المعجم الأصولي - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

هذا بالنسبة للشرطيّة والسببيّة والمانعيّة الراجعة للحكم ، وأمّا ما هو الراجع منها للمكلّف به « متعلّق الحكم » فهي منتزعة عن اعتبار شيء في المكلّف به أو اعتبار عدمه فيه ، فحينما يقول الشارع « صلّ عن ساتر واستقبال » فإنّ العقل ينتزع عن ذلك شرطيّة الاستقبال للصلاة ، فالشرطيّة انتزعت عن اعتبار شيء في المأمور به وهي الصلاة.

وحينما يقول الشارع « لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه » ينتزع العقل عن ذلك مانعيّة الاشتمال على ما لا يؤكل لحمه للمأمور به.

* * *

٣٩٦ ـ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني

المراد من الشغل اليقيني هو العلم باشتغال الذمة بالتكليف ، وهذا لا يكون إلاّ في حالات العلم بوصول التكليف مرحلة الفعليّة ، إذ انّ العلم بالتكليف بمرتبة الجعل لا يقتضي العلم باشتغال الذمّة ، وذلك لأنّ العلم بالتكليف بمرتبة الجعل معناه العلم بجعل التكليف على موضوعه المقدّر الوجود ، والموضوع بوجوده العلمي التصوري لا يستوجب اشتغال الذمّة بالحكم المجعول عليه ، فالاشتغال اليقيني منوط بالعلم بوصول التكليف لمرحلة الفعليّة ، ولا يصل التكليف لمرحلة الفعليّة ما لم يعلم المكلّف بتحقّق موضوع التكليف خارجا.

والمقصود من العلم بالتكليف والعلم بوصوله لمرحلة الفعليّة هو الأعم من العلم التفصيلي والعلم الإجمالي ، فلو علم المكلّف بالتكليف وعلم بوجود موضوعه خارجا إلاّ انّ الموضوع تردد بين طرفين أو أكثر فإنّ التكليف حينئذ يكون فعليا ، إذ لا يعتبر في فعليّة التكليف تشخيص الموضوع بل يكفي العلم بوجوده خارجا ولو لم يكن متشخصا لدى المكلّف.

فلو علم المكلّف بوجوب اطعام الفقير وعلم بوجود الفقير خارجا إلاّ

٢٢١

انّه مردد بين خمسة أشخاص فإنّه لا ريب في تحقق الفعليّة لوجوب الإطعام ، وذلك للعلم بتحقّق موضوعه خارجا وهو وحده مناط الفعليّة.

وبهذا يتّضح انّ المراد من الشغل اليقيني هو العلم باشتغال الذمة من غير فرق بين أن يكون العلم تفصيليّا أو اجماليا.

وأمّا المراد من قولهم « يستدعي الفراغ اليقيني » فهو اقتضاء الشغل اليقيني للخروج عن عهدة التكليف يقينا ، بمعنى انّ اشتغال الذمّة بالتكليف يقينا يقتضي عقلا الامتثال القطعي ، فلا مخرج عن التكليف اليقيني إلاّ الامتثال اليقيني.

وأمّا منشأ الاستدعاء والاقتضاء فهو ما يدركه العقل من منجزية التكليف المحتمل إذا لم يكن ثمّة مؤمن عقلي أو شرعي عنه ، ومن الواضح انّ الاصول المؤمنة كالبراءة الشرعيّة والعقليّة لا تجري في مورد القطع بفعليّة التكليف والشك في الخروج عهدته.

وأمّا مورد القاعدة فهو ما لو كان الشك من جهة تحقّق الامتثال مع القطع بأصل التكليف وفعليّته أو ما يقوم مقام القطع من أمارات معتبرة ، والمراد من القطع بأصل التكليف هو الأعم من القطع التفصيلي والقطع الإجمالي. ويتّضح ذلك بملاحظة ما ذكرناه تحت عنوان « الشك في المكلّف به ».

* * *

٣٩٧ ـ الشك

يستعمل الأصوليين عنوان الشك في مطلق الاحتمال الذي لم يرق لمستوى الظن المعتبر ، وبذلك يكون الشك في استعمالاتهم صادقا على الشك المنطقي والذي تتساوى فيه كفتا الاحتمال ، كما هو صادق على الاحتمال المنطقي والذي هو الطرف الأضعف من الاحتمالين المتقابلين ، كما أنه يصدق على بعض أفراد الظن المنطقي والذي هو الطرف الأقوى من الاحتمالين المتقابلين ، نعم الشك الأصولي متباين

٢٢٢

للظن المعتبر أعني الظن الذي قام الدليل القطعي على حجّيته ومنجزيّته واعتباره كاشفا عن الواقع.

وفي كل مورد استعمل فيه الأصوليين الشك في مقابل الظن المنطقي فإنه يكون مكتنفا بقرينة تدل على ذلك وإلاّ فالمتعارف في استعمالاتهم هو إطلاق عنوان الشك على مطلق الاحتمال الذي لم يرق لمستوى الظن المعتبر.

* * *

٣٩٨ ـ الشك الساري والشك الطارئ

وقد أوضحنا المراد منهما تحت عنوان « قاعدة اليقين » وعنوان « اليقين والشك ».

