مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٣

والإذاعة.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمد الخزاز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقنا.

______________________________________________________

أي أفشوه كان يفعله قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أخبرهم الرسول بما أوحى إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة أذاعوا لعدم حزمهم ، وكانت إذاعتهم مفسدة ، والباء مزيدة ، أو لتضمن الإذاعة معنى التحدث « وَلَوْ رَدُّوهُ » أي ردوا ذلك الخبر « إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ » أي إلى رأيه ورأي كبار الصحابة البصراء بالأمور أو الأمراء « لَعَلِمَهُ » أي لعلمه على أي وجه يذكر « الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » أي يستخرجون تدبيره بتجاربهم وأنظارهم.

وقيل : كانوا يسمعون أراجيف المنافقين فيذيعونها فيعود وبالا على المسلمين ، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم حتى سمعوه منهم ويعرفوا أنه هل يذاع لعلم ذلك من هؤلاء الذين يستنبطونه من الرسول وأولي الأمر أي يستخرجون علمه من جهتهم ، انتهى.

وفي الأخبار أن أولي الأمر الأئمة عليه‌السلام ، وعلى أي حال تدل الآية على ذم إذاعة ما في إفشائه مفسدة ، والغرض التحذير عن إفشاء أسرار الأئمة عليهم‌السلام عند المخالفين ، فيصير مفسدة وضررا على الأئمة وعلى المؤمنين ، ويمكن شموله لإفشاء بعض غوامض العلوم التي لا تدركها عقول عامة الخلق كما مر في باب الكتمان.

الحديث الثاني : مجهول.

ويدل على أن المذيع والجاحد متشاركون في عدم الإيمان ، وبراءة الإمام منهم ، وفعل ما يوجب لحوق الضرر بل ضرر الإذاعة أقوى ، لأن ضرر الجحد يعود إلى الجاحد وضرر الإذاعة يعود إلى المذيع وإلى المعصوم وإلى المؤمنين ، ولعل

٦١

قال وقال لمعلى بن خنيس المذيع حديثنا كالجاحد له.

٣ ـ يونس ، عن ابن مسكان ، عن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان.

٤ ـ يونس بن يعقوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطإ ولكن قتلنا قتل عمد.

٥ ـ يونس ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول يحشر العبد يوم القيامة وما ندي دما فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيقال له :

______________________________________________________

مخاطبة المعلى بذلك لأنه كان قليل التحمل لأسرارهم ، وصار ذلك سببا لقتله ، وروى الكشي بإسناده عن المفضل قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام يوم قتل فيه المعلى بن خنيس فقلت له : يا بن رسول الله ألا ترى إلى هذا الخطب الجليل الذي نزل بالشيعة في هذا اليوم؟ قال : وما هو! قلت : قتل المعلى بن خنيس! قال : رحم الله المعلى قد كنت أتوقع ذلك أنه أذاع سرنا ، وليس الناصب لنا حربا بأعظم مؤنة علينا من المذيع علينا سرنا ، فمن أذاع سرنا إلى غير أهله لم يفارق الدنيا حتى يعضه السلاح أو يموت بخيل.

الحديث الثالث : صحيح.

« سلبه الله الإيمان » أي يمنع منه لطفه فلا يبقى علي الإيمان.

الحديث الرابع : مرسل.

وكان المعنى أنه مثل قتل العمد في الوزر ، كما سيأتي خبر آخر كمن قتلنا لا أن حكمه حكم العمد في القصاص وغيره.

الحديث الخامس : ضعيف.

« وما ندي دما » في بعض النسخ مكتوب بالياء ، وفي بعضها بالألف وكان الثاني تصحيف ، ولعله ندي بكسر الدال مخففا ، ودما إما تميز أو منصوب بنزع

٦٢

هذا سهمك من دم فلان فيقول يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دما فيقول بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا فرويتها عليه فنقلت حتى صارت إلى فلان الجبار فقتله عليها وهذا سهمك من دمه.

٦ ـ يونس ، عن ابن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وتلا هذه الآية : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ » (١) قال والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم

______________________________________________________

الخافض أي ما ابتل بدم وهو مجاز شائع بين العرب والعجم ، قال في النهاية : فيه من لقي الله ولم يتند من الدم الحرام بشيء دخل الجنة ، أي لم يصب منه شيئا ولم ينله منه شيء ، كأنه نالته نداوة الدم وبلله ، يقال : ما نداني من فلان شيء أكرهه ، ولا نديت كفى له بشيء ، وقال الجوهري : المنديات المخزيات فقال : ما نديت بشيء نكرهه ، وقال الراغب : ما نديت بشيء من فلان ، أي ما نلت منه ندي ، ومنديات الكلم المخزيات التي تعرف.

