مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٣

يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمد بن يوسف ، عن ميسر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب.

______________________________________________________

وغيبة الناس ، وفي الصحاح الوقيعة في الناس الغيبة ، والظاهر أن المراد بالمباهتة إلزامهم بالحجج القاطعة وجعلهم متحيرين لا يحيرون جوابا كما قال تعالى : « فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ » (١) ويحتمل أن يكون من البهتان للمصلحة فإن كثيرا من المساوي يعدها أكثر الناس محاسن خصوصا العقائد الباطلة ، والأول أظهر ، قال الجوهري : بهته بهتا أخذه بغتة ، وبهت الرجل بالكسر إذا دهش وتحير ، وفي المصباح بهت وبهت من بابي قرب وتعب دهش وتحير ، ويعدى بالحرف وبغيره ، فيقال : بهته يبهته بفتحتين ، فبهت بالبناء للمفعول « ولا يتعلموا » في أكثر النسخ ولا يتعلمون وهو تصحيف.

الحديث الخامس : مجهول.

لكن الظاهر أن ميسرا هو ابن عبد العزيز الثقة فهو موثق ، والمؤاخاة المصاحبة والصداقة بحيث يلازمه ويراعى حقوقه ، ويكون محل إسراره ويواسيه بماله وجاهه والفجور التوسع في الشر ، قال الراغب : الفجر شق الشيء شقا واسعا قال تعالى : « وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً » (٢) والفجور شق ستر الديانة يقال : فجر فجورا فهو فاجر وجمعه فجار وفجرة ، انتهى.

وتخصيص الكذاب مع أنه داخل في الفاجر لأنه أشد ضررا من سائر الفجار.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٨.

(٢) سورة القمر : ١٢.

٨١

٦ ـ عنه ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن سالم الكندي عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذا صعد المنبر قال ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة الماجن والأحمق والكذاب فأما الماجن فيزين لك فعله ويحب أن تكون مثله ولا يعينك على أمر دينك ومعادك ومقارنته جفاء وقسوة ومدخله ومخرجه عليك عار وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه وربما أراد منفعتك فضرك فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش

______________________________________________________

الحديث السادس : ضعيف.

وفي القاموس : مجن مجونا صلب وغلظ ، ومنه الماجن لمن لا يبالي قولا وفعلا كأنه صلب الوجه ، وقال الجوهري : المجون أن لا يبالي الإنسان ما صنع وكان المراد بالجفاء البعد عن الآداب الحسنة ، ويطلق في الأخبار على هذا المعنى كثيرا وهو الأنسب هنا ، ويمكن أن يكون المراد به أنه يوجب غلظ الطبع ، وترك الصلة والبر ، ومنه الحديث : من بدا جفا أي من سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس ، والجفاء غلظ الطبع.

« وقسوة » أي توجب القسوة ، والمدخل مصدر ميمي وكذا المخرج ، ويحتملان الإضافة إلى الفاعل وإلى المفعول أي دخولك عليه أو دخوله عليك ، وكذا المخرج « فإنه لا يشير عليك بخير » أي إذا شاورته « ولا يرجى لصرف السوء عنك » أي إذا ابتليت ببلية « ولو أجهد » أي أتعب نفسه فإن كل ذلك فرع العقل.

« وربما أراد منفعتك فضرك » لحمقه من حيث لا يشعر « فموته خير » لك « من حياته » في كل حال « وسكوته » عند المشورة وغيرها « خير » لك « من نطقه » « وبعده » عنك أو بعدك عنه « خير لك من قربه » فإن احتمال الضرر أكثر من النفع « لا يهنئك » بالهمز والقلب أيضا ، في المصباح هنؤ الشيء بالضم مع الهمز هناءة

٨٢

ينقل حديثك وينقل إليك الحديث كلما أفنى أحدوثة مطها بأخرى حتى إنه

______________________________________________________

بالفتح والمد تيسر من غير مشقة ولا عناء فهو هنيء ، ويجوز الإبدال والإدغام ، وهنا في الولد يهنؤني مهموز من بابي نفع وضرب ، أي سرني ويقول العرب في الدعاء ليهنئك الولد بهمزة ساكنة وبإبدالها ياءا وحذفها عامي ، ومعناه سرني فهو هاني وهنأني الطعام يهنؤني ساغ.

« ينقل حديثك وينقل إليك الحديث » أي يكذب عليك عند الناس ويكذب على الناس عندك ، فيفسد بينك وبينهم ، فقوله : كلما أفنى بيان مفسدة أخرى ، وهي عدم الاعتماد على كلامه ويحتمل أن يكون الجميع لبيان مفسدة واحدة وهو أن العمدة في منفعة الصديق أن يأتيك بكلام غيرك أو فعله وأن يبلغ رسالتك إلى غيره ، ولما كانت عادته الكذب لا تعتمد أنت على كلامه ولا غيرك فتنتفي الفائدتان هذا إذا لم يأت بما يوجب الإفساد والإغراء ، وإلا فمفسدته أشد فيكون قوله ويغري تأسيسا لا تأكيدا.

