المعجم الأصولي - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

العلاقات عن المواد الثلاث والتي هي الوجوب والاستحالة والإمكان ، فإمّا ان يكون الحكم ملازما لاستحالة حكم آخر أو يكون ملازما لضرورة ثبوت حكم آخر أو ملازما لإمكان حكم آخر.

ومثال الاول استحالة اجتماع الأمر والنهي واستحالة اجتماع الضدين ، ومثال الثاني الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، ومثال الثالث الملازمة بين مقدمات الترتّب وبين امكان الخطاب الترتّبي.

ومن هنا يتضح انّ الاستلزامات العقلية وان كانت لا تستقل في إثبات حكم شرعي ، كما في الملازمات التي هي من سنح الوجوب والإمكان إلاّ انّها يمكن ان يستنتج عن بعضها انتفاء حكم شرعي دون الحاجة لتوسيط مقدمة خارجية ، كما لو أدرك العقل استحالة شيء فإنّ ذلك يقتضي الجزم بعدم ايجابه مثلا ، فإن إدراك العقل لاستحالة ثبوت شيء لشيء يساوق إدراكه لاستحالة ايجابه دون الحاجة لتوسيط مقدمة خارجية ، فالعقل لو أدرك استحالة جعل الحجية للظن فإنّ ذلك وحده كاف في نفي الحجية عن الظن.

الامر الثالث : انّ الاستلزامات العقلية قد تصنّف في قسم المستقلات العقلية وقد تصنّف في قسم غير المستقلات العقلية ، وذلك يتوقف على سنخ المقدمة الخارجية التي إذا انضمت الى القضية الاستلزامية انتجت النتيجة الشرعية ، فإن كانت المقدمة عقلية فإنّ القضية الاستلزامية تصبح من المستقلات العقلية وان كانت المقدمة شرعية فالقضية الاستلزامية تكون من غير المستقلات العقلية.

على انّ بعض الاستلزامات العقلية لا يكون إلاّ من قبيل المستقلات العقلية ، إذ انّ المقدمة التي تنضم اليه

٢٤١

لغرض انتاج الحكم الشرعي لا تكون إلاّ عقليّة.

ومثال هذا البعض من الاستلزامات هو الملازمة بين الحكم العقلي والحكم الشرعي ، فإن هذه القضية الاستلزامية لا تنضم اليها لغرض انتاج الحكم الشرعي إلاّ مقدمة عقلية كما هو واضح.

* * *

٨٤ ـ الاستنباط

الاستنباط في اللغة بمعنى الاستخراج والإظهار بعد الخفاء ، وهو في مصطلح الأصوليّين يعني البحث في الأدلّة المعتبرة شرعا لغرض الوصول إلى الحكم الشرعي ، فهو بذلك يساوق معنى الاجتهاد الذي هو استفراغ الوسع ، والنظر في الأدلّة المعتبرة شرعا من أجل استخراج الأحكام الشرعيّة منها.

فالاستنباط هو العمليّة التي يمارسها الفقيه حينما يكون بصدد استكشاف الحكم الشرعي من الكتاب والسنّة ، فحينما يلاحظ الفقيه الروايات مثلا ويجمع بينها ويقف على مفرداتها ويلاحق القرائن المحيطة بها ويستفرغ وسعه في سبيل استظهار المعنى المتحصّل منها وفقا للضوابط اللغويّة والمناسبات العرفيّة فإنّ هذه العمليّة بمجموعها يعبّر عنها بالاستنباط ، لأنّها تنتج استخراج الحكم الشرعي والوصول إليه.

* * *

٨٥ ـ اسم الجنس

وقع الخلاف بين الأعلام فيما هو الموضوع له اسم الجنس ، فذهب المشهور الى انّ اسم الجنس موضوع للماهية المطلقة ، أي الطبيعة الملحوظ فيها التجرّد عن تمام القيود ، فيكون لحاظ التجرّد عن القيود مأخوذا فيما وضع له اسم الجنس.

٢٤٢

وبتعبير آخر : انّ اسم الجنس موضوع للطبيعة بقيد الإطلاق ، فيكون الإطلاق جزء المعنى الموضوع اسم الجنس والجزء الآخر هو الطبيعة. ومن هنا تكون افادة اسم الجنس لاستيعاب أفراد الطبيعة بالوضع ، فحينما يقال : « أكرم العالم » يكون العموم والاستيعاب لتمام أفراد طبيعة العالم مستفادا بواسطة الوضع فلا تكون ثمة حاجة الى مقدمات الحكمة لاستفادة الإطلاق.

وفي مقابل هذه الدعوى ذهب جمع من المحققين الى انّ الموضوع له اسم الجنس هو الماهية المهملة المجردة عن تمام القيود واللحاظات حتى لحاظ التجرّد عن القيود ، فاسم الجنس موضوع لذات الطبيعة بما هي ، ويكون الإطلاق كالتقييد يعرض الطبيعة أو لا يعرضها.

ومن هنا يكون استفادة الإطلاق والاستيعاب من الطبيعة بواسطة قرينة الحكمة. واستدلّ لصالح هذه الدعوى بالوجدان وانه لا نشعر بأيّ عناية عند ما يستعمل اسم الجنس في الطبيعة مع لحاظ أحد القيود بنحو تعدّد الدال والمدلول ، والحال انه لو كان موضوعا للطبيعة المطلقة لكان لحاظ القيود معها مناف لما وضع له اسم الجنس وهذا ما لا نستشعره عند استعمال اسم الجنس في الطبيعة مع لحاظ أحد القيود ، وهو أمارة وجدانية على صحة الدعوى ، إذ ان استعمال اللفظ في غير ما وضع له يستبطن مئونة زائدة يستشعرها أهل الانس باللغة.

