مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

خلع عنه الإيمان كخلع القميص ونزل بالمدينة « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (١) فبرأه الله

______________________________________________________

لنفي البصيرة ، أي ليس هو ذا بصيرة ، وقال ابن عباس : أي ليس ذا نور وقيل : أي ليس بمستحضر الإيمان ، وقيل : أي ليس هو بعاقل لأن المعصية مع استحضار العقوبة مرجوحة والحكم بالمرجوح بخلاف المعقول ، وقيل : المقصود نفي الحياء ، والحياء شعبة من الإيمان أي ليس بمستحي من الله سبحانه.

ولا يخفى ما في أكثر هذه الوجوه من البعد والركاكة.

« وأنزل بالمدينة » أي في سورة النور : « الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ » أي يقذفون العفائف من النساء بالزنا « ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ » أي بأربعة عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ما رموهن به من الزنا « فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً » خبر الذين بتأويل « وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً » خبر ثان ، وتنكير شهادة للعموم ، أي في أمر من الأمور كان أبدا تأكيد للعموم أي ما لم يتب « وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » أي هم في أعلى مراتب الفسق حتى كأنه لا فاسق غيرهم فقد عبر عنهم باسم الإشارة وعرف الخبر وأتى بضمير الفصل مبالغة في ادعاء حصر الفسق فيهم وقصره عليهم.

قيل : ويمكن أن يكون حالا أو اعتراضا يجري مجرى التعليل لعدم قبول الشهادة « إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا » عن القذف وندموا ورجعوا بالتدارك « مِنْ بَعْدِ ذلِكَ » أي من بعد إقامة الحد ، وقيل : من بعد الرمي « وَأَصْلَحُوا » سرائرهم وأعمالهم فاستقاموا على مقتضى التوبة ، قالوا ومنه الاستسلام للحد والاستحلال من المقذوف والعزم على عدم العود إلى ذلك ، وعلى ترك جميع المناهي على قول.

وفي المجمع : ومن شرط توبة القاذف أن يكذب نفسه فيما قاله فإن لم يفعل ذلك لم يجز قبول شهادته « فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » علة للاستثناء.

قوله عليه‌السلام : « فَبَرَّأَهُ اللهُ » الظاهر أنه عليه‌السلام استدل على عدم وصفهم بالإيمان

__________________

(١) سورة النور : ٥.

٢٠١

ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالإيمان قال الله عز وجل : « أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ » (١) وجعله الله منافقا قال الله عز وجل : « إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ » (٢) وجعله عز وجل من أولياء إبليس قال « إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ

______________________________________________________

بوصفهم بالفسق لأن في عرف القرآن لازم للكفر ولم يطلق فيه الفاسق إلا على الكافر كقوله تعالى : « أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً » فقابل بين الإيمان والفسق ، فدل على أن الفاسق ليس بمؤمن ، وقال : « إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ » فخص الفاسق في المنافق فجعله الله منافقا « وجعله من أولياء إبليس » حيث أطلق الفسق عليهما ، وأيضا إذا نظرت في الآيات الكريمة وسبرتها لم تر الفاسق أطلق فيها إلا على الكافر.

قال الراغب : فسق فلان : خرج من حد الشرع ، وذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكافر ، والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير لكن تعورف فيما كان كثيرا ، وأكثر ما يقال لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه ، وإذا قيل للكافر الأصلي فاسق فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضاء الفطرة ، قال عز وجل : « فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ » (٣) « فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ » (٤) « وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ » (٥) « وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » (٦) « أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ » (٧) وقال : « وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » (٨) وقال تعالى : « وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ » (٩) « وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ » (١٠) « وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » (١١) « إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ » (١٢) و « كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » (١٣) انتهى.

__________________

(١) سورة السجدة : ١٨. (٢) سورة التوبة : ٦٧.

(٣) سورة الكهف : ٥٠. (٤) سورة الإسراء : ١٦.

(٥) سورة آل عمران : ١٨. (٦) سورة النور : ٣.

(٧) سورة السجدة : ١٨. (٨) سورة النور : ٥٥.

(٩) سورة السجدة : ٢٠. (١٠) سورة الأنعام : ٤٩.

(١١) سورة الصفّ : ٥. (١٢) سورة التوبة : ٦٧.

(١٣) سورة يونس : ٣٣.

٢٠٢

فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ » (١) وجعله ملعونا فقال : « إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٢) وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عز وجل : « فَأَمَّا

______________________________________________________

« وجعله » أي الرامي « الْمُحْصَناتِ » أي العفائف « الْغافِلاتِ » مما قذفن به « الْمُؤْمِناتِ » بالله ورسوله وما جاء به « لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ » بما طعنوا فيهن « وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » لعظم ذنوبهم.

« يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ » ظرف لما في لهم من معنى الاستقرار لا للعذاب « أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ » يعترفون بها بإنطاق الله إياها بغير اختيارهم أو بظهور آثاره عليها.

قوله عليه‌السلام : وليست تشهد ، يدل على أن شهادة الجوارح إنما هي للكفار كما ذكره جماعة من المفسرين ، وذكره الشيخ البهائي (ره) في الأربعين.

