مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٣

باب المستضعف

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المستضعف فقال هو الذي لا يهتدي حيلة إلى

______________________________________________________

باب المستضعف

الحديث الأول : مرسل.

« عن المستضعف » كأنه سأل عن المستضعف الذي استثناه الله عز وجل في قوله : « إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً ، إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ، فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً » (١) وقد مر تفسير الآية مجملا ، وقال بعض المفسرين : توفيهم ، إما ماض فيكون إخبارا عن حال قوم انقرضوا ، وكانوا قوما من المسلمين فخرجوا في قوم من المشركين في قتال فقتلوا معهم ، وإما مستقبل بحذف إحدى التائين فيكون الوعيد عاما في كل من كان بهذه الصفة « ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ » حال عن ضمير الموصول ، والظلم قد يراد به الشرك والنفاق ، فالمراد أنهم ظالمون أنفسهم بنفاقهم وكفرهم وتركهم الهجرة وقد يراد به المعصية ، فالمراد الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك غير مهاجرين إلى دار الإسلام حين كانت الهجرة فريضة.

وذكروا في خبر إن وجوها « الأول » قالوا فيم كنتم ، والعائد محذوف ، أي قالوا لهم فيم كنتم؟ أي في أي شيء كنتم من أمر دينكم والمراد التوبيخ بأنكم لم تكونوا مؤمنين من الدين في شيء.

__________________

(١) سورة النساء : ٩٧.

٢٠١

الكفر فيكفر ولا يهتدي سبيلا إلى الإيمان لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر فهم الصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم.

______________________________________________________

والثاني : « فأولئك » ويكون قالوا حالا من الملائكة بتقدير قد.

والثالث : أن الخبر محذوف وهو هلكوا ، يفسره فيم كنتم وهم أجابوا اعتذارا بقولهم : كنا مستضعفين في الأرض غير قادرين على إظهار شعائر الدين والمهاجرة ، ثم الملائكة لم يقبلوا عنهم هذا العذر فبكتوهم بقولهم ألم تكن أرض الله واسعة ، وأرادوا أنكم كنتم قادرين على المهاجرة ، ثم استثنى من الموصول المستضعفين في نفس الأمر والاستثناء منقطع ، وفي ذكر العفو وكلمة الأطماع وهي عسى تنبيه على أن أمر الهجرة خطير مضيق لا توسعة فيه ، حتى أن المضطر من حقه أن يترقب العفو ولا يأمن ، وينبغي أن يغلق قلبه بها.

ولعل المراد بالولدان الأطفال والصبيان ، كما في هذه الرواية وغيرها ، وإنما ذكرهم مع أنهم لم يبلغوا حد التكليف أصلا لأن السبب في سقوط التكليف هو العجز وأنه حاصل فيهم ، فحسن استثناؤهم بهذا الوجه ، وقيل : المراد بهم المراهقون الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء ، حتى يتوجه التكليف فيما بينهم وبين الله ، وقيل : استثناؤهم للمبالغة في الأمر ، والإشعار بأنهم على صدد وجوب الهجرة فإنهم إذا بلغوا وقدروا عليها فلا محيص لهم منها ، وإن قوامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت ، وقال أرباب التأويل : الموصول هم الذين رفضوا الحق واتبعوا الباطل ، فظلموا أنفسهم فيقول الملائكة : فيم كنتم أي في أي غفلة كنتم تضيعون أعماركم وتبطلون استعدادكم الفطري؟ وفي أي واد من أودية الهوى تهيمون؟ فيقولون : كنا مستضعفين عاجزين لاستيلاء النفس الأمارة ، وغلبة الهوى ، فيقول الملائكة : ألم تكن أرض الله ، أي أرض القلوب واسعة فتخرجوا عن مضيق ما كنتم فيه.

٢٠٢

______________________________________________________

ثم استثنى ضعفاء العقول الذين رفع عنهم قلم التكليف بالمعارف وهم الذين لا يستطيعون حيلة في الخروج عن الدنيا لضعف الرأي ولا يهتدون سبيلا إلى صاحب الولاية.

قيل : وقول الباقر عليه‌السلام في تفسير المستضعف يمكن تطبيقه على تفسير الآية الكريمة ، وعلى تأويلها ، وإنما قال عليه‌السلام في الكفر حيلة وفي الإيمان سبيلا للتنبيه على أنه لا سبيل إلى الكفر ، ولا دليل عليه ، ولو فرض شيء يفضي إليه فإنما هو حيلة نفسانية وشبهة شيطانية ، وقال في الخبر الآخر : لا يستطيع حيلة إلى الإيمان للإشعار بأن الحيلة كافية للخروج من الكفر إلى الإيمان ، أو لإرادة السبيل بها مجازا لاشتراكهما في الإفضاء والإيصال.

