مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٣

______________________________________________________

وقد تدخل الاستثناء في الكلام ويراد به التسهيل والأقدار والتخلية والبقاء على ما هو عليه من الأحوال ، وهذا هو المراد إذا دخل في المباحات.

وهذا الوجه يمكن في الآية ، وقد يدخل استثناء المشية في الكلام وإن لم يرد به شيء من المتقدم ذكره ، بل يكون الغرض الانقطاع إلى الله من غير أن يقصد به إلى شيء من هذه الوجوه ، ويكون هذا الاستثناء أيضا غير معتد به في كونه كاذبا أو صادقا لأنه في الحكم كأنه قال : لا فعلن كذا إن وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله وإظهاري الحاجة إليه.

وهذا الوجه أيضا يمكن في الآية ومتى تأمل جملة ما ذكرناه من الكلام عرف به الجواب عن المسألة التي يسأل عنها من يذهب إلى خلاف العدل من قولهم : لو كان الله تعالى إنما يريد الطاعات من الأعمال دون المعاصي لوجب إذا قال الذي عليه الدين وطالبه به : والله لأعطينك حقك غدا إن شاء الله ، أن يكون كاذبا أو حانثا إذا لم يفعل لأن الله قد شاء ذلك منه عندكم وإن كان لم يقع ، ولكان يجب أن تلزمه به الكفارة وأن لا يؤثر هذا الاستثناء في يمينه ، ولا يخرجه من كونه حانثا كما أنه لو قال : والله لأعطينك حقك إن قام زيد فقام ولم يعطه فيكون حانثا ، وفي التزام هذا الحنث خروج عن الإجماع « انتهى » وسيأتي تمام الكلام فيه في الاستثناء بالمشية إن شاء الله.

وأقول : قد أطبق الأصحاب على أنه يجوز للحالف الاستثناء في يمينه بمشية الله ، والمشهور أنه يقتضي عدم انعقاد اليمين ، وفصل العلامة في القواعد فحكم بانعقاد اليمين مع الاستثناء إن كان المحلوف عليه واجبا أو مندوبا وإلا فلا ، ومستند المشهور وإن كان ضعيفا لكنه منجبر بالشهرة بين الأمة ، وأيضا ظاهرا لأكثر عدم الفرق بين قصد التعليق والتبرك ، وربما يقصر الحكم على التعليق ، وأيضا المشهور أن الاستثناء إنما يكون باللفظ واستوجه في المختلف الاكتفاء بالنية وفيه نظر ،

٤١

______________________________________________________

وورد في الأخبار جواز الاستثناء إلى أربعين يوما ، ولعله في العمل بالسنة لا التأثير في اليمين كما ذكره الطبرسي وسيأتي الكلام في جميع ذلك إن شاء الله.

ولا يبعد جريان جميع تلك الأحكام هنا بتقريب ما مر وكما يظهر من كلام السيد رضي‌الله‌عنه ، وكما يومئ إليه الخبر : الأول : من تشبيهه بالنذر ، الثاني : ما إذا كان الأمر الموعود حراما ، فإنه لا ريب في عدم جواز الوفاء به ووجوب الخلف. الثالث : إذا كان الأمر الموعود مرجوحا دينا أو دنيا فإنه لا يبعد جواز الخلف فيه ، فإن اليمين والنذر والعهد مع كونها عدة مؤكدة مع الله وعهدا موثقا مقرونا باسمه سبحانه يجوز مخالفته فهذا يجوز الخلف فيه بطريق أولى ، وأيضا يشمل تلك الأخبار ما يتضمن عدة لمؤمن أو مؤمنة ، وقد ورد في أخبار كثيرة إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها ، وفي بعضها إذا حلف الرجل على شيء والذي حلف عليه إتيانه خيرا من يمينك فدعها ، وفي بعضها إذا حلف الرجل على شيء والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه ، وفي خبر آخر من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فأتى ذلك فهو كفارة يمينه وله حسنة ، فعلى هذا لو وعده فيما فعله مكروه أو خلافه مستحب يجوز له الخلف ، وأما إذا كان خلافه راجحا بحسب الدنيا ، فإن تضمن ضررا بدنيا بالنسبة إلى الواعد أو غيره من المؤمنين أو هتك عرض له بينا بالنسبة إلى الواعد فيجوز الخلف فيه ، بل يجب في بعض الصور وإن تضمن ضررا ماليا قليلا لا يضر بحال الواعد ، فالظاهر عدم جواز الخلف على تقدير الوجوب وإلا يلزم أن لا يجب الوفاء في الوعد بالمال أصلا.

