المعجم الأصولي - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

تعرض الموضوعات بواسطة محمولات ثانوية اخرى. فإن بعض المحمولات يتوقف عروضها للموضوع على عروض محمولات ثانوية للموضوع ، وهذه هي المحمولات الثالثية ، وهكذا قد يتوقف عروض بعض المحمولات للموضوع على عروض محمولات ثالثية فتكون تلك المحمولات رابعية وهكذا ، فقولنا : « زيد متكلّم » معناه الفراغ عن وجوده المحمولي ، إذ لا يتصف زيد بالتكلّم ما لم يكن موجودا فالتكلّم اذن من المحمولات الثانوية ، أما حينما يقال : « زيد فصيح » فإنّ الاتصاف بالفصاحة لا يتوقف على وجود زيد فحسب بل هو منوط بكون زيد متكلما ، إذ انّ الاتصاف بالفصاحة فرع الاتصاف بالتكلّم فهي إذن محمول ثالثي ، والتعبير عنه بالمحمول الثانوي انّما هو في مقابل المحمول الأولي.

ومع اتّضاح ما ذكرناه نقول انّ الشك في المحمولات الثانويّة يمكن تصنيفه الى ثلاثة أقسام :

القسم الاول : ان يكون الشك في بقاء المحمول الثانوي مسبّبا عن الشك في بقاء المحمول الأولي والذي هو الوجود ، كما لو شككنا في فقر زيد بسبب الشك في وجوده بحيث لو كان وجوده محرزا لما وقع الشك في بقائه على الفقر بل يكون الفقر حينئذ محرزا ، واذا كان كذلك فمآل الشك روحا الى الشك في بقاء الموضوع وهو زيد ، ومن هنا وقع الإشكال في جريان استصحاب فقر زيد ، إذ كيف يجري استصحاب المحمول مع افتراض انّ الموضوع غير محرز ، وليس من أثر يترتب على صفة الفقر إذ لم تكن هذه الصفة في موضوع ، وإجراء الاستصحاب في الموضوع لا ينقّح بقاء الفقر إلاّ بنحو الأصل المثبت ، إذ انّ الفقر ليس من الآثار الشرعية لبقاء

٢٠١

زيد وانما هو لازم عقلي استفيد من العلم الخارجي بأن زيدا اذا كان موجودا فهو فقير.

فالنتيجة انه لا يجري استصحاب المحمول الثانوي اذا كان الشك فيه مسببا عن عدم إحراز موضوعه أي عدم إحراز الوجود المحمولي لموضوعه ، إلاّ انّ السيد الخوئي رحمه‌الله توسل بوسيلة اخرى لإثبات جريان الاستصحاب في هذا القسم ، وذكر لذلك تقريبين :

التقريب الأول : انّه يمكن إحراز بقاء الاتصاف بواسطة استصحاب الموضوع المتصف بالوصف المشكوك في بقائه ، فإنّ الموضوع المتصف بذلك الوصف كان محرزا ثم وقع الشك في بقائه ، وعندئذ يمكن استصحاب الموضوع المتصف بذلك الوصف ، فزيد المتصف بالفقر كان محرزا ثم وقع الشك في بقائه وعندئذ يجري استصحاب متعلّق اليقين.

وتلاحظون انّ هذا التقريب يعتمد كون المستصحب هو مجموع الموضوع ومحموله ، ونظّر السيد الخوئي رحمه‌الله لهذا القسم بما لو وقع الشك في بقاء الزوجية بسبب الشك في موت الزوج الغائب ، فإنّه يمكن إحراز الزوجية بواسطة استصحاب بقاء الغائب المتصف بالزوجية ، وحينئذ لا يصح لزوجة هذا الغائب الزواج من آخر.

ثم استدرك على ذلك بأن الآثار الشرعية التي تترتب على هذا الاستصحاب هي التي لا تتوقف على الإحراز الوجداني للبقاء ، إلاّ ان ذلك ليس تضييقا لحجية الاستصحاب بل لأنّ موضوع الأثر الشرعي هو الوجدان فلا الاستصحاب ولا الأمارة يوجبان ترتّب ذلك الأثر ، ومثاله : إطعام ذي المخمصة فإنّه منوط بإحراز وجوده وجدانا.

التقريب الثاني : انّ الأثر الشرعي لما كان مترتبا على موضوع مركب ـ

٢٠٢

من الموضوع ومحموله الثانوي ـ فإنه يمكن إحراز الموضوع المركب بواسطة استصحاب أجزائه ، فوجود زيد لما كان محرزا سابقا فإنّه يمكن استصحابه ، وكذلك لمّا كان الفقر لزيد محرزا فإنّه يمكن استصحابه لظرف الشك ، وبهذا يتنقّح الموضوع المركب ويترتب عندئذ الأثر الشرعي.

واتفاق ترتّب الجزءين في الوجود لا يمنع من صحة استصحابهما بعد ان كانا متوفرين على أركان الاستصحاب ، وقد بينا ذلك في استصحاب الموضوعات المركبة.

القسم الثاني : أن يكون الشك في بقاء المحمول الثانوي غير مسبّب عن الشك في بقاء المحمول الأولي « الوجود » أي غير مسبّب عن الشك في بقاء الموضوع بل الشك في المحمول الثانوي متحقق رغم احراز بقاء الموضوع.