ومن هنا يتضح ان اسم الجنس موضوع لذات الطبيعة ، والتقييد والإطلاق يعرضان عليها ويكون الكاشف عن عروض أحدهما هو القرينة الخارجة عن نطاق اسم الجنس ، أي انّ اسم الجنس يظلّ مفيدا للطبيعة وتكون استفادة

٢٤٣

الإطلاق والتقييد من دال آخر. وهذا هو معنى ان استفادة الاطلاق والتقييد بنحو تعدّد الدال والمدلول.

وكيف كان فيمكن التمثيل لاسم الجنس بتمام المفاهيم المعبّر عنها في المنطق بالمفاهيم الكليّة ، فهو يشمل الجواهر مثل الإنسان والحجر والأعراض كالبياض والسواد والعرضيات كالأبيض والأسود والمفاهيم الاعتبارية كالملكية والزوجية والمفاهيم الانتزاعية كالعلّية والفوقية وغيرها.

ولمزيد من البيان في اسم الجنس لاحظ عنوان « اعتبارات الماهية » « والكلّي الطبيعي » « النكرة ».

* * *

٨٦ ـ الاشتراك اللفظي

المراد من المشترك اللفظي هو اللفظ الموضوع بوضعين أو أكثر على ان يكون المعنى الموضوع له اللفظ في كلّ وضع مغايرا للمعنى الموضوع له نفس اللفظ في الوضع الآخر ، فيكون اللفظ متحدا والمعنى متعددا بتعدد الأوضاع.

ومثاله : لفظ القرء ـ كما قيل ـ فإنّه موضوع لمعنى الطهر وموضوع بوضع آخر لمعنى الحيض.

وباتضاح ذلك نقول : انه قد وقع النزاع بين الأعلام في المشترك اللفظي من حيث امكانه أو امتناعه أو وجوبه ، والمشهور بينهم هو الإمكان وفي مقابل دعوى المشهور ذهب البعض الى وجوب تحقق المشترك اللفظي في اللغة ، وتبنى السيد الخوئي رحمه‌الله وآخرون امتناع وجود المشترك اللفظي في اللغة.

أما دعوى الوجوب فمدركها ـ كما ذكر صاحب الكفاية رحمه‌الله ـ هو عدم تناهي المعاني رغم انّ الألفاظ متناهية ، وهذا ما يستوجب نشوء الاشتراك اللفظي لغرض استيعاب

٢٤٤

تلك المعاني الغير المتناهية.

والظاهر انّ المراد من عدم تناهي المعاني هو كثرتها ، إذ هو المناسب للنتيجة بخلاف ما هو المستظهر من عبائر صاحب الكفاية رحمه‌الله.

وأما دعوى امتناع المشترك اللفظي في اللغات فمدركها انّ الاشتراك اللفظي يتنافى مع الغرض من الاوضاع اللغوية ، وذلك لأنّ الغرض من الوضع هو تفهيم المراد للمخاطب ، وواضح انّ المخاطب لا يتهيأ له التعرّف على المراد بواسطة المشترك اللفظي باعتبار تحمله لأكثر من معنى.

وأما السيد الخوئي رحمه‌الله فسلك طريقا آخر لإثبات الامتناع يتناسب مع مسلكه في الوضع حيث ذهب هناك الى ان الوضع معناه التعهد والالتزام النفساني بأنّه متى ما جاء بلفظ معين فإنّه لا يقصد سوى معنى معين فلو قصد معنى آخر كان ناقضا لتعهده.

وأما دعوى الامكان فمدركها عدم لزوم محذور عقلي من وقوعه كما انّ الوقوع أقوى شاهد على الإمكان ، ودعوى منافاة الاشتراك اللفظي للغرض من الوضع غير مسلّمة ، إذ انّ الغرض من الوضع لا يختص بتفهيم المراد فقد يتعلّق الغرض بالإجمال ، على انّه يمكن التخلّص عن الإجمال الناشئ عن الاشتراك اللفظي بواسطة القرينة. وأما دعوى السيد الخوئي المتناسبة مع مسلكه في الوضع فغير تامة لعدم تمامية أصل المبنى عندهم.

* * *

٨٧ ـ الاشتراك المعنوي

اللفظ قد يوضع بإزاء مفهوم كلّي فيكون ذلك الوضع مصححا لاستعمال اللفظ في مصاديق ذلك الكلّي دون ان يكون الاستعمال ناشئا عن وضع اللفظ بأوضاع متعددة ، فلفظ الإنسان مثلا قد وضع بإزاء مفهوم كلّي هو

٢٤٥

الحيوان الناطق ، وحينئذ صحّ استعمال لفظ الإنسان في زيد وبكر وخالد باعتبار انّ هذه الأفراد مصاديق لمفهوم الحيوان الناطق ، فاستعمال لفظ الإنسان في كل واحد من هذه الأفراد لم ينشأ عن وضع لفظ الإنسان لكل واحد بوضع على حدة بل نشأ عن وضع لفظ الإنسان للحقيقة المشتركة بين هذه الافراد ، ومن هنا كان لفظ الإنسان مشتركا معنويا.