نعم إذا تضمن تفويت مال بغير جهة شرعية كالسرقة والغصب وفوت الغريم ونحو ذلك ، فلا يبعد القول بالجواز كما جوزوا قطع الصلاة الواجبة له ، بل جوز بعض الأصحاب ترك الحج أيضا لذلك ، وجوزوا لذلك التيمم وترك طلب الماء للطهارة.

٤٢

______________________________________________________

الرابع : ما كان فعله راجحا دينا بحيث لا يصل إلى حد الوجوب ومرجوحا دنيا هل يجوز الخلف فيه؟ ظاهرا لأصحاب عدم جواز الخلف في اليمين ، ويظهر من كثير من الأخبار الجواز كقول أبي عبد الله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : كلما كان لك منفعة في أمر دين أو دنيا فلا حنث عليك ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام في موثقة زرارة : كل يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شيء عليك فيها ، وإنما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما لله فيه معصية أن لا تفعله ثم تفعله ، وفي الحسن كالصحيح عن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أي شيء لا نذر في معصية؟ قال : فقال : كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه ، فإذا كان في اليمين والنذر كذلك ففي الوعد كذلك ، بتقريب ما مر مع ما ورد في الخبر من تشبيهه بالنذر.

الخامس : ما كان مباحا متساوي الطرفين فالمشهور في اليمين الانعقاد ، وفي النذر عدمه ، وظاهر كثير من الأخبار أن اليمين أيضا لا ينعقد كما روي عن زرارة أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام : أي شيء الذي فيه الكفارة من الأيمان؟ فقال : ما حلفت عليه مما فيه البر فعليك الكفارة إذا لم تف به ، وما حلفت عليه مما فيه المعصية فليس عليك فيه الكفارة إذا لم تف به ، وما حلفت عليه مما فيه المعصية فليس عليك فيه الكفارة إذا رجعت عنه ، وما كان سوى ذلك مما ليس فيه بر ولا معصية فليس بشيء ، وقد ورد مثله بأسانيد جمة فالظاهر بتقريب ما مر عدم الوجوب في الوعد ، ويدل عليه أيضا تسميته نذرا في الخبر الأول ، إذ قوله عليه‌السلام : نذر ، الظاهر أن المراد به النذر الشرعي لا اللغوي لقوله : لا كفارة ، فلما لم يكن نذرا شرعيا فالغرض التشبيه به في الاشتراك في الأحكام ، وقوله : لا كفارة له ، بمنزلة الاستثناء إذ هو بقوة إلا أنه لا كفارة له ، كما هو الظاهر من السياق ، والاستثناء دليل العموم ، فالكلام في قوة أنه بحكم النذر ، ومشترك معه في الأحكام إلا في

٤٣

______________________________________________________

الكفارة ، فيجري فيه أحكام النذر.

السادس : أنه لا حكم له مع عدم القصد كالنذر واليمين.

السابع : أنه لا حكم له مع الجبر والإكراه والتقية ، وحفظ عرض مؤمن أو ماله أو دمه ، وكلما يجوز فيه اليمين ، وينحل به النذر كل ذلك بتقريب ما مر ، ووجوه أخرى لا تخفى.

الثامن : أن النية فيه على قصد الحق والعبرة به كاليمين.

التاسع : وعد الأهل كما مر في باب الكذب عن عيسى بن حسان عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث قال : كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة ، إلى أن قال : أو رجل وعد أهله شيئا وهو لا يريد أن يتم لهم ، ويمكن أن يستدل به على السادس والثامن ، وقد مر الكلام في تسميته كذبا ، ولو حمل على الحقيقة ، وقيل : بأن قبحه للكذب فأخبار جواز الكذب للمصلحة كثيرة ، وقد سبق بعضها ، والخبر يومئ إلى جواز الخلف لقليل من المصالح الدنيوية ، فكيف الدينية.

ثم اعلم أن كلما ذكرنا فإنما هو في الوعد ، وأما الوعيد فلا ريب في حسن الخلف فيه عقلا ونقلا كما مر بعض الكلام فيه في وعيد الله سبحانه ، والأخبار الدالة على الوجوب أو الرجحان إنما هي في الوعد لا الوعيد ، والخبر الأول أيضا ورد بلفظ العدة وقد مر في كلام الجوهري أنها في الوعد بالخير ، والخبر الثاني ظاهر والأخبار الواردة بحسن العفو عن الوعيد قولا وفعلا عن أئمة الهدى عليهم‌السلام أكثر من أن تحصى.

