المعجم الأصولي - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

وأما التمسّك باستصحاب حكم الخاص فباعتبار انّ الزمان لم يكن سوى ظرف له فيكون حكم الخاص متوفّرا على أركان الاستصحاب وهو اليقين به قبل انتهاء الزمان الملحوظ ظرفا له والشك في بقائه بعد انتهاء الزمان والمفروض انّ الزمان لم يكن سوى ظرف له وهذا ما يعني وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ، وهذا هو مبرّر جريان استصحاب المخصص بعد ان لم يكن ما يمنع من جريانه وهو شمول حكم العام له حيث قلنا انّ استمرار حكم العام قد انقطع عنه.

ثم انّ صاحب الكفاية رحمه‌الله استدرك على ما ذكره من أنّ المرجع في هذه الصورة هو استصحاب حكم الخاص بقوله ـ بما معناه ـ انّ التخصيص لو كان لاول أزمنة حكم العام فإنّ المرجع حينئذ هو عموم العام ، وذلك لأنّ التخصيص في هذا الفرض لا يوجب انقطاع حكم العام ، كما في خيار المجلس فإنّه يثبت في أول أزمنة العقد ، فحتى لو لم يكن دليل على وجوب الوفاء بالعقد بعد التفرق عن المجلس فإن المرجع بعد التفرّق عنه هو عموم العام الأزماني ، وذلك لأنّ حكم العام انما يبدأ بعد الزمان الأول كما هو مقتضى تخصيصه بخيار المجلس في الزمان الأول.

الصورة الثانية : هي عين الصورة الاولى ولكن مع افتراض انّ الزمان الملحوظ في دليل المخصص أخذ قيدا في حكم المخصص كما لو افترضنا انّ دليل المخصص المفيد لثبوت الخيار في المعاملة الغبنية دلّ على اعتبار زمان انكشاف الغبن قيدا في ثبوت الخيار ، بمعنى انّ الخيار يسقط بمجرّد عدم اعمال المشتري له حين انكشاف الغبن ، وحينئذ فالمرجع ـ بنظر صاحب الكفاية ـ بعد انقضاء زمن الخيار وعدم اعمال المشتري له هو الاصول العملية الجارية في مورد

١٨١

حكم المخصص ، فلا العموم يمكن التمسّك به لعين ما ذكرناه في الصورة الاولى ولا الاستصحاب ، وذلك لأنّ تعدية حكم المخصص الى ما بعد انقضاء زمن انكشاف الغبن معناه تعدية حكم من موضوع الى آخر وهو من القياس.

وبتعبير آخر : لا تكون القضية المتيقنة والمشكوكة واحدة في مثل هذا الفرض بعد ان كان موضوع حكم المخصص هو زمان انكشاف الغبن في المعاملة والموضوع الذي نبحث عن حكمه هو ما بعد انكشاف الغبن في المعاملة ، ثم انّ هنا أيضا يأتي نفس الاستدراك السابق.

الصورة الثالثة : ان يكون العموم الأزماني عموما استغراقيا ويكون الزمان الملحوظ في دليل المخصص ليس إلاّ ظرفا لحكم المخصص.

والمراد من كون العموم الأزماني استغراقيا هو انحلال موضوع العام الى أفراده الطولية ويكون كل فرد موضوعا مستقلا لحكم العام ، بمعنى ان حكم العام ينحلّ أيضا الى أحكام بعدد أفراد موضوع العام ، فيكون لكل حكم من هذه الأحكام طاعة ومعصية مستقلّة ، وهذا معناه انّ الزمان أوجب تفريد وتصنيف موضوع العام الى موضوعات طولية متعاقبة يتعدد الحكم بعددها.

ومثاله ما لو قال المولى « أكرم العلماء أبدا » ، فإنّ الزمان هنا أوجب تفريد موضوع العام الى أفراد يتعدد الحكم بتعددها ويكون لكلّ حكم طاعة ومعصية مستقلة ، ولذلك لا يسقط عنه التكليف بمجرّد إكرامهم في الزمن الاول وكذلك لو عصى المكلّف ولم يكرمهم في الزمان الاول فإنّه يبقى ملزما بالاكرام في الأزمنة الأخرى المتعاقبة.

وأما كون المخصّص ملحوظا بنحو الظرفية فمعناه انّ الزمان ليس دخيلا

١٨٢

في حكم المخصص وانما باعتبار ان الموجود الخارجي لا ينفك عن ان يكون مظروفا للزمان فهذا هو الذي برّر ملاحظة الزمان وإلا فليس له دخالة في حكم المخصص.

ومثاله ما لو قال المولى : « لا يجب التصدق على زيد العالم في السنة الثانية » واستظهرنا من لسان الدليل انّ الزمان لم يكن سوى ظرف لحكم المخصص.