وفي القاموس : الحديث الخبر ، والجمع أحاديث شاذ ، والأحدوثة ما يتحدث به ، وفي الصحاح الحديث الخبر يأتي على القليل والكثير ، ويجمع على أحاديث على غير قياس ، قال الفراء : نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ، ثم جعلوه جمعا للحديث والأحدوثة ما يتحدث به ، وقال : مطه يمطه أي مده ، وفي القاموس مطه مده والدلو جذبه ، وحاجبيه وخده تكبر ، وأصابعه مدها مخاطبا بها ، وتمطط تمدد ، وفي الكلام لون فيه ، انتهى.

وسيأتي هذا الخبر بعينه في كتاب العشرة ، وفيه مطرها وفي القاموس : مطر بي وما مطر منه خيرا وبخير أي ما أصابه منه خير ، وتمطرت الطير أسرعت في هويتها كمطرت ، وعلى الأول الباء في قوله بأخرى للآلة ، وعلى الثاني للتعدية إلى المفعول الثاني « فما يصدق » على بناء المجهول من التفعيل ، وربما يقرأ على بناء المعلوم

٨٣

يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن عذافر ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن مسلم أو أبي حمزة ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما : يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم

______________________________________________________

كينصر أي أصل الحديث صادق ، فيمطها بكذب من عنده فلا يكون صادقا لذلك والأول أظهر ، وفي القاموس : أغرى بينهم العداوة ألقاها كأنه ألزقها بهم وقال الجوهري : أغريت الكلب بالصيد وأغريت بينهم.

وأقول : كان المعنى هنا يغري بينهم المخاصمات بسبب العداوة ، أو الباء زائدة وقد قال تعالى : « فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ » (١) ويظهر من بعضهم كالجوهري أن الإغراء بمعنى الإفساد ، فلا يحتاج إلى مفعول ، وفي بعض النسخ فيما سيأتي ويفرق بين الناس بالعداوة ، فلا يحتاج إلى تكلف ، وقال : السخيمة والسخمة بالضم الحقد.

« وانظروا لأنفسكم » أي اختاروا للمؤاخاة والمصاحبة غير هؤلاء حيث عرفتم ضرر مصاحبتهم ، أو لما نبهتكم على ضرر مصاحبة صاحب السوء فاتقوا عواقب السوء واختاروا للإخوة من لم تتضرروا بمصاحبتهم في الدين والدنيا وإن كان غير هؤلاء كما سيأتي أفراد أخر ، وقيل : المعنى فانظروا لأنفسكم ولا تقبلوا قول الكذاب ولا تعادوا الناس بقولهم ، وقد قال تعالى : « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا » (٢) ولا يخلو من بعد.

الحديث السابع : ضعيف.

__________________

(١) سورة المائدة : ١٤.

(٢) سورة الحجرات : ٦.

٨٤

ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق فقلت يا أبه من هم قال إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.

______________________________________________________

« فإنه » أي الكذاب « بمنزلة السراب » قال الراغب : السراب اللامع في المفازة كالماء ، وذلك لانسرابه في رأي العين ، ويستعمل السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة ، قال تعالى : « كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً » (١) وقال تعالى : « وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً » (٢) انتهى.

وقد يقال : المراد بالكذاب هنا من يكذب على الله ورسوله بالفتاوى الباطلة ويمكن أن يكون إشارة إلى قوله تعالى : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ » إلخ.

وقوله عليه‌السلام : يقرب ، استيناف لبيان وجه الشبه ، والمستتر فيه راجع إلى الكذاب والمعنى أنه بكذبه يقرب إليك البعيد عن الحق والواقع أو عن العقل ، وكذا العكس.

« فإنه بائعك » على صيغة اسم الفاعل أو فعل ماض من المبايعة بمعنى البيعة ، والأول أظهر ، والأكلة إما بالفتح أي بأكلة واحدة أو بالضم أي لقمة ، قال الجوهري : أكلت الطعام أكلا ومأكلا ، والأكلة المرة الواحدة حتى تشبع ، والأكلة بالضم اللقمة ، تقول : أكلت أكلة واحدة ، أي لقمة ، وهي القرصة أيضا ، وهذا الشيء أكلة لك أي طعمة ، انتهى.

وقد يقرأ بأكله بالإضافة إلى الضمير الراجع إلى الفاسق ، كناية عن مال الدنيا ،

__________________

(١) سورة النور : ٣٩.

