مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عجلان أبي صالح قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أوقفني على حدود الإيمان فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والإقرار بما جاء به من عند الله وصلوات الخمس وأداء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وولاية ولينا وعداوة عدونا والدخول مع الصادقين.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عباس بن عامر ، عن أبان بن عثمان ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

وحدود الإيمان هنا أعم من أجزائه وشرائطه ومكملاته والإقرار بما جاء من عند الله إجمالا قبل العلم وتفصيلا بعده كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله ، والدخول مع الصادقين متابعة الأئمة الصادقين في جميع الأقوال والأفعال أي المعصومين كما قال سبحانه : « وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (١) وقد مر الكلام في تلك الآية في كتاب الحجة.

الحديث الثالث : موثق كالصحيح وقد مر شرحه.

وقال بعضهم يعني أدخل هذه الأعمال في حقيقة الإسلام ، واعتبرت فيه وعد تاركها من الكفار ، والولاية بالفتح بمعنى المحبة والمودة وهي المراد بها في الحديث السابق ، ولهذا لم يكتف بها حتى أردفه بقوله والدخول مع الصادقين ، وبالكسر تولي الأمر ومالكية التصرف فيها وهو المراد بها هيهنا ، انتهى.

والظاهر أن « يعني » كلام الراوي ويحتمل المصنف على بعد.

الحديث الرابع : مجهول.

__________________

(١) سورة التوبة : ١١٩.

١٠١

العرزمي ، عن أبيه ، عن الصادق عليه‌السلام قال قال أثافي الإسلام ثلاثة الصلاة والزكاة والولاية لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعبد الله بن الصلت جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية قال زرارة فقلت وأي شيء من ذلك أفضل فقال الولاية أفضل لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن قلت ثم الذي يلي ذلك في الفضل فقال الصلاة إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الصلاة عمود دينكم قال قلت ثم الذي يليها في الفضل قال الزكاة لأنه قرنها بها وبدأ.

______________________________________________________

والأثافي جمع الأثفية بالضم والكسر ، وهي الأحجار التي توضع عليها القدر وأقلها ثلاثة وإنما اقتصر في هذا الحديث على هذه الثلاث لأنها أهمهن ، واشتراط صحة الصلاة والزكاة بالولاية ظاهر.

الحديث الخامس : صحيح.

ولا ريب في أن الولاية والاعتقاد بإمامة الأئمة عليهم‌السلام والإذعان لها من جملة أصول الدين وأفضل من جميع الأعمال البدنية لأنها مفتاحهن أي بها تفتح أبواب معرفة تلك الأمور وحقائقها وشرائطها وآدابها ، أو مفتاح قبولهن والوالي أي الإمام المنصوب من قبل الله « هو الدليل عليهن » يدل من قبل الله الناس على آدابهم وأحكامها والعمود الخشبة التي يقوم عليها البيت ، ويمكن أن يكون شبه الدين بالفسطاط وأثبت العمود له على سبيل المكنية والتخييلية ، فإذا زال العمود لا ينتفع بالفسطاط لا بغشائه ولا بطنبه ولا بوتده ، فكذلك مع ترك الصلاة لا تنتفع بشيء من أجزاء الدين كما صرح بهذا التشبيه في أخبار أخر ، والمراد بالصلاة المفروضة أو الخمس كما مر وسيأتي في آخر الخبر ما يدل عليه.

قوله عليه‌السلام : لأنه قرنها بها ، استدلال على أن فضل الزكاة بعد الصلاة وقبل غيرها بمجموع مقارنتها في الذكر مع البداءة بذكر الصلاة ثم أكد الجزء الأخير

١٠٢

بالصلاة قبلها وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة تذهب الذنوب قلت والذي يليها في الفضل قال الحج قال الله عز وجل : « وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » (١) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحجة مقبولة

______________________________________________________

بذكر الحديث ، وليس هو دليلا تاما على الأفضلية لأن الحج أيضا يذهب الذنوب إلا أن يقال أنه عليه‌السلام علم أن الإذهاب الذي يحصل في الزكاة أقوى مما يحصل في الحج ثم استدل عليه‌السلام على فضل الحج بتسميته تعالى ترك الحج كفرا وترك ذكر العقاب المترتب عليه ، وذكر الاستغناء الدال على غاية السخط قال البيضاوي : « لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » أي قصده للزيارة على الوجه المخصوص ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وفي رواية حفص حج بالكسر وهو لغة نجد « مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » بدل من الناس مخصص له « وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » وضع كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتغليظا على تاركه ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا.

وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وإبرازه في [ صورة ] الاسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله في رقاب الناس وتعميم الحكم أولا وتخصيصه ثانيا فإنه كإيضاح بعد إبهام ، وتثنية وتكرير للمراد وتسمية ترك الحج كفرا من حيث أنه فعل الكفرة وذكر الاستغناء فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان ، وقوله : عن العالمين ، يدل عليه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان ، والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وإتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله.

قوله : من عشرين صلاة نافلة فيه دلالة على أن المراد بالصلاة المفضلة في أول الخبر الفريضة.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم أنه يشكل الجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في فضل الصلاة والحج فقد روى الخاص والعام عن الصادق عليه‌السلام وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلاة فريضة خير من عشرين حجة ، وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى ، وحي على خير العمل في الأذان متواتر ، وروي أن الحج أفضل من الصلاة ، والصيام ، لأن المصلي يشتغل عن أهله ساعة وأن الصائم يشتغل عن أهله بياض يوم ، وإن الحاج يشخص بدنه ويضحي نفسه وينفق ماله ويطيل الغيبة عن أهله لا في مال يرجوه ولا إلى تجارة ونحو ذلك من الأخبار ، مع أنه اشتهر في الرواية إن أفضل الأعمال أحمزها.

ويمكن الجواب عنه بوجوه : الأول : ما يومئ إليه هذا الخبر أن المفضلة من الصلاة الفريضة ، والمفضل عليها النافلة أو الحج المفضل هو الفريضة وأن المفضل عليه النافلة ، أو المفضلة من الصلاة الفرائض اليومية ، والمفضل عليها سائرها كما يرشد إليه تخصيص الأذان والإقامة المشتملين على حي على خير العمل باليومية.

الثاني : حمل الثواب في الصلاة على التفضلي ، وفي الحج على الاستحقاقي العرفي لا الواقعي كما حققنا في الكتاب الكبير.

الثالث : أن يراد بالحج الذي فضلت الصلاة عليه ، حج سائر الأمم.

الرابع : ما قيل : إن المراد أنه لو صرف زمان الحج والعمرة في الصلاة كان أفضل ولا يخفى عدم جريانه في أكثر الأخبار.

الخامس : أن يقال : أنه يختلف الأحوال والأشخاص كما نقل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال : الصلاة لأول وقتها ، وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال : بر الوالدين ، وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال : حج مبرور ، فخص كل سائل بما يليق بحاله من الأعمال فيقال : كان السائل الأول عاجزا عن الحج ولم يكن له والدان فكان الأفضل بحسب حاله الصلاة ، والثاني كان له والدان محتاجان إلى بره فكان الأفضل له ذلك ، وكذا الثالث.

١٠٤

خير من عشرين صلاة نافلة ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال قلت فما ذا يتبعه قال الصوم

______________________________________________________

السادس : أن يقال : لكل منهما جهة فضل ليس ذلك للآخر ولا يغني شيء منهما من الآخر فإنه إذا كانت الصلاة أفضل الأعمال لا يغني عن الصوم لأن له تأثيرا في الإيمان وكما له ليس في الصلاة كما أن الأغذية البدنية كالخبز والماء لا يغني شيء منهما عن الآخر فصح أن يقال صلاة واحدة خير من عشرين حجة لأنه يترتب على الصلاة الواحدة أثر لا يترتب ذلك على عشرين حجة ، وصح العكس أيضا إذ يؤثر الحج الواحد في النفس أثرا لا يؤثر عشرون صلاة مثله ، وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير.

وأما حديث أفضل الأعمال أحمزها على تقدير تسليم صحته المراد به أن أفضل كل نوع من العمل أحمز ذلك النوع كالوضوء في البرد وفي الحر ، والحج ماشيا وراكبا والصوم في الصيف والشتاء وأشباهها ، وما قيل : من أن الصلاة مع مقدماتها من معرفة آدابها وتحصيل المسائل المتعلقة بها أحمز من الحج فهو ضعيف فإن للحج أيضا مسائل كثيرة لا يمكن تحصيلها في سنين متطاولة.