وفي هذه الصورة ذهب الشيخ صاحب الكفاية رحمه‌الله الى انّ المرجع عند الشك في استمرار حكم المخصص أو عدم استمراره المرجع هو عموم العام الأزماني ، وذلك لأن المقدار المحرز خروجه عن عموم العام هو ذلك الفرد الذي دلّ عليه دليل المخصص وأما الفرد الواقع في طول الفرد الخارج بالتخصيص فهو باق على عموم العام الأزماني ولا مقتضي لخروجه عن حكم العام كما هو الحال في الأفراد العرضية ، فإنّ خروج بعضها عن عموم العام لا يستوجب خروج حكم العام عن الباقي ، وعليه يجب اكرام زيد العالم في السنين التي تلي السنة الثانية ، نعم لو كان للعام ما يعارضه فإنّ المرجع حينئذ هو استصحاب حكم المخصص ، وذلك لتوفّره على أركان الاستصحاب مع انتفاء ما يمنع عن جريانه وهو العموم الأزماني بعد افتراض سقوطه بالمعارضة.

الصورة الرابعة : وهي عين الصورة الثالثة مع افتراض أخذ الزمان قيدا في حكم المخصص ، بمعنى اعتبار الزمان دخيلا في حكم المخصص وليس مجرّد ظرف ، وهنا يكون المرجع أيضا هو عموم العام إلاّ ان يبتلي بالمعارض ، وحينئذ هل يسوغ الرجوع لاستصحاب حكم المخصص كما هو الحال في الصورة الثالثة أولا؟

ذهب صاحب الكفاية رحمه‌الله الى عدم جريان الاستصحاب في حكم

١٨٣

المخصص في هذه الصورة بل المرجع هي الاصول العملية الاخرى الجارية في مورد المخصص ، وذلك لافتراض أخذ الزمان قيدا وهو يقتضي انتفاء الحكم عند انتفاء الزمان ، فإثبات نفس الحكم للفرد الواقع في طول الفرد المنقضي زمانه معناه تعدية الحكم من موضوع الى موضوع آخر وهذا هو القياس.

وبتعبير آخر : انّ وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة غير منحفظة في المقام ، إذ انّ القضية المتيقنة هي الفرد الواقع في الزمان الاول والقضية المشكوكة هي الفرد الواقع في الزمان الثاني ، فالحكم لو كان ثابتا للفرد الواقع في طول الفرد الاول لكان حكما آخر مسانخا للحكم الاول لا انّه عينه وهذا بخلاف ما يقتضيه الاستصحاب من اسراء عين الحكم الثابت في ظرف اليقين الى ظرف الشك.

* * *

٦٥ ـ استصحاب عدم النسخ

أما بيان المراد من معنى النسخ فياتي تحت عنوان النسخ.

وأما استصحاب عدم النسخ فمورده الشك في بقاء الحكم بمرتبة الجعل ، فقد يقع الشك في انّ الحكم المجعول على موضوعه المقدّر الوجود هل ارتفع أو انه لا زال ثابتا ، وهذا معناه الشك في انتساخ الحكم وعدمه.

ثم انّ صحة جريان استصحاب عدم النسخ ـ بناء على جريانه ـ انما هو في حالة لا يكون للحكم المشكوك في بقائه اطلاق او عموم أزماني يمكن التمسّك به في ظرف الشك وإلا فالمرجع هو الاطلاق والعموم الأزماني ، وكذلك لو كان هناك دليل مفاده استمرار أحكام الشريعة فإنه حينئذ يكون المرجع عند الشك ولا مسوّغ معه للتمسّك باستصحاب عدم النسخ ، فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حلال محمد

١٨٤

حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة » يتكفّل بإثبات استمرارية الأحكام الشرعية ، وهذا ما يجعل له الصلاحية للمرجعية في ظرف الشك ، نعم لو قام دليل قطعي على انتساخ حكم من الأحكام فإنّه لا مجال حينئذ للتمسّك باطلاق هذه الرواية الشريفة باعتبار انّ الدليل القطعي الذي ثبت به نسخ الحكم يكون مقيدا لإطلاق هذه الرواية الشريفة.

وما ذكرناه مختص بأحكام الشريعة الاسلاميّة ، أما لو وقع الشك في انتساخ أحكام الشرائع السابقة فهل يمكن التمسّك باستصحاب عدم النسخ أو لا؟

ذكر الأعلام « رضوان الله عليهم » : انّ إجراء استصحاب عدم النسخ في الشرائع السابقة ـ بناء على جريانه ـ انما هو مع افتراض عدم ثبوت نسخ الشرائع السابقة بكاملها ، ومع عدم ثبوت ذلك لا يجري الاستصحاب أيضا لو قام الدليل الاجتهادي على نسخ بعض الاحكام أو على ثبوت بعض أحكام الشرائع السابقة بعينها فيتمحض جريان استصحاب عدم النسخ بالأحكام التي لم يثبت نسخها كما لم يثبت استمرارها.

ومع تحرّر محلّ النزاع نقول : انّ الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية رحمهما الله وجمعا من الأعلام ذهبوا الى جريان استصحاب عدم النسخ ، وذلك لتوفره على أركان الاستصحاب مع شمول أدلة الحجية له وعدم وجود ما يمنع من جريانه.

وأما السيد الخوئي رحمه‌الله فذهب الى عدم جريانه لا في شريعتنا ولا في الشرائع السابقة ، وذلك لأنّ النسخ ليس أكثر من بيان انقضاء أمد الحكم ، واذا كان كذلك فحينما يقع الشك في استمرار حكم فهذا معناه الشك في سعة المجعول وضيقه.