(٢) سورة النبأ : ٢٠.

٨٥

وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع قال الله عز وجل : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ

______________________________________________________

فقوله : وأقل من ذلك ، الصيت والذكر عند الناس وهو بعيد ، والأول أصوب كما روي في النهج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال لابنه الحسن : يا بني إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه وإياك مصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه ، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عنك القريب ، والتافه : اليسير الحقير ، وذلك لأنه لا يخاف الله ويسهل عليه خلاف الديانة فلا يحفظ حق المصادقة « فإنه يخذلك في ماله » أي يترك نصرتك بسبب ماله « أحوج ما تكون إليه » قيل : أحوج منصوب بنيابة ظرف الزمان لإضافته إلى المصدر ، لكون ما مصدرية ، وكما أن المصدر يكون نائبا لظرف الزمان مثل رأيته قدوم الحاج كذلك يكون المضاف إليه أيضا نائبا وتكون تامة ، ونسبة الحاجة إلى المصدر مجاز ، والمقصود نسبته إلى الفاعل ، وإليه متعلق بالأحوج والضمير راجع إلى البخيل أو إلى ماله وقيل : أحوج منصوب على الحال من الكاف.

« في ثلاث مواضع » كذا في أكثر النسخ وكان تأنيثه بتأويل المواضع بالآيات ، وفي بعضها في ثلاثة وهو أظهر « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ » قال البيضاوي : أي توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم ، أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام » « أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » « تناجزا عن الولاية وتجاذبا لها أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور والمقاتلة مع الأقارب ، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم : هل عسيتم » أولئك المذكورون الذين لعنهم الله لإفسادهم وقطعهم الأرحام فأصمهم عن استماع الحق وقبوله وأعمى أبصارهم فلا يهتدون إلى سبيله.

٨٦

وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ » (١) وقال « الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ

______________________________________________________

« الَّذِينَ يَنْقُضُونَ » في الرعد « والذين » وحذف العاطف سهل ، لكن ليس في بعض النسخ « وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ » وكأنه من النساخ لوجوده في أكثر النسخ.

وفي كتاب الاختصاص وغيره « عهد الله » قيل : لله تعالى عهود ، عهد أخذه بالعقل على عباده بإراءة آياته في الآفاق والأنفس ، وبما ذكر من إقامة الحجة على وجود الصانع وقدرته وعلمه وحكمته وتوحيده ، وعهد أخذه عليهم بأن يقروا بربوبيته فأقروا ، وقالوا بلى حين قال : ألست بربكم ، وعهد أخذه على أهل الكتاب في الكتب المنزلة على أنبيائهم بتصديق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعهد أخذه على الأمم أن يصدقوا نبيا بعث إليهم بالمعجزات ويتبعوه ولا يخالفوا حكمه ، وعهد أخذه عليهم بالولاية للأوصياء ، وعهد أخذه على العلماء بأن يعلموا الجهال ويبينوا ما في الكتاب ولا يكتموه ، وعهد أخذه على النبيين بأن يبلغوا الرسالة ويقيموا الذين ولا يتفرقوا فيه ، وقد وقع النقض في جميع ذلك إلا في الأخير.

والضمير في ميثاقه للعهد ، وقال المفسرون : هو اسم لما تقع به الوثاقة وهي الاستحكام والمراد به ما وثق الله به عهده من الآيات والكتب ، أو ما وثقوه به من الالتزام والقبول وأن يوصل في محل الخفض على أنه بدل الاشتمال من ضمير به ، وفي تفسير الإمام عليه‌السلام في تفسير آية البقرة « الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ » المأخوذ عليهم لله بالربوبية ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوة ، ولعلي بالإمامة ولشيعتهما بالمحبة والكرامة « مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ » أي إحكامه وتغليظه « وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » من الأرحام والقرابات أن يتعاهدهم وأفضل رحم وأوجبهم حقا رحم محمد فإن حقهم محمد كما أن قرابات الإنسان بأبيه وأمه ، ومحمد أعظم حقا من أبويه ، كذلك حق رحمه أعظم وقطيعته أفظع وأفضح؟.

« وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ » بالبراءة فمن فرض الله إمامته ، واعتقاد إمامة من قد

__________________

(١) سورة محمّد : ٢٣.

٨٧

أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ » (١) وقال في البقرة « الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (٢).

______________________________________________________

فرض الله مخالفته « أُولئِكَ » أهل هذه الصفة « هُمُ الْخاسِرُونَ » خسروا أنفسهم لما صاروا إليه من النيران ، وحرموا الجنان ، فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد ، وحرمتهم نعيم الأبد.

