مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

الأربع خمسا لم يقو وعلى صاحب الخمس ستا لم يقو وعلى صاحب الست سبعا لم يقو وعلى هذه الدرجات.

٤ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن سنان ، عن الصباح بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما أنتم والبراءة يبرأ بعضكم من بعض إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض وبعضهم أكثر صلاة من بعض وبعضهم أنفذ بصرا من بعض وهي الدرجات

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : وعلى هذه الدرجات ، كان المعنى وعلى هذا القياس الدرجات التي تنقسم هذه المنازل إليها فإن كلا منها ينقسم إلى سبعين درجة كما مر في الخبر الأول ، وقيل : أي بقية الدرجات إلى العشر المذكور في الخبر الثاني ، أو المراد بالدرجات المنازل أي على هذا الوجه الذي ذكرنا تنقسم الدرجات فيكون تأكيدا والأول أظهر.

الحديث الرابع : كالسابق.

« أنفذ بصرا » أي بصيرة كما في بعض النسخ يعني فهما وفطانة « وهي الدرجات » أي درجات الإيمان فكل منهم على درجة منه فلا تبرءوا منهم ولا تخرجوهم عن الإيمان ، أو هي الدرجات التي ذكرها الله في قوله : « هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ » (١) وغيره.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٣.

٢٨١

باب

نسبة الإسلام

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لأنسبن الإسلام نسبة لا ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي إلا بمثل ذلك إن الإسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق والتصديق هو الإقرار والإقرار هو العمل والعمل هو الأداء ، إن

______________________________________________________

باب نسبة الإسلام

الحديث الأول : مرفوع.

« لأنسبن الإسلام نسبة » يقال نسبت الرجل كنصرت ، وقيل : وكضربت أي ذكرت نسبته ، والمراد بيان الإسلام والكشف التام عن معناه قيل : لما كان نسبة شيء إلى شيء يوضح أمره وحاله وما يؤول هو إليه أطلق هنا على الإيضاح من باب ذكر الملزوم وإرادة اللازم.

وأقول : كان المراد بالإسلام هنا المعنى الإخلاص منه المرادف للإيمان كما يومئ إليه قوله : إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ، وقوله : إن المؤمن يرى يقينه في عمله ، وحاصل الخبر أن الإسلام هو التسليم والانقياد ، والانقياد التام لا يكون إلا باليقين ، واليقين هو التصديق الجازم والإذعان الكامل بالأصول الخمسة أو تصديق الله ورسوله والأئمة الهداة ، والتصديق لا يظهر أو لا يفيد إلا بالإقرار الظاهري ، والإقرار التام لا يكون أو لا يظهر إلا بالعمل بالجوارح فإن الأعمال شهود الإيمان كما مر ، والعمل الذي هو شاهد الإيمان هو أداء ما كلف الله تعالى به لا اختراع الأعمال وإبداعها كما تفعله المبتدعة.

والأداء اسم المصدر الذي هو التأدية ويحتمل أن يكون المراد بالأداء تأديته

٢٨٢

المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه من ربه فأخذه إن المؤمن يرى يقينه في عمله والكافر يرى إنكاره في عمله فو الذي نفسي بيده ما عرفوا أمرهم فاعتبروا إنكار

______________________________________________________

وإيصاله إلى غيره ، فيدل على أن التعليم ينبغي أن يكون بعد العمل وأنه من لوازم الإيمان ، فظهر أن الحمل في بعضها حقيقي وفي بعضها مجازي.

وقيل : أشار عليه‌السلام إلى أن الإسلام وهو دين الله الذي أشار إليه جل شأنه بقوله : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ » (١) يتوقف حصوله على ستة أمور ، والعبارة لا تخلو من لطف وهو أنه جعل التصديق الذي هو الإيمان الخالص الحقيقي بين ثلاثة وثلاثة ، واشتراك الثلاثة التي قبله في أنها من مقتضياته وأسباب حصوله ، واشتراك الثلاثة التي بعده في أنها من لوازمه وآثاره وثمراته ، وبالجملة جعل التصديق الذي هو الإيمان وسطا وجعل أول مراتبه الإسلام ثم التسليم ثم اليقين ، وجعل أول مراتبه من جهة المسببات الإقرار بما يجب الإقرار به ، ثم العمل بالجوارح ، ثم أداء ما افترض الله به ، انتهى.

« إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه » كأنه بيان لما بين سابقا وقرره من أن الإسلام لا يكون إلا بالتسليم لأئمة الهدى والانقياد لهم فيما أمروا به ونهوا عنه وأنه لا يكون ذلك إلا بتصديق النبي والأئمة عليهم‌السلام والإقرار بما صدر عنهم وأداء الأعمال على نهج ما بينوه لأن الإيمان ليس أمرا يمكن اختراعه بالرأي والنظر ، بل لا بد من الأخذ عمن يؤدى عن الله.

« فالمؤمن يرى » على بناء المجهول أو المعلوم من باب الأفعال « يقينه » بالرفع أو بالنصب « في عمله » بأن يكون موافقا لما صدر عنهم ولم يكن مأخوذا من الآراء والمقاييس الباطلة ، والكافر بعكس ذلك « ما عرفوا » أي المخالفون أو المنافقون « أمرهم » أي أمور دينهم فروعا وأصولا فضلوا وأضلوا لعدم اتباعهم أئمة

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٩.