واعلم أيضا أن الوعد على تقدير القول بوجوب الوفاء به الظاهر أنه لا يوجب شغل ذمة للواعد ولا حقا لازما للموعود له يمكنه الاستعداء به والأخذ منه قهرا ، بل الأظهر عندي في اليمين أيضا كذلك ، بل حق لله عليه يلزمه الوفاء به ، وبهذا يظهر الفرق بين ما إذا كان في ضمن عقد لازم أو لم يكن ، ويمكن حمل كلام بعض

٤٤

باب

من حجب أخاه المؤمن

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله عز وجل

______________________________________________________

الأصحاب حيث حكموا بالفرق على هذا الوجه أيضا وإن كان بعيدا ، والله تعالى يعلم حقائق الأحكام وحججه الكرام عليهم الصلاة والسلام.

وقد أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنه مما يعم به البلوى ، ولم أر من الأصحاب من تصدى لتحقيقه ، وفي بالي إن وفقني الله تعالى أن أكتب فيه رسالة مفردة والله الموفق.

باب من حجب أخاه المؤمن

الحديث الأول : ضعيف.

« كان بينه وبين مؤمن حجاب » أي مانع من الدخول عليه إما بإغلاق الباب دونه أو إقامة بواب على بابه يمنعه من الدخول عليه ، وقال الراغب : الضرب إيقاع شيء على شيء ، ولتصور اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها كضرب الشيء باليد والعصا ونحوهما ، وضرب الأرض بالمطر ، وضرب الدراهم اعتبارا بضربه بالمطرقة ، وقيل له الطبع اعتبارا بتأثير السكة فيه ، وضرب الخيمة لضرب أوتادها بالمطرقة وتشبيها بضرب الخيمة قال : « ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ » (١) أي التحفتهم الذلة التحاف الخيمة لمن ضربت عليه ومنه أستعير : « فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ » (٢) وقال : « فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ » (٣) إلى آخر ما قال في ذلك.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١١٢.

(٢) سورة الكهف : ١١.

(٣) سورة الحديد : ١٣.

٤٥

بينه وبين الجنة سبعين ألف سور ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام.

٢ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن أحمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن محمد ، عن محمد بن سنان قال كنت عند الرضا صلوات الله عليه فقال لي يا محمد إنه كان في زمن بني إسرائيل أربعة نفر من المؤمنين فأتى واحد منهم الثلاثة وهم مجتمعون في منزل أحدهم في مناظرة بينهم فقرع الباب فخرج إليه الغلام فقال أين مولاك فقال ليس هو في البيت فرجع الرجل ودخل الغلام إلى مولاه فقال له من كان الذي قرع الباب قال كان فلان فقلت له لست في المنزل فسكت ولم يكترث

______________________________________________________

« مسيرة ألف عام » أي من أعوام الدنيا ، ويحتمل عام الآخرة ، ثم الظاهر منه إرادة هذا العدد حقيقة ، ويمكن حمله على المجاز والمبالغة في بعده عن الرحمة والجنة ، أو على أنه لا يدخلها إلا بعد زمان طويل تقطع فيه تلك المسافة البعيدة ، وعلى التقادير لعله محمول على ما إذا كان الاحتجاب للتكبر والاستهانة بالمؤمن وتحقيره ، وعدم الاعتناء بشأنه لأنه معلوم أنه لا بد للمرء من ساعات في اليوم والليلة يشتغل فيها الإنسان بإصلاح أمور نفسه ومعاشه ومعاده ، لا سيما العلماء لاضطرارهم إلى المطالعة والتفكر في المسائل الدينية وجمعها وتأليفها وتنقيحها ، وجمع الأخبار وشرحها وتصحيحها وغير ذلك من الأمور التي لا بد لهم من الخوض فيها والاعتزال عن الناس والتخلي في مكان لا يشغله عنها أحد ، والأدلة في مدح العزلة والمعاشرة متعارضة وسيأتي تحقيقها إنشاء الله ، وقد يقال المراد بالجنة جنة معينة يدخل فيها من لم يحجب المؤمن.

الحديث الثاني : ضعيف.

« كان فلان » قيل : كان تامة أو فلان كناية عن اسم غير منصرف كأحمد ، وأقول : يحتمل تقدير الخبر أي كان فلان قارع الباب ، وفي القاموس : ما اكترث له ما أبالي به.