وقيل في « يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » : يدخل فيه التفريق بين الأنبياء والكتب في التصديق وترك موالاة المؤمنين ، وترك الجمعة والجماعات المفروضة ، وسائر ما فيه رفض خيرا وتعاطى شر فإنه يقطع الوصلة بين الله وبين العبد التي هي المقصودة بالذات من كل وصل وفصل ، وقوله عليه‌السلام : وجدته ملعونا في ثلاثة مواضع اللعن في الآية الأولى والثانية ظاهر ، وأما الثالثة فلاستلزام الخسران لا سيما على ما فسره الإمام عليه‌السلام اللعن والبعد من رحمة الله ، والله سبحانه في أكثر القرآن وصف الكفار بالخسران ، فقد قال تعالى : « أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (٣). وقال : « فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ » (٤) وقال بعد ذكر الكفار : « لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ » (٥) وقال : « فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (٦) وقال : « وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (٧) وقال : « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (٨) وقال : « وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (٩) وقال : « قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ

__________________

(١) سورة الرعد : ٢٤.

(٢) سورة البقرة : ٢٧.

(٣) سورة التوبة : ٦٩.

(٤) سورة الأعراف : ٩٩.

(٥) سورة النحل : ١٠٩.

(٦) سورة الأنفال : ٣٧.

(٧) سورة الأعراف : ١٧٨.

(٨) سورة العنكبوت : ٥٩.

(٩) سورة البقرة : ١٢١.

٨٨

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن شعيب العقرقوفي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ

______________________________________________________

يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ » (١) وقال : « وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ » (٢)وقال : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (٣) وقال : « لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » (٤) وقال « وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ » (٥) وقال : « وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ » (٦).

الحديث الثامن : صحيح.

« وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ » يعني في القرآن وكأنه إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام : « وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (٧) فإن الأنعام مكية ، وهذه الآية في سورة النساء وهي مدنية وكأنه عليه‌السلام لذلك اختار هذه الآية لإشارتها إلى الآية الأخرى أيضا ، وتتمة الآية « فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً » ، « أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ » قيل : « أن » مفسرة ، وقال البيضاوي : محففة ، والمعنى أنه إذا سمعتم آيات الله ، وقد ورد في الأخبار الكثيرة أن آيات الله الأئمة عليهم‌السلام أو الآيات النازلة فيهم وقال علي بن إبراهيم هنا : آيات الله هم الأئمة عليهم‌السلام.

__________________

(١) سورة الزمر : ١٥.

(٢) سورة يونس : ٩٥.

(٣) سورة الزمر ٦٣.

(٤) سورة الزمر ٦٥.

(٥) سورة آل عمران : ٨٥.

(٦) سورة المائدة : ٥.

(٧) الآية ٦٨.

٨٩

أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها » إلى آخر الآية (١) فقال إنما عنى بهذا [ إذا سمعتم ] الرجل [ الذي ] يجحد الحق ويكذب به ويقع في الأئمة فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الأعلى بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » فلا يجلس مجلسا ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن.

______________________________________________________

« يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها » قال البيضاوي : حالان من الآيات جيء بهما لتقييد النهي عن المجالسة في قوله : « فَلا تَقْعُدُوا » إلخ ، الذي هو جزاء الشرط بما إذا كان من يجالسه هازئا معاندا غير مرجو ، ويؤيده الغاية ، والضمير في معهم للكفرة المدلول عليهم بقوله : يكفر بها ويستهزئ بها « إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ » في الإثم لأنكم قادرون على الإعراض عنهم والإنكار عليهم أو الكفر إن رضيتم بذلك أو لأن الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأخبار كانوا منافقين ، ويدل عليه « إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً » يعني القاعدين والمقعود معهم ، انتهى.

وفي الآية إيماء إلى أن من يجالسهم ولا ينهاهم هو من المنافقين كائنا من كان ، أي سواء كان من أقاربك أم من الأجانب ، وسواء كان ظاهرا من أهل ملتك أم لا ، وسواء كان معدودا ظاهرا من أهل العلم أم لا ، وسواء كان من الحكام أو غيرهم إذا لم تخف ضررا.

الحديث التاسع : مجهول بعبد الأعلى ، وقد يعد حسنا لمدح فيه رواه نفسه.

« فلا يجلس » بالجزم أو الرفع ، وكأنه إشارة إلى قوله تعالى : « لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ » (٢) وفيه زجر عظيم عن

__________________

(١) سورة النساء : ١٣٧.

(٢) سورة المجادلة : ٢٢.

٩٠

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » فلا يقوم مكان ريبة.

______________________________________________________

استماع غيبة المؤمن حيث عادلة بانتقاص الإمام ، يقال : فلان ينتقص فلانا أي يقع فيه ويذمه.