فالمشترك المعنوي هو اللفظ الموضوع للمعنى الكلّي والذي يكون استعماله في أفراد المعنى الكلّي بلحاظ اشتراك هذه الافراد في صدق المفهوم الكلّي عليها.

ومنشأ التعبير عن هذا الاشتراك بالمعنوي هو انّ المصحح لاستعمال اللفظ في المعاني المختلفة هو اشتراكها في المعنى الكلّي الموضوع له اللفظ ، على ان يكون استعمال اللفظ فيها بلحاظ ذلك المعنى الكلّي المشترك ، وذلك في مقابل الاشتراك اللفظي ، حيث انّ المصحح لاستعمال اللفظ في المعاني المختلفة هو انّ اللفظ قد وضع بأوضاع متعددة لهذه المعاني وإلاّ فهي متباينة فيما بينها وقد لا يكون بينها جامع مشترك ، ولو كان لها جامع مشترك فإنّ استعمال اللفظ في تلك المعاني لا يكون بلحاظه ، فاستعمال لفظ العين في الباصرة والجارية انّما هو بمناط انّ لفظ العين وضع لكل واحد من المعنيين بوضع على حدة.

وبهذا يتضح انّ الاشتراك المعنوي يمتاز عن الاشتراك اللفظي بامور :

الاول : انّ الاشتراك المعنوي يكون معه اللفظ موضوعا لمفهوم كلّي ، وأما الاشتراك اللفظي فقد يكون معه اللفظ موضوعا لمعنى كلّي وقد يكون موضوعا لمعنى شخصي.

الثاني : انّه لا يوجد في الاشتراك المعنوي سوى وضع واحد وهو وضع اللفظ بإزاء معنى كلّي ، وأما الاشتراك

٢٤٦

اللفظي فهو منوط بوضع اللفظ الواحد بأوضاع متعددة ، بمعنى أنّ كل واحد من تلك المعاني موضوع له اللفظ بوضع مستقل.

الثالث : انّ المصحّح لاستعمال اللفظ في المعاني المتعددة في موارد الاشتراك المعنوي هو اشتراك هذه المعاني في معنى كلّي هو المعنى الموضوع له اللفظ ، وأمّا المصحح لاستعمال اللفظ في المعاني المتعددة في موارد الاشتراك اللفظي فهو انّ ذلك اللفظ وضع لكلّ واحد من تلك المعاني بوضع مستقلّ.

الرابع : انّه لا يمكن افتراض التباين التام بين المعاني في موارد الاشتراك المعنوي ، بل لا بدّ وان يكون بينها قاسم مشترك هذا القاسم هو المعنى الكلّي الموضوع له اللفظ ، وأما تباين المعاني في موارد الاشتراك اللفظي فقد يكون تباينا تاما.

وبما ذكرناه يتضح انّ المشترك المعنوي هو عبارة عن اللفظ الموضوع للجامع ويكون استعماله في أفراد الجامع بلحاظ انّ هذه الافراد منطبق لذلك الجامع.

ثم انّه ليس المقصود من الأفراد هو خصوص الأفراد الشخصية فقد تكون كذلك كما لو كانت علاقتها بالجامع علاقة النوع بأفراده ، وقد لا يكون كذلك ، كما لو كانت علاقة المصاديق بالجامع علاقة الجنس بأنواعه ، فإنّ المصاديق في هذا الفرض تكون كلية ، كما انّه قد تكون أفراد الجامع بمعنى مراتبه المشككة كما هو الحال في مفهوم الوجود ومفهوم النور.

على انّ المعنى الكلّي الموضوع له اللفظ في موارد الاشتراك المعنوي لا يختص بالجامع الحقيقي لأفراده بل يشمل الجامع الصنفي كما هو الحال في استعمال لفظ رجل في زيد وبكر وخالد ، رغم انّ لفظ رجل ليس جامعا حقيقيا لهذه الأفراد ، وانّما هو

٢٤٧

جامع صنفي ، بمعنى انّ الجامع بين هذه الأفراد هو خصوصية عرضية مشتركة وليست خصوصية ذاتية.

نعم الظاهر انّ الاشتراك المعنوي لا يصدق لو كان الجامع بين الأفراد خفيا حتى وان كان جامعا ذاتيا ، فليس المناط في صدق الاشتراك المعنوي هو اشتراك مجموعة من الأفراد في الجامع الموضوع له اللفظ بل لا بدّ وان يكون اشتراك الأفراد في ذلك الجامع مأنوسا ومألوفا عرفا.

* * *

٨٨ ـ أصالة الإطلاق

أصالة الإطلاق أصل لفظي يتمسّك به في ظرف الشكّ في إرادة المتكلّم للإطلاق إلاّ أنّ ذلك لا يصحّ إلاّ حينما يكون لكلام المتكلّم ظهور اقتضائي في الإطلاق.

فحينئذ يكون الرجوع إلى أصالة الإطلاق منتجا لإحراز المراد الجدّي للمتكلّم وأنّه أراد الإطلاق من كلامه ولم يكن مريدا للتقييد.

