المعجم الأصولي - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

الالتزام بالمتيقن في مرحلة الشك ، فالمتيقن مستصحب وملتزم به وغير مجانب ـ بصيغة المفعول ـ في مرحلة الشك.

وكيف كان فالتعريفات المذكورة للاستصحاب تحوم في حمى واحد ، ولذلك ذكر صاحب الكفاية رحمه‌الله انّ تعريفات الاستصحاب تشير الى معنى واحد ، إلا انّ السيد الخوئي رحمه‌الله لم يقبل بهذه الدعوى وأفاد انّ الاستصحاب لا ينبغي ان يكون له تعريف واحد بل لا بدّ وان يختلف باختلاف المبنى فيما هو المجعول في الاستصحاب ، فلو كان المجعول في الاستصحاب هو الطريقية المحضة فهذا يقتضي ان يكون نحوا من الأمارات ، وحينئذ لا بدّ من تعريفه بما يتناسب مع كونه أمارة ، ولو كان المجعول في الاستصحاب هو الوظيفة العملية فهذا يقتضي ان يكون الاستصحاب أصلا عمليا ، وعندئذ لا بدّ من تعريفه بما يتناسب مع كونه أصلا عمليا.

ومن هنا نشأ الاختلاف في تعريف الاستصحاب ، فهو بناء على كونه أمارة يناسبه ان يعرّف بهذا التعريف الذي نقله الشيخ الانصاري رحمه‌الله عن بعض العلماء من انّ الاستصحاب هو « كون الحكم متيقنا في الآن السابق مشكوكا في الآن اللاحق ».

ومنشأ تناسبه لأمارية الاستصحاب هو انّ اليقين السابق بالحكم كاشف ظني عقلائي عن بقاء الحكم في مرحلة الشك ، فهو تعريف له بمنشإ كاشفيته وهو اليقين السابق بالحكم ، وواضح ان الاستصحاب إذا كان كاشفا عن بقاء الحكم في مرحلة الشك فهو أمارة.

وأما بناء على كون الاستصحاب أصلا عمليا ـ كما هو المعروف ـ فيناسبه التعريف الذي ذكره الشيخ الانصاري رحمه‌الله وقال انه أسدّ التعريفات وأخصرها وهو « إبقاء ما

١٤١

كان » وشرحه الشيخ صاحب الكفاية رحمه‌الله بأنّه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه » ، وتناسب هذا التعريف مع كون الاستصحاب أصلا عمليا واضح ، وذلك لأنّ الأصل العملي حكم ظاهري مقرّر على المكلّف في ظرف الشك في الحكم الواقعي ، فقول الشيخ الأنصاري رحمه‌الله بأن الاستصحاب « إبقاء ما كان » معناه حكم الشارع ببقاء المتيقن على حاله في ظرف الشك ، وهو تعبير آخر عن جعل الشارع الحكم الظاهري على المكلّف ، غايته انّ موضوع هذا الحكم الظاهري هو اليقين السابق والشك اللاحق ، فاليقين والشك المتواردان على متعلّق واحد هو المنقح لموضوع الحكم الظاهري وهو الاستصحاب أو قل لزوم البناء على البقاء.

ثم لا بأس بشرح ما أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله في تعريفه للاستصحاب ، فقوله « هو الحكم ببقاء » معناه انّ الشارع جعل حكما ظاهريا على المكلّف هو لزوم البناء على البقاء ولزوم ترتيب آثار البقاء والتعامل مع المتيقن السابق وكأنّه لا زال متيقنا ، فكما انّه لو كان متيقنا فعلا يقتضي بعض الآثار من تنجيز أو تعذير فكذلك الحال فيما لو كان متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا.

ثم انّ الاستصحاب لا يختص بلزوم البناء على بقاء الحكم المتيقن سابقا بل يشمل حالة الشك في الموضوع ذي الحكم إذا كان لذلك الموضوع حالة سابقة متيقنة ، وهذا هو معنى قوله « ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم » فإنّ المقصود من الحكم هو مثل الوجوب أو الحرمة أو الطهارة والمقصود من الموضوع ذي الحكم هو كل موضوع يترتب على تنقّحه أثر شرعي مثل الكرّ والخمر وعدم زوال الحمرة المشرقية وهكذا ، فإنّ الحكم

١٤٢

ببقاء السائل الخمري على الخمرية يترتب عليه أثر شرعي وهو حرمة شربه.

ثم انّ السيد الخوئي رحمه‌الله قال : إنّ الصحيح في تعريف الاستصحاب ـ بناء على كونه اصلا عمليا هو « حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملي ».

والظاهر انّ الفرق بين هذا التعريف وبين تعريف الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية رحمه‌الله ليست جوهريا ، نعم هو الأنسب بروايات الاستصحاب كما أفاد السيد الخوئي رحمه‌الله ، وذلك لأنّ صحاح زرارة الثلاث أفادت النهي عن نقض اليقين بالشك ، وهذا يقتضي تعريفه بلزوم البناء على بقاء اليقين في حالات الشك ، إذ هو المنهي عن نقضه وليس المتيقن والذي هو متعلّق اليقين ، غايته انّ الحكم ببقاء المتيقن هو لازم الحكم بلزوم البناء على بقاء اليقين ، إذ ان الحكم ببقاء اليقين ينتج الحكم ببقاء المتيقن ، إذ من غير المعقول ان يبقى اليقين دون متعلّقه « المتيقن » ، وذلك لأن اليقين من العناوين ذات الإضافة فلا يمكن وجود يقين دون ان يكون له متيقن.

