المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

إيجاد المعلول فإنّ مثل هذه العلّة يعبّر عنها بالعلّة ذات البديل.

ومثال ذلك الشمس بالنسبة للضوء فإنّها علّة مستقلّة لإيجاده إلاّ أنّها ليست منحصرة ، وذلك لوجود علّة مستقلّة أخرى توجب إيجاد الضوء لو اتّفق وجودها وهي المصباح مثلا فإنّه علّة لوجود الضوء.

القسم الثاني : هو العلّة الانحصاريّة ، وهي التي يكون وجودها موجبا لوجود المعلول على أن لا يكون للمعلول علّة أخرى.

ويمكن التمثيل لذلك بالنار بالنسبة للاحتراق ، فالنار علّة لوجود الاحتراق ، وليس ثمّة من شيء يترتّب عن وجوده الاحتراق سوى وجود النار ، لذلك كانت النار علّة انحصاريّة لوجود الاحتراق.

* * *

٤٥٦ ـ العلّة والحكمة

المراد من العلّة هي ما يدور الحكم مدارها وجودا وعدما بحيث لا تكون ثمّة حالة يكون الحكم فيها ثابتا مع انتفاء العلّة أو تكون العلّة فيها ثابتة مع انتفاء الحكم.

وهذا النحو من العلّة هو المصحّح للتعدّي من الموضوع الثابت له الحكم الى موضوع آخر متوفّر على العلّة التي بها ثبت الحكم للموضوع الاوّل المنصوص.

ثمّ انّ العلّة التي يدور الحكم مدارها تارة تكون بمعنى مناط الحكم وملاك جعله وتارة تكون بمعنى العلامة التي متى ما توفّرت في موضوع كشفت عن ثبوت حكم موردها له.

وهذا المعنى الثاني للعلّة قد يجتمع مصداقه مع المعنى الاول وقد يفترق ، وذلك لأنّه قد تكون العلامة هي نفسها مناط الحكم وملاك جعله ، وقد لا تكون كذلك بل تكون مجرّد ضابطة جعلت وسيلة للتعرّف على موارد ثبوت الحكم.

ويمكن التمثيل لمورد اجتماع العلّة بالمعنى الاوّل والعلّة بالمعنى الثاني بالإسكار ، فهو المناط ـ ظاهرا ـ من

٣٤١

جعل الحرمة على الخمر مثلا ، كما انّ الشارع جعله علامة على ثبوت حكم الحرمة لكلّ موضوع توفّر على خاصيّة الإسكار ، وذلك بواسطة الخطاب الصادر عنه والذي اشتمل على التصريح بأنّ علامة ثبوت الحرمة هو الإسكار.

فالإسكار في الوقت الذي هو مناط جعل الحرمة على الخمر هو علامة على ثبوت الحرمة لنظائر الخمر.

وأمّا مورد افتراق العلّة بالمعنى الثاني عن العلّة بالمعنى الأوّل فمثاله ما لو سأل أحد الامام عليه‌السلام عن انّه نام حتى خرج الوقت فقال : « اقض الصلاة لأنّها فاتتك » فإنّ الفوت ليس هو مناط جعل القضاء على المكلّف بل انّ ملاك القضاء أمر آخر لم يصرّح به في الخطاب ، فالفوت علامة قد جعلها الشارع وسيلة للتعرّف على موارد وجوب القضاء.

وباتّضاح المراد من العلّة نقول : انّ العلّة بالمعنى الأوّل يعبّر عنها بشرائط الجعل وبمبادئ الحكم ويعبّر عنها أيضا بالملاك ، وهي المقصود من قولهم انّ الأحكام تابعة لعللها وملاكاتها وانّ هذه الملاكات كامنة في متعلّقات الأحكام.

ولا ريب في ثبوت الملازمة بين العلّة بهذا المعنى وبين الحكم المعلول لها كما أوضحنا ذلك تحت عنوان « علل الأحكام » ، انّما الكلام فيما هو السبيل لإحراز ثبوت العلّة.