الحديث العاشر : ضعيف.

« مكان ريبة » أي مقام تهمة وشك ، وكان المراد النهي عن حضور موضع يوجب التهمة بالفسق أو الكفر أو بذمائم الأخلاق أعم من أن يكون بالقيام أو المشي أو القعود أو غيرها ، فإنه يتهم بتلك الصفات ظاهرا عند الناس وقد يتلوث به باطنا أيضا كما مر ، قال في المغرب : رابه ريبا شككه ، والريبة الشك والتهمة ، ومنها الحديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الكذب ريبة ، وإن الصدق طمأنينة أي ما يشك ويحصل فيك الريبة ، وهي في الأصل قلق النفس واضطرابها ، ألا ترى كيف قابلها بالطمأنينة وهي السكون ، وذلك أن النفس لا تستقر متى شكت في أمر ، وإذا أيقنته سكنت واطمأنت ، انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد به المنع عن مجالسة أرباب الشكوك والشبهات الذين يوقعون الشبهة في الدين ، ويعدونها كياسة ودقة فيضلون الناس عن مسالك أصحاب اليقين كأكثر الفلاسفة والمتكلمين ، فمن جالسهم وفاوضهم لا يؤمن بشيء بل يحصل في قلبه مرض الشك والنفاق ، ولا يمكنه تحصيل اليقين في شيء من أمور الدين ، بل يعرضه إلحاد عقلي لا يتمسك عقله بشيء ، ولا يطمئن في شيء ، كما أن الملحد الديني لا يؤمن بملة ، فهم كما قال تعالى : « فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً » (١) وأكثر أهل زماننا سلكوا هذه الطريقة ، وقلما يوجد مؤمن على الحقيقة أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين من ذلك ، وحفظنا عن جميع المهالك.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠.

٩١

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الأعلى قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن في مجلس يعاب فيه إمام أو ينتقص فيه مؤمن.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعد ، عن محمد بن مسلم ، عن إسحاق بن موسى قال حدثني أخي وعمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ثلاثة مجالس

______________________________________________________

الحديث الحادي عشر : مجهول أو حسن وقد تقدم مثله بتغيير ما في المتن والسند.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وكان المراد بالأخ الرضا عليه‌السلام ، لأن الشيخ عد إسحاق من أصحابه عليه‌السلام وبالعم علي بن جعفر ، وكأنه كان عن أبي عبد الله عليه‌السلام فظن الرواة أنه زائد فأسقطوه وإن أمكن رواية علي بن جعفر عن أبيه ، والرضا عليه‌السلام لا يحتاج إلى الواسطة في الرواية ، والمراد بالنقمة أما العقوبة الدنيوية أو اللعنة والحكم باستحقاق العقوبة الأخروية ، وقوله : ولا تجالسوهم إما تأكيد لقوله فلا تقاعدوهم ، أو المراد بالمقاعدة مطلق القعود مع المرء وبالمجالسة الجلوس معه على وجه الموادة والمصاحبة والمؤانسة كما يقال فلان أنيسه وجليسه ، فيكون ترقيا من الأدون إلى الأعلى كما هو عادة العرب ، وعليه جرى قوله تعالى : « وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ » (١) وقوله سبحانه : « لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ » (٢).

ويحتمل العكس أيضا بأن يكون المراد بالمقاعدة من يلازم القعود كقوله تعالى : « عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ » (٣) أو يكون المراد بأحدهما حقيقة المقاعدة وبالأخرى مطلق المصاحبة.

__________________

(١) سورة يونس : ٦١.

(٢) سورة البقرة : ٢٥٥.

(٣) سورة ق : ١٧.

٩٢

يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه ومجلسا ذكر أعدائنا فيه جديد وذكرنا فيه رث ومجلسا فيه من يصد عنا وأنت تعلم قال ثم تلا أبو عبد الله عليه‌السلام ثلاث آيات من كتاب الله كأنما كن في فيه أو قال [ في ] كفه : « وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ

______________________________________________________

وقد ذكروا وجوها من الفرق بين القعود والجلوس لكن مناسبته لهذا المقام محل تأمل ، وإن أمكن تحصيلها بتكلف ، قال في المصباح : الجلوس غير القعود ، فالجلوس هو الانتقال من سفل إلى علو والقعود هو الانتقال من علو إلى سفل ، فعلى الأول يقال لمن هو نائم أو ساجد اجلس ، وعلى الثاني لمن هو قائم أقعد وقد يكون جلس بمعنى قعد متربعا ، وقد يفارقه ، ومنه جلس بين شعبها أي حصل وتمكن ، إذ لا يسمى هذا قعودا فإن الرجل حينئذ يكون معتمدا على أعضائه الأربع ، ويقال : جلس متكئا ولا يقال قعد متكئا بمعنى الاعتماد على أحد الجانبين.