وأقول : الحاصل أنهم لضعف عقولهم وقلة فطانتهم لم تعرض لهم شبهة قوية فيستقروا في الكفر والجحود ، ولا داع قوي من الأغراض الدنيوية ٨ الحق لذلك ، واحتالوا في إبطال الدين وبراهين الأنبياء بإلقاء الشكوك والشبه ، وليس لهم قدرة على فهم الحق ودلائله فيرسخوا في الدين فهم لذلك معذورون في الجملة ، ويحتمل نجاتهم لذلك.

وأما ذكر الصبيان فقد عرفت في تفسير الآية توجيهه بوجوه ، وقيل : المراد بالصبيان الشباب في أوائل بلوغهم قبل الكمال المعرفة ، وأقول : يمكن تفريع هذا الكلام على الخلاف في وقت وجوب المعرفة ، وأن وجوبها عقلي أو سمعي فمن قال أن وجوب المعرفة عقلي وأنه يتعلق. بالمراهق قبل البلوغ ، فيمكن حمل الصبي في تلك الأخبار على معناه المصطلح ، ومن قال غير ذلك لا بد من حمله على أوائل البلوغ مجازا ، قال الشهيد الثاني رفع الله درجته : اعلم أن المتكلمين حددوا وقت التكليف بالمعرفة بالتمكن من العلم بالمسائل الأصولية حيث قالوا في باب التكليف أن المكلف يشترط كونه قادرا على ما كلف به ، إذ التكليف بدون ذلك محال ،

٢٠٣

______________________________________________________

وظاهر أن هذا لا يتوقف على تحقق البلوغ الشرعي بإحدى العلامات المذكورة في كتب الفروع ، بل قد يكون قبل ذلك بسنين أو بعده ، كذلك بحسب مراتب الإدراك قوة وضعفا.

وذكر بعض فقهائنا أن وقت التكليف بالمعارف الإلهية هو وقت التكليف بالأعمال الشرعية إلا أنه يجب أولا بعد تحقق البلوغ والعقل المسارعة إلى تحصيل المعارف قبل الإتيان بالأعمال.

أقول : هذا غير جيد لأنه يلزم منه أن يكون الإناث أكمل من الذكور ، لأن الأنثى تخاطب بالعبادات عند كمال التسع ، إذا كانت عاقلة فتخاطب بالمعرفة أيضا عند ذلك ، والصبي لا يبلغ عند كمال التسع بالاحتلام ولا بالإنبات على ما جرت به العادة ، فلا يخاطب بالمعرفة وإن كان مميزا عاقلا ، لعدم خطابه بالعبادات ، فتكون أكمل منه استعدادا للمعارف وهو بعيد عن مدارك العقل والنقل ، ومن ثم ذهب بعض العلماء إلى وجوب المعرفة على من بلغ عشرا عاقلا ، ونسب ذلك إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس‌سره ، وأيضا هذا لا يوافق ما هو الحق من أن معرفة الله تعالى واجبة عقلا لا سمعا ، لأنا لو قلنا أن المعرفة لا تجب إلا بعد تحقق البلوغ الشرعي الذي هو مناط وجوب العبادات الشرعية لكنا قد أوجبنا المعرفة بالشرع لا بالعقل ، لأن البلوغ المذكور إنما علم من الشرع وليس في العقل ما يدل على أن وجوب المعرفة إنما يكون عند البلوغ المذكور ، فلو وجبت عنده لكان الوجوب معلوما من الشرع لا من العقل.

لا يقال : العقل إنما دل على وجوب المعرفة في الجملة دون تحديد وقته ، والشرع إنما دل على تحديد وقت الوجوب وهو غير الوجوب فلا يلزم كون الوجوب شرعيا.

لأنا نقول : لا نسلم أن في الشرع ما يدل على تحديد وقت وجوب المعرفة

٢٠٤

______________________________________________________

أيضا بل إنما دل على تحديد وقت العبادات فقط ، نعم دل الشرع على تقدم المعرفة على العبادات في الجملة ، وهو أعم من تعيين وقت التقدم فلا يدل عليه وأيضا لا معنى لكون العقل يدل على وجوب المعرفة في الجملة من دون اطلاعه على وقت الوجوب ، إذ لا ريب أنه يلزم من الحكم بوجوبها كونها واجبة في وقت الحكم.