فنقول : انّ الشارع قد يصرّح بعلة الحكم ومناط جعله وعندئذ يمكن الاستفادة من هذه العلّة لإحراز موارد ثبوت الحكم ، وهذا هو أحد موردي العلّة المنصوصة ، وقد لا يصرّح بذلك ، وعندئذ يكون من المتعذّر على المكلّف معرفة ملاكات الحكم بالمعنى المذكور ، إذ لا سبيل لاستقلال العقل بإدراك ملاكات الأحكام بعد عدم احاطته بأوجه المصالح والمفاسد ، نعم قد يدرك العقل اشتمال فعل على مصلحة إلاّ انّ ذلك وحده غير كاف للجزم بترتب الحكم المناسب للمصلحة المدركة على ذلك الفعل لاحتمال أن يكون للمصلحة المدركة ما يمنع عن تأثيرها أثرها ، وحصول

٣٤٢

القطع بكون المصلحة المدركة تامّة لا يكون عقلائيا بعد الالتفات لهذا الاحتمال.

وأمّا العلّة بالمعنى الثاني فمع التصريح بها في الخطاب واحراز انّها مدار الحكم وجودا وعدما يكون ذلك مصحّحا للتعدي من موردها الى كلّ مورد يكون متوفرا عليها ، وهذا هو المورد الثاني من موردي قياس منصوص العلّة.

وبذلك يتضح انّ العلّة بالمعنى الثاني لو لم تكن صريحة ولم يحرز انّها مدار الحكم وجودا وعدما فإنّه لا يصحّ التعويل عليها لغرض التعدّي من موردها الى موضوعات اخرى ، ولمزيد من التوضيح راجع « قياس مستنبط العلّة ».

وأمّا المراد من الحكمة فهي جزء العلّة لجعل الحكم على موضوعه ، ولذلك لا يدور الحكم مدارها ، كما لا تصلح أن تكون أمارة وعلامة على موارد الحكم الثابت لموردها ، فلا يتعدّى من موردها لموارد اخرى وان كانت تلك الموارد واجدة لتلك الحكمة.

فالحكمة غالبا ما تذكر لغرض الإقناع أو ليكون الحكم مأنوسا عند المكلّف أو لرفع استيحاشه من الحكم.

ثمّ انّ البحث بعد ذلك عن الضابطة التي بها تتميز العلّة عن الحكمة في الخطابات الشرعيّة وهذا ما يكون مرجعه هو ملاحظة لسان الدليل وما يقتضيه من ظهور.

* * *

٤٥٧ ـ العموم

العموم في اللغة بمعنى الشمول والاستيعاب والسريان لكلّ فرد يكون مفهوم العام صالحا للانطباق عليه ، وأمّا المراد من العموم في اصطلاح الاصوليين فهو الشمول والاستيعاب المستفاد بواسطة المدلول اللفظي ، وذلك في مقابل الاطلاق والمفيد لمعنى الشمول والاستيعاب أيضا إلاّ انّ استفادة ذلك منه تتمّ بواسطة قرينة الحكمة. فالفرق بين الاطلاق والعموم انّما هو من جهة الدال على الشمول والاستيعاب ، فلو

٣٤٣

كان الدال هو الاوضاع اللغويّة فهذا باصطلاح الاصوليين عموم وان كان الدال على ذلك هو قرينة الحكمة فهو الإطلاق باصطلاحهم.

ثمّ انّ العموم ينقسم إلى عموم استغراقي وعموم بدلي وعموم مجموعي ، وسنوضح ذلك في محلّه ، هذا وقد ذكرت للعموم مجموعة من الصيغ في لغة العرب ، منها كلمة « كلّ » و « جميع » و « قاطبة » ، وهذا ما سنوضحه ان شاء الله تحت عنوان « كلّ » ، كما انّه قيل انّ النكرة في سياق النفي أو النهي وضعت للعموم ، وكذلك الجمع المعرف بالألف واللام ، وقد أوضحنا ذلك تحت عنوانيهما.