٢٨٣

الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثة.

______________________________________________________

الهدى وأخذهم العلم منهم « فاعتبروا إنكار الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثة » المخالفة لمحكمات الكتاب والسنة المبتنية على آرائهم الفاسدة ، والمخالفون داخلون في الأول أو في الثاني بل فيهما حقيقة.

وأقول : روى السيد الرضي رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة جزءا من هذا الخبر هكذا ، وقال عليه‌السلام : لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي ، الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء والأداء هو العمل.

وقال ابن أبي الحديد : خلاصة هذا الفصل يقتضي صحة مذهب أصحابنا المعتزلة في أن الإسلام والإيمان عبارتان عن معنى واحد ، وأن العمل داخل في مفهوم هذه اللفظة ، ألا ترى جعل كل واحدة من اللفظات قائمة مقام الأخرى في إفادة المفهوم ، كما يقال : الليث هو الأسد والأسد هو السبع ، والسبع هو أبو الحارث فلا شبهة أن الليث يكون أبا الحارث أي أن الأسماء مترادفة ، فإذا كان أول. اللفظات الإسلام ، وآخرها العمل دل على أن العمل هو الإسلام ، وهكذا يقول أصحابنا أن تارك العمل أي تارك الواجب لا يسمى مسلما ، فإن قلت : كيف يدل على أن الإسلام هو الإيمان؟ قلت : لأن كل من قال أن العمل داخل في مسمى الإسلام قال إن الإسلام هو الإيمان ، فإن قلت : لم يقل عليه‌السلام كما تقوله المعتزلة لأنهم يقولون الإسلام اسم واقع على العمل وغيره من الاعتقاد والنطق باللسان وهو عليه‌السلام جعل الإسلام هو العمل؟ قلت : لا يجوز أن يريد غيره لأن لفظ العمل يشمل الاعتقاد والنطق باللسان وحركات الأركان بالعبادات إذ كل ذلك عمل وفعل وإن كان بعضه من أفعال القلوب وبعضه من أفعال الجوارح ، والقول بأن الإسلام هو العمل بالأركان خاصة لم يقل به أحد ، انتهى.

وقال ابن ميثم : هذا قياس مفصول مركب من قياسات طويت نتائجها وينتج

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

القياس الأول أن الإسلام هو اليقين ، والثاني أنه التصديق ، والثالث أنه الإقرار ، والرابع أنه الأداء ، والخامس أنه العمل.

أما المقدمة الأولى فلأن الإسلام هو الدخول في الطاعة ويلزمه التسليم لله وصدق اللازم على ملزومه ظاهر ، وأما الثانية فلان التسليم الحق إنما يكون ممن تيقن استحقاق المطاع للتسليم له فاليقين من لوازم التسليم لله ، وأما الثالثة فلأن اليقين بذلك مستلزم للتصديق بما جاء به على لسان رسوله من وجوب طاعته ، فصدق على اليقين به أنه تصديق له ، وأما الرابعة فلان التصديق لله في وجوب طاعته إقرار بصدق الله ، وأما الخامسة فلأن الإقرار والاعتراف بوجوب أمر يستلزم أداء المقر المعترف لما أقر به ، وكان إقراره أداء لازما ، والسادسة أن أداء ما اعترف به لله من الطاعة الواجبة لا يكون إلا عملا ، ويؤول حاصل هذا الترتيب إلى إنتاج أن الإسلام هو العمل لله بمقتضى أو أمره ، وهو تفسير الخاصة كما سبق بيانه ، انتهى.

وكان ما ذكرنا أنسب وأوفق.

وقال الكيدري (ره) : الإسلام هو التسليم يعني الدين هو الانقياد للحق والإذعان له ، والتسليم هو اليقين أي صادر عنه ولازم له فكأنه هو من فرط تعلقه به ، والتصديق هو الإقرار أي إقرار الذهن وحكمه ، والإقرار هو الأداء أي مستلزم للأداء وشديد الشبه بالعلة له ، لأن من تيقن حقية الشيء وأن مصالحة منوط بفعله ومفاسده مترتبة على تركه ، كان ذلك داعيا مقويا لداعيه على فعله غاية التقوية ، يعني من حق المسلم الكامل في إسلامه أن يجمع بين علم اليقين والعمل الخالص ليحط رحله في المحل الأرفع ، ويجاور الرفيق الأعلى.

وقال الشهيد الثاني رفع الله درجته في رسالة حقائق الإيمان بعد إيراد هذا الكلام من أمير المؤمنين عليه‌السلام ما هذا لفظه : البحث عن هذا الكلام يتعلق بأمرين : الأول : ما المراد من هذه النسبة؟ الثاني : ما المراد من هذا المنسوب.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أما الأول فقد ذكر بعض الشارحين أن هذه النسبة بالتعريف أشبه منها بالقياس فعرف الإسلام بأنه التسليم لله والدخول في طاعته ، وهو تفسير لفظ بلفظ أعرف منه ، والتسليم بأنه اليقين وهو تعريف بلازم مساو إذا لتسليم الحق إنما يكون ممن تيقن صدق من سلم له واستحقاقه التسليم واليقين بأنه التصديق أي التصديق الجازم المطابق البرهاني ، فذكر جنسه ونبه بذلك على حده أو رسمه ، والتصديق بأنه الإقرار بالله ورسله وما جاء من البينات وهو تعريف بخاصة له ، والأداء بأنه العمل وهو تعريف له ببعض خواصه ، انتهى.