وقال الفارابي وجماعة : الجلوس نقيض القيام فهو أعم من القعود ، وقد يستعملان بمعنى الكون والحصول فيكونان بمعنى واحد ، ومنه يقال : جلس متربعا ، وقعد متربعا ، والجليس من يجالسك ، فعيل بمعنى فاعل.

« في فتياه » قيل : في للتعليل ، ونحو قوله : « فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ » (١) وقال الجوهري : الرث الشيء البالي ، وقال : صد عنه صدودا أعرض ، وصده عن الأمر صدا منعه وصرفه عنه ، والمراد بمن يصد عنهم أعم من ذلك المجلس وغيره ، لقوله : وأنت تعلم ، أي وأنت تعلم أنه ممن يصد عنا ، فإن لم تعلم فلا حرج عليك في مجالسته.

« قال ثم تلا » الضمير في قال هنا وفيما سيأتي راجع إلى كل من الأخ والعم ، ولذلك تكلف بعضهم وقال : الأخ والعم واحد ، والمراد الأخ الرضاعي ولا يخفى بعده ، « أو قال كفه » الترديد من الراوي أي أو قال مكان في فيه في كفه ،

__________________

(١) سورة يوسف : ٣٢.

٩٣

______________________________________________________

وعلى التقديرين الغرض التعجب من سرعة الاستشهاد بالآيات بلا تفكر وتأمل.

وترتيب الآيات على خلاف ترتيب المطالب ، فالآية الثالثة للكذب في الفتيا ، والأولى للثاني ، إذ قد ورد في الأخبار أن المراد بسب الله سب أولياء الله ، وإذا جلس مجلسا يذكر فيه أعداء الله فإما أن يسكت فيكون مداهنا أو يتعرض لهم فيدخل تحت الآية ، وسيأتي في الروضة في حديث طويل عن الصادق عليه‌السلام : وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم ، وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا بغير علم ، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله ، كيف هو أنه من سب أولياء الله فقد انتهك سب الله ، ومن أظلم عند الله ممن استسب لله ولأوليائه ، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وروى العياشي عنه عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال : أرأيت أحدا يسب الله؟ فقال : لا وكيف؟ قال : من سب ولي الله فقد سب الله؟

وفي الاعتقادات عنه عليه‌السلام أنه قيل له : إنا نرى في المسجد رجلا يعلن بسب أعدائكم ويسبهم؟ فقال : ما له لعنه الله ، تعرض بنا ، قال الله : « وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ » الآية ، قال : وقال الصادق عليه‌السلام في تفسير هذه الآية : لا تسبوهم فإنهم يسبوا عليكم ، وقال : من سب ولي الله فقد سب الله ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : من سبك فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله ، ومن سب الله فقد كبه الله على منخريه في النار.

والآية الثانية للمطلب الثالث إذ قد ورد في الأخبار أن المراد بالآيات الأئمة عليهم‌السلام ، وروى علي بن إبراهيم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم ، إن الله تعالى يقول

٩٤

فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ » (١) « وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ » (٢) « وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ » (٣).

______________________________________________________

في كتابه : « وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا » الآية ، وقيل : الأولى للثالث ، والثانية للثاني ، وقال : الخوض في شيء الطعن فيه كما قال تعالى : « وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ » (٤) ولنرجع إلى تفسير الآيات على قول المفسرين : « وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » ، قالوا أي لا تذكروا آلهتهم التي يعبدونها فيها من القبائح « فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً » أي تجاوزا عن الحق إلى الباطل « بِغَيْرِ عِلْمٍ » أي على جهالة بالله وما يجب أن يذكربه.

وأقول : على تأويلهم عليهم‌السلام يحتمل أن يكون المعنى بغير علم أن سب أولياء الله سب لله « وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا » قالوا » أي بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها « فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » أي فلا تجالسهم وقم عنهم « حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ » قيل : أعاد الضمير على معنى الآيات لأنها القرآن ، وقيل في قوله « فِي آياتِنا » حذف مضاف ، أي حديث آياتنا بقرينة قوله في حديث غيره ، وقال بعد ذلك : « وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ » بأن يشغلك بوسوسته حتى تنسى النهي « فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى » أي بعد أن تذكره « مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » أي معهم بوضع الظاهر موضع المضمر دلالة على أنهم ظلموا بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والاستعظام.

« وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ » قيل : اللام للتعليل ومتعلق بالنهي عنه في لا تقولوا ، وما مصدرية ، قال البيضاوي : انتصاب الكذب بلا تقولوا و « هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ » بدل منه أو متعلق بتصف على إرادة القول أي لا تقولوا الكذب لما تصف

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٠٨.