ومثاله : ما لو وقع الشك في بقاء زيد على الفقر مع إحراز بقاء زيد ، وهنا لا ريب في جريان استصحاب الفقر وذلك لتوفّره على أركان الاستصحاب ، فقد كان الفقر محرزا ثم وقع الشك في بقائه مع انحفاظ وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ، فالقضية المتيقنة هي فقر زيد والقضية المشكوكة كذلك.

القسم الثالث : أن يكون الشك في بقاء المحمول الثانوي غير مسبّب أيضا عن الشك في بقاء موضوعه إلاّ انّ المفترض في هذا القسم هو الشك في بقاء الموضع بالإضافة الى الشك في بقاء المحمول الثانوي.

ومثاله : ما لو كنّا نحرز وجود زيد كما نحرز اتّصافه بالفقر إلاّ انّه وقع الشك في بقاء اتّصافه بالفقر لاحتمال عروض صفة الغنى عليه ، واتفق أيضا الشك في بقاء الوجود لزيد لاحتمال موته.

وفي هذا القسم وقع الإشكال في

٢٠٣

جريان استصحاب الاتصاف بالفقر ، وذلك لعين الإشكال المذكور في القسم الأول ، ويضاف اليه هنا انّ استصحاب الموضوع ـ بالإضافة الى انّه لا ينقّح بقاء الفقر باعتباره ليس أثرا شرعيا لبقاء الموضوع ـ لا ينقّح بقاء الفقر من جهة كونه لازما عقليا له ، إذ انّ بقاء زيد لا يلازم عقلا بقاءه على صفة الفقر ، وذلك لاحتمال انتفاء صفة الفقر عنه حتى مع افتراض وجوده.

وصفة الفقر انّما كانت لازما عقليا لبقاء زيد في القسم الاول باعتبار افتراض وجود علم خارجي ببقاء زيد على الفقر لو كان موجودا وهذا ما لم نفترضه في هذا القسم.

وأجاب السيد الخوئي رحمه‌الله عن هذا الإشكال بعين ما أجاب به الإشكال في القسم الاول.

وبما ذكرناه تتضح النتيجة فيما لو كان الشك في المحمول الثالث والرابع وهكذا ، فإنّه يمكن تقسيم الشك في المحمول الثالث الى الأقسام الثلاثة ، فتارة يكون الشك في بقاء المحمول الثالث بسبب الشك في بقاء المحمول الثاني ، وقد لا يكون الشك في المحمول الثالث مسبّبا عن الشك في المحمول الثاني ، وهذا له حالتان فقد يكون المحمول الثاني محرز البقاء وقد لا يكون كذلك.

* * *

٧٢ ـ الاستصحاب في الموضوعات المركّبة

موضوعات الأحكام الشرعية على نحوين ، فتارة تكون بسيطة واخرى تكون مركبة ، ولا إشكال في جريان الاستصحاب في الموضوعات البسيطة إذا كانت واجدة لأركان الاستصحاب ، ومثاله : حدث الحيض ، إذ هو موضوع المجموعة من الأحكام الشرعية ، بمعنى ان هذه

٢٠٤

الأحكام لا يتوقف ترتّبها على أكثر من حدث الحيض.

وأما الموضوعات المركّبة من أكثر من جزء أو من جزء وشرط فلها صورتان :

الصورة الاولى : ان يكون الموضوع للحكم الشرعي هو المجموع ، بمعنى ان الشارع لاحظ الأجزاء والشرائط المعتبرة عنده وانتزع عنها عنوانا بسيطا هو عنوان المجموع أو ما يؤدي مؤداه ، كأن تكون الأجزاء والشرائط لوحظ بعضها متقيدا بالآخر بحيث يكون التقيّد هو المطلوب للمولى.

وفي مثل هذه الحالة لا يجري الاستصحاب إلاّ ان يكون عنوان المجموع مثلا أو عنوان الاقتران متوفّرا على ركني الاستصحاب ، أما استصحاب كل جزء على حدة ـ لو كان لكل جزء حالة متيقنة ـ فإنّه لا ينتج المطلوب إلاّ بناء على القول بالأصل المثبت ، وذلك لأن استصحاب الجزء الاول يثبت بقاء الجزء الاول في ظرف الشك ، وكذلك استصحاب الجزء الثاني ، وعندها نحرز بقاء الجزءين إلاّ انّ ذلك ليس هو موضوع الحكم الشرعي ـ كما هو المفترض ـ حيث افترضنا انّ موضوعه المجموع وهو غير المستصحب في الاستصحاب الاول والثاني ، نعم لازم بقاء المستصحب الاول والمستصحب الثاني الى ظرف الشك هو تحقق المجموع في ظرف الشك ، إلاّ انّه لمّا كانت الآثار الشرعية المترتبة على لوازم المستصحب العقلية غير حجة ، لعدم حجية الأصل المثبت ، فهذا يقتضي عدم ترتّب أي فائدة على الاستصحاب ، وهذا ما يساوق عدم حجيتهما.