وهيهنا إشكال آخر وهو أن الحج مشتمل على الصلاة أيضا ، وإن كان مندوبا فالصلاة فيه فرض فما معنى تفضيل الصلاة الفريضة على عشرين حجة.

وأجيب عنه بأن المراد الحج بلا صلاة ، واعترض عليه بأن الحج بلا صلاة باطل فلا فضل له ، فكيف يفضل عليه الصلاة؟ والجواب أن المراد الحج مع قطع النظر عن الصلاة وثوابها ، لا الحج الذي لم تكن معه صلاة ، وهذا الإشكال ينحل بكثير من الأجوبة المتقدمة عن الإشكال الأول لا سيما تخصيص الصلاة بالفرائض اليومية فلا تغفل.

قوله : أحصى فيه أسبوعه ، أي حفظها من غير زيادة ولا نقصان ولا سهو ولا شك « وأحسن ركعتيه » أي يفعلهما في وقتهما ومكانهما مع رعاية الشرائط والكيفيات

١٠٥

قلت وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصوم جنة من النار قال ثم قال إن أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع شيء

______________________________________________________

والآداب المرعية فيهما « وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال » أشار بذلك إلى ما جاء في ثواب عبادة اليومين وفضل الوقوف بالمشعرين أو فضل الحج وكونه سببا لحط السيئات ورفع الدرجات ، قوله : فما ذا يتبعه ، وفي بعض النسخ : بما ذا يتبعه أي الرب أو المكلف ، ولا يخفى أن هذا السؤال لا فائدة فيه لأنه مع ذكر الصوم أولا في الأعمال المعدودة وتفضيل ما سواه علم أن الصوم بعدها إلا أن يكون ذلك تمهيدا للسؤال الثاني أو يقال : لما لم يكن كلامه عليه‌السلام أولا صريحا في كون تلك الأعمال أفضل من غيرها فهذا السؤال لاستعلام أنه هل بين الصوم والحج عمل يكون أفضل منه.

قوله : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في بعض النسخ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون من كلام الراوي ، أي كيف يكون مؤخرا عنها وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ذلك وعلى النسخة الأخرى لعله إنما ذكر عليه‌السلام حديثا في فضل الصوم رفعا لما عسى أن يتوهم السائل أنه مما لا فضل فيه ، أو أنه قليل الأجر وكونه جنة من النار لأن أعظم أسباب النار هو الشهوات ، والصوم يكسرها ، والظرف متعلق بجنة لتضمنه معنى الوقاية أو السر أو التبعيد ، وفي النهاية فيه : الصوم جنة أي نفي صاحبه مما يؤذيه من الشهوات ، والجنة الوقاية ثم ذكر عليه‌السلام للفضل قاعدة كلية وهو أن الأفضل ما لم يقم شيء آخر مقامه.

وكان المراد بالتوبة هنا المعنى اللغوي أي الرجوع ، أو أطلقت على ما ينوب مناب الشيء مجازا أو أنه عليه‌السلام لما أطلق الذنب على الشرك وإن كان لعذر أطلق على ما يتداركه التوبة. قوله : أو قصرت ، يعني في شيء من شرائطه أو أركانه ، والحاصل أنه عليه‌السلام أشار إلى أقسام الفوت وأحكامه إجمالا ، لأن الفوت إما للعذر مثل المرض

١٠٦

مكانها دون أدائها وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياما غيرها وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك وليس من تلك الأربعة شيء يجزيك مكانه غيره قال ثم قال ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته إن الله عز وجل يقول : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ

______________________________________________________

وغيره أو التقصير أو التعمد في تركه ، أو السفر وشبهه ، واللازم إما القضاء فقط أو الكفارة فقط أو هما معا أو لا هذا ذاك ، وتفصيله في كتب الفروع ، والغرض بيان الفرق بين الصوم والأربعة الباقية بأن الأربعة لا تسقط مع الاستطاعة والصوم يسقط في السفر مع القدرة عليه ، وذكر السفر على المثال ، ويمكن أن يكون عدم ذكر المرض لأنه قد ينتهي إلى حال لا يقدر على الصوم فيه. ومع السقوط في السفر يؤدي مكانه أياما ، وقد يسقط القضاء أيضا كما إذا استمر مرضه إلى رمضان آخر.