والحاصل أنه لا يمكن العلم بوجوبها إلا بعد العلم بوقت وجوبها ، والوقت كما أنه ظرف لها فهو ظرف للوجوب أيضا ، وتوضيحه أن العبد إذا لاحظ هذه النعم عليه ، وعلم أن هناك منعما أنعم بها عليه أوجب على نفسه شكره عليها في ذلك الوقت خوفا أن يسلبه إياها لو لم يشكره ، وحيث أنه لم يعرفه بعد ويوجب على نفسه النظر في معرفته في ذلك الوقت ليمكنه شكره ، فقد علم أنه يلزم من وجوب المعرفة بالعقل معرفة وقتها أيضا ، نعم ما ذكروه إنما يتم على مذهب الأشاعرة حيث أن وجوب المعرفة عندهم سمعي.

فإن قلت : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ ، فيه دلالة على تحديد وقت وجوب المعرفة بالبلوغ الشرعي لأن رفع القلم كناية عن رفع التكليف ، وعدم جريانه عليه إلى الغاية المذكورة ، فقبلها لا يكون مكلفا بشيء سواء كان قد عقل أم لا.

قلت : لا نسلم دلالته على ذلك بل إن دل فإنما يدل على أن البلوغ الشرعي غاية لرفع التكليف مطلقا وإن كان عقليا فيبقى الدليل الدال على كون التكليف بالمعرفة عقليا سالما عن المعارض ، فإنه يستلزم تحديد وقت وجوب المعرفة بكمال العقل ، كما تقدمت الإشارة إليه.

والحاصل أن عموم رفع القلم مخصص بالدليل العقلي ، وقد عرف العقل الذي هو مناط التكاليف الشرعية بأنه قوة للنفس بها تستعد للمعلوم والإدراكات ، وهو المعنى بقولهم غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات ، وهذا

٢٠٥

______________________________________________________

التفسير اختاره المحقق الطوسي (ره) وجماعة ، والغريزة هي الطبيعة التي جبل عليها الإنسان ، والآلات هي الحواس الظاهرة والباطنة وإنما اعتبر سلامتها لأن العلم إنما يتبع العقل عند سلامتها ، ألا ترى أن النائم عاقل ولا علم له لتعطل حواسه.

وقيل : إنه ما يعرف به حسن الحسن وقبح القبيح ، وهذا التفسير اختاره القائلون بأن الحسن والقبح ذاتيان للعقل ، وقيل : إنه العلم ببعض الضروريات المسمى بالعقل بالملكة واختاره العلامة التفتازاني ، وقريب من هذا التفسير ما قيل أنه العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات في مجاري العادات ، انتهى.

ثم اعلم أن إطلاق الصبيان يشمل صبيان الكفار أيضا ، ولا ريب في أن أطفال المؤمنين ملحقة بآبائهم في الجنة ، وأما أولاد الكفار فاختلف فيهم علماؤنا والمخالفون قال النووي في شرح صحيح مسلم : اختلف العلماء فيمن مات من أولاد المشركين ، فمنهم من يقول : هم تبع لآبائهم في النار ، ومنهم من يتوقف فيهم ، والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة ، وقال البغوي في شرح السنة : أطفال المشركين لا يحكم لهم بجنة ولا نار ، بل أمرهم موكول إلى علم الله فيهم ، كما أفتى به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجملة الأمر أن مرجع العباد في المعاد إلى ما سيق لهم في علم الله من السعادة والشقاوة.

وقيل : حكم أطفال المؤمنين والمشركين حكم آبائهم وهو المراد بقوله : الله أعلم بما كانوا عاملين ، يدل عليه ما روي مفسرا عن عائشة أنها قالت : قلت : يا رسول الله ذراري المؤمنين؟ قال : من آبائهم ، فقلت : يا رسول الله بلا عمل؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، قلت : فذراري المشركين؟ قال : من آبائهم ، قلت : بلا عمل؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، وقال معمر عن قتادة عن الحسن أن سلمان قال : أولاد المشركين خدم أهل الجنة ، قال الحسن : أتعجبون أكرمهم الله وأكرمهم

٢٠٦

______________________________________________________

به ، وانتهى.

وذهب المتكلمون منا إلى أن أطفال الكفار لا يدخلون النار فهم إما يدخلون الجنة أو يسكنون الأعراف ، وذهب أكثر المحدثين منا إلى ما دلت عليه الأخبار الصحيحة من تكليفهم في القيامة بدخول النار المؤججة لهم ، قال المحقق الطوسي قدس‌سره في التجريد : وتعذيب غير المكلف قبيح وكلام نوح عليه‌السلام مجاز ، والخدمة ليست عقوبة له ، والتبعية في بعض الأحكام جائزة.

وقال العلامة الحلي نور الله ضريحه في شرحه : ذهب بعض الحشوية إلى أن الله تعالى يعذب أطفال المشركين ، ويلزم الأشاعرة تجويزه والعدلية كافة على منعه ، والدليل عليه أنه قبيح عقلا فلا يصدر منه تعالى.