وهكذا لو كان أحد الجزءين ثابتا بالوجدان وكان للجزء الآخر حالة سابقة متيقنة فإنّ استصحابه لا ينقّح

٢٠٥

موضوع الأثر الشرعي الاّ بواسطة اللازم العقلي الساقط عن الاعتبار.

الصورة الثانية : ان يكون موضوع الحكم الشرعي مجموعة من الأجزاء بحيث يكون كل واحد منها معتبرا في ترتب الحكم الشرعي ، بمعنى انّ المعتبر هو تحقق هذه الأجزاء بنفسها دون ان ينتزع من مجموعها عنوان بسيط بل هي متى ما ثبت تحققها بنحو من أنحاء الإثبات ترتّب الحكم الشرعي.

وفي مثل هذه الصورة يمكن إجراء الاستصحاب في كل جزء كانت له حالة سابقة متيقنة ثم شك في بقائه ، فلو كان أحد الجزءين محرزا وجدانا وكان الآخر غير محرز الوجود إلاّ ان وجوده كان محرزا ، فإن بالإمكان تنقيح الموضوع المركب بواسطة الوجدان والتعبّد الاستصحابي.

وباتضاح المراد من الموضوعات المركبة يصل البحث لبيان أنحاء التركب في الموضوعات لتتّضح الحالات التي يمكن ان يكون فيها الموضوع المركب من قبيل الصورة الاولى ، وما هي الضابطة لاندراج الموضوعات المركبة في الصورة الاولى أو الثانية ، فنقول :

إنّ المحقق النائيني رحمه‌الله ذكر ان التركّب في الموضوعات المركّبة على أنحاء :

النحو الأول : ان يكون الموضوع مركّبا من جوهر وعرضه ، وبتعبير المحقق النائيني رحمه‌الله ان يكون الموضوع مركبا من العرض ومحلّه « الجوهر » ، بمعنى أخذ العرض وصفا لمعروضه بنحو الوجود النعتي وبمفاد كان الناقصة ، فيكون وجود العرض قائما بالغير « الجوهر ». وهنا يكون الموضوع هو التقيّد المنتزع عن أخذ المولى العرض قيدا لمعروضه ولحاظه بما هو وصف قائم به.

ومثال ذلك : العدالة للإنسان

٢٠٦

عند ما تؤخذ وصفا وقيدا للإنسان في موضوع من موضوعات الأحكام الشرعية ، فعلاقة العدالة بالإنسان حينئذ علاقة العرض بمحلّه بنحو الوجود النعتي والذي يعتمد ملاحظة العرض باعتباره وجودا غيريا أي وصفا ونعتا قائما بمحلّه ومعروضه.

وهذا هو معنى وجود العرض بمفاد كان الناقصة والذي يعنى حمل أحد الوجودين على الوجود الآخر على أن يكون المحمول وصفا للمحمول عليه فنقول : كان زيد عادلا وذلك في مقابل الوجود المحمولي والذي هو مفاد كان التامة حيث يكون فيها المحمول هو الوجود ويكون الموضوع ماهيّة من الماهيات ، فالوجود النعتي هو ثبوت شيء لشيء وأما الوجود المحمولي فهو ثبوت الشيء. وقد أوضحنا ذلك في محلّه ، فراجع.

وفي مثل هذه الصورة يكون المستصحب هو التقيّد ، فلو لم تكن له حالة سابقة فإنّ الاستصحاب لا يجري في مورده ، فلو كان المعروض ثابتا بالوجدان مثلا ، وكان عرضه غير محرز الوجود إلاّ انّ له حالة سابقة فإنّ الاستصحاب لا يجري لغرض إحرازه ، وذلك لأنّه لا ينتج التقيّد ـ والذي هو موضوع الحكم الشرعي ـ إلاّ بواسطة الأصل المثبت ، كما أوضحنا ذلك فيما سبق.

النحو الثاني : ان يكون الموضوع مركّبا من الجوهر وعدم العرض على ان يكون عدم العرض قيدا لمحلّه « الجوهر » ، بمعنى انّ المولى لاحظ عدم العرض باعتباره وصفا لمحلّه وانتزع عن ذلك عنوانا بسيطا هو التقيّد ـ كما هو في النحو الاول ـ.

وعدم العرض في المقام هو المعبّر عنه بالعدم النعتي ، والذي يكون فيه عدم العرض وصفا لمعروضه بمفاد ليس الناقصة ، وذلك في مقابل العدم المحمولي والذي يكون فيه عدم

٢٠٧

العرض مثلا منفيا بقطع النظر عن معروضه أي بمفاد ليس التامة النافية لوجود الشيء رأسا لا أنها تنفي اتّصاف شيء بشيء كما هو الحال في ليس الناقصة.

ومثال العدم النعتي عدم الفسق إذا اخذ قيدا للإنسان في موضوع من موضوعات الأحكام ، وهذا يعني انّ موضوع الحكم هو العنوان البسيط المنتزع عن أخذ عدم الفسق وصفا لمعروضه « الإنسان ». ومن هنا لا يتأتى الاستصحاب إلاّ ان تكون لنفس التقيّد حالة سابقة متيقنة ، أما لو لم يكن كذلك وكان الإنسان مثلا محرزا وجدانا وعدم الفسق ليس محرزا فعلا إلاّ انه كان محرزا فإن استصحاب التقيّد بعدم الفسق غير واجد لأركانه ، واما استصحاب عدم الفسق فإنّه لا يثبت التقيد إلاّ بواسطة الاصل المثبت.

