المعجم الأصولي - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

بالتركيب ، وإنّما النزاع فيما هو المراد من الذات وهل هو واقع الذات أي مصداق الذات أو قل الحمل الشائع أو هو مفهوم الذات.

والذي يرتضيه السيد الخوئي رحمه‌الله هو انّ المشتق مركب من المبدأ ومفهوم الذات ، وذلك لأنه لو كان المراد من الذات هو واقع الذات للزم ان يكون للمشتق معان كثيرة متباينة ، وهو مناف للوجدان ، فلو قيل « زيد عالم » و « بكر عالم » و « خالد عالم » فإنّ الذوات في كلّ واحد من هذه المشتقات متباينة فيما بينها فيلزم ان يكون « عالم » في القضية الاولى غير « عالم » في القضيّة الثانية وهكذا الثالثة.

وبهذا يتضح انّ الذات المتركب منها مفهوم المشتق هو مفهوم الذات ، فيكون المراد من العالم هو الشيء الذي ثبت له العلم ، وبهذا لا يكون معنى عالم متباينا بحسب اختلاف القضايا. فواقع الذات ليس دخيلا في مدلول المشتق والذي هو دخيل في مدلوله انّما هو عنوان جامع صالح للصدق على كل ذات.

ولكي يتّضح المراد من الذات المتركّب منها المشتق نقول : انّما هو متركب منه مدلول المشتق عبارة عن ذات مبهمة ومجردة عن تمام الخصوصيات والحيثيات الموجبة لتشخصها ، فهي مبهمة من تمام الجهات إلاّ جهة جريانها على المبدأ وقيامه بها ، فهي أشبه شيء بالاسم الموصول من حيث ابهامه ، ولأنّ الذات المتركب منها المشتق مبهمة صحّ حملها على تمام الذوات من غير فرق بين كون الذات من قبيل الجواهر أو الأعراض أو الاعتباريات أو الانتزاعيات وكذلك الزمان ، ومن غير فرق بين الواجب والممكن والممتنع ، فحينما يقال « الضارب » فهو لا يعني أكثر من شيء ثبت له الضرب ، وهكذا حينما يقال « الناطق » فإنّه يعني شيء ثبت له النطق.

٤٢١

هوامش حرف الباء

(١) سورة آل عمران : ٩٤.

(٢) سورة الأنفال : ٢٧.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الأنبياء ، باب ما ذكره عن بني اسرائيل ، الحديث ٣٢٧٧.

(٤) سورة الجن : ١٦.

(٥) سورة الأعراف : ٩٦.

(٦) سورة الرعد : ١١.

(٧) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٧.

(٨) سورة الزخرف : ٥٥.

(٩) سورة الحديد : ٢٨.

(١٠) سورة الإسراء : ١٨.

(١١) سورة هود : ٨.

(١٢) سورة فاطر : ١١.

(١٣) سورة الرعد : ٣٩.

(١٤) البحار : ٤ / ١٢ الحديث ١٨.

(١٥) البحار : ٤ / ١١ الحديث ١٢.

(١٦) البحار : ٤ / ١١١ الحديث ٣٠.

(١٧) البحار : ٤ / ١٠٢ الحديث ١٤.

(١٨) سورة التوبة : ١٥.

(١٩) سورة الإسراء : ١٥.

(٢٠) سورة المائدة : ٦.

(٢١) سورة الإسراء : ١٥.

(٢٢) سورة الطلاق : ٥٢.

(٢٣) الوسائل : باب ٥٠ من أبواب النجاسات الحديث ١١.

(٢٤) الحدائق الناضرة : ١ / ٧٦ المقدمة الرابعة.

(٢٥) الوسائل : باب ١٢ من أبواب صفات القاضي الحديث ٤٦.