٤٦

ولم يلم غلامه ولا اغتم أحد منهم لرجوعه عن الباب وأقبلوا في حديثهم فلما كان من الغد بكر إليهم الرجل فأصابهم وقد خرجوا يريدون ضيعة لبعضهم فسلم عليهم وقال أنا معكم فقالوا له نعم ولم يعتذروا إليه وكان الرجل محتاجا ضعيف الحال فلما كانوا في بعض الطريق إذا غمامة قد أظلتهم فظنوا أنه مطر فبادروا فلما استوت الغمامة على رءوسهم إذا مناد ينادي من جوف الغمامة أيتها النار خذيهم وأنا جبرئيل رسول الله فإذا نار من جوف الغمامة قد اختطفت الثلاثة النفر وبقي الرجل مرعوبا يعجب مما نزل بالقوم ولا يدري ما السبب فرجع إلى المدينة فلقي يوشع بن نون عليه‌السلام فأخبره الخبر وما رأى وما سمع فقال يوشع بن نون عليه‌السلام أما علمت أن الله سخط عليهم بعد أن كان عنهم راضيا وذلك بفعلهم بك فقال وما فعلهم بي فحدثه يوشع فقال الرجل فأنا أجعلهم في حل وأعفو عنهم قال لو كان هذا قبل لنفعهم

______________________________________________________

« فلما كان من الغد » قيل : كان تامة والمستتر راجع إلى أمر الدهر ومن بمعنى في ، وفي القاموس : بكر عليه وإليه وفيه بكورا وبكر وابتكر وأبكر وباكره أتاه بكرة ، وكل من بادر إلى شيء فقد أبكر إليه في أي وقت كان ، وقال : الضيعة العقار والأرض المغلة.

« ولم يعتذروا إليه » ربما يفهم منه أنه عرف أنهم كانوا في البيت ولم يأذنوا له ، وفيه نظر بل الظاهر من آخر الخبر خلافه ، ويدل على أنه لو صدر عن أحد مثل هذه البادرة كان عليه أن يبادر إلى الاعتذار وأنه مع رضاه يسقط عنهم الوزر.

« ضعيف الحال » أي قليل المال « قد أظلتهم » أي قربت منهم ، أو الشمس لما كانت في جانب المشرق وقعت ظلها عليهم قبل أن تحاذي رؤوسهم « فظنوا أنه » أي سبب حدوث الغمامة « مطر ، فبادروا » ليصلوا إلى الضيعة قبل نزول المطر ، والنفر لما كان في معنى الجمع جعل تميزا للثلاثة « وأما الساعة فلا » أي لا ينفعهم ليردوا إلى الدنيا « وعسى أن ينفعهم » أي في البرزخ والقيامة.

٤٧

فأما الساعة فلا وعسى أن ينفعهم من بعد.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سنان ، عن مفضل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله بينه وبين الجنة سبعين ألف سور غلظ كل سور مسيرة ألف عام ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى مسلما زائرا [ أو طالب حاجة ] وهو في منزله فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه قال يا أبا حمزة أيما مسلم أتى مسلما زائرا أو طالب حاجة وهو في منزله فاستأذن له ولم يخرج إليه لم يزل في لعنة الله حتى يلتقيا فقلت جعلت فداك في لعنة الله حتى يلتقيا قال نعم يا أبا حمزة.

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف ، وقد مر مثله إلا أنه لم يكن فيه « غلظ السور ».

الحديث الرابع : مجهول.

« أيما مسلم » قيل : أي مبتدأ وما زائدة بين المضاف والمضاف إليه ، وأتى مسلما خبره ، والجملة شرطية وجملة لم يزل جزائية ، والضمير راجع إلى المسلم الثاني ، ولو كان أتي صفة ولم يزل خبرا لم يكن للمبتدإ عائدا ، ولعل المراد بالالتقاء الاعتذار أو معه وهو محمول على ما مر من عدم العذر أو الاستخفاف.

٤٨

باب

من استعان به أخوه فلم يعنه

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن علي ، عن سعدان ، عن حسين بن أمين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته [ إلا ] ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أيما رجل من شيعتنا أتى رجلا من إخوانه

______________________________________________________

باب من استعان به أخوه فلم يعنه

الحديث الأول : ضعيف.

وقوله : والقيام إما عطف تفسير للمعونة ، أو المراد بالمعونة ما كان من عند نفسه ، وبالقيام ما كان من غيره « إلا ابتلي » كذا في أكثر النسخ ، فكلمة إلا إما زائدة أو المستثنى منه مقدر أي ما فعل ذلك إلا ابتلي ، وقيل : من للاستفهام الإنكاري ، وفي بعض النسخ ابتلي بدون كلمة إلا موافقا لما في المحاسن وثواب الأعمال وهو أظهر ، وضمير عليه راجع إلى من بتقدير مضاف أي على معونته ، وفاعل يأثم راجع إلى من بخل ، ويحتمل أن يكون راجعا إلى من في من يأثم ، وضمير عليه للباخل ، والتعدية بعلى لتضمين معنى القهر ، أو على بمعنى في أي بمعونة ظالم يأخذ منه قهرا وظلما ، ويعاقب على ذلك الظلم وقوله : ولا يؤجر أي الباخل على ذلك الظلم لأنه عقوبة ، وعلى الأول قوله : ولا يؤجر إما تأكيد أو لدفع توهم أن يكون آثما من جهة ومأجورا من أخرى.