النحو الثالث : ان يكون الموضوع مركّبا من جوهرين ، كما لو كان موضوع وجوب الصدقة المنذورة هو وجود رجلين هما زيد وبكر.

وهنا يكون جريان الاستصحاب في كل جزء على حدة أو عدم جريانه منوطا بكيفية لحاظ المولى للموضوع المركب ، فلو لاحظ الأجزاء بنحو يكون كل واحد منهما متقيدا بالآخر ـ بحيث ينتزع عن ذلك عنوان بسيط كعنوان التقارن مثلا ـ فإن الاستصحاب لا يجري بنفس التقريب السابق ، وأما اذا لوحظت الأجزاء بنحو يكون كل جزء دخيلا في ترتّب الحكم ، وليس لشيء آخر ـ غير تحقق نفس الأجزاء ـ دخل في ترتب الحكم على موضوعه.

فهنا لا مانع من جريان الاستصحاب في كلّ جزء على حدة لإثبات تحققه لو كان لذلك الجزء حالة سابقة ، فلو كانت بعض الأجزاء محرزة وجدانا وكان البعض الآخر

٢٠٨

غير محرز إلاّ انّ لها حالة سابقة فإنّ بالامكان استصحابها ، فيتنقّح موضوع الحكم المركب بواسطة الوجدان والتعبّد الاستصحابي.

النحو الرابع : ان يكون الموضوع مركبا من عرضين لجوهر واحد أو من عرضين لجوهرين.

ومثال الاول : جواز الائتمام فإنّ موضوعه مركّب من عرضين لمحلّ واحد وهما العدالة والذكورة.

ومثال الثاني : استحقاق الولد للميراث ، فإنّ موضوعه مركّب من عرضين لمحلّين ، الاول هو إسلام الولد ، والثاني هو موت الأب ، فالاول عرض لمحل وهو الولد ، والثاني عرض لمحلّ آخر وهو الأب ، ويجري في هذا النحو ما ذكرناه في النحو الثالث. ثم انّ هناك أنحاء للموضوعات المركبة تعرف بملاحظة ما ذكرناه.

اذا اتضحت أنحاء التركّب في الموضوعات نقول : انّه قد يحرز تواجد تمام أجزاء الموضوع ، وهنا لا كلام فيما اذا لم يكن التركب من قبيل الصورة الاولى ، أما في الصورة الاولى فلا بدّ من إحراز العنوان البسيط المنتزع عن أخذ أحد الجزءين قيدا للآخر. وادعى المحقق النائيني رحمه‌الله انّ النحو الاول والثاني لا يكونان إلاّ من هذا القبيل ، وقد أوضحنا ذلك تحت عنوان استصحاب العدم النعتي.

وقد يكون أحد الجزءين محرزا بالوجدان والآخر غير محرز إلاّ ان له حالة سابقة متيقنة ، وهنا يجري الاستصحاب في الجزء الآخر ، ويتنقّح بذلك موضوع الحكم الشرعي ، طبعا في غير الصورة الاولى.

وقد يكون كلا الجزءين غير محرزين ثم يحصل العلم بتحققهما إلاّ انّه يقع الشك في تقدّم أحدهما بالنسبة للآخر ، وهذه الحالة لها ثمان صور كما أفاد السيد الخوئي رحمه‌الله.

٢٠٩

الصورة الأولى : ان نجهل بزمن تحقق كلا الجزءين ، وهذا هو المعبّر عنه بمجهولي التاريخ ، ومثاله : ان نعلم بموت زيد ونعلم باسلام ولده بعد العلم بعدمهما ، إلاّ اننا نشك في تقدّم اسلام الولد على موت الأب أو العكس ، كما انّه لا نعلم بتاريخ الاسلام ولا تاريخ الموت.

الصورة الثانية : نفس الصورة الاولى إلاّ انّ تاريخ أحدهما معلوما ، كأن نعلم بأنّ موت زيد وقع يوم الجمعة إلاّ انّنا نشك في تاريخ اسلام الولد وهل وقع قبل يوم الجمعة أو بعده.

وكل من هاتين الصورتين ينقسم الى قسمين :

القسم الاول : ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على تأخر أحدها عن الآخر أو سبق أحدهما الآخر ، كأن يكون استحقاق الميراث مترتبا على تأخر موت الأب عن اسلام الولد أو تقدّم اسلام الولد على موت الأب.

القسم الثاني : ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على عدم أحد عنواني التقدم أو التأخر.

وبضرب الصورتين في القسمين يكون حاصل الصور أربع. ثم انّ الأثر الشرعي المترتّب على وجود أحد عنواني التقدم أو التأخر ، تارة يكون أي الأثر الشرعي مترتبا على الوجود المطلق المعبّر عنه بالوجود المحمولي والذي يكون بمفاد كان التامة ، وتارة يكون الأثر الشرعي مترتبا على الوجود النعتي بمفاد كان الناقصة ، وقد أوضحنا المراد من ذلك وسيأتي مزيد توضيح لذلك.