وبقي في المقام بحث لا بدّ من الإشارة اليه ، وهو انّه بعد ان اتّضح انّ معنى العموم هو استيعاب الحكم لجميع أفراد الطبيعة المدخولة لأداة العموم وانّ ذلك استفيد بواسطة ما وضعت له أدوات العموم من معنى الاستيعاب والشمول نقول : انّه إذا كان معنى العموم هو ذلك فإنّه يقتضي دخول اسماء الاعداد كلفظ عشرة تحت ضابطة العموم المذكورة ، لأنّ اسماء الأعداد كلفظ عشرة تدل أيضا على استيعاب الحكم المجعول عليها لجميع وحدات العدد ، فحينما يقال « أكرم عشرة رجال » فإنّ لفظ عشرة يدلّ على استيعاب الحكم لجميع وحدات العدد عشرة ، وهذا هو معنى العموم ، إذ انّه حينما يقال « أكرم كلّ عالم » فإنّ لفظ العموم يدلّ على استيعاب الحكم لكلّ واحد من أفراد الطبيعة المدخولة للفظ « كلّ » ، وبهذا تكون اسماء الأعداد من اسماء العموم.

إلاّ انّه يقال انّ اسماء الأعداد وان كانت تدل على استيعاب الحكم لوحداتها إلاّ انّ ذلك هو مقتضى طبع اسم العدد ، فليس الاستيعاب مستفادا من وضع اسم العدد لذلك ، وانّما هو موضوع لمعناه وهو طبيعة العشرة المهملة مثلا ، والاستيعاب انّما هو أثر تكويني له أو قل لازم ذاتي له ، فكما انّ الزوجية والفردية أثر تكويني ولازم ذاتي لاسم العدد فكذلك

٣٤٤

الاستيعاب لوحداته ، فالزوجيّة مثلا ليست موضوعة للفظ العدد عشرة بل انّ اسم العدد عشرة بطبعه التكويني يقتضي الزوجيّة ، وهكذا الكلام في استيعاب العشرة لوحداته فإنّه مقتضى طبع اسم العدد عشرة.

وبتعبير آخر : انّ لفظ عشرة مثلا يدلّ بواسطة الوضع على مرتبة من مراتب الأعداد ، هذه المرتبة هي المتكونة من مجموعة من الأعداد الفرديّة تساوي عشر وحدات ، فهذا ما وضع له لفظ العشرة ، وأمّا انقسامه الى متساويين ووقوعه بين مرتبتين من مراتب العدد ، وكذلك استحالة انقسامه على الثلاثة دون كسر فهذا ما يقتضيه واقع العدد عشرة وليس هو من المدلولات اللفظيّة للفظ العشرة.

وبهذا يتّضح انّ استيعاب اسم العدد لوحداته ليس من المدلولات الوضعيّة للفظ اسم العدد وانّما هو من مقتضيات واقع اسم العدد ، وهذا بخلاف لفظ « كلّ » فإنّها موضوعة لإفادة الاستيعاب والشمول.

٤٥٨ ـ العموم الاستغراقي

العموم الاستغراقي هو العموم الذي يكون مفاده استيعاب الحكم لجميع أفراد الطبيعة المدخولة لأداة العموم في عرض واحد ، فيكون الحكم ثابتا لكلّ فرد فرد من أفراد الطبيعة على سبيل العطف بالواو.

فالحكم في العموم الاستقراقي ينحل روحا الى أحكام استقلاليّة بعدد أفراد الطبيعة المدخولة للأداة ، فالحكم في هذا النحو من العموم وان كان في مقام الإبراز والإنشاء حكم واحد إلاّ انّه منحل واقعا الى أحكام متعدّدة بعدد أفراد الطبيعة ، فكأنّ القضيّة التي جعل فيها الحكم على كلّي الطبيعة قضايا متعدّدة ، موضوع كلّ واحد منها فرد من أفراد الطبيعة ومحمولها الحكم المذكور.

ومن هنا لا يكون امتثال الحكم في فرد مسقط للحكم في الفرد الآخر بل يكون لكل طاعة ومعصية مستقلّة ، وهذا هو معنى انحلال الحكم في العموم

٣٤٥

الاستغراقي الى أحكام استقلاليّة.

* * *

٤٥٩ ـ العموم البدلي

المراد من العموم البدلي هو العموم الذي يكون مفاده شمول الحكم لجميع أفراد الطبيعة المدخولة لأداة العموم ولكن بنحو البدليّة والعطف بأو.

