المعجم الأصولي - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

منجزيته ثابتة للطرف الآخر وللطرف المضطر اليه في غير الأثر الواقع موردا للاضطرار.

فصورة العلم الإجمالي في المثال الاول هو العلم اما بعدم جواز التطهر بالماء أو عدم جواز شرب العصير ، وصورة العلم الإجمالي في المثال الثاني هو عدم صحة التطهر إما بالماء الاول أو الماء الثاني.

ومع اتضاح محل البحث نقول : انّ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي يتصور على ثلاث صور ، كل صورة يمكن تصنيفها الى حالتين :

الصورة الاولى : ان يفترض حدوث الاضطرار بعد تنقّح موضوع التكليف واقعا وبعد انعقاد العلم الإجمالي بالتكليف.

ومثاله ما لو وقعت النجاسة في أحد الطعامين وعلم المكلف بوقوعها في نفس الساعة التي وقعت فيه أو بعدها ، وبعد انعقاد العلم الإجمالي بتنجس أحد الطعامين اضطر المكلّف الى أحدهما.

وهنا قد يكون الاضطرار متعلقا بأحد الطعامين بعينه وقد يكون متعلقا بواحد منهما لا بعينه.

الصورة الثانية : ان يفترض حدوث الاضطرار بعد تنقّح موضوع التكليف واقعا وقبل انعقاد العلم الإجمالي به.

ومثاله : ما لو وقعت النجاسة في أحد الطعامين في الساعة الاولى ثم اضطر المكلّف الى أحدهما وبعد ذلك انعقد العلم الإجمالي بوقوع النجاسة في أحد الطعامين. وهنا أيضا تارة يكون الاضطرار متعلقا بأحدهما المعين واخرى يتعلّق بأحدهما غير المعين.

الصورة الثالثة : ان يفترض حدوث الاضطرار قبل تنقح موضوع التكليف وقبل انعقاد العلم الإجمالي.

ومثاله : ما لو اضطر المكلّف الى

٢٨١

أحد طعامين ثم بعد ذلك وقبل تناوله وقعت النجاسة في أحدهما وانعقد العلم الاجمالي أيضا ، وهذه الصورة تنحلّ أيضا الحالتين ، فالاضطرار تارة يتعلّق بأحدهما بعينه واخرى بأحدهما لا بعينه.

ثم انّ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي لا يختص بالشبهات التحريمية بل يشمل الشبهات الوجوبية ، كما لو كان متعلّق العلم الإجمالي أحد واجبين إما الإنفاق على الزوجة أو أداء الدين. وكذلك يعم البحث حالات الإكراه فلا يختص بحالات الاضطرار.

* * *

١٠٩ ـ الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار

أوضحنا المراد من هذه القاعدة تحت عنوان الامتناع بسوء الاختيار.

* * *

١١٠ ـ الاطّراد علامة الحقيقة

لما لم يكن الاستعمال أمارة على انّ اللفظ المستعمل حقيقة في المعنى المستعمل فيه اتّجه البحث عمّا هي الضابطة التي يمكن التمييز بواسطتها بين الاستعمال الحقيقي والاستعمال المجازي.

وقد ذكرت لهذا الغرض مجموعة من الضوابط منها الإطراد ، فقد ادعي انّه أمارة على الاستعمال الحقيقي. هذا وقد ذكرت للاطراد مجموعة من المعاني.

المعنى الاول : هو صحة استعمال لفظ في تمام أفراد معنى كلّي بحيث يكون المصحح لاستعمال هذا اللفظ في تمام هذه الأفراد هو المعنى الكلّي والتي تكون تلك الأفراد مصاديقه ، مع العلم بأنّ كل فرد من تلك الأفراد ليس معنى حقيقيا لذلك اللفظ إذ لوحظ ذلك الفرد بعنوان فرديته.

٢٨٢

فإذا صحّ استعمال اللفظ في تمام الافراد بلحاظ معناها الكلّي فهذا يكشف عن انّ اللفظ حقيقة في المعنى الكلّي.

مثلا : صحة استعمال لفظ الإنسان في زيد وبكر وخالد وهكذا بلحاظ انّ هذه الافراد من مصاديق الحيوان الناطق ، أي انّ العلاقة الملحوظة حين استعمال لفظ الإنسان في زيد وبكر وخالد هي علاقة المصداق بمعناه الكلّي وهو في المثال الحيوان الناطق.

والمتحصل انّ هذا الاستعمال المطّرد في الأفراد بلحاظ معناها الكلّي يكشف عن انّ لفظ الإنسان حقيقة في المعنى الكلّي وهو الحيوان الناطق.

المعنى الثاني : هو صحة استعمال لفظ معين في معنى مخصوص في تمام الموارد والحالات مع أحكام ومحمولات مختلفة على ان لا تكون ثمة قرينة على إرادة المعنى المخصوص من ذلك اللفظ.

مثلا : لو لاحظ المستعلم للغة من اللغات انّ أصحاب تلك اللغة يستعملون لفظا معينا في معنى معين ، ولاحظ انحفاظ استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعنى المخصوص في تمام استعمالاتهم رغم انّ الاحكام التي تحمل على ذلك اللفظ بمعناه المعين مختلفة وليس ثمة قرينة خاصة على ذلك ، فإنّه يحصل الجزم حينئذ بأن ذلك اللفظ موضوع لذلك المعنى المطّرد استعماله فيه.