الحديث الثاني : صحيح.

٤٩

فاستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر إلا ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا يعذبه الله عليها يوم القيامة.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن أسلم ، عن الخطاب بن مصعب ، عن سدير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لم يدع رجل معونة أخيه المسلم حتى يسعى فيها ويواسيه إلا ابتلي بمعونة من يأثم ولا يؤجر.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن علي بن جعفر ، عن [ أخيه ] أبي الحسن عليه‌السلام قال سمعته يقول من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل.

______________________________________________________

والاستثناء يحتمل الوجوه الثلاثة المتقدمة ، وقوله : يعذبه الله صفة حوائج وضمير عليها راجع إلى الحوائج ، والمضاف محذوف ، أي علي قضائها ، ويدل على تحريم قضاء حوائج المخالفين ، ويمكن حمله على النواصب أو على غير المستضعفين جمعا بين الأخبار وحمله على الإعانة في المحرم بأن يكون يعذبه الله قيدا احترازيا بعيد.

الحديث الثالث : ضعيف.

« حتى يسعى » متعلق بالمعونة فهو من تتمة مفعول يدع ، والضمير في يأثم راجع إلى الرجل ، والعائد إلى من محذوف ، أي على معونته.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

« مستجيرا به » أي لدفع ظلم أو لقضاء حاجة ضرورية « فقد قطع ولاية الله » أي محبته لله أو محبة الله له أو نصرة الله له أو نصرته لله ، أو كناية عن سلب إيمانه فإن الله ولي الذين آمنوا ، والحاصل أنه لا يتولى الله أموره ولا يهديه بالهدايات الخاصة ولا يعينه ولا ينصره.

٥٠

باب

من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان جميعا ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن سنان ، عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسودا وجهه مزرقة عيناه مغلولة يداه

______________________________________________________

باب من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره

الحديث الأول : ضعيف.

« مزرقة عيناه » بضم الميم وسكون الزاي وتشديد القاف من باب الأفعال من الزرقة ، وكأنه إشارة إلى قوله تعالى : « وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً » (١) وقال البيضاوي : أي زرق العيون وصفوا بذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب ، لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق ، ولذلك قالوا في صفة العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين أو عمياء ، فإن حدقة الأعمى تزرق ، انتهى.

وقال في غريب القرآن : « يَوْمَئِذٍ زُرْقاً » لأن أعينهم تزرق من شدة العطش ، وقال الطيبي فيه : أسودان أزرقان ، أراد سوء منظرهما وزرقه أعينهما والزرقة أبغض الألوان إلى العرب ، لأنها لون أعدائهم الروم ، ويحتمل إرادة قبح المنظر وفظاعة الصورة ، انتهى.

وقيل : لشدة الدهشة والخوف تنقلب عينه ولا يرى شيئا ، وإلى في قوله إلى عنقه بمعنى مع ، أو ضمن معنى الانضمام ، ويدل على وجوب قضاء حاجة المؤمن

__________________

(١) سورة طه : ١٠٢.

٥١

إلى عنقه فيقال هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به إلى النار.

٢ ـ ابن سنان ، عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا يونس من حبس حق المؤمن أقامه الله عز وجل يوم القيامة خمسمائة عام على رجليه حتى يسيل عرقه أو دمه وينادي مناد من عند الله هذا الظالم الذي حبس عن الله حقه قال فيوبخ أربعين يوما ثم يؤمر به إلى النار.

٣ ـ محمد بن سنان ، عن مفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام من كانت له دار فاحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إياها قال الله عز وجل يا ملائكتي أبخل عبدي على عبدي بسكنى الدار الدنيا وعزتي وجلالي لا يسكن جناني أبدا.

______________________________________________________

مع القدرة ، وربما يحمل على ما إذا منعه لإيمانه أو استخفافا به وكان المراد بالمؤمن المؤمن الكامل.

الحديث الثاني : كالأول.

والمراد بحق المؤمن الديون والحقوق اللازمة أو الأعم منها ومما يلزمه أداؤه من جهة الإيمان على سياق سائر الأخبار « خمسمائة عام » أي مقدارها من أعوام الدنيا « أودية » في بعض النسخ أو دمه فالترديد من الراوي ، وقيل أو للتقسيم أي إن كان ظلمه قليلا يسيل عرقه وإن كان كثيرا يسيل دمه والموبخ المؤمنون أو الملائكة أو الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام أو الأعم ، وفيه دلالة على أن حق المؤمن حق الله عز وجل لكمال قربه منه أو لأمره تعالى به.