ففي الواقع يكون الحكم في العموم البدلي واقعا على صرف الوجود للطبيعة ، وواضح انّ صرف الوجود يتحقّق بأوّل وجودات الطبيعة ، ومن هنا يكون المطلوب هو ايجاد الطبيعة في ضمن فرد واحد إلاّ انّه لا خصوصيّة لفرد على آخر.

ومثال العموم البدلي ما لو قال المولى « أكرم أيّ رجل شئت ».

* * *

٤٦٠ ـ العموم الزماني

لا يختلف العموم الزماني عن العموم الاستغراقي إلاّ من جهة أنّ المستغرق والمستوعب في العموم الزماني هو آنات الزمان بخلاف العموم الاستغراقي فإنّه يطلق على الأعمّ من كون المستغرق هو آنات الزمان أو الأفراد.

ولا بأس هنا أن نشير إلى أمر له ثمرات مهمّة :

وهو أنّ العموم الزماني تارة يكون بلحاظ متعلّق الحكم ، وتارة يكون بلحاظ نفس الحكم.

أمّا الأوّل : فهو ما لو كان العموم الزماني وقع قيدا لمتعلّق الحكم ، كما لو قال المولى : ( يحرم شرب الخمر في كلّ زمان ) و ( يجب البرّ بالوالدين دائما ) و ( عليك بالصدق في كلّ آن ) فالعموم الزماني في كلّ هذه الخطابات وقع قيدا لمتعلّقات الأحكام ، أي لشرب الخمر في المثال الأوّل ولبرّ الوالدين في المثال الثاني وللصدق في المثال الثالث.

وأمّا الثاني : فهو ما لو كان العموم الزماني وقع قيدا لنفس الحكم ، كما لو قال المولى : ( الكذب حرام ) و ( الحرمة ثابتة في كلّ زمان ) فالعموم الزماني وقع قيدا للحكم بالحرمة وليس

٣٤٦

لمتعلّق الحرمة وهو الكذب.

وفي كلا الفرضين يكون الحكم دائميّا أي سواء كان العموم الزماني قيدا لمتعلّق الحكم أو للحكم نفسه ، فإنّ النتيجة هي استمرار ثبوت الحكم ، فلا ثمرة بين الفرضين من هذه الجهة وإنّما تظهر الثمرة من جهة أخرى.

فقد أفاد المحقّق النائيني رحمه‌الله أنّ العموم الزماني إذا كان قيدا لمتعلّق الحكم فإنّ ذلك يقتضي التمسّك بالعموم الزماني في ظرف الشكّ في التخصيص وخروج بعض آنات الزمان عن العموم ، فلو قال المولى : ( يجب عليك الصدق في كلّ زمان ) ثمّ وقع الشكّ في وجوب الصدق في بعض آنات الزمان فإنّ المرجع حينئذ هو العموم الزماني ، وبذلك يكون الوجوب للصدق ثابت في الزمان المشكوك عينا كما لو وقع الشكّ في التخصيص في العموم الأفرادي فإنّ المرجع هو العموم الأفرادي.

فلا يصحّ الرجوع في الفرض المذكور للاستصحاب لأنّ العموم الزماني قد تكفّل بيان حكم المتعلّق في كلّ زمان ، فالقطعة الزمانيّة التي وقعت موردا للشكّ كان قد تصدّى العموم الزماني لبيان حكمها فلا معنى للرجوع للاستصحاب بل لو اتّفق أن لم يكن العموم الزماني متصدّيا لبيان حكم القطعة الزمانيّة المشكوكة فإنّه لا يصحّ الرجوع إلى الاستصحاب بل يكون المرجع هو الأصول العمليّة مثل البراءة أو الاشتغال ولا يسوغ الرجوع إلى استصحاب الحكم الثابت للأزمنة السابقة.