فلو لاحظ المستعلم انّ العرب تستعمل لفظ « القمر » في ذلك الكوكب الليلي ، ولاحظ انّ هذا المعنى هو المراد دائما من لفظ القمر رغم تفاوت الاحكام المحمولة عليه ، فمعنى القمر في قولهم : « بزغ القمر » هو عينه المعنى من قولهم « انخسف القمر » أو « غاب القمر » أو « انشق القمر » أو « خلق الله القمر » وهكذا.

وحينئذ ينقدح في ذهن المستعلم انّ

٢٨٣

هذا الاستعمال اما ان يكون حقيقيا أو مجازيا ، واحتمال مجازيته منفي لاطراد الاستعمال فيتعين كونه حقيقيا ، فمنشأ انتفاء احتمال المجازية هو الإطراد نفسه ، إذ ليس من المعقول ان تنحفظ القرينة الحالية وكذلك المقالية في تمام الموارد مع اختلاف المحمولات وافتراض تكثر تلك الموارد والحالات ، وهذا المعنى للاطراد هو الذي تبنّاه السيد الخوئي رحمه‌الله وادعى انّه الوسيلة الغالبة للتعرّف على أوضاع اللغة.

المعنى الثالث : هو اطراد التبادر ، والمقصود منه عرض اللفظ على النفس في موارد عديدة وحالات مختلفة ، فإن وجد انّ المتبادر من هذا اللفظ في تمام هذه الموارد معنى واحد ، فهذا يكشف عن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى.

* * *

١١١ ـ الاطّراد في التعريف

وهو أحد الشرائط المذكورة للتعريف في علم المنطق ، أي انّ التعريف لا يكون تاما إلاّ ان يتوفر على مجموعة من الشرائط منها الاطّراد.

والمراد منه المنع عن دخول الأغيار ، بمعنى ان لا يكون التعريف شاملا لغير المعرّف.

* * *

١١٢ ـ الإطلاق

عرّف الإطلاق قديما بأنّه « ما دلّ على شائع في جنسه ».

وحاصل المراد من هذا التعريف : انّ المطلق هو اللفظ الذي له دلالة على معنى كلّي قابل للصدق على أفراده وحصصه ، فالمراد من الإسم الموصول في التعريف هو اللفظ ، فاللفظ المطلق هو الذي له دلالة على معنى شائع.

٢٨٤

والمعنى الشائع هو المعنى الكلّي الذي له قابلية الصدق على أفراد كثيرة.

والظاهر من كلمات المحقق النائيني رحمه‌الله انّه فهم من التعريف انّ المطلق هو اللفظ الدال على فعلية الصدق على أفراد كثيرة ، بمعنى انّ القابلية للصدق على كثيرين وحدها غير كافية لصحة اطلاق عنوان المطلق على اللفظ ، ولهذا أورد على التعريف بأنه غير شامل للإطلاق البدلي ، وانه يقتضي اختصاص الإطلاق بالشمولي فحسب ، وانّ النكرة في سياق الإثبات مثل « أكرم عالما » ليست من المطلق ، لأنها لا تدلّ على الإطلاق الشمولي ، نعم النكرة في سياق النفي أو النهي مندرجة تحت التعريف.

وهذا بخلاف ما لو فهمنا من التعريف انّ المطلق هو اللفظ الذي له قابلية الصدق على كثيرين ، فإنّ اسم الجنس النكرة وكذلك المعرف بلام الجنس مشمولان للتعريف من غير فرق بين وقوعهما في سياق النفي أو سياق الإثبات ، إذ انّهما على أيّ حال يقبلان الصدق على أفرادهما.

وكيف كان فإنّ الظاهر من التعريف هو انّ الإطلاق من صفات اللفظ ، وهذا خلاف ما هو المتسالم عليه عند المحققين من انّ الإطلاق وكذلك التقييد من صفات المعنى ، فالمعنى تارة يكون مطلقا واخرى يكون مقيدا ، كما هو الحال في الكلية والجزئية ، إذ انّ المعنى هو الذي تارة يكون كليا واخرى يكون جزئيا ، ووصف اللفظ بالإطلاق والتقييد انّما هو بتبع المعنى الذي وضع اللفظ للدلالة عليه.

هذا هو حاصل ما أفاده المحقق النائيني رحمه‌الله في مقام التعليق على التعريف. ثم انّ الذي استقرّ عليه المحققون هو انّ المراد من الإطلاق في المصطلح الاصولي هو عينه المراد منه عند اللغويين أو ما يقارب المعنى اللغوي ، والذي هو الإرسال ، فحينما

٢٨٥

يقال دابة مرسلة فهذا معناه انّها مطلقة العنان لا يمنعها عن الاسترسال في الحركة مانع ، وذلك في مقابل الدابة المعقولة والمقيدة.

وهذا المعنى هو المراد من الإطلاق عند الاصوليين ، حيث عرّفوا الإطلاق بأنّه المقابل للتقييد. فالمعنى المطلق هو غير المقيد ، فالطبيعة عند ما تلحظ ولا يلحظ معها وصف زائد على معناها فهذا يقتضي إرادة الإطلاق لا بمعنى ان الإطلاق جزء مفهومها بل هو وصف طارئ على ماهيتها ، وعند ما تلحظ تلك الطبيعة ويلحظ معها شيء خارج ماهيتها فهذه الطبيعة مقيدة.