وعلى أيّ حال فقد ذكر الشيخ الانصاري رحمه‌الله انّ للاستصحاب أقساما ناشئة عن لحاظات ثلاثة :

الأول : هو التقسيم بلحاظ المستصحب وهو المتيقن الذي حكم الشارع بلزوم البناء على بقائه في ظرف الشك كالوجوب الذي كان متيقنا ونشك فعلا في بقائه ، وكالسائل الخمري الذي كان متيقنا ونشك فعلا في بقائه على صفة الخمرية ، فالوجوب في المثال الاول والسائل الخمري في المثال الثاني يعبّر عن كلّ واحد منهما بالمستصحب.

ونحن إذا لاحظنا المستصحب نجده على أقسام ، فالاستصحاب بلحاظ ما

١٤٣

ينقسم عليه المستصحب ينقسم على نفس تلك الأقسام.

فنقول تارة يكون المستصحب أمرا وجوديا مثل الوجوب والحياة ، وتارة يكون أمرا عدميا مثل عدم الحكم وعدم الرطوبة وعدم الحاجب وعدم الحدث.

والأمر الوجودي تارة يكون حكما شرعيا كالوجوب والطهارة ، وتارة يكون من الامور الخارجية مثل الرطوبة والعصير العنبي. والحكم الشرعي تارة يكون حكما تكليفيا مثل الحرمة وتارة يكون حكما وضعيا مثل الطهارة والزوجية والملكية ، والحكم الشرعي أيضا قد يكون كليا مثل الحرمة الثابتة للخمر وقد يكون جزئيا مثل شخص وجوب النفقة على زوجة زيد الثابت على عهدة زيد نفسه.

الثاني : التقسيم بلحاظ دليل المستصحب أو قل بلحاظ منشأ اليقين ، إذ قد يكون اليقين في حينه ناشئا عن المدرك العقلي كما لو حدث اليقين بوجوب شيء بواسطة ادراك العقل اشتماله على المصلحة التامة الغير المزاحمة ، وقد يكون اليقين بالمستصحب ناشئا عن الإجماع ، كما قد يكون ناشئا عن الدليل اللفظي من الكتاب أو السنة ، وقد يكون منشؤه المشاهدة كما لو شاهد المكلّف النجاسة وهي تسقط في الإناء ، وقد يكون ناشئا عن مناشئ اخرى.

الثالث : التقسيم بلحاظ السبب الموجب للشك في البقاء ، إذ قد يكون الشك في البقاء ناشئا من اشتباه الامور الخارجية كالشك في الرطوبة الحادثة من حيث كونها منيا أو مذيا أو الشك في انّ الدم الخارج هل هو من دم العذرة أو من دم الحيض والشبهة في المقام موضوعية والتي مآلها دائما الى الشك في الحكم الجزئي أو قل الشك في بلوغ الحكم مرحلة الفعلية فحينما يقع الشك في حدوث حدث الحيض

١٤٤

بسبب الشك في انّ الدم الخارج هل هو دم حيض أو دم عذرة فإنّ الشك هنا شك في فعلية الطهارة الحدثية فهو شك في الحكم الجزئي ، ولاتّضاح ذلك راجع الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية.

وقد ينشأ الشك في البقاء عن الشك في حدود الحكم الشرعي الكلي كالشك في بقاء الحرمة للعصير العنبي بعد زوال ثلثيه بالشمس وكالشك في حرمة النبيذ بعد ذهاب سورته بالماء ، وهنا تكون الشبهة حكمية باعتبار انّ متعلق الشك هو الحكم الشرعي الكلّي أو قل انّ متعلّق الشك هو حدود الجعل الشرعي ، راجع الشبهة الحكمية.

وقد يكون الشك في البقاء ناشئا عن الشك في استعداد المستصحب للبقاء الى مدة معينة ، وهذا هو المعبّر عنه بالشك في المقتضي ، وقد يكون الشك في بقاء المستصحب ناشئا عن احتمال طروء الرافع ، وهذا هو المعبّر عنه بالشك في الرافع.

والاول مثل الشك في بقاء نهار شهر رمضان باعتبار الشك في قابليته للبقاء الى هذه الساعة ، والثاني مثل الشك في بقاء الزوجية لاحتمال زوالها بسبب الطلاق.

كما انّ الشك في البقاء قد يكون شكا منطقيا بمعنى ان طرفي الثبوت والانتفاء متساوية في النفس ، وقد يكون بمعنى ترجّح طرف الثبوت أو طرف الانتفاء في النفس وقد يكون بمعنى الاحتمال.

هذه هي تمام الاقسام التي ذكرها الشيخ الانصاري رحمه‌الله ، وبعضها وقع محلا للنزاع من حيث مشموليتها لأدلة الحجية للاستصحاب وبعضها ادعي الاتفاق على شمول أدلة الاستصحاب لها ، كما انّ بعضها ادعي الإجماع على عدم شمول أدلة الاستصحاب لها وسوف نشير الى بعض هذه الاقسام

١٤٥

في سياق استعراض عناوينها « إن شاء الله تعالى ».