احتجوا بوجوه : « الأول » قول نوح عليه‌السلام « وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً » (١) والجواب أنه مجاز ، والتقدير إنهم يصيرون كذلك لا بآجال طفوليتهم ، الثاني : قالوا إنا نستخدمه لأجل كفر أبيه فقد فعلنا فيه ألما وعقوبة ، فلا يكون قبيحا ، والجواب أن الخدمة ليست عقوبة للطفل وليس كل ألم عقوبة فإن الفصد والحجامة ألمان ، وليسا عقوبة ، نعم استخدامه عقوبة لأبيه وامتحان له يعوض عليه كما يعوض على أمراضه ، الثالث : قالوا إن حكم الطفل يتبع حكم أبيه في الدفن ومنع التوارث والصلاة عليه ومنع التزويج ، والجواب أن المنكر عقابه لأجل جرم أبيه ، وليس بمنكر أن يتبع حكم أبيه في بعض الأشياء إذا لم يجعل له بها ألم وعقوبة ، ولا ألم له في منعه من الدفن والتوارث وترك الصلاة عليه.

وأقول : رأيت في بعض كتب أصحابنا في تفسيرقوله تعالى : « يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ » (٢) روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : الولدان أولاد أهل الدنيا

__________________

(١) سورة نوح : ٢٧.

(٢) سورة الواقعة : ١٧.

٢٠٧

______________________________________________________

لم يكن لهم حسنات فيثابون عليها ، ولا سيئات فيعاقبون عليها ، فأنزلوا هذه المنزلة ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سئل عن أطفال المشركين؟ فقال : خدم أهل الجنة على صورة الولدان ، خلقوا لخدمة أهل الجنة.

وروى الصدوق رضي‌الله‌عنه في كتاب الخصال بسند صحيح أو قريب منه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة احتج الله عز وجل على خمسة : على الطفل والذي مات بين النبيين ، والذي أدرك النبي وهو لا يعقل ، والأصم والأبكم فكل واحد منهم يحتج على الله عز وجل ، قال : فيبعث الله إليهم رسولا فيؤجج لهم نارا فيقول لهم : ربكم يأمركم أن تثبوا فيها ، فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن عصى سيق إلى النار.

ثم قال الصدوق (ره) : إن قوما من أصحاب الكلام ينكرون ذلك ويقولون أنه لا يجوز أن يكون في دار الجزاء التكليف ، ودار الجزاء للمؤمنين إنما هي الجنة ودار الجزاء للكافرين إنما هي النار ، وإنما يكون هذا التكليف من الله عز وجل في غير الجنة والنار ، فلا يكون كلفهم في دار الجزاء ، ثم يصيرهم إلى الدار التي يستحقونها بطاعتهم أو معصيتهم فلا وجه لإنكار ذلك ، ولا قوة إلا بالله.

وأقول : قد ورد في بعض الأخبار أنهم مع آبائهم في النار ، وكأنها محمولة على التقية ، وفي بعض الأخبار أن معنى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الله أعلم بما كانوا عاملين أن كفوا عنهم ولا تقولوا فيهم شيئا ، وردوا علمهم إلى الله ، وهذا أحسن الأمور في هذا الباب ، ويكفينا القول بأن الله تعالى لا يظلمهم ولا يجور عليهم ولا يدخلهم النار بغير حجة ، وستأتي الأخبار في كتاب الجنائز وسنتكلم فيه هناك أيضا إنشاء الله تعالى. وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير في أبواب العدل.

٢٠٨

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال المستضعفون الذين « لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً » قال لا يستطيعون حيلة إلى الإيمان ولا يكفرون الصبيان وأشباه عقول الصبيان من الرجال والنساء.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المستضعف فقال هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر ولا يهتدي بها إلى سبيل الإيمان لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر قال والصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن جندب ، عن سفيان بن السمط البجلي قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في المستضعفين فقال لي شبيها بالفزع فتركتم أحدا يكون مستضعفا وأين المستضعفون؟

______________________________________________________

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

وقد مر الكلام فيه « وأشباه عقول الصبيان » أي أشباه الصبيان في العقول.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور معتبر عندي.

« يدفع بها عنه الكفر » أي شبه الكفر أو احتماله فيصير شاكا « ولا يهتدى بها » الضمير للحيلة « ولا يكفر » بالنصب أي ولا أن يكفر.

الحديث الرابع : مجهول.

وبجيلة قبيلة من اليمن والنسبة إليها بفتحتين كالحنفي بالنسبة إلى بني حنيفة ، وبجلة مثال تمرة قبيلة أيضا والنسبة إليها على لفظها.