٤٢٢

حرف التّاء

٤٢٣

عناوين حرف التاء

١٧٦ ـ تأخير البيان عن وقت الحاجة

١٩٢ ـ التخصيص بالمتصل

١٧٧ ـ تأسيس الأصل الثانوي عند التعارض

١٩٣ ـ التخصيص بالمخصّص اللبّي

١٧٨ ـ تأسيس الأصل عند الشك في الحجيّة

١٩٤ ـ التخصيص بالمنفصل

١٧٩ ـ تأسيس الأصل في باب التعارض

١٩٥ ـ التخطئة والتصويب

١٨٠ ـ التبادر

١٩٦ ـ أصالة التخيير

١٨١ ـ التبعيض في الاحتياط

١٩٧ ـ التخيير الشرعي والعقلي

١٨٢ ـ التبعيض في الحجيّة

١٩٨ ـ التخيير العقلي الشرعي

١٨٣ ـ تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية

١٩٩ ـ التخيير الفقهي والاصولي

١٨٤ ـ تبعية الدلالة للإرادة

٢٠٠ ـ التخيير بين الأقل والأكثر

١٨٥ ـ تتميم الكشف

٢٠١ ـ التخيير في باب التعارض

١٨٦ ـ التجرّي

٢٠٢ ـ تداخل الأسباب والمسبّبات

١٨٧ ـ التجزّي

٢٠٣ ـ الترادف

١٨٨ ـ تحقيق المناط

٢٠٤ ـ الترتّب

١٨٩ ـ تخريج المناط

٢٠٥ ـ الترجيح بالأحدثية

١٩٠ ـ التخصّص

٢٠٦ ـ الترجيح بالتقيّة

١٩١ ـ التخصيص

٢٠٧ ـ الترجيح بالشهرة

٤٢٤

٢٠٨ ـ الترجيح بالصفات

٢٢٨ ـ تعارض الإطلاق البدلي والإطلاق الشمولي

٢٠٩ ـ الترجيح بالظن غير المعتبر

٢٢٩ ـ تعارض الإطلاقين من وجه

٢١٠ ـ الترجيح بموافقة الكتاب المجيد

٢٣٠ ـ التعارض العرضي

٢١١ ـ التزاحم

٢٣١ ـ التعارض بين الأدلّة

٢١٢ ـ تزاحم الملاكات

٢٣٢ ـ التعارض بين الأصلين وبين الأصل والامارة

٢١٣ ـ التزاحم في المستحبات

٢٣٣ ـ التعارض بين الإطلاق والعموم

٢١٤ ـ التزاحم في الواجبات الضمنيّة

٢٣٤ ـ التعارض بين الدليل اللفظي والدليل العقلي

٢١٥ ـ التسامح في أدلة السنن

٢٣٥ ـ التعارض بين العامين من وجه

٢١٦ ـ التشريع

٢٣٦ ـ التعبّدي والتوصّلي

٢١٧ ـ التشريع العملي

٢٣٧ ـ تعدّد الدال والمدلول

٢١٨ ـ التصويب الأشعري

٢٣٨ ـ تعقّب الاستثناء لجمل متعددة

٢١٩ ـ التصويب المعتزلي

٢٣٩ ـ تعقّب العام بضمير يرجع الى بعض مدلوله

٢٢٠ ـ التضاد

٢٤٠ ـ نظرية التعهّد

٢٢١ ـ التضاد بين الأحكام التكليفيّة

٢٤١ ـ التفويض

٢٢٢ ـ التعادل والترجيح

٢٤٢ ـ التقابل بين الإطلاق والتقييد

٢٢٣ ـ تعارض الأحوال

٢٤٣ ـ التقسيمات الأوليّة والثانويّة للواجب

٢٢٤ ـ تعارض الاستصحاب مع الأمارة

٢٤٤ ـ التقليد

٢٢٥ ـ تعارض الاستصحاب مع سائر الاصول

٢٢٦ ـ تعارض الاستصحاب مع قاعدة اليد

٢٢٧ ـ تعارض الاستصحابين

٤٢٥

٢٤٥ ـ التقيّة

٢٤٦ ـ التقيّة المداراتيّة

٢٤٧ ـ التكليف

٢٤٨ ـ تمايز العلوم

٢٤٩ ـ التنجيز والتعذير

٢٥٠ ـ التنجيز والتعليق

٢٥١ ـ تنزيل الأمارة منزلة القطع

٢٥٢ ـ تنزيل المؤدى منزلة الواقع

٢٥٣ ـ تنقيح المناط

٢٥٤ ـ التواتر

٢٥٥ ـ التواتر الإجمالي

٢٥٦ ـ التواتر اللفظي

٢٥٧ ـ التواتر المعنوي

٢٥٨ ـ توقف الوضع على تصوّر المعنى واللفظ

٤٢٦

حرف التاء

١٧٦ ـ تأخير البيان عن وقت الحاجة

عند ما تكون هناك أحكام مولويّة ثابتة في نفس الأمر والواقع وتكون موضوعاتها متحقّقة فإنّ عدم تبليغها للمكلّفين رغم افتراض تحقّق موضوعاتها يكون من تأخير البيان عن وقت الحاجة.

فمعنى البيان هو تبليغ الأحكام ، وتأخير ذلك عن وقت الحاجة يتحقّق حينما تكون موضوعات تلك الأحكام المجعولة موجودة خارجا.