قوله عليه‌السلام : فيعطى كتابه بيمينه ، أي فيقرأه ، ومن تنطق جوارحه يختم على فيه ، لقوله تعالى : « الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ » (٣) أو لأن سياق آيات شهادة الجوارح تدل على غاية الغضب ، والآيات النازلة في المؤمنين مشتملة على نهاية اللطف كقوله سبحانه : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ » (٤) أي من المدعوين « كِتابَهُ بِيَمِينِهِ » أي كتاب عمله « فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ » ابتهاجا بما يرون فيه « وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » أي ولا ينقصون من أجورهم أدنى شيء ، والفتيل : المفتول ، وسمي ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته ، وقيل : هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ويضرب به المثل في الشيء الحقير.

ثم اعلم أن هذا المضمون وقع في مواضع من القرآن المجيد أو لها في بني إسرائيل : « فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ » إلى آخر ما في الحديث.

__________________

(١) سورة الكهف : ٤٨.

(٢) سورة النور : ٢٣ ـ ٢٤.

(٣) سورة يس : ٦٥.

(٤) سورة الإسراء : ٧١.

٢٠٣

مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » (١) وسورة النور أنزلت بعد سورة النساء وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة النساء « وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَ

______________________________________________________

وثانيها في إلحاقه « فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ » وثالثها في الانشقاق : « فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ».

وما في الحديث لا يوافق شيئا منها وإن كان بالأول أنسب ، فكأنه من تصحيف النساخ أو كان في قراءتهم عليهم‌السلام هكذا ، أو نقل بالمعنى جمعا بين الآيات.

« وسورة النور أنزلت » كان هذا جواب عن اعتراض مقدر ، وهو أنه لما أنزل الله في سورة النساء مرتين « إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ* » ، وهي تدل على عدم ترتب العذاب على غير الشرك ، فيمكن كونها ناسخة للآيات الدالة على عقوبات أصحاب الكبائر وعدم كونهم من المؤمنين ، فأجاب عليه‌السلام بعد التنزل على عدم المخالفة بين هذه الآية وتلك الآيات لأن تجويز المغفرة لمن شاء الله لا ينافي استحقاقهم للعذاب والعقاب وخروجهم عن الإيمان بأحد معانيه بأن أكثر ما أوردنا من الآيات واستدللنا بها إنما هي في سورة النور وهي نزلت بعد سورة النساء فكيف تكون آية النساء ناسخة لها ، فلو احتاج التوفيق إلى القول بالنسخ لكان الأمر بعكس ما قلتم ، مع أنه لا قائل بالفصل.

ثم استدل عليه‌السلام على ذلك بأن الله تعالى قال في سورة النساء : « أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً » والسبيل هو الذي ذكره من الحد في سورة النور ، ويحتمل أن يكون الغرض إفادة دليل آخر على ما سبق من نزول الأحكام مدرجا ونسخ الأشد للأضعف لكن الأول أظهر.

« وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ » ذهب الأكثر إلى أن المراد بالفاحشة الزنا ، وقيل : هي المساحقة « فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ » الخطاب للأئمة

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧٤.

٢٠٤

فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً » (١) والسبيل الذي قال الله عز وجل : « سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (٢).

______________________________________________________

والحكام بطلب أربعة رجال من المسلمين شهودا عليهن وقيل : الخطاب للأزواج « فَإِنْ شَهِدُوا » أي الأربعة « فَأَمْسِكُوهُنَ » أي فاحبسوهن « فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَ » أي يدركهن « الْمَوْتُ » قيل : أريد به صيانتهن عن مثل فعلهن والأكثر على أنه على وجه الحد على الزنا قالوا : كان في بدو الإسلام إن فجرت المرأة وقام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت ، ثم نسخ ذلك بالرجم في المحصنين والجلد في البكرين. « أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً » أي ببيان الحكم كما مر وقيل : بالتوبة أو بالنكاح المغني عن السفاح ، وقالوا : لما نزل قوله تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا » قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذوا عني قد جعل الله سبيلا.

« سُورَةٌ » أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة « أَنْزَلْناها » صفة « وَفَرَضْناها » أي فرضنا ما فيها من الأحكام « لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » فتتقون الحرام « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي » قيل : أي فيما فرضنا أو أنزلنا حكمهما وهو الجلد ، ويجوز أن يرفعا بالابتداء والخبر « فَاجْلِدُوا » إلى قوله « رَأْفَةٌ » أي رحمه « فِي دِينِ اللهِ » أي في طاعته وإقامة حده فتعطلوه أو تسامحوا فيه « إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ » فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله.

ثم اعلم أن عدم ذكر الولاية في هذا الخبر مع أنها الغرض الأصلي منه لنوع من التقية لأنه عليه‌السلام ذكره إلزاما عليهم حيث أنكروا كون الولاية جزءا من الإيمان.

__________________

(١) سورة النساء : ١٤.

(٢) سورة النور : ١ ـ ٢.