وأقول : يمكن أن يقرأ على بناء التفعيل فيكون دما منصوبا بنزع الخافض ، أي ما بل أحدا بدم أخرجه منه ، ويحتمل إسناد التندية إلى الدم على المجاز ، وما ذكرنا أولا أظهر ، وقرأ بعض الفضلاء بدا بالباء الموحدة أي ما أظهر دما وأخرجه وهو تصحيف.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

قوله : وتلا ، الواو للاستئناف أو حال عن فاعل قال المذكور بعدها ، أو عن فاعل روى المقدر ، أو للعطف على جملة أخرى تركها الراوي « ذلِكَ » إشارة إلى ما سبق من ضرب الذلة والمسكنة ، والبوء بالغضب « بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ » أي بالمعجزات أو بآيات الكتب المنزلة « وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ » كشعيبا ويحيى وزكريا وغيرهم.

« ذلِكَ بِما عَصَوْا » قيل أي جرهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه إلى الكفر

__________________

(١) سورة البقرة : ٦١.

٦٣

ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا واعتداء ومعصية.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ » (١) فقال أما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا سرهم وأفشوا عليهم فقتلوا.

______________________________________________________

بالآيات وقتل النبيين ، فإن صغار المعاصي سبب يؤدي إلى ارتكاب كبارها.

قال : والله ما قتلوهم ، هذا يحتمل وجوها : الأول : أن قتل الأنبياء لم يصدر من اليهود بل من غيرهم من الفراعنة ، ولكن اليهود لما تسببوا إلى ذلك بإفشاء أسرارهم نسب ذلك إليهم.

الثاني : أنه تعالى نسب إلى جميع اليهود أو آباء المخاطبين القتل ولم يصدر ذلك من جميعهم ، وإنما صدر من بعضهم ، وإنما نسب إلى الجميع لذلك ، فقوله : ما قتلوهم ، أي جميعا.

الثالث : أن يكون المراد في هذه الآية غير المقاتلين ، وعلى التقادير يمكن أن يكون المراد بغير الحق أي بسبب أمر غير حق ، وهو ذكرهم الأحاديث في غير موضعها ، فالباء للآلة ، وقوله تعالى : « ذلِكَ بِما عَصَوْا » يمكن أن يراد به أن ذلك القتل أو نسبته إليهم بسبب أنهم عصوا واعتدوا في ترك التقية كما قال عليه‌السلام ، فصار أي الإذاعة قتلا واعتداء ومعصية ، وهذا التفسير أشد انطباقا على الآية من تفسير سائر المفسرين.

الحديث السابع : موثق.

ومضمونه موافق للخبر السابق وهذه الآية في آل عمران ، والسابقة في البقرة.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١١٢.

٦٤

٨ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي عبد الله قال قال إن الله عز وجل عير قوما بالإذاعة فقال : « وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ » (١) فإياكم والإذاعة.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن عثمان عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أذاع علينا شيئا من أمرنا فهو كمن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ.

١٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن نصر بن صاعد مولى أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول مذيع السر شاك وقائله عند غير أهله كافر ومن تمسك بالعروة الوثقى فهو ناج قلت ما هو؟

______________________________________________________

الحديث الثامن : مجهول.

وقد مضى بعينه متنا وسندا في أول الباب ، وكأنه من النساخ.

الحديث التاسع : مرسل.

وقوله : ولم يقتلنا خطاء ، إما تأكيد أو لإخراج شبه العمد ، فإنه عمد من جهة ، وخطاء من أخرى.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

« مذيع السر شاك » كان المعنى مذيع السر عند من لا يعتمد عليه من الشيعة شاك ، أي غير موقن فإن صاحب اليقين لا يخالف الإمام في شيء ويحتاط في عدم إيصال الضرر إليه ، أو أنه إنما يذكره له غالبا لتزلزله فيه وعدم التسليم التام ، ويمكن حمله على الأسرار التي لا تقبلها عقول عامة الخلق ، وما سيأتي على ما يخالف أقوال المخالفين ، وقيل : الأول مذيع السر عند مجهول الحال ، والثاني عند من يعلم أنه مخالف.