وأما الأثر المترتب على عدم أحد العنوانين فإنه تارة يكون مترتبا على العدم المحمولي بمفاد ليس التامة ، وتارة يكون مترتبا على العدم النعتي بمفاد ليس الناقصة.

فهذه صور أربع وبضمها الى الصور

٢١٠

الاربع الآنفة الذكر يكون حاصل الصور ثمان ، وسيأتي ايضاح هذه الصور جميعا تحت عنوان استصحاب مجهولي التاريخ.

* * *

٧٣ ـ الاستصحاب في حالات التقدّم والتأخّر

والغرض من عقد هذا البحث هو التعرّف على مجرى الاستصحاب في حالات العلم بانتفاء المستصحب أو تحققه والشك في تقدم ذلك أو تأخره.

وبيان ذلك :

إنّ المكلّف قد يكون على علم بالحكم أو بالموضوع ثم يشك في ارتفاعهما ، وهنا لا ريب انّ الجاري هو استصحاب بقاء الحكم وكذلك بقاء الموضوع ، وقد يكون المكلّف عالما بعدم الحكم أو بعدم الموضوع ثم يشك في انتفاء العدم ، وهنا أيضا يكون مقتضى الاستصحاب هو البناء على استمرار عدم الحكم وكذلك البناء على استمرار عدم الموضوع.

وهذا لا كلام فيه انّما الكلام فيما لو علم المكلّف بالحدوث ثم علم بارتفاع الحادث إلاّ انّه كان يشك في زمان الارتفاع من حيث التقدّم والتأخر ، وهل انّ الارتفاع تمّ في الزمن الأول أو في الزمن الثاني ، وكذلك لو كان يعلم بعدم الحدوث ثم علم بانتفاء العدم أي علم بتحقق الحادث إلاّ انه شك في زمان انتفاء العدم وهل تمّ ذلك في الزمن الاول أو الزمن الثاني. فهذه صورتان :

الصورة الاولى : وهي ما اذا علم المكلّف بالحدوث ثم علم بانتفاء الحادث إلاّ انّه شك في زمان الانتفاء من حيث التقدّم أو التأخر ، وهنا لا ريب في انتفاء آثار الحادث بعد الزمان المتأخر ، انّما الكلام في الزمان المتقدم وهل هو مجرى لاستصحاب بقاء الحادث أو لا؟

٢١١

الظاهر انّه لم يستشكل أحد في جريان الاستصحاب في الزمان المتقدّم ، وذلك لتوفّره على ركني الاستصحاب حيث انّ المكلّف كان عالما بتحقق الحادث ثم شك في بقائه ، واحتمال كونه زمان الارتفاع لا يلغي الشك ، لعدم الجزم بأنّ الزمان الأول هو زمان ارتفاع الحادث ، وعليه لا بدّ من استصحاب بقاء الحادث الى حين القطع بارتفاعه والذي هو الزمان الثاني ، نعم جريان الاستصحاب قبل الزمان الثاني منوط بترتّب أثر شرعي على بقاء المستصحب الى الزمان الثاني.

ومثال ذلك : ما لو علمت المرأة بأنّها على حدث الحيض ثم قطعت بارتفاع حدث الحيض إلاّ ان زمان الارتفاع مردد عندها بين أول الفجر أو عند شروق الشمس ، فهنا لا ريب في انتفاء آثار الحادث عند شروق الشمس ، انّما الكلام فيما قبل الشروق. والظاهر ـ كما ذكرنا ـ انّ فترة ما قبل الشروق والتي تبدأ بأول الفجر مجرى لأصالة الاستصحاب إلاّ انّ جريان الاستصحاب ـ كما ذكرنا ـ منوط بوجود أثر شرعي مترتّب على بقاء حدث الحيض الى الفجر أو قل الى ما قبل الشروق ، كعدم وجوب القضاء لصلاة الصبح ، إذ انّ عدم وجوب القضاء أثر شرعي لبقاء الحيض.

نعم لو كان عدم وجوب القضاء مترتّب على انتفاء حدث الحيض عند الشروق فإنّ الاستصحاب لا يجري ، وذلك لأنّ غاية ما يثبته الاستصحاب هو بقاء حدث الحيض الى ما قبل الزمان الثاني ، والمفروض انّ ذلك ليس هو موضوع عدم وجوب القضاء حيث افترضنا انّ موضوعه هو انتفاء الحدث عند الشروق ، نعم يثبت انّ انتفاء الحدث كان عند الشروق بواسطة اللازم العقلي ، إذ انّه حينما نستصحب بقاء الحدث الى الزمان

٢١٢

الاول فإنّ لازمه انّ الانقطاع حصل في الزمان الثاني أي عند الشروق ، ولمّا كان موضوع الأثر الشرعي تمّ تنقيحه بواسطة لازم المستصحب العقلي فإنّ هذا الاستصحاب غير حجة ، لما ذكروا من انّ الاستصحاب انّما يكون حجة في حالة يكون الاثر الشرعي مترتبا على نفس المستصحب أو لازم المستصحب الشرعي.

الصورة الثانية : ما لو علم المكلّف بعدم الحادث ثم علم بتحققه إلاّ انه تردّد في زمان التحقق من حيث التقدّم والتأخر ، والكلام في المقام هو الكلام في الصورة الاولى.