أمّا لو كان العموم الزماني قيدا لنفس الحكم فإنّ المرجع في ظرف الشكّ في التخصيص هو الاستصحاب دون العموم الزماني لأنّ الشكّ في تخصيص نفس الحكم يساوق الشكّ في ثبوت جعل نفس الحكم في الزمان المشكوك ، وذلك لأنّ العموم الزماني إذا كان قيدا للحكم فالشكّ فيه يساوق الشكّ في ثبوت الحكم فنحتاج لثبوت الحكم في الزمان المشكوك إلى العموم الزماني

٣٤٧

والمفترض أنّه مشكوك فيه فلا يصحّ التمسّك به لإثبات عموم الحكم إلاّ أن نتمسّك بعموم الحكم لإثبات العموم الزماني ، وهذا معناه افتراض الحكم متقدّما على موضوعه وهو خلف ، لأنّ المفترض أنّ العموم الزماني قيد للحكم ، وكونه قيدا له يعني أنّ العموم الزماني هو موضوع الحكم ، وإذا كان كذلك فلا يصحّ التمسّك بعموم الحكم لإثبات العموم الزماني لأنّ ذلك يستلزم إثبات الحكم لموضوعه.

فالمتعيّن في مثل الفرض هو الرجوع إلى استصحاب الحكم العامّ في القطعة الزمانيّة المشكوكة وإذا لم نقل بصحّة الرجوع إلى الاستصحاب فالمرجع هو الأصول العمليّة الأخرى.

* * *

٤٦١ ـ العموم السياقي

يطلق العموم السياقي على العموم المستفاد من سياق الجملة كما في النكرة في سياق النفي مثل قوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، ) والنكرة في سياق النهي مثل : ( لا تنهر يتيما ).

ولمزيد من التوضيح راجع عنوان ( النكرة في سياق النفي والنهي ).

* * *

٤٦٢ ـ العموم الفوقاني

عند ما تستقرّ المعارضة بين دليلين اجتهاديّين ولم يكن ثمّة مرجّح من المرجّحات المنصوصة أو غير المنصوصة لو كنّا نقول باعتبارها وكنّا نقول بعدم التخيير أو التوقّف إمّا مطلقا أو حينما لا يكون التعارض بين الأخبار فإنّ القاعدة العقليّة تقتضي التساقط أي سقوط كلا الدليلين المتعارضين عن الحجيّة ، وحينئذ لو كان في البين عموم أو إطلاق من الآيات أو الروايات ولم يكن ذلك العموم أو الإطلاق طرفا في المعارضة فإنّه يكون مرجعا في تحديد الحكم الشرعي.

وهذا العموم أو الإطلاق هو المعبّر

٣٤٨

عنه بالعموم الفوقاني ، فالمقصود من العموم هو الأعمّ من العامّ الاصطلاحي والإطلاق ، ومنشأ التعبير عنه بالفوقاني هو مرجعيّته بعد سقوط طرفي التعارض عن الحجيّة ، فكأنّه في رتبة الفوقيّة بالنسبة لهما ، فحين لا يجدي الرجوع إليهما نظرا لتعارضهما يكون هو المرجع.

ومثال ذلك لو ورد دليلان أحدهما يقتضي لزوم التكفير بشاة عند استعمال المحرم للطيب والآخر يقتضي عدم لزوم التكفير واستحكمت المعارضة بينهما وليس من مرجح لأحدهما ، فإنّ القاعدة تقتضي سقوطهما عن الحجّيّة ، وحينئذ لو وردت رواية معتبرة مفادها أنّ كلّ من ارتكب واحدا من تروكات الإحرام فإنّه يكون ملزما بالتكفير بشاة. فإنّ هذه الرواية تكون عموما فوقانيّا لأنّها لم تقع طرفا في المعارضة ، وهو ما يبرّر عدم سقوطها عن الحجّيّة وبذلك تكون هي المرجع في تحديد حكم من استعمل الطيب حال الإحرام.

٤٦٣ ـ العموم المجموعي

هو العموم الذي يكون مفاده ثبوت الحكم لجميع أفراد الطبيعة المدخولة لأداة العموم على أن يكون المجموع بما هو مجموع هو موضوع الحكم ، وهذا ما يعني أن يكون كلّ فرد من أفراد الطبيعة جزء لموضوع الحكم ويكون مجموع أفراد الطبيعة موضوع واحد مركب من تمام أفراد الطبيعة المدخولة للأداة.

