المعجم الأصولي - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

والموافقة لمقتضيات العقل تعني الإتيان بالشرائط أو الأجزاء التي لا يمكن استفادتها إلا بواسطة العقل ، وذلك مثل قصد امتثال الامر ، حيث ثبت بالدليل استحالة استفادته بواسطة الشرع كما هو منقح في بحث التوصلي والتعبدي.

واستدل صاحب الكفاية رحمه‌الله على هذه الدعوى بأنّه لو كان المراد من قولهم « على وجهه » هو خصوص الأجزاء والشرائط المعتبرة شرعا لكان التقييد بقولهم « على وجهه » توضيحيا ، وهو خلاف الأصل ، إذ انّ الاصل في القيود الاحترازية ، هذا أولا وثانيا يلزم من عدم القول بإرادة مجموع ما يعتبر شرعا وعقلا خروج التعبديات عن محل البحث ، وذلك لانّ قصد الامر المعتبر في التعبديات لا يستفاد إلا بواسطة العقل ، فالعقل هو المحدد لكيفية الإطاعة في التعبديات ، فإذا لم يكن ما يعتبر عقلا مرادا من قولهم « على وجهه » فهذا معناه خروج التعبديات عن محل البحث ، وهو ما لا يمكن الالتزام به.

الاحتمال الثاني : انّ المراد من قولهم « على وجهه » هو الإتيان بالمأمور به مع قصد الوجه ، كقصد الوجوب أو الاستحباب.

وأجاب صاحب الكفاية رحمه‌الله عن هذا الاحتمال انّ المعروف بين الفقهاء عدم اعتبار قصد الوجه مطلقا ، وانّ من ذهب من الفقهاء الى اعتباره حصره في العبادات وهذا يقتضي خروج التوصليات عن محل البحث.

ثم انه لا مبرر للتنصيص عليه لو كنا نبني على اعتباره ، وذلك لدخوله تحت عنوان ما يعتبر شرعا ، فيكفي التعبير بالإتيان بالمأمور به ، إذ انّه يشمل قصد الوجه لو قيل باعتباره شرعا.

الاحتمال الثالث : انّ المراد من قولهم « على وجهه » هو الاتيان بالمأمور به موافقا لما يعتبر شرعا ،

٤١

وعليه يكون التقييد توضيحيا ، ومع ذلك لا يلزم خروج التعبديات عن محل البحث ، إذ انّ ذلك مبني على استحالة اعتبار قصد الامر شرعا أما مع القول بعدم الاستحالة كما هو مذهب السيد الخوئي رحمه‌الله والمحقق النائيني رحمه‌الله فلا معنى لإرادة الأعم مما يعتبر شرعا وعقلا ، وأما مخالفة ذلك للاصل وانّه يقتضي الاحترازية فلا بأس به إذا كان ذلك هو مقتضى القرينة ، حيث قام الدليل على إمكان اعتبار قصد الأمر شرعا.

وأما المراد من الاقتضاء : فهو العلية والتأثير كما أفاد صاحب الكفاية رحمه‌الله. وبيان ذلك :

انّ الاقتضاء تارة يضاف الى الصيغة واخرى الى الفعل ، فإذا ما اضيف الى الصيغة كان بمعنى الكشف والدلالة ، فحينما يقال ان صيغة الأمر هل تقتضي الوجوب فهذا معناه البحث عن دلالتها على الوجوب ، أما اذا اضيف الاقتضاء الى الفعل فإنّه يكون بمعنى العلية والتأثير ، فإذا قيل ان الصوم هل يقتضي الثواب أولا؟ فإنّ البحث عندئذ عن علّية فعل الصوم لترتّب الثواب ، وهكذا.

وهكذا البحث في المقام ، فإنّ الاقتضاء اضيف الى الإتيان بالمأمور به ، ومن هنا كان بمعنى تأثير الإتيان بالمأمور به للإجزاء.

ثم أورد صاحب الكفاية على نفسه فقال ما حاصله : انّه وإن سلّم انّ اقتضاء الإجزاء عن الأمر عند الإتيان بنفس متعلق الأمر وان سلّم انه بمعنى التأثير والعلّية إلا انّه غير مسلّم عند ما يقال انّ الإتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهري يقتضي الإجزاء عن الامر الواقعي ، فإنّ الاقتضاء هنا ليس بمعنى التأثير وإنما هو بمعنى الدلالة والكشف ، أي انّ دليل الامر الاضطراري هل يدل على الإجزاء عن الأمر الواقعي ،

٤٢

فالاقتضاء إذن بمعنى الدلالة لا بمعنى التأثير والسببيّة.

وقد أجاب صاحب الكفاية عن ذلك بأنّ البحث في موارد الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري عن الامر الواقعي ينحل الى بحثين ، الاول كبروي والآخر صغروي ، أما الكبروي فهو انّ محض الاتيان بالمأمور به هل يقتضي الإجزاء أولا؟ ، وهنا يكون الاقتضاء بمعنى التأثير والعلّية.

والبحث الصغروي هو عن دلالة الامر الاضطراري والامر الظاهري على الإجزاء ، إلا انّ هذا البحث متفرع على اقتضاء وتأثير الاتيان بالمأمور به للإجزاء وإلا لو لم يكن الإتيان بالمأمور به مقتضيا ومؤثرا للإجزاء لم يكن ثمة موقع للبحث الصغروي.