ومثال هذه الصورة ما لو علم المكلّف بعدم صدور الناقض ثم علم بصدوره إلاّ انّه شك في زمان صدوره وهل هو حين الصلاة أو بعد الصلاة.

وفي مثل هذا الفرض يجري استصحاب عدم صدور الحدث في الزمان الاول ، ويترتب على ذلك صحة صلاته ، لو افترضنا انّ موضوع صحة الصلاة هو عدم صدور الناقص حينها.

* * *

٧٤ ـ الاستصحاب في حالات توارد الحالتين

ومحلّ البحث هو ما لو تعاقبت حالتان على موضوع مع افتراض الجهل بالمتقدّم منهما ، وكانت كل حالة تقتضي أثرا منافيا للأثر الذي تقتضيه الحالة الاخرى ، فهنا هل يجري الاستصحاب في كل من الحالتين ثم يسقط الاستصحابان بالمعارضة أو انّ الاستصحاب لا يجري فيهما معا أو انّ الصحيح هو التفصيل؟

ويمكن التمثيل لتعاقب الحالتين بما لو علم المكلّف بعروض حدث النوم عليه وبعروض الطهارة إلاّ انّه يجهل بالمتقدّم منهما عن المتأخر ، فهنا لو كنا نبني على جريان الاستصحاب في كل

٢١٣

من الحالتين فهذا معناه استصحاب حدث النوم الى ما بعد الطهارة وهو يقتضي ترتيب آثار الحدث ، واستصحاب الطهارة الى ما بعد حدث النوم وهذا يقتضي ترتيب آثار الطهارة.

ولمّا كان الاستصحابان متعارضين فالنتيجة هي سقوطهما عن الاعتبار ، والمرجع حينئذ هي الاصول الجارية في معروض الحالتين.

هذا وقد صنّف البحث الى صورتين :

الصورة الاولى : ان يكون تاريخ عروض كل من الحالتين على الموضوع مجهولا.

وفي هذه الصورة وقع الخلاف بين الأعلام ، فذهب البعض كصاحب الكفاية رحمه‌الله الى عدم جريان الاستصحاب في كل من الحالتين بقطع النظر عن التعارض ، واستدلّ عليه بنفس ما استدل به على عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ في الموضوعات المركبة وهو عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وهذا ما أوضحناه تحت عنوان اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وذهب آخرون كالسيد الخوئي والسيد الصدر رحمهما الله الى جريان الاستصحاب في كل من الحالتين وسقوطهما بالمعارضة.

الصورة الثانية : ان يكون تاريخ عروض احدى الحالتين معلوما والآخر مجهولا.

مثلا : لو كان عروض حدث النوم معلوم التاريخ بأن كان الساعة الاولى من النهار وكان عروض الطهارة مجهولا فيحتمل انّه وقع قبل الساعة الاولى كما يحتمل انّه وقع في الساعة الثانية.

وهنا ذهب صاحب الكفاية رحمه‌الله وآخرون الى عدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ وجريانه في معلومه بأن نستصحب

٢١٤

حدث النوم الى الساعة الثانية. واستدلّ صاحب الكفاية رحمه‌الله على عدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ بنفس ما استدلّ به في مجهولي التاريخ.

وأمّا السيد الخوئي رحمه‌الله فذهب الى جريان الاستصحاب في كلا الحالتين المتواردتين وعندئذ يسقطان بالمعارضة ، إلاّ انّه أفاد ـ وتبعا للمحقّق النائيني رحمه‌الله ـ بأن استصحاب معلوم التاريخ شخصي واستصحاب مجهول التاريخ كلّيّ ، نعم اختلف السيد الخوئي رحمه‌الله عن المحقق النائيني رحمه‌الله في أيّ الأقسام من استصحاب الكلّي يكون مجرى مجهول التاريخ ، فالمحقق النائيني رحمه‌الله يبني على انّ الجاري هو استصحاب الكلّي من القسم الثاني ، وأما السيد الخوئي رحمه‌الله فقد ذكر انّ الاستصحاب في مجهول التاريخ تارة يكون استصحابا كلّيّا من القسم الثاني واخرى من القسم الرابع.

أمّا انّ الاستصحاب في معلوم التاريخ شخصي فواضح ، لأن حدث النوم ـ مثلا ـ كان معلوم الوقوع في الساعة الاولى ومشكوك البقاء بعد ذلك ، وعندئذ نستصحب نفس الحدث في ظرف الشك. وأما انّ الاستصحاب في مجهول التاريخ كلّي من القسم الثاني فمثاله : ما لو علم المكلّف بصدور حدث النوم منه في الساعة الاولى ثم صدر منه وضوء ونوم إلاّ انّه يجهل المتقدم منهما عن المتأخر مع افتراض العلم بصدور حدث النوم منه في الساعة الثالثة ويشك ان الوضوء الذي صدر منه هل وقع قبل حدث النوم أو بعده ، فإن كان قد صدر قبل حدث النوم فهو قد ارتفع يقينا وان كان قد صدر منه بعد حدث النوم فهو باق يقينا فالطهارة دائرة بين البقاء يقينا أو الارتفاع يقينا ، وهذه هي ضابطة القسم الثاني من استصحاب الكلّي ـ كما أوضحنا ذلك في محلّه ـ وأمّا ان استصحاب الحدث شخصي

٢١٥

فاعتبار انّ حدث النوم كان معلوم الوقوع قبل توارد الحالتين فنستصحبه الى ظرف الشك.