* * *

٥٢ ـ الاستصحاب الاستقبالي

المراد من الاستصحاب الاستقبالي هو ما يكون فيه المتيقن فعليا ويكون المشكوك استقباليا ، بمعنى ان يكون المكلّف على يقين بشيء فعلا إلاّ انّه يشك في استمراره فيما يستقبل من الزمان ، فهو وان كان يشترك مع الاستصحاب الاعتيادي في تأخر المشكوك على المتيقن إلا انّ الاختلاف بينهما من جهة انّ الحالة المألوفة هو فعلية متعلّق الشك وماضوية متعلّق اليقين ، أما الاستصحاب الاستقبالي فإنّ الحالة الفعليّة للمكلف هي اليقين بالشيء ويكون المشكوك متأخرا.

ومثاله ما لو كان المكلّف متيقنا بعجزه عن الوضوء الاختياري إلاّ انّه يشك في استمرار هذا العجز فيما يستقبل من الزمان ، فاليقين والشك وان كانا فعليين ـ وكذلك متعلّق اليقين وهو العجز فعلي أيضا ـ إلاّ انّ متعلّق الشك وهو بقاء العجز استقبالي. فهنا لو كنّا نبني على جريان الاستصحاب فإنّ مقتضاه هو البناء على بقاء العجز فيما يستقبل من الزمان.

وباتّضاح ذلك نقول انّ السيد الخوئي رحمه‌الله ذكر انّه لم يجد من تعرّض لهذا النحو من الاستصحاب إلاّ المحقق النائيني رحمه‌الله فإنّه أشار الى هذا النحو من الاستصحاب في المقدمات المفوتة ونقل عن صاحب الجواهر رحمه‌الله انّه يرى عدم جريانه إلا انه لم ينقل المنشأ الذي حدى بصاحب الجواهر رحمه‌الله الى القول بعدم جريانه.

ولعلّ منشأه ـ كما أفاد السيد الخوئي رحمه‌الله ـ هو انّ أكثر الروايات التي استدلّ بها على حجية الاستصحاب تفترض فعلية المشكوك وتقدم المتيقن ، كما في مضمرة زرارة « لانّك

١٤٦

كنت على يقين من طهارتك فشككت » إلا انّه مع ذلك يمكن القول بحجية هذا الاستصحاب تمسكا باطلاق الكبرى التي علّل بها الامام جريان الاستصحاب وهي قوله عليه‌السلام « فإنّ اليقين لا يرفع بالشك » (١٦) وقوله عليه‌السلام « وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك » (١٧).

ومن هنا ذهب السيد الخوئي رحمه‌الله الى جريان الاستصحاب الاستقبالي على ان يكون الأثر الشرعي مترتبا عليه حين جريانه أي في حالة اليقين بالحادث وإرادة اسرائه لما يستقبل من الزمان ، لا أن يكون الأثر مترتبا على وجود الحادث في مستقبل الزمان ، إذ انّ المعتبر في جريان الاستصحاب هو كون الأثر الشرعي مترتبا حين إجراء الاستصحاب ، وإجراء الاستصحاب في المقام هو زمان المتيقن.

مثلا : لو كان جواز البدار للعاجز في مثالنا السابق مترتبا على إحراز استمرار العجز لآخر الوقت فإنّ استصحاب استمرار العجز ـ المتيقن فعلا ـ الى آخر الوقت ينقّح موضوع الأثر الشرعي وهو جواز البدار ، أما لو لم يكن الأثر مترتبا حين إجراء الاستصحاب فإنّ الاستصحاب لا يجري ، فلو كنا على يقين فعلا من عدالة زيد ونشك في انّ عدالته هل ستستمر الى شهر أولا وكان هناك أثر مترتب على اتّصافه بالعدالة في آخر الشهر وهي صحة الطلاق أمامه في ذلك الوقت مع افتراض عدم وجود أثر شرعي مترتب حين إجراء استصحاب استمرار العدالة المتيقنة فعلا فإنّ هذا الاستصحاب لا يجري ، إذ لا أثر مترتب حين إجرائه كما هو الفرض.

* * *

٥٣ ـ الاستصحاب التعليقي

ومجرى هذا الاستصحاب ـ لو تمت

١٤٧

حجيته ـ هو الحكم لا الموضوع كما سيتضح ان شاء الله تعالى ، ولأجل التعرّف على موضوع البحث لا بدّ من تقديم مقدمة ، وهي انّ مناشئ الشك في بقاء الحكم ثلاثة :

الاول : ان يكون الشك من جهة بقاء الجعل والتشريع بعد إحرازه في مرحلة سابقة ، وهذا النحو من الشك لا يتصور إلاّ في حالة احتمال النسخ ، ولا مبرّر للشك في انتفاء الجعل إلاّ احتمال ان يكون المولى قد رفع الحكم بعد جعله ، وهنا يجري استصحاب عدم النسخ ، وتصوير معنى النسخ والبحث عن امكانه وهل يجري الاستصحاب في مورده أو لا ياتي في محلّه ان شاء الله تعالى.