وبهذا يتضح انّ البحث عن إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره لا يكون إلاّ بحثا كبرويا ، أما البحث عن إجزاء الاتيان بالمأمور بالامر الاضطراري أو الظاهري عن الامر الواقعي لا ينتهي عند الوصول الى اقتضائهما للإجزاء كبرويا بل لا بدّ من البحث عن انّ صيغة الأمر الاضطراري أو الظاهري هل تدلّ على الإجزاء عن الامر الواقعي أولا؟.

ولو انتهى بنا البحث الى عدم الإجزاء فإنه لا معنى للبحث الصغروي.

وبما ذكرناه تتضح معالم بحث الإجزاء ، ولتتميم الفائدة نشير اجمالا الى المباحث الثلاثة المبحوثة في مسألة الإجزاء.

المبحث الاول : إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره ، كإجزاء المأمور به بالامر الواقعي عن الامر الواقعي واجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري عن الامر الاضطراري وكذلك إجزاء المأمور به بالامر الظاهري عن الامر الظاهري.

٤٣

الظاهر انه لم يقع خلاف بين الأعلام في اقتضاء ذلك للإجزاء ، واستدل صاحب الكفاية لذلك بما حاصله : انّ الإجزاء في هذه الموارد ضروري بمقتضى ما يستقل به العقل ، إذ لا معنى لبقاء الامر بعد انتفاء موضوعه بالإتيان بمتعلقه.

وأيّد السيد الخوئي رحمه‌الله ذلك بما حاصله : انّ عدم الإجزاء في هذه الموارد يلزم منه أحد لوازم ثلاثة على سبيل مانعة الخلو ، وجميعها باطلة ، وهي إما لزوم الخلف أو عدم إمكان الامتثال الى الابد أو يكون الامر بعد الامتثال مجردا عن الملاك.

وبيان ذلك : انّ الإتيان بالمأمور به محقق للغرض بلا ريب وإلا لما وقع متعلقا للأمر ، وحينئذ لو جاء المكلّف بالمأمور به وقلنا بعدم الإجزاء فهذا خلف تحقق الغرض به ، إذ انّ ذلك يقتضي كون الغرض أوسع من الامر فيكون المطلوب والغرض متعددين وهو خلف الفرض ، أو نقول انّ الغرض والمطلوب يتحققان بالاتيان بالمأمور به ومع ذلك يبقى الامر على حاله مقتضيا للبعث والتحريك ، وهذا لا معنى له إلا مع افتراض كون الأمر بلا مقتض وبلا ملاك ، إلاّ ان نقول انّ الامر مشتمل على الغرض وانه غير متعدد إلا انّ الامتثال الاول لا يقتضي الإجزاء ، وهذا أيضا مستحيل ، إذ ما هو الفرق بين الامتثال الاول والامتثال الثاني بعد توفرهما معا على تمام الأجزاء والشرائط المعتبرة ، فإذا كان الاول غير مجز فكذلك الثاني وهكذا الثالث وهذا يعني عدم امكان الامتثال الى الابد.

فالمتحصل انّ إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره لم يقع محلا للنزاع إلا ممن لا يعتد بقوله.

المبحث الثاني : وهو إجزاء الإتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري عن الامر الواقعي ، والبحث في هذه

٤٤

المسألة من جهتين :

الجهة الاولى : ما لو اتفق زوال العذر والاضطرار قبل انتهاء الوقت ، وتحرير محل النزاع في هذه الصورة ـ كما أفاد السيد الخوئي رحمه‌الله ـ يتبلور بالالتفات الى أمرين :

الامر الاول : انّ الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري لا يكون إلاّ في حالة يكون معها موضوع الأمر الاضطراري هو وجود العذر ، لا أن يكون موضوعه هو استيعاب العذر لتمام الوقت ، فإنّ الاتيان بالمأمور به حينئذ لا يكون امتثالا للأمر الاضطراري ، لأنّ موضوعه كما هو المفترض هو العذر المستوعب لتمام الوقت والحال انه بادر للإتيان بالمأمور به قبل تنقح الموضوع ، نعم لو كان جازما بالاستيعاب واتفق مطابقة جزمه للواقع وهو الاستيعاب ، وكذلك لو دلت الامارة المعتبرة على الاستيعاب واتفق مطابقتها للواقع فإنّ الاتيان بالمأمور به حينئذ يكون امتثالا للأمر الاضطراري ، وعندئذ يقع البحث عن انّه يجزى عن الامر الواقعي أولا.

الأمر الثاني : انّ محل البحث هو ما لو كان الملاك من الأمر الاضطراري ناشئا عن المصلحة في متعلق الامر الاضطراري ، أي انّ المصلحة في المأمور به بالامر الاضطراري هي الملاك في البعث نحو الامر الاضطراري ، أما لو كانت المصلحة من الامر الاضطراري غير متصلة بمتعلقه وانما هي متصلة بملاك خارج عن متعلق الامر الاضطراري فإنّ هذه الحالة غير مشمولة لمحل البحث ، إذ لا مورد معها للقول بأنّ المأمور به بالامر الاضطراري يفي بمعظم الملاك أو بجزء كبير أو صغير.