وأمّا دعوى انّ استصحاب مجهول قد يكون كليا من القسم الرابع ـ والذي أضافه السيد الخوئي على الأقسام الثلاثة التي ذكرها الشيخ الانصاري ـ فمثاله : ما لو علم المكلّف بصدور حدث النوم منه في الساعة الاولى وعلم أيضا بصدور الوضوء عنه في الساعة الثالثة إلاّ انّه يعلم أيضا بصدور حدث آخر هو البول مثلا ويشك في تقدّمه على الوضوء أي الساعة الثالثة أو تأخره عنه ، فإن كان متقدما على الوضوء فإنّه لا يعدّ حدثا ، وذلك لأن المكلّف حينها كان محدثا يقينا ، وان كان قد أحدث بعد الوضوء فهو مما يترتب عليه أثر ، وهو الناقضية للوضوء ، وعندئذ نقول :

إنّ المكلف يعلم بصدور حدث النوم ويعلم بارتفاعه يقينا ، ويعلم أيضا بصدور حدث آخر إلاّ انّه مردد بين الارتفاع وعدمه ، فهو إن كان قد وقع قبل الوضوء فهو منطبق على حدث النوم ، إذ انّ البول بعد النوم ليس بحدث ، وان كان قد وقع بعد الوضوء فهو حدث جديد ويترتّب عليه أثر ، وهذا معناه ان عنوان حدث البول ـ المعلوم الوقوع ـ ان كان منطبقا على حدث النوم فهو قد ارتفع يقينا بالوضوء ، وان كان غير منطبق على حدث النوم فهو باق يقينا.

وهذا هو القسم الرابع من استصحاب الكلّي حيث قلنا في بيانه انّه عبارة عن العلم بفرد شخصي والعلم بعنوان آخر ثم العلم بارتفاع ذلك الفرد الشخصي ، والشك يكون من جهة انطباق ذلك العنوان على الفرد الشخصي المعلوم الارتفاع ، فلو كان منطبقا فالعنوان مرتفع قطعا وإلاّ فهو باق ، وعندها نستصحب بقاء العنوان.

* * *

٢١٦

٧٥ ـ استصحاب مجهولي التاريخ

ومحلّ البحث هو ما لو كان موضوع الحكم الشرعي مركبا من جزءين محرزين فعلا إلاّ انّه وقع الشك في تقدم أحدهما بالنسبة للآخر وتأخر أحدهما بالنسبة للآخر مع افتراض الجهل بتاريخيهما.

ويمكن تصنيف هذا الفرض الى أقسام :

القسم الأول : هو ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على الوجود المطلق المعبّر عنه بالوجود المحمولي والذي هو مفاد كان التامة ؛ ويتضح ذلك بملاحظة صوره الخمس :

الصورة الاولى : ما إذا كان الأثر الشرعي مركبا من جزءين وهو تقدم أحد شيئين على الآخر بمعنى انّ المعتبر هو وجود التقدّم بمفاد كان التامة المعبّر عنه بالوجود المحمولي والذي هو عبارة عن ثبوت الشيء ووجوده لا ثبوت شيء لشيء كما هو الحال في الوجود النعتي.

ومثال هذه الصورة : هو ما لو كان موضوع استحقاق الولد للميراث هو تقدّم موت الأب على موته على نحو يكون التقدّم المعتبر في الأثر الشرعي هو وجود التقدم بمفاد كان التامة ، ولمّا كنا محرزين لعدم التقدم حينما لم يكونا ميتين فإنّه يمكن استصحاب عدم التقدم أي عدم تحقق وجود التقدم لموت الأب المحرز سابقا وبه ينتفي استحقاق الولد للميراث. ولا يجري استصحاب عدم التقدم لموت الابن ، وذلك لافتراض عدم وجود أثر شرعي على تقدم موت الابن كما لو افترضنا ان الأب كان كافرا فتقدم موت الابن لا يوجب استحقاقه للميراث ، فلا معنى حينئذ لاستصحاب عدم التقدم لموت الابن.

الصورة الثانية : نفس الصورة الاولى إلاّ انّه يفترض فيها وجود أثر

٢١٧

شرعي مترتب على تقدّم الجزء الثاني على الاول.

ومثاله : ما لو كان استحقاق الابن للميراث مترتب على وجود التقدم لموت الأب بالنسبة لموت الابن ، وكان استحقاق الأب للميراث مترتبا على وجود التقدّم لموت الابن بالنسبة لموت الأب. فلو كنا نعلم بعدم موتهما ثم أحرزنا ذلك ووقع الشك في التقدم بالنسبة للاول على الثاني وكذا العكس.