ومثاله ما لو علم المكلّف بحرمة أكل النجس ثم شك في بقاء هذه الحرمة ، فهذا شك في نسخ الحرمة.

الثاني : ان يكون الشك من جهة بقاء الحكم الكلي المجعول أي الشك في بقاء الفعلية للحكم بعد ان كانت محرزة في مرحلة سابقة ، وهذا النحو من الشك يعبّر عنه بالشبهة الحكمية وينشأ عن الشك سعة موضوع الحكم في مرحلة الجعل وضيقه.

ومثاله وجوب النفقة على الزوجة المطيعة ، فقد يقع الشك في الوجوب بعد ان تصبح الزوجة غنية ومنشأ الشك هو الشك في سعة دائرة موضوع الوجوب ، وهل ان موضوع الوجوب هو مطلق الزوجة المطيعة أو انّ موضوعه هو خصوص الزوجة المطيعة الفقيرة. وهنا يجري استصحاب وجوب النفقة على الزوجة ويعبّر عن هذا الاستصحاب باستصحاب الحكم التنجيزي ، والمراد من الحكم التنجيزي هو الحكم المجعول أي البالغ مرتبة الفعلية بسبب تحقق تمام الموضوع المأخوذ حين الجعل.

فالزوجة حينما تكون مطيعة

١٤٨

وفقيرة يكون وجوب النفقة ثابتا لها على الزوج بلا ريب ، أي انّ وجوب النفقة يكون فعليا وتنجيزيا وعند ما ينتفي قيد الفقر عنها والذي نحتمل دخالته في موضوع وجوب النفقة يقع الشك في استمرار الوجوب التنجيزي الفعلي ، وعندئذ يجري استصحابه أي استصحاب ذلك الحكم المنجّز والفعلي بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

الثالث : ان يكون منشأ الشك هو انتفاء خصوصية لو قدّر لها البقاء لا صبح الحكم فعليا ، وذلك لتحقق خصوصية كانت مفقودة حين وجود الخصوصية المنتفية فعلا أي في ظرف الشك ، والخصوصية التي كانت منتفية وتحققت فعلا يعلم بدخالتها في موضوع الحكم ، وأما الخصوصية المنتفية فعلا والتي كانت موجودة فإنّه لا نقطع بدخالتها في موضوع الحكم إلاّ اننا نحتمل ذلك ، وهذا الاحتمال هو الذي نشأ عنه الشك في تحقق الفعلية للحكم ، إذ انّ هذه الخصوصية لو كانت دخيلة في موضوع الحكم فإنّ الحكم لا يكون فعليا جزما بسبب انتفائها. وأما لو لم تكن دخيلة في موضوع الحكم فإن الحكم يكون فعليا جزما لافتراض تحقق الخصوصية التي نعلم بدخالتها.

وبتعبير آخر : لو كان لموضوع الحكم ثلاث خصوصيات ، اثنتان منها يحرز دخالتهما في موضوع الحكم وواحدة يحتمل دخالتها في موضوع الحكم ، فلو اتفق وجود الخصوصيات الثلاث فلا كلام ، إذ الحكم يكون فعليا بلا ريب ، أما لو اتفق ان كانت احدى الخصوصيتين اللتين نعلم بدخالتهما في الحكم منتفية والمتحقق هو احدى الخصوصيتين منهما وكذلك الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها في الحكم ، فعندئذ نستطيع ان نقول لو كانت الخصوصية المعلوم دخلها

١٤٩

متحققة فعلا لا صبح الحكم فعليا وهذا هو المعبّر عنه بالحكم المعلّق ، فلو اتفق بعد ذلك ان تحققت الخصوصية المنتفية إلاّ انّ الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها انتفت عن الموضوع قبل تحقق الخصوصية التي كانت منتفية ، فهنا يقع الشك في بقاء الحكم المعلّق الذي كان معلوما قبل تحقق الخصوصية الثانية وقبل انتفاء الخصوصية الثالثة.

مثلا : لو كان وجوب النفقة مترتب على موضوع هو الزوجة المطيعة مع احتمال دخالة الفقر في موضوع الوجوب ، وهنا نقول : لو اتفق ان كانت المرأة زوجة ومطيعة وفقيرة فهنا لا ريب في تحقق الفعلية للوجوب ، أما لو اتفق ان كانت المرأة زوجة وفقيرة إلاّ انّها لم تكن مطيعة ، فهنا نستطيع ان نقول : انّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة وهذا الوجوب يعبّر عنه بالحكم المعلّق.

فلو اتفق ان تحققت الخصوصية الثانية المعلوم دخلها في الحكم وهي الطاعة إلاّ انه وقبل تحقق عنوان « المطيعة » انتفت الخصوصية الثالثة المحتمل دخلها وهو عنوان « الفقيرة » ، فهنا يقع الشك في بقاء الحكم المعلّق الذي كان معلوما وهو « انّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة » ، ومنشأ الشك هو انتفاء الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها والتي كانت محرزة حين العلم بوجود الحكم المعلّق ، وحينئذ يقع البحث في امكان الاستصحاب ، ولو أمكن إجراء الاستصحاب لكان منتجا لإثبات بقاء الحكم المعلّق ، أي اثبات انّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة.