ومن هنا كان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري الناشئ عن التقية خارجا عن محل البحث وغير مقتض

٤٥

عقلا للإجزاء إلا مع قيام الدليل الخاص على ذلك كما هو كذلك في بعض الموارد.

ثم البحث بعد تبلور محله يقع في مقامين كما ذكر صاحب الكفاية رحمه‌الله.

المقام الاول : والبحث فيه ثبوتي أي في المحتملات التي يمكن ان يكون واقع الامر الاضطراري مشتملا عليها وهي أربعة :

المحتمل الاول : ان يكون متعلّق الامر الاضطراري واجدا لتمام ملاك متعلق الامر الواقعي.

المحتمل الثاني : ان يكون واجدا لجزء من ملاك الامر الواقعي مع افتراض تعذر استيفاء ما يفوت من الامر الواقعي.

المحتمل الثالث : ان يكون واجدا لجزء الملاك مع القدرة على استيفاء ما يفوت من الامر الواقعي إلا انّ الفائت ليست بالمستوى الذي يستوجب لزوم استيفائه.

المحتمل الرابع : ان يكون واجدا لجزء الملاك مع افتراض القدرة على استيفاء ما يفوت ، ويكون الفائت بمستوى يلزم استيفاؤه بواسطة الإعادة في الوقت أو القضاء خارج الوقت.

المقام الثاني : والبحث فيه إثباتي ، أي عما يقتضيه دليل الامر الاضطراري.

وقد ذهب صاحب الكفاية رحمه‌الله الى دلالته على الإجزاء لاطلاق أدلته كقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) ، ومع افتراض عدم تمامية الإطلاق فالمرجع هو الاصل ، وهو في المقام البراءة ، لانّ الشك فيه شك في أصل التكليف أي شك في التكليف بالأداء أو القضاء وهو مجرى لأصالة البراءة.

الجهة الثانية : ما لو اتفق زوال العذر والاضطرار بعد خروج الوقت ، وفي هذه الحالة ذهب المحقق

٤٦

النائيني رحمه‌الله الى الإجزاء ، وذلك لانّ القيد المعتذر في ظرف الاضطرار واستيعاب العذر للوقت يدور أمره ثبوتا بين أمرين لا ثالث لهما ، فإما ان يكون ذلك القيد دخيلا في اشتمال المأمور به بالامر الواقعي على الملاك بحيث لو اتفق انتفاؤه لما كان المأمور به واجدا للملاك من غير فرق بين ان يكون القيد مقدورا أو متعذرا ، وحينئذ لا معنى للامر بالفاقد للقيد لانه غير واجد للمصلحة والملاك ، فالامر بالمأمور به الاضطراري أمر بما لا ملاك ولا مصلحة في متعلقه.

واما ان يكون القيد المتعذر في تمام الوقت غير دخيل في الملاك حال الاضطرار وإنّما هو دخيل في ظرف القدرة ، وحينئذ يتعين الامر بالفاقد أي الامر الاضطراري ، وذلك لتوفره على الملاك التام بعد تعذّر ذلك القيد ، وعندئذ يكون الامر بالقضاء بعد الإتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري في الوقت بلا معنى ، إذ انّ القضاء يكون لغرض تدارك الملاك الفائت والمفترض ان المأمور به الاضطراري واجدا لتمام الملاك فلا مقتض للقضاء أصلا.

وبهذا يثبت الإجزاء في موارد الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري إذا كان العذر مستوعبا لتمام الوقت ، وذلك لأنّ الامر الاضطراري يكشف بواسطة القرينة العقلية المذكورة عن عدم دخالة القيد المتعذر في ترتب الملاك وان المأمور به بالامر الاضطراري واجد لتمام الملاك في المأمور به بالامر الواقعي.

المبحث الثالث : في إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري عن الامر الواقعي ، والبحث عنه في موردين :

المورد الاول : ما لو انكشف بنحو الجزم عدم مطابقة الامر الظاهري للواقع.

المورد الثاني : ما لو انكشف له انّ

٤٧

الامارة أو الاصل المعتمد أولا كان معارضا بأمارة أو أصل يوجب سقوطهما عن الحجية أو انّ الامارة معارضة بأمارة أقوى أو انّ تطبيقه للكبرى المسلمة كحجية الظهور لم يكن في محلّه.

أما المورد الاول فلم يقع خلاف في عدم الإجزاء ، لانّ سقوط الأمر بناء على الطريقية بل والمصلحة السلوكية لا يكون إلاّ بالإتيان بالمأمور به الواقعي أو قيام دليل على إجزاء غير المأمور به عن المأمور به الواقعي أو قيام دليل على إجزاء غير المأمور به عن المأمور به والمفترض عدم تحقق كلا الامرين.

وكذلك الحال في الشبهات الموضوعية كما لو قامت البينة على طهارة ماء وانكشف له بعد ان توضأ به عدم طهارته فإنّ هذا الوضوء لا يجزي عن الواقع ، وذلك لان الاحكام ثابتة لموضوعاتها الواقعية.

