مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٩

قيل وكيف ذاك يا رسول الله قال لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن سوء الخلق ليفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل.

٤ ـ عنه ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عبد الله بن عثمان ، عن الحسين بن مهران ، عن إسحاق بن غالب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من ساء خلقه عذب نفسه.

______________________________________________________

وسببه ، مع أن باب التوبة مفتوح للمذنبين ، والله عز وجل « يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ » والجواب أن الخلق السيء يمنع صاحبه من التوبة ، ومن البقاء عليها لو تاب ، حتى إذا تاب من ذنب وقع عقبه في ذنب أعظم منه ، لأن ذلك الخلق إذا لم يعالج يعظم ويشتد يوما فيوما ، فالذنب الآخر أعظم من الأول ، وإنما يتحقق تخلصه بمعالجة هذه الرذيلة بمعالجات علمية وعملية ، كما هو المعروف في معالجة سائر الصفات الذميمة ، وقيل : كونه أعظم لأن نقض التوبة ذنب مقرون بذنب آخر ، وهما أعظم من الأول وله وجه ، ولكن الأول أظهر.

الحديث الثالث : مرسل وقد مر.

الحديث الرابع : ضعيف.

« عذب نفسه » لأن نفسه منه في تعب ، إذ هيجان الغضب والحركات الروحانية والجسمانية مما يضر ببدنه وروحه ، ويندم عما فعل بعد سكون الغضب ويلوم نفسه وأيضا لا يتحمل الناس منه ذلك غالبا ويؤذونه ويهجرون عنه ، ولا يعينونه في شيء ، ولما كان هو الباعث لذلك كأنه عذب نفسه.

ثم اعلم أنه يمكن أن يكون المراد بهذا الخبر وأشباهه مطلق الأخلاق السيئة كالكبر والحسد والحقد وأشباهها ، فإنها كلها مما يوقع الإنسان في المفاسد العظيمة الدنيوية أيضا ، ويورث ضعف الإيمان ونقص الأعمال ، وقد أول بعض

٢٦١

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن يحيى بن عمرو ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أوحى الله عز وجل إلى بعض أنبيائه الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.

(باب السفه)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي غرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن السفه خلق لئيم يستطيل على

______________________________________________________

المحققين قوله تعالى : « وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ » (١) بذلك.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

باب السفه

الحديث الأول : ضعيف.

والسفه خفة العقل ، والمبادرة إلى سوء القول والفعل بلا روية ، وفي النهاية السفه في الأصل الخفة والطيش ، وسفه فلان رأيه إذا كان مضطربا لا استقامة له ، والسفيه الجاهل ، وفي القاموس : السفه محركة خفة الحلم أو نقيضه ، أو الجهل وسفه ـ كفرح وكرم ـ علينا جهل كتسافه ، فهو سفيه ، والجمع سفهاء وسافهه شاتمه وسفه صاحبه كنصر غلبه في المسافهة ، انتهى.

وقوله : خلق لئيم بضم الخاء وجر لئيم بالإضافة فالوصفان بعده للئيم ، ويمكن أن يقرأ لئيم بالرفع على التوصيف فيمكن أن يقرأ بكسر الفاء وفتحها وضم الخاء وفتحها ، فالإسناد على أكثر التقادير في الأوصاف على التوسع والمجاز ، أو يقدر مضاف في السفه على بعض التقادير ، أو فاعل لقوله : يستطيل أي صاحبه فتفطن.

وقيل : السفه قد يقابل الحكمة الحاصلة بالاعتدال في القوة العقلية ، وهو

__________________

(١) سورة التوبة : ٤٩.

٢٦٢

من [ هو ] دونه ويخضع لمن [ هو ] فوقه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن أبي المغراء ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا تسفهوا فإن أئمتكم ليسوا بسفهاء.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام من كافأ السفيه بالسفه فقد رضي بما أتى إليه حيث احتذى مثاله.

______________________________________________________

وصف للنفس يبعثها على السخرية والاستهزاء والاستخفاف والجزع والتملق وإظهار السرور عند تألم الغير والحركات الغير المنتظمة ، والأقوال والأفعال التي لا تشابه أقوال العقلاء وأفعالهم ، ومنشأه الجهل وسخافة الرأي ، ونقصان العقل ، وقد يقابل الحلم بالاعتدال في القوة الغضبية ، وهو وصف للنفس يبعثها على البطش والضرب والشتم والخشونة ، والتسلط والغلبة والترفع ومنشأه الفساد في تلك القوة ، وميلها إلى طرف الإفراط ، ولا يبعد أن ينشأ من فساد القوة الشهوية أيضا انتهى.

وأقول : الظاهر أن المراد به مقابل الحلم كما مر في حديث جنود العقل والجهل.

الحديث الثاني : مرسل.