وهنا يجري استصحاب عدم التقدم لموت الابن على موت الاب وهذا ينتج عدم استحقاق الابن للميراث ، وكذلك يجري استصحاب عدم التقدم لموت الابن على موت الابن ، وهذا ينتج عدم استحقاق الأب للميراث ، وليس بين الاستصحابين تعارض لاحتمال ان موتهما تم في وقت واحد.

الصورة الثالثة : نفس الصورة الثانية إلاّ انّه يضاف عليها إحراز وجود التقدم لأحدهما إجمالا ، وهنا لا يأتي احتمال تزامن موتهما ، ولذلك يتعارض الاستصحابان للعلم الإجمالي بمنافاة أحدهما للواقع ، فإجراء أحد الاستصحابين دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، كما انّ إجراءهما معا يستلزم المخالفة القطعية للواقع ، فلا محيص عن سقوط كلا الاستصحابين عن الاعتبار.

الصورة الرابعة : نفس الصورة الاولى إلاّ انّه يفترض انّ للتقدّم بالنسبة للجزء الاول على الثاني أثرا شرعيا كما انّ للتأخر بالنسبة للاول على الثاني أثرا شرعيا آخر ، وهنا يجري استصحاب عدم التقدم كما يجري استصحاب عدم التأخر ، ولا تعارض بين الاستصحابين لاحتمال تزامن الجزءين في التحقق.

ومثال ذلك : ما لو كان استحقاق الوارث الوحيد لميراث المورّث مترتبا على تحقق التقدّم بالنسبة لاسلام

٢١٨

الوارث على موت المورّث ، وكان تحقق التأخر لإسلام الوارث موضوعا لأثر شرعي آخر وهو استحقاق الإمام للميراث.

وهنا يجري استصحاب عدم التقدّم أي عدم تحقق التقدّم لإسلام الوارث على موت المورّث ، ويجري أيضا استصحاب عدم تحقق التأخر لإسلام الوارث فلا يكون للإمام ميراث المورّث ، وليس بين الاستصحابين تعارض لاحتمال انّ اسلام الوارث تزامن مع موت المورّث.

الصورة الخامسة : نفس الصورة الرابعة إلاّ انّه يفترض فيها وجود علم اجمالي بتحقق التقدم لأحدهما على الآخر ، وهنا يسقط كلا الاستصحابين عن الحجية ، إذ انّ إجراءهما معا مستوجب للمخالفة القطعية للواقع واجراء أحدهما المعين دون الآخر بلا مرجّح.

القسم الثاني : ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على العدم المحمولي والذي هو مفاد ليس التامة النافية للوجود عن معروضها ، وذلك في مقابل ليس الناقصة والتي تصف معروضها بوصف عدمي ، فحينما يقال : ليس زيد ، فهذا معناه نفي الوجود عن زيد ، وأما حينما يقال : ليس زيد عالما فإنّ ليس في المثال لا تنفي الوجود عن زيد وانما هي متصدّية لوصفه بعدم الاتصاف بالعالميّة ، أي انّ وظيفتها هو ربط السلب بالموضوع ، وهذه هي المعبّر عنها بليس الناقصة ، والعدم المفاد بواسطتها هو العدم النعتي.

وكيف كان فالاثر الشرعي المفترض في هذا القسم مترتب على العدم المفاد بواسطة ليس التامة والذي هو العدم المحمولي النافي للوجود عن موضوعه.

ومثاله ما لو كان الأثر الشرعي مترتبا على عدم موت الأب حين

٢١٩

موت الولد ، وهناك أثر آخر مترتب على عدم موت الولد حين موت الأب ، وهنا لو كان المكلف يعلم بعدم موتهما ثم علم بموتهما إلاّ انّه شك في انّ موت الأب هل تمّ حين عدم موت الولد أو انّ موت الولد تم حين عدم موت الأب ، وعندئذ يجري استصحاب عدم موت الأب حين موت الولد ويترتب على ذلك استحقاق الأب للميراث إلاّ انّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم موت الولد حين موت الأب ويترتب على ذلك استحقاق الولد لميراث الأب ، وحينئذ يسقطان عن الحجية.

هذا هو مبنى الشيخ الانصاري رحمه‌الله وجمع من الأعلام إلاّ ان صاحب الكفاية رحمه‌الله لم يقبل بذلك وبنى على عدم جريان الاستصحاب في نفسه بقطع النظر عن التعارض ، وذلك لاحتمال عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين والحال انّه يعتبر في جريان الاستصحاب احراز اتصالهما ، وسيأتي ايضاح ذلك تحت عنوان اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

وعلى أيّ تقدير فإن الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية رحمهما الله يتفقان على عدم حجية الاستصحاب في الفرض المذكور ، والاختلاف بينهما انما هو في منشأ سقوط الاستصحاب عن الحجية ، فالشيخ الانصاري رحمه‌الله يرى انّ المنشأ لذلك هو التعارض ، وهذا يعني جريان كل منهما ثم سقوطهما بالمعارضة ، أما صاحب الكفاية رحمه‌الله فيرى انّ المنشأ لذلك هو عدم توفّر هذا الاستصحاب على أحد شرائط جريانه وهو إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

والثمرة التي تظهر بين القولين هو ما لو افترضنا انّ الأثر يترتب على الاستصحاب الاول دون الآخر بأن لا يكون بقاء المستصحب في

٢٢٠