عادة : بأنّه استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، أي : في معنى ليس ذلك اللفظ موضوعا للدلالة عليه بل إنّ اللفظ الموضوع للدلالة عليه غيره ، كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع ، فإنّ الرجل الشجاع ليس موضوعا له لفظ الأسد.

والمصحّح للمجاز عادة المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ،

٤٥٦

فالمعنى الذي وضع الواضع اللفظ للدلالة عليه إذا شابهه معنى آخر تكون هذه المشابهة مبرّرة لاستعمال ذلك اللفظ الذي وضع للمعنى المشابه ـ بفتح الباء ـ في المعنى المشابه ـ بكسر الباء ـ وذلك مثل استعمال لفظ السواد للتعبير عن الكراهة وعبوس الوجه ، فإنّ لفظ السواد لم يوضع لذلك وإنما وضع للون من الألوان ، ولكن المشابهة بين معنى لفظ السواد ـ وهو اللون الخاصّ ـ وبين الكراهة وعبوس الوجه سوّغ استعماله في المعنى المشابه للمعنى الموضوع له لفظ السواد ، قال الله تعالى : ( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ).

ومع اتّضاح هذه المقدّمة نقول : إنّ الوضع يحدث علاقة بين المعنى وبين اللفظ الموضوع للدلالة عليه ، وهذه العلاقة توجب تصوّر المعنى بمجرّد إطلاق اللفظ. ولمّا كان لهذا المعنى ما يشابهه من معان أخرى ـ بحيث تكون هذه المشابهة نحو علاقة موجبة للتقارن في الذهن ـ هذه المشابهة تكون مبرّرا لاستعمال اللفظ في المعنى الآخر المشابه للمعنى الموضوع له اللفظ ، فيكون الاقتران الذهني بين المعنى الموضوع له اللفظ والمعنى المشابه له محقّقا للاقتران بين اللفظ المقترن بمعناه الحقيقي وبين المعنى المشابه والذي هو المعنى المجازي.

وبعبارة أخرى : المشابهة بين معنى ومعنى آخر تولّد اقترانا بين اللفظ الذي هو للمعنى الأوّل وبين المعنى الثاني فتكون المشابهة سببا في نشوء علاقة بين اللفظ والمعنى الثاني إلاّ أنّ هذه العلاقة ليست في استيثاقها واستحكامها كالعلاقة الواقعة بين اللفظ والمعنى الأوّل الموضوع له ذلك اللفظ ، فلذلك عند ما يطلق اللفظ يكون المنسبق منه إلى الذهن هو المعنى الأوّل ، بل إنّ استحكام العلاقة بين المعنى واللفظ الموضوع لذلك المعنى توجب انسباق المعنى الأوّل من اللفظ حتّى في موارد العلم بعدم إرادته وقد بيّنّا ذلك في محلّه.

إذن العلاقة بين اللفظ والمعنى

٤٥٧

المجازي في طول العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي ، نعم عند ما نستعمل اللفظ في المعنى الثاني المجازي مع القرينة تكون دلالة اللفظ بإضافة القرينة على المعنى المجازي دلالة فعلية يمكن الاعتماد عليها.

* * *

٥٢٧ ـ المجاز العقلي

ذكر السكّاكي أنّ هناك مجازا يمكن تسميته بالمجاز العقلي ، وهذا المجاز غير المجاز في الكلمة ، إذ أنّ المجاز في الكلمة هو أنّ تستعملها في غير المعنى الموضوع لها كاستعمال لفظ الحجر في الحديد الصلب.

أمّا المجاز العقلي فهو أن نفترض أنّ المعنى المجازي مصداق حقيقي لمعنى ذلك اللفظ ، وهذا الافتراض ينشأ عن عناية نفسانيّة يعتبر فيها المفترض ـ بصيغة الفاعل ـ المعنى المجازي أحد أفراد المعنى الحقيقي للفظ ، فكأنّما المعنى المجازي فرد من أفراد المعنى الحقيقي ، فالتصرّف هنا لم يقع على الكلمة وإنّما هو في تطبيقها على المعنى المفترض « المجازي » فكأنّما يقول : « اعتبرت هذا المعنى المجازي فردا من أفراد المعنى الحقيقي » وهذا النوع من المجاز أبلغ في التشبيه من المجاز في الكلمة.

وبتعبير آخر : إنّ المجاز العقلي هو عبارة عن تنزيل المعنى المجازي منزلة المعنى الحقيقي ، ومثال ذلك : تنزيل الرجل الشجاع منزلة الفرد من الأسد.

وهذا هو معنى تحويل المجاز إلى حقيقة المعبّر عنه بالمجاز العقلي.

* * *

٥٢٨ ـ المجمل والمبين

وقد أوضحنا المراد منهما تحت عنوان « الإجمال » و « اجمال النصّ » و « اجمال المخصّص ».