« شبيها بالفزع » بكسر الزاي أي الخائف المضطرب ، وكان ذلك غيظا وإنكارا على أهل الإذاعة من الشيعة ، فإنهم لتركهم التقية أفشوا هذا الأمر حتى عرف الناس كلهم مذهب الشيعة حتى الجواري الباكرات المخدرات مع عدم خروجهن من الخدور ، والنساء السقايات اللواتي ليس شأنهن تفحص المذاهب ،

٢٠٩

فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهن وتحدث به السقايات في طريق المدينة.

٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عمر بن أبان قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستضعفين فقال هم أهل الولاية فقلت أي ولاية فقال أما إنها ليست بالولاية في الدين ولكنها الولاية في المناكحة

______________________________________________________

والسقايات بالياء جمع سقاءة بالهمزة ، وهذه الإذاعة صارت سببا للضرر على الأئمة وشيعتهم ولم ينفع لهداية الخلق ، وصارت سببا لصيرورة المستضعفين نواصب غير معذورين « وتركتم » استفهام للإنكار ، وكذا أين.

ثم اعلم أن المستضعف عند أكثر الأصحاب من لا يعرف الإمام ولا ينكره ، ولا يوالي أحدا بعينه كما ذكره الشهيد قدس‌سره في الذكرى ، وحكي عن المفيد في الغرية أنه عرفه بأنه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراءة ، وقال ابن إدريس : هو من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ، ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم ، وهذا أوفق بأخبار هذا الباب.

الحديث الخامس : صحيح.

« قال : هم أهل الولاية » لما كانت الولاية مجملة ، وكانت تحتمل ولاية أهلي البيت عليهم‌السلام قال السائل : أي ولاية؟ فقال عليه‌السلام أما إنها ليست بالولاية في الدين ، أي ولاية أئمة الحق ولو كانوا كذلك لكانوا مؤمنين ، أو المراد بالولاية في الدين الولاية التي تكون بين المؤمنين بسبب الاتحاد في الدين كما قال سبحانه : « الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ » (١) بل المراد أنهم قوم ليسوا بمتعصبين في مذهبهم ، ولا يبغضونكم بل يناكحونكم ويوارثونكم ويخالطونكم ، أو المعنى هم قوم يجوز لكم مناكحتهم ومعاشرتهم يرثون منكم وترثون منهم ، فيكون السؤال عن حكمهم

__________________

(١) سورة التوبة : ٧١.

٢١٠

والموارثة والمخالطة وهم ليسوابالمؤمنين ولا بالكفارومنهم المرجون « لِأَمْرِ اللهِ » عز وجل.

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى ، عن إسماعيل الجعفي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الدين الذي لا يسع العباد جهله فقال الدين واسع ولكن الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم قلت جعلت فداك فأحدثك بديني الذي أنا عليه فقال بلى فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله وأتولاكم وأبرأ من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم فقال ما جهلت شيئا هو والله الذي نحن

______________________________________________________

لاعن وصفهم وتعيينهم ، أو بين عليه‌السلام حكمهم ثم عرفهم بأنهم ليسوا بالمؤمنين إلى آخره ، والمرجون لأمر الله هنا أعم من المستضعفين ، وهذا معنى آخر غير ما مر.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور معتبر.

« الدين واسع » أي لا يتحقق الخروج من دين الإسلام بقليل من العقائد والأعمال كما هو مذهب الخوارج ، حيث حكموا بكفر مرتكب المعاصي ، وخاضوا في المسائل الدقيقة فجعلوها من أجزاء الإيمان.

قوله : والإقرار ، كان الواو بمعنى مع ، أو أشهد بتأويل أن المصدرية.

« ومن ركب رقابكم » أي استولى عليكم وظلمكم « وتأمر عليكم » أي عد نفسه أميرا وحاكما عليكم يقال أمرته تأميرا فتأمر « ما جهلت شيئا » أي من الأصول الضرورية « فهل سلم أحد » أي من عذاب الله أو الخلود في النار ، وأم أيمن مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي من شهود فدك ، وروى الخاصة والعامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنها من أهل الجنة ، قال في المغرب : الأيمن خلاف الأيسر وهو جانب اليمنى أو من فيه ، وبه سمي أم أيمن حاضنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي حافظته ، وهو أخو

٢١١

عليه قلت فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر فقال لا إلا المستضعفين قلت من هم قال نساؤكم وأولادكم ثم قال أرأيت أم أيمن فإني أشهد أنها من أهل الجنة وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن دراج قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني ربما ذكرت هؤلاء المستضعفين فأقول نحن وهم في منازل الجنة فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا يفعل الله ذلك بكم أبدا.

______________________________________________________

أسامة بن زيد لأمه ، انتهى.