أقول : هذا بناء على أن المراد من الإسلام المعرف في كلامه عليه‌السلام ما هو الإسلام حقيقة عند الله تعالى في نفس الأمر ، أو الإسلام الكامل عند الله تعالى أيضا ، وإلا فلا يخفى أن الإسلام يكفي في تحققه في ظاهر الشرع الإقرار بالشهادتين ، سواء علم من المقر التصديق بالله تعالى والدخول في طاعته أم لا ، كما صرحوا به في تعريف الإسلام في كتب الفروع وغيرها ، فعلم أن الحكم بكون تعريف الإسلام بالتسليم لله « إلخ » تعريفا لفظيا إنما يتم على المعنى الأول وهو الإسلام في نفس الأمر أو الكامل ، ويمكن أن يقال أن التعريف حقيقي وذلك لأن الإسلام لغة هو مطلق الانقياد والتسليم ، فإذا قيد التسليم بكونه لله تعالى والدخول في طاعته كان بيانا للماهية التي اعتبرها الشارع إسلاما ، فهو من قبيل ما ذكر جنسه ونبه على حده أو رسمه.

وأقول أيضا : في جعله الإقرار بالله تعالى « إلخ » تعريف لفظ بلفظ أعرف للتصديق بحث لا يخفى ، لأن المراد من التصديق المذكور هنا القلبي لا اللساني حيث فسره بأنه الجازم المطابق « إلخ » والإقرار المراد منه الاعتراف باللسان إذ هو المتبادر منه ، ولذا جعله بعضهم قسيما للتصديق في تعريف الإيمان حيث قال : هو

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التصديق مع الإقرار وحينئذ فيكون بين معنى اللفظين غاية المباينة ، فكيف يكون تعريف لفظ بلفظ ، اللهم إلا أن يراد من الإقرار بالله ورسله مطلق الانقياد والتسليم بالقلب واللسان على طريق عموم المجاز ، ولا يخفى ما فيه.

والذي يظهر لي أنه تعريف بلازم عرفي وذلك لأن من أذعن بالله ورسله وبيناتهم لا يكاد ينفك عن إظهار ذلك بلسانه فإن الطبيعة جبلت على إظهار مضمرات القلوب كما دل عليه قوله عليه‌السلام : ما أضمر أحدكم شيئا إلا وأظهره الله على صفحات وجهه وفلتأت لسانه ، ولما كان هذا الإقرار هنا مطلوبا للشارع مع كونه في حكم ما هو من مقتضيات الطبيعة ، نبه عليه‌السلام على أن التصديق هو الإقرار مع تأكيد طلبه حتى كان التصديق غير مقبول إلا به أو غير معلوم للناس إلا به.

وكذا أقول في جعله الأداء خاصة للإقرار فإن خاصة الشيء لا ينفك عنه ، والأداء قد ينفك عن الإقرار فإن المراد من الأداء هنا عمل الطاعات والإقرار لا يستلزمه.

ويمكن الجواب بأنه عليه‌السلام أراد من الإقرار الكامل فكأنه لا يصير كاملا حتى يردفه بالأداء الذي هو العمل ، وأما الثاني فقد علم من هذه النسبة الشارحة المنسوب أي المشروح هو الإسلام الكامل أو ما هو إسلام عند الله تعالى ، بحيث لا يتحقق بدون الإسلام في الظاهر ، وعلم أيضا أن هذا الإسلام هو الإيمان ، إما الكامل أو ما لا يتحقق حقيقة المطلوبة للشارع في نفس الأمر إلا به ، لكن الثاني لا ينطبق إلا على مذهب من قال بأن حقيقة الإيمان هو تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان ، وقد عرفت تزييف ذلك فيما تقدم وأن الحق عدم اعتبار جميع ذلك في أصل حقيقة الإيمان ، نعم هو معتبر في كماله.

وعلى هذا فالمنسوب إن كان هو الإسلام الكامل كان الإيمان والإسلام الكاملان واحدا وأما الأصليان فالظاهر اتحادهما أيضا ، مع احتمال التفاوت بينهما ، وإن كان

٢٨٧

٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن مدرك بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الإسلام عريان فلباسه الحياء وزينته

______________________________________________________

هذا المنسوب ما اعتبره الشارع في نفس الأمر إسلاما لا غيره لزم كون الأيمان أعم من الإسلام ، ولزم ما تقدم من الاستهجان فيحصل من ذلك أن الإسلام إما مساو للإيمان أو أخص ، وأما عمومه فلم يظهر له من ذلك احتمال إلا على وجه بعيد ، فليتأمل.

الحديث الثاني : ضعيف بسنديه.