أمّا حينما يفترض عدم تحقّق موضوعات الأحكام فإنّ عدم بيان تلك الأحكام وتبليغها للمكلّفين لا يكون من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلو افترض عدم وجود سارق خارجا فإنّ عدم بيان حدّ السارق لا يكون من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، أمّا لو اتّفق وجود السارق فإنّ عدم بيان حدّ السارق يكون من تأخير البيان عن وقت الحاجة.

هذا وقد ذكر بعضهم أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح ، وذلك لأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها. فإذا كان الواقع هو ثبوت الوجوب لشيء فإنّ معنى ذلك هو اشتماله على المصلحة التامّة ،

٤٢٧

وحينئذ يكون عدم بيانه في وقته تفويتا لمصلحة الواقع ، وهكذا لو كان الواقع هو ثبوت الحرمة لشيء فإنّ معنى ذلك هو اشتماله على المفسدة التامّة ، وحينئذ يكون تأخير البيان للحكم عن وقته إيقاعا للمكلّف في مفسدة الواقع.

ومن الواضح أنّ تفويت المصلحة على المكلّف أو إيقاعه في مفسدة الواقع قبيح ، ولذلك أشكل على من يقول بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة تفسير ظاهرة تأخّر المخصّصات عن العمومات في كلمات أهل البيت عليهم‌السلام إذ كثيرا ما يتأخّر بيان المخصّصات عن بيان العمومات في كلماتهم عليهم‌السلام رغم مجيء وقت العمل بالمخصّصات ، فقد يرد خطاب عن الإمام مفاده « إنّ كلّ سمك فهو حلال » ثمّ بعد مدّة من الزمن يصدر عنه خطاب آخر مفاده « إنّ السمك الذي ليس له فلس حرام » ، فبيان مورد الحرمة قد تأخّر عن وقت الحاجة ، وأنتج ذلك وقوع المكلّف في مفسدة الحرمة الواقعيّة لأنّه كان يتناول السمك الذي ليس له فلس اعتمادا على الخطاب الأوّل.

فبناء على قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة يشكل تفسير هذه الظاهرة الشائعة في خطابات المعصومين عليهم‌السلام ، من هنا قد يلتزم البعض بحمل هذه المخصّصات على أنّها نواسخ للأحكام المفادة بالخطابات الأولى ، حتّى لا يلزم من ذلك الوقوع في محذور القبح الناشئ عن تأخير البيان عن وقت الحاجة. وهذا معناه الالتزام مثلا بحلّيّة السمك الذي ليس له فلس قبل صدور الخطاب بالحرمة ، وأنّ الحلّيّة قد نسخت بالخطاب الآخر المفيد للحرمة.

إلاّ أنّ معالجة هذا الإشكال بالحمل على النسخ يقتضي البناء على

٤٢٨

وقوع النسخ في أكثر الأحكام الشرعيّة ، إذ ما من عام تقريبا إلاّ وقد ورد عليه مخصّص بعد ذلك أو أكثر. من هنا كان لا بدّ من البحث عن مخرج آخر لهذا الإشكال ، وذلك للقطع بمحدوديّة الموارد التي وقع فيها النسخ.

هذا وقد تصدّى الأعلام ( رضوان الله تعالى عليهم ) إلى إسقاط الإشكال من الأساس وإثبات أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس قبيحا في نفسه بحيث لا يمكن انفكاك القبح عن هذا الفرض كما هو الحال في قبح الظلم حيث يستحيل انفكاك وصف القبح عنه.

فتأخير البيان حينما يكون ناشئا عن ملاك ومصلحة أهمّ من المصلحة الكامنة في متعلّق الفعل أو كان أكثر أهميّة من إيقاع المكلّف في مفسدة الواقع فتأخير البيان في مثل هذا الفرض لن يكون قبيحا بل هو عندئذ يكون راجحا.

ولهذا ليس من محذور في تأخير بيان المخصّص عن مجيء العامّ كما أنّ العكس فاقد للمحذور أيضا فمن الممكن أن يسبق بيان المخصّص مجيء العامّ.

* * *

١٧٧ ـ تأسيس الأصل الثانوي عند التعارض

والبحث في المقام عما هو المرجع عند التعارض بحسب ما تقتضيه الروايات العلاجية ، والتعبير عنه بالأصل الثانوي بلحاظ ما يقتضيه الأصل الاولي في التعارض المستفاد بواسطة العقل والذي لا تصل النوبة اليه لو أمكن الاستفادة من الأصل الثانوي في علاج التعارض.

والظاهر من روايات العلاج على اختلاف طوائفها انّها تعالج التعارض الواقع بين الأخبار ولا تصدّي لها لعلاج التعارض الذي قد يتفق وقوعه في سائر الأدلة ، كما انّها مختصة بحالات

٤٢٩

التعارض بين الأخبار المظنونة الصدور ، وعليه يكون المرجع في غير ذلك ـ لو اتفق التعارض ـ هو ما تقتضيه القاعدة العقلية.