وبتعبير آخر : إنّ الشك في استمرار

١٨٥

الحكم مآله الى الشك في سعة موضوع الحكم وضيقه ، وهل انّ موضوع الحكم هو مطلق المكلّف الى الأبد أو انّ موضوعه هو خصوص المكلّف الموجود في زمن التشريع مثلا ، واذا كان كذلك فمرجع الشك في استمرار الحكم الى الشك في أصل جعل الحكم على المكلف المعدوم زمن التشريع وهو مجرى لأصالة البراءة كما هو واضح.

* * *

٦٦ ـ الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي

ومورد البحث ما لو كان متعلّق التكليف المعلوم بالإجمال مرددا بين أطراف كان لكلّ واحد منها حالة سابقة متيقنة ، فهل يجري الاستصحاب في تمام الأطراف أو يجري في بعض دون الآخر أو لا يصح إجراء الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي مطلقا؟

ومثاله : ما لو علم المكلّف بوجوب صلاة عليه إلاّ انّه تردد بين ان تكون صلاة الطواف أو صلاة الآيات ، واتفق انّه كان على يقين من عدم وجوب صلاة الطواف في حقه وكذلك كان على يقين من عدم وجوب صلاة الآيات عليه ، فهنا هل يجري استصحاب عدم وجوب صلاة الطواف واستصحاب عدم وجوب صلاة الآيات أو انّهما لا يجريان معا أو انه يجري في أحدهما دون الآخر؟

هذا وقد صنّف البحث الى قسمين :

القسم الأول : ان يكون إجراء الاستصحاب في تمام أطراف العلم الإجمالي مستوجبا للوقوع في المخالفة العملية قطعا.

ومثال هذا القسم ما ذكرناه ، فإنّ إجراء الاستصحاب في الطرف الاول والثاني وبالتالي عدم الإتيان بكلا الصلاتين معناه القطع بمخالفة التكليف ـ المعلوم بالإجمال ـ عملا.

١٨٦

وفي هذه الصورة ذهب المشهور الى عدم جريان كلا الاستصحابين ، لأنّه يلزم من إجرائهما الترخيص في المعصية ، وهو قبيح ، وإجراؤه في أحد الطرفين دون الآخر بلا مرجّح ، فالنتيجة هي سقوطهما معا عن الحجية ، إلاّ ان يقوم دليل على التخيير وهو مفقود.

« ومن أراد التفصيل فليراجع أوائل بحث الاشتغال حيث يبحثون هناك عن جريان الحكم الظاهري في أطراف العلم الإجمالي ».

القسم الثاني : ان لا يكون إجراء الاستصحاب في تمام الأطراف مستوجبا للوقوع في المخالفة العملية القطعية.

ومثاله : ما لو كان المكلّف يعلم تفصيلا باشتغال ذمته بصلاتين « الظهر والمغرب » ثم علم اجمالا بفراغ ذمته من احدى الصلاتين ، فهنا يقع الشك فيما هو الباقي على عهدته ، وعندئذ لو أجرى الاستصحاب في كلا الصلاتين ورتّب على ذلك الإتيان بهما لا يكون قد خالف الواقع عملا كما هو واضح ، نعم أحد الاستصحابين مناف للواقع قطعا ، وذلك لافتراض العلم بفراغ الذمة من أحدهما.

وفي هذا الفرض اختلف الأعلام ، فذهب الشيخ الانصاري رحمه‌الله والمحقق النائيني رحمه‌الله الى عدم جريان الاستصحاب في تمام أطراف العلم الإجمالي وان لم يستلزم المخالفة العملية القطعية.

وأما الشيخ صاحب الكفاية رحمه‌الله فذهب الى جريان الاستصحاب في تمام الأطراف ، ولا تظهر ثمرة بين القولين من حيث تنجّز تمام الأطراف ، غايته انّ التنجّز بحسب المبنى الاول مسبّب عن العلم الإجمالي ، واما بحسب المبنى الثاني فإن التنجّز يكون مسبب عن الاستصحاب ، نعم تظهر ثمرة بين القولين في بعض الحالات من جهة اخرى غير التنجّز فراجع.

١٨٧

٦٧ ـ الاستصحاب في الأمور التدريجية

راجع الاستصحاب في الزمانيات.

* * *

٦٨ ـ الاستصحاب في الزمان

والغرض من عقد هذا البحث هو ملاحظة انّ أركان الاستصحاب تامة فيما لو كان المستصحب هو نفس الزمان مثل النهار والليل ، فلو كان المكلّف على يقين بحلول النهار ثم شك في بقائه فحينئذ هل له ان يستصحب بقاء النهار أو لا؟

ومنشأ الاشكال في جريان الاستصحاب في الزمان هو انّ الزمان من الوجودات التي من طبعها عدم القرار ، وذلك في مقابل الوجودات القارّة والتي تجتمع أجزاؤها في عرض واحد كوجود زيد.