« قلت ما هو » أي ما المراد بالتمسك بالعروة الوثقى؟ قال : التسليم للإمام

__________________

(١) سورة النساء : ٨٢.

٦٥

قال : التسليم.

١١ ـ علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن رجل من الكوفيين ، عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال إن الله عز وجل جعل الدين دولتين دولة آدم وهي دولة الله ودولة إبليس فإذا أراد الله أن يعبد علانية كانت دولة آدم وإذا أراد الله أن يعبد في السر كانت دولة إبليس والمذيع لما أراد الله ستره مارق من الدين.

______________________________________________________

عليه‌السلام في كل ما يصدر عنه مما تقبله ظواهر العقول أو لا تقبله ، ومما كان موافقا للعامة أو مخالفا لهم ، وإطاعتهم في التقية وحفظ الأسرار وغيرها.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

« جعل الدين دولتين » قيل : المراد بالدين العبادة ودولتين منصوب بنيابة ظرف الزمان ، والظرف مفعول ثان لجعل ، والدولة نوبة ظهور حكومة حاكم عادلا كان أو جائرا ، والمراد بدولة آدم دولة الحق الظاهر الغالب ، كما كان لآدم عليه‌السلام في زمانه ، فإنه غلب على الشيطان وأظهر الحق علانية ، فكل دولة حق غالب ظاهر فهو دولة آدم ، وهي دولة الحكومة التي رضي الله لعباده.

« وكانت » في الموضعين تامة ، فإذا علم الله صلاح العباد في أن يعبدوه ظاهرا سبب أسباب ظهور دولة الحق فكانت كدولة آدم عليه‌السلام ، وإذا علم صلاحهم في أن يعبدوه سرا وتقية وكلهم إلى أنفسهم فاختاروا الدنيا وغلب الباطل على الحق ، فمن أظهر الحق وترك التقية في دولة الباطل لم يرض بقضاء الله ، وخالف أمر الله ، وضيع مصلحة الله التي اختارها لعباده.

« فهو مارق » أي خارج عن الدين غير عامل بمقتضاه ، أو خارج عن العبادة غير عامل بها ، قال في القاموس : مرق السهم من الرمية مروقا خرج من الجانب الآخر ، والخوارج مارقة لخروجهم من الدين.

٦٦

١٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المحابس.

______________________________________________________

الحديث الثاني عشر : صحيح.

وكان استفتاح النهار على المثال أو لكونه أشد أو كناية عن كون هذا منه على العمد والقصد لا على الغفلة والسهو ، ويحتمل أن يكون الاستفتاح بمعنى الاستنصار وطلب النصرة ، كما قال تعالى : « وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا » (١) وقال : « إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ » (٢) أي يظهر الفتح ، ويهدد المخالفين بذكر الأسرار التي ذكرها الأئمة عليه‌السلام تسلية للشيعة كانقراض دولة بني أمية أو بني العباس في وقت كذا ، فقوله : نهاره ، أي في جميع نهاره لبيان المداومة عليه « حر الحديد » أي ألمه وشدته من سيف أو شبهه ، والعرب تعبر عن الراحة بالبرد وعن الشدة والألم بالحر ، قال في النهاية : في حديث علي عليه‌السلام أنه قال لفاطمة : لو أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألته خادما يقيك حرما أنت فيه من العمل ، وفي رواية : حار ما أنت فيه ، يعني التعب والمشقة من خدمة البيت ، لأن الحرارة مقرونة بهما كما أن البرد مقرون بالراحة والسكون ، والحار الشاق المتعب ، ومنه حديث عيينة بن حصن : حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي ، يريد حرقة القلب من الوجع والغيظ والمشقة ، وضيق المحابس أي السجون ، وفي بعض النسخ المجالس والمعنى واحد.

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٩.

(٢) سورة الأنفال : ١٩.

٦٧

باب

من أطاع المخلوق في معصية الخالق

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من طلب رضا الناس بسخط الله جعل الله حامده من الناس ذاما.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذاما ومن آثر طاعة الله بغضب الناس كفاه الله عداوة كل عدو وحسد كل حاسد وبغي

______________________________________________________

باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« من طلب رضا الناس بسخط الله » هذا النوع في الخلق كثير بل أكثرهم كذلك ، كالذين تركوا متابعة أئمة الحق لرضاء أئمة الجور وطلب ما عندهم ، وكأعوان السلاطين الجائرين وعمالهم والمتقربين إليهم بالباطل ، والمادحين لهم على قبائح أعمالهم ، وكالذين يتعصبون للأهل والعشائر بالباطل ، وكشاهد الزور والحاكم بالجور بين المتخاصمين طلبا لرضاء أهل العزة والغلبة ، والذين يساعدون المغتابين ولا يزجرونهم عنها طلبا لرضاء أهل العزة والغلبة ، والذين يساعدون المغتابين ولا يزجرونهم عنها طلبا لرضاهم ، ولئلا يتنفروا من صحبته وأمثال ذلك كثيرة « وجعل حامده من الناس ذاما » أي بعد ذلك الحمد أو يحمدونه بحضرته ويذمونه في غيبته ، أو يكون المراد بالحامد من يتوقع منهم المدح.