* * *

٣٩٩ ـ الشك بين الجزئيّة والمانعيّة

وتصوير هذه الحالة هو انّه قد يتّفق العلم باعتبار شيء في مركب واجب إلاّ انّ الشكّ يقع من جهة انّ المعتبر هل هو وجوده أو انّ المعتبر هو عدمه ، فهنا علم اجمالي جامعه هو اعتبار ذلك الشيء ، ومتعلّقه مردد بين طرفين ، إمّا اعتبار الوجود وامّا اعتبار العدم ، فلو كان المعتبر واقعا هو الوجود فهذا معناه جزئيّة ذلك الشيء للمركب الواجب ، ولو كان المعتبر هو العدم فهذا معناه مانعيّة وجود ذلك للواجب ، ومن هنا عبّر عن هذه الحالة بالشك بين الجزئيّة والمانعيّة.

ومثاله : ما لو علم المكلّف باعتبار السورة في الصلاة إلاّ انّه شكّ من جهة انّ المعتبر هل هو وجود السورة في الصلاة أو انّ المعتبر هو عدم السورة في الصلاة فيكون وجودها مانعا عن صحّة الصلاة ، وقد تعرضنا لهذا البحث تحت عنوان « دوران الأمر بين الشرطيّة والجزئيّة والمانعيّة ».

وكيف كان فلا إشكال في عدم وجوب الموافقة القطعيّة لو اتّفق ان كان للواجب حصّة واحدة ، أي ليس ثمّة حصّة اخرى للواجب لا في طولها ولا في عرضها ، كما لو اتّفق ضيق

٢٢٣

الوقت بحيث لا يسع إلاّ لصلاة واحدة ، فالمتعيّن في مثل هذه الصورة هو الموافقة الاحتماليّة بلا إشكال.

انّما الإشكال فيما لو كان للواجب أكثر من حصّة كأن كان الوقت يتّسع لأكثر من صلاة ، فهل المتعيّن على المكلّف حينئذ هو الموافقة القطعيّة بواسطة تكرار الصلاة مرّتين وتكون احداهما مشتملة على السورة والاخرى فاقدة لها ، أو انّ وظيفته في مثل هذه الحالة هي الموافقة الاحتماليّة أيضا؟

ذهب السيّد الخوئي رحمه‌الله الى لزوم الاحتياط بتكرار العمل ، وذلك لتمكن المكلّف في هذا الفرض من الموافقة القطعيّة ومن المخالفة القطعيّة ، أمّا الموافقة القطعيّة فتحصل بتكرار العمل ، وأمّا المخالفة القطعيّة فتحصل بترك العمل رأسا ، وعندئذ تكون أركان منجّزيّة العلم الإجمالي تامّة.

وفي مقابل هذا الدعوى ذهب بعض الاعلام رحمه‌الله الى عدم منجّزية العلم الإجمالي في المقام ، وذلك لعدم قدرة المكلف على المخالفة القطعيّة لافتراض انّ متعلّق العلم الإجمالي مردد بين الوجود والعدم ، وهذا معناه التردد بين وجوب الفعل أو وجوب الترك ، ومن الواضح انّ المكلّف لا يتمكّن معه من المخالفة القطعيّة ، فإمّا ان يفعل وامّا لا يفعل ، وإذا كان كذلك فالأصل الجاري في المقام هو البراءة.

* * *

٤٠٠ ـ الشك في التكليف

المراد من الشك في التكليف هو الشك في الحكم الشرعي ، غايته انّ الشك في الحكم الشرعي تارة يكون شكا في أصل الجعل واخرى يكون الشك في المجعول ، بمعنى انّ الشك تارة يكون شكا في جعل الشارع حكما لموضوع وهو مورد الشبهة الحكميّة ، واخرى يكون شكا في تحقق موضوع الحكم خارجا مع احراز جعله لموضوعه ، وهذا معناه الشك في بلوغ الحكم ـ المعلوم جعله ـ مرحلة الفعليّة ، وهذا لا يكون إلاّ من جهة

٢٢٤

الجهل بحال مورد الشك وانّه مصداق لموضوع الحكم أولا ، كالشك في خمريّة هذا السائل ، فإنّه وان كان الحكم بحرمة الخمر محرزا إلاّ انّ الشك في حرمة هذا السائل نشأ عن الشك في مصداقيّة هذا السائل للخمر. ومن هنا كان الشك في حرمة هذا السائل شكا في فعليّة حرمة الخمر ، وهذا هو مورد الشبهة الموضوعيّة.

فمتعلّق الشك في الشبهة الحكميّة والموضوعيّة هو الحكم والتكليف ، غايته انّ الشك في مورد الشبهة الحكميّة هو الحكم بمرتبة الجعل ، والشك في مورد الشبهة الموضوعيّة هو الحكم بمرتبة المجعول.

وبتعبير آخر : الشك في مورد الشبهة الحكميّة شك في الكبرى المجعولة شرعا ، والشك في مورد الشبهة الموضوعيّة شك في تحقّق صغرى الحكم الشرعي بعد إحراز كبراه.

وبيان ذلك : انّ الأحكام مجعولة على نهج القضايا الحقيقيّة والتي يكون فيها الحكم مجعولا على موضوعه المقدر الوجود ، ومن هنا لا تكون متصدّية لبيان تحقق الموضوع خارجا وانّما هي متصدية لتأسيس كبرى كلية مفادها ثبوت الحكم لموضوعه المقدّر ، ومن الواضح انّ ذلك وحده لا ينتج فعليّة الحكم المجعول ، إذ انّ الفعليّة منوطة بتحقّق موضوع الحكم خارجا ، والقضايا الحقيقيّة لا تنقّح موضوعاتها والكبرى لا تحرز صغراها ، ومن هنا نحتاج لإحراز تحقّق الموضوع خارجا بالإضافة لإحراز أصل الجعل ، وبذلك يصل الحكم لمرحلة الفعليّة.