(٢) سورة الأنعام : ٦٨.

(٣) سورة النحل : ١١٦.

(٤) سورة المدّثّر : ٤٥.

٩٥

١٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن مسلم ، عن داود بن فرقد قال حدثني محمد بن سعيد الجمحي قال حدثني هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا ابتليت بأهل النصب ومجالستهم فكن كأنك على الرضف حتى تقوم فإن الله يمقتهم ويلعنهم فإذا رأيتهم يخوضون في ذكر إمام من الأئمة فقم فإن سخط الله ينزل هناك عليهم.

١٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد

______________________________________________________

ألسنتكم فتقولوا هذا حلال وهذا حرام ، أو مفعول لا تقولوا ، أو الكذب منتصب بتصف وما مصدرية أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب أي لا تحرموا ولا تحلوا بمجرد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل.

ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب ، كان حقيقة الكذب كانت مجهولة ، وألسنتهم تصفها وتعرفها بكلامهم ، هذا ولذلك عد من من فصيح الكلام كقولهم وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر « لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ » تعليل لا يتضمن الغرض كما في قوله « لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً » (١).

الحديث الثالث عشر : مجهول.

وفي النهاية في حديث الصلاة كان في التشهد الأول « كأنه على الرضف » الرضف الحجارة المحماة علي النار ، واحدتها رضفة ، انتهى.

وسخط الله لعنهم والحكم بعذابهم وخذلانهم ، ومنع الألطاف عنهم ، فإذا نزل يمكن أن يشمل من قارنهم وقاربهم فيجب الاحتراز عن مجالستهم إذا لم تكن تقية.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

ويدل على تحريم الجلوس مع النواصب وإن لم يسبوا في ذلك المجلس وهو أيضا محمول على غير التقية.

__________________

(١) سورة القصص : ٨.

٩٦

الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قعد عند سباب لأولياء الله فقد عصى الله تعالى.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من قعد في مجلس يسب فيه إمام من الأئمة يقدر على الانتصاف فلم يفعل ألبسه الله الذل في الدنيا وعذبه في الآخرة وسلبه صالح ما من به عليه من معرفتنا.

١٦ ـ الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن علي بن محمد بن سعد ، عن محمد بن مسلم ، عن الحسن بن علي بن النعمان قال حدثني أبي علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن اليمان بن عبيد الله قال رأيت يحيى ابن أم الطويل وقف

______________________________________________________

الحديث الخامس عشر : مجهول.

والانتصاف الانتقام ، وفي القاموس : انتصف منه استوفى حقه منه كاملا حتى صار كل على النصف سواء ، وتناصفوا أنصف بعضهم بعضا ، انتهى.

والانتصاف أن يقتله إذا لم يخف على نفسه أو عرضه أو ماله أو على مؤمن آخر ، وإضافة صالح إلى الموصول بيانية فيفيد سلب أصل المعرفة بناء على أن من للبيان ، ويحتمل التبعيض أي من أنواع معرفتنا فيفيد سلب الكمال ، ويحتمل التعليل أي الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة التي أعطاه يسبب المعرفة ، ويحتمل أن تكون الإضافة لامية فيرجع إلى الأخير والأول أظهر.

الحديث السادس عشر : مجهول.

ويحيى بن أم الطويل من أصحاب الحسين ، وقال الفضل بن شاذان : لم يكن في زمن علي بن الحسين عليه‌السلام في أول أمره إلا خمسة أنفس ، وذكر من جملتهم يحيى بن أم الطويل ، وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ارتد الناس بعد الحسين عليه‌السلام إلا ثلاثة ، أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم ، ثم إن

٩٧

بالكناسة ثم نادى بأعلى صوته معشر أولياء الله إنا برآء مما تسمعون من سب عليا عليه‌السلام فعليه لعنة الله ونحن برآء من آل مروان وما يعبدون من دون الله ثم يخفض صوته فيقول من سب أولياء الله فلا تقاعدوه ومن شك فيما نحن عليه فلا تفاتحوه ومن احتاج إلى مسألتكم من إخوانكم فقد خنتموه ثم يقرأ : « إِنَّا

______________________________________________________

الناس لحقوا وكثروا ، وفي رواية أخرى مثله ، وزاد فيها وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام أن الحجاج طلبه وقال : تلعن أبا تراب وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله.