الحديث الثاني : ضعيف.

والمرضاة مصدر ميمي « ومن آثر طاعة الله » أي في غير موضع التقية فإنها

٦٨

كل باغ وكان الله عز وجل له ناصرا وظهيرا.

٣ ـ عنه ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كتب رجل إلى الحسين صلوات الله عليه : عظني بحرفين فكتب إليه من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيء ما يحذر.

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر عليه‌السلام لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله ولا دين لمن دان بجحود شيء من آيات الله.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من

______________________________________________________

طاعة الله في هذا الموضع ، والظهير المعين.

الحديث الثالث : ضعيف.

« بحرفين » أي بجملتين وما ذكره عليه‌السلام مع العطف في حكم جملتين ، ويحتمل أن يكون الحرفان كناية عن الاختصار في الكلام « من حاول » أي رام وقصد ، واللام في قوله « لما يرجو » و « لمجيء » للتعدية.

الحديث الرابع : صحيح.

« لا دين » أي لا إيمان أو لا عبادة « لمن دان » أي عبد الله « بطاعة من عصى الله » أي غير المعصوم ، فإنه لا يجوز طاعة غير المعصوم في جميع الأمور ، وقيل : من عصى الله من يكون حكمه معصية ولم يكن أهلا للفتوى « لمن دان » أي اعتقد أي عبد الله « بافتراء الباطل على الله » أي جعل هذا الافتراء عبادة أو جعل عبادته مبنية على الافتراء « بجحود شيء من آيات الله » أي أنكر شيئا من محكمات القرآن ، ويحتمل أن يكون المراد بالآيات الأئمة عليهم‌السلام كما مر في الأخبار.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

٦٩

أرضى سلطانا بسخط الله خرج من دين الله.

باب

في عقوبات المعاصي العاجلة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمس إن أدركتموهن فتعوذوا بالله منهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة

______________________________________________________

ويمكن حمله على من أرضى خلفاء الجور بإنكار أئمة الحق أو شيء من ضروريات ، وقد مر تأويل مثله مرارا.

باب في عقوبات المعاصي العاجلة

وفي بعض النسخ المناكير التي تظهر في عقوبات ، إلخ.

الحديث الأول : مرسل.

وخمس مبتدأ مع تنكيره مثل : كوكب أنقض الساعة ، والجملة الشرطية خبره ، أو خمس فاعل فعل محذوف أي تكون خمس ، والفاحشة الزنا ، وفي القاموس السنة الجدب والقحط ، والأرض المجدبة والجمع سنون ، وفي النهاية : السنة الجدب يقال : أخذتهم السنة إذا أجدبوا وأقحطوا والمئونة القوت ، وشدة المئونة ضيقها وعسر تحصيلها.

وقيل : يترتب على كل واحد منهما عقوبة تناسبه ، فإن الأول لما كان فيه

٧٠

وجور السلطان ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولو لا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم وأخذوا بعض ما في أيديهم ولم يحكموا بغير ما أنزل الله [ عز وجل ] إلا جعل الله عز وجل بأسهم بينهم.

______________________________________________________

تضييع آلة النسل ناسبه الطاعون الموجب لانقطاعه ، والثاني لما كان القصد فيه زيادة المعيشة ناسبه القحط وشدة المئونة وجور السلطان بأخذ المال وغيره ، والثالث لما كان فيه منع ما أعطاه الله بتوسط الماء ناسبه منع نزول المطر من السماء ، والرابع لما كان فيه ترك العدل والحاكم العادل ناسبه تسلط العدو وأخذ الأموال ، والخامس لما كان فيه رفض الشريعة وترك القوانين العدلية ناسبه وقوع الظلم بينهم وغلبة بعضهم على بعض.