٢٠٥

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن فضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان مؤمنا قال فأين فرائض الله قال وسمعته يقول كان علي عليه‌السلام يقول لو كان الإيمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام قال وقلت لأبي جعفر عليه‌السلام إن عندنا قوما يقولون إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو مؤمن قال فلم يضربون الحدود ولم تقطع أيديهم وما خلق الله عز وجل خلقا أكرم على الله عز وجل من المؤمن لأن الملائكة خدام المؤمنين وأن جوار الله للمؤمنين وأن الجنة للمؤمنين وأن الحور العين للمؤمنين ثم قال فما بال من جحد الفرائض كان كافرا.

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

والحاصل أن الإيمان الذي هو سبب لرفع الدرجات والتخلص من العقوبات في الدنيا والآخرة ليس محض العقائد وإلا لم يفرض الله الفرائض ولم يتوعد على المعاصي ، وأيضا ما ورد في الآيات والأخبار من كرامة المؤمنين ودرجاتهم ومنازلهم ينافي إجراء الحدود عليهم وإذا لهم وإهانتهم ، فلا بد من خروجهم عن الإيمان حين استحقاقهم تلك العقوبات.

قوله : فما بال من جحد؟ لعل المعنى أنه لو كان الإيمان محض التكلم بالشهادتين أو الاعتقاد بهما كما تزعمون لم يكن جحد الفرائض موجبا للكفر مع أنكم توافقوننا في ذلك لورود الأخبار فيه ، فلم لا تقولون بعدم إيمان تاركي الفرائض ومرتكبي الكبائر أيضا مع ورود الأخبار الكثيرة فيها أيضا ، وقيل : المراد بجحد الفرائض تركها عمدا من غير عذر فإنه يؤذن بالاستخفاف والجحد.

قال الشهيد الثاني رفع الله درجته في بيان حقيقة الكفر : عرفه جماعة بأنه عدم الإيمان عما من شأنه أن يكون مؤمنا سواء كان ذلك العدم بضد أو لا بضد فبالضد كان يعتقد عدم الأصول التي بمعرفتها يتحقق الإيمان أو عدم شيء منها وبغير الضد

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كالخالي من الاعتقادين أي اعتقاد ما به يتحقق الإيمان واعتقاد عدمه ، وذلك كالشاك أو الخالي بالكلية كالذي لم يقرع سمعه شيء من الأمور التي يتحقق الإيمان بها.

ويمكن إدخال الشاك في القسم الأول إذ الضد يخطر بباله وإلا لما صار شاكا ، واعترض عليه بأن الكفر قد يتحقق مع التصديق بالأصول المعتبرة في الإيمان كما إذا ألقى إنسان المصحف في القاذورات عامدا أو وطأه كذلك أو ترك الإقرار باللسان جحدا وحينئذ فينقض حد الإيمان منعا وحد الكفر جمعا.

وأجيب تارة بأنا لا نسلم بقاء التصديق لفاعل ذلك ، ولو سلمنا يجوز أن يكون الشارع جعل وقوع شيء من ذلك علامة وأمارة على تكذيب فاعل ذلك وعدم تصديقه فيحكم بكفره عند صدور ذلك منه ، وهذا كما جعل الإقرار باللسان علامة على الحكم بالإيمان مع أنه قد يكون كافرا في نفس الأمر.

وتارة بأنه يجوز أن يكون الشارع حكم بكفره ظاهرا عند صدور شيء من ذلك حسما لمادة جرأة المكلفين على انتهاك حرماته وتعدى حدوده ، وإن كان التصديق في نفس الأمر حاصلا وغاية ما يلزم من ذلك جواز الحكم بكون شخص واحد مؤمنا وكافرا وهذا لا محذور فيه لأنا نحكم بكفره ظاهرا وإمكان إيمانه باطنا فالموضوع مختلف فلم يتحقق اجتماع المتقابلين ليكون محالا ، ونظير ذلك ما ذكرناه من دلالة الإقرار على الإيمان فيحكم به مع جواز كونه كافرا في نفس الأمر.

وأقول أيضا : أن النقض المذكور لا يرد على جامعية تعريف الكفر وذلك لأنه قد بين أن العدم المأخوذ فيه أعم من أن يكون بالضد أو غيره ، وما ذكر من موارد النقض داخل في غير الضد كما لا يخفى ، وحينئذ فجامعيته سالمة لصدقه على الموارد المذكورة والناقض والمجيب غفلا عن ذلك.

ويمكن الجواب عن مانعية تعريف الإيمان أيضا بأن نقول من عرف الإيمان بالتصديق المذكور جعل عدم الإتيان بشيء من موارد النقض شرطا في اعتبار ذلك

٢٠٧

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن سلام الجعفي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإيمان فقال الإيمان أن يطاع الله فلا يعصى.

______________________________________________________

التصديق شرعا وتحقق حقيقة الإيمان.