مثلا : لو قال المتكلّم ( أكرم عالما ) فإنّ هذا الخطاب ظاهر في الإطلاق كما هو مقتضى الضوابط اللغويّة والمناسبات العرفيّة إلاّ أنّه قد نحتمل أنّ المتكلّم أراد التقييد من كلامه أي أنّه لم يكن مريدا لمطلق العالم وإنّما أراد العالم العادل.

وحينئذ يأتي دور أصالة الإطلاق لينفي هذا الاحتمال لعدم وجود قرينة تدلّ عليه ، وبذلك يتمّ إحراز أنّ ما كان ظاهرا من كلام المتكلّم بنحو الظهور الاقتضائي هو ما كان مريدا له جدّا.

ولمزيد من التوضيح راجع ما ذكرناه تحت عنوان الأصول اللفظيّة وعنوان أصالة الظهور.

* * *

٨٩ ـ أصالة الحسّ

المعروف بين الأصوليّين أنّ حجّيّة خبر الثقة وكذلك البيّنة منوط بظهور

٢٤٨

حال المخبر في أنّه يخبر عن حسّ لا عن حدس ، لأنّ الخبر الحدسي اجتهاد وإعمال للنظر وهو غير حجّة إلاّ على المجتهد نفسه ومقلّديه.

والمراد من الخبر الحسّي هو الذي تلقّاه المخبر بواسطة واحد من مدركاته الحسّيّة. فحينما يخبر عن موت زيد فإنّ خبره لا يكون حسّيّا إلاّ أن يكون قد رأى بنفسه موت زيد أو سمع ممّن رأى ، أمّا لو سمع بكاء في بيت زيد فحدس أنّه قد مات ، فلو أخبر بعدئذ عن موته اعتمادا على ذلك فإنّ خبره يكون حدسيّا.

ومع اتّضاح المراد من الخبر الحسّي نقول : إنّه لو وقع الشكّ في خبر مخبر وأنّه أخبر به عن حسّ أو أخبر به عن حدس فإنّ أصالة الحسّ في الإخبارات تقتضي البناء على حسيّة الخبر. وإلغاء احتمال الحدس.

فأصالة الحسّ تعني البناء على ظهور حال المخبر في أنّ ما أخبر به كان عن حسّ ، وهو بناء عقلائي يلجأ إليه العقلاء حين الشكّ في حدسيّة الخبر إلاّ أنّ اعتماد هذا الأصل عند العقلاء منوط بشروط ثلاثة :

الشرط الأوّل : أن لا تكون ثمّة قرينة على أنّ المخبر يخبر عن حدس.

الشرط الثاني : أن يكون مضمون الخبر ممّا يمكن تحصيله بواسطة الحسّ ، أمّا إذا لم يكن كذلك فإنّ أصالة الحسّ لا تجري في مورده.

فمثلا : لو أخبر الفلكي أنّ الهلال ولد في ساعة كذا فإنّ مضمون هذا الخبر لا يمكن تحصيله بواسطة الحسّ فلا يجري فيه الأصل بخلاف ما لو أخبر بدخول الشهر القمري فإنّ من المحتمل أن يكون إخباره عن حسّ ، وإنّه رأى الهلال فأخبر بدخول الشهر. وحينئذ لوقع الشكّ في أنّ إخباره كان عن حدس أو حسّ فإنّه يصحّ اللجوء لأصالة الحسّ فيتنقّح بذلك موضوع حجّيّة خبر الثقة.

٢٤٩

الشرط الثالث : أن يكون الإخبار عن حسّ مناسبا لشأن المخبر ، أمّا لو لم تكن له شأنيّة الإخبار عن حسّ فإنّ البناء على أصالة الحسّ في الفرض المذكور لا يصحّ.

فمثلا : لو كان المخبر مسجونا وأخبر بدخول الشهر القمري وأحرزنا عدم اتّصاله بمن يمكنه رؤية الهلال ، فإنّ هذا الخبر وإن أمكن تحصيله بواسطة الحسّ إلاّ أنّه في الفرض المذكور يتعيّن صدوره عن حدس ، وذلك لملاحظة شأن المخبر وأنّه من غير الممكن أن يخبر بمثل هذا الخبر عن حسّ نظرا لحيلولة السجن بينه وبين مشاهدة الأفق أو الاتّصال بمن يمكنه مشاهدته.

* * *

٩٠ ـ أصالة العموم

أصالة العموم أصل لفظي يتمسّك به في ظرف الشكّ في إرادة المتكلّم للعموم إلاّ أنّ ذلك لا يصحّ إلاّ حينما يكون للكلام ظهور اقتضائي في العموم ، فحينئذ يكون الرجوع إلى أصالة العموم منتجا لإحراز المراد الجدّيّ للمتكلّم وأنّه أراد العموم من كلامه ولم يكن مريدا للخصوص.

ولمزيد من التوضيح راجع ما ذكرناه تحت عنوان الأصول اللفظيّة.

* * *

٩١ ـ أصالة عدم التذكية

المراد من التذكية هو إزهاق نفس الحيوان بالوسائل المقررة شرعا مع التحفظ على الشرائط المعتبرة في وقوع التذكية عند الشارع ، ومع عدم مراعاة ذلك يكون الحيوان في عداد الميتة.