وأقول : يمكن أن يقال لما كان في الأول مظنة تكثير النسل عاملهم الله بخلافه ، وفي الثالث لما كان غرضهم توفير المال منع الله القطر ليضيق عليهم ، وأشار بقوله : ولو لا البهائم لم يمطروا ، إلى أن البهائم لعدم صدور المعصية منهم وعدم تكليفهم ، استحقاقهم للرحمة أكثر من الكفرة وأرباب الذنوب والمعاصي ، كما دلت عليه قصة النملة واستسقائها ، وقولها : اللهم لا تؤاخذنا بذنوب بني آدم ، ويومئ إليه قوله تعالى. « بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » (١) والمراد بنقض عهد الله وعهد رسوله نقض الأمان والذمة التي أمر الله برعايتها والوفاء بها كما سيأتي في باب تفسير الذنوب : وإذا خفرت الذمة أديل لأهل الشرك من أهل الإسلام ، وهو الظاهر من الخبر الآتي أيضا ، وقيل : هو نقض العهد بنصرة الإمام الحق واتباعه في جميع الأمور ، والأول أظهر.

ولما كان هذا الغدر للغلبة على الخصم بالحيلة والمكر ، يعاملهم بما يخالف

__________________

(١) سورة الفرقان : ٤٤.

٧١

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال وجدنا في كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة وإذا طفف المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض

______________________________________________________

غرضهم فيجعل بأسهم بينهم ، في القاموس : البأس العذاب والشدة في الحرب ، أي جعل عذابهم وحربهم بينهم بتسلط بعضهم على بعض ، ويتغالبون ويتحاربون ولا ينتصف بعضهم من بعض ، وترتب هذا على الجور في الحكم ظاهر ، ويحتمل أن يكون السبب أنهم إذا جاروا في الحكم وحكموا للظالم على المظلوم يسلط الله على الظالم ظالما آخر يغلبه الله ، فيصير بأسهم وحربهم بينهم وهذا أيضا مجرب.

الحديث الثالث : صحيح.

« في كتاب رسول الله » سيأتي صدر هذا الحديث في كتاب النكاح ، وفيه في كتاب علي عليه‌السلام وهو أظهر ، ولا تنافي بينهما لأن مملي الكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والكاتب علي عليه‌السلام فيجوز نسبته إلى كل منهما ، وعلى تقدير المغايرة يمكن وجدانه فيهما ، وفي المصباح فجأت الرجل أفجؤه مهموز من باب تعب ، وفي لغة بفتحتين جئته بغتة ، والاسم الفجاءة بالضم والمد ، وفي لغة وزان تمرة وفجأة الأمر مهموز من بابي تعب ونفع أيضا وفاجأه مفاجاة أي عاجلة ، وقال : الطفيف مثل القليل وزنا ومعنى ، ومنه قيل : تطفيف المكيال والميزان ، وقد طففه فهو مطفف إذا كال أو وزن ولم يوف ، انتهى.

وأقول : قال تعالى : « وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ » (١) قال البيضاوي : التطفيف البخس في الكيل والوزن ، لأن ما يبخس طفيف أي حقير.

__________________

(١) سورة المطفّفين : ١.

٧٢

بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم

______________________________________________________

وفي الحديث : خمس بخمس ، ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهر فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر.

وقال « عَلَى النَّاسِ » أي منهم « يَسْتَوْفُونَ » أي يأخذون حقوقهم وافية « وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ » أي كالوا للناس ووزنوا لهم ، والمراد بالنقص نقص ريع الأرض من الثمرات والحبوب ، كما قال سبحانه : « وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ » (١).

« منعت الأرض » على بناء المعلوم ، فيكون المفعول الأول محذوفا أي منعت الأرض الناس « بركتها » أو المجهول فيكون الفاعل هو الله تعالى ، والجور نقيض العدل.

وهذه الفقرة تحتمل وجهين : الأول أن الجور في الحكم وترك العدل هو معاونة للظالم على المظلوم ، فلا يكون على سياق سائر الفقرات ، وكان النكتة فيه أن سوء أثره وهو الاختلال في نظام العالم لما كان ظاهرا اكتفي بتوضيح أصل الفعل وإظهار قبحه.

الثاني : أن يكون المراد أنه تعالى بسبب هذا الفعل يمنع اللطف عنهم ، فيتعاونون على الظلم والعدوان حتى يصل ضرره إلى الحاكم والظالم أيضا كما قال عليه‌السلام في الخبر السابق : جعل الله بأسهم بينهم ، والظاهر أن المراد بالعهد المعاهدة مع الكفار كما عرفت.