وكان فيه دلالة على بطلان قول من قال أن فاقد الطهورين تسقط عنه الصلاة أداء وقضاء ويحتمل أن يكون ذكر الشق الأول استطرادا ويكون الغرض أن الصوم إذا فات قد يجب قضاؤه وقد لا يجب ويسقط أصلا ، بخلاف الأربعة فإنها لا تسقط بحيث لا يجب قضاؤها ، فقوله : وجزيت مقابل لقوله أديت أي وقد يكون كذلك.

فإن قلت : صلاة الحائض أيضا ليس لها قضاء؟ قلت : هناك لم يتعلق الوجوب بها أصلا لا أداء ولا قضاء ولا بدلا ، وهيهنا عوض عن الصوم بشيء ، فيدل على أن للصوم عوضا يقوم مقامه.

وذروة الشيء بالضم والكسر أعلاه ، وسنام البعير كسحاب معروف ويستعار لأرفع الأشياء ، والمراد بالأمر الدين ، وبطاعة الإمام انقياده في كل أمر ونهي ، ولما كان معرفة الإمام مع طاعته مستلزم لمعرفة سائر أصول الدين وفروعه فهي كأنها أرفع أجزائه ، وكالسنام بالنسبة إلى سائر أجزاء البعير ، وكالمفتاح الذي يفتح به جميع الأمور المغلقة ، والمسائل المشكلة وكالباب لقرب الحق سبحانه ، وللوصول إلى مدينة علم

١٠٧

اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » (١) أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان ثم قال أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن السري أبي اليسع قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع

______________________________________________________

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوجب رضا الرحمن ، ولا يحصل إلا بها.

والضمير في قوله : بعد معرفته راجع إلى الإمام ، ويحتمل رجوعه إلى الله والاستشهاد بالآية لجميع ما ذكر أو للأخير إما مبني على أن الآية إنما نزلت في ولاية الأئمة عليهم‌السلام ، أو على أن طاعة الإمام هي بعينها طاعة الرسول إما لأنه أمر بطاعته أو أنه نائب منابه ، فحكمه حكم المنوب عنه وقيل : لأن الرسول في الآية شامل للإمام وهو بعيد.

قوله عليه‌السلام : ما كان له على الله حق في ثوابه ، لأنه لا تشمله آيات الوعد لأنه إنما وعد المؤمنين الثواب بالجنة وهو ليس من المؤمنين فلا يستحق الثواب بمقتضى الوعد أيضا وإن كان المؤمنون المحسنون أيضا لا يستحقون الثواب بأصل أعمالهم ، لكن يجب على الله إثابتهم بمقتضى وعده.

قوله عليه‌السلام : أولئك المحسن منهم ، الظاهر أنه إشارة إلى المخالفين ، والمراد بهم المستضعفون فإنهم مرجون لأمر الله ، ولذا قال : بفضل رحمته في مقابلة قوله : ما كان له على الله حق ، والحاصل أن المؤمنين لهم على الله حق لوعده ، والمستضعفون ليس لهم على الله حق لأنه لم يعدهم الثواب بل قال : إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، فإن أدخلهم الجنة فبمحض فضله ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى المؤمنين العارفين أي إنما يدخل المؤمنين الجنة وإدخالهم أيضا بفضله لا باستحقاقهم والأول أظهر.

الحديث السادس : صحيح بسنديه.

__________________

(١) سورة النساء : ٨٠.

١٠٨

أحدا التقصير عن معرفة شيء منها الذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد دينه ولم يقبل [ الله ] منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله فقال شهادة أن لا إله إلا الله والإيمان بأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال الزكاة

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : ولم يضق به ، الباء للتعدية ومن في قوله مما هو فيه ، للتبعيض وهو مع مدخولة فاعل لم يضق أي لم يضيق عليه شيء مما هو فيه ، ويمكن أن يقرأ لجهل بالتنوين ، وشيء بالرفع ، فشيء فاعل لم يضيق ، وفي بعض النسخ « فيما » مكان « مما » فلعل الأخير فيه متعين ، وفي بعض النسخ ولم يضر به فيمكن أن يقرأ على بناء المجهول ، و « جهله » فعل ماض ومن في مما صلة الضرر ، أو على بناء الفاعل وجهله على المصدر فاعله ، و « من » ابتدائية