وبهذا البيان اتضح الفرق بين الاستصحاب التنجيزي والاستصحاب التعليقي ، وانّ الاول عبارة عن استصحاب الفعلية التي لو

١٥٠

كانت محرزة في مرحلة سابقة ثم طرأ الشك في بقائها بسبب انتفاء خصوصية كانت موجودة ونحتمل انها دخيلة في تحقق الفعلية سابقا ، وهذا يؤول روحا الى الشك في سعة دائرة موضوع الحكم.

وأما الاستصحاب التعليقي فهو عبارة عن استصحاب الحكم المعلّق والذي لم يبلغ مرتبة الفعلية بسبب عدم تحقق أحد قيوده الذي لو قدّر له ان تحقق سابقا لأصبح الحكم حينها فعليا ، فالمستصحب في الاستصحاب التنجيزي هو الحكم الفعلي وأما المستصحب في الاستصحاب التعليقي فهو الحكم المعلّق.

ومنشأ عروض الشك على بقاء الحكم المعلّق هو انتفاء خصوصية كانت موجودة نحتمل دخالتها في موضوع الحكم وهذا الانتفاء وقع قبل تحقق الخصوصية المعلوم دخالتها في موضوع الحكم ، وهذا الشك يؤول روحا الى الشك في سعة دائرة موضوع الحكم إلاّ انّ الفرق بين الاستصحابين انّ الأول كان متوفرا على تمام الخصوصيات المعلوم دخالتها والمحتمل دخالتها في موضوع الحكم ، وهذا اما أوجب الجزم بتحقق الفعلية في المرحلة السابقة.

أما الثاني فلم تكن تمام الخصوصيات المعلوم دخالتها متوفرة بل انّ المتحقق منها هو بعض الخصوصيات المعلوم دخالتها في الموضوع والخصوصية المحتمل دخلها في الموضوع وهذا ما أوجب الجزم بالقضية التعليقيّة وهي انّ الخصوصية المفقودة لو تحققت لأصبح الحكم فعليا.

وتصوير جريان الاستصحاب في الحكم المعلّق هو انّ الحكم المعلّق كان معلوما قبل انتفاء الخصوصية المحتملة الدخل في موضوع الحكم وبعد انتفائها وتحقق الخصوصية المفقودة

١٥١

نشك في بقاء الحكم المعلّق فحينئذ يجري استصحاب الحكم المعلّق ، وذلك لليقين بالحدوث والشك في البقاء.

وباتّضاح ذلك نقول : انّ السيد الصدر رحمه‌الله ذكر انّ المشهور قبل المحقق النائيني رحمه‌الله هو حجية الاستصحاب التعليقي إلاّ انّ الشهرة انقلبت بعد المحقق النائيني رحمه‌الله الى على عدم حجية الاستصحاب التعليقي ، وذلك تأثرا بالمحقق النائيني رحمه‌الله.

ومقصودنا من الاستصحاب التعليقي الذي كانت الشهرة مع جريانه ثم تحولت الى البناء على عدم جريانه هو الاستصحاب التعليقي في الأحكام ، وأما الاستصحاب التعليقي في الموضوعات أو متعلّقات الأحكام فهو بحث آخر ، وتصويره لا يختلف عن تصوير الاستصحاب التعليقي في الأحكام ، إذ كلاهما متقوم بإحراز قضية تعليقية في مرحلة سابقة ثم وقوع الشك ففي بقائها بسبب انتفاء خصوصية محتملة الدخل في موضوع القضية التعليقية ، غايته انّ الجزاء في القضية التعليقية تارة يكون حكما شرعيا وحينئذ يكون استصحابها استصحابا للحكم المعلّق ، وتارة يكون موضوعا لحكم شرعي أو متعلقا لحكم شرعي وعندئذ يكون الاستصحاب التعليقي موضوعيا.

مثلا : لو كان المكلّف لابسا ثوبا يحرز انها ليست من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، فعندئذ يتمكن من تشكيل قضية تعليقية حاصلها « لو وقعت الصلاة منه لكانت في غير ما لا يؤكل لحمه ».

ثم لو صلّى في ثوب مشكوك فهل له ان يستصحب تلك القضية التعليقية وهي « انّه لو وقعت منه الصلاة لكانت في غير ما لا يؤكل لحمه ».

وتلاحظون ان منشأ الشك هو انتفاء خصوصية هو انتفاء خصوصية

١٥٢

كانت محرزة وهي انّ الثوب التي كان متلبسا بها لم تكن من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، واما ما هو متلبس به فعلا فهي ثوب لا يحرز انّها مما لا يوكل لحمه. وحينئذ لو كنا نقول بجريان الاستصحاب التعليقي في الموضوعات فإن النتيجة هي ببقاء القضية التعليقية في ظرف الشك.

* * *

٥٤ ـ الاستصحاب التنجيزي

يطلق الاستصحاب التنجيزي على الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية إذا كان منشأ الشبهة هو الشك في سعة دائرة الحكم المجعول مع افتراض وجود يقين سابق بفعلية الحكم المجعول ثم طرأ الشك في بقائه بسببه انتفاء بعض الخصوصيات المحتمل دخلها في فعلية الحكم المجعول.