ويحتمل التعميم ، وكون قطع الأرحام سببا لجعل الأموال في أيدي الأشرار مجرب ، وله أسباب باطنة وظاهرة ، فعمدة الباطنة قطع لطف الله تعالى

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٣٠.

٧٣

والعدوان وإذا نقضوا العهد سلط الله عليهم عدوهم وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم فيدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم.

______________________________________________________

عنهم ، ومن الظاهرة أنهم لا يتعاونون في دفع الظلم فيتسلط عليهم الأشرار ويأخذون الأموال منهم ، ومنها أنهم يدلون بأموالهم إلى الحكام الجائرين لغلبة بعضهم على بعض ، فينتقل أموالهم إليهم.

« وإذا لم يأمروا بالمعروف » قيل : يحتمل ترتب التسليط على ترك كل واحد منهما أو تركهما معا ، وأقول : الثاني أظهر مع أن كلا منهما يستلزم الآخر فإن ترك كل معروف منكر وترك كل منكر معروف ، والمراد بالخيار الفاعلون للمعروف الآمرون به ، والتاركون للمنكر الناهون عنه ، وعدم استجابة دعائهم لاستحكام الغضب وبلوغه حد الحتم والإبرام ، ألا يرى أنه لم يقبل شفاعة خليل الرحمن عليه‌السلام لقوم لوط ، ويحتمل أن يكون المراد بالخيار الذين لم يتركوا المعروف ولم يرتكبوا المنكر ، لكنهم لم يأمروا ولم ينهوا ، فعدم استجابة دعائهم لذلك كأصحاب السبت ، فإن العذاب نزل على المعتدين والذين لم ينهوا معا وعدم استجابة دعاء المؤمنين لظهور القائم عليه‌السلام يحتمل الوجهين.

واعلم أن عمدة ترك النهي عن المنكر في هذه الأمة ما صدر عنهم بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مداهنة خلفاء الجور ، وعدم اتباع أئمة الحق عليهم ، فتسلط عليهم خلفاء الجور من التيمي والعدوي وبني أمية وبني العباس ، وسائر الملوك الجائرين فكانوا يدعون ويتضرعون فلا يستجاب لهم ، وربما يخص الخبر بذلك لقوله ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي ، والتعميم أولى.

٧٤

باب

مجالسة أهل المعاصي

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي زياد النهدي ، عن عبد الله بن صالح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلسا يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن محمد ، عن الجعفري قال :

______________________________________________________

باب مجالسة أهل المعاصي

الحديث الأول : مجهول.

والمراد بمعصية الله ترك أوامره وفعل نواهيه كبيرة كانت أو صغيرة ، حق الله كان أو حق الناس ، ومن ذلك اغتياب المؤمن ، فإن فعل أحد شيئا من ذلك وقدرت على تغييره ومنعه منه فغيره أشد تغيير حتى يسكت عنه وينزجر منه ، ولك ثواب المجاهدين ، وإن خفت منه فاقطعه وأنقله بالحكمة مما هو مرتكبه إلى أمر آخر جائز ، ولا بد من أن يكون الإنكار بالقلب واللسان وحده ، والقلب مائل إليه ،

فإن ذلك نفاق وفاحشة أخرى ، وإن لم تقدر عليه فقم ولا تجلس معه ، فإن لم تقدر على القيام أيضا فأنكره بقلبك وامقته في نفسك وكن كأنك على الرضف ، فإن الله تعالى مطلع على سرائر القلوب وأنت عنده من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وإن تنكر ولم تقم مع القدرة على الإنكار والقيام فقد رضيت بالمعصية فأنت وهو حينئذ سواء في الإثم ، وقد مر الكلام في ذلك في باب الغيبة.

الحديث الثاني : صحيح.

والجعفري هو أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري وهو من أجلة أصحابنا ، ويقال إنه لقي الرضا إلى آخر الأئمة عليهم‌السلام ، وأبو الحسن يحتمل الرضا والهادي عليهما‌السلام

٧٥

سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول ما لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب فقال ـ إنه خالي فقال إنه يقول في الله قولا عظيما يصف الله ولا يوصف فإما جلست معه وتركتنا وإما جلست معنا وتركته فقلت هو يقول ما شاء أي شيء علي منه إذا لم أقل ما يقول فقال أبو الحسن عليه‌السلام أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى عليه‌السلام وكان أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه وهو

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون سليمان بن جعفر الجعفري كما صرح به في مجالس المفيد.