« لا تسفهوا » نقل عن المبرد وتغلب أن سفه بالكسر متعد ، وبالضم لازم فإن كسرت الفاء هنا كان المفعول محذوفا ، أي لا تسفهوا أنفسكم ، والخطاب للشيعة كلهم ، والغرض من التعليل هو الترغيب في الأسوة ، وكأنه تنبيه على أنكم إن سفهتم نسب من خالفكم السفه إلى أئمتكم كما ينسب الفعل إلى المؤدب.

« وقال » الظاهر أنه من تتمة الخبر السابق ويحتمل أن يكون خبرا آخر مرسلا. « من كافأ » يستعمل بالهمزة وبدونها ، والأصل الهمزة « بما أتى إليه » على بناء المجرد ، أي جاء إليه من قبل خصمه ، فالمستتر راجع إلى الموصول ، أو التقدير أتى به إليه ، فالمستتر للخصم ، وفي المصباح أنه يأتي متعديا ، وقد يقرأ آتى على بناء الأفعال أو المفاعلة « حيث احتذى » تعليل للرضا ، وفي القاموس : احتذى مثاله

٢٦٣

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام في رجلين يتسابان فقال البادي منهما أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يتعد المظلوم.

______________________________________________________

اقتدى به ، وفيه ترغيب في ترك مكافأة السفهاء كما قال تعالى : « وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً » (١).

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

« البادي منهما أظلم » أي إن صدر الظلم عن صاحبه أيضا فهو أشد ظلما لابتدائه أو لما كان فعل صاحبه في صورة الظلم أطلق عليه الظلم مجازا « ما لم يتعد المظلوم » سيأتي الخبر في باب السباب باختلاف في أول السند ، وفيه ما لم يعتذر إلى المظلوم ، وعلى ما هنا كان المعنى ما لم يتعد المظلوم ما أبيح له من مقابلته ، فالمراد بوزر صاحبه الوزر التقديري ، ويؤيد ما هنا ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : المتسابان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم ، قال الطيبي : أي الذين يشتمان كل منهما الآخر ، و « ما » شرطية أو موصولة ، فعلى البادي ، جزاء أو خبر أي إثم ما قالا على البادي إذا لم يعتد المظلوم ، فإذا تعدى يكون عليهما ، انتهى.

وقال الراوندي (ره) في شرح هذا الخبر في ضرير الشهاب : السب الشتم القبيح وسميت الإصبع التي تلي الإبهام سبابة لإشارتها بالسب كما سميت مسبحة لتحريكها في التسبيح ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن ما يتكلم به المتسابان ترجع عقوبته على البادي ، لأنه السبب في ذلك ، ولو لم يفعل لم يكن ، ولذلك قيل : البادي أظلم والذي يجيب ليس بملوم كل الملامة ، كما قال تعالى : « وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ » (٢) على أن الواجب على المشتوم أن يحتمل ويحلم ولا يطفئ النار بالنار ، فإن النارين إذا اجتمعا كان أقوى لهما فيقول تغليظا لأمر

__________________

(١) سورة الفرقان : ٦٣.

(٢) سورة الشورى : ٤١.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الشاتم أن ما يجري بينهما من التشاتم عقوبته تركب البادي لكونه سببا لذلك ، هذا إذا لم يتجاوز المظلوم حده في الجواب ، فإذا تجاوز وتعدى كانا شريكين في الوزر والوبال ، والكلام وارد مورد التغليظ وإلا فالمشتوم ينبغي أن لا يجيب ولا يزيد في الشر ولا تكون عقوبة فعل المشتوم على الشاتم ، إن للشاتم في فعله أيضا نصيبا من حيث كان سببه ، وإلا فكل مأخوذ بفعله ، انتهى.

وأقول : الحاصل أن أثم سباب المتسابين على البادي ، أما إثم ابتدائه فلان السب حرام وفسق لحديث سباب المؤمن فسق ، وقتاله كفر ، وأما إثم سب الراد فلأن البادي هو الحامل له على الرد ، وإن كان منتصرا فلا إثم على المنتصر ، لقوله تعالى : « وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ » الآية ، لكن الصادر منه هو سب يترتب عليه الإثم ، إلا أن الشرع أسقط عنه المؤاخذة ، وجعلها على البادي للعلة المتقدمة ، وإنما أسقطها منه ما لم يتعد فإن تعدى كان هو البادي في القدر الزائد ، والتعدي بالرد قد يكون بالتكرار مثل أن يقول البادي يا كلب ، فيرد عليه مرتين ، وقد يكون بالأفحش كما لو قال له : يا سنور ، فيقول في الرد : يا كلب ، وإنما كان هذا تعديا لأن الرد بمنزلة القصاص ، والقصاص إنما يكون بالمثل ، ثم الراد أسقط حقه على البادي ، ويبقى على البادي حق الله لقدومه على ذلك.