ومثاله : ما لو كنا نحرز انّ الماء المتغير بالنجاسة متنجّس ، واتفق ان أحرزنا تغيّر هذا الماء بالنجاسة ، فإنّه لا محالة يحصل القطع بتنجّس الماء ، ثم انّه لو اتفق ان زال التغيّر عن الماء بنفسه واحتملنا انّ تنجّس الماء المتغير بالنجاسة انّما هو في ظرف التغيّر الفعلي فإنّه لا محالة يحصل الشك في بقاء فعلية التنجس للماء ، وحينئذ يجري استصحاب بقاء فعلية التنجّس للماء ، وهذا الاستصحاب هو المعبّر عنه بالاستصحاب التنجيزي.

وتلاحظون انّ منشأ الشك هو الجهل بسعة دائرة الحكم المجعول وهل انّ موضوعه هو التغيّر الفعلي بحيث لو زال التغيّر عنه لارتفعت النجاسة أو انّ موضوعه هو حدوث التغيّر حتى لو زال بعد ذلك ، فلو كان الاول لكانت النجاسة مرتفعة حتما في الفرض المذكور ، ولو كان الثاني لكانت النجاسة باقية إلاّ انّه لمّا لم نكن نحرز ما هي حدود دائرة موضوع

١٥٣

الحكم وقع الشك في بقاء الفعلية بعد زوال التغيّر ، وهنا يجري استصحاب بقاء الفعليّة المعبّر عنه بالاستصحاب التنجيزي.

ولمزيد من التوضيح راجع الاستصحاب التعليقي.

ثم انّ الاستصحاب التنجيزي قد يطلق على الاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية والتي يكون مآل الشك فيها الى الشك في بقاء فعلية الحكم بسبب اشتباه الامور الخارجية.

* * *

٥٥ ـ الاستصحاب السببي والمسبّبي

المراد من الاستصحاب السببي هو الاستصحاب الواقع في رتبة الموضوع ويترتب على جريانه تنقيح موضوع لحكم من الأحكام.

ومنشأ التعبير عنه بالسببي هو انّ الاستصحاب الواقع في رتبة الموضوع دائما يكون سببا في ترتب الحكم كما هو الحال في سائر موضوعات الأحكام ، ولهذا قالوا انّ الموضوع مولّد للحكم ، فاستصحاب العدالة لزيد مثلا منقّح لموضوع جواز الائتمام به ، إذ بالاستصحاب ثبت الموضوع وبثبوته يترتب الحكم بجواز الائتمام ، ومن هنا تعنون هذا الاستصحاب بعنوان السببي.

ثم لا يخفى عليك انّ الاستصحاب السببي لا يختص بالموضوعات بل يشمل الحكم الشرعي كما يشمل عدمه ، والضابطة في كلّ ذلك هو ان يكون المستصحب واقعا في رتبة الموضوع لحكم من الأحكام بقطع النظر عن انّ الواقع في رتبة الموضوع موضوعا خارجيا أو حكما شرعيا أو عدم حكم شرعي ، فاستصحاب الطهارة الحدثية استصحاب سببي لو كان الأثر المراد ترتيبه عليه حكما من

١٥٤

الأحكام الشرعية مثل جواز الدخول في الصلاة ، كما انّ استصحاب عدم الملكية ـ والذي هو عدم حكم شرعي ـ استصحاب سببي باعتباره واقعا في رتبة الموضوع لحرمة التصرّف بغير إذن المالك.

وأما الاستصحاب المسببي فهو الواقع في رتبة الحكم ولا ينتج عنه سوى ثبوت الحكم المستصحب فليس له الصلاحية لإثبات موضوعه ، إذ انّ الأحكام لا تنقّح موضوعاتها بخلاف العكس ، ولهذا سمّي هذا النحو من الاستصحاب بالمسببي ، أي باعتبار ترتبه على ثبوت موضوعه ، ولهذا يكون الشك في مورده مسببا عن الشك في ثبوت موضوعه ، فكلّ مستصحب يكون الشك فيه مسببا عن الشك في موضوعه فالاستصحاب في ذلك المورد مسبّبي.

والمراد من السببيّة هي السببيّة الشرعية والتي تعني اعتبار الشارع شيئا موضوعا لحكم شرعي ، وحينئذ متى ما تحقق السبب الشرعي « موضوعات الاحكام » ترتب عليه الحكم من غير فرق بين ان يكون هذا التحقق للموضوع ثابتا بالوجدان أو بالتعبد أي الأمارة أو الاصل ، ولا معنى عندئذ لاستصحاب المسبب ، إذ انّ المسبب وهو الحكم الشرعي مجعول بحسب الفرض على موضوعه المقدّر الوجود ، ونحن انّما نشك في وجوده بسبب الشك في وجود موضوعه ، فمتى ما ثبت لنا تحقق موضوعه ـ بأي نحو من انحاء الإثبات ـ ترتّب عن ذلك ثبوت الحكم الواقع موقع الكبرى الثابتة بواسطة الدليل.