« الإسلام عريان » شبه عليه‌السلام الإسلام برجل ، والحياء بلباسه ، فكما أن اللباس يستر العورات والقبائح الظاهرة ، فكذلك الحياء يستر القبائح والمساوي الباطنة ، ولا يبعد أن يكون المراد بالإسلام المسلم من حيث أنه مسلم أو يكون إسناد العري واللباس إليه على المجاز ، أي لباس صاحبه ، وكذا الفقرات الآتية تحتملها فتفطن.

« وزينته الوفاء » أي بعهود الله ورسوله وحججه وعهود الخلق وعودهم ، وقيل إيفاء كل ذي حق حقه وافيا ، « ومروءته العمل الصالح » المروءة بالضم مهموزا وقد يخفف الهمزة فليشد الواو الإنسانية ، أي العمل بمقتضاها ، قال في القاموس : مرؤ ككرم مروءة فهو مريء أي ذو مروءة وإنسانية ، وفي المصباح المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات يقال : مرؤ الإنسان فهو مريء مثل قرب فهو قريب ، أي صار ذا مروءة ، وقال الجوهري : وقد يشدد فيقال : مروة ، انتهى.

والحاصل أن العمل الصالح من لوازم الإسلام ومما يجعل الإسلام حقيقا بأن يسمى إسلاما كما أن المروة من لوازم الإنسان ومما يصير به الإنسان حقيقا بأن يسمى إنسانا أو المسلم من حيث أنه مسلم مروته العمل الصالح فلا يسمى مرأى حقيقة أو مسلما إلا به.

٢٨٨

الوقار ومروءته العمل الصالح وعماده الورع ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن عبد الله بن القاسم ، عن مدرك بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جده صلوات الله عليهم قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة وجعل له نورا وجعل له حصنا وجعل له ناصرا فأما عرصته فالقرآن وأما نوره فالحكمة

______________________________________________________

« وعماده الورع » العماد بالكسر ما يسند به وعماد الخيمة والسقف ما يقام به والحاصل أن ثبات الإسلام وبقاؤه واستقراره بالورع أي ترك المحرمات بل الشبهات أيضا كما أن بالمعاصي يتزلزل بل يزول ، والأس بالضم والأساس بالفتح : أصل البناء وأصل كل شيء ، والأساس بالكسر جمع أس ، والحاصل أنه كما يستقر البناء ولا يستقيم بغير أساس فكذا الإسلام لا يتحقق ولا يستقر إلا بحبهم الملزوم للقول بولايتهم وإمامتهم ، فإن من أنكر حقهم فهو أعدى عدوهم.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبنا أي حبي وحب أهل بيتي ، ويحتمل كون الفقرة الأخيرة كلام الصادق عليه‌السلام ، لكنه بعيد.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح بل صحيح عندي ، فإن عبد العظيم رضي‌الله‌عنه أجل من أن يحتاج إلى توثيق.

« فجعل له عرصة » العرصة كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء ، والظاهر أنه عليه‌السلام شبه الإسلام برجل لا بدار كما زعم ، وشبه القرآن بعرصة يجول الإسلام فيه ، وشبه الحكمة والعلوم الحقة بسراج ونور يستنير به الإسلام أو يبصر به صاحبه فإن بالعلم يظهر حقائق الإسلام وأوامره ونواهيه وأحكامه.

٢٨٩

وأما حصنه فالمعروف وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم فإنه لما أسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرئيل عليه‌السلام لأهل السماء استودع الله حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة ثم هبط بي إلى أهل الأرض فنسبني إلى أهل الأرض فاستودع الله عز وجل حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمتي فمؤمنو أمتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلى يوم القيامة ألا فلو أن الرجل من أمتي عبد الله عز وجل عمره أيام الدنيا ثم لقي الله عز وجل مبغضا لأهل بيتي وشيعتي ما فرج الله صدره إلا عن النفاق.

______________________________________________________

« وأما حصنه فالمعروف » أي الإحسان أو ما عرف بالعقل والشرع حسنه ، كما هو المراد في الأمر بالمعروف ، فإنه بكل من المعنيين يكون سببا لحفظ الإسلام وبقائه وعدم تطرق شياطين الإنس والجن للخلل فيه ، أو المراد به الأمر بالمعروف فالتشبيه أظهر ، وأما كونهم عليهم‌السلام وشيعتهم أنصار الإسلام فهو ظاهر وغيرهم يخربون الإسلام ويضيعونه.

« فنسبني » أي ذكر نسبي أو وصفني وذكر نبوتي ومناقبي ، وأما ذكر نسبه لأهل الأرض فبالآيات التي أنزلها فيه وفي أهل بيته ويقرأها الناس إلى يوم القيامة أو ذكر فضله ونادى به بحيث سمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء كنداء إبراهيم عليه‌السلام بالحج ، وقيل : لما وجبت الصلوات الخمس في المعراج ، فلما هبط عليه‌السلام علمها الناس وكان من أفعالها والصلاة على محمد وآله في التشهد فدلهم بذلك على أنهم أفضل الخلق لأنه لو كان غيرهم أفضل لكانت الصلاة عليه أوجب ، والأول أظهر.