وكيف كان فروايات العلاج على طوائف أربع :

الطائفة الاولى : هي الروايات الآمرة بالتوقف ، والظاهر انّ المراد من التوقف هو عدم الاعتماد على كلا الخبرين المتعارضين في مقام العمل وإرجاء ذلك الى حين الالتقاء بالامام عليه‌السلام ، وحينئذ يكون المرجع في حكم المسألة التي تصدى الخبران المتعارضان لبيانه هو العمومات والإطلاقات إن وجدت وإلاّ فالمرجع عند ذاك هو الاصول العملية ، إلاّ ان يقال بانّ روايات التوقف في حالات التعارض ظاهرة في انّ الوظيفة التي يلزم المكلّف التزامها بالإضافة الى التوقف وعدم الأخذ بكلا الخبرين هي الاحتياط وعدم صحة الرجوع الى العمومات والإطلاقات وكذلك الاصول العملية عند فقدها.

الطائفة الثانية : هي مرفوعة زرارة الآمرة بالاحتياط في ظرف التعارض ، والظاهر منها هو العمل بأوفق الخبرين المتعارضين بالاحتياط ، فليس معنى الاحتياط في المقام هو التحفظ على الواقع بواسطة العمل بما يوجب القطع بمطابقة الواقع بل المراد هو ملاحظة الروايتين المتعارضتين والعمل بالرواية التي هي أنسب للاحتياط من الرواية الاخرى.

فلو كان مؤدى الخبر الاول هو لزوم استيناف الوضوء عند عروض الحدث أثناء الطواف ثم اتمامه من حيث القطع ، وكان مفاد الخبر الآخر هو عدم لزوم تجديد الوضوء وصحة اتمامه ولو من غير وضوء ، فإنّ الخبر الأوفق بالاحتياط هو الاول ، ولهذا يلزم العمل به رغم انّ ذلك لا يحصّل القطع بمطابقة الواقع ، إذ لعلّ الواقع هو

٤٣٠

استيناف الطواف من رأس.

والإشكال على الطائفة الاولى القاضية بلزوم التوقف في ظرف التعارض هو ان بعض رواياتها ضعيف السند وبعضها خارج موضوعا عن بحث التعارض بين الاخبار وهي مقبولة عمر بن حنظلة ، إذ انّ موردها هو فصل الخصومة بين المتخاصمين ، على انّ الظاهر منها اختصاصها بظرف القدرة على لقاء الإمام عليه‌السلام فهي لا تشمل ظرف عدم القدرة والذي هو محل الابتلاء ، على انها غير متحدة المفاد مع خبر سماعة حيث انّ مفاده لزوم التوقف ابتداء ومع الاضطرار للعمل بأحد الخبرين يكون المرجع هو المرجحات ، وأما المقبولة فمفادها انّ التوقف انّما يأتي في رتبة متأخرة عن فقد المرجحات.

وأما الروايات الدالة على لزوم التوقف عند الشبهة فغير مشمولة لمحل الكلام ، إذ انّها لا تفترض التعارض في لزوم التوقف وانّما تأمر بالتوقف عند الشبهة مطلقا ، ولو سلّم شمولها لحالات التعارض فإنّه حينئذ لا مانع من تخصيصها بروايات العلاج القاضية بالتخيير أو الرجوع للمرجحات ، إذ العلاقة بينها وبين روايات العلاج هي علاقة الإطلاق والتقييد.

وإن أبيت وقلت انّ روايات الوقوف عند الشبهة آبية عن التخصيص ، فإننا نقول انّ روايات التخيير والترجيح تقتضي خروج الخبرين أو الخبر الراجح عن الشبهة موضوعا ، إذ انّه لا شبهة في حال قيام الروايات على جعل الحجيّة للخبرين المتعارضين بنحو التخيير أو جعل الحجيّة للخبر الراجح.

وأما الاحتياط فدليله منحصر بمرفوعة زرارة المنقولة عن ابن أبي جمهور الإحسائي في غوالي اللئالي ، فهي إذن غير قابلة لأن يعتمد عليها.

٤٣١

الطائفة الثالثة : هي روايات التخيير وقد اعتمدها صاحب الكفاية رحمه‌الله وبنى على انّ المرجحات الواردة في الطائفة الرابعة من روايات العلاج لا تقتضي أكثر من استحباب اختيار الخبر المشتمل عليها ، على انّ أكثر المرجحات المذكورة ليست من المرجحات للخبرين المتكافئين من حيث الحجيّة لو لا التعارض بل هي من قبيل تمييز الحجّة عن اللاحجّة. واستدلّ لدعواه بمجموعة من الأدلة والمنبهات لا نرى من المناسب ذكرها في المقام.