مثلا لو قام الدليل على انّ الزواج من ذات العدّة حرام ، فإنّه لا معنى للشك في هذه الكبرى الكلية ، نعم قد يقع الشك في جواز الزواج من هذه المرأة ، وذلك بسبب احتمال كونها في

١٥٥

العدة ، فعند ما يثبت لنا انّها في العدة بواسطة الوجدان أو التعبد فإنّ ذلك ينقّح صغرى الدليل الشرعي القاضي بحرمة الزواج من ذات العدّة ، وعندها تترتب الحرمة بلا حاجة الى توسط شيء آخر ، فترتّب الحكم الشرعي هنا مسبب عن ثبوت موضوعه.

وبهذا اتّضح المنشأ للتعبير عن الاستصحاب المنقّح لموضوع الحكم بالاستصحاب السببي ، واتضح أيضا منشأ التعبير عن الاستصحاب للحكم بالاستصحاب المسببي وانّ وقوعه في رتبة الحكم يقتضي ان يكون ثبوته مسبّبا عن ثبوت موضوعه والشك فيه مسبب عن الشك في ثبوت موضوعه.

ثم انّ نتيجة الاستصحاب السببي قد تنافي نتيجة الاستصحاب المسبّبي وقد لا يكون بينهما تناف.

ومثال الاول : لو علم المكلّف بطهارة ماء ثم شك في بقائه على الطهارة فإنّ له ان يستصحب طهارته ، ولو كان يعلم بوجوب الاغتسال ثم شك في بقاء الوجوب فإنّ ذلك يقتضي استصحاب الوجوب ، وهنا نقول : انّه لو كان منشأ الشك في بقاء الوجوب هو طهارة الماء الذي اغتسل به فإنّ استصحاب الوجوب يكون مسبّبيا باعتبار انّه نشأ عن الشك في الموضوع ، ويكون استصحاب طهارة الماء سببيا باعتباره واقعا في رتبة الموضوع وانّ الشك في الطهارة هو السبب في الشك في بقاء الوجوب.

وتلاحظون انّ مقتضى الاستصحاب السببي هو ثبوت الطهارة ، وهذا ينتج عدم وجوب الاغتسال ، وان مقتضى الاستصحاب المسبّبي هو وجوب الاغتسال ، فنتيجة الاستصحابين متنافية.

وفي مثل هذا الفرض لم يختلف أحد في تقديم الاستصحاب السببي على

١٥٦

الاستصحاب المسبّبي وان اختلفوا في كيفية تخريج ذلك صناعيا ، والذي ذكره السيد الخوئي رحمه‌الله في بعض كلماته انّ منشأ التقديم هو ان الاستصحاب السببي ينقّح صغرى الدليل الشرعي ، وبضمها مع الكبرى الثابتة بواسطة دليلها لا يكون هناك معنى لجريان الاستصحاب السّببي إذ لا شك في مورده تعبدا.

وبيان ذلك : انّ الكبرى في مثالنا هي عدم وجوب الاغتسال على من اغتسل بالماء الطاهر وهذه الكبرى لا موقع للشك من جهتها لافتراض ثبوتها بواسطة دليلها ، وأمّا الصغرى فهي انّ هذا المكلّف قد اغتسل بالماء الطاهر.

وثبوت هذه الصغرى يتم بواسطة أمرين أحدهما وجداني والآخر تعبدي ، أما الاول فهو انّ المكلّف يحرز وجدانا انّه اغتسل ، وأما الثاني فهو الذي يتم بواسطة الاستصحاب السببي والذي هو استصحاب طهارة الماء ، فبضم الوجدان الى التعبّد نستنتج انّ المكلّف قد اغتسل بالماء الطاهر ، وعندئذ لا يكون ثمة معنى للشك في وجوب إعادة الغسل ، إذ انّ الشك في وجوب الاغتسال مسبّب عن الشك في طهارة الماء الذي اغتسل به والاستصحاب السببي يثبت طهارة الماء.

وهناك تقريب آخر ذكره السيد الخوئي تبعا للمحقّق النائيني رحمهما الله وهو انّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسبّبي ، بمعنى انّ الاستصحاب السببي يلغي الشك في مورد الاستصحاب المسبّبي ، وذلك لأنّ استصحاب طهارة الماء يلغي الشك في وجوب اعادة الاغتسال.

ومثال الثاني : وهو ما لو كانت نتيجة الاستصحابين غير متنافية ، هو ما لو علم المكلف بأن هذه المرأة في العدّة ثم شك في انقضاء العدّة عنها فإنّ

١٥٧

الاستصحاب يقتضي التعبّد ببقائها في العدّة ، فهنا الاستصحاب قد نقّح موضوعا لحكم شرعي هو حرمة الزواج من هذه المرأة ، فالاستصحاب ببقاء العدّة صار سببا لترتب حكم شرعي هو الحرمة.

ثم انّه لو جعلنا متعلّق اليقين والشك هو حرمة الزواج من هذه المراءة فإنّ نتيجة الاستصحاب هي الحرمة ، وتلاحظون انّ هذا الاستصحاب واقع في رتبة الحكم والشك فيه مسبّب عن الشك في الموضوع وهو الشك في بقاء المرأة على عدّتها ونتيجته هي ما تقتضيه نتيجة الاستصحاب السببي.

ثم انّ الكلام يقع في أيّ الاستصحابين هو المقدّم ، والمعروف بينهم هو تقديم الاستصحاب السببي ، بتقريبات منها ما ذكرناه في الفرض الاول.