وببيان آخر : انّ الأحكام لمّا كانت مجعولة على نهج القضايا الحقيقيّة فهذا معناه انّ جعل الأحكام يكون بمثابة الكبريات التي ينتج عن ضمّها الى صغرياتها ثبوت الفعليّة للحكم المجعول ، إذ انّ احراز أصل الجعل على موضوعه المقدّر لا ينتج الفعليّة بعد عدم تصدي القضايا المثبّتة لأصل الجعل لهذه المهمّة لافتراضها قضايا

٢٢٥

حقيقيّة لا تقتضي أكثر من إثبات الحكم للموضوع المقدّر الوجود والحال انّ الفعليّة منوطة باحراز تحقّق الوجود للموضوع ، ومن هنا نكون بحاجة الى احراز الموضوع من خارج القضيّة المتضمّنة لجعل الحكم ، وهذا الإحراز هو المقصود من احراز صغرى القياس الذي تكون نتيجته فعليّة الحكم المجعول.

وباتّضاح ذلك نقول : انّ الشك إذا كان متعلّقه الكبرى المجعولة شرعا فالشبهة حكميّة ، أي إذا كان الشك في ثبوت القضيّة الحقيقيّة المتصدية لجعل الحكم على موضوعه المقدّر فالشبهة حكميّة ، وتلاحظون انّ الشك هنا في أصل الجعل وفي ثبوت الحكم الكلّي ، ومثاله الشك في جعل الشارع الحرمة للعصير العنبي.

وأمّا إذا كان متعلّق الشك هو صغرى الحكم الشرعي فالشبهة موضوعيّة ، أي إذا كان متعلّق الشك هو تحقّق موضوع الحكم الشرعي خارجا وبالتالي يكون مآله الى الشك في فعليّة الحكم فهذه شبهة موضوعيّة.

وتلاحظون انّ متعلّق الشك في الشبهة الحكميّة والموضوعيّة هو الحكم والتكليف ، غايته انّ الشك في الحكم في الشبهة الحكميّة يكون من جهة الشك في أصل الجعل وفي أصل ثبوت القضيّة الحقيقيّة المتضمّنة للحكم الشرعي المعبّر عنها بالكبرى المجعولة شرعا.

وأمّا الشك في الحكم والتكليف في مورد الشبهة الموضوعيّة فهو شك في الحكم والتكليف من جهة فعليّته ، والتعبير عنها بالشبهة الموضوعيّة ناشئ عن انّ مرجع الشك في فعليّة التكليف هو الشك في تحقّق موضوع التكليف خارجا أو قل الشك في مصداقيّة المورد لموضوع الحكم الشرعي المحرز جعله ، والشك بهذا المعنى يكون ناتجا عن الجهل بحال الموضوع المعبّر عنه باشتباه الامور الخارجيّة.

وأمّا منشأ الشك في أصل الجعل

٢٢٦

والذي هو مورد الشبهة الحكميّة فهو إجمال النصّ أو تعارضه مع نصّ آخر أو فقدانه.

وبهذا البيان اتّضح المراد من الشك في التكليف والذي هو مجرى لأصالة البراءة الشرعيّة والعقليّة بحسب مبنى المشهور ، طبعا إذا لم تكن للتكليف أو فعليّته حالة سابقة متيقّنة.

* * *

٤٠١ ـ الشك في الحجيّة

راجع تأسيس الأصل عند الشك في الحجيّة.

* * *

٤٠٢ ـ الشكّ في المحصّل

المراد من الشكّ في المحصّل هو الشكّ فيما يحقّق امتثال التكليف بعد إحراز ثبوت أصل التكليف فحينما يكون متعلّق الشكّ هو ما يحصّل الامتثال ويحقّقه فذلك من الشكّ في المحصّل.

ومثاله الأمر بدفع صدقة لفقير على نحو العموم البدلي ، فلو شكّ المكلّف أنّ زيدا فقير أو لا فهذا من الشكّ في المحصّل أي من الشكّ في أنّ الصدقة على زيد هل تحقّق امتثال التكليف المعلوم أم لا؟

وبتعبير آخر : هل يحصل بإعطاء زيد الصدقة امتثال التكليف بوجوب الصدقة على الفقير أو لا يحصل الامتثال بذلك؟

وهنا لا يسع المكلّف الاجتزاء في مقام الامتثال بالصدقة على زيد المشكوك فقره ، لأنّ المكلّف لا يحرز بذلك الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، وهذا هو معنى جريان أصالة الاشتغال في هذا الفرض لأنّه من صغريات قاعدة أنّ الشغل اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ، فالمكلّف مشغول الذمّة يقينا بالصدقة على فقير ومع تسليم الصدقة لزيد لا يحصل القطع بفراغ ذمّته عن التكليف.

وبذلك يتّضح أنّ الشكّ في المحصّل من أنحاء الشكّ في المكلّف به ، وقد فصّلنا ذلك تحت عنوان الشكّ في المكلّف به.

٢٢٧

٤٠٣ ـ الشكّ في المكلّف به

المراد من الشك في المكلّف به والذي هو مجرى لأصالة الاشتغال العقلي هو الشك في امتثال التكليف ، وبه يعرف المائز اجمالا بين الشك في التكليف والذي هو مجرى لأصالة البراءة والشك في المكلّف به ، إذ انّ الشك في التكليف ـ كما قلنا ـ يكون من جهتين إمّا أن يكون شكا في أصل الجعل وامّا أن يكون شكا في تحقق الفعليّة للحكم بسبب الشك في تحقق موضوعه خارجا ، وكلا الجهتين تئولان الى الشك في التكليف كما أوضحنا ذلك.