والحاصل أنا لما وجدنا الشارع حكم بإيمان المصدق وحكم بكفر من ارتكب شيئا من الأمور المذكورة مطلقا علمنا أن ذلك التصديق إنما يعتبر في نظر الشارع إذا كان مجردا عن ارتكاب شيء من موارد النقض وأمثالها الموجبة للكفر ، فكان عدم الأمور المذكورة شرطا في حصول الإيمان ، ولا ريب أن المشروط عدم عند عدم شرطه وشروط المعرف التي يتوقف عليها وجود ماهيته ملحوظة في التعريف وإن لم يصرح بها فيه للعلم باعتبارها عقلا لما تقرر في بداهة العقول أنه بدون العلة لا يوجب المعلول والشرط من أجزاء العلة كما صرحوا به في بحثها ، والكل لا يوجد بدون جزئه.

وهذا الجواب واللذان قبله لم نجدها لغيرنا بل هي من هبات الواهب تعالى وتقدس ولم نعدم لذلك مثلا وإن لم نكن له أهلا ، انتهى كلامه قدس‌سره.

وأقول : هذه التكلفات إنما يحتاج إليها إذا جعل الإيمان نفس العقائد ولم يدخل فيها الأعمال ومع القول بدخول الأعمال لا حاجة إليها ، مع أن هذا التحقيق يهدم ما أسسه سابقا إذ يجري هذه الوجوه في سائر الأعمال والتروك التي نفي كونها داخلة في الإيمان وما ذكره عليه‌السلام في آخر الحديث من الإلزام على المخالفين يومئ إلى هذا التحقيق فتأمله.

الحديث الثالث : مجهول.

ويدل على أحد المعاني التي ذكرنا للإيمان ، وحمله القوم على الإيمان الكامل ، وقال بعض المحققين ممن كان في عصرنا قدس‌سره : هذا مجمل القول في الإيمان ويفصله سائر الأخبار بعض التفصيل.

وأما الضابط الكلي الذي يحيط بحدوده ومراتبه ويعرفه حق التعريف فهو أن الإيمان الكامل الخالص المنتهى تمامه هو التسليم لله تعالى والتصديق بما

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسانا وقلبا على بصيرة مع امتثال جميع الأوامر والنواهي كما هي ، وذلك إنما يمكن تحققه بعد بلوغ الدعوة النبوية إليه في جميع الأمور أما من لم تصل إليه الدعوة في جميع الأمور أو في بعضها لعدم سماعه أو عدم فهمه فهو ضال أو مستضعف ليس بكافر ولا مؤمن ، وهو أهون الناس عذابا بل أكثر هؤلاء لا يرون عذابا وإليهم الإشارة بقوله سبحانه : « إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً » (١) ومن وصلت إليه الدعوة فلم يسلم ولم يصدق ولو ببعضها إما لاستكبار وعلو أو لتقليد للأسلاف وتعصب لهم أو غير ذلك فهو كافر بحسبه أي بقدر عدم تسليمه وترك تصديقه كفر جحود وعذابه عظيم على حسب جحوده ، وإليهم الإشارة بقوله سبحانه : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ، خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » (٢).

ومن وصلت إليه الدعوة فصدقها بلسانه وظاهره لعصمة ماله أو دمه أو غير ذلك من الأغراض وأنكرها بقلبه وباطنه لعدم اعتقاده بها فهو كافر كفر نفاق وهو أشدهم عذابا وعذابه أليم بقدر نفاقه.

وإليهم الإشارة بقوله سبحانه : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ » إلى قوله : « إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (٣).

ومن وصلت إليه الدعوة فاعتقدها بقلبه وباطنه لظهور حقيتها لديه وجحدها أو بعضها بلسانه ولم يعترف بها حسدا وبغيا وعتوا وعلوا أو تقليدا وتعصبا أو غير

__________________

(١) سورة النساء : ٩٨.

(٢ و ٣) سورة البقرة : ٧ ـ ١١.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك فهو كافر كفر تهود ، وعذابه قريب من عذاب المنافق.

وإليهم الإشارة بقوله عز وجل : « الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (١) وقوله : « فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ » (٢) وقوله : « إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ » (٣) وقوله : « وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ، أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا » (٤) وقوله : « أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ » إلى قوله : « أَشَدِّ الْعَذابِ » (٥).

ومن وصلت إليه الدعوة فصدقها بلسانه وقلبه ولكن لا يكون على بصيرة من دينه إما لسوء فهمه مع استبداده بالرأي وعدم تابعيته للإمام أو نائبه المقتفى أثره حقا وإما لتقليد وتعصب للآباء والأسلاف المستبدين بآرائهم مع سوء إفهامهم أو غير ذلك فهو كافر كفر ضلالة وعذابه على قدر ضلالته وقدر ما يضل فيه من أمر الدين.

وإليهم الإشارة بقوله عز وجل : « يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَ » (٦) حيث قالوا عزير ابن الله أو المسيح ابن الله ، وبقوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ » (٧) وبقول نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.

ومن وصلت إليه الدعوة فصدقها بلسانه وقلبه على بصيرة واتباع للإمام أو نائبه الحق إلا أنه لم يمتثل جميع الأوامر والنواهي بل أتى ببعض دون بعض بعد أن

__________________

(١) سورة البقرة : ١٤٦.

(٢) سورة البقرة : ٨٩.

(٣) سورة البقرة : ١٥٩.

(٤) سورة النساء : ١٥٠.

(٥) سورة البقرة : ٨٥.