« يقول » أي الرجل « فقال » أي ذلك الرجل ، وكونه كلام بكر والضمير للجعفري بعيد ، وفي المجالس بقول لأبي وهو أظهر ، ويؤيد الأول « فقال إنه خالي » الظاهر تخفيف اللام ، وتشديده من الخلة كأنه تصحيف « يصف الله » أي بصفات الأجسام كالقول بالجسم والصورة أو بالصفات الزائدة كالأشاعرة ، وفي المجالس : يصف الله تعالى ويحده وهو يؤيد الأول ، والواو في قوله عليه‌السلام : ولا يوصف للحال ، أي والحال أنه لا يجوز وصفه بالمعنيين « فأما جلست معه » أي لا يمكن الجمع بين الجلوس معه والجلوس معنا ، فإن جالسته كنت فاسقا ونحن لا نجالس الفساق ، مع أن الجمع بينهما مما يوهم تصويب قوله ، وظاهره مرجوحية الجلوس مع من يجالس أهل العقائد الفاسدة ، وتحريم الجلوس معهم.

« فيلحقه بموسى » أي يدخله في دينه أو يلحقه بعسكره ومالهما واحد « فمضى أبوه » أي في الطريق الباطل الذي اختاره أي استمر على الكفر ولم يقبل الرجوع أو مضى في البحر « وهو يراغمه » أي يبالغ في ذكر ما يبطل مذهبه ، ويذكر ما يغضبه ، في القاموس : المراغمة الهجران والتباعد والمغاضبة وراغمهم نابذهم وهجرهم وعاداهم ، وترغم تغضب ، وفي المجالس تخلف عنه ليعظه وأدركه موسى وأبوه يراغمه « حتى بلغا طرفا من البحر » أي أحد طرفي البحر ، وهو الطرف الذي يخرج منه قوم

٧٦

يراغمه حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فأتى موسى عليه‌السلام الخبر فقال هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المرء على دين خليله وقرينه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأيتم أهل الريب

______________________________________________________

موسى من البحر.

وأقول : كان المعنى هنا قريبا من طرف البحر ، وفي المجالس طرف البحر فغرقا جميعا فأتى موسى الخبر ، فسأل جبرئيل عن حاله فقال له : غرق رحمه‌الله ولم يكن على رأي أبيه ، ولكن النقمة « إلخ ».

الحديث الثالث : صحيح.

« فتصيروا عند الناس كواحد منهم » يدل على وجوب الاحتراز عن مواضع التهمة ، وإن فعل ما يوجب حسن ظن الناس مطلوب إذا لم يكن للرياء والسمعة وقد يمكن أن ينفعه ذلك في الآخرة لما ورد أن الله يقبل شهادة المؤمنين وإن علم خلافه « المرء على دين خليله » أي عند الناس فيكون استشهادا لما ذكره عليه‌السلام أو يصير واقعا كذلك فيكون بيانا لمفسدة أخرى كما ورد أن صاحب الشر يعدي وقرين السوء يغوى ، وهذا أظهر.

الحديث الرابع : صحيح.

وكان المراد بأهل الريب الذين يشكون في الدين ويشككون الناس فيه بإلقاء الشبهات ، وقيل : المراد بهم الذين بناء دينهم على الظنون والأوهام الفاسدة

٧٧

______________________________________________________

كعلماء أهل الخلاف ، ويحتمل أن يراد بهم الفساق والمتظاهرين بالفسوق ، فإن ذلك مما يريب الناس في دينهم ، وهو علامة ضعف يقينهم ، في القاموس : الريب صرف الدهر والحاجة والمظنة والتهمة ، وفي النهاية : الريب الشك ، وقيل : هو الشك مع التهمة ، والبدعة اسم من الابتداع كالرفعة من الارتفاع ، ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين أو زيادة ، كذا ذكره في المصباح.