وأمّا الشك في المكلّف به فليس كذلك إذ هو شك في الامتثال ، وهذا ما يحتاج الى بيان فنقول : انّ الشك في الامتثال على أنحاء :

النحو الأوّل : أن يكون الشك من جهة صدور متعلّق التكليف بعد احراز أصل الجعل للتكليف وبعد احراز تحقّق موضوعه خارجا.

ومثاله : العلم بجعل الشارع الوجوب لصلاة الظهر والعلم بدخول الوقت والذي هو موضوع الوجوب إلاّ انّ الشك وقع من جهة صدور متعلّق الوجوب والذي هو الصلاة ، بمعنى انّ المكلّف شك في انّه هل جاء بالصلاة وبالتالي يكون قد امتثل الوجوب أو انّه لم يأت بالصلاة فلم يقع الامتثال منه ، فالشك هنا في المكلّف به ، أي في متعلّق الوجوب « الصلاة » من حيث امتثال الأمر به أو عدم امتثاله.

النحو الثاني : أن يكون الشك في فصل المتعلّق من جهة تردده بين أمرين أو أكثر مع العلم بجنسه والفراغ عن ثبوت أصل الجعل للتكليف بجنسه وفصله.

وبيان ذلك : انّ المكلّف قد يعلم بثبوت الوجوب للصلاة في يوم الجمعة ، وهذا معناه العلم بالجعل للتكليف من جهة جنسه وهو الإلزام وفصله وهو الوجوب. ومعناه أيضا العلم بمتعلّق التكليف ولكن من جهة

٢٢٨

جنسه والتي هي الصلاة ، فالصلاة هي متعلّق التكليف إلاّ انّها جنس ، بمعنى انها تصدق على حقائق متعدّدة مثل الجمعة والظهر والآيات ، وهذه الحقائق فصول الصلاة ، وهي مورد الشك في الفرض ، فالمكلّف وان كان عالما بجنس المتعلّق للتكليف ، وهي الصلاة إلاّ انّ الشك من جهة فصلها ، وهل هي صلاة الظهر في المثال أو صلاة الجمعة ، فالشك في متعلّق التكليف نشأ عن التردد فيما هو فصله فهو إذن شك في المكلّف به ، ومن هنا يكون الفرض مجرى لأصالة الاشتغال ، وذلك بعد تنقيح انّ الشك في المكلّف به.

وأمّا تصوير انّ الشك في هذا الفرض شك في الامتثال فلأنّ المكلّف لو اقتصر في الامتثال على صلاة الظهر لما أحرز الفراغ عن عهدة التكليف المعلوم ولظلّ شاكا في الامتثال ، وبذلك يتّضح انّ دوران المتعلّق بين المتباينين ـ والذي هو علم اجمالي ـ مجرى لأصالة الاشتغال.

النحو الثالث : أن يكون الشك والتردد من جهة جنس المتعلّق مع احراز أصل الجعل للتكليف جنسا وفصلا.

وبيانه : انّ المكلّف قد يحرز ثبوت الوجوب إلاّ انّه مردد بين وجوب قضاء صلاة الآيات أو وجوب الغسل ، فهنا يكون المكلّف عالما بجنس التكليف وهو الإلزام وعالما بفصله وهو الوجوب ، والشك انّما هو من جهة المتعلّق ، إذ انّ متعلّق الوجوب المعلوم مردد بين قضاء صلاة الآيات الفائتة أو الغسل ، فهنا يكون الشك في المتعلّق من جهة جنسه ، إذ انّ الصلاة جنس والغسل جنس آخر كما هو واضح.

والشك في جنس متعلّق التكليف معناه الشك في المكلّف به ، ومن هنا كان مجرى لأصالة الاشتغال. وأمّا انّه شكّ في الامتثال فلعين ما ذكرناه في النحو الثاني. وهذا الفرض من فروض دوران الأمر بين المتباينين أيضا والذي هو علم اجمالي ، إذ انّ

٢٢٩

المكلّف يعلم اجمالا بالوجوب ويشك في جنس متعلّقه وهو الصلاة أو الغسل.

النحو الرابع : أن يكون الشك والتردّد من جهة فصل التكليف مع احراز أصل الجعل لجنس التكليف والعلم بمتعلّق التكليف جنسا وفصلا.

وبيان ذلك : انّه قد يعلم المكلّف بجنس الإلزام لصلاة الجمعة إلاّ انّه يشك في فصل هذا الإلزام وهل هو الوجوب أو الحرمة ، فجنس التكليف معلوم وهو الإلزام كما انّ متعلّق التكليف معلوم أيضا بجنسه وهو الصلاة وفصله وهو الجمعة إلاّ انّ الشك من جهة فصل التكليف وهل هو الوجوب أو هو الحرمة.

والشك في هذا الفرض شك في المكلّف به والذي هو المتعلّق رغم العلم بجنسه وفصله ، وذلك لأنّ مآل الشك في فصل التكليف ودورانه بين الوجوب والحرمة هو الشك في انّ متعلّق التكليف هل هو فعل صلاة الجمعة أو تركها ، فلو كان فصل التكليف واقعا هو الوجوب لكان متعلّق التكليف هو الفعل ، ولو كان فصل التكليف هو الحرمة لكان متعلّق التكليف هو ترك الفعل ، ومن هنا كان مآل الشك في فصل التكليف الى الشك في متعلّق التكليف ، أي في المكلّف به إلاّ انّ جهة الشك والتردّد ليس هو جنس المتعلّق أو فصله كما في الفرض الثاني والثالث بل من جهة انّ المطلوب لزوما هل هو الفعل أو الترك.