فالإنسان الملحوظ مجردا عن كل قيد حتى قيد التجرّد عن القيود يكون معروضا للإطلاق. ولمزيد من التوضيح راجع التقابل بين الإطلاق والتقييد.

* * *

١١٣ ـ الإطلاق البدلي

هو ما كان مصب الحكم فيه هو الطبيعة بنحو صرف الوجود بمعنى ان المطلوب هو ايجاد الطبيعة ، ولمّا كان ايجادها يتحقق بايجاد واحد من أفرادها فهذا يقتضي انّ إيجاد واحد من أفراد الطبيعة ـ على سبيل البدل وبنحو العطف بأو ـ محقق لامتثال الحكم.

وبهذا يتضح عدم انحلال الحكم في الإطلاق البدلي وانّ الانحلال في طرف الطبيعة انّما هو لأجل انّ إيجاد الطبيعة لا يكون إلاّ في ضمن واحد من أفرادها.

ومنشأ التعبير عن هذه الحالة بالاطلاق هو انّ جعل الحكم على صرف الوجود للطبيعة يقتضي ان يكون المكلف في سعة من جهة امتثال الطبيعة في ضمن أيّ فرد من أفرادها ، كما انّ ذلك يعبّر عن انّه لا خصوصية

٢٨٦

عند المولى لفرد على فرد آخر ، فتمام الأفراد يمكن ان تكون موردا لامتثال الأمر بالطبيعة في ضمنها.

ويمكن التمثيل للإطلاق البدلي بالنكرة في سياق الإثبات ، كما لو قال المولى : « أعتق رقبة » فإنّ المطلوب اعتاقه هو صرف الوجود لطبيعة الرقبة ، راجع « الإطلاق الشمولي ».

* * *

١١٤ ـ الإطلاق الشمولي

والمراد منه الاستغراق والاستيعاب لتمام أفراد أو أحوال الطبيعة التي عرضها الاطلاق بحيث يكون الحكم المجعول على الطبيعة منحلا الى أحكام بعدد أفراد أو أحوال الطبيعة المعروضة للإطلاق ، وهذا يؤول روحا الى انّ الحكم المحمول على الطبيعة محمول على كل أفرادها أو أحوالها على سبيل العطف بالواو ، وهذا لا يكون إلاّ بتعدد الحكم بتعدد الأفراد أو الاحوال.

ومثال ذلك وقوع الحكم على النكرة في سياق النهي مثل « لا تكرم كافرا » أو كون الحكم مجعولا على مطلق الوجود للطبيعة كقوله تعالى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢٢).

ثم انّه وقع الخلاف بين الأعلام فيما هو منشأ استفادة الشمولية تارة والبدلية اخرى من الاطلاق رغم انّ الإطلاق في كلا الحالتين مستفاد من قرينة الحكمة ، ومن غير المعقول ان تكون قرينة الحكمة بنفسها مفيدة تارة للإطلاق الشمولي ومفيدة تارة اخرى للإطلاق البدلي.

ومن هنا تصدى الأعلام لمعالجة هذه المشكلة ، فالسيد الخوئي رحمه‌الله ادعى انّ استفادة الشمولية تارة والبدلية اخرى ناشئة عن قرينة عقلية أو عرفية ولا صلة في استفادة الشمولية والبدلية بقرينة الحكمة.

وأما الشيخ صاحب الكفاية رحمه‌الله

٢٨٧

فادعى انّ منشأ استفادة الشمولية والبدلية هو قرينة عقلية مطردة ، وهي انّ الطبيعة توجد بوجود أحد أفرادها إلاّ انّها لا تنعدم إلاّ بانعدام تمام أفرادها ، ولمّا كان الأمر يعني طلب ايجاد الطبيعة فهذا يقتضي البدلية ، إذ انّ الطبيعة تتحقق بايجاد فرد منها وهو معنى البدليّة. وأما النهي فلمّا كان المراد منه هو طلب اعدام الطبيعة فهذا لا يكون إلاّ بترك تمام أفرادها ، إذ انّ ايجاد فرد واحد منها يتنافى مع كون المطلوب هو اعدام الطبيعة ، إذ انّ ايجاد فرد منها معناه وجودها ، وهو خلف المطلوب ، والذي هو اعدام الطبيعة. وبهذه القرينة استفدنا الشمولية.

وهذا البيان وقع موقع القبول عند السيد الصدر رحمه‌الله إلاّ انّه استدرك عليه بأن ذلك انّما يناسب الشمولية والبدلية في مرحلة الامتثال ولا يناسب الشمولية والبدلية بلحاظ الحكم.

وبيان ذلك : انّ المكلّف حينما يتصدى لامتثال الحكم المجعول على الطبيعة يتحرّى ما هو المحقق للامتثال ، وهل انّ الامتثال يتحقق بايجاد فرد من أفراد الطبيعة أو باعدام فرد من أفرادها ، أو انّ الامتثال يتحقق بايجاد تمام أفراد الطبيعة وباعدام تمام أفرادها ، أو انّ الامتثال تارة يكون بالنحو الاول وتارة يكون بالنحو الثاني ، وهنا يأتي دور القرينة العقلية التي ذكرها الشيخ الآخوند رحمه‌الله.