فآنات الزمان يناط وجود المتأخر منها بتصرّم المتقدم ، فحينما يكون المتأخر موجودا يكون المتقدّم في حيّز العدم ، وحينئذ لا تنحفظ له وحدة حتى يعرضها اليقين والشك ، بمعنى انّ وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ـ والتي هي من أركان الاستصحاب ـ لا يمكن تصورها في الزمان ، إذ انّ الآن المعلوم غير الآن المشكوك ، فالآن المعلوم هو الآن المتقدم والذي يقطع بتصرّمه ، والآن المشكوك لم نكن على يقين من حدوثه.

والتفصّي عن هذا الإشكال إما بدعوى ان الزمان ليس وجودات متعددة ومتعاقبة بل هو وجود واحد سيال ، بمعنى انّه متقوم بعدم القرار ، وقد برهن على هذه الدعوى في علم الحكمة ، وحينئذ فالزمان وجود واحد عقلا وبنحو الدقة.

وبذلك يمكن ان يعرضه اليقين والشك ولا يكون المتيقن غير المشكوك ، وبه تبطل دعوى عدم

١٨٨

تصوّر وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة.

ومع عدم قبول هذه الدعوى يمكن اثبات وحدة القضية المتيقنة بواسطة النظر العرفي المسامحي والذي يرى انّ للزمان وجودا واحدا يبدأ بوجود أول آن من آناته وينتهي بآخر آن من آناته ، ونسبة كل آن من آناته لوجود الزمان نسبة الجزء الى الكل ، ولهذا يرى العرف انّ لهذا الكل « الزمان » حدوثا واستمرارا ثم زوالا وانتفاء ، فحدوث الزمان بحدوث أول آن منه واستمراره باستمرار آناته وانعدامه بانعدام آخر آناته ، فهذه الأوصاف الثلاثة عرضت موضوعا واحدا هو الزمان مما يعبّر عن انّ للزمان وجودا واحدا بحسب النظر العرفي.

والذي يؤكد هذه الدعوى ما نشاهده من تجزئة العرف للزمان الى قطعات كل قطعة يكون لها حدوث واستمرار وزوال ، كالنهار مثلا ، فإنّه يحدث بشروق الشمس ويستمر حتى سقوط قرص الشمس أو زوال الحمرة المشرقية ، وهذا ما يصحح استصحابه حينما يقع الشك في بقائه بعد اليقين بحدوثه ، إذ انّ المدار في صدق الوحدة بين القضية المتيقنة والقضية المشكوكة هو النظر العرفي كما هو المحقق عندهم.

ثم لا يخفى عليك انّ محلّ النزاع في صحة جريان استصحاب الزمان انّما هو فيما لو كان الأثر الشرعي مترتب على بقاء نفس الزمان ، أما لو كان مترتبا على عدمه فإنّه لم يقع خلاف في صحة جريان استصحاب العدم ، فوجوب أداء الظهرين مترتّب على عدم الغروب ، فلو وقع الشك في تحقق الغروب فإنّ بالإمكان استصحاب عدمه ، ومنه يترتّب وجوب الاداء ، إذ انّ موضوعه عدم الغروب وقد ثبت بواسطة الاستصحاب.

* * *

١٨٩

٦٩ ـ الاستصحاب في الزمانيات

المقصود من الزمانيات هي الوجودات غير القارّة ، فهي متقوّمة بكون الجزء المتأخر منها منوطا وجوده بانصرام المتقدم ، فهي وان كانت غير الزمان إلاّ انّها مثل الزمان من جهة انها وجودات متصرّمة ليس لها قرار ، ولهذا يعبّر عنها بالوجود السيال في مقابل الوجود الذي تكون تمام أجزائه مجتمعة في عرض واحد.

ويمثلون للزمانيات بالحركة وجريان الماء وانصباب الدم من الرحم والقراءة ، فهذه الأمثلة جميعا تشترك في تقوّم كل واحد منها بعدم اجتماع أجزائه في عرض واحد.

وهناك قسم آخر يطلق عليه الاصوليون الزمانيات أيضا ، وهو الوجود القار المقيد بزمان ، فمنشأ اطلاق عنوان الزماني على هذا النحو من الوجودات هو تقيّده بالزمان.

ومثاله : ما لو أمر المولى المكلّف بالكون في المسجد من شروق الشمس الى الغروب ، فإن الكون في المسجد ليس من الزمانيات في حدّ نفسه إلاّ انّ تقيّده بالزمان صحّح اطلاق عنوان الزماني عليه.

وكيف كان فإنّ إجراء الاستصحاب في الزمانيات ـ بالمعنى الاول ـ يواجه نفس المشكلة التي يواجهها إجراء الاستصحاب في الزمان ، والعلاج الذي ذكر هناك يجري في المقام أيضا فلاحظ.

ولمّا كان مقتضى التحقيق عندهم هو جريان الاستصحاب في الزمان ففي المقام كذلك إلاّ انه وقع البحث عن ما هي الحالات التي يصح معها إجراء الاستصحاب في الزمانيات.

والحالات المتصورة ثلاثة :

الحالة الاولى : ان يكون الشك في البقاء ناشئا عن الشك في استعداد الوجود الزماني للبقاء الى مدّة معينة ،

١٩٠

وهذا هو المعبّر عنه بالشك في المقتضي ، كما لو كان المكلّف يعلم بجريان الماء وشك بعد ذلك في استمراره بسبب الشك في قابلية المادة التي تمدّه للاستمرار الى هذا الوقت.