(٦) سورة النساء ، ١٧١.

(٧) سورة المائدة : ٨٧.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

اعترف بقبح ما يفعله ولكن لغلبة نفسه وهواه عليه فهو فاسق عاص والفسق لا ينافي أصل الإيمان ، ولكن ينافي كماله ، وقد يطلق عليه الكفر وعدم الإيمان أيضا إذا ترك كبار الفرائض أو أتى بكبار المعاصي كما في قوله عز وجل : « وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » (١) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، وذلك لأن إيمان مثل هذا لا يدفع عنه أصل العذاب ودخول النار ، وإن دفع عنه الخلود فيها فحيث لا يفيده في جميع الأحوال فكأنه مفقود.

والتحقيق فيه أن المتروك إن كان أحد الأصول الخمسة التي بني الإسلام عليها أو المأتي به إحدى الكبائر من المنهيات خاصة فصاحبه خارج عن أصل الإيمان أيضا ما لم يتب أو لم يحدث نفسه بتوبة لعدم اجتماع ذلك مع التصديق القلبي فهو كافر كفر استخفاف ، وعليه يحمل ما روي من دخول العمل في أصل الإيمان ، روى ابن أبي شعبة عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل أنه قال : لا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك ما استحق أن يكون به مؤمنا ، وإنما استوجب واستحق اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة ، وترك كبار المعاصي واجتنابها وإن ترك صغار الطاعة وارتكب صغار المعاصي فليس بخارج من الإيمان ولا تارك له ما لم يترك شيئا من كبار الطاعة وارتكاب شيء من كبار المعاصي فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن بقول الله : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » (٢) يعني مغفرة ما دون الكبائر فإن هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها وكبارها معاقبا عليها معذبا بها.

إلى هنا كلام الصادق عليه‌السلام.

إذا عرفت هذا فاعلم أن كل من جهل أمرا من أمور دينه بالجهل البسيط فقد

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) سورة النساء : ٣١.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

نقص إيمانه بقدر ذلك الجهل ، وكل من أنكر حقا واجب التصديق لاستكبار أو هوي أو تقليد أو تعصب فله عرق من كفر الجحود ، وكل من أظهر بلسانه ما لم يعتقد بباطنه وقلبه لغير غرض ديني كالتقية في محلها ونحو ذلك أو عمل عملا أخرويا لغرض دنيوي فله عرق من النفاق ، وكل من كتم حقا بعد عرفانه أو أنكر ما لم يوافق هواه وقبل ما يوافقه فله عرق من التهود ، وكل من استبد برأيه ولم يتبع إمام زمانه أو نائبه الحق أو من هو أعلم منه في أمر من الأمور الدينية فله عرق من الضلالة ، وكل من أتى حراما أو شبهة أو توانى في طاعة مصرا على ذلك فله عرق من الفسوق ، فإن كان ذلك ترك كبير فريضة أو إتيان كبير معصية فله عرق من كفر الاستخفاف ، ومن أسلم وجهه لله في جميع الأمور من غير غرض وهوى واتبع إمام زمانه أو نائبه الحق آتيا بجميع أوامر الله ونواهيه من غير تواني ولا مداهنة ، فإذا أذنب ذنبا استغفر من قريب وتاب أو زلت قدمه استقام وأناب فهو المؤمن الكامل الممتحن ودينه هو الدين الخالص وهو الشيعي حقا والخالص صدقا وأولئك أصحاب أمير المؤمنين ، بل هو من أهل البيت عليهم‌السلام إذا كان عالما بأمرهم محتملا لسرهم كما قالوا : سلمان منا أهل البيت.

٢١٢

باب

في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد قال حدثنا أبو عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له أيها العالم أخبرني أي الأعمال أفضل عند الله قال ما لا يقبل الله شيئا إلا به قلت وما هو قال ـ الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا

______________________________________________________

باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها

يقال : بث الخبر وأبثه أي نشره.

الحديث الأول : ضعيف على المشهور لكنه مؤيد بأخبار أخر ، وقد روى النعماني في تفسيره مثله عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ومضامينه دالة على صحته.

قوله عليه‌السلام : الإيمان بالله ، هو مبتدأ وأعلى خبره ، ويحتمل أن يكون المراد به جميع العقائد الإيمانية اكتفي بذكر أشرفها وأعظمها للزومها لسائرها مع أن كون التوحيد أشرف لا ينافي وجوب البقية واشتراطه بها ، والسنا الضوء وبالمد الرفعة ، والحظ النصيب ، والمراد بالقول التصديق القلبي أو هو مع الإقرار اللساني بالعقائد الإيمانية ، وقيل : هو الذي يعبر عنه بالكلام النفسي ، وقد يستدل بقوله : عمل كله ، على أن التصديق المكلف به ليس محض العلم إذ هو من قبيل الانفعال ، بل هو فعل قلبي.