* * *

٥٢٩ ـ المحصّلات الشرعيّة

المحصّل للشيء هو المحقّق للشيء والموجد له ، وعليه فالمحصّلات هي

٤٥٨

الأسباب بالنسبة لمسبّباتها.

والمحصّلات الشرعيّة هي الأمور التي اعتبرها الشارع أسبابا لوجود أمور أخرى ، فالغسلة أو الغسلات الثلاث للمتنجّس اعتبرها الشارع سببا للطهارة من الخبث ، لذلك تكون الغسلات من المحصّلات الشرعيّة.

وهكذا الحال بالنسبة للاستنجاء بالأحجار فإنّ الشارع اعتبرها سببا للطهارة من الغائط.

والبحث عادة فيما يتّصل بالمحصّلات الشرعيّة وكذلك العقليّة والعاديّة يكون حول ما هو الأصل الجاري عند الشكّ في المحصّل وهل هو الاشتغال أو البراءة؟

فمثلا لو وقع الشكّ في محصّليّة العصر للطهارة من الخبث بالإضافة إلى الغسلات فهل يكون الأصل الجاري هو البراءة أو الاشتغال؟ وهل أنّ المحصّل الشرعي ممّا تناله يد الجعل أوّلا؟ وهل هناك فرق بين المحصّل الشرعي والمحصّل العقلي والعادي من هذه الجهة؟

وبحث كلّ ذلك خارج عن غرض الكتاب.

* * *

٥٣٠ ـ المحصّلات العقليّة والعاديّة

المراد من المحصّلات العقليّة هي الأسباب التوليديّة المنتجة جزما لمعلولاتها ، وعليه يكون الإحراق مثلا محصّلا عقليّا للاحتراق ، وذلك لأنّه سبب توليدي للاحتراق ، أي أنّه علّة تامّة لمعلوله ، فلا يمكن للاحتراق أن يتخلّف بعد افتراض وقوع الإحراق.

وأمّا المحصّلات العاديّة فهي الأسباب التي عادة ما يترتّب على وقوعها وقوع نتائجها. ومثال ذلك الإلقاء من شاهق فإنّه عادة ما ينتج القتل. ولذلك يكون الإلقاء محصّلا عاديّا للقتل.

والبحث الأصولي فيما يتّصل بهذا العنوان عادة ما يكون حول الشكّ في المحصّل ، وهل أنّ الأصل الجاري في مثل هذا الفرض هو البراءة أو الاشتغال.

مثلا : لو حكم الشارع على أحد

٤٥٩

بالقتل بوسيلة لا تتخلّف ، فحينئذ لو وقع الشكّ في أنّ الإلقاء من شاهق هل ينتج قطعا وقوع القتل أو لا. فهذا من الشكّ في المحصّل العقلي ، والمعروف بينهم أنّ الأصل الجاري في المقام هو الاشتغال فلا بدّ من التماسّ وسيلة أخرى نقطع بمحصّليّتها للقتل.

وأمّا مثال الشكّ في المحصّل العادي فهو ما لو حكم الشارع بوجوب إنقاذ الغريق ووقع الشكّ في أنّ رمي الحبل له هل يحصّل الإنقاذ أو لا؟

فهل الأصل الجاري في الفرض المذكور هو البراءة فلا يجب عليه التوسّل بوسيلة أخرى أو أنّ الأصل هو الاشتغال فيلزمه التوسّل بما يحرز معه حصول الإنقاذ؟ المعروف بينهم هو جريان أصالة الاشتغال في مثل الفرض المذكور.

* * *

٥٣١ ـ المحمولات الأوّليّة والثانويّة

راجع ما ذكرناه تحت عنوان الاستصحاب في المحمولات الثانويّة.

٥٣٢ ـ المحمول بالضميمة

المراد من المحمول بالضميمة هو ما يقابل الذاتي في باب البرهان حيث قلنا انّ الذاتي في باب البرهان هو المحمول الخارج عن الموضوع اللازم له على أن يكون اللزوم ناشئا عن مقام الذات للموضوع ، وأمّا المحمول بالضميمة فهو المحمول الخارج عن ذات الموضوع ويكون ثبوته للموضوع ناشئا عن واسطة خارجيّة في الثبوت ، بمعنى انّ ثبوت المحمول بالضميمة للموضوع ليس من مقتضيات الموضوع وانما هو معلول لعلّة خارجة عن ذات الموضوع.

ومثاله : « زيد عالم » و « زيد أبيض » فإنّ ثبوت العالميّة لزيد لا تقتضيه ذات زيد بل هو ناشئ عن علّة خارجة عن ذات زيد وهكذا الكلام في ثبوت البياض لزيد.

* * *

٤٦٠