ولمّا كانت التذكية أمرا حادثا فهي مسبوقة بالعدم ، ومن هنا كان المراد من أصالة عدم التذكية هو استصحاب عدم التذكية ، وفي كل مورد يكون استصحاب عدم التذكية جاريا يكون مقدما على أصالة الحل إما بنحو

٢٥٠

الحكومة أو بنحو الورود ، وذلك لأن استصحاب عدم التذكية يكون أصلا موضوعيا بالنسبة لاصالة الحل فينفي موضوعها ، إذ ان موضوعها هو الشك في الحلية واستصحاب عدم التذكية ينفي الشك في الحلية ، فلا موضوع حينئذ لاصالة الحل.

وبتعبير آخر : انّ استصحاب عدم التذكية يعالج موضوع الأثر الشرعي والذي هو الحرمة فموضوع الحرمة هو عدم التذكية وموضوع الحلية الواقعية هو وقوع التذكية كما انّ موضوع الحلية الظاهرية لو كانت هو الشك في التذكية. فاستصحاب عدم التذكية ينقح موضوع الحرمة ويلغي موضوع الحلية الظاهرية « أصالة الحل » ، إذ ان الاستصحاب ينزّل الشك في التذكية وعدمها منزلة اليقين بعدم التذكية ، وهذا ما يوجب عدم جريان أصالة الحل ، إذ انّ الاحكام تابعة لموضوعاتها وبانتفاء الموضوع ينتفي الحكم ، والذي هو في المقام أصالة الحل.

وحتى يكون مجرى أصالة عدم التذكية واضحا لا بدّ من بيان أقسام الشك في حرمة وحلية اللحم ، فنقول : ان الشك تارة يكون بنحو الشبهة الموضوعية ، واخرى يكون بنحو الشبهة الحكمية.

أما الشك بنحو الشبهة الموضوعية فقد ذكر له السيد الخوئي رحمه‌الله أربعة أنحاء :

النحو الاول : ان يكون الشك ناشئا عن الجهل بعنوان الحيوان الذي وقعت عليه التذكية يقينا ، بمعنى عدم تشخّص هوية هذا الحيوان المذكى ، وهل هو من الحيوانات المحللة أو من الحيوانات المحرمة ، فالشبهة في هذا الفرض موضوعية وإلاّ فنحن نعرف الحيوانات المحللة من المحرمة إلاّ انّ الجهل من جهة عنوان هذا المذكى لعدم الاطلاع على رأسه مثلا.

ومثال هذا الفرض ما لو افترض

٢٥١

الاطلاع على تذكية هذا الحيوان إلاّ انّه وقع الشك من جهة انّه شاة أو ذئب ، وهنا لا إشكال في عدم جريان أصالة عدم التذكية ، وذلك لإحراز وقوعها كما هو الفرض إلاّ انّه هل تجري أصالة الحل في هذا اللحم أو لا؟.

ذهب السيد الخوئي رحمه‌الله الى جريانها دون الحاجة الى الفحص عن هوية هذا اللحم. وذلك لعدم لزوم الفحص لإجراء الاصل في الشبهات الموضوعية. إلاّ انّ بعض الأعلام تمسّك باستصحاب حرمة الأكل ، وذلك للعلم بالحرمة قبل زهاق الروح ونشك بعد التذكية في ارتفاعها بسبب الشك في كون المذكى من مأكول اللحم أو لا. ونسب للشهيد الاول رحمه‌الله ظاهرا التمسّك بأصل عبر عنه بأصالة الحرمة في اللحوم.

النحو الثاني : ان نحرز وقوع التذكية وانها وقعت على حيوان محلل الأكل ذاتا إلاّ انّ الشك من جهة احتمال انّ هذا الحيوان قد طرأ عليه ما يوجب المنع من قابليته للتذكية ، كاحتمال انّه وطئ من قبل انسان أو ارتضع من لبن خنزيرة أو عرض له جلل.

وهنا أيضا لا تجري أصالة عدم التذكية لأنها محرزة كما هو الفرض ، غايته اننا نشك في قابلية هذا الحيوان للتذكية من جهة احتمال عروض ما يمنع عن القابلية للتذكية ، وباستصحاب عدم عروض المانع مع احراز وقوع التذكية تثبت الحلية.

النحو الثالث : ان نحرز أيضا وقوع التذكية إلاّ انّه يقع الشك من جهة قابلية هذا الحيوان ذاتا لأن تقع عليه التذكية. والفرق بين هذا النحو من الشك والنحو الاول انّ الشك في النحو الاول ليس من جهة قابلية المذكى للتذكية بل انّ القابلية محرزة والشك انما هو من جهة حلية لحمه أو عدمها مع الفراغ عن قابليته للتذكية ، إذ لا ملازمة بين القابلية للتذكية وبين حلية

٢٥٢

لحم القابل للتذكية.

وكيف كان فمثال ما نحن فيه هو ما لو أوقع المكلّف التذكية في الظلمة أو كان أعمى وشك في انّ الحيوان الذي أوقع التذكية عليه هل هو شاة حتى يكون قابلا للتذكية أو هو خنزير فلا يكون قابلا للتذكية.

وهنا يكون جريان الاستصحاب وعدم جريانه يختلف باختلاف المباني ، فإن كان البناء هو قابلية كل حيوان للتذكية إلاّ ما قام الدليل الخاص في مورد على عدم قابليته لها ، وكان البناء أيضا على جريان استصحاب العدم الأزلي في العناوين الذاتية فإن مجموع ذلك ينقح حلّية اللحم الذي وقع الشك فيه من جهة قابليته للتذكية.