قال شارح المقاصد : والمذهب أنه غير العلم والمعرفة لأن من الكفار من كان يعرف الحق ولا يصدق به عنادا واستكبارا ، قال الله تعالى : « الَّذِينَ آتَيْناهُمُ

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (١) وقال : « وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ » (٢) وقال تعالى حكاية عن موسى عليه‌السلام لفرعون : « لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » (٣) فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو معرفته وبين التصديق ليصح كون الأول حاصلا للمعاندين دون الثاني ، وكون الثاني إيمانا دون الأول ، فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب ، وضد المعرفة النكارة والجهالة ، وإليه أشار الغزالي حيث فسر التصديق بالتسليم ، فإنه لا يكون مع الإنكار والاستكبار بخلاف العلم والمعرفة وفصل بعضهم زيادة التفصيل ، وقال : التصديق عبارة عن ربط القلب بما علم من أخبار المخبر وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق ، ولهذا يؤمر ويثاب عليه بل يجعل رأس العبادات بخلاف المعرفة فإنها ربما تحصل بلا كسب كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر ، وحققه بعض المتأخرين زيادة تحقيق فقال : المعتبر في الإيمان هو التصديق الاختياري ، ومعناه نسبة التصديق إلى المتكلم اختيارا وبهذا القيد يمتاز عن التصديق المنطقي المقابل للتصور ، فإنه قد يخلو عن الاختيار كما إذا ادعى النبي النبوة وأظهر المعجزة فوقع في القلب صدقه ضرورة ، من غير أن ينسب إليه اختيارا فإنه لا يقال في اللغة أنه صدقه فلا يكون إيمانا شرعيا ، كيف والتصديق مأمور به فيكون فعلا اختياريا زائدا على العلم لكونه كيفية نفسانية أو انفعالا وهو حصول المعنى في القلب ، والفعل القلبي ليس كذلك بل هو إيقاع النسبة اختيارا الذي هو كلام النفس ، ويسمى عقد القلب فالسوفسطائي عالم بوجود النهار وكذا بعض الكفار بنبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنهم ليسوا بمصدقين لأنهم لا يحكمون اختيارا بل ينكرون.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٤٦.

(٢) سورة البقرة : ١٤٤.

(٣) سورة الإسراء : ١٠٢.

٢١٤

قال قلت ألا تخبرني عن الإيمان أقول هو وعمل أم قول بلا عمل فقال الإيمان

______________________________________________________

وكلام هذا القائل متردد يميل تارة إلى أن التصديق المعتبر في الإيمان نوع من التصديق المنطقي لكونه مقيدا بالاختيار وكون التصديق العلمي أعم لا فرق بينهما إلا بلزوم الاختيار وعدمه ، وتارة إلى أنه ليس من جنس العلم أصلا لكونه فعلا اختياريا ، وكون العلم كيفية أو انفعالا ، وعلى هذا الأخير أصر بعض المعتنين بتحقيق الإيمان ، وجزم بأن التسليم الذي فسر به الغزالي التصديق ليس من جنس العلم ، بل أمر وراءه معناه « گردن دادن وگرويدن وحق دانستن مر آن را كه حق دانسته باشى » ويؤيده ما ذكره إمام الحرمين أن التصديق على التحقيق كلام النفس لكن لا يثبت كلام النفس إلا مع العلم.

ونحن نقول : لا شك أن التصديق المعتبر في الإيمان هو ما يعبر فيه في الفارسية « بگرويدن وباور كردن وراستگوى داشتن » إذا أضيف إلى الحاكم « وراست داشتن وحق داشتن » إذا أضيف إلى الحكم ، ولا يكفي مجرد العلم والمعرفة الخالي عن هذا المعنى ، ثم أطال الكلام في ذلك وآل تحقيقه إلى أنه ليس شيء وراء العلم والمعرفة.

وقال المحقق الدواني في شرح العقائد : اعلم أنه لو فسر التصديق المعتبر في الإيمان بما هو أحد قسمي العلم فلا بد من اعتبار قيد آخر ليخرج الكفر العنادي ، وقد عبر عنه بعض المتأخرين بالتسليم والانقياد ، وجعله ركنا من الإيمان ، والأقرب أن يفسر التصديق بالتسليم الباطني والانقياد القلبي ويقرب منه ما قيل : إن التصديق أن تنسب باختيارك الصدق إلى أحد وهو يحوم حول ذلك وإن لم يصب المخبر ، انتهى.

والحق أن إثبات معنى آخر غير العلم والمعرفة مشكل ، وكون بعض أفراده حاصلا بغير اختيار لا ينافي التكليف به لمن لم يحصل له ذلك وترتب الثواب على ما حصل بغير الاختيار إما تفضل أو هو علي الثبات عليه وإظهاره والعمل بمقتضاه ،

٢١٥

عمل كله والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بين في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه قال قلت صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه قال الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل فمنه التام المنتهى تمامه

______________________________________________________

والكلام النفسي الذي ذكروه ليس وراء التصور والتصديق شيئا ، نعم المعنى الذي نفهمه هيهنا زائدا على العلم هو العزم على إظهار ما اعتقده أو على عدم إنكاره ظاهرا بغير ضرورة تدعو إليه ، ويمكن عده من لوازم الإيمان أو شرائطه كما يومئ إليه بعض الآيات والأخبار ، والعلم لو سلم أنه من قبيل الانفعال فعده عملا على سبيل التوسع باعتبار أسبابه ومباديه.