أما حينما نبحث عما هو المجعول على المكلّف ، وهل المجعول هي أحكام متعددة بعدد أفراد الطبيعة بحيث يكون لكل حكم منها طاعة ومعصية مستقلة فيكون الإطلاق شموليا ، أو انّ المجعول هو حكم واحد بحيث لا يكون في البين إلاّ طاعة واحدة أو معصية واحدة فيكون الاطلاق بدليا. فإنّ الصحيح في هذا الفرض انّ الشمولية والبدلية تابعة لملاحظة الحكم ، فإن لوحظ الحكم مع موضوعه فالأصل

٢٨٨

الشمولية ما لم تقم قرينة منافية للشمول ، وان لوحظ الحكم مع متعلقه فالأصل البدلية ما لم تقم قرينة مقتضية لشيء آخر.

مثلا : « أكرم العالم » فإنّ الوجوب المستفاد من الهيئة اذا لاحظناه مع موضوعه فهو حينئذ منحل الى أحكام بعدد أفراد طبيعة العالم ، وهذا هو معنى الشمولية ، واذا لاحظنا الوجوب مع متعلّقه « الاكرام » فإنّ الحكم حينئذ لا يقتضي أكثر من ايجاد الطبيعة في ضمن فرد من أفرادها.

ومنشأ هذه الدعوى انّ موضوع الحكم يفترض في مرحلة متقدمة على جعل الحكم ، فلو كان الموضوع من قبيل الطبائع ذات المفهوم الكلّي فهذا يعني انّ الموضوع قبل جعل الحكم عليه قابل للصدق على أفراده ، وبهذه الحيثية ينصبّ الحكم على الموضوع ، فلا يكون للحكم أي تصرّف في الموضوع ، فالموضوع أيّا كانت حيثيته المفترضة يكون مصبا للحكم ، وهذا بخلاف المتعلّق ، فإنّه انّما ينشأ عن الحكم ، ويكون معنى وقوعه متعلقا للحكم هو مطلوبية تحقيقه ، وهذا لا يستوجب أكثر من ايجاد طبيعة المتعلّق ، وطبيعة المتعلق توجد بواحد من أفرادها على نحو البدل.

* * *

١١٥ ـ اطلاق اللفظ وإرادة شخصه

والمراد من ذلك هو ان يستعمل المتكلّم اللفظ ويقصد منه شخص ذلك اللفظ ، كأن يقول : « زيد ثلاثي » أو « زيد لفظ » ويقصد من المحمول شخص اللفظ المذكور في موضوع القضية.

وهذا النحو من الاستعمال يحتاج الى شيء من التأمل كما ذكر ذلك صاحب الكفاية رحمه‌الله ، وذلك لأنّ المستعمل والمستعمل فيه واحد وهو شخص اللفظ المذكور في موضوع

٢٨٩

القضية ، فهو عينه المحمول والحال انّه قد ذكرنا انّ من شرائط الاستعمال تغاير المستعمل والمستعمل فيه حتى لا يكون الدال والمدلول واحدا وحتى لا يلزم تركب القضية من جزءين والذي هو مستحيل عقلا ، إذ انّ كلّ قضية لا بدّ وان تكون مشتملة على النسبة ولا نتعقل النسبة في المقام لافتراض عينية المحمول للموضوع ، وهذا معناه انّ القضية متركبة من محمول ونسبة فحسب ، إذ انّ الحاكي في مفروض القضية هو عينه المحكي ، فالواقع في رتبة المحمول ليس شيئا آخر غير الموضوع.

وأما استحالة اتّحاد الدال والمدلول فلانّه قد ذكرنا في بيان حقيقة الاستعمال انّه بمعنى فناء اللفظ في المعنى ، فكأن المعنى هو الملقى ، وحينئذ يكون لحاظ اللفظ حين الاستعمال آليا ويكون لحاظ المعنى استقلاليا ، فإذا كان الدال والمدلول واحدا فهذا معناه انّ المتكلم قد لاحظ اللفظ بلحاظين متنافيين في عرض واحد ، أي لاحظ اللفظ بلحاظ آلي في الوقت الذي لاحظه لحاظا استقلاليا.

وقد تفصّى المحقق الآخوند رحمه‌الله عن هذا الاشكال بما حاصله :

انّه يمكن افتراض تغاير المستعمل عن المستعمل فيه اعتبارا وهو كاف في تصحيح الاستعمال ودفع محذور الاتحاد ، وذلك باعتبار تعدد الجهة في المستعمل والمستعمل فيه ، وهذا هو الذي يبرّر دعوى التغاير الاعتباري ، فمن جهة انّه صادر عن المتكلم يكون دالا ومن جهة انّ شخصه مراد للمتكلم يكون مدلولا. وأما محذور تركّب القضية من جزءين فهو منوط بعدم كون شخص اللفظ موضوعا واقعا للقضية وإلاّ فهي متركّبة من ثلاثة أجزاء.

وبتعبير آخر : انّ القضايا المتعارفة مثل « زيد رجل » لا يكون الموضوع

٢٩٠

فيها شخص اللفظ المتركّب من مادة « الزاي والياء والدال » ، إذ انّ شخص اللفظ ليس برجل ، فموضوع هذه القضية هو مؤدى اللفظ ، أما في المقام فشخص اللفظ هو موضوع القضية ، وبهذا تكون متركبة من ثلاثة أجزاء.