وبيان ذلك : انّ استصحاب العدم الأزلي لو كان جاريا في العناوين الذاتية فإنّ بالإمكان استصحاب عدم تعنون هذا الحيوان بالعنوان الغير القابل للتذكية ، بمعنى استصحاب عدم خنزيرية هذا الحيوان المحرزة حين لم يكن هذا الحيوان موجودا ، فإنّ هذا الحيوان حينما كان في حيّز العدم لم يكن متعنونا بعنوان الخنزير وبعد ان وجد هذا الحيوان نشك في تعنونه بعنوان الخنزيرية فنستصحب عدم خنزيريته الثابتة في الأزل. كما هو الحال في استصحاب عدم قرشية هذه المرأة إذ انّ عدم القرشية كان محرزا عند ما لم تكن هذه المرأة موجودة ، فاستصحاب عدم القرشية من استصحاب العدم الأزلي ، غايته انّ استصحاب عدم القرشية استصحاب لعدم عنوان غير ذاتي للمرأة وان كان هذا العنوان ملازما لوجود المرأة لو كانت واقعا قرشية.

أما استصحاب عدم الخنزيرية فإنّه استصحاب لعدم عنوان ذاتي للحيوان. ولمزيد من التوضيح راجع عنوان « العدم الازلي ».

٢٥٣

وباتضاح ذلك نقول : لو تم استصحاب عدم الخنزيرية لتنقح بذلك مصداق لعموم انّ كلّ حيوان قابل للتذكية ، وبه تثبت حلية هذا اللحم المردد من جهة قابليته للتذكية ، ولا تجري حينئذ أصالة عدم التذكية.

أما لو كان البناء هو عدم تمامية هذا العموم وعدم تمامية جريان استصحاب العدم الأزلي في العناوين الذاتية أو لا أقل عدم تمامية أحدهما فإنّ النتيجة تختلف.

فبناء على انّ التذكية عبارة عن فري الاوداج الاربعة مع مراعاة الشرائط المعتبرة فإنّ استصحاب عدم التذكية لا يجري ، وذلك لاحراز وقوعها بهذا المعنى ـ كما هو المفترض ـ إلاّ ان ذلك لا يعني الحلية ، إذ يمكن التمسك بأصالة الحرمة في اللحوم كما نسب الى الشهيد الاول ، أو التمسّك باستصحاب الحرمة الثابتة قبل زهاق الروح كما ذهب لذلك البعض ، نعم يمكن البناء على أصالة الحل على بعض المباني.

وبناء على انّ التذكية أمر وجودي بسيط ينشأ عن فري الاوداج مع مراعاة الشرائط ، فليس فري الاوداج إلاّ من قبيل السبب لتحقق التذكية وإلاّ فهو غير التذكية كما هو الحال في الطهارة فإنها غير الوضوء نعم هي مسبّبة عنه ، لو كان البناء هو ذلك فإنّ الجاري عندئذ هو أصالة عدم التذكية ، وذلك لانّه بعد وقوع فري الاوداج نشك في تحقق التذكية بسبب الشك في قابلية هذا الحيوان لها ، فنستصحب عدم تحققها.

النحو الرابع : ان نحرز قابلية هذا الحيوان للتذكية ونحرز أيضا انّه من مأكول اللحم إلاّ انّ الشك من جهة وقوع التذكية وعدمها ، كما لو شككنا انّه مات حذف أنفه أو ازهقت روحه بواسطة التذكية ، أو شككنا في توفر الذبح على تمام الشرائط المعتبرة في

٢٥٤

تحقق التذكية ، كما لو وقع الشك في اسلام الذابح ، وهنا لا ريب في جريان أصالة عدم التذكية ، وذلك للشك تحققها والأصل عدم التحقق.

هذا حاصل ما أفاده السيد الخوئي رحمه‌الله في الشك بنحو الشبهة الموضوعية ، وأما الشك بنحو الشبهة الحكمية فكذلك له أربعة أنحاء.

النحو الأول : ان نحرز وقوع التذكية خارجا كما نحرز عنوان الحيوان الذي وقعت عليه التذكية إلاّ انّه يقع الشك في حلية اللحم المذكى من جهة عدم وجود دليل على الحلّية ، كما لو وقع الشك في حلية الغراب بعد تذكيته بسبب عدم الدليل على الحلية أو الحرمة مثلا.

فهنا لا تجري أصالة عدم التذكية وانما الجاري هو أصالة الحل إلاّ ان يقال بأصالة الحرمة في اللحوم أو باستصحاب الحرمة الثابتة قبل زهاق الروح كما ذكر البعض.

النحو الثاني : ان نحرز وقوع التذكية بمعنى فري الاوداج مع مراعاة الشرائط المعتبرة إلاّ انّ الشك نشأ من جهة قابلية الحيوان للتذكية كما لو تولّد الحيوان من حيوانين أحدهما قابل للتذكية والآخر غير قابل لها ولم نكن نحرز تعنونه بأحد العنوانين.

فهنا لو كان عموم مفاده قابلية كل حيوان للتذكية إلاّ ما خرج بالدليل الخاص ، فإنّه يمكن التمسك بالعموم لاثبات قابلية هذا الحيوان للتذكية ، وذلك لاحراز حيوانيته وهو ما ينقّح موضوعيته للعموم.