قوله عليه‌السلام : بفرض ، الباء للسببية وضميرا « نوره » و « حجته » راجعان إلى الفرض ، وضمير « له » إلى العامل ، وقيل : إلى كونه عملا ، وقيل : إلى الله ، والأول أظهر ، ومن أرجع ضمير « به » إلى الفرض وضمير « له » إلى كونه عملا لو عكس كان أنسب ، وقوله : واضح ، وثابتة ، نعتان للفرض ، وضمير يدعوه ، المستتر راجع إلى الكتاب ، والبارز إلى العامل ، وقيل : الظاهر أن يشهد ، ويدعوه حال عن فرض ، وأن ضمير له وإليه راجع إلى الله ، وضمير « به » والبارز في يدعوه للفرض ، والمراد بدعاء الكتاب ذلك الفرض إليه سبحانه نسبته إليه ، وبيانه أنه منه ، ويحتمل أن يكون حالا عن الإيمان وأن يكون ضمير له ويدعوه راجعا إليه وضمير به وإليه للعمل ، أي يشهد الكتاب للإيمان بأنه عمل ، ويدعو الكتاب للإيمان إلى أنه عمل ، انتهى.

ولا يخفى بعدهما ، وفي تفسير العياشي : يشهد له بها الكتاب ، ويدعو إليه فضمير بها راجع إلى الحجة.

« للإيمان حالات » كأنه إشارة إلى الحالات الثلاث الآتية أي التام والناقص : والراجح والدرجات مراتب الرجحان فإنها كثيرة بحسب الكمية والكيفية ، والطبقات مراتب النقصان ، والمنازل ما يلزم تلك الدرجات والطبقات من القرب إليه

٢١٦

ومنه الناقص البين نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه قلت إن الإيمان ليتم وينقص ويزيد قال نعم قلت كيف ذلك قال لأن الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها فليس من جوارحه جارحة

______________________________________________________

سبحانه والبعد عنه ، والمثوبات المترتبة عليها.

وقيل : إشارة إلى أن للإيمان مراتب متكثرة وهي حالات الإنسان باعتبار قيامها به ، ودرجات باعتبار ترقيه من بعضها إلى بعض ، وطبقات باعتبار تفاوت مراتبها في نفسها ، وكون بعضها فوق بعض ، ومنازل باعتبار أن الإنسان ينزل فيها ويأوي إليها فمنه التام وهو إيمان الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام لاشتماله على جميع أجزاء الإيمان من فعل الفرائض وترك الكبائر وإن تفاوتت بانضمام سائر المكملات من المستحبات وترك المكروهات زيادة ونقصانا ، أو المراد بالتام المنتهى تمامه درجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصيائه عليهم‌السلام ، ومنه الناقص البين نقصانه وهو أقل مراتب الإيمان الذي بعده الكفر ، ومنه الراجح وفيه أفراد غير متناهية باعتبار التفاوت في الكمية والكيفية.

ثم أنه يحتمل الكلام وجهين : أحدهما : أن يكون الإيمان المشتمل على فعل الفرائض وترك الكبائر حاصلا في الجميع لعدم صدق الإيمان بدون ذلك ، ويكون الدرجات والمنازل باعتبار تلك الأعمال ونقصها وانضمام فعل سائر الواجبات وترك سائر المحرمات وفعل المندوبات وترك المكروهات ، بل المباحات والاتصاف بالأخلاق السنية والملكات العلية.

وثانيهما : أن يكون القدر المشترك حصول الإيمان في الجملة والكامل ما يكون مشتملا على جميع الأجزاء وهو الإيمان حقيقة والناقص التام ما لم يكن فيه سوى العقائد الحقة والدرجات المتوسطة تختلف باعتبار كثرة أجزاء الإيمان وقلتها فالمؤمن حقيقة هو الفرد الأول ، وإطلاقه على البواقي على التوسع لانتفاع الكل بانتفاء أحد الأجزاء ولكل منهما شواهد لفظا ومعنى فتأمل ، فلما عسر فهمه على السائل لألفته بمصطلحات المتكلمين أعاد السؤال لمزيد التوضيح.

٢١٧

إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره و

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : به يعقل ويفقه ويفهم ، قيل : العقل العلم بالقضايا الضرورية ، والفقه ترتيبها لإنتاج القضايا النظرية ، والفهم العلم بالنتيجة.

أقول : ويحتمل أن يكون العقل معرفة الأصول العقلية ، والفقه العلم بالأحكام الشرعية ، والفهم معرفة سائر الأمور المتعلقة بالمعاش وغيره ، والمراد بالقلب النفس الناطقة سميت به لتعلقها أو لا بالروح الحيواني المنبعث منه أو القلب الصنوبري من حيث تعلق النفس به ، وقيل : محل الإدراك هذا الشكل الصنوبري ، عملا بظواهر الآيات والأخبار وسيأتي تحقيقه في محله إن شاء الله.