إلاّ انّ هنا في هذا المورد تفصيل ذهب اليه صاحب الكفاية ، وهو انّ الحكم الظاهري إذا كان مستندا الى الامارة فالامر كما ذكروا وهو عدم الإجزاء ، وأما اذا كان مستنده الاصل العملي فإنّ الصحيح هو الإجزاء ، وذلك لحكومة الاصول على الادلة الواقعية بمعنى ان الاصول توسع من دائرة الشرط الواقعي ، فيكون ما جاء به الشاك اعتمادا على الاصل واجدا للشرط الواقعي ، فالماء الذي اغتسل به اعتمادا على أصالة الطهارة أو استصحابها طاهر واقعا ، غايته ان طهارته خاصة بالشاك ، وعليه تكون صلاته الواقعة بعد هذا الغسل واجدة للطهارة الواقعية. وهذا هو مبرر الإجزاء عند ما يكون مستند الحكم الظاهري هو الاصل العملي.

وأما المورد الثاني فقد فصّل المشهور فيه بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية فذهبوا الى

٤٨

الإجزاء في موارد الشبهات الحكمية ، ومثاله لو كان المجتهد يبني على عدم شرطية الطهارة من الخبث في الطواف اعتمادا على رواية معتبرة ثم انكشف له انّ لهذه الرواية معارض ، واتفق ان كان الترجيح مع الرواية التي لم يكن مطلعا عليها والتي تقتضي شرطية الطهارة عن الخبث في الطواف ، فمورد الشبهة في المثال هو شرطية الطهارة ومن هنا تكون الشبهة حكمية ولهذا يكون ما جاء به من طواف مجزيا بنظر المشهور.

وأما في موارد الشبهات الموضوعية فذهبوا الى عدم الإجزاء.

* * *

٩ ـ الإجماع

اختلفت الكلمات في تحديد ضابطة الإجماع ، فمنهم من ذهب الى انّ الإجماع هو اتفاق المسلمين قاطبة ـ في كل الأعصار والأمصار ـ على حكم من الاحكام الشرعية. ومنهم من زعم انّ الاجماع هو اتفاق العلماء من المسلمين على حكم من الاحكام.

ومنهم من ضيق من دائرة موضوع الإجماع فادّعى انّ الإجماع هو اتفاق أهل الحلّ والعقد وهناك من ذهب الى انّ الإجماع هو اتفاق أهل عصر من الاعصار على رأي ، وهناك من ذهب الى غير ذلك.

والاختلاف في ضابطة تحقق الاجماع نشأ عن الاختلاف فيما هو المدرك المعتمد لحجية الاجماع.

* * *

١٠ ـ الإجماع البسيط

وهو اتفاق آراء العلماء على رأي بحيث تتم استفادة هذا الاتفاق بواسطة المدلول المطابقي لقول كل واحد منهم ، ولا يختلف الحال في صدق الاجماع البسيط بين اتفاقهم على الإثبات أو النفي.

٤٩

وقد يصدق الإجماع البسيط كما أفاد السيد الصدر رحمه‌الله في حالة يكون استفادة اتفاق العلماء على رأي بواسطة المدلول الالتزامي ولكن بشرط إحراز انّ المدلول الالتزامي لم ينشأ عن تبني المجمعين لآراء مختلفة لازمها ذلك المدلول الالتزامي ، بمعنى انّه قد يتفق اختلاف الآراء في مسألة ويكون لازم جميع هذه الآراء واحدا ويقع هذا اللازم موقع التبني ولا يكون منشؤه تبني الرأي الملزوم وانما يكون اللازم متبنى من الجميع بقطع النظر عن ملزومه ، أي حتى لو اتفق التخلّي عن الملزوم فإنّ اللازم يبقى على حاله موردا لاتفاق الآراء.

ويمكن التمثيل للصورة الاولى باجماع العلماء على جواز رجوع العامي للمجتهد ، فإنّ هذا الإجماع تم تحصيله بواسطة المدلولات المطابقية لكلمات الفقهاء.

كما يمكن التمثيل للصورة الثانية باجماع العلماء على عدم حجية خبر الكذاب فإنّ تحصيله تم بواسطة لوازم آراء العلماء في حجية خبر الواحد إذ منهم من ذهب الى حجية خبر الثقة فحسب ومنهم من خص الحجية بخبر العدل وذهب آخرون الى الحجية لخبر الامامي الممدوح فإنّ لازم تمام هذه الآراء هو عدم حجية خبر الكذاب ، هذا اللازم لم ينشأ عن تلازمه للمدلول المطابقي لكل واحد من هذه الأقوال وانّما هو متبنى الجميع بقطع النظر عما هو الحجة من الأخبار.

* * *

١١ ـ الإجماع التشرفي

وهو دعوى الإجماع على حكم بملاك التشرّف برؤية الامام الحجة عجّل الله فرجه وسماع الحكم منه.

والتعبير عن مدرك الحكم المتلقى عن الامام الحجّة عليه‌السلام بالاجماع ينشأ عن خوف التصريح بالمدرك الحقيقي

٥٠

للحكم ، إذ قد يدعى منافاته للكتمان المفروض او استيجابه التكذيب المتعبد به ، كما هو المستفاد من التوقيع الشريف الذي خرج على يد علي بن محمد السمري رحمه‌الله آخر سفراء الغيبة الصغرى.