« وما كانت تعرف ما أنتم عليه » أي إمامة سائر الأئمة عليهم‌السلام سوى أمير المؤمنين عليه‌السلام وكانت معذورة في ذلك لعدم سماعها ذلك وعدم تمام الحجة عليها ، فكذا المستضعف معذور لذلك أو صفات الأئمة وكمالهم ، أو لم تكن تعرف ذلك بالدليل بل بالتقليد ، وأما أصل معرفة إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام فعدم معرفتها ذلك بعيد جدا ، وكون أم أيمن امرأة أخرى معروفة للمخاطب سوى الحاضنة فأبعد.

الحديث السابع : صحيح.

« من عرف اختلاف الناس » أي أصل الاختلاف فإنه يجب حينئذ طلب الحق عقلا وشرعا ، أو المراد الفهم والإدراك لا مجرد السماع ، ولعله أظهر.

الحديث الثامن : صحيح أيضا.

« إني ربما ذكرت » أي نخاف أن يجعلنا الله بسبب ذنوبنا في درجة المستضعفين من المخالفين ، أو يشق علينا أنهم مع كونهم مخالفين يدخلون الجنة ويكونون معنا في منازلنا ، فقال عليه‌السلام : إن دخلوا الجنة لم يكونوا في درجاتكم ومنازلكم ، والخبر الآتي يؤيد الأول.

٢١٢

٩ ـ عنه ، عن علي بن الحسن التيمي ، عن أخويه محمد وأحمد ابني الحسن ، عن علي بن يعقوب ، عن مروان بن مسلم ، عن أيوب بن الحر قال قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام ونحن عنده جعلت فداك إنا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين قال فقال لا والله لا يفعل الله ذلك بكم أبدا.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن منصور الخزاعي ، عن علي بن سويد ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال سألته عن الضعفاء فكتب إلي الضعيف من لم ترفع إليه حجة ولم يعرف الاختلاف فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف.

١٢ ـ بعض أصحابنا ، عن علي بن الحسن ، عن علي بن حبيب الخثعمي ، عن أبي سارة إمام مسجد بني هلال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ليس اليوم مستضعف أبلغ الرجال الرجال والنساء النساء.

______________________________________________________

الحديث التاسع : سنده الأول موثق والثاني حسن كالصحيح.

الحديث العاشر : حسن كالصحيح.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

الحديث الثاني عشر : مجهول :

٢١٣

باب

المرجون لأمر الله

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ » (١) قال قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثم إنهم

______________________________________________________

باب المرجون لأمر الله

في القاموس : أرجأ الأمر أخره وترك الهمز لغة « وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ » مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد ، ومنه سميت المرجئة وإذا لم تهمز فرجل مرجي بالتشديد وإذا همزت رجل مرجىء كمرجع ، وهم المرجئة بالهمز والمرجئة بالياء مخففة لا مشددة.

الحديث الأول : ضعيف كالموثق.

« فقتلوا مثل حمزة وجعفر » لعل ذكر ذلك للإشعار بأن هذه الأعمال الشنيعة صارت أسبابا لعدم استقرار الإيمان في قلوبهم ، وعدم توفيقهم للإيمان الكامل ، أو هذا دليل على عدم رسوخ الإيمان فيهم إما لأن من كانت شقاوته وتعصبه بحيث اجترأ على قتل أمثال هؤلاء معلوم أنه لو آمن لم يكن إيمانه عن يقين كامل وإذعان قوي أو لأن من كان الله فيه لطف لا يتركه حتى يصدر منه مثل هذا العمل الشنيع ، ومن لم يكن لله معه لطف لا يوفقه للإيمان الكامل كما أنا لا نجوز صدور التوبة والإيمان عن قتلة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم ، وهذا قريب من الوجه الأول وفي غاية المتانة.

وقيل : لعل ذكر هذا القسم على سبيل التمثيل ويدل الحبر على أن قاتل حمزة لم تقبل توبته على الجزم والقطع ، والمشهور بين العامة أنه قبل توبته وأمره

__________________

(١) سورة التوبة : ١٠٧.

٢١٤

دخلوا في الإسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النار فهم على تلك الحال « إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ».

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن حسان ، عن موسى بن بكر الواسطي ، عن رجل قال قال أبو جعفر عليه‌السلام المرجون قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثم إنهم بعد ذلك دخلوا في الإسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يكونوا يؤمنون فيكونوا من المؤمنين ولم يؤمنوا فتجب لهم الجنة ولم يكفروا فتجب لهم النار فهم على تلك الحال « مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ».

______________________________________________________

بالخروج عن المدينة ، وقال : لا أستطيع أن أرى قاتل عمي ، ثم بقي حتى قتل مسيلمة الكذاب.