وأما لو لم يكن ثمة عموم من هذا القبيل فإنّ المرجع حينئذ هو أصالة عدم التذكية لو كان البناء على انّها أمر بسيط ـ كما هو مبنى السيد الخوئي رحمه‌الله ـ وذلك لانّ الشك في القابلية للتذكية يساوق الشك في تحقق التذكية والاصل العدم ، وأما مع البناء على انّ التذكية هي فري الاوداج فإنّه

٢٥٥

محرز بالوجدان فلا تجري أصالة عدم التذكية.

النحو الثالث : مثل الثاني إلاّ انّ الشك نشأ عن احتمال عدم القابلية للتذكية بسبب ما طرأ على الحيوان من عوارض أوجبت الشك في بقاء قابليته للتذكية ، كما لو كان الشك من جهة احتمال مانعية الجلل لقابلية الحيوان للتذكية. والاصل الجاري في المقام هو عدم المانعية.

النحو الرابع : ان ينشأ الشك من جهة احتمال اعتبار شرط في التذكية بالاضافة للشروط الاخرى ، كما لو احتملنا اعتبار ان يكون الذابح اماميا أو اعتبار الذبح بالحديد.

وهنا ذهب السيد الخوئي رحمه‌الله الى جريان أصالة عدم التذكية ، وذلك لأن الشك في اعتبار شرط زائد يساوق الشك في تحقق التذكية بدونه ، والاصل عدمها.

* * *

٩٢ ـ أصالة عدم التقدير

أصالة عدم التقدير أصل لفظي يتمسّك به في ظرف الشكّ في وجود لفظ مقدّر في كلام المتكلّم أراده إلاّ أنّه لم يصرّح به.

وفائدة الرجوع لأصالة عدم التقدير هو نفي احتمال التقدير والذي لو كان ثابتا لكان معنى الكلام مختلفا عمّا هو عليه دون تقدير.

مثلا لو قال المولى : ( الغناء حرام ) فإنّ ظاهر هذا الخطاب هو حرمة فعل الغناء وحرمة استماعه ، وذلك لأنّ عدم ذكر متعلّق الحرمة يقتضي الظهور في العموم الشامل أعمّ من فعل الغناء واستماعه.

إلاّ أنّه لو وقع الشكّ في التقدير وأنّ المولى أراد من قوله : ( الغناء حرام ) ( أنّ فعل الغناء حرام ) فإنّ المعنى سوف يختلف عمّا هو المناسب للظهور الاقتضائي حيث ستتمحّض الحرمة

٢٥٦

بذلك في فعل الغناء دون استماعه.

فإنّ هذا الاحتمال وارد فإنّ نفيه يحتاج إلى مستند. وهنا يأتي دور أصالة عدم التقدير ـ والذي هو أصل عقلائي ـ لينفي هذا الاحتمال ولينتج إحراز إرادة المتكلّم لما هو المناسب للظهور الاقتضائي من كلامه.

ولمزيد من التوضيح راجع ما ذكرناه تحت عنوان الأصول اللفظيّة وعنوان أصالة الظهور.

* * *

٩٣ ـ أصالة عدم الغفلة

قد أوضحنا المراد من هذا الأصل اللفظي تحت عنوان أصالة الظهور.

* * *

٩٤ ـ أصالة عدم القرينة

قد أوضحنا المراد من هذا الأصل اللفظي تحت عنوان أصالة الظهور.

* * *

٩٥ ـ أصالة عدم النقل والاشتراك

إذا كان لفظ موضوعا لمعنى ثمّ اتّفق أن هجر هذا المعنى ليوضع اللفظ بإزاء معنى آخر فإنّ المعنى الأوّل يعبّر عنه بالمنقول ، كما يعبّر عن حالة الهجران من المعنى الأوّل للفظ إلى المعنى الثاني بالنقل.

وإذا كان لفظ موضوعا لمعنيين مختلفين كلّ وضع على حدة فإنّ هذا اللفظ يعبّر عنه بالمشترك اللفظي ، ومثاله لفظ ( العين ) فإنّه مشترك لفظي لأنّه موضوع للجارحة المبصرة ، وموضوع بوضع آخر لينبوع الماء.

وباتّضاح ذلك نقول : حين إحراز النقل فالظهور يكون في جانب المعنى المنقول إليه اللفظ ، وحين إحراز الاشتراك في لفظ من الألفاظ فلا بدّ من القرينة لتعيين أحد المعنيين وإلاّ كان الكلام مجملا.

أمّا حينما لا يكون النقل محرزا وكان

٢٥٧

المقدار المحرز هو أنّ هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى ووقع الشكّ في النقل إلى معنى آخر فما هو المرجع في مثل هذا الفرض؟ الجواب هو أنّ المرجع أصالة عدم النقل.

فأصالة عدم النقل أصل لفظي يتمسّك به في حالات الشكّ في هجران المعنى الموضوع له اللفظ إلى معنى آخر ، والمصحّح للرجوع إلى هذا الأصل هو البناء العقلائي القاضي باعتماد ما يظهر من اللفظ دون الاعتناء باحتمال هجران المعنى المستظهر إلى معنى آخر ، ولمزيد من التوضيح راجع ما ذكرناه تحت عنوان أصالة الثبات في اللغة.