ومن هنا يكون اطلاق اللفظ وإرادة شخصه ليس من الاستعمال ، وذلك لأنّ الاستعمال منوط بكون الموضوع والذي هو المستعمل حاكيا عن معنى ، وفي المقام ليس كذلك لافتراض انّ الموضوع هو شخص اللفظ.

وكيف كان فالذي استقرّ عليه جمع من الأعلام كالسيد الخوئي والسيد الصدر رحمهما الله انّ اطلاق اللفظ وإرادة شخصه ليس من قبيل الاستعمال بل هو من قبيل الدلالة الايجادية وسيأتي توضيح ذلك في محله ان شاء الله تعالى.

* * *

١١٦ ـ اطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله

والكلام في صحة استعمال اللفظ في نوع اللفظ ، بمعنى ان يقصد المتكلم من اللفظ نوعه ، والذي هو الحقيقة المشتركة الجامعة والصادقة على حصصها الواقعة في جواب ما هو ، فزيد وبكر وخالد حينما يسأل عنهم « بما هو » فإنّ الجواب هو « النوع » وهو الانسان.

وباتّضاح ذلك نقول : انّه قد يستعمل اللفظ ويراد منه نوعه ، كما لو قال المتكلم « ضرب كلمة » فإن أراد من لفظ « ضرب » نوعه وهو « الكلمة » ـ والتي هي تمام الحقيقة المشتركة والجامعة والصادقة على حصصها مثل « ضرب ـ وشرب ـ وقائم ـ والباء » فإنّ هذه الفاظ لو وقع عنها السؤال « بما هو » لكان الجواب هو « الكلمة » ـ فالمتكلم في المثال استعمل حصة من حصص النوع

٢٩١

وأراد منه النوع.

وأما استعمال اللفظ وإرادة صنفه : فهو ان يستعمل المتكلم لفظا ويريد منه صنفه.

والصنف هو الكلّي الواقع تحت النوع والذي يوجب تقسيم النوع الى أقسام كلّ قسم يعبّر عنه بالصنف ، فالأصناف وان كانت تشترك في انضوائها تحت حقيقة واحدة هي النوع إلاّ انّه لمّا كانت كل مجموعة من الحصص تمتاز بخصوصية عرضية غير مقومة للذات أوجب ذلك تصنيف النوع الى أقسام كلّ قسم يكون صنفا من أصناف النوع. مثلا : أفراد الانسان بتمامها تشترك في حقيقة واحدة هي المعبّر عنها بالنوع إلاّ انّ لكلّ مجموعة من هذه الأفراد خصوصية لا تتصل بمقومها الذاتي ، هذه الخصوصية هي التي أوجبت تصنيف النوع ، فأفراد الانسان بلحاظ خصوصية العلم مصنفه إلى صنفين علماء وغير علماء ، وهكذا.

ومع اتّضاح ذلك نقول : انّ المتكلم قد يستعمل لفظا ويكون مراده منه صنف ذلك اللفظ ، مثلا حينما يسال عن اعراب لفظ زيد في جملة « رأيت زيدا » فإنه يقول « زيد مفعول به » ، فالمتكلم استعمل في المثال لفظ زيد في صنفه ، إذ انّ الكلمة ـ وهي النوع ـ يمكن تصنيف حصصها بلحاظ ما يعرضها من خصوصيات. فخصوصية وقوع الكلمة في الجملة موقع المفعول توجب تصنيف أفراد الكلمة الى مفعول به وغير مفعول به.

فحينما نستعمل لفظا ونقصد منه المفعول به فهذا هو استعمال اللفظ في صنفه.

وأما استعمال اللفظ في مثله فذلك حينما يستعمل المتكلم لفظا ويقصد به مثل اللفظ الذي تلفظ به سابقا أو تلفظ به متكلم آخر ، فحينما يقول متكلم : « ضرب زيد عمرا » ثم يقول « ما هو اعراب زيد » فإنّ لفظ زيد

٢٩٢

الثاني استعمل في مثله.

هذا وقد وقع الكلام عما هو المصحح لهذه الاستعمالات المجازية ، وأجاب المحقق الآخوند رحمه‌الله عن ذلك بأنّ المصحح لهذه الاستعمالات هو عينه المصحح لسائر الاستعمالات المجازية والذي هو التناسب مع الطبع العرفي ومذاقه.

وأما السيد الخوئي رحمه‌الله فادعى انّ هذه الإطلاقات ليست من قبيل الاستعمالات بل هي من قبيل الدلالة الإيجادية على ما سيأتي توضيحها في محلّها ، ان شاء الله تعالى.

* * *

١١٧ ـ الإطلاق اللفظي الحكمي

والمراد منه نفي القيود عن الموضوع أو المتعلّق للحكم بواسطة قرينة الحكمة ، وعبّر عنه باللفظي باعتبار انّ الإطلاق يعرض المعنى المستفاد بواسطة اللفظ ويقتضي نفي القيود عنه ، وهو بخلاف التقييد اللفظي فإنّه يعرض المعنى أيضا المستفاد بواسطة اللفظ والاطلاق اللفظي في مقابل الاطلاق المقامي والذي لا صلة له بالموضوع المذكور وانما ينفي موضوعات اخرى للحكم لو قدّر لها ان تذكر لما أوجبت تقييدا في الموضوع المذكور ، فسواء ذكر الموضوع الآخر أو لم يذكر فإن موضوع الحكم الاول يظلّ مفيدا لمعناه السعي دون أن يتأثر بذكر الموضوع الآخر.