الحديث الثاني : ضعيف ، وهو مثل الأول متنا.

وقيل : لعل المراد بالإيمان الإيمان المقتضي لدخول الجنة كما يشعر به التفريع ، وهو الإيمان الكامل المستقر الموجب للأمن ، وبالكفر الجحود الموجب لدخول النار ، وعلى هذا يصدق المرجون على جميع الأقسام المذكورة سابقا.

٢١٥

باب

أصحاب الأعراف

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير وعلي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل جميعا ، عن زرارة قال قال لي أبو جعفر عليه‌السلام ما تقول في أصحاب الأعراف فقلت ما هم إلا مؤمنون أو كافرون إن دخلوا الجنة فهم مؤمنون وإن دخلوا النار فهم كافرون فقال والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ولو كانوا مؤمنين دخلوا الجنة كما دخلها المؤمنون ولو كانوا كافرين لدخلوا النار كما دخلها الكافرون ولكنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال وإنهم لكما قال الله عز وجل فقلت أمن أهل الجنة هم أو من أهل النار فقال اتركهم حيث تركهم الله قلت أفترجئهم قال نعم أرجئهم كما أرجأهم الله إن شاء أدخلهم الجنة برحمته وإن شاء ساقهم إلى النار بذنوبهم ولم يظلمهم فقلت هل يدخل الجنة كافر قال لا قلت هل يدخل النار إلا كافر قال فقال لا إلا أن يشاء الله يا زرارة إنني أقول ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله أما إنك إن كبرت رجعت وتحللت [ عنك ] عقدك.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن حسان ، عن موسى بن بكر ، عن رجل قال قال أبو جعفر عليه‌السلام الذين « خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً » فأولئك قوم مؤمنون يحدثون في إيمانهم من الذنوب التي يعيبها المؤمنون ويكرهونها فأولئك « عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ».

______________________________________________________

باب أصحاب الأعراف

الحديث الأول : موثق كالصحيح ، وهو جزء من الحديث الثاني من باب الضلال.

الحديث الثاني : ضعيف ، وهو تتمة الحديث الثاني من الباب السابق وذكره هنا يشعر بأن هذا الصنف عند المصنف من أهل الأعراف فهذه الأقسام عنده متداخلة.

٢١٦

باب

في صنوف أهل الخلاف وذكر القدرية والخوارج والمرجئة

وأهل البلدان

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن مروك بن عبيد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لعن الله القدرية لعن الله الخوارج لعن الله المرجئة لعن الله المرجئة قال قلت لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين قال إن هؤلاء

______________________________________________________

باب في صنوف أهل الخلاف

الحديث الأول : مرسل.

وقد عرفت أن القدرية تطلق على الجبرية وعلى التفويضية وكان المراد هنا الثاني ، قال علي بن إبراهيم في تفسيره : القدرية المعتزلة ، والرد من القرآن عليهم كثير ، لأن المعتزلة قالوا : نحن نخلق أفعالنا وليس لله فيها صنع ولا مشية ولا إرادة ، فيكون ما شاء إبليس ولا يكون ما شاء الله ، انتهى.

والمراد بالمرجئة الذين يقولون الإيمان محض العقائد ، وليس للأعمال فيها مدخل أصلا ، ولا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، ولا تفاوت في إيمان الناس ، قال صاحب الملل والنحل : الإرجاء على معنيين : أحدهما التأخير « قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ » (١) أي أمهله وأخره ، والثاني إعطاء الرجاء ، أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول صحيح ، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد ، وأما المعنى الثاني فظاهر فإنهم كانوا يقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وقيل : الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى الآخرة فلا يقضي عليه بحكم في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار ، فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان ، وقيل : الإرجاء تأخير علي عليه‌السلام

__________________

(١) سورة الأعراف : ١١١.

٢١٧

يقولون إن قتلتنا مؤمنون فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة إن الله حكى عن قوم في كتابه : « أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » قال كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا.

______________________________________________________

عن الدرجة الأولى إلى الدرجة الرابعة ، فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان ، والمرجئة أربعة أصناف : مرجئة الخوارج ومرجئة القدرية ، ومرجئة الجبرية ، والمرجئة الخالصة ، انتهى.

وقد مر بعض القول فيهم سابقا. والمراد هنا ما ذكرنا أولا فإنهم يحكمون بإيمان من آمن بالله ورسوله وإن قتلوا الأئمة وخيار المؤمنين ، فهم راضون بذلك ولا يبالون به ، ويحكمون بأن الله لا يعذب هؤلاء بفعلهم ، ولذا سموا مرجئة لإرجاء تعذيبهم على المعاصي ، ويمكن أن يكون المراد هنا مطلق المخالفين ، فإنهم على أصولهم الفاسدة يصوبون قتل من خرج على خلفاء الجور ، ولو كانوا من أئمة الدين وذرية سيد المرسلين ، فهم راضون بذلك ، وذكر الآية استشهاد بأن الراضي بالقتل والمصوب له حكمه حكم القاتل في الشقاوة والعقوبة.