وهذا النحو من الإجماع لم يدعه أحد من العلماء ، وانما حدسه البعض حينما لم يجدوا لبعض دعاوى الاجماع ما يعضدها. ومن هنا لا يكون هذا النحو من الاجماع من مدارك حجية الاجماع المحصّل كما انه ليس من الإجماع المنقول ، إذ لا يعدو هذا الإجماع عن كونه تورية اريد منها التفصّي عن التصريح بالمدرك الحقيقي للحكم.

* * *

١٢ ـ الإجماع الحدسي

واضافة الحدس الى الإجماع يراد منها الإشارة الى ما هو مدرك الحجية للإجماع المحصّل.

والمدرك المشار اليه هو ما يقال من ثبوت الملازمة العقلية بين اتفاق آراء العلماء على أمر وبين قول المعصوم عليه‌السلام ، ومن هنا كان الكاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام بناء على هذا المسلك هو العقل النظري ، إذ انّ إدراك الملازمة من شئون العقل النظري كما هو واضح.

والتعبير عن هذا المسلك بالإجماع الحدسي منشؤه انّ التعرّف على قول المعصوم عليه‌السلام ينتج عن الحدس والنظر في كبرى الملازمة وصغراها ، إذ انّ الاستفادة من هذه الملازمة لا يتم إلاّ بواسطة البحث عن ان مثل هذه الملازمة هل ينتج القطع بالملزوم أولا ، وهذا معناه البحث عن انّ هذه الملازمة عقلية أو اتفاقيّة ، وهذا هو البحث الكبروي ، ثم على فرض تمامية الكبرى لا بدّ من ملاحظة انّ مورد البحث من صغريات هذه الكبرى

٥١

أولا ، وهذا هو البحث الصغروي.

وكيف كان فقد استدلّ على حجية الاجماع المحصّل ببيان حاصله : انّ اتفاق آراء الفقهاء يستوجب الجزم بتطابق الرأي المتفق عليه مع قول المعصوم عليه‌السلام ، وذلك بواسطة الملازمة العقلية والتي لا إشكال كبرويا في إفادتها الجزم أو الاطمئنان بوجود الملزوم عند ثبوت اللازم بنحو البرهان الإنّي ، وتقريب ذلك :

إنّ فتوى الفقيه الواحد بمسألة ينشأ عنه الظن أو الاحتمال بمطابقة فتواه للواقع ، فإذا انضمّ الى فتوى الفقيه الاول فتوى فقيه آخر فإنّ مستوى الظن بالمطابقة يتصاعد ومعه يتضاءل احتمال المنافاة مع الواقع ، إذ انّ العلاقة بينهما طردية فكلما تصاعد مستوى الظن بالمطابقة كلما تضاءل مستوى احتمال المخالفة ، وهكذا يتضاءل مستوى احتمال المخالفة الى ان يصل لدرجة لا يحتفظ العقلاء بمثله ، أي انهم يتجاوزون هذا المستوى من الاحتمال ولا يعتدون به ، وهذا ما ينتج الاطمئنان بالموافقة ، على انّه قد تتكثر الاقوال المتطابقة لحد ينشأ عن هذا التكثر الجزم بتطابق قولهم مع الواقع ، وذلك بنفس المسار الطردي المذكور ، هذا هو أحد التقريبات لمسلك الحدس ، ولا بأس بذكر تقريب آخر :

وهذا التقريب يرتكز على ثبوت الملازمة العادية بين اتفاق الآراء وبين قول المعصوم عليه‌السلام ، إذ من البعيد جدا ان تتفق آراء العلماء على أمر ويكون رأي امامهم منافيا لما اتفقوا عليه. وهذا نظير استكشاف رأي الرئيس بواسطة تباني أتباعه قاطبة على ذلك الرأي.

* * *

١٣ ـ الإجماع الدخولي

ويراد من وصف الإجماع بالدخولي الإشارة الى ما هو مدرك

٥٢

الحجيّة للإجماع المحصّل.

وحاصل هذا المدرك هو انّه لما كانت حجية الإجماع منوطة ـ بنظر الامامية ـ بدخول المعصوم في ضمن المجمعين بنحو من أنحاء الدخول فإنّ اتفاق الامة أو العلماء أو الطائفة على رأي لا يتحقق إلا حينما يكون المعصوم عليه‌السلام في ضمن المجمعين ، فهو فرد من الامة ومن العلماء ومن الطائفة.

فمنشأ الحجية للاجماع المحصّل هو دخول المعصوم عليه‌السلام في إطار المجمعين وعليه فالاجماع الدخولي هو الاجماع الذي يحرز معه وجدانا دخول المعصوم عليه‌السلام في إطار المجمعين.

* * *

١٤ ـ الإجماع السكوتي

حينما يفتي جماعة من الفقهاء بأمر فيطّلع سائر الفقهاء على تلك الفتوى فلا يعلّقون عليها بالنفي أو الإيجاب فإنّ ذلك يعبّر عن قبولهم لمضمونها ، وهذا هو ما يسمّى بالإجماع السكوتي.

وذلك في مقابل الإجماع القولي والذي يكون حينما يصرّح جميع الفقهاء بالتبنّي لفتوى في مسألة من المسائل.