الحديث الثالث : كالسابق.

وظاهر هذه الأخبار وجوب إعانة المؤمنين بكل ما يقدر عليه وإسكانهم وغير ذلك مما لم يقل بوجوبه أحد من الأصحاب ، بل ظاهرها كون تركها من الكبائر وهو حرج عظيم ينافي الشريعة السمحة ، وقد يأول بكون المنع من أجل الإيمان فيكون كافرا ، أو على ما إذا وصل اضطرارا المؤمن حدا خيف عليه التلف

٥٢

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن علي بن جعفر قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنما هي رحمة من الله عز وجل ساقها إليه فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية الله عز وجل وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلط الله عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة مغفور له أو معذب فإن عذره الطالب كان أسوأ حالا قال وسمعته يقول من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله تبارك وتعالى.

______________________________________________________

أو الضرر العظيم الذي تجب إعانته عنده ، أو يراد بالجنان جنات معينة لا يدخلها إلا المقربون.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

وقد مر سندا ومتنا في باب قضاء حاجة المؤمن إلى قوله : كان أسوأ حالا إلا أن فيه : مغفورا له أو معذبا ، ومضى ما بعده في الباب السابق ، نقول زائدا على ما مضى أن قوله : فقد وصله بولايتنا ، يحتمل أن يكون المراد أنه وصل ذلك الفعل بولايتنا ، أي جعله سببا لولايتنا وحبنا له ، وهو أي الفعل أو الولاية بتأويل سبب لولاية الله ، ويمكن أن يكون ضمير الفاعل في وصل راجعا إلى الفعل ، والمفعول إلى الرجل أي وصل ذلك الفعل الرجل الفاعل له بولايتنا « كان أسوأ حالا » أي المطلوب أو الطالب كما مر والأول أظهر ، فالمراد بقوله عذره ، قبل عذره الذي اعتذر به ، ولا أصل له.

وكون حال المطلوب حينئذ أسوأ ظاهر ، لأنه صدقة فيما ادعى كذبا ولم يقابله بتكذيب وإنكار يستخف وزره ، وأما على الثاني فقيل كونه أسوأ لتصديق الكاذب ولتركه النهي عن المنكر ، والأولى أن يحمل على ما إذا فعل ذلك للطمع وذلة النفس لا للقربة وفضل العفو.

٥٣

باب

من أخاف مؤمنا

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عيسى ، عن الأنصاري ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق الخفاف ، عن بعض الكوفيين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار ومن روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل

______________________________________________________

باب من أخاف مؤمنا

الحديث الأول : مجهول ، ولو كان عبد الغفار بن القاسم الثقة فالحديث صحيح.

« يوم لا ظل إلا ظله » أي إلا ظل عرشه والمراد بالظل الكنف أي لا ملجأ ولا مفزع إلا إليه ، قال الراغب : الظل ضد الضح وهو أعم من الفيء ، ويعبر بالظل عن العزة والمناعة وعن الرفاهة ، قال تعالى : « إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ » (١) أي في عزة ومناعة ، وأظلني فلان أي حرسني ، وجعلني في ظله أي في عزه ومناعته « وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً » (٢) كناية عن غضارة العيش.

الحديث الثاني : مجهول.

« ليصيبه منه » أي من السلطان « مكروه » أي ضرر يكرهه « فلم يصبه » « فهو في النار » أي يستحقها أي لم يعف عنه ، والروع : الفزع ، والترويع : التخويف

__________________

(١) سورة المرسلات : ٤١.

(٢) سورة النساء : ٥٧.

٥٤

فرعون في النار.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي.

باب النميمة

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أنبئكم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله ـ قال المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون

______________________________________________________

« في النار » قيل أي في نار البرزخ ، حيث قال : « النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ » (١).

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

وقال في النهاية : الشطر النصف ، ومنه الحديث : من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة ، قيل هو أن يقول : اق في اقتل ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفى بالسيف شا ، يريد شاهدا وفي القاموس : الشطر نصف الشيء وجزؤه ، وأقول : يحتمل أن يكون كناية عن قلة الكلام أو كان يقول نعم مثلا في جواب من قال أقتل زيدا؟ وكان بين العينين كناية عن الجبهة.

باب النميمة

الحديث الأول : صحيح.