ولا يبعد تخصيص تحمل البادي إثم الراد بما إذا لم يكن الرد كذبا والأول قذفا فإنه إذا كان الرد كذبا مثل أن يقول البادي : يا سارق وهو صادق فيقول الراد : بل أنت سارق وهو كاذب ، أو يكون الأول قذفا مثل أن يقول البادي يا زاني فيقول الراد : بل أنت الزاني ، فالظاهر أن إثم الرد على الراد ، وبالجملة إنما يكون الانتصار إذا كان السب مما تعارف السب به عند التأديب كالأحمق

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والجاهل والظالم وأمثالها ، فأمثال هذه إذا رد بها لا إثم على الراد ويعود إثمه على البادي.

وأقول : الآيات والأخبار الدالة على جواز المعارضة بالمثل كثيرة ، فمن الآيات قوله تعالى : « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ » (١) قال الطبرسي رحمه‌الله : أي ظلمكم « فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ » أي فجازوه باعتدائه وقابلوه بمثله ، والثاني ليس باعتداء على الحقيقة ، ولكن سماه اعتداء لأنه مجازاة اعتداء وجعله مثله وإن كان ذلك جورا وهذا عدلا ، لأنه مثله في الجنس ، وفي مقدار الاستحقاق ، ولأنه ضرر كما أن ذلك ضرر فهو مثله في الجنس والمقدار والصفة ، وقال : وفيها دلالة على أن من غصب شيئا وأتلفه يلزمه رد مثله.

ثم إن المثل قد يكون من طريق الصورة في ذوات الأمثال ، ومن طريق المعنى كالقيامة فيما لا مثل له ، وقال المحقق الأردبيلي قدس‌سره : واتقوا الله باجتناب المعاصي فلا تظلموا ولا تمنعوا عن المجازاة ، ولا تتعدوا في المجازاة عن المثل والعدل وحقكم. ففيها دلالة على تسليم النفس وعدم المنع عن المجازاة والقصاص ، وعلى وجوب الرد على الغاصب المثل أو القيمة ، وتحريم المنع والامتناع عن ذلك ، وجواز الأخذ بل وجوبه إذا كان تركه إسرافا فلا يترك إلا أن يكون حسنا ، وتحريم التعدي والتجاوز عن حده بالزيادة صفة أو عينا ، بل في الأخذ بطريق يكون تعديا ولا يبعد أيضا جواز الأخذ خفية أو جهرة من غير رضاه على تقدير امتناعه من الإعطاء كما قاله الفقهاء من طريق المقاصة.

ولا يبعد عدم اشتراط تعذر إثباته عند الحاكم ، بل على تقدير الإمكان أيضا ولا إذنه بل يستقل ، وكذا في غير المال من الأذى فيجوز الأذى بمثله من غير إذن الحاكم وإثباته عنده ، وكذا القصاص إلا أن يكون جرحا لا يجري فيه القصاص أو ضربا لا يمكن

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٤.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حفظ المثل ، أو فحشا لا يجوز القول والتلفظ به مما يقولون بعدم جوازه مطلقا ، مثل الرمي بالزنا ، ويدل عليه أيضا قوله سبحانه : « وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ » (١) قال في المجمع : قيل : نزلت لما مثل المشركون بقتلي أحد وحمزة رضي الله عنهم وقال المسلمون : لئن أمكننا الله لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات ، وقيل : إن الآية عامة في كل ظلم كغصب أو نحوه ، فإنما يجازى بمثل ما عمل « وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ » أي تركتم المكافاة والقصاص وجرعتم مرارته « لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ».

ويدل عليه أيضا قوله سبحانه : « وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ » (٢) في المجمع أي ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا ، وقيل : جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون في قوله : « وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ » (٣) وصنف ينتصرون ثم ذكر تعالى حد الانتصار فقال : « وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها » (٤) قيل : هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله تقول أخزاك الله من غير أن تعتدي ، وقيل : يعني القصاص في الجراحات والدماء ، وسمي الثانية سيئة على المشاكلة « فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ » أي فمن عفا عما له المؤاخذة به وأصلح أمره فيما بينه وبين ربه فثوابه على الله « إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ » (٥) معناه من انتصر لنفسه وانتصف من ظالمه بعد ظلمه أضاف الظلم إلى المظلوم ، أي بعد أن ظلم وتعدى عليه فأخذ لنفسه بحقه ، فالمنتصرون ما عليهم من إثم وعقوبة وذم « إِنَّمَا السَّبِيلُ » أي الإثم والعقاب « عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ » الناس ابتداء

__________________

(١) سورة النحل : ١٢٦.

(٢ و ٣) سورة الشورى : ٣٩ و ٣٧.