« ثم لقي الله » أي عند الموت أو في القيامة ، وتفريج الصدر كناية عن إظهار ما كان كامنا فيه على الناس في القيامة أو عن علمه تعالى به ، والأول أظهر.

٢٩٠

باب

[ خصال المؤمن ] (١)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك بن غالب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال وقورا عند الهزاهز صبورا عند البلاء شكورا عند الرخاء

______________________________________________________

باب

لما كانت أخبار هذا الباب متقاربة المضمون مع الباب السابق لم يعنونه ، والفرق بينهما أن المذكور في الباب السابق نسبة الإسلام ، وفي هذا الباب نسبة الإيمان.

الحديث الأول : مجهول لكن سيأتي هذا الخبر بعينه في باب المؤمن وعلاماته وصفاته عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن عبد الله ابن غالب وهو أظهر ، لأن عبد الملك غير مذكور في كتب الرجال ، وعبد الله بن غالب الأسدي الشاعر ثقة معروف ، فالخبر صحيح هيهنا وفيما سيأتي حسن كالصحيح.

والوقور فعول من الوقار بالفتح وهو الحلم والرزانة ، والهز التحريك ، والهزاهز الفتن التي يفتتن الناس بها ، أي لا يعرض له شك عند الفتن التي تصير سببا لشك الناس وكفرهم.

« صبور عند البلاء » البلاء اسم ما يمتحن به من خير أو شر ، وكثر استعماله في الشر وهو المراد هنا ، والصبر حبس النفس على الأمور الشاقة عليها ، وترك الاعتراض على المقدر لها وعدم الشكاية والجزع ، وهو من أعظم خصال الإيمان « شكورا عند الرخاء » الرخاء النعمة والخصب وسعة العيش ، والشكر الاعتراف

__________________

(١) هذا العنوان غير موجود في بعض النسخ.

٢٩١

قانعا بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء بدنه منه في تعب والناس منه في راحة إن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل أمير جنوده والرفق

______________________________________________________

بالنعمة ظاهرا وباطنا ، ومعرفة المنعم وصرفها فيما أمر به ، والشكر مبالغة فيه « قانعا بما رزقه الله » أي لا يبعثه الحرص على طلب الحرام والشبهة ، وتضييع العمر في جمع ما لا يحتاج إليه « لا يظلم الأعداء » الغرض نفي الظلم مطلقا ، وإنما خص الأعداء بالذكر لأنهم مورد الظلم غالبا ، ولأنه يستلزم ترك ظلم غيرهم بالطريق الأولى.

« ولا يتحامل للأصدقاء » في القاموس : تحامل في الأمر وبه تكلفه على مشقة وعليه كلفه ما لا يطيق ، فالكلام يحتمل وجوها :

الأول : أنه لا يظلم الناس لأجل الأصدقاء.

الثاني : أنه لا يتحمل الوزر لأجلهم كان يشهد لهم بالزور أو يكتم الشهادة لرعايتهم أو يسعى لهم في حرام.

الثالث : أن يراد به أنه لا يحمل على نفسه للأصدقاء ما لا يمكنه الخروج عنه.

« بدنه منه في تعب » لاشتغاله وإعراضه عن الرسوم والعادات ، وسعيه في إعانة المؤمنين « والناس منه في راحة » لعدم تعرضه وإعانته إياهم « إن العلم خليل المؤمن » الخلقة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب ، فصارت خلاله أي في باطنه ، والخليل الصديق ، فعيل بمعنى فاعل ، وإنما كان العلم خليل المؤمن لأنه لا ينتفع بخليل انتفاعه بالعلم في الدنيا والآخرة.

« والحلم وزيره » فإنه يعاونه في أمور دنياه وآخرته ، كمعاونة الوزير الناصح الملك « والعقل أمير جنوده » إذ جنوده في دفع وساوس الشياطين وصولاتهم الأعمال الصالحة ، والأخلاق الحسنة ، وكلها تابعة للعقل كما مر بيانه في باب جنود العقل « والرفق أخوه » أي اللين واللطف والمداراة مع الصديق والعدو ، وتمشية الأمور

٢٩٢

أخوه والبر والده.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه الإيمان له أركان أربعة التوكل على الله وتفويض الأمر إلى الله والرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله

______________________________________________________

بتدبير وتأمل بمنزلة الأخ له في أنه يصاحبه ولا يفارقه ، أو في إعانته وإيصال النفع إليه « والبر » أي الإحسان إلى الوالدين أو إلى جميع من يستحق البر « والده » أي بمنزلة والده في رعايته واختياره على جميع الأمور أو في الانتفاع منه ، وكونه سببا لحياته المعنوية.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« له أركان أربعة » إنما جعلها بمنزلة الأركان لعدم استقرار الإيمان وثباته إلا بها « التوكل على الله » أي الاعتماد عليه في جميع الأمور والمهمات ، وقطع النظر عن الأسباب الظاهرة وإن كان يجب التوسل بها ظاهرا ، لكن من كمل يقينه بالله وأنه القادر على كل شيء وأنه المسبب للأسباب لا يعتمد عليها بل على مسببها « وتفويض الأمر إلى الله » أي في دفع الأعادي الظاهرة والباطنة ، كما فوض مؤمن آل فرعون أمره إلى الله فوقاه الله سيئات ما مكروا.