« المشاؤون بالنميمة » إشارة إلى قوله تعالى : « وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ » (٢) قال البيضاوي

__________________

(١) سورة غافر : ٤٦.

(٢) سورة القلم : ١٠ ـ ١٣.

٥٥

للبرآء المعايب.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن يوسف بن عقيل ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال محرمة الجنة على القتاتين المشاءين بالنميمة.

______________________________________________________

« هَمَّازٍ » أي عياب ، « مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ » أي نقال للحديث على وجه السعاية ، « عُتُلٍ » : جاف غليظ « بَعْدَ ذلِكَ » أي بعد ما عد من مثاليه ، « زَنِيمٍ » دعي ، وفي المصباح نم الرجل الحديث نما من بابي قتل وضرب سعى به ليوقع فتنة أو وحشة ، والرجل نم تسمية بالمصدر ومبالغة والاسم النميمة والنميم أيضا ، وفي النهاية النميمة نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والشر.

« المفرقون بين الأحبة » بالنميمة وغيرها ، والبغي الطلب والبراء ككرام وكفقهاء جمع البريء ، وهنا يحتملهما ، وأكثر النسخ على الأول ، ويقال أنا براء منه بالفتح لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث أي بريء ، كل ذلك ذكره الفيروزآبادي والأخير هنا بعيد ، والظاهر أن المراد به من يثبت لمن لا عيب له عيبا ليسقطه من أعين الناس ، ويحتمل شموله لمن لا يتجسس عيوب المستورين ليفشيها عند الناس وإن كانت فيهم فالمراد البراء عند الناس.

الحديث الثاني : صحيح.

وفي القاموس : القت نم الحديث والكذب واتباعك الرجل سرا لتعلم ما يريد ، وفي النهاية فيه لا يدخل الجنة قتات وهو النمام ، يقال : وقت الحديث يفته إذا زوره وهيأه وسواه ، وقيل : النمام الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم عليهم ، والقتات الذي يتسمع مع القوم وهم لا يعلمون ثم ينم ، والقساس الذي يسأل عن الأخبار ثم ينمها ، انتهى.

وربما يأول الحديث بالحمل على المستحل أو على أن الجنة محرمة عليه

٥٦

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسن الأصبهاني عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام شراركم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة المبتغون للبرآء المعايب.

______________________________________________________

ابتداء ولا يدخلها إلا بعد انقضاء مدة العقوبة ، أو على أن المراد بالجنة جنة معينة لا يدخلها القتات أبدا (١).

الحديث الثالث : مجهول.

وقال الشهيد الثاني قدس الله روحه في رسالة الغيبة : في عد ما يلحق بالغيبة أحدها النميمة ، وهي نقل قول الغير إلى المقول فيه ، كما تقول فلان تكلم فيك بكذا وكذا ، سواء نقل ذلك بالقول أم بالكتابة أم بالإشارة والرمز ، فإن تضمن ذلك نقصا أو عيبا في المحكي عنه كان ذلك راجعا إلى الغيبة أيضا ، فجمع بين معصية الغيبة والنميمة ، والنميمة إحدى المعاصي الكبائر ، قال الله تعالى : « هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ » (٢) ثم قال : « عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ».

قال بعض العلماء : دلت هذه الآية على أن من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة ولد زناء ، لأن الزنيم هو الدعي ، وقال تعالى : « وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ » (٣) قيل : الهمزة النمام وقال تعالى عن امرأة نوح وامرأة لوط « فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ » (٤) قيل : كانت امرأة لوط تخبر بالضيفان ،

__________________

(١) ونظير هذه التأويلات قد مرّ في باب البداء أيضا في حديث « ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذىء ... اه » ونقل هنا عن الشيخ البهائي روّح الله روحه أنّه قال : لعلّه (ع) أراد أنّها محرمة عليهم زمانا طويلا لا محرّمة تحريما مؤبّدأ أو المراد جنبة خاصّة معدّة لغير الفحّاش ، وإلاّ فظاهره مشكل فإن العصاة من هذه الأمّة مآلهم إلى الجنّة وإن طال مكثهم في النار.

(٢) سورة القلم : ١١.

(٣) سورة الهمزة : ١.

(٤) سورة التحريم : ١٠.

٥٧

______________________________________________________

وامرأة نوح تخبر بأنه مجنون.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يدخل الجنة نمام ، وفي حديث آخر : لا يدخل الجنة قتات ، والقتات هو النمام ، وروي أن موسى استسقى لبني إسرائيل حين أصابهم قحط فأوحى الله تعالى إليه : أني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيكم نمام قد أصر على النميمة ، فقال موسى عليه‌السلام : يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا؟ فقال : يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماما! فتابوا بأجمعهم فسقوا.