(٤ و ٥) سورة الشورى : ٤٠ و ٤١.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

« وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » أي مؤلم « وَلَمَنْ صَبَرَ » أي تحمل المشقة في رضا الله « وَغَفَرَ » له فلم ينتصر « إِنَّ ذلِكَ » الصبر والتجاوز « لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » أي من ثابت الأمور التي أمر الله بها فلم تنسخ.

وقيل : عزم الأمور هو الأخذ بأعلاها في باب نيل الثواب.

وقال المحقق الأردبيلي قدس الله روحه بعد ذكر بعض تلك الآيات : فيها دلالة على جواز القصاص في النفس والطرف والجروح ، بل جواز التعويض مطلقا حتى ضرب المضروب وشتم المشتوم بمثل فعلهما ، فيخرج ما لا يجوز التعويض والقصاص فيه مثل كسر العظام والجرح والضرب في محل الخوف والقذف ونحو ذلك ، وبقي الباقي ، وأيضا تدل على جواز ذلك من غير إذن الحاكم والإثبات عنده والشهود وغيرها ، وتدل على عدم التجاوز عما فعل به وتحريم الظلم والتعدي وعلى حسن العفو وعدم الانتقام وأنه موجب للأجر العظيم ، انتهى.

وأقول : ربما يشعر كلام بعض الأصحاب بعدم جواز المقابلة وأنه أيضا يستحق التعزير كما مر في كلام الراوندي ، وقال الشهيد الثاني (ره) عند شرح قول المحقق : قيل : لا يعزر الكافر مع التنابز بالألقاب والتعيير بالأمراض إلا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الإمام بما يراه القول بعدم تعزيرهم على ذلك ، مع أن المسلم يستحق التعزير به هو المشهور بين الأصحاب ، بل لم يذكر كثير منهم فيه خلافا ، وكان وجهه تكافؤ السبب والهجاء من الجانبين كما يسقط الحد عن المسلمين بالتقاذف لذلك ، ولجواز الإعراض عنهم في الحدود والأحكام فهنا أولى ، ونسب القول إلى القيل مؤذنا بعدم قبوله ، ووجهه أن ذلك فعل محرم يستحق فاعله التعزير ، والأصل عدم سقوطه بمقابلة الآخر بمثله ، بل يجب على كل منهما ما اقتضاه فعله ، فسقوطه يحتاج إلى دليل كما يسقط عن المتقاذفين بالنص ، انتهى.

٢٦٨

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن صفوان ، عن عيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه.

(باب البذاء)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن من علامات شرك الشيطان الذي لا يشك فيه أن يكون فحاشا لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه.

______________________________________________________

ولا يخفى عليك ضعفه بعد ما ذكرنا ، وأما رواية أبي مخلد السراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قضى أمير المؤمنين في رجل دعا آخر ابن المجنون فقال له الآخر : أنت ابن المجنون ، فأمر الأول أن يجلد صاحبه عشرين جلدة ، وقال له : اعلم أنك ستعقب مثلها عشرين ، فلما جلده أعطى المجلود الشوط فجلده عشرين نكالا ينكل بهما ، فيمكن أن يكون لذكر الأب ، وشتمه لا المواجه ، فتأمل.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور ، وكأنه بالبابين الآتيين لا سيما الثاني أنسب وإنما ذكره هنا لأن مبدء ذلك السفه.

باب البذاء

الحديث الأول : موثق كالصحيح.

والشرك بالكسر مصدر شركته في الأمر من باب علم إذا صرت له شريكا فيه ، والظاهر أنه إضافة إلى الفاعل ، وقال الشيخ في الأربعين : هو بمعنى اسم المفعول أو اسم الفاعل أي مشاركا فيه مع الشيطان ، أو مشاركا فيه الشيطان وسيأتي معناه « الذي لا شك فيه » وفي بعض النسخ « لا يشك فيه » على بناء المجهول وكان المعنى أن أقل ما يكون فيه من رداءة الطينة أن يكون شرك الشيطان فيه عند جماع والده إذ قد يضم إلى ذلك أن يكون ولد زناء كما سيأتي ، أو يكون المراد تأكيد كون

٢٦٩

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فإنه لغية أو شرك شيطان.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذيء قليل الحياء

______________________________________________________

ذلك من علامات شرك الشيطان ، والفحاش من يبالغ في الفحش ويعتاد به ، وهو القول السيء.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

« لغية » اللام للملكية المجازية ، وهي بالفتح الزنا ، قال الجوهري : يقال فلان لغية وهو نقيض قولك لرشدة ، وقال الفيروزآبادي : ولد غية ويكسر زنية ، ومن الغرائب أن الشيخ البهائي قدس‌سره قال في الأربعين : يحتمل أن يكون بضم اللام وإسكان الغين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت ، أي ملغى ، والظاهر أن المراد به المخلوق من الزنا ، ويحتمل أن يكون بالعين المهملة المفتوحة أو الساكنة والنون أي من دأبه أن يلعن الناس أو يلعنوه.