وبناء على ما ذكرناه من إيضاح لمعنى الإجماع السكوتي يتبيّن أنّه لا يصحّ للباحث أن يدّعي ثبوته إلاّ حينما يتمّ التحقّق من مجموعة أمور :

الأوّل : هو اطّلاع جميع الفقهاء على مضمون الفتوى الصادرة من بعضهم.

الثاني : مضي زمن يتمكّن معه بقيّة الفقهاء من البحث في مدارك المسألة لغرض الوصول إلى النتيجة.

الثالث : عدم وجود ما يمنع من التصريح بخلاف ما أفتى به ذلك البعض.

وحينئذ وحينما يتمّ التحقّق من كلّ ذلك فإنّ للباحث عن الإجماع أن

٥٣

يدّعي ثبوت الإجماع السكوتي على مضمون الفتوى الصادرة من بعض الفقهاء. والإشكال الذي يمكن إيراده على ذلك هو أنّه من المحتمل أن لا يرى بعض الفقهاء لازما للبحث عن حكم تلك المسألة فحينئذ لا يكون له رأي فيها كما أنّ من المحتمل أن يكون له رأي مخالف لمضمون تلك الفتوى إلاّ أنّه لا يرى ضرورة للتصريح به أو أنّه لا يرى من ثمرة تقتضي التصريح به وحينئذ كيف يتمّ إحراز الإجماع بمجرّد السكوت.

هذا وقد نسب إلى أكثر أتباع أبي حنيفة القول بحجيّة هذا النوع من الإجماع ونسب أيضا إلى أحمد بن حنبل إمام الحنابلة وجماعة من الشافعيّة.

* * *

١٥ ـ الإجماع اللبي

حينما تتّفق كلمة الفقهاء في مسألة على لفظ واحد فإنّ الإجماع في الفرض المذكور يعبّر عنه بالإجماع اللفظي ، ومثاله ما لو قال الفقهاء إنّ الفقّاع حرام.

أمّا حينما يعبّرون عن رأيهم المتّحد في مسألة بألفاظ مختلفة فإنّ الإجماع في هذا الفرض يعبّر عنه بالإجماع اللبّي. ذلك لأنّ الاتّفاق بينهم إنّما هو في المضمون دون اللفظ.

وقد ذكروا أنّ الثمرة المترتّبة على ذلك هي أنّ الإجماع لو كان من قبيل الإجماع اللفظي فإنّ من الممكن التمسّك بإطلاقه أو عمومه وهكذا يمكن إجراء سائر الأصول اللفظيّة عليه من قبيل أصالة الظهور وأصالة عدم النقل وأصالة الحقيقة وغيرها.

وأمّا لو كان الإجماع من قبيل الإجماع اللبّي فإنّ من غير الممكن التمسّك بالأصول اللفظيّة في مورده ، فليس للفقيه إلاّ أن يتمسّك بالقدر المتيقّن من معقد الإجماع.

٥٤

مثلا لو أمكن تحصيل الإجماع على نجاسة العصير العنبي إلاّ أنّ كلمات الفقهاء في التعبير عن ذلك مختلفة فبعضها مثلا كان بهذا اللفظ : « العصير العنبي نجس » ، وبعضها كان بهذا اللفظ : « العصير العنبي المغلي محكوم بالنجاسة » ، والبعض الآخر كان بهذا اللفظ : « يلزم المكلّف تطهير الإناء الذي أصابه العصير العنبي والذي لم يذهب ثلثاه بالغليان » وهكذا.

فهنا يكون المتحصّل من مجموع هذه الكلمات هو نجاسة العصير العنبي إلاّ أنّه لو وقع الشكّ في إطلاق النجاسة فإنّ من غير الممكن استظهاره ، ذلك لعدم اتّحاد كلمات الفقهاء لفظا فهي وإن لم تكن متنافية إلاّ أنّها متفاوتة سعة وضيقا ، فلعلّ من أفاد المعنى الضيّق لا يريد الإطلاق. من هنا لا يسع المحصّل للإجماع إلاّ التمسّك بالقدر المتيقّن من مجموع الكلمات.

* * *

١٦ ـ الإجماع اللطفي

والمراد منه الإشارة الى ما هو مدرك الإجماع المحصّل ، والمدرك المشار اليه هو قاعدة اللطف.

وهذا المبنى لا يفترض دخول المعصوم عليه‌السلام في إطار المجمعين ، وانّما يستكشف وبواسطة العقل العملي قبول المعصوم لمعقد الإجماع ، فهذا هو ما يستوجب حجيته.

وهذا المبنى قد تبنّاه جمع من الأعلام المتقدمين والمتأخرين وعلى رأسهم الشيخ الطوسي رحمه‌الله والمحقق الداماد رحمه‌الله وشريف العلماء رحمه‌الله وغيرهم.

وحاصل هذا المبنى هو انّ اتفاق الطائفة على أمر لا يخلو حاله عن أحد احتمالين :

الاحتمال الاول : ان يكون ما اتفق عليه متطابقا مع الواقع وهذا يعني قبول الامام عليه‌السلام لمورد الاتفاق.

٥٥

الاحتمال الثاني : ان يكون ما اتفق متنافيا مع الواقع ، وهنا لا بدّ وان يتصدى المعصوم عليه‌السلام لبيان الواقع أولا أقل يحدث ما يوجب نقض الاتفاق الواقع بينهم ، حتى لا يستوجب اتفاقهم الاجماع على الباطل.