وفي مقابل دعوى صاحب الكفاية رحمه‌الله ذهب المشهور الى التخيير ولكن عند فقدان المرجح ، وادعى الشيخ الانصاري رحمه‌الله تواتر الأخبار أو لا أقل استفاضتها في انّ الروايات المتعارضة لا تسقط عن الحجية في ظرف فقدان المرجح بل المرجع عندئذ هو التخيير. وسوف نتحدث عن التخيير في الاخبار المتعارضة في بحث منفصل ان شاء الله تعالى.

الطائفة الرابعة : هي روايات الترجيح ، وقد اعتمدها المشهور وجعلها في رتبة متقدمة على التخيير ، فمتى ما وجد المرجح المنصوص لا تصل النوبة للتخيير. وقد أفردنا لكل مرجح عنوانا برأسه ، فراجع.

والمتحصل انّ مبنى المشهور هو انّ القاعدة عند تعارض خصوص الأخبار هي الرجوع للمرجّحات ومع فقدها يكون المرجع هو التخيير ولا تصل النوبة للقاعدة الاوليّة وهي التساقط.

وفي مقابل هذه الدعوى دعويان ، الاولى هي الرجوع الى التخيير ابتداء والدعوى الثانية هي الرجوع الى القاعدة الاولية وهي التساقط عند فقد المرجّح.

* * *

٤٣٢

١٧٨ ـ تأسيس الأصل عند الشك في الحجيّة

والبحث في المقام عمّا هو المرجع عند الشك في حجية دليل من الأدلة ، فهل المرجع عند الشك في حجية شيء هو ترتيب آثار الحجية عليه أو انّ المرجح في ذلك هو البناء عملا على عدم حجيته؟

المعروف بين الاعلام « رضوان الله عليهم » انّ المرجع عند الشك في حجية شيء هو البناء عملا على عدم حجيته ، وهذا هو معنى قولهم « انّ الشك في الحجية يساوق القطع بعدم الحجيّة ».

فكما انّ القطع بعدم حجيّة دليل يقتضي عدم ترتيب أيّ أثر على ذلك الدليل المقطوع بعدم حجيته فكذلك الحال لو وقع الشك في حجية دليل فإنّ ذلك يقتضي عدم ترتيب آثار مؤدى الدليل المشكوك الحجيّة ، فكأنّه في حيز العدم ، وحينئذ لا بدّ من الرجوع الى ما تقتضيه الاصول العملية المناسبة لمورد الشك ، هذا اذا لم يكن ثمة عموم أو إطلاق أو دليل اجتهادي متقدم في مقام المرجعيّة على الأصل العملي.

وبهذا اتضح انّ المراد من مساوقة الشك في الحجيّة للقطع بعدم الحجيّة هو انّ الشك في جعل الحجيّة لدليل مقتض لعدم ترتيب آثار الحجية على الدليل المشكوك الحجيّة ، لا انّ المراد من ذلك هو ان الشك في جعل الحجيّة مقتض للقطع بعدم جعل الحجية ، إذ انّ الشك في جعل الحجيّة والقطع بعدم جعلها ضدان لا يجتمعان ، فمن المستحيل ان يكون الدليل مشكوك الحجيّة وفي نفس الوقت مقطوع بعدم حجيته.

والمتحصل انّ الشك في الحجيّة يقتضي عدم ترتيب آثار الحجيّة على الدليل والتي هي ـ كما ذكروا ـ صحة الاستناد الى الدليل وصحة اسناد

٤٣٣

مؤداه الى الشارع.

فالحجيّة عند ما تكون ثابتة للدليل فإنّها تصحح الاستناد الى مؤداه ، فلو كان مؤداه الترخيص فإنّ المكلّف يكون معذورا في تركه للفعل ، ولو كان مؤداه الإلزام فإنّ المكلف يكون مسئولا عنه. كما تصحح الحجيّة الإسناد الى الشارع بمعنى اسناد مؤدى الدليل الى الشارع ، فلو كان مؤداه الحرمة فإن للمكلف ان ينسب الحرمة الى الشارع.

أما لو كانت الحجيّة مشكوكة فإنّ هذين الأثرين لا يترتبان بل يحرم على المكلّف اسناد المؤدى الى الشارع ، كما لا يصح له رفع اليد عن الإطلاقات والعمومات وعما تقتضيه الاصول العمليّة ، إذ مجرّد قيام الدليل المشكوك الحجيّة لا يبرّر نفي الحجيّة عن الإطلاقات والعمومات وكذلك الاصول العملية.