وبذلك يتّضح الفرق بين العموم المجموعي والعموم الاستغراقي حيث لا ينحلّ الحكم هنا الى أحكام بعدد أفراد الطبيعة بل ليس ثمّة سوى حكم واحد موضوعه تمام الأفراد ، ولذلك يكون للحكم في العموم المجموعي امتثال واحد ومعصية واحدة ، ولا يكون المكلّف مطيعا إلاّ بالإتيان بتمام الأفراد وعند ما يترك بعض الأفراد يكون قد عصى الحكم وان كان قد جاء ببعض الأفراد ، ويمكن التمثيل له بما لو قيل « اقرأ كلّ الكتاب ».

٣٤٩

هوامش حرف العين

(١) مسند أحمد : مسند المكثرين من الصحابة الحديث ٣٤١٨.

٣٥٠

حرف الغين

٣٥١

عناوين حرف الغين

٤٦٤ ـ الغاية

٤٦٥ ـ مفهوم الغاية

٤٦٦ ـ الغاية داخلة في المغيّى أو خارجة؟

٤٦٧ ـ غير المستقلات العقليّة

٣٥٢

حرف الغين

٤٦٤ ـ الغاية

المراد من الغاية كما ذكر اللغويون هو « المدى » بمعنى الأمد الأعم من الزماني والمكاني أو قل الغاية هي المنتهى ، وبحسب التعريف المدرسي انّ الغاية هي التي تقع بعد احدى أدوات الغاية مثل « الى ، حتى ».

فالغاية في قوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١) هي « الليل » ، والغاية في قوله تعالى ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ ) هو « التبيّن ».

ثم انّ الغاية قد ترجع الى موضوع الحكم كما لو قيل : « اشرب ماء الكأس حتى الثمالة » ، فالغاية وهي مدخول « حتى » راجعة الى موضوع الأمر بالشرب وهو « ماء الكأس » ، وبهذا يكون معنى هذه الجملة هو انّ الحدّ الأخير للموضوع الذي تعلّق به الأمر بالشرب هو الثمالة.

وقد ترجع الغاية الى متعلّق الحكم كما في قوله تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) (٢) ، فإنّ الغاية وهي مدخول حتى راجعة الى متعلّق النهي وهو « المقاربة » ، فيكون معنى الآية الشريفة انّ منتهى ما هو منهي عنه ـ أي مقاربة النساء ـ هو الطهر.

وقد ترجع الغاية الى الحكم كما في قوله عليه‌السلام : « كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » (٣) ، فإنّ الغاية في الرواية الشريفة راجعة الى الحكم وهو الإطلاق والإباحة.

وقد ترجع الى الحكم المستفاد من

٣٥٣

الهيئة كصيغة الأمر أو النهي كما في قوله تعالى : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٤) ، فإنّ الغاية راجعة الى الحكم المستفاد من صيغة النهي ، فيكون مفاد الآية الشريفة هو انّ حرمة حلق الرأس تنتهي عند بلوغ الهدي محلّه.

* * *

٤٦٥ ـ مفهوم الغاية

راجعة تحت عنوان « مفهوم الغاية » في باب الميم.

* * *

٤٦٦ ـ الغاية داخلة في المغيّى أو خارجة؟

المراد من المغيّى هو مرجع الغاية أي المحدّد مداه بالغاية ، فلو كانت الغاية راجعة الى الموضوع ، فالموضوع هو المغيّى وهكذا لو كانت الغاية راجعة الى المتعلّق دون الحكم ، إذ النزاع غير متصوّر في مورده.

والمقصود من دخول الغاية في المغيّى هو شمول حكم المغيّى للغاية ، كما انّ المقصود من خروج الغاية عن المغيّى هو انتفاء حكم المغيّى عن الغاية ، فلو قيل « اشرب ماء الكأس حتى الثمالة » فهل انّ الثمالة والتي هي الغاية مشمولة لحكم المغيّى ، أي هل يلزم شرب الثمالة كما يلزم شرب الماء قبل حدّ الثمالة أو انّ الحكم بلزوم الشرب ينتهي عند بلوغ حدّ الثمالة فتكون الثمالة غير مشمولة للأمر ، وهذا هو معنى خروج الغاية عن حكم المغيّى.