ومنشأ دعوى اللابدّية هي قاعدة اللّطف المستفادة بواسطة العقل العملي ، والتي تعني انّ من حق العبد على مولاه بمقتضى عدالته إرشاده الى ما هو مقرّب منه تعالى وعدم ايقاعه في الضلال والغواية ولو باهمال هدايته ، فإنّ من المستقبح عقلا ترك الناس في ضلالتهم وغوايتهم ، وهذا ما تنزّه عنه ساحة المولى جلّ وعلا.

ومن هنا وجب على الله تعالى بعث الرسل وانزال الكتب ونصب الاولياء المرشدين وذلك لهداية الناس وإيقافهم على جادة الحق ، وبهذا وجب على المعصوم عليه‌السلام وبحكم وظيفته ان يردع الناس عن الباطل ، فمتى ما اتفقت آراؤهم على باطل فإن مقتضى ما ذكرناه هو لزوم تنبيههم ومع عدم التنبيه يستكشف انّ ما اتفقوا عليه موافق للحق وإلا لزم نفي العدالة عن الله جلّ وعلا ، وذلك إما لانّه تعالى لم يجعل لهم مرشدا هاديا أو انّه جعل لهم مرشدا غير معصوم ، وكلاهما منفيان بقاعدة اللطف والتي تستوجب ان يجعل الله تعالى للعباد علما هاديا معصوما لا يتوانى ولا يتلكأ عن بيان الحق كما لا يخفى عليه ما هو الحق.

وبما بيناه يتضح انّ قاعدة اللطف هي المنشأ لدعوى حجية الإجماع المحصّل عند أصحاب هذا المسلك ، ويتضح أيضا انّ قاعدة اللطف ـ لو تمت ـ فهي من مدركات العقل العملي ، اذ انّها تعبير آخر عما يدركه من استحقاق العبد للإرشاد والهداية وقبح ايقاعه في الضلالة ولو باهمال هدايته.

* * *

٥٦

١٧ ـ الإجماع المحصّل

وهو الإجماع المحرز وجدانا والذي ينشأ عن تتبع الفقيه لآراء العلماء في مسألة من المسائل والوقوف بعد ذلك على اتفاقهم عليها ، وهذا في مقابل الإجماع المنقول والذي لا يكون فيه الإجماع محرزا بالوجدان وانما هو متلقى عن فقيه آخر كان قد حصّل الإجماع بنفسه.

* * *

١٨ ـ الإجماع المدركي

وهو اجماع الفقهاء على حكم مسألة مع احراز مدرك اجماعهم على حكم تلك المسألة ، ولا يختلف الحال بين اتّفاقهم على مدرك واحد أو انّهم مختلفون فيما هو مدرك حكم المسألة مع اتّفاقهم في النتيجة فإنّ الإجماع في كلا الصورتين يكون مدركيّا ، كما انّه لا فرق بين كون المدرك من قبيل الأدلّة الاجتهاديّة أو الاصول العمليّة ، فالمناط في مدركيّة الإجماع هو احراز ما هو منشأ اتّفاقهم في الفتوى.

وثمّة اجماع آخر يعبّر عنه بالإجماع المحتمل للمدركيّة ، وهو ما لو كان لحكم المسألة المجمع عليه مدرك تام أو غير تام يحتمل اعتماد المجمعين عليه أو اعتماد بعضهم عليه.

والإجماع المدركي وكذلك محتمل المدركيّة ليسا من الإجماع الاصطلاحي ، إذ انّ الإجماع الاصطلاحي يكشف بطريق الإن عن دخول المعصوم عليه‌السلام في ضمن المجمعين أو يكون كاشفا عن وجود دليل معتبر ، وذلك بواسطة الحدس أو قاعدة اللطف ، والإجماع المدركي لا يصلح لذلك بعد أن كان مدركه محرزا ، وهكذا لو كان محتملا للمدركيّة فإنّ إحراز اعتمادهم على دليل معتبر لم يصل لا يكون ميسورا في هذا الفرض.

٥٧

١٩ ـ الإجماع المركّب

وهو اتفاق آراء العلماء على رأي بحيث يكون الاتفاق مستفادا من المدلول الالتزامي للآراء المختلفة لهؤلاء العلماء على ان يكون هذا اللازم ناشئا عن تبني كل واحد لرأيه ، بمعنى انّه لو لم يكن كل واحد متبنيا للرأي المعين لكان من الممكن ان لا يبني على اللازم.

ويمكن التمثيل للإجماع المركب بالاجماع على لازم الاختلاف الواقع في ما هو حكم صلاة الجمعة ، فإن البعض ذهب الى وجوبها وذهب البعض الآخر الى حرمتها في عصر الغيبة ، وذهب آخرون الى استحبابها ومجموع هذه الآراء متفقة على عدم كراهة صلاة الجمعة بالكراهة المصطلحة ، إذ انّ ذلك هو لازم القول بالوجوب او الحرمة أو الاستحباب ، وذلك لما ثبت في محلّه من تضاد الاحكام فيما بينها ، وحينئذ فلو كان منشأ الاتفاق على هذا اللازم هو تبني كل واحد من العلماء لما ينافيه فهذا من الإجماع المركب وإلا فلو كان المنشأ من تبنّي عدم الكراهة هو دليل خاص ثابت بقطع النظر عن تبنّي الملزوم فإنّ هذا الاتفاق على اللازم يكون من الإجماع البسيط.