وأقول : البدعة في عرف الشرع ما حدث بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرد فيه نص على الخصوص ، ولا يكون داخلا في بعض العمومات ، أو ورد نهي عنه خصوصا أو عموما ، فلا تشمل البدعة ما دخل في العمومات مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المؤمنين وإسكانهم وإعانتهم ، وكإنشاء بعض الكتب العلمية والتصانيف التي لها مدخل في المعلومات الشرعية ، وكالألبسة التي لم تكن في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأطعمة المحدثة فإنها داخلة في عمومات الحلية ولم يرد فيها نهي ، وما يفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة ، كما أن الصلاة خير موضوع ويستحب فعلها في كل وقت ، ولما عين عمر ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة ، وكما إذا عين أحد سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت بلا نص ورد فيها كانت بدعة ، وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيها نص بدعة ، سواء كانت أصلها مبتدعا أو خصوصيتها مبتدعة ، فما ذكره المخالفون أن البدعة منقسمة بانقسام الأحكام الخمسة تصحيحا لقول عمر في التراويح : نعمة البدعة ، باطل ، إذ لا تطلق البدعة إلا على ما كان محرما كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار ، وما فعله عمر كان من البدعة المحرمة ، لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الجماعة في النافلة فلم ينفعهم هذا التقسيم « ولن يصلح العطار ما أفسد

٧٨

______________________________________________________

الدهر ».

وقد أشبعنا القول في ذلك في كتاب الفتن في باب مطاعن عمر.

قال الشهيد قدس الله روحه في قواعده : محدثات الأمور بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنقسم أقساما لا تطلق اسم البدعة عندنا إلا على ما هو محرم منها :

أولها : الواجب كتدوين الكتاب والسنة إذا خيف عليهما التفلت من الصدور فإن التبليغ للقرون الآتية واجب إجماعا وللآية ، ولا يتم إلا بالحفظ وهذا في زمان الغيبة واجب. أما في زمن ظهور الإمام فلا لأنه الحافظ لهما حفظا لا يتطرق إليه خلل.

وثانيها : المحرم وهو بدعة تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة كتقديم غير الأئمة المعصومين عليهم ، وأخذهم مناصبهم واستيثار ولاة الجور بالأموال ، ومنعها مستحقها ، وقتال أهل الحق وتشريدهم وإبعادهم ، والقتل على الظنة والإلزام ببيعة الفساق والمقام عليها وتحريم مخالفتها ، والغسل في المسح ، والمسح على غير القدم وشرب كثير من الأشربة ، والجماعة في النوافل والأذان الثاني يوم الجمعة ، وتحريم المتعتين ، والبغي على الإمام وتوريث الأباعد ومنع الأقارب ، ومنع الخمس أهله والإفطار في غير وقته ، إلى غير ذلك من المحدثات المشهورات ، ومنها بالإجماع من الفريقين المكس وتولية المناصب غير الصالح لها ببذل أو إرث أو غير ذلك.

وثالثها : المستحب وهو ما تناولته أدلة الندب كبناء المدارس والربط ، وليس منه اتخاذ الملوك الأهبة ليعظموا في النفوس ، اللهم إلا أن يكون مرهبا للعدو.

ورابعها : المكروه وهو ما شملته أدلة الكراهة كالزيادة في تسبيح الزهراء سلام الله عليها وسائر الموظفات ، أو النقيصة منها ، والتنعم في الملابس والمأكل

٧٩

والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم

______________________________________________________

بحيث لا يبلغ الإسراف بالنسبة إلى الفاعل ، وربما أدى إلى التحريم إذا استضر به وعياله.

وخامسها : المباح وهو الداخل تحت أدلة الإباحة كنخل الدقيق فقد ورد : أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتخاذ المناخل ، لأن العيش والرفاهية من المباحات فوسيلته مباحة ، انتهى.

وقال في النهاية : البدعة بدعتان ، بدعة هدى وبدعة ضلال ، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله فهو في حيز الذم والإنكار ، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه ، وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح ، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة ، ولا يجوز أن يكون ذلك على خلاف ما ورد به الشرع ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جعل له في ذلك ثوابا ، فقال : من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها ، وقال في ضده : من سن سنة سيئة كان عليه وزره ووزر من عمل بها ، وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله ثم قال : وأكثر ما يستعمل به المبتدع في الذم ، انتهى.

والمراد بسبهم الإتيان بكلام يوجب الاستخفاف بهم ، قال الشهيد الثاني رفع الله درجته : يصح مواجهتهم بما يكون نسبته إليهم حقا لا بالكذب ، وهل يشترط جعله على طريق النهي فيشترط شروطه أم يجوز الاستخفاف بهم مطلقا؟ ظاهر النص والفتاوى الثاني ، والأول أحوط ، ودل على جواز مواجهتهم بذلك وعلى رجحانها رواية البرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام إذا ظاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة ، ومرفوعة محمد بن بزيع : من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب ، انتهى.

« والقول فيهم » أي قول الشر والذم فيهم ، وفي القاموس : الوقيعة القتال

٨٠