قال في كتاب أدب الكاتب : فعلة بضم الفاء وإسكان العين من صفات المفعول ، وبفتح العين من صفات الفاعل يقال : رجل همزة للذي يهزأ به ، وهمزة لمن يهزأ بالناس ، وكذلك لعنة ولعنة ، انتهى كلامه.

لكنه قدس‌سره تفطن لذلك بعد انتشار النسخ وكتب ما ذكرنا في الحاشية على سبيل الاحتمال.

الحديث الثالث : مختلف فيه ومعتبر عندي.

« إن الله حرم الجنة » قال الشيخ البهائي روح الله روحه : لعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أنها محرمة عليهم زمانا طويلا ، لا محرمة تحريما مؤبدا ، أو المراد جنة خاصة

٢٧٠

لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان فقيل يا رسول الله وفي الناس شرك شيطان فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أما تقرأ قول الله عز وجل : « وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ » (١).

______________________________________________________

معدة لغير الفحاش ، وإلا فظاهره مشكل ، فإن العصاة من هذه الأمة مالهم إلى الجنة وإن طال مكثهم في النار « بذي » بالباء التحتانية الموحدة المفتوحة والذال المعجمة المكسورة والياء المشددة من البذاء بالفتح والمد بمعنى الفحش « قليل الحياء » إما أن يراد به معناه الظاهري أو يراد عديم الحياء كما يقال : فلان قليل الخير أي عديمه.

ثم قال رحمه‌الله : قال المفسرون في قوله : « وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ » إن مشاركة الشيطان لهم في الأموال حملهم على تحصيلها وجمعها من الحرام ، وصرفها فيما لا يجوز وبعثهم على الخروج في إنفاقها عن حد الاعتدال ، إما بالإسراف والتبذير أو البخل والتقتير ، وأمثال ذلك.

وأما المشاركة لهم في الأولاد فحثهم على التوصل إليها بالأسباب المحرمة من الزنا ونحوه أو حملهم على تسميتهم إياهم بعبد العزى وعبد اللات أو تضليل الأولاد بالحمل على الأديان الزائفة والأفعال القبيحة ، وهذا كلام المفسرين ، وقد روى الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في العمل عند إرادة التزويج وساق الحديث إلى أن قال : فإذا دخلت عليه فليضع يده على ناصيتها ويقول : اللهم على كتابك تزوجتها وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان ، قلت : وكيف يكون شرك شيطان؟ فقال لي : إن الرجل إذا دنى من المرأة وجلس مجلسه حضره الشيطان فإن هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان عنه ، وإن فعل ولم يسم أدخل الشيطان

__________________

(١) سورة الإسراء : ٦٤.

٢٧١

قال وسأل رجل فقيها هل في الناس من لا يبالي ما قيل له قال من تعرض للناس يشتمهم وهو يعلم أنهم لا يتركونه فذلك الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي جميلة يرفعه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله يبغض الفاحش المتفحش.

______________________________________________________

ذكره فكان العمل منهما جميعا ، والنطفة واحدة ، قلت : فبأي شيء يعرف هذا؟ قال : بحبنا وببغضنا.

وهذا الحديث يعضد ما قاله المتكلمون من أن الشياطين أجسام شفافة تقدر على الولوج في بواطن الحيوانات ، ويمكنها التشكل بأي شكل شائت ، وبه يضعف ما قاله بعض الفلاسفة من أنها النفوس الأرضية المدبرة للعناصر أو النفوس الناطقة الشريرة التي فارقت أبدانها وحصل لها نوع تعلق وألفه بالنفوس الشريرة المتعلقة بالأبدان ، فتمدها وتعينها على الشر والفساد ، انتهى كلامه زيد إكرامه.

« وسأل رجل فقيها » الظاهر أنه كلام بعض الرواة من أصحاب الكتب كسليم أو البرقي ، فالمراد بالفقيه أحد الأئمة عليهم‌السلام وكونه كلام الكليني أو أمير المؤمنين أو الرسول صلوات الله عليهما بعيد ، والأخير أبعد والسؤال مبني على أنه لا يوجد غالبا من لا يتأثر من الفحش وسوء القول فيه بالجد ، وإن كان في بعض الأجامرة من يتشاتم بالهزل ، والجواب مبني على أن الرضا بالسبب يتضمن الرضا بالمسبب مع العلم بالسببية ، أو على أنه من لا يعمل بمقتضى صفة شاع أنه تنفي عنه تلك الصفة كما أن من لا يعمل بعلمه يقال له ليس بعالم كما قيل وما قلنا أظهر ، ولا يبعد أن يكون غرض السائل ندرة هذا الفرد ، فالمراد بالجواب أنه شامل لهذا الفرد أيضا وهو في الناس كثير.