* * *

٢٠ ـ الاجماع المنقول

وهو الإجماع الذي يتمّ احرازه بواسطة نقل المحصّل للإجماع ، وهذا النقل قد يكون متواترا وقد لا يكون كذلك والثاني هو المعبّر عنه بالإجماع المنقول بخبر الواحد.

ومن هنا تكون حجيته منوطة بثبوت الحجية لخبر الواحد أولا وبأنّ الحجية الثابتة لخبر الواحد لا تختص بالخبر الحسّي بل تشمل الخبر الحدسي.

٥٨

ولا ريب في ثبوت الأمر الاول إلا انّ الأمر الثاني غير مسلّم عند المشهور ، ومن هنا لا يكون الاجماع المنقول مشمولا لأدلة الحجية لخبر الواحد باعتباره من الإخبارات الحدسية من جهة نقل الإجماع للمسبب والذي هو قول المعصوم عليه‌السلام ، نعم هو مشمول لأدلة الحجية من جهة نقله للسبب إذ انّه إخبار عن حس.

وبيان ذلك : إنّ نقل الاجماع على حكم يعني الإخبار عن أمرين : الاول هو الإخبار عن وجود اجماع بين العلماء على الحكم وهذا هو المدلول المطابقي لنقل الإجماع ، وهو المعبّر عنه بنقل السبب أو نقل الكاشف ، وذلك لانّ إحراز وجود الإجماع يكون سببا للكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام. فالإجماع هو الكاشف فيكون نقل الإجماع معناه الإخبار عن وجود الكاشف وعن وجود السبب ، وواضح أنّ الإخبار عن ذلك يكون إخبارا عن حس.

وأما الامر الثاني فهو قول المعصوم عليه‌السلام ويعبر عنه بالمسبب والمنكشف ، وذلك لأنّ إحرازه مسبب عن وجود الاجماع ، للملازمة المدعاة بين الاجماع وبين قول المعصوم عليه‌السلام ، وحينئذ يكون نقل الإجماع نقلا للمسبب كما هو نقل للسبب ، إلا انّ ناقل الاجماع يخبر عن المسبب بواسطة الحدس لا بواسطة الحس كما هو الحال في نقله للسبب ، إذ انّ إحراز المسبب بالنسبة لناقل الإجماع انما تم بواسطة إيمانه بالملازمة العقلية أو العادية أو قاعدة اللطف ، وكلها امور حدسية نظرية.

وباتضاح ذلك يتضح انّ نقل الإجماع للمسبب لا يكون مشمولا لأدلة الحجية لخبر الواحد ، وذلك لأنّه إخبار عن حدس ، وأما نقل الإجماع للسبب فلا مانع من شمول أدلة الحجية له بعد ان كان الإخبار عنه إخبارا عن حس إلا انّه مع ذلك

٥٩

يواجه مشكلة اخرى ، وهي دعوى انّ الحجية الثابتة لخبر الثقة منوطة بترتب الأثر الشرعي على الخبر ، وترتّب الاثر الشرعي على النقل الكاشف منوط بثبوت مؤداه الثاني والذي هو قول المعصوم المعبّر عنه بالمسبب ، وقد قلنا انّ هذا المؤدى لم يخبر عنه ناقل الإجماع عن حس وانّما استفاد قول المعصوم عليه‌السلام ـ بعد تحصيل الاجماع ـ من أحد الوجوه الحدسيّة كقاعدة اللطف أو الملازمة العقلية أو العادية.

ومن هنا لا بدّ للتفصّي عن هذا الإشكال من ان تكون الملازمة مثلا ثابتة للمنقول له في مرتبة سابقة حتى يكون نقل الكاشف وهو الاجماع ملازما لنقل المنكشف ، فيكون لإخبار ناقل الإجماع أثر شرعي بواسطة لازمه ، أي انّ المدلول المطابقي للخبر الحسي ليس له أثر شرعي إلا انّه لمّا كان لمدلول الخبر الالتزامي أثر شرعي فإنّ ذلك يصحّح ثبوت الحجية له ـ اي للخبر الحسّي وهو نقل الاجماع ـ لانّه سيصبح بواسطة لازمة واجدا للأثر الشرعي ، وبذلك نتفصّى عن الإشكال المذكور.

إلاّ انّه بذلك لا يكون المؤدى الثاني لنقل الإجماع حجة من جهة إخبار الناقل له وانّما هو من جهة ثبوته للمنقول له باعتباره مؤمنا بالملازمة ، وكلّ ما استفاده المنقول له من ناقل الاجماع هو ثبوت الإجماع واقعا والذي هو إخبار من الناقل عن حس ، ففي الواقع يكون نقل الإجماع منقّحا لموضوع الملازمة الثابتة عند المنقول له.

* * *

٢١ ـ الإجمال

وهو اشتباه المعنى وعدم وضوحه ، وذلك في مقابل البيان والذي وضوح المعنى وجلائه. ووصف الإجمال قد

٦٠