وجريان الاستصحاب في المقام لا إشكال فيه من جهة كون المستصحب زمانيا ، وانّما الإشكال من جهة جريان الاستصحاب عند ما يكون الشك في البقاء ناشئا عن الشك في المقتضي ، حيث ذهب الشيخ الانصاري والمحقق النائيني رحمهما الله الى عدم جريان الاستصحاب في هذا الفرض وذلك في مقابل ما عليه المشهور من جريان الاستصحاب في هذا الفرض.

الحالة الثانية : ان يكون الشك في البقاء ناشئا عن الشك في طرو الرافع ، أي افتراض انّ هذا الوجود الزماني له قابلية لأن يبقى الى المدّة التي وقع فيها الشك إلاّ انّ احتمال طرو الرافع أوجب الشك في البقاء والاستمرار.

ومثاله : ما لو علم الزوج بصدور حدث الحيض من زوجته ، وانّ سيلان دم الحيض له القابلية لأن يستمر سبعة أيام ـ كما هو مقتضى عادتها ـ إلاّ انّه شك بعد ذلك في استمرار السيلان بسبب الشك في طروء عارض ـ كمرض مثلا ـ وهنا لا ريب في جريان الاستصحاب.

الحالة الثالثة : ان يكون الشك ناشئا عن احتمال حدوث مقتض آخر مع إحراز انّ المقتضي الاول قد انقضى تأثيره.

ومثاله : ما لو علمنا بشروع زيد في صلاة رباعية وكنا نعلم انّ الصلاة الرباعية لا تقتضي أكثر من عشر دقائق بالنسبة لزيد إلاّ انّه بعد هذه المدة شككنا في استمرار زيد في الصلاة وكان منشأ الشك هو احتمال حدوث مقتض آخر للاستمرار ، كأن احتملنا انّ زيدا قد ابتلي بخلل في صلاته أوجب عليه الاحتياط بركعتين.

هذا وقد وقع الكلام بينهم في

١٩١

جريان الاستصحاب في هذه الحالة أو عدم جريانه ، فقد ذهب المحقق النائيني رحمه‌الله الى عدم جريان الاستصحاب بدعوى انّ المقوم لوحدة القضية المتيقنة والمشكوكة في الوجودات الزمانية هو وحدة الداعي ، والمقام ليس كذلك ، فعلى فرض بقاء زيد على الصلاة واقعا لا يكون ذلك استمرارا للفعل الاول المعلوم الحدوث بل هو حدوث آخر ، ومن هنا يكون الشك في تلبسه بالصلاة فعلا شكا في حدوث فعل جديد وليس هو شكا في استمرار الفعل الاول.

أما السيد الخوئي رحمه‌الله فلم يقبل هذه الدعوى ، وانكر ان يكون الداعي هو المقوّم للوحدة في الامور الزمانية وان الصحيح هو انّ مناط الوحدة في الامور الزمانية ـ بنظر العرف ـ هو الاتصال وهو حاصل في المقام ، اذ انّ هذا المكلّف لو قام وجاء بركعتين احتياطيتين دون فصل فإنّ العرف يرى مجموع الركعات وجودا زمانيا واحدا ، وهكذا الكلام فيما لو وقع الشك في استمرار جريان الماء بسبب احتمال حدوث مادة اخرى تستوجب استمرار الجريان وإلاّ فالمادة الأولى التي أوجبت حدوث الجريان قد نفدت جزما ، فكما انّه لو علمنا بحدوث مادة اخرى حين نفاد المادة الاولى لا يكون ذلك مؤثرا في صدق وحدة الجريان للماء بسبب الاتصال فكذلك الحال عند ما يقع الشك.

فالمصحّح لجريان الاستصحاب هو اتصال الجريان بنظر العرف المنقّح لصدق وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة من غير فرق بين ان يكون المنشأ لاتصال الجريان هو نفس المادة التي أوجبت حدوثه او انّ المنشأ لذلك هو حدوث مادة اخرى.

وأمّا الوجودات الزمانية بالمعنى الثاني : فالشك في موردها تارة يكون

١٩٢

بنحو الشبهة الموضوعية واخرى بنحو الشبهة الحكمية.

أما الشك بنحو الشبهة الموضوعية فهو ما لو كانت حدود الحكم معلومة إلاّ انّ الشك وقع من جهة تحقق الحدّ المقرر من الشارع خارجا ، وهو على نحوين ، فتارة يكون الحد الشرعي هو عدم الزمان وتارة يكون الحدّ الشرعي هو الزمان.

ومثال الأول : وجوب الإمساك ، فإنّه محدّد بعدم الغروب ، فلو وقع الشك في تحقق الغروب فإن استصحاب عدم الغروب ينقّح موضوع وجوب الإمساك.

ومثال الثاني : صحة طواف الحج فإنّها محددة شرعا بشهر ذي الحجة ، فلو شك في بقاء ذي الحجة فإنّ استصحاب بقائه ينقّح موضوع صحة الطواف. والظاهر عدم الإشكال في جريان الاستصحابين.