الحديث الرابع : ضعيف.

وقال الجزري فيه : أن الله يبغض الفاحش المتفحش ، الفاحش ذو الفحش في

٢٧٢

٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن نضر ، عن عمرو بن نعمان الجعفي قال كان لأبي عبد الله عليه‌السلام صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكانا فبينما هو يمشي معه في الحذاءين ومعه غلام له سندي يمشي خلفهما إذا التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره فلما نظر في الرابعة قال يا ابن الفاعلة أين كنت قال فرفع أبو عبد الله عليه‌السلام يده فصك بها جبهة نفسه ثم قال سبحان الله

______________________________________________________

كلامه وفعاله ، والمتفحش الذي يتكلف ذلك ويتعمده ، وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث ، وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا ، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد بالمتفحش المتسبب لفحش غيره له ، أو القابل له الذي لا يبالي به كما مر.

الحديث الخامس : مجهول وآخره مرسل.

والحذاء ككتاب النعل ، والحذاء بالتشديد صانعها.

والخبر يدل على أمور : الأول : يومئ إلى أن ابن الفاعلة قذف ، وظاهر الأصحاب عدمه لعدم الصراحة ، لكن الخبر ليس بصريح في ذلك ، إذ الشتم الشامل على التعريض بالزنا أمر قبيح يمكن أن يعد من الكبائر وإن لم يكن موجبا للحد ، مع أنه قذف للأم وهي كانت مشركة فلا يوجب الحد لذلك أيضا ، لكنه إيذاء للمواجه ، وظاهر كثير من الأخبار أن ابن الفاعلة قذف ، ولعله لكونه في عرفهم صريحا في ذلك كما قال بعضهم في ولد الحرام ، وسيأتي القول في ذلك في كتاب الحدود إن شاء الله.

الثاني : أن هذا القول المستند إلى الجهل لا يعذر قائله به.

الثالث : أنه لا يجوز أن يقال ذلك لأحد من أفراد الإنسان إلا مع القطع بأنه

٢٧٣

تقذف أمه قد كنت أرى أن لك ورعا فإذا ليس لك ورع فقال جعلت فداك إن أمه سندية مشركة فقال أما علمت أن لكل أمة نكاحا تنح عني قال فما رأيته يمشي معه حتى فرق الموت بينهما.

وفي رواية أخرى إن لكل أمة نكاحا يحتجزون به من الزنا.

٦ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الفحش لو كان مثالا لكان مثال سوء.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان في بني إسرائيل رجل فدعا الله أن يرزقه

______________________________________________________

متولد من الزنا ، بل مع القطع أيضا إذا لم يثبت عند الحاكم.

الرابع : رجحان هجران الفاسق وإن كان قريبا أو صديقا ، وقيل : إنما فارقه عليه‌السلام إلى آخر العمر لأنه كان فاسقا في مدة عمره إذ هذا الذنب لكونه من حق الأم لا يدفعه إلا الحد بعد طلبها أو العفو وشيء منهما لم يقع ، ولم يكن مقدورا.

وأقول : يمكن أن يكون عليه‌السلام علم أنه مصر على هذا الأمر ولم يتب منه.

الخامس : أن نكاح كل قوم صحيح يترتب عليه أحكام العقد الصحيح ، بل لا ـ يحتاج إلى التجديد بعد الإسلام كما هو ظاهر الأصحاب ، وتنوين ورعا للتعظيم ، وورع للتحقير ويقال حجزه كضربه ونصره منعه وكفه فانحجز واحتجز.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« لو كان مثالا » أي ذا شكل وصورة « مثال سوء » بالفتح أي مثالا يسوء الإنسان رؤيته.

الحديث السابع : صحيح.

ويحتمل أن يكون المراد بالقرب والبعد المكانيين ولا يكون ذلك من جهة

٢٧٤

غلاما ثلاث سنين فلما رأى أن الله لا يجيبه قال يا رب أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب أنت مني فلا تجيبني قال فأتاه آت في منامه فقال إنك تدعو الله عز وجل منذ ثلاث سنين بلسان بذيء وقلب عات غير تقي ونية غير صادقة فاقلع عن بذائك وليتق الله قلبك ولتحسن نيتك قال ففعل الرجل ذلك ثم دعا الله فولد له غلام.