* * *

٥٦ ـ استصحاب الصحة عند الشك في المانع

المراد من الصحة هو التمامية وهي تتحقق بمجموع الاجزاء والشرائط المأخوذة في المركب المأمور به ، والمراد من المانع هو كلّ شيء اخذ عدمه في المأمور به ، فحينما يقال « لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه » فإنّ هذا النهي يرشد الى مانعية الكون في جلد غير مأكول اللحم للمركّب العبادي وهي الصلاة.

ويقع البحث في المقام عن جريان استصحاب الصحة عند ما يقع الشك في بقائها بسبب الشك في تحقق المانع ، وهذا الشك تارة يكون بنحو الشبهة الحكمية واخرى بنحو الشبهة الموضوعية.

أما الشك بنحو الشبهة الحكمية : فهو ما لو كان منشأ الشك في الصحة هو الشك في اعتبار الشارع المانعية لشيء ، ومثاله ما لو وقع التنحنح من

١٥٨

المكلّف أثناء الصلاة فشك في صحة الصلاة بسبب الشك في اعتبار الشارع التنحنح مانعا عن صحة الصلاة ، وهنا يقع البحث عن جريان استصحاب الصحة الثابتة قبل عروض مشكوك المانعية « التنحنح ».

وباتّضاح ذلك نقول انّ الشيخ الأنصاري رحمه‌الله ذهب الى عدم جريان استصحاب الصحة في المقام ، وذلك لعدم العلم بحدوثها ، إذ من المحتمل اعتبار عدم التنحنح في الصحة ، واذا كان كذلك فلا جزم لنا بتحقّق تمام الأجزاء والشرائط ، فلا يقين بحدوث الصحة إذ اليقين بحدوثها يساوق اليقين بتوفر الصلاة على تمام الأجزاء والشرائط والمفروض انّنا نحتمل اعتبار عدم التنحنح في تحقق التمامية ، وعندئذ كيف يستصحب ما لا يقين بحدوثه.

قد يقال انّ الصحة المستصحبة هي الأجزاء الواقعة قبل عروض التنحنح.

إلا انّه يقال : انّ صحة الأجزاء المأتي بها قبل التنحنح لا شك فيها إلاّ انّ هذه الصحة لا تعني أكثر من قابلية الأجزاء الماتي بها لأن تنضم اليها بقية الأجزاء فتتحقق بذلك التمامية ، فهي إذن غير الصحة التي نبحث عن إمكان استصحابها ، فالصحة التي هي محل البحث هي الصحة التي تعني التمامية وذلك لا يتحقق إلاّ بإحراز الواجدية لمجموع الأجزاء والشرائط ، وأما الصحة الثابتة للأجزاء المأتي بها فهي الصحة التأهيلية وهي مما لا شك في بقائها.

فالنتيجة انّ الصحة التي يراد استصحابها لا يقين بحدوثها والتي لنا يقين بحدوثها لا شك في بقائها كما انها لا تنتج المطلوب ، نعم يمكن إجراء الاستصحاب التعليقي لإثبات الصحة بمعنى التمامية ، وذلك بأن يقال انّ هذه الأجزاء المأتي بها قبل وقوع التنحنح

١٥٩

لو انضمت اليها بقية الأجزاء لوقعت الصحة والآن بعد وقوع التنحنح كذلك ، فالمستصحب هو هذه القضية التعليقية.

هذا هو حاصل ما أفاده الشيخ الانصاري رحمه‌الله إلا انه أفاد بعد ذلك بأنه يمكن إجراء استصحاب الصحة في مثل الفرض لو كان الشك من جهة القاطع.

وعرّف القاطع : بالشيء الذي اعتبره الشارع قاطعا وهادما للهيئة الاتصالية ، بحيث يكون وجوده موجبا لنقض الاتصال بين أجزاء المركب من غير فرق بين وقوعه حال الاشتغال بالأجزاء أو في الأكوان المتخللة بين أجزاء المركب ، وهو مثل الحدث.

ومع اتّضاح معنى القاطع ـ بنظر الشيخ الانصاري رحمه‌الله ـ نقول انّه لو وقع الشك في قاطعية شيء فإنه يمكن استصحاب بقاء الصحة المحرزة قبل عروض محتمل القاطعية ، وبهذا يكون مذهب الشيخ رحمه‌الله هو التفصيل بين الشك من جهة المانع والشك من جهة القاطع.

وقد استوجه المحقق النائيني والسيد الخوئي رحمها الله ما ذكره الشيخ من عدم جريان الاستصحاب في الصحة عند الشك في المانع إلاّ انهما لم يقبلا دعواه في جريان الاستصحاب عند ما يكون الشك من جهة القاطع.

وأما الشك من جهة الشبهة الموضوعية : فالمتصوّر في موردها صورتان :

الصورة الاولى : الشك في تحقق المانع مع العلم بمانعيته كبرويا ، كما لو كنا نحرز مانعية التكفير إلاّ انّ الشك وقع من جهة تحقق التكفير خارجا أو عدم تحققه.

الصورة الثانية : الشك في مانعية الموجود ، كما لو كنا نحرز مانعية التكفير كبرويا ، ونحرز صدور فعل

١٦٠