وأمّا تصوير انّ الشك في هذا الفرض شك في الامتثال فلأنّ المكلّف لو جاء بصلاة الجمعة لما أحرز الامتثال لاحتمال انّ المطلوب واقعا هو الترك وهكذا الكلام لو ترك صلاة الجمعة.

وبهذا يتّضح انّ دوران الأمر بين المحذورين إذا كان منشؤه الشكّ في فصل التكليف يكون من موارد الشك في المكلّف به ، والمانع في المقام عن جريان أصالة الاشتغال انّما هو عدم القدرة على الموافقة القطعيّة.

النحو الخامس : أن يقع الشك في

٢٣٠

فصل التكليف مع العلم بأصل الجعل لجنس التكليف كالفرض السابق إلاّ انّه في هذا الفرض يكون فصل المتعلّق مشكوكا.

وبيان ذلك : انّ قد يعلم المكلّف بجعل جامع التكليف الإلزامي أي بجنس التكليف ، كأن يعلم بأصل جعل الإلزام إلاّ انّه متردّد في انّ الإلزام هل هو بنحو الوجوب أو الحرمة ، وهذا هو معنى الشك في فصل التكليف ، ويفترض أيضا العلم بجنس متعلّق التكليف وهو الصلاة مثلا إلاّ انّ فصل المتعلّق مشكوكا وهل هو صلاة الآيات أو صلاة الضحى.

ففي هذا الفرض نعلم بأمرين ، وهما جنس التكليف والذي هو الإلزام وجنس متعلّق التكليف والذي هو الصلاة ، ونشك في أمرين ، وهما فصل التكليف وهل هو الوجوب أو الحرمة وفصل المتعلّق وهل هو الآيات أو الضحى؟

فالنتيجة هي انّ المكلّف يعلم بتوجّه تكليف إلزامي إليه متعلّق بالصلاة إلاّ انّه متردد من جهة انّ التكليف الإلزامي هل هو وجوب صلاة الآيات أو حرمة صلاة الضحى ، ومآل الشك هنا الى الشك في متعلّق التكليف من جهة انّ المطلوب على المكلّف هل هو فعل صلاة الآيات أو هو ترك صلاة الضحى وهو شك في المكلّف به.

وأمّا تصوير انّ هذا الشكّ شكّ في في الامتثال فلأنّه لو جاء المكلّف بصلاة الآيات ولم يترك صلاة الضحى لكان ذلك موجبا للشك في امتثال التكليف المعلوم وهو الإلزام ، إذ لعلّ المطلوب هو ترك صلاة الضحى ، ولو ترك صلاة الضحى ولم يأت بصلاة الآيات لكان ذلك موجبا للشك في امتثال جامع التكليف وهو الإلزام ، إذ لعلّ المطلوب واقعا هو فعل صلاة الآيات. ومن هنا يكون المكلّف ملزما بالامتثال القطعي أي الموافقة القطعيّة ، وذلك بفعل صلاة الآيات وترك صلاة الضحى.

٢٣١

النحو السادس : نفس الفرض الخامس إلاّ انّه في هذا الفرض يكون متعلّق التكليف مشكوكا جنسا وفصلا.

وبيان ذلك : انّه لو علم المكلّف بجامع التكليف الإلزامي إلاّ انّه شك في فصله ، وهل هو الوجوب أو الحرمة ، كما انّه تردد في متعلّق التكليف وهل هو الصوم أو الغيبة ، ومآل الشك هنا الى الشك في متعلّق التكليف من جهة انّ المطلوب لزوما هل هو فعل الصوم أو ترك الغيبة ، وهو شك في المكلّف به. وتصوير انّ الشك في هذا الفرض شك في الامتثال يتّضح ممّا تقدّم.

ثمّ انّ هذه الأنحاء الستّة التي ذكرناها لا غموض من جهة انّ الشك في موردها يرجع الى الشك في المكلّف به ، وانّما الغموض في حالات كون الشك في المكلّف به ناشئا عن الشك في متعلّق المتعلّق والذي هو موضوع التكليف ، وقبل بيان ذلك ننبّه على ما نبّه عليه المحقّق النائيني رحمه‌الله بعد بيانه الأنحاء الستّة التي أوضحناها ، وهو انّ الشك في جنس التكليف ليس من أقسام الشك في المكلّف به بأيّ فرض فرضته ، وذلك لأنّ معنى الشك في جنس التكليف هو الشكّ في التكليف الإلزامي أو غير الإلزامي ، وهذا يؤول الى التردد بين الوجوب وعدم الحرمة أو الى التردّد بين الحرمة وعدم الوجوب أو الى التردّد بين الوجوب والحرمة والإباحة أو الكراهة أو الاستحباب ، وتمام هذه الأقسام يكون الشك فيها شكا في جعل التكليف الإلزامي وهو مجرى لأصالة البراءة بلا ريب.

ثمّ انّ البحث يقع عن الشك في المكلّف به لو كان ناشئا عن الشكّ في متعلّق المتعلّق وهو الموضوع الخارجي للتكليف ، فإنّ تميّزه عن الشك بنحو الشبهة الموضوعيّة والذي هو مجرى لأصالة البراءة يحتاج الى شيء من التأمّل ، وذلك لأنّ الشك بنحو الشبهة الموضوعيّة ينشأ أيضا عن الشك في متعلّق المتعلّق.