______________________________________________________

أنه اعتقد أن الله جسم له مكان حتى يكون كافرا ، ويكون سببية هذا لعدم الإجابة أقرب من سببية تلك الصفات ، بل لأنه قد يجري مثل ذلك على اللسان عند الاضطرار من غير قصد إلى ما يستلزمه ، فالسماع وعدمه أيضا بمعناهما ، ويمكن أن يكون المراد القرب والبعد المعنويين ، وبعدم السماع عدم الالتفات المبتني على عدم الرضا ، وبعدم الإجابة التأخير الذي سببه المصلحة مع الرضا ، وإنما نسب القرب إليه تعالى والبعد إلى نفسه للتنبيه على أن البعد إذا تحقق كان من جانب العبد ، والقرب إن تحقق كان من فضله عز وجل ، لأن العبد وإن بلغ الغاية في إخلاص العبودية كان مقصرا ولا يستحق الثواب والقرب إلا بفضله وكرمه ، والبذي على فعيل : الفحاش ، وفي المغرب العاتي الجبار الذي جاوز الحد في الاستكبار ، والتقوى التنزه من رذائل الأعمال والأخلاق ، بل عما يشغل القلب عن الحق ، والنية الصادقة توجه القلب إلى الله سبحانه وحده ، وانبعاث النفس نحو الطاعة غير ملحوظ فيه ، سوى وجه الله ، وما في هذا الخبر أحد الوجوه في دفع شبهة وعده سبحانه الاستجابة مع تخلفها في كثير من الموارد.

والحاصل أن الوعد مشروط بشروط : منها : اجتناب المعاصي وبعض الأخلاق الرذيلة والإخلاص في النية ، فإن قلت : هذا ينافي ما ورد في بعض الأخبار من أن دعاء الفاسق أسرع إجابة لكراهة استماع صوته؟ قلت : يحتمل أن لا تكون سرعة الإجابة كلية ، أو يقال سرعة الإجابة مختصة بمن كان مبغوضا لذاته ، وأما من كان محبوبا بذاته ومبغوضا بفعله فربما تبطئ الإجابة نظرا إلى الأول ، وربما تسرع نظرا

٢٧٥

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال البذاء من الجفاء والجفاء في النار.

______________________________________________________

إلى الثاني ، وقد يكون البطؤ نظرا إلى الثاني لا لكراهة الاستماع ، بل لغرض آخر نحو زجره عن القبائح كما في هذا الرجل.

الحديث الثامن : موثق.

« من تكره » هو الذي عرف بالفحش من القول واشتهر به لما يجري على لسانه من أنواع البذاء ، ويمكن أن يقرأ تكره على بناء الخطاب وبناء الغيبة على المجهول.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور صحيح عندي.

وفي الصحاح الجفاء ممدود خلاف البر ، وفي القاموس رجل جافي الخلقة كز غليظ ، انتهى.

والحاصل أن البذي والفحش في القول من الجفاء ، أي خلاف الآداب أو خلاف البر والصلة و « من » إما للتبعيض أو الابتداء ، أي ناش من الجفاء وغلظة الطبع والإعراض عن الحق.

« والجفاء في النار » أي يوجب استحقاق النار ، وروي في الشهاب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البذاء من الجفاء ، وقال الراوندي (ره) في الضوء : البذاء الفحش وخبث اللسان ، وقد بذؤ الرجل يبذؤ بذوا ، وأصله بذاوة فحذفت الهاء كما قالوا جمل جمالا ، وفلان بذي اللسان ، وامرأة بذية ، والجفاء ضد البر وأصله من البعد ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الإفحاش وإسماع المكروه والإجراء إلى أعراض الناس بقبيح المقال من الجفاء المولم ، وما كل جفاء بضم الجيوب وإيلام الجنوب ، فربما كان جفاء

٢٧٦

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن الصيقل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الفحش والبذاء والسلاطة من النفاق.

١١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله يبغض الفاحش البذيء والسائل الملحف.

______________________________________________________

اللسان أوجع ومضضه أفجع ، وقد قيل :

جراحات السيوف لها التيام

ولا يلتئم ما جرح اللسان

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار ، وفائدة الحديث الأمر بحفظ اللسان والنهي عن التسرع إلى أعراض الناس ، وبيان أن الكلام في ذلك نظير الكلام ، ويوشك أن يثبت اسمه في ديوان الجفاة.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

وقال الجوهري : السلاطة القهر ، وقد سلطه الله فتسلط عليهم ، وامرأة سليطة أي صخابة ، ورجل سليط أي فصيح حديد اللسان بين السلاطة والسلوطة ، انتهى.

والمراد بالنفاق إما مع الخلق لأنه يظهر ودهم وبأدنى سبب يتغير عليهم ويؤذيهم بلسانه وبغيره ، أو مع الله لأن إيذاء المؤمنين ينافي كمال الإيمان كما مر.

الحديث الحادي عشر : كالسابق.

وفي النهاية فيه : من سأل وله أربعون درهما فقد سأل الناس إلحافا ، أي بالغ فيها يقال : ألحف في المسألة يلحف إلحافا إذا ألح فيها ولزمها ، انتهى.

وهو موجب لبغض الرب حيث أعرض عن الغني الكريم وسأل الفقير اللئيم ، وأنشد بعضهم

٢٧٧

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء.

١٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض رجاله قال :

______________________________________________________

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبنو آدم حين يسأل يغضب

وترى في عرف الناس أن عبد الإنسان إذا سأل غير مولاه فهو عار عليه وشكاية منه حقيقة ، ولذا ورد في ذم المسألة ما ورد.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

وقد مر بعينه سندا ومتنا إلا أنه ليس فيه أن الخطاب لعائشة ، وكان علي بن إبراهيم رواه على الوجهين.

ثم الظاهر أن هذا مختصر عما سيأتي في باب التسليم على أهل الملل حيث رواه بهذا الإسناد أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : دخل يهودي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعائشة عنده ، فقال : السام عليكم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم ، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد عليه كما رد على صاحبه ، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد رسول الله كما رد على صاحبيه ، فغضبت عائشة فقالت : عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود ، يا إخوة القردة والخنازير ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء ، إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ، ولم يرفع عنه قط إلا شانه ، قالت : يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم : السام عليكم؟

فقال : بلى أما سمعت ما رددت عليهم ، قلت : عليكم؟ فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا : السلام عليكم ، وإذا سلم عليكم كافر فقولوا : عليكم.

الحديث الثالث عشر : ضعيف على المشهور.

والمعصوم المروي عنه غير معلوم ، فإن كان الصادق عليه‌السلام فالإرسال بأزيد من واحد ، وأحمد كأنه البزنطي ، وما زعم أنه ابن عيسى بعيد كما لا يخفى على المتدرب ،

٢٧٨

قال من فحش على أخيه المسلم نزع الله منه بركة رزقه ووكله إلى نفسه وأفسد عليه معيشته.

١٤ ـ عنه ، عن معلى ، عن أحمد بن غسان ، عن سماعة قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي مبتدئا يا سماعة ما هذا الذي كان بينك وبين جمالك إياك أن تكون فحاشا أو صخابا أو لعانا فقلت والله لقد كان ذلك أنه ظلمني فقال إن كان ظلمك لقد أربيت عليه إن هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي استغفر ربك ولا تعد قلت أستغفر الله ولا أعود.

______________________________________________________

فيمكن أن يكون الإرسال بواحد ، وفحش ككرم وربما يقرأ على بناء التفعيل ، ومن جملة أسباب فساد المعيشة نفرة الناس عنه وعن معاملته.

الحديث الرابع عشر : ضعيف على المشهور.

« مبتدئا » أي من غير أن أسأله شيئا يكون هذا جوابه أو من غير أن يتظلم إليه الجمال ، وفي النهاية الصخب والسخب الضجة واضطراب الأصوات للخصام ، وفعول وفعال للمبالغة « أنه » بفتح الهمزة أي لأنه ، وهو خبر كان ، و « إن » في قوله « إن كان » شرطية ، واللام في قوله : لقد ، جواب قسم مقدر ، وقائم مقام الفاء الرابطة اللازمة كذا قيل ، وفي الصحاح قال الفراء في قوله تعالى : « أَخْذَةً رابِيَةً » (١) أي زائدة ، كقولك أربيت إذا أخذت أكثر مما أعطيت « من فعالي » بالكسر جمع فعل ، أو بالفتح مصدرا وكلاهما مناسب « ولا آمر به » كناية عن النهي.

__________________

(١) سورة الحاقّة : ١٠.

٢٧٩

(باب من يتقى شره)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بينا هو ذات يوم عند عائشة إذا استأذن عليه رجل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بئس أخو العشيرة ، فقامت عائشة فدخلت البيت وأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل فلما دخل أقبل عليه بوجهه وبشره إليه يحدثه حتى إذا فرغ وخرج من عنده قالت عائشة يا رسول الله بينا أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك وبشرك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه.

______________________________________________________

باب من يتقى شره

الحديث الأول : موثق.

وفي القاموس : عشيرة الرجل بنو أبيه الأدنون أو قبيلته وفي المصباح تقول هو أخو تميم أي واحد منهم ، انتهى.

وقرأ بعض الأفاضل العشيرة بضم العين وفتح الشين تصغير العشرة بالكسر ، أي المعاشرة ، ولا يخفى ما فيه و « بشره » بالرفع و « إليه » خبره ، والجملة حالية كيحدثه ، وليس في بعض النسخ « عليه » أو لا فبشره مجرور عطفا على وجهه ، وهو أظهر ، ويحتمل زيادة إليه آخرا كما يومئ إليه قولها إذ أقبلت عليه بوجهك وبشرك.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن من شر عباد الله ، إما عذر لما قاله أولا أو لما فعله آخرا ، أولهما معا فتأمل جدا.

ونظير هذا الحديث رواه مخالفونا عن عروة بن الزبير قال : حدثتني عائشة إن رجلا استأذن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة ، فلما دخل

٢٨٠