وحينما يشتمل كلام المتكلّم على لفظ ويكون ظاهرا في معنى إلاّ أنّه يقع الشكّ في أنّ اللفظ المذكور مشترك لفظي ، أو أنّه ليس كذلك. ومن الواضح أنّه لو كان مشتركا لفظيّا لكان معنى اللفظ مجملا ، فيدور الأمر بين الظهور والإجمال أي أنّ اللفظ لو كان مشتركا لكان مجملا أمّا إذا لم يكن مشتركا فالمتعيّن هو إرادة المعنى المنسبق للذهن.

وهنا يأتي دور أصالة عدم الاشتراك لينفي احتمال الاشتراك فينعقد بذلك الظهور في التطابق بين المعنى المستظهر بدوا من اللفظ وبين المراد الجدّي ، أي يتمّ بأصالة عدم الاشتراك إحراز إرادة المتكلّم للمعنى المستظهر بدوا من اللفظ.

ومستند هذا الأصل هو البناء العقلائي القاضي بعد الاعتناء باحتمال إرادة غير المعنى المستظهر من اللفظ.

* * *

٩٦ ـ الأصل

الأصل في اللغة هو ما يبنى عليه الشيء ويطلق كذلك على المستند والمرجع ، وهذا المعنى قد يستعمل في كلمات الاصوليين ـ كما هو الملاحظ

٢٥٨

من اطلاقهم لفظ الأصل على بعض المجاميع الروائية ـ فمقصودهم عندئذ من الأصل المرجع والمآل في مقام التعرّف على الحكم الشرعي.

وبهذا يعم الاصل مطلق الوسائل العقلائية والشرعية التي يمكن الوصول بواسطتها الى النتيجة الشرعية ، فوسائل المعرفة كالاخبار المتواترة والاحكام العقلية القطعية وكذلك الأمارات الظنية المعتبرة والاصول العملية الشرعية والعقلية كلها مشمولة لعنوان الأصل بهذا المعنى.

ثم انّ الفاضل التوني رحمه‌الله نقل عن الشهيد الثاني رحمه‌الله في تمهيد القواعد انّ الأصل يطلق على معان أربعة :

الاول : هو الدليل ، والظاهر انّ مقصوده من الدليل هو مطلق ما ثبتت حجيته ودليليته على الحكم الشرعي الواقعي دون الظاهري كالكتاب والسنة ، وذلك بقرينة تمثيله بالكتاب المجيد والسنة الشريفة واعتباره الاستصحاب استعمالا آخر للفظ الأصل ، إلاّ ان يكون الاستصحاب دليلا اجتهاديا فيكون مراده من الدليل هو خصوص الكتاب والسنة.

الثاني : انّ الاصل يطلق ويراد منه الراجح ، فعند ما يقال الأصل في الكلام الحقيقة يكون المراد انّ الراجح

عند دوران الأمر بين الحقيقة والمجاز هو الحقيقة.

الثالث : الاستصحاب ، فإنّه كثيرا ما يطلق لفظ الأصل ويراد منه الاستصحاب.

الرابع : انّ الاصل يطلق ويراد منه القاعدة ، أي الضابطة الكلية المتصيدة أو المستفادة من الأدلة المعتبرة ، فعند ما يقال : « الأصل في البيع اللزوم » فإنّ المقصود هو انّ مقتضى القاعدة المستفادة من الأدلة هو لزوم البيع في كل مورد وقع الشك في جوازه أو لزومه.

٢٥٩

والظاهر انّ مآل هذه الاستعمالات الاربعة للفظ الأصل الى معنى واحد وهو المرجعية ، فالمرجع للتعرّف على الحكم الشرعي هو الدليل كما انّ المرجع لتشخيص نحو الاستعمالات مثلا هو الراجحية الناشئة عن مبرراتها ، وهكذا الكلام في المعنى الثالث والرابع.

* * *

٩٧ ـ الأصل العملي

الأصل العملي هو الدليل الذي تتحدّد به الوظيفة العملية المقرّرة للمكلف عند الشك في الحكم الواقعي وعدم وجدان الدليل المحرز الأعم من القطعي والظني المعتبر.

فلا يكون المطلوب من الأصل العملي الكشف عن الحكم الشرعي الواقعي بل ان دوره يتمحض في تحديد الوظيفة العملية للمكلّف عند فقدان الدليل المحرز أو ما ينتج نتيجة الفقدان كاجمال الدليل أو ابتلاؤه بالمعارض ، وهذا ما يعني انّ مرجعية الاصل العملي انّما تكون بعد استفراغ الوسع في البحث عن الادلة المحرزة. فإن عثر على ما يصلح للكشف عن الحكم الشرعي الواقعي فهو المعتمد والاّ فالمرجع هو الاصل العملي ، فموضوع الاصل العملي الذي يترتب على تنقّحه جريانه هو فقدان الدليل الكاشف عن الحكم الواقعي.

ثم انّ الاصول العملية برمّتها أحكام شرعية ظاهرية أو محددة للاحكام الشرعية الظاهرية بنحو قطعي ، بمعنى انّ الوظيفة المقرّرة بواسطة الاصل العملي وظيفة قطعية ، وذلك لقيام الدليل القطعي حجيتها ومثبتيتها للحكم الظاهري ، ومن هنا يصحّ اسناد البراءة مثلا الى الشارع ـ فيقال البراءة حكم ظاهري شرعي ـ ويكون ذلك الاسناد عن علم.

وما ذكرناه بتمامه هو ما عليه

٢٦٠