واجمال الفرق بين الشك بنحو

٢٣٢

الشبهة الموضوعيّة والشك في المكلّف به عند ما يكون ناشئا عن الشك في الموضوع الخارجي للحكم « متعلّق المتعلّق » هو انّ الشكّ إذا كان يؤول الى الشكّ في فعليّة الحكم ، فالشبهة موضوعيّة والأصل الجاري في موردها هو البراءة ، وأمّا إذا لم يرجع الشك في الموضوع الى الشك في فعليّة الحكم فالشكّ حينئذ يكون شكا في المكلّف به.

وبيان ذلك يتّضح من استعراض فروض الشك في الموضوع :

الفرض الاول : أن يقع الشك في تحقّق الموضوع للحكم خارجا ، وفي هذا الفرض يؤول الشك في الموضوع الى الشك في تحقّق الفعليّة للحكم ، وذلك لأنّ تحقّق الفعليّة للحكم منوط بتحقّق موضوعه خارجا فمع الشك في وجود الموضوع وتحقّقه خارجا يكون مآل الشك الى الشك في بلوغ الحكم ـ المعلوم جعله ـ مرحلة الفعليّة.

ومثاله : الشك في حلول شهر رمضان المبارك ، فإنّ هذا الشك يؤول الى الشك في فعليّة التكليف بوجوب الصوم ، إذ انّ الفعليّة لوجوب الصوم منوطة بتحقّق موضوع الوجوب خارجا وهو حلول شهر رمضان ، فإذا وقع الشك في حلوله فإنّ ذلك يعني وقوع الشك في تحقّق الفعليّة لوجوب الصوم. وبرجوع الشك في الموضوع الى الشك في الفعليّة يتعيّن كون الشبهة في هذا الفرض موضوعيّة ، ومن هنا يكون الأصل الجاري في المقام هو البراءة.

الفرض الثاني : أن يكون تحقّق الموضوع خارجا محرزا إلاّ انّ الشكّ والتردّد من جهة تعيينه ، كما لو كان الموضوع مردّدا بين طرفين أو أكثر.

ومثاله : وجوب الصلاة على الميّت المسلم ، فلو علم المكلّف بموت المسلم والذي هو موضوع الوجوب إلاّ انّ الميّت المسلم تردّد بين اثنين أحدهما مسلم والآخر غير مسلم ، فهنا لا شك من جهة تحقّق موضوع الوجوب خارجا وانّما الشك من جهة تردّد الموضوع بين طرفين ، ولذلك لا يكون

٢٣٣

الشك في الموضوع راجعا الى الشك في فعليّة الوجوب ، إذ انّ الفعليّة في الفرض المذكور محرزة التحقّق ، والشك انّما هو في الامتثال لو صلّى على أحد الميتين دون الآخر ، ومن هنا كان الأصل الجاري في الفرض المذكور هو الاشتغال العقلي والمقتضي للصلاة على كلا الميتين.

وتصوير انّ هذا الشك شك في المكلّف به هو انّ مآل الشك في الفرض المذكور الى الشك فيما هو المطلوب واقعا ، وهل المطلوب هو فعل الصلاة على هذا الميت أو ذاك.

ثمّ انّ هذا الفرض لا يختلف الحال فيه بين أن يكون المعلوم بالإجمال هو الوجوب أو الحرمة ، كما لو علمنا بحرمة شرب النجس ، فالنجس هو موضوع الحرمة ، واتّفق انّ علمنا بتحقّق النجاسة في أحد الإنائين ، فالعلم بتحقّق الموضوع محرز ، ومن هنا لا يؤول الشك في الموضوع الى الشك في فعليّة الحرمة بل انّ فعليّة الحرمة محرزة بعد احراز تحقّق موضوع الحكم وواضح انّ الفعليّة ليست منوطة بتشخيص الموضوع بل يكفي في تحققها احراز تحقّق الموضوع خارجا وان كان مردّدا بين طرفين أو أكثر ، ومن هنا كان الأصل الجاري هو الاشتغال المقتضي لترك كلا الإنائين.

ثمّ انّ هذين القسمين ينقسمان الى قسمين ، إذ قد تكون الأطراف التي يتردّد الموضوع بينهما محصورة وقد تكون غير محصورة ، وسقوط أصالة الاشتغال في حالات عدم انحصار الأطراف ـ على المبنى المشهور ـ انّما هو لمانع مذكور في محلّه.

الفرض الثالث : ان يعلم بتحقّق الموضوع خارجا في بعض الأفراد ويقع الشك في تحقّقه في أفراد اخرى ، ولهذا الفرض صورتان :

الصورة الاولى : أن يكون الحكم شموليا ، أي انّه منحل الى أحكام بعدد أفراد الطبيعة « الموضوع » المجعول عليها الحكم المعبّر عنها بالطبيعة السارية المقتضية لانحلال الحكم على أفرادها.

٢٣٤

ومثال ذلك : « لا تشرب الخمر » و « أكرم العلماء » ، فإنّ الإطلاق في المثالين شمولي ويقتضي انحلال الحكم الى أحكام بعدد أفراد الطبيعة المجعول عليها الحكم ، فلو أحرزنا انّ هذا السائل وذلك السائل والسائل الثالث خمر ، وأحرزنا انّ زيدا وخالدا وبكرا علماء فلا ريب في ثبوت الحرمة للأفراد الثلاثة وثبوت الوجوب للعلماء الثلاثة ، ولو اتّفق ان وقع الشك في خصوص الفرد الرابع من السائل وهل هو خمر أو لا ، واتّفق ان وقع الشك في عمرو وهل هو من العلماء أو لا ، فهل يؤول هذا الشك الى الشك في الفعليّة أو الى الشك في المكلّف به؟

والجواب : انّه لا إشكال في انّ مآل الشك في المثال الاول الى الشك في الفعليّة ، وذلك لأنّ الشك في خمريّة السائل الرابع معناه الشك في تحقّق موضوع الحرمة في ضمن هذا السائل ، ومعنى ذلك هو الشك في فعليّة الحرمة لهذا السائل.