ولا ريب أن هذا وما قبله متفرعان على قوة الإيمان بالله ، ويصيران سببا لشدة اليقين أيضا « والرضا بقضاء الله » في الشدة والرخاء والعافية والبلاء ، وهذا أيضا يحصل من الإيمان بكونه سبحانه مالكا لنفع العباد وضرهم ، ولا يفعل بهم إلا ما هو الأصلح لهم ويصير أيضا سببا لكمال اليقين.

" والتسليم لأمر الله" أي الانقياد له في كل ما أمر به ونهى عنه ولنبيه وأوصيائه فيما صدر عنهم من الأقوال والأفعال كما قال سبحانه : « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ

٢٩٣

عز وجل.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه عمن ذكره ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفون حتى تصدقوا ولا تصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا إن الله تبارك وتعالى لا يقبل إلا العمل الصالح ولا يتقبل الله إلا بالوفاء بالشروط والعهود ومن وفى الله بشروطه واستكمل ما وصف في عهده نال ما عنده

______________________________________________________

وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » (١) ومدخلية هذه الخصلة في الإيمان وكما له أظهر من أن يحتاج إلى البيان والله المستعان.

الحديث الثالث : ضعيف وقد مضى بهذا السند بتغيير يسير في باب معرفة الإمام والرد إليه من كتاب الحجة وشرحناه هناك ونوضح هنا بعض التوضيح. « حتى تعرفوا » قيل : أي إمام الزمان « حتى تصدقوا » أي الإمام ، وتعده صادقا فيما يقول « حتى تسلموا أبوابا أربعة » قد مضى الكلام في الأبواب مفصلا.

وقال المحدث الأسترآبادي (ره) : إشارة إلى الإقرار بالله والإقرار برسوله والإقرار بما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإقرار بتراجمة ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتيه : التحير والذهاب عن الطريق المقصد ، يقال : تاه في الأرض إذا ذهب متحيرا كما في القاموس. « إن الله أخبر العباد » تفصيل لما أجمل عليه‌السلام سابقا ، وبيان للأبواب والشروط والعهود المذكورة ، والمنار جمع منارة على غير قياس ، يعني موضع النور ومحله ، وقيل : كنى بالمنار عن الأئمة فإنها صيغة جمع على ما صرح به ابن الأثير في نهايته ، وبتقوى الله فيما أمره عن الاهتداء إلى الإمام والاقتداء به وبإتيان أبوابها عن الدخول في المعرفة من جهة الإمام عليه‌السلام ، انتهى.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٥.

٢٩٤

واستكمل وعده إن الله عز وجل أخبر العباد بطريق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال « وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » (١) وقال « إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (٢) فمن اتقى الله عز وجل فيما أمره لقي الله عز وجل مؤمنا بما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون إنه من أتى « الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها » اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله وهو الإقرار بما نزل من عند الله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ والتمسوا البيوت التي

______________________________________________________

« واستكمل وعده » أي استحق وعده كاملا كما قال تعالى : « أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ » (٣).

« مات قوم » فيما مضى : فات قوم ، وهو أظهر أي فأتوا عنا ولم يبايعونا أو ماتوا ، فالثاني تأكيد « من أتى البيوت » أي بيوت الإيمان والعلم والحكمة « من أبوابها » وهم الأئمة عليه‌السلام ، إشارة إلى تأويل قوله تعالى : « وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها » (٤) وصل الله إشارة إلى قوله تعالى : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (٥) وقوله : « أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ » (٦) وقوله : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » (٧).

« خُذُوا زِينَتَكُمْ » إما بيان لما نزل أو استيناف ، وأول عليه‌السلام الزينة بمعرفة الإمام ، والمسجد بمطلق العبادة ، والبيوت ببيوت أهل العصمة سلام الله عليهم ، والرجال بهم عليهم‌السلام ، والمراد بعدم إلهائهم التجارة والبيع عن ذكر الله أنهم يجمعون بين ذين

__________________

(١) سورة طه : ٨٢.

(٢) سورة المائدة : ٢٧.

(٣) سورة البقرة : ٤٠.

(٤) سورة البقرة : ١٨٩.

(٥) سورة النساء : ٥٩.

(٦) سورة الأنفال : ٤٦.

(٧) سورة النساء : ٨٠.

٢٩٥

أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ » فإنه قد خبركم أنهم « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ » عز وجل « وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ » إن الله قد استخلص الرسل لأمره ثم استخلصهم مصدقين لذلك في نذره فقال « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » (١) تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل إن الله عز وجل يقول « فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (٢) وكيف يهتدي من لم يبصر وكيف يبصر من لم ينذر اتبعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدى فإنهم علامات الأمانة

______________________________________________________

وذا ، لا أنهم يتركونهما رأسا كما ورد النص عليه وفي خبر آخر.