وأما الشك بنحو الشبهة الحكمية فهو ما لو وقع الشك في حدود الحكم المعلوم ، وهو تارة ينشأ عن شبهة مفهومية واخرى عن تعارض الأدلة.

أما الاول : فهو ما لو كان الحدّ المعتبر شرعا مجملا بنحو الإجمال المفهومي ، ومثال ذلك : ما لو دلّ الدليل على انّ مشروعية نافلة الليل مستمرة الى طلوع الفجر إلاّ انّه لم يعلم ما هو المراد من طلوع الفجر وهل هو الفجر الصادق أو الفجر الكاذب وشك المكلّف في بقاء مشروعية نافلة الليل فهل له استصحابها أو لا؟

وأما الثاني : فهو ما لو كانت الأدلة المحدّدة للحكم الشرعي متعارضة ، ومثال ذلك : ما لو دلت الروايات على انّ أداء صلاة الصبح مستمر الى شروق الشمس ، ودلّت روايات اخرى على ان وقت الأداء ينتهي بالإسفار فهنا لو وقع الإسفار هل يصح استصحاب بقاء الأداء او لا؟

١٩٣

ذهب الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية رحمهما الله الى التفصيل بين افتراض كون الزمان قيدا للحكم وبين افتراضه ظرفا له فالاول لا يصح معه الاستصحاب بخلاف الثاني.

ثم انّ هناك منشأ آخر للشك هو ما لو كان الشك ناشئا عن احتمال حدوث تكليف جديد مع احراز انتهاء أمد التكليف الاول. ومثاله : ما لو علم المكلّف بوجوب الكون في منى الى زوال يوم الثاني عشر ثم علم بتحقق الزوال إلاّ انّه شك في حدوث تكليف جديد يستوجب البقاء الى يوم الثالث عشر ، كما لو تعرّض للنساء أو الصيد.

وهنا وقع الكلام في امكان جريان الاستصحاب أو عدمه. فراجع.

* * *

٧٠ ـ الاستصحاب في الشبهات الحكمية

وقع الكلام بين الأعلام في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، فذهب المشهور الى جريانه وفي مقابل دعوى المشهور ذهب آخرون كالشيخ النراقي والسيد الخوئي رحمها الله الى عدم جريانه.

ولغرض تحرير محلّ النزاع لا بدّ من بيان مقدمة نذكر فيها انحاء الشك في الحكم الشرعي :

النحو الاول : ان يكون الشك في بقاء أصل الجعل والتشريع ، والشك بهذا النحو لا يتصور إلاّ في حالات احتمال النسخ ، والاستصحاب الجاري في مورده هو استصحاب عدم النسخ ، وهو خارج عن محلّ البحث.

النحو الثاني : ان يكون الشك في بقاء المجعول والفعلية وان كان أصل الجعل مما لا شك في بقائه ، والشك في بقاء المجعول انّما يتصوّر في حالات بلوغ الحكم مرحلة الفعلية ـ بسبب تحقق موضوعه من تمام حيثياته خارجا ـ واحراز المكلّف لذلك ، ثم

١٩٤

يطرأ عليه الشك.

ومنشأ الشك في بقاء فعلية الحكم أحد أمرين :

الأمر الاول : هو الشك في بقاء موضوع الحكم خارجا بعد ان كان محرزا ، فالشك في بقاء الموضوع هو الذي نشأ عنه الشك في بقاء الفعلية ، فلو كان الموضوع محرز البقاء لكانت الفعلية كذلك ، إذ لا إشكال عندنا من جهة حدود موضوع الحكم بل انّ حدوده معلومة لدينا ـ كما هو الفرض ـ غايته انّ هذه الحدود ـ المحرز اعتبارها والواضح مفهومها ـ هل لا زالت متحققة خارجا أو لا.

مثلا : لو انّ المكلّف يعلم بفعلية طهارته من الحدث وذلك لتحقق موضوع الطهارة في حقه ـ والذي هو الوضوء وعدم صدور الناقض ـ ثم لو شك في بقاء الطهارة بسبب الشك في طروء الناقض ، فهذا الشك يكون من الشك في بقاء فعلية الحكم ، ومنشؤه احتمال انتفاء الموضوع خارجا.

ويعبّر عن الشبهة في هذا الفرض بالشبهة الحكمية الجزئية كما يعبّر عنها بالشبهة الموضوعية ، وقد كان السيد الخوئي رحمه‌الله ـ بحسب نقل السيد الصدر رحمه‌الله ـ يذهب الى عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية الجزئية إلاّ انّه يصحح جريان الاستصحاب في مثل هذا الفرض بطريقة اخرى أي بغير استصحاب فعلية الحكم الجزئي بل استصحاب عدم طرو الناقض مثلا ، إذ انّ لهذا العدم حالة سابقة متيقنة ، فحينما انتهى من وضوئه كان يحرز عدم صدور الناقض ، أو ان نستصحب بقاء الموضوع الوجودي الذي كان محرز التحقق سابقا ، كما لو وقع الشك في بقاء وجوب النفقة على الولد الفقير والذي كنا نعلم بفقره ، فبدلا من ان نستصحب بقاء فعلية الوجوب للنفقة نستصحب بقاء فقر الولد وعندها

١٩٥

يتنقّح موضوع الوجوب.