وبتعبير آخر : انّ الشك في خمريّة هذا السائل يساوق الشك في التكليف الزائد ، وذلك لما ذكرناه من انّ ثبوت الحرمة ينحلّ الى حرمات بعدد أفراد طبيعة الخمر ، فلو أحرزنا خمريّة ثلاثة أفراد من السائل ، فهذا معناه احراز فعليّة ثلاث حرمات ولو شككنا في خمرية السائل الرابع فإنّ معنى ذلك هو الشك في تحقّق حرمة رابعة بإزاء الفرد المشكوك الخمريّة ، فهو إذن شك في تكليف زائد على التكاليف الثلاثة ، ولهذا يكون الأصل الجاري هو البراءة.

وبهذا يتّضح انّ الحكم إذا كان مجعولا على الطبيعة السارية أي بنحو الإطلاق الشمولي ، ووقع الشك في فرديّة فرد للطبيعة فإنّ مآل الشك في الفرديّة الى الشك في التكاليف الزائد أو قل الى الشك في فعليّة الحكم بالنسبة للفرد المشكوك من غير فرق بين أن تكون هناك أفراد نحرز مصداقيتها للطبيعة أو لم تكن.

الصورة الثانية : أن يكون ثبوت الحكم للطبيعة « الموضوع » بدليا ، أي

٢٣٥

أن يكون الحكم متعلّقا بالطبيعة بنحو صرف الوجود ، وصرف الوجود يتحقّق بايجاد فرد من أفراد الطبيعة ، فالمكلّف في سعة من جهة اختيار أيّ واحد من أفراد الطبيعة على نحو البدل.

وحينئذ إذا وقع الشك في مصداقيّة فرد للطبيعة فإنّه لا يكون كالشك في الصورة الاولى ، وذلك لأنّ الشك في هذه الصورة لا يساوق الشك في التكليف الزائد.

ومثال ذلك : ما لو قال المولى : « أكرم عالما » وكنا نحرز انّ زيدا عالم إلاّ انّنا نشك في عالميّة عمرو ، فإنّ الشك في عالميّة عمرو لا يساوق الشك في التكليف الزائد ، لأنّ المفترض انّ التكليف واحد ولا ينحلّ الى تكاليف بعدد أفراد الطبيعة بعد ان كان تعلّق الحكم بالطبيعة بنحو صرف الوجود ، والإطلاق انّما هو من جهة سعة البدائل التي يمكن للمكلّف الامتثال بواسطة واحد منها ، فحينما نشك في فردية فرد فإنّ هذا الشك يساوق الشك في امكان امتثال الامر بالطبيعة بواسطة هذا الفرد المشكوك في مصداقيته للطبيعة ، وحينئذ لو اقتصر المكلّف على هذا الفرد في مقام امتثال الأمر بالطبيعة لظلّ شاكا في امتثال التكليف المعلوم.

ومن هنا فالأصل الجاري في المقام هو الاشتغال العقلي ، بمعنى عدم صحّة الاكتفاء ـ بهذا المشكوك ـ في مقام الامتثال ولزوم امتثال التكليف بواسطة الإتيان بفرد يحرز انّه من أفراد الطبيعة.

ثمّ لا يخفى عليك انّ جريان أصالة الاشتغال في الفرد المشكوك انّما هو باعتبار افتراض وجود فرد آخر نحرز مصداقيته للطبيعة المأمور بها بنحو صرف الوجود ، أما لو لم يكن سوى هذا الفرد المشكوك مصداقيته للطبيعة فإنّ الأصل الجاري في هذا الفرد هو البراءة ، وذلك لأنّ الشك في مصداقيته للطبيعة معناه الشك في تحقّق موضوع الحكم ، وهو يساوق الشك في تحقق الفعليّة والتي هي مجرى لأصالة البراءة.

٢٣٦

وهذا بخلاف الفرض السابق والذي افترضنا فيه احراز وجود موضوع الحكم في ضمن الفرد الأول وهو زيد في المثال ، غايته انّنا شككنا في مصداقيّة فرد آخر للطبيعة ، ففي مثل هذا الفرض لا شك من جهة تحقّق الفعليّة للحكم وانّ وجوب اكرام العالم فعلي وانّما الشك من جهة صحّه امتثال الوجوب باكرام العالم في ضمن الفرد الآخر وهو عمرو ، ومن هنا كان الأصل الجاري هو أصالة الاشتغال.

وبهذا يتّضح انّ التكليف إذا كان متعلّقا بالطبيعة بنحو صرف الوجود وكنّا نحرز تحقّق الفعليّة للتكليف بسبب العلم بتحقّق موضوعه في ضمن فرد من الأفراد فإنّ الأصل الجاري في الأفراد الاخرى المشكوك مصداقيتها للطبيعة هو أصالة الاشتغال.

ونكتفي بهذا المقدار ، إذ انّه كاف في اعطاء صورة شبه تفصيليّة عن معنى الشك في المكلّف به.