فالاطلاق اللفظي يعرض المعنى المذكور بواسطة اللفظ ، والاطلاق المقامي ينفي المعنى غير المذكور. وهذا هو منشأ تسمية الاول بالاطلاق اللفظي ، وأما منشأ التعبير عنه بالحكمي فباعتبار انّ الظهور في الاطلاق تم بواسطة قرينة الحكمة.

ولمزيد من التوضيح راجع عنوان « قرينة الحكمة » وعنوان « الإطلاق المقامي ».

٢٩٣

١١٨ ـ الإطلاق المقامي

الإطلاق المقامي هو الإطلاق المستفاد من قرائن اخرى غير قرينة الحكمة وتكون نتيجته نفي موضوع مستقل عن ان يكون مشمولا لحكم من الأحكام على خلاف الإطلاق اللفظي ، فإنّه انّما يقتضي انتفاء القيود المضيقة لدائرة موضوع الحكم.

فالإطلاق المقامي ينفي موضوعا هذا الموضوع لو قدّر له وذكر في الكلام لما أضاف شيئا زائدا على الموضوع المذكور وانما تكون فائدة ذكره هو انّه أحد موضوعات الحكم المذكور وتوضيح ذلك :

انّ الإطلاق اللفظي ـ المعبّر عنه بالاطلاق الحكمي ـ متقوم بظهور حال كل متكلم ـ مريد لجعل حكم لموضوع ـ انّه في صدد بيان تمام موضوع حكمه وانّ كلّ حيثية دخيلة ـ بنظره ـ في ترتب الحكم على الموضوع فإنّه لا بدّ من ذكرها وتقييد الموضوع بها. فالمتكلم حينما لا يذكر أيّ قيد لموضوع الحكم فهذا يقتضي عدم إرادته للقيود وإلاّ لو كان مريدا لها ولم يذكرها يكون ناقضا لغرضه ـ وهو بيان موضوع حكمه بتمام حدوده ـ ولمّا كان الحكيم لا ينقض غرضه فهذا يعني عدم إرادته لتلك القيود ، وبذلك يتنقّح الإطلاق والذي يعني نفي القيود عن موضوع الحكم.

فالمنتفي بالإطلاق اللفظي هو قيود الموضوع ، والمنشأ للظهور في الإطلاق اللفظي هو ما يظهر من حال كل متكلّم انّه في مقام بيان تمام موضوع حكمه وانّه عند ما لا يذكر القيود في كلامه فإنها ليست له ، وهذا ما تنقحه قرينة الحكمة.

أما الإطلاق المقامي فليس كذلك ، إذ هو يختلف عن الإطلاق اللفظي من جهتين ، الاولى في نتيجة الإطلاق المقامي ، الثانية فيما هو منشأ الظهور في

٢٩٤

الإطلاق المقامي.

أما الجهة الاولى : فإنّ مقتضى الإطلاق المقامي هو انتفاء موضوع مستقل عن ان يكون مشمولا للحكم المذكور للمتكلم ، والمراد من الاستقلال هو انّ الموضوع المنفي لو كان مرادا للمتكلم لما أوجب ذلك تضييقا في دائرة الموضوع المذكور ، وهذا بخلاف الإطلاق اللفظي فإنّ القيد المنفي بالإطلاق لو كان مرادا لأوجب تضييقا في دائر الموضوع المجعول له الحكم.

مثلا حينما يقال : « أكرم العالم » فإنّ مقتضى الاطلاق اللفظي ومقدمات الحكمة هو سعة دائرة الموضوع « العالم » لأن الاطلاق يعني نفي القيود المضيقة لدائرة مفهوم العالم ، أما لو كان القيد مرادا للمتكلم وذكره في كلامه فإنّ ذكر القيد يستوجب تضييق دائرة الموضوع ، فيصبح موضوع الحكم هو العالم العادل مثلا.

والإطلاق المقامي ليس كذلك ، فمثلا حينما يكون المولى في صدد تعداد موضوعات حكم من الاحكام ، كأن يقول : « مفطرات الصائم ثلاثة الأكل والشرب والجماع » ، فلو شككنا في انّ الارتماس في الماء هل هو من مفطرات الصائم أيضا أو لا؟ فإنّ مقتضى الإطلاق المقامي هو نفي موضوعية الارتماس للإفطار والذي هو الحكم ـ ، ومن الواضح انّ الارتماس لو كان مرادا ومذكورا لما أوجب تضييقا في دائر موضوعات الحكم الأخرى كالأكل ، ولهذا قلنا انّ الإطلاق المقامي ينفي موضوعا مستقلا لا يستوجب لو اتفق ذكره تقييدا في الموضوع الآخر للحكم ، وانّما هو موضوع اضيف الى موضوعات الحكم المذكور.

الجهة الثانية : وهي البحث عن منشأ الظهور في الإطلاق المقامي.