وأقول : كان هؤلاء الأجلاء من خواص أصحاب الأئمة عليهم‌السلام كانوا مأذونين من قبل الأئمة عليهم‌السلام بترك التقية لمصلحة خاصة خفية ، أو أنهم كانوا يعلمون أنه لا ينفعهم التقية وأنهم يقتلون على كل حال بأخبار المعصوم أو غيره ، والتقية إنما تجب إذا نفعت مع أنه يظهر من بعض الأخبار أن التقية إنما تجب إبقاء للدين وأهله ، فإذا بلغت الضلالة حدا توجب اضمحلال الدين بالكلية فلا تقية حينئذ وإن أوجب القتل كما أن الحسين عليه‌السلام لما رأى انطماس آثار الحق رأسا ترك التقية والمسالمة.

وقال الفيروزآبادي : الكناسة بالضم موضع بالكوفة ، والبراء إما بالفتح مصدر ، والحمل للمبالغة ، أو بالضم أو الكسر جمع بريء ، أو كعلماء جمعه أيضا كما مر.

« مما تسمعون » أي من سب أمير المؤمنين عليه‌السلام ومدح أئمة الجور « وما يعبدون من دون الله » إشارة إلى أنهم على كفرهم الأصلي يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، أو إلى أن تركهم الطاعة لأئمة المنصوبين من قبل الله وطاعتهم خلفاء الجور بمنزلة الشرك ، فالمراد بمن يعبدون من دون الله الطواغيت.

« ثم يخفض » ذكر المضارع مكان الماضي للإشعار بتكرر وقوع ذلك منه « فيما نحن عليه » أي مذهب الإمامية.

٩٨

أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً » (١).

______________________________________________________

وقال في النهاية : الفتح الحكم ، ومنه حديث ابن عباس : ما كنت أدري ما قوله عز وجل « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا » (٢) حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك ، أي أحاكمك ، ومنه الحديث : لا تفاتحوا أهل القدر ، أي لا تحاكموهم ، وقيل : لا تبتدئوهم بالمجادلة والمناظرة ، وفي القاموس : فاتح جامع وقاضي ، وتفاتحا كلاما بينهما تحافتا دون الناس « فقد خنتموه » الغرض الحث على الإعطاء قبل سؤالهم حتى لا يحتاجوا إلى المسألة ، فإن العطية بعد السؤال جزاؤه كما قاله الحكماء ، ووردت به الأخبار وقيل : المعنى إن لم تعطوه فقد خنتموه وهو بعيد.

« أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها » في القاموس : السرادق كلما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء ، وقال البيضاوي : أي فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار ، وقيل : السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط ، وقيل : سرادقها دخانها وقيل : حائط من نار « وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا » من العطش « كَالْمُهْلِ » أي كالجسد المذاب وقيل : كدردي الزيت « يَشْوِي الْوُجُوهَ » إذا قدم ليشرب من فرط حرارته « بِئْسَ الشَّرابُ » المهل « وَساءَتْ » النار « مُرْتَفَقاً » أي متكئا ، وأصل الاتفاق نصب المرفق تحت الخد ، وهو لمقابلة قوله : وحسنت مرتفقا ، وإلا فلا ارتفاق لأهل النار.

__________________

(١) سورة التوبة : ١٨.

(٢) سورة الأعراف : ٨٩.

٩٩

باب

أصناف الناس

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن سليم مولى طربال قال حدثني هشام ، عن حمزة بن الطيار قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام الناس على ستة أصناف قال قلت أتأذن لي أن أكتبها قال نعم قلت ما أكتب؟

______________________________________________________

باب أصناف الناس

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« الناس ستة أصناف » قيل : لعل وجه الحصر أن الناس إما مؤمن أو كافر أو لا هذا ولا ذاك ، والأخير هم المستضعفون الذين لا يقرون بالحق ولا ينكرونه ، والثاني هم أهل النار قطعا ، والأول إما مؤمن كامل سابق بالخيرات لم يصدر منه ذنب أصلا أولا ، والأول هم أهل الجنة قطعا ، والثاني إما أن يتوب عن ذنبه أو لا والأول هم « آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ » أي يقبل توبتهم ، والثاني إما أن تغلب حسناته على سيئاته أو لا ، والأول هم « آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ » والثاني هم أصحاب الأعراف ، انتهى.

وأقول : قد عرفت أن مصطلح الآيات والأخبار في الإيمان والكفر غير مصطلح المتكلمين ، وأن المؤمن غالبا يطلق على من صحت عقائده وعمل بفرائض الله واجتنب الكبائر ، فهو من أهل الوعد بالجنة ، ويدخلها البتة ويقابله أقسام كثيرة ، فلذا تنقسم الفرق ستة أقسام ، فالأول والثاني أهل الوعد والوعيد ، اكتفي بأحدهما تغليبا ، وفي بعض النسخ الوعد لذلك ، وفي بعضها الوعدين وهو أظهر ، أي الذين

١٠٠