قوله عليه‌السلام : ثم استخلصهم الضمير راجع إلى ولاة الأمر ، وذلك إشارة إلى الأمر ، أي استخلص واصطفى الأوصياء حال كونهم مصدقين لأمر الرسالة في النذر وهم الرسل فقوله : في نذره متعلق بقوله : مصدقين ، ويحتمل أن يكون في نذره أيضا حالا أي حالكونهم مندرجين في النذر ، ويمكن أن يكون ضمير استخلصهم راجعا إلى الرسل أي ثم بعد إرسال الرسل استخلصهم وأمرهم بأن يصدقوا أمر الخلافة في النذر بعدهم وهم الأوصياء عليهم‌السلام ، وقيل : ثم للتراخي في الرتبة دون الزمان ، يعني وقع ذلك الاستخلاص لهم حالكونهم مصدقين لذلك الاستخلاص في سائر نذره أيضا بمعنى تصديق كل منهم لذلك في الباقين.

واستشهد على استمرارهم في الإنذار بقوله تعالى : « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » ثم بين وجوب النذير ووجوب معرفته بتوقف الاهتداء على الإبصار ، وتوقف الإبصار على الإنذار ، وتوقف الإنذار على وجود النذير ومعرفته ، وأشار بآثار الهدى إلى الأئمة عليهم‌السلام ، وفي بعض النسخ ابتغوا آثار الهدى بتقديم الموحدة

__________________

(١) سورة الفاطر : ٢٤.

(٢) سورة الحجّ : ٤٦.

٢٩٦

والتقى واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى ابن مريم عليه‌السلام وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن اقتصوا الطريق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الآثار تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا بالله ربكم.

٤ ـ عنه ، عن أبيه ، عن سليمان الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا ، عن أبيه عليه‌السلام قال رفع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوم في بعض غزواته فقال من القوم فقالوا مؤمنون يا رسول الله قال وما بلغ من إيمانكم قالوا الصبر عند البلاء والشكر

______________________________________________________

على المثناة والغين المعجمة.

ونبه بقوله : لو أنكر رجل عيسى عليه‌السلام ، على وجوب الإيمان بهم جميعا من غير تخلف عن أحد منهم ، ثم كرر الوصية بالاقتداء بهم معللا بأنهم منار طريق الله وأمر بالتماس آثارهم إن لم يتيسر الوصول إليهم.

الحديث الرابع : صحيح.

« رفع إلى رسول الله » كمنع على البناء المعلوم أي أسرعوا إليه أو على بناء المجهول أي ظهروا ، فإن الرفع ملزوم للظهور ، وقال في المصباح : رفعته أذعته ، ومنه رفعت على العامل رفيعة ، ورفع البعير في سيره أسرع ، ورفعته أسرعت به يتعدى ولا يتعدى ، انتهى.

وقال الكرماني في شرح البخاري : فيه فرفعت لنا صخرة ، أي ظهرت لأبصارنا ، وفيه : فرفع لي البيت المعمور ، أي قرب وكشف ، انتهى.

ويمكن أن يقرأ بالدال ، ولكن قد عرفت أنه لا حاجة إليه ، قال في المصباح : دفعت إلى كذا بالبناء للمفعول : انتهيت إليه.

« من القوم » أي من أي صنف من الناس أنتم؟ « فقالوا مؤمنون » أي نحن مؤمنون « وما بلغ من إيمانكم »؟ من تبعيضية أي بأي حد بلغ ، أو زائدة أو سببية أي ما بلغكم ووصل إليكم بسبب أيمانكم ، أو البلوغ بمعنى الكمال ومن للتبعيض أي ما كمل من صفات إيمانكم « حلماء » أي هم حلماء من الحلم بالكسر بمعنى العقل ،

٢٩٧

عند الرخاء والرضا بالقضاء فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء إن كنتم كما تصفون فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون.

باب

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن يعقوب السراج ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وبأسانيد مختلفة ، عن الأصبغ بن نباتة قال خطبنا أمير المؤمنين عليه‌السلام في داره أو قال في القصر ونحن مجتمعون ثم أمر صلوات الله عليه فكتب في كتاب وقرئ على الناس وروى غيره أن ابن

______________________________________________________

أو عدم المبادرة عند الغضب « ما لا تسكنون » أي ما يزيد على ما اضطررتم إليه من المسكن ، وكذا « لا تجمعوا » ما لم تدعكم الضرورة للأكل إليه ويمكن تعميم الأكل بحيث يشمل سائر ما يحتاجون إليه كقوله تعالى : « وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ » (١) أو خصهما بالذكر لأنهما عمدة مطالب الراغبين في الدنيا.

« وَاتَّقُوا اللهَ » إلخ ، لما كانت تلك الصفات يقتضي الزهد في الدنيا والتقوى حثهم في تلك الفقرات عليهما.

باب

إنما لم يعنون لأنه من تتمة البابين السابقين ، وإنما أفرده لأن فيه نسبة الإيمان والإسلام معا أو لأن فيه مدح الإسلام وفضله لا صفاته.

الحديث الأول : صحيح بل ثلاثة أحاديث حسن وصحيحان ، بل ادعي استفاضته بل تواتره لقوله بأسانيد مختلفة عن الأصبغ.

وقوله : وروى غيره أي غير الأصبغ ، وعبد الله بن الكواء كان من الخوارج « فكتب » في كتاب « وقرئ » في المجالس كلا الفعلين مجهول ، وإنما أمر للتشهير

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٨.