الأمر الثاني : الموجب للشك في بقاء الحكم المجعول هو الجهل بحدود دائرة الحكم المجعول من حيث السعة والضيق ، وهذا ما ينشأ عن عدم معرفة حدود موضوع الحكم والذي يترتّب على وجوده تحقق الفعلية للحكم.

ومثاله : ما لو وقع الشك في نجاسة الماء المتغير الذي زال تغيّره بنفسه ، فالشك في الحكم المجعول هنا نشأ عن عدم معرفة حدود موضوع الحكم بالنجاسة ، وهل انّ موضوعه هو التغيّر بالنجاسة حدوثا حتى ولو زال التغيّر بعد ذلك أو انّ موضوعه هو التغيّر الفعلي ، بمعنى انّ زوال التغيّر ينفي موضوع الحكم بالنجاسة.

وهذا النحو من الشك هو المعبّر عنه بالشبهة الحكمية ، وهو محلّ النزاع من حيث صحة جريان الاستصحاب في مورده أولا ، حيث ذهب المشهور الى صحة جريانه وفي مقابل دعوى المشهور ذهب الشيخ النراقي والسيد الخوئي رحمها الله الى عدم صحة جريانه على تفصيل ستأتي الإشارة اليه ان شاء الله تعالى.

أما كيفية جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فهو انّ المكلّف يعلم بتحقق النجاسة للماء بسبب العلم بتحقق التغيّر ، وبعد ان يزول التغيّر يشك في بقاء فعلية الحكم بالنجاسة ، وعندئذ يجري استصحاب بقاء الفعلية للنجاسة.

وهنا ملاحظة لا بدّ من الالتفات اليها للتعرّف على ما هو محلّ النزاع بالدقة ، وهي انّ الحكم المجعول على موضوعه تارة يكون انحلاليا ، بمعنى انّه ينحلّ الى أحكام بعدد أفراد موضوعه ، ويكون الزمان الواقع ظرفا لموضوع الحكم مقتضيا لتحصيص الموضوع الى حصص طولية أي الى حصص ممتدة في عمود الزمان.

١٩٦

ومثاله : وجوب النفقة على الزوجة ، فإنّ هذا الوجوب ينحلّ الى وجوبات بعدد أفراد النفقة الممتدة في عمود الزمان ، فالزمان الواقع ظرفا للنفقة فردّ النفقة وحصّصها الى حصص طولية متعاقبة بتعاقب الزمن الى حين انتهاء أمد الزوجية « المقصود من الموضوع الاعم منه ومن المتعلّق ».

هذا النحو من الأحكام وان كانت الشبهة فيه حكمية كلية إلاّ انها خارجة عن محل النزاع ولا يصح القول بجريان الاستصحاب في موردها ، وذلك لأن الشك فيها دائما يكون مسبوقا بعدم اليقين ، ففي مثالنا لو كان موضوع وجوب النفقة مرددا بين الزوجة بنحو مطلق أو خصوص الزوجة الفقيرة ، فلو كانت الزوجة في أوّل الأمر فقيرة فإنّ الوجوبات المتعددة والمتعاقبة في عمود الزمان الى آخر يوم من الفقر لا مجال للشك فيها ، إذ انّها القدر المتقين من موضوع الوجوبات ، أمّا بعد الفقر فلا علم بالوجوب حتى يستصحب بعد الشك.

وبتعبير آخر : انّ الافراد الطولية للنفقة بعد الفقر لم يكن لنا علم بوجوبها ومعه لا مجال لاستصحابها ، إذ انّه متقوم باليقين السابق وهو منتف بحسب الفرض.

وبهذا يتضح عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية إذا كانت من قبيل ما ذكرناه ، ويتمحض محل النزاع بما اذا لم يكن الحكم انحلاليا ولم يكن الزمان الواقع ظرفا للموضوع موجبا لتحصيصه الى حصص طولية.

ومثاله : الماء المتغير بالنجاسة ، فإنّ الماء المتغير واحد برغم تمادي الزمان فهو لا يتعدد بسبب تعاقب الزمان فلا يكون الزمان موجبا لتفريده وتحصيصه الى حصص متعاقبة ، وبذلك يكون الحكم بالنجاسة الثابت

١٩٧

لهذا الماء واحدا وغير منحلّ الى نجاسات متعددة ، إذ لا معنى لتعدّد الحكم بالنجاسة بعد اتحاد الموضوع.

وهذا النحو من الأحكام هو محلّ النزاع بين المشهور والسيد الخوئي رحمه‌الله.

وبيان ذلك : انّه لو وقع الشك في بقاء الفعلية للنجاسة بعد زوال التغيّر فإنّ بالإمكان استصحاب الفعلية المعلومة سابقا أي قبل زوال التغيّر ، وهذا هو المعبّر عنه باستصحاب الحكم المجعول ، وهو الذي يبني المشهور على جريانه في مثل هذه الموارد. والسيد الخوئي رحمه‌الله لا يختلف معهم في هذا المقدار ، وانّما يدعي انّ هذا الاستصحاب معارض دائما باستصحاب عدم الجعل الثابت من الأزل ، اذ نتيجة كل واحد من الاستصحابين منافية لنتيجة الاستصحاب الآخر.