* * *

١٧٩ ـ تأسيس الأصل في باب التعارض

والبحث في المقام عمّا هو المرجع في حالات استحكام التعارض بين الأدلة وعدم امكان الجمع العرفي. والاستفادة من هذا البحث انما هو في موارد قصور الروايات العلاجية عن الشمول لها ، كالتعارض الواقع بين الأدلة الاجتهاديّة التي ليست من قبيل الأخبار أو التعارض بين الأخبار مع فقد المرجّح وعدم القول بالتخيير أو التوقف والإرجاء.

هذا وقد اختلف الأعلام فيما هو الأصل الأولي عند التعارض ، فالمشهور ذهبوا الى ان مقتضى الأصل الأولي هو سقوط كلا الدليلين عن الحجيّة ، وفي مقابل دعوى المشهور ذهب بعض القدماء الى ان المرجع هو قاعدة انّ الجمع مهما أمكن فهو أولى من الطرح ، وذهب بعض آخر الى

٤٣٤

التخيير. وهناك من ذهب الى التفصيل بين التعارض الذاتي فحكم بالتساقط والتعارض العرضي فحكم بثبوت الحجية لكلا الدليلين. وهذا هو المنسوب للشيخ العراقي رحمه‌الله.

ونقتصر في المقام على بيان مسلك المشهور وهو التساقط ، فقد استدلّ له السيّد الخوئي رحمه‌الله بما حاصله :

انّ الدليلين المتعارضين لو كان دليل حجيتهما هو السيرة العقلائية ـ كما في حالات التعارض بين الخبرين أو حالات التعارض بين ظهور آية وظهور اخرى ـ فإنّ القول بالتساقط ناشئ عن عدم جريان السيرة العقلائيّة على العمل بالمتعارضين ، بمعنى قصور دليلية السيرة عن الشمول لموارد التعارض ، وان لم يكن دليل الحجيّة للمتعارضين من قبيل السيرة فالقول بالتساقط منشؤه انّ المحتملات المتصورة لما عليه دليل الحجيّة أربعة :

المحتمل الاول : ان تكون الحجيّة ثابتة للدليلين المتعارضين ، وهذا الاحتمال ساقط جزما ، إذ من المستحيل ان يتعبدنا الشارع بالمتناقضين ، فحينما يكون مؤدى الدليل الاول هو وجوب شيء ومؤدى الدليل الثاني هي حرمة نفس ذلك الشيء فهذا معناه انّ الدليل الاول ينفي الحرمة عن متعلّقه بعد ان يثبت الوجوب له وكذا العكس ، فلو جعلت الحجيّة لكلا الدليلين فهذا معناه انّ الشارع يتعبدنا بوجوب الشيء بمقتضى المدلول المطابقي للدليل الاول وبعدم وجوبه بمقتضى المدلول الالتزامي للدليل الثاني.

المحتمل الثاني : ان تكون الحجية ثابتة لأحد الدليلين بعينه دون الآخر ، وهذا الاحتمال ساقط أيضا ، وذلك لاستيجابه الترجيح بلا مرجح ، وهو مستحيل.

المحتمل الثالث : ان تكون

٤٣٥

الحجيّة ثابتة لكلا الدليلين ولكن بنحو التخيير بحيث يكون ثبوت الحجيّة لأحدهما منوطا باتّفاق العمل بمقتضاه ، فلو عمل المكلّف بمقتضى الدليل الاول ـ مثلا ـ فإنّه يصبح الحجّة دون الآخر وهكذا العكس.

والجواب عن هذا الاحتمال انّه لو اتفق ان أهمل المكلّف كلا الدليلين فإنهما يسقطان عندئذ عن الحجيّة ، إذ انّ حجيّة كل واحد منهما منوط بالعمل به والمفترض انه لم يعمل بأيّ واحد منهما ، وحينئذ يصبح المكلّف في سعة من كلا الدليلين ويكون له الرجوع الى الاصول المؤمّنة لو لم يكن عموم فوقاني وهذا ما لا يمكن الالتزام به حتى عند القائلين بالتخيير ، كما انّه لا يمكن تنظير هذا الاحتمال بالتخيير الوارد في الروايات العلاجية ، إذ انّ مفادها هو لزوم العمل بأحد الدليلين ، غايته انّ المكلّف في سعة من جهة اختيار أحدهما.

المحتمل الرابع : ان تكون الحجيّة ثابتة لكلا الدليلين بنحو التخيير على ان تكون حجية كل واحد منهما منوطة بعدم العمل بالآخر ، وهذا الاحتمال ساقط أيضا ، لأن المكلّف لو لم يعمل بكلا الدليلين يصبح كلا الدليلين حجّة في حقّه لتوفر كل واحد منهما على شرط الحجيّة وهو ترك الآخر. وعندها تكون النتيجة هي التعبّد بكلا الدليلين وهو مستحيل لاستلزامه التعبّد بالمتناقضين.

وبهذا يتعين القول بسقوط كلا الدليلين المتعارضين عن الحجيّة ، ويكون المتحصّل هو ان القاعدة الاولية عند تعارض الأدلة هو التساقط.

* * *

١٨٠ ـ التبادر

وأحد العلامات التي يتميّز بواسطتها المعنى الحقيقي للفظ من

٤٣٦

المعنى المجازي.

والتبادر في اللغة يعني التسابق والتسارع ، والمقصود منه في المقام هو انسباق تصوّر المعنى من اللفظ بمجرّد اطلاق اللفظ بحيث يكون هذا المعنى هو المتصوّر الاول في الذهن دون بقية المعاني. وهذا الانسباق والتصور المتسارع للذهن لا يكون علامة الحقيقة إلاّ إذا استند الى حاقّ اللفظ بحيث لا تساهم في هذا الانسباق عوامل اخرى كالقرائن الحالية أو المقالية.

فإذا كان كذلك فإنّ التبادر يعبّر عن انّ اللفظ المستعمل في المعنى المتبادر حقيقة في ذلك المعنى أي يعبّر عن ان اللفظ قد وضع للدلالة على المعنى المتبادر ، إذ انّ العلقة بين اللفظ والمعنى لمّا لم تكن ذاتية فيتعين كونها جعليّة ، ولمّا لم تكن هناك عوامل شخصية نشأ عنها التبادر فيتعين أن يكون المنشأ للتبادر هو الوضع ، أي انّ التبادر معلول للوضع وبهذا يثبت انّ تبادر المعنى من اللفظ أمارة على ان اللفظ قد وضع للدلالة على ذلك المعنى.

إلاّ انّ مقدار ما يثبت بالتبادر ـ كما أفاد السيد الخوئي رحمه‌الله ـ هو انّ اللفظ حقيقة في المعنى المتبادر منه في زمان التبادر أمّا انّه حقيقة في المعنى المتبادر في الزمان السابق على التبادر فهذا ما لا يتكفل التبادر لاثباته ، فلا بدّ من التماس دليل آخر غير التبادر لاثبات ذلك.

ومن هنا يتمسك بأصالة الثبات في اللغة ـ المعبّر عنها بالاستصحاب القهقرائي ـ لإثبات انّ هذا اللفظ حقيقة في المعنى المتبادر. وهذا الاستصحاب والذي هو حجة في باب الظهورات فحسب مدركه البناء العقلائي القاضي بثبات اللغة وعدم تبدّل أوضاعها.

ولو كان بناء العقلاء وما عليه أهل المحاورة غير ذلك لانسدّ باب

٤٣٧

الاستنباط للإحكام الشرعية ، إذ انّ الاستنباط يعتمد أكثر ما يعتمد على النصوص الشرعية وما يستظهر من الفاظها ، فلو لم يكن التباني العقلائي جاريا على انّ ما هو المستظهر فعلا هو المستظهر في زمن النص لما كان لنا وسيلة اخرى للتعرّف على معظم الاحكام الشرعية.

فالتبادر مع انضمام أصالة الثبات في اللغة أمارة على انّ المعنى المتبادر من اللفظ هو المعنى الحقيقي للفظ.

وباتضاح المراد من التبادر نقول : انّه قد اورد على صلاحية التبادر للكشف عن الوضع بايراد مشهور حاصله : انّ التبادر ليس معلولا للوضع ولهذا لا يحصل التبادر للجاهل بالاوضاع اللغوية ، نعم هو معلول للعلم بالوضع ، وعليه فالتبادر الذي علة للعلم بالوضع هو معلول للعلم بالوضع ، وهذا هو الدور المحال ، إذ انّه متوقف ومتوقف عليه ، فهو متوقف على العلم بالوضع والعلم بالوضع متوقف عليه.

وقد اجيب عن هذا الإشكال بمجموعة من الاجوبة ، ومن أهمها ما أجاب به صاحب الكفاية رحمه‌الله عن هذا الاشكال ، وحاصله :

انّ الذي يتوقف عليه التبادر هو العلم الارتكازي والذي يجامع الغفلة ويكون مخبوء في ما وراء الشعور ، وينشأ عن الانس الحاصل من الممارسة الساذجة والغير الواعية لتفاصيل الاوضاع اللغوية ، فابن اللغة حينما يعيش في الاوساط اللغوية يكتسب منهم اللغة ، وتظلّ مختمرة في ذهنه دون ان يلتفت لتمام الحيثيات الموجبة لانفهام المعاني من ألفاظها وما هي سعة مداليل هذه الالفاظ ، وهذا هو المعبّر عنه بالعلم الارتكازي ، وهو المنشأ للتبادر.

وأمّا ما ينتجه التبادر ويتسبب في الكشف عنه هو العلم التفصيلي

٤٣٨

بالوضع والذي يعني التوجّه لمدلول اللفظ من حيث سعته وضيقه وخصوصياته.

والمتحصّل انّ العلم بالوضع والذي هو علة للتبادر هو العلم الارتكازي ، وأما العلم بالوضع والذي هو معلول للتبادر فهو العلم التفصيلي. فالمتوقف على التبادر غير المتوقف عليه التبادر.

ثم انّ التبادر الذي هو علامة الحقيقة هل هو التبادر الشخصي أو التبادر النوعي؟

لا ريب في علامية التبادر النوعي على الحقيقة وانّما الكلام في التبادر الشخصي ، فقد يقال بعدم صلاحيته للعلامية ، وذلك لأن التبادر الشخصي قد ينشأ عن عوامل أجنبية لا تتصل بحاقّ اللفظ وانما تنشأ عن المرتكزات الشخصية التي كثيرا ما تساهم الظروف الخاصة في تكوينها ، ومن هنا لا يصح الاعتماد على التبادر الشخصي لاستكشاف الوضع.

إلاّ انّ هذا الكلام خروج عن محل الفرض ، إذ المفترض انّ التبادر الذي يكون علامة الحقيقة هو الذي ينشأ عن نفس اللفظ دون تدخّل أيّ عامل من العوامل الشخصية أو غيرها ، فعلى الذي يحصل له التبادر أن يسبر أغوار النفس كما عليه ان يلاحظ العوامل الخارجيّة فإن وجد انها ساهمت في نشوء التبادر فإنّ هذا لا يكون مؤهلا للكشف عن الوضع ، أما اذا وجد انّ منشأه هو حاق اللفظ فإنّ بإمكانه ان يستعين بأصالة التطابق بين الظهور الشخصي والظهور النوعي ـ والتي هي من الاصول العقلائية ـ ليثبت بواسطة مجموع الأمرين كون اللفظ حقيقة في المعنى المتبادر كما أفاد ذلك السيد الصدر رحمه‌الله.

* * *

١٨١ ـ التبعيض في الاحتياط

وهو في مقابل الاحتياط التام

٤٣٩

والذي يحرز معه إدراك الواقع والتحفظ عليه. فالمراد من التبعيض في الاحتياط هو الإتيان بما يوجب الظن أو احتمال الموافقة للواقع ، فهو معنى آخر للامتثال الإجمالي الاحتمالي والامتثال الإجمالي الظني ، فلو كان للمكلّف علم اجمالي بالنجاسة وكانت دائرة أطرافه خمسة ، فلو ترك تمام الاطراف فهذا هو الاحتياط التام ولو ترك بعضها فهو تبعيض في الاحتياط.

ولو كانت هناك شبهات تحريمية متعددة وشبهات وجوبية متعددة فاحتاط في بعضها وترك البعض الآخر فهذا تبعيض في الاحتياط بلحاظ مجموع الشبهات واحتياط تام بالنسبة للشبهات التي رتب الأثر عليها.

ولا ريب في لزوم الاحتياط التام في الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي في ظرف انفتاح باب العلم والعلمي ، وكذلك لا ريب في عدم وجوب الاحتياط في الشبهات البدوية على خلاف في الشبهات التحريمية الحكمية. انّما الكلام فيما لو افترض انسداد باب العلم والعلمي ، وقد تحدثنا في محلّه عن الاحتياط التام ، وأما الاحتياط الناقص والذي هو التبعيض في الاحتياط فهل هو لازم لو افترض الانسداد أو جائز أو محرم؟

وقع الخلاف بين الاعلام في ذلك ، فمنهم من ذهب الى حرمة التبعيض في الاحتياط ، وذلك بدعوى قيام الإجماع على انّ الامتثال الإجمالي غير سائغ شرعا ، هذا أولا ، وثانيا ان الامتثال الإجمالي لا يمكن معه قصد الوجه المعتبر في العبادات.

وأجاب السيد الخوئي رحمه‌الله عن هذه الدعوى بأنّها غير مسلّمة ، وذلك لانّ هذه المسألة مستحدثة على ان هذا الإجماع مبتل باحتمال المدركية ، إذ لعل مدركه هو البناء على لزوم قصد الوجه في العبادات ، فلا يكون اجماعا تعبديا.

٤٤٠