وقع الخلاف بين الأعلام في ذلك ، وذكرت في المقام أربعة أقوال :

الأوّل : هو دخول الغاية في حكم المغيّى مطلقا.

الثاني : عدم دخول الغاية في حكم المغيّى مطلقا.

الثالث : هو التفصيل بين ما إذا كانت الغاية من جنس المغيّى وبين ما إذا لم تكن كذلك ، فلو كانت الغاية من جنس المغيّى فإنّ الغاية حينئذ داخلة في حكم المغيّى وإذا لم تكن كذلك فإنّ

٣٥٤

الغاية تكون خارجة عن حكم المغيّى.

مثلا : قوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) (٥) ، فإنّه لما كان المرفق من جنس اليد فإنّ الغاية « المرفق » داخلة في حكم المغيّى « اليد » ، ومن هنا يجب غسل المرفق كما يجب غسل اليد.

وهذا بخلاف ما لو قيل « كلّ اللحم حتى العظم » فإنّ الغاية « العظم » خارجة عن حكم المغيّى « اللحم » ، فلا يجب أكل العظم لكونه من غير جنس اللحم.

الرابع : التفصيل بين مدخول « حتى » ومدخول « الى » ، فإذا كانت الغاية مدخولة لحتى فإنّها داخلة في حكم المغيّى ، وأمّا إذا كانت الغاية مدخولة لكلمة « الى » فإنّ الغاية تكون خارجة عن حكم المغيّى.

فلو قيل « لا تشرب الخمر حتى النبيذ » فإنّ النبيذ يكون داخلا في حكم الخمر وهو الحرمة ، وأمّا قوله تعالى : ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فإنّ الليل ليس داخلا في حكم المغيّى.

هذا هو حاصل الأقوال الأربعة ، وقد نسب السيّد الخوئي الى المحقّق النائيني رحمهما الله الميل الى القول الرابع إلاّ انّ ذلك ينافي ما هو مذكور في تقريرات بحثه « فوائد الاصول » فانّه قال : « انّ ظهور الأداة في الدخول أو الخروج أو التفصيل دعوى بلا برهان » ثمّ أفاد انّه لا بدّ من الرجوع الى الأصل العملي عند عدم قيام القرينة الخاصّة على الدخول أو الخروج.

واستدلّ للقول الاول بأنّ الغاية تعني النهاية وإذا كان كذلك فهي داخلة في حكم المغيّى ، فكما انّ الحدّ الابتدائي مشمول لحكم المغيّى فكذلك الحدّ النهائي والذي هو الغاية.

وبتعبير آخر : انّ الغاية هي الجزء الأخير من المغيّى ، والجزء الأخير كالجزء الأوّل داخل في حدود المغيّى.

وذهب السيّد الخوئي رحمه‌الله الى القول الثاني واستدلّ له بدعوى انّ هذا القول هو المناسب لما هو المتفاهم العرفي إلاّ

٣٥٥

مع قيام القرينة على الخلاف.

* * *

٤٦٧ ـ غير المستقلات العقليّة

وهي القضايا المدركة بالعقل وتكون صلاحيتها لأن يستنبط منها حكم شرعي منوطا بانضمام مقدمة شرعية اليها ، وهذا هو منشأ التعبير عنها بغير المستقلات ، ولمزيد من التوضيح راجع عنوان « المستقلات العقليّة » و « الاستلزامات العقليّة ».

٣٥٦

هوامش حرف الغين

(١) سورة البقرة : ١٨٧.

(٢) سورة البقرة : ٢٢٢.

(٣) الوسائل : باب ١٢ من أبواب صفات القاضي الحديث ٦٧.

(٤) سورة البقرة : ١٩٦.

(٥) سورة المائدة : ٦.

٣٥٧
٣٥٨

حرف الفاء

٣٥٩

عناوين حرف الفاء

٤٦٨ ـ فتح الذرائع

٤٦٩ ـ فحوى الحطاب

٤٧٠ ـ الفرد المردد

٣٦٠