ثم اعلم أن ذكر الآية نقل بالمعنى ، والآية في آل عمران هكذا : « الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ » (١) وقال البيضاوي : هم كعب بن الأشرف ومالك وحيي وفنحاص ووهب بن يهودا ، قالوا : إن الله أمرنا في التوراة وأوصانا بأن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لأنبياء بني إسرائيل ، وهو أن يقرب بقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار سماوية فتأكله ، وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم ، لأن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزة وسائر المعجزات شرع في ذلك « قل قد جاءكم » تكذيب وإلزام بأن رسلا جاءوهم بمثله قبله كزكريا ويحيى بمعجزات أخر موجبة للتصديق ، وبما اقترحوه

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٨٣.

٢١٨

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حكيم وحماد بن عثمان ، عن أبي مسروق قال سألني أبو عبد الله عليه‌السلام عن أهل البصرة ما هم فقلت مرجئة وقدرية وحرورية فقال لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن منصور بن يونس ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أهل الشام شر من أهل

______________________________________________________

فقتلوهم ، فلو كان الموجب للتصديق هو الإتيان به وكان توقفهم وامتناعهم عن الإيمان لأجله ، فما لهم لم يؤمنوا بمن جاء به في معجزات أخر واجترءوا على قتله.

الحديث الثاني : حسن.

وقد مر في باب الكفر ، والملل جمع الملة وهي الدين ، ووصفها بالكفر والشرك وعدم العبادة وصف مجازي لأن هذه الأوصاف لصاحب الملل حقيقة نسبت إلى الملل التي هي سبب لاتصاف صاحبها بها مبالغة في السببية ، كما أن لعن تلك الملل مبالغة في لعن صاحبها أيضا ، فالمراد بلعنها طردها عن طريق الحق وساحة القبول ونيل الرحمة ودخول الجنة.

الحديث الثالث : موثق.

ويحتمل أن يكون هذا الكلام في زمن بني أمية وأهل الشام من بني أمية وأتباعهم كانوا منافقين ، يظهرون الإسلام ، ويبطنون الكفر ، والمنافقون شر من الكفار وهم في الدرك الأسفل من النار ، وهم كانوا يسبون أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو الكفر بالله العظيم ، والنصارى لم يكونوا يفعلون ذلك ، ويحتمل أن يكون هذا مبنيا على أن المخالفين غير المستضعفين مطلقا شر من سائر الكفار كما يظهر من كثير من الأخبار ، والتفاوت بين أهل تلك البلدان باعتبار اختلاف رسوخهم في مذهبهم الباطل ، أو على أن أكثر المخالفين في تلك الأزمنة كانوا نواصب منحرفين عن أهل البيت عليهم‌السلام ، لا سيما أهل تلك البلدان الثلاثة ، واختلافهم في

٢١٩

الروم وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله جهرة.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال إن أهل مكة ليكفرون بالله جهرة وإن أهل المدينة أخبث من أهل مكة أخبث منهم سبعين ضعفا.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أهل الشام شر أم [ أهل ] الروم فقال إن الروم كفروا ولم يعادونا وإن أهل الشام كفروا وعادونا.

٦ ـ عنه ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن أبان بن عثمان ، عن

______________________________________________________

الشقاوة باعتبار اختلافهم في شدة النصب وضعفه ، ولا ريب في أن النواصب أخبث الكفار وكفر أهل مكة جهرة هو إظهارهم عداوة أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد بقي بينهم إلى الآن ، ويعدون يوم عاشوراء عيدا لهم بل من أعظم أعيادهم لعنة الله عليهم وعلى أسلافهم الذين أسسوا ذلك لهم.

وقيل : إنما نسب أهل مكة إلى الكفر لأنهم إذا عصوا أو عبدوا غير الله أو تولوا غير أولياء الله فقد ألحدوا وأشركوا ، لقوله تعالى : « وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ » (١) وروي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام في تفسير هذه الآية قال : من عبد فيه غير الله أو تولى فيه غير أولياء الله فهو ملحد بظلم ، وعلى الله أن يذيقه من عذاب أليم.

الحديث الرابع : كالسابق.

الحديث الخامس : حسن.

الحديث السادس : مجهول.

وكون المراد بالمرجئة هنا مطلق المخالفين أنسب لجمعية الملل ، فإنهم

__________________

(١) سورة الحجّ : ٢٥.

٢٢٠