* * *

٤٠٤ ـ شمول الأحكام للجاهل

الظاهر انّه لم يختلف أحد من الإماميّة « أعزّهم الله تعالى » في انّ أحكام الله تعالى شاملة للعالم والجاهل ، وقد ادعي تواتر أو استفاضة الروايات على ذلك ، ولعلّ الروايات المشار اليها هي اطلاقات الأدلّة المتصدّية لبيان الأحكام ، وقد اضيف الى دليلي الإجماع والروايات دليل ثالث حاصله :

انّ الالتزام باختصاص الأحكام بالعالمين بها يلزم منه محذور عقلي لا يمكن الالتزام به ، وهو أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم ، وهو محال ، وقد أوضحنا ذلك تحت عنوان « أخذ القطع بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم » فراجع.

وكيف كان فشمول الاحكام للعالم والجاهل ليس موردا للنزاع ، ومن هنا كانت الأمارات والاصول العمليّة مصيبة تارة للواقع ومخطئة تارة اخرى ، خلافا لمذهب الأشاعرة

٢٣٧

والمعتزلة حيث ذهبوا للتصويب على خلاف بين الفرقتين في تقريره ، وقد أوضحنا كلّ ذلك تحت عنوان « التخطئة والتصويب » و « التصويب الأشعري » و « التصويب المعتزلي » وتحت عنوان « مسلك السببيّة ».

* * *

٤٠٥ ـ الشهرة الروائيّة

والمقصود منها اشتهار نقل الرواية في المجاميع الروائيّة كالكتب الأربعة وكتاب قرب الاسناد ومسائل علي بن جعفر وغيرها من الكتب المتصدّية لنقل الروايات ، بل لو اشتهر نقل الرواية في الكتب الفقهيّة الاستدلاليّة أو كان الاشتهار ناشئا عن التلفيق بين الكتب الروائيّة والكتب الفقهيّة الاستدلاليّة لأمكن وصف الرواية بالمشهورة روائيا ، على أن لا تكون تلك الرواية منقولة عن الكتب الروائيّة التي تحصل عن نقلها فيها وفي الكتب الاستدلاليّة عنوان الاتّصاف بالشهرة.

وهذا النحو من الشهرة هو الذي تعارف بين الفقهاء عدها من المرجّحات في باب التعارض اعتمادا على مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة ، فلو ورد خبران معتبران سندا وكان أحدهما مشهورا روائيا والآخر ليس كذلك فإنّ الشهرة الروائيّة المتّصف بها أحد الخبرين تكون موجبة لترجيح الخبر المشهور على الخبر الآخر خلافا لمبنى السيّد الخوئي رحمه‌الله. راجع « الترجيح بالشهرة ».

* * *

٤٠٦ ـ الشهرة العمليّة

والمقصود منها اشتهار العمل برواية ، أي الاستناد إليها في مقام التعرّف على الحكم الشرعي ، وهذه الشهرة هي التي ذهب المشهور الى انّها توجب انجبار الضعف السندي للرواية ولكن بشرطين :

الاول : أن تكون الشهرة العمليّة واقعة بين قدماء الأصحاب كالسيد

٢٣٨

المرتضى والصدوقين والمفيد وسلار والشيخ الطوسي رحمهم‌الله.

الثاني : هو إحراز استناد الفقهاء إليها في مقام الإفتاء وانّه لا مدرك آخر لهم غير هذه الرواية الضعيفة وإلاّ فمع احتمال وجود مستند آخر وانّ ذكر هذه الرواية في مقام الاستدلال انّما هو من باب التأييد فإنّ هذه الشهرة لا تكون جابرة ، إذ لا نحرز حينئذ انّ هذه الرواية مشتهرة عملا وانّما نحتمل ذلك ، فالتعبير عنها بأنّها مشهورة عملا تسامحي. راجع عنوان « انجبار ضعف الخبر بعمل المشهور » وعنوان « اعراض المشهور ».

* * *

٤٠٧ ـ الشهرة الفتوائيّة

والمقصود منها اشتهار الفتوى بحكم من الأحكام دون أن يكون ثمّة مستند لهذه الفتوى ولو كان ضعيفا إلاّ انّه يحتمل اعتمادهم عليه ، وحينئذ لا تكون الشهرة فتوائيّة.

فضابطة الشهرة الفتوائيّة هو عدم وجدان مدرك يحتمل اعتماد المشهور عليه ، ولهذا لو وجد مدرك يصلح لأن يعتمد عليه إلاّ اننا نقطع بعدم اعتمادهم عليه فإنّ ذلك لا ينفي اتّصاف الشهرة بالفتوائيّة.

وقد اختلف الاصوليون في حجيّة هذه الشهرة ، فمنهم من ذهب الى حجيتها بنحو مطلق ، أي سواء كانت الشهرة واقعة بين قدماء الفقهاء أو كانت واقعة بين المتأخّرين ، ومنهم من نفى عنها الحجيّة بنحو مطلق ، ومنهم من فصّل بين الشهرة الفتوائيّة الواقعة بين القدماء ـ أو بتعبير بعضهم الواقعة بين القدماء ـ أو بتعبير بعضهم الواقعة بين أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ـ وبين الشهرة الواقعة بين المتأخّرين ، فالاولى منها حجّة دون الثانية ، وهذا هو مبنى المحقّق البروجردي وجمع من تلامذته والسيد الامام رحمهم‌الله.

٢٣٩

هوامش حرف الشين

(١) سورة البقرة : ٢٢٨.

(٢) سورة النساء : ٤٣.

٢٤٠