٢٩٨

الكواء سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن صفة الإسلام والإيمان والكفر والنفاق فقال أما بعد فإن الله تبارك وتعالى ـ شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه لمن حاربه وجعله عزا لمن تولاه وسلما لمن دخله وهدى لمن ائتم به وزينة لمن

______________________________________________________

والمبالغة على الضبط ، لكثرة فوائده والاهتمام بأخذه.

« أما بعد » أي بعد الحمد والصلاة « فإن الله تبارك وتعالى » وفي نهج البلاغة ومن خطبة له عليه‌السلام : « الحمد لله الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده » الشرع والشريعة بفتحهما ما شرع الله لعباده من الدين ، أي سنة وافترضه عليهم ، وشرع الله لنا كذا أي أظهره وأوضحه ، والشريعة مورد الإبل على الماء الجاري ، وكذلك المشرعة ، قال الأزهري : وتسميها العرب مشرعة إلا إذا كان الماء غير منقطع كماء الأنهار ، ويكون ظاهرا معينا ولا يستقى منه برشاء فإن كان من ماء الأمطار فهو الكرع بفتحتين ، ووردت الماء كوعدت إذا أحضرته لتشرب ، وقيل : الشريعة مورد الشاربة ، ويقال : لما شرع الله تعالى لعباده إذ به حياة الأبدان.

« وأعز أركانه لمن حاربه » وركن الشيء جانبه أو الجانب الأقوى منه ، والعز والمنعة ، وما يتقوى به من ملك وجند وغيره كما يستند إلى الركن من الحائط عند الضعف ، والعز القوة والشدة والغلبة ، وأعزه أي جعله عزيزا أي جعل أصوله وقواعده أو دلائله وبراهينه قاهرة غالبة منيعة قوية لمن أراد محاربته أي هدمه وتضييعه ، وقيل : محاربته كناية عن محاربة أهله ، وفي بعض النسخ جاربه كسأل بالجيم والهمز أي استغاث به ولجأ إليه ، وفي النهج على من غالبة ، أي حاول أن يغلبه ولعله أظهر ، وفي تحف العقول : على من جانبه.

« وجعله عزا لمن تولاه » أي جعله سببا للعزة والرفعة والغلبة لمن أحبه وجعله وليه في الدنيا من القتل والأسر والنهب والذل ، وفي الآخرة من العذاب والخزي ، وفي المجالس الشيخ : لمن والاه ، وفي النهج مكانه : فجعله أمنا لمن علقه أي نشب واستمسك به « وسلما لمن دخله » والسلم بالكسر كما في النهج وبالفتح أيضا

٢٩٩

تجلله وعذرا لمن انتحله وعروة لمن اعتصم به وحبلا لمن استمسك به وبرهانا لمن

______________________________________________________

الصلح ، ويطلق على المسالم أيضا وبالتحريك الاستسلام إذ من دخله يؤمن من المحاربة والقتل والأسر « لمن تجلله » كأنه على الحذف والإيصال أي تجلل به أو علاه الإسلام وظهر عليه ، أو أخذ جلاله وعمدته ، قال الجوهري : تجليل الفرس أن تلبسه الجلل وتجلله أي علاه وتجلله أي أخذ جلاله ، انتهى.

وربما يقرأ بالحاء المهملة ويفسر بأن جعله حلة على نفسه ، ولا يخفى ما فيه ، وفي المجالس والتحف لمن تحلى به وهو أظهر.

« وعذرا لمن انتحله » الانتحال أخذه نحلة ودينا ويطلق غالبا على ادعاء أمر لم يتصف به ، فعلى الثاني المراد أنه عذر ظاهرا في الدنيا ويجري عليه أحكام المسلمين وإن لم ينفعه في الآخرة ، وفي التحف : ودينا لمن انتحله ، والعروة من الدلو والكوز المقبض ، وكل ما يتمسك به شبه الإسلام تارة بالعروة التي في الحبل يتمسك بها في الارتقاء إلى مدارج الكمال والنجاة من مهاوي الحيرة والضلال كما قال تعالى : « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها » (١) وتارة بالحبل المتين يصعد بالتمسك به إلى درجات المقربين والحبل يطلق على الرسن وعلى العهد وعلى الذمة وعلى الأمان والكل مناسب ، وقيل : شبهه بالعروة لأن من أخذ بعروة الشيء كالكوز مثلا ملك كله ، وكذلك من تمسك بالإسلام استولى على جمع الخيرات ، وفي المجالس والتحف « وعصمة لمن اعتصم به وبرهان لمن تكلم به » البرهان الحجة والدليل أي الإسلام إذا أحاط الإنسان بأصوله وفروعه يحصل معه براهين ساطعة على من أنكرها إذ لا تحصل الإحاطة التامة إلا بالعلم بالكتاب والسنة وفيهما برهان كل شيء ، وفي النهج قبل هذه الفقرة قوله : وسلما لمن دخله ، وليست فيه الفقرات المتوسطة وقوله : شاهدا « إلخ » قبل قوله : ونورا لمن استضاء به ، شبهه بالنور للاهتداء به إلى طريق النجاة ، ورشحه بذكر الاستضائة.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٦.

٣٠٠