ومنشأ دعوى جريان استصحاب عدم الجعل هو ما ذكرناه من انّ المنشأ للشك في بقاء المجعول انّما هو الجهل بسعة دائرة موضوع الحكم ، وهناك قدر متيقن نحرز موضوعيته للحكم وما سوى ذلك لا تكون موضوعيته للحكم محرزة ، ولذلك يقع الشك في جعل الشارع للحكم على غير ذلك المقدار المتيقن ، وهذا ما يصحّح استصحاب عدم الجعل الثابت من الأزل أو المعلوم عدمه في صدر التشريع الإسلامي.

ولمّا كانت نتيجة استصحاب عدم الجعل منافية لنتيجة استصحاب بقاء المجعول يسقط الاستصحابان معا عن الحجيّة.

ففي مثالنا يكون استصحاب بقاء الحكم بالنجاسة الى ما بعد زوال التغيّر معارضا باستصحاب عدم جعل النجاسة للماء بعد زوال التغيّر ، ولذلك يسقطان عن الحجيّة.

وكان نظر السيد الخوئي رحمه‌الله بحسب نقل السيد الصدر رحمه‌الله هو عدم

١٩٨

جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية مطلقا ثم بنى على عدم جريانه في خصوص الشبهات الحكمية الإلزامية دون الشبهات الحكمية الترخيصية.

ومثاله : ما لو وقع الشك في بقاء الحلّية للعصير العنبي بعد غليانه بالشمس فإنّه يمكن استصحاب الحلية الثابتة له قبل الغليان ، وهذا الاستصحاب غير معارض باستصحاب عدم الجعل للإباحة ، وذلك لأن الإباحة ثابتة للأشياء كلها دون جعل. ومن هنا ليس لعدم الإباحة حالة سابقة متيقنة حتى يستصحب.

* * *

٧١ ـ الاستصحاب في المحمولات الثانوية

انّ المستصحب إذا كان من قبيل الموضوعات فإنّ الشك فيه تارة يكون من جهة وجوده المحمولي ، وتارة يكون من جهة عدمه المحمولي ، بمعنى انّ الشك في الموضوع تارة يكون من جهة الشك في بقائه في حيز الوجود بعد ان كان وجوده محرزا وهذا هو الشك من جهة الوجود المحمولي والذي هو مفاد كان التامة.

وقد يكون الشك في الموضوع من جهة الشك في انتفاء العدم عنه بعد ان كان محرزا وهذا هو الشك من جهة العدم المحمولي والذي هو مفاد ليس التامة.

وتلاحظون انّ الوجود المحمولي والعدم المحمولي يحملان على الموضوع ويتشكل من ذلك قضية حملية موضوعها أحد المهيات ومحمولها الوجود أو العدم وهذا النحو من القضايا هي المعبّر عنها بالمحمولات الاولية. ومنشأ التعبير عنها بالمحمولات الاولية هو انّه لا تخلو ماهيّة من المهيات من أحد هذين

١٩٩

المحمولين ، فإمّا ان تكون موجودة أو معدومة وإلاّ لزم ارتفاع النقيضين عن الماهيّة ، وهو مستحيل.

وبما ذكرنا يتضح انّ الذي يعرضه الشك هو الماهيّة المجرّدة عن الوجود والعدم وتكون جهة الشك هي حيثية الوجود والعدم ، إذ ان ملاحظة الماهيّة حال كونها موجودة معناه عدم الشك فيها من جهة بقاء الوجود وانتفائه فلا معنى لاستصحاب وجودها ، وكذلك الحال لو لوحظت معدومة.

وباتضاح ذلك نقول : إنّ الماهيّة المجرّدة عن الوجود والعدم اذا وقع الشك في بقائها في حيّز الوجود بعد احراز عروض الوجود لها في زمن سابق فلا ريب في جريان استصحاب وجودها ، وهكذا لو كان المحرز هو عدمها ثم وقع الشك في انتفاء العدم عنها فإنه لا ريب في جريان استصحاب عدمها.

إذن لا كلام فيما لو كان المستصحب من قبيل المحمولات الأوليّة ، وانّما الكلام فيما لو كان المستصحب من قبيل المحمولات الثانويّة.

والمراد من المحمولات الثانويّة هي المحمولات التي تعرض الموضوعات بنحو مفاد كان الناقصة أو ليس الناقصة ويعبّر عن الاول بالوجود النعتي وعن الثاني بالعدم النعتي ، وهذا ما يقتضي الفراغ عن وجود تلك الموضوعات ، إذ انّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، فاتّصاف شيء بوصف وجودي بمفاد كان الناقصة أو بوصف عدمي بمفاد ليس الناقصة لا يتم إلاّ بعد افتراض وجود ذلك الشيء ، وعندئذ يمكن ان تعرضه المحمولات الثانوية. فيقال : زيد أي الموجود عالم أو ليس بعالم.

ثم انّ المقصود من المحمولات الثانويّة هو الأعم من المحمولات التي تعرض الموضوعات بعد الفراغ عن وجودها المحمولي والمحمولات التي

٢٠٠