قال الراغب في المفردات : قال بعض الحكماء حيث ما ذكر الله القلب فإشارة إلى العقل والعلم ، نحو : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » (١) وحيث ما ذكر الصدر فإشارة إلى ذلك وإلى سائر القوي من الشهوة والهوى والغضب ونحوها ، وقوله : « رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي » (٢) فسؤال لإصلاح قواه ، وكذا قوله : « وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ » (٣) إشارة إلى اشتفائهم ، وقوله : « وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (٤) أي العقول التي هي مندرجة بين سائر القوي وليست بمهتدية والله أعلم بذلك.

وقال : قلب الإنسان قيل : سمي به لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وسائر ذلك ، فقوله : « وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ » (٥) أي الأرواح « إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » (٦) أي علم وفهم ، وكذلك « وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ » (٧) وقوله : « وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ » (٨)

__________________

(١ و ٦) سورة ق : ٣٧.

(٢) سورة طه : ٢٥.

(٣) سورة التوبة : ١٤.

(٤) سورة الحجّ : ٤٦.

(٥) سورة الأحزاب : ١٠.

(٧) سورة الأنعام : ٢٥.

(٨) سورة التوبة : ٨٧.

٢١٨

منها عيناه اللتان يبصر بهما وأذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي الباه من قبله ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تبارك اسمه ينطق به الكتاب لها ويشهد به عليها.

ففرض على القلب غير ما فرض على السمع وفرض على السمع غير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه فأما ما فرض

______________________________________________________

وقوله : « وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ » (١) أي تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم ، وعلى عكسه « وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ » (٢) وقوله : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ » (٣) وقوله : « وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى » (٤) أي متفرقة وقوله : « وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (٥).

وقيل : العقل ، وقيل : الروح ، فأما العقل فلا يصح عليه ذلك ومجازه مجاز قولهم : تجري من تحتها الأنهار ، والأنهار لا تجري وإنما يجري الماء الذي فيه ، انتهى.

والورود حضور الماء للشرب ، والصدر والصدور الانصراف عنه ، وهذا مثل في أنها لا تفعل شيئا إلا بأمره كما يقال في الفارسية : لا يشرب الماء إلا بأمره وإذنه.

والبطش تناول الشيء بصولة وقوة ، والباه في بعض النسخ بدون الهمزة وفي بعضها بها ، قال الجوهري : الباه مثل الجاه لغة في الباءة وهو الجماع « ينطق به » الجملة نعت للفرض وضمير به في الموضعين للفرض ، وضمير لها وعليها للجارحة ، واللام للانتفاع ، وعلى للإضرار وإرجاع ضمير « به » إلى الإيمان كما قيل يقتضي خلو الجملة عن العائد وإرجاع ضمير « لها » هنا إلى الجارحة يؤيد إرجاع ضمير « له » سابقا إلى العامل.

__________________

(١) سورة الأنفال : ١٠.

(٢) سورة الحشر : ٢.

(٣) سورة الفتح : ٤.

(٤) سورة الحشر : ١٤.

(٥) سورة الحجّ : ٤٦.

٢١٩

على القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتخذ « صاحِبَةً وَلا وَلَداً » وأن محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب فذلك

______________________________________________________

قوله : فالإقرار ، أي الإقرار القلبي لأن الكلام في فعل القلب وإن احتمل أن يكون المراد الإقرار اللساني لأنه إخبار عن القلب ، لكن ذكره بعد ذلك في عمل اللسان ربما يأبى عن ذلك وإن احتمل توجيهه ، والمعطوفات عليه على الأول عطف تفسير له وكأنها إشارة إلى مراتب اليقين والإيمان القلبي ، فإن أقل مراتبه الإذعان القلبي ولو عن تقليد أو دليل خطابي ، والمعرفة ما كان عن برهان قطعي والعقد هو العزم على الإقرار اللساني وما يتبعه ويلزمه من العمل بالأركان ، والرضا هو عدم إنكار قضاء الله وأوامره ونواهيه ، وأن لا يثقل عليه شيء من ذلك المخالفة لهوى نفسه ، والتسليم هو الانقياد التام للرسول فيما يأتي به لا سيما ما ذكر في أمر أوصيائه وما يحكم به بينهم ، كما قال تعالى : « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » (١) فظهر أن الإقرار بالولاية أيضا داخل في ذلك بل جميع ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقوله بأن لا إله إلا الله ، متعلق بالإقرار لأن ما ذكر بعده تفسير ومكمل له ، والصاحبة الزوجة ، والإقرار عطف على الإقرار ، والمراد الإقرار بسائر أنبياء الله وكتبه ، والمستتر في « جاء » راجع إلى الموصول ، وما قيل : إن قوله بأن لا إله إلا الله « إلخ » متعلق بالإقرار والمعرفة والعقد ، وقوله والإقرار بما جاء من عند الله ، معطوف على أن لا إله فيكون الأولان بيانا للأخيرين والأخير بيانا للأول ، فلا يخفى ما فيه من أنواع الفساد.

وقال المحدث الأسترآبادي : المعرفة جاء في كلامهم لمعان : أحدها ، التصور مطلقا وهو المراد من قولهم على الله التعريف والبيان أي ذكر المدعى والتنبيه عليها

__________________

(١) سورة النساء : ٦٥.

٢٢٠