أقول : وذكر رفع الله درجته أخبارا كثيرة من طريق الخاصة والعامة ، ثم قال : واعلم أن النميمة تطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما يقال فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا ، وليست مخصوصة بالقول فيه ، بل يطلق على ما هو أعلم من القول كما مر في الغيبة ، وحدها بالمعنى الأعم كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول منه أو المنقول إليه ، أم كرهه ثالث ، وسواء كان الكشف بالقول أم بالكتابة أم الرمز أم الإيماء ، وسواء كان المنقول من الأعمال أم من الأقوال ، وسواء كان ذلك عيبا ونقصانا على المنقول عنه أم لم يكن ، بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه ، بل كل ما رآه الإنسان عن أحوال الناس ، فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود عليه ، فأما إذا رآه يخفي مالا لنفسه فذكره نميمة وإفشاء للسر ، فإن كان ما ينم به نقصانا أو عيبا في المحكي عنه كان جمع بين الغيبة والنميمة.

والسبب الباعث على النميمة إما إرادة السوء بالمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي له أو التفرج بالحديث أو الخوض في المفضول.

وكل من حملت إليه النميمة ، وقيل له : إن فلانا قال فيك كذا وكذا

٥٨

______________________________________________________

وفعل فيك كذا وكذا وهو يدبر فيها فساد أمرك أو في ممالاة عدوك أو تقبيح حالك أو ما يجري مجراه ، فعليه ستة أمور :

الأول : أن لا يصدقه لأن النمام فاسق وهو مردود الشهادة ، قال الله تعالى : « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ » (١).

الثاني : أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له فعله ، قال الله تعالى : « وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ » (٢).

الثالث : أن يبغضه في الله تعالى ، فإنه بغيض عند الله ويحب بغض من يبغضه الله.

الرابع : أن لا تظن بأخيك السوء بمجرد قوله ، لقوله تعالى : « اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ » (٣) بل تثبت حتى تتحقق الحال.

الخامس : أن لا يحملك ما حكي لك على التجسس والبحث لتحقق ، لقوله تعالى : « وَلا تَجَسَّسُوا » (٤).

السادس : أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه فلا تحكي نميمته فتقول : فلان قد حكى لي كذا وكذا ، فتكون به نماما ومغتابا فتكون قد أتيت بما نهيت عنه ، وقد روي عن علي عليه‌السلام : أن رجلا أتاه يسعى إليه برجل ، فقال : يا هذا نحن نسأل عما قلت فإن كنت صادقا مقتناك وإن كنت كاذبا عاقبناك ، وإن شئت أن نقيلك أقلناك ، قال : أقلني يا أمير المؤمنين ، وقال الحسن : من نم إليك نم عليك ، وهذه إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يوثق بصداقته ، وكيف لا يبغض وهو لا ينفك من الكذب والغيبة والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والإفساد بين الناس

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

(٢) سورة لقمان : ١٧.

(٣ ـ ٤) سورة الحجرات : ١٢.

٥٩

باب الإذاعة

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمد بن عجلان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن الله عز وجل عير أقواما بالإذاعة في قوله عز وجل : « وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ » (١) فإياكم

______________________________________________________

والخديعة ، وهو ممن سعى في قطع ما أمر الله تعالى به أن يوصل ، قال الله تعالى : « وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ (٢) » وقال تعالى : « إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ » (٣) والنمام منهم.

وبالجملة فشر النمام عظيم ينبغي أن يتوقى ، قيل : باع بعضهم عبدا للمشتري ما فيه عيب إلا النميمة ، قال : رضيت به فاشتراه فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه : إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك ، فخذي الموسى (٤) واحلقي من قفاه شعيرات حتى أسحر عليها فيحبك ، ثم قال للزوج : إن امرأتك اتخذت خليلا وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف ، فتناوم فجاءت المرأة بالموسى فظن أنها تقتله ، فقام وقتلها ، فجاء أهل المرأة وقتلوا الزوج ، فوقع القتال بين القبيلتين وطال الأمر.

باب الإذاعة

الحديث الأول : مجهول.

ويقال : ذاع الخبر يذيع ذيعا أي انتشر ، وأذاعه غيره أي أفشاه « وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ » قال البيضاوي : أي مما يوجب الأمن أو الخوف « أَذاعُوا بِهِ »

__________________

(١) سورة النساء : ٨٢.

(٢) سورة الرعد : ٢٥.

(٣) سورة الشورى : ٤٢.

(٤) الموسي. آلة الحلق.

٦٠