ومما ذكرناه سابقا يتضح انّ الإطلاق المقامي لا ينشأ عن مقدمات

٢٩٥

الحكمة ، إذ انّ مقدمات الحكمة تفترض وجود موضوع يكون المتكلم في مقام بيان حدوده المتناسبة مع الحكم بنظره ، وهذا يقتضي نفي القيود عن الموضوع ـ عند عدم ذكرها ـ وتضييق الموضوع بالقيود عند ذكرها ، فيختلف حال الموضوع سعة وضيقا باختلاف ما يعرض عليه من اطلاق أو تقييد. فالاطلاق بمعنى نفي القيود يكون ناشئا عن مقدمات الحكمة والتقييد يكون ناشئا عن ذكر القيود.

أما الإطلاق المقامي فالموضوع المذكور لا يختلف حاله بذكر الموضوع الآخر أو عدم ذكره ، وهذا ما يكشف عن انّ الظهور في الإطلاق المقامي هو شيء آخر غير مقدمات الحكمة ، ومن هنا قالوا انّ الإطلاق المقامي ينشأ عن قرينة خاصة. وقد ذكر السيد الصدر رحمه‌الله انّها على نحوين :

الاول : ان يصرّح المتكلم انّه في مقام تعداد موضوعات الحكم المذكور ، وحينئذ فكلّ موضوع لم يذكره فهو منفي بالإطلاق المقامي أي انه غير مشمول للحكم المذكور.

ومثاله ما لو قال المولى : « ساحصي لكم مستثنيات الغيبة » ثم أخذ في تعدادها ، فلو وقع الشك ـ بعد ان أنهى المولى كلامه ـ في الطفل المميّز ، وانّه مشمول للحكم المذكور إلاّ انّ المولى أهمل ذكره أو انّه غير مشمول للحكم؟

فهنا يمكن التمسك بالاطلاق المقامي لنفي موضوعية الطفل المميز للحكم بجواز الغيبة ، إذ لو كان موضوعا لجواز الغيبة لذكره المولى ، وذلك لانّه في مقام تعداد موضوعات الحكم كما دلّ على ذلك تصريحه أو ظهور كلامه في انّه بصدد احصاء مستثنيات الغيبة.

الثاني : ان يكون الإطلاق المقامي مستفادا من طبيعة الموضوع مع

٢٩٦

ملاحظة ما يقتضيه حال المتكلم ، فلو كان الموضوع من قبيل الموضوعات التي لا يتعرّف على وجوبها مثلا إلاّ بواسطة إخبار الشارع مع الالتفات الى انّ هذا الموضوع لو كان واجبا لما كان في بيانه محذور ، فحينئذ لو استقصينا البحث في خطابات الشارع فلم نجد ما يثبت الوجوب لكان ذلك موجبا لاستظهار انتفاء موضوعية هذا الموضوع للوجوب إذا ضممنا الى كل ما ذكرناه القرينة العامة المسلمة وهي انّ الشارع دائما يكون في مقام التصدي لبيان ما يتصل بأغراضه.

مثلا : لو وقع الشك في وجوب التمنطق في الصلاة ، أي وقع الشك في موضوعية التمنطق للوجوب ، فإنّه لمّا كانت طبيعة هذا الموضوع تقتضي عدم امكان التعرّف على وجوبه بغير اخبار الشارع ، فإنّ عدم ذكر الشارع لوجوبه رغم انّه حريص على بيان أحكامه ، وليس ثمة ما يوجب الإحجام عن البيان والمفترض انّنا تابعنا خطابات الشارع فلم نجد ما يثبت الوجوب للتمنطق ، كلّ ذلك يكوّن الظهور في الإطلاق المقامي وانّ التمنطق ليس موضوعا للوجوب.

* * *

١١٩ ـ الإطلاق في المفاهيم الافرادية والجمل التركيبية

المراد من المفاهيم الأفرادية هي المفاهيم الاسمية ، كاسماء الأجناس ، وعروض الإطلاق عليها معناه ملاحظتها مجردة عن كل قيد حتى قيد التجرد عن القيود.

وأما المراد من الجملة التركيبية فهو المدلول الذي تقتضيه طبيعة القضية ، إذ انّ الاختلاف في الكيفية التركيبية للقضية يستوجب اختلاف مدلولها.

وعروض الإطلاق عليها بمعنى عدم وجود ما يوجب تبدّل مدلولها الاولي ، أي انّها لو خلّيت وطبيعة

٢٩٧

تركيبها فإنها تقتضي الظهور في معنى معين ، هذا الظهور المستفاد من الكيفية التركيبية للقضية هو المعبّر عنه بالاطلاق في الجمل التركيبيّة.

ومن هنا يتضح المراد من تقييدها فإنّه بمعنى طروء ما يوجب تبدّل ظهورها الاولي ـ المستفاد من طبيعة تركيبها ـ الى ظهور آخر تقتضيه طبيعة القرينة المقيدة ، فالجملة الطلبية مثلا تقتضي العينية التعيينية النفسية ، وهذا الاقتضاء ناشئا عن طبيعة الجملة الطلبية ، فهي إذن مفيدة للعينية إذا لم تقيّد بما يستوجب تبدّل هذا الظهور ، وهذا هو معنى الاطلاق في الجمل التركيبية. أي عدم تقييد الجملة التركيبية بما يستوجب تبدّل ظهورها الاولي.

وتقييد الجملة الطلبية ـ مثلا ـ يكون باضافة قيد للجملة يقتضي ظهورها في الكفائية أو التخييرية أو الغيرية ، وهذا ما ينافي ظهورها الاولي.

وباتضاح الفرق بين الإطلاق في المفاهيم الافرادية والإطلاق في الجمل التركيبية نقول : انّ الاطلاق في المفاهيم الأفرادية يقتضي دائما السعة في المفهوم الافرادي ، وذلك في مقابل تضييق المفهوم الأفرادي وحصره ببعض أفراده أو حصصه والذي ينشأ عن التقييد للمفهوم الأفرادي.

وأما الإطلاق في الجمل التركيبية فهو يقتضي التضييق ، والتقييد فيها هو الذي يقتضي التوسعة ، كما لاحظتم ذلك في الجمل الطلبية وكما هو كذلك في الجمل الشرطية ، حيث انّ مقتضى الاطلاق فيها هو التضييق وانحصار ترتّب الحكم على تحقق الشرط أو الوصف ، بل انّ الإطلاق في الجمل التركيبية قد يقتضي تضييق المفاهيم الافرادية الواقعة في إطارها ، كما هو الملاحظ في اطلاق العقد فإنّه يقتضي اختصاص النقد ـ الواقع ثمنا في العقد ـ بنقد البلد ، ولو لا وقوع النقد في اطار

٢٩٨

العقد لكان مقتضيا للسعة.

هذا هو حاصل ما أفاده المحقق النائيني رحمه‌الله ، ثم أفاد بأنّ الإطلاق في الجمل التركيبية ليست له ضابطة مطردة بل تتفاوت النتيجة فيها بتفاوت الحالات والمقامات ، ولذلك تبحث الجمل التركيبية من حيث ما يقتضيه اطلاقها وتقييدها في محال مختلفة تبعا للحاجة لذلك.

* * *

١٢٠ ـ الاعتبار

المعتبر ـ بصيغة المفعول ـ كما أفاد المحقق النائيني رحمه‌الله نحو من الوجود إلاّ انّ وعاء هذا النحو من الوجود هو عالم الاعتبار ، وذلك في مقابل الوجودات العينيّة فإن وعاء وجودها هو الخارج ، ولا فرق بينهما من جهة الانقسام الى الموجودات المتأصلة والموجودات الانتزاعية.

فكما انّ الوجودات العينية قد تكون من قبيل الوجودات المتأصلة مثل الجواهر « الانسان ، الحجر » والاعراض والتي هي موجودة في اطار الجواهر وقائمة بها مثل القيام والإحاطة.

وقد تكون من قبيل الوجودات الانتزاعية التي ليس لها ما بإزاء في الخارج ، بمعنى ان لا وجود لها في الخارج يمكن ان يشار اليه بل انّ الموجود في الخارج هو منشأ انتزاعها ، مثل العلّية والفوقية ، فإنّ العلية لا وجود لها في الخارج إلاّ انّ منشأ انتزاعها له ما بإزاء في الخارج وهو العلّة والمعلول ، فإنّهما من الوجودات العينية ، والعقل حينما لاحظ العلة والمعلول انتزع عنهما عنوان العلّية ، فالعلية من الوجودات الانتزاعية.

فكما انّ الوجودات العينية تنقسم الى متأصلة وانتزاعية فكذلك الوجودات الاعتبارية ، فقد تكون من

٢٩٩

قبيل الوجودات المتأصلة مثلا الحلية والحرمة والملكية والرقية ، فإنّ لهذه الوجودات ما بإزاء في عالم الاعتبار ، وقد تكون من قبيل الوجودات الانتزاعية والتي ليس لها ما بإزاء في عالم الاعتبار إلاّ انّ منشأ انتزاعها موجود في عالم الاعتبار ويمكن ان يشار اليه بالنحو المناسب للوجود الاعتباري ، وذلك مثل ما لو اعتبر المولى الملكية مترتبة على الصيغة فإنّ العقل حينئذ ينتزع عنوان السببية والمسببيّة ، فالسببيّة والمسببيّة ليس لهما وجود متأصل في عالم الاعتبار إلاّ ان منشأ انتزاعهما موجود متأصل في عالم الاعتبار.

وباتضاح ان المعتبر نحو من الوجود وعاؤه هو عالم الاعتبار نقول انّ الاعتبار فعل نفساني اختياري ، وليس هو الإرادة والكراهة ، وذلك لعدم اختياريتهما ، نعم الإرادة من مبادئ الاعتبار ، كما انّ إدراك المصلحة والمفسدة ليس هو عين الاعتبار بل هما من مبادئه في بعض الأحيان.

ومن هنا صحّ ان يقال : انّه ليس للاعتبار وجود وراء اعتبار المعتبر ، حيث انّه ـ كما ذكرنا ـ فعل نفساني اختياري ، فبمجرّد ان يرفع المعتبر اليد عن اعتباره فإنّ المعتبر يكون في حيّز العدم.

وبما ذكرناه يتضح الفرق بين الاعتبار والمعتبر ـ بصيغة المفعول ـ فالمعتبر هو ما يوجد بواسطة الاعتبار وهو الذي ينقسم الى متأصل وانتزاعي ، وأما الاعتبار فليس من قبيل الوجودات الاعتبارية حيث قلنا انّه من أفعال النفس الاختياريّة ، ولا يعقل ان يكون وجود الاعتبار اعتباري لاستلزام ذلك للتسلسل ، إذ لو كان الاعتبار وجود اعتباري لا نسحب الكلام الى هذا الوجود وانّه ما هو منشأ اعتباريته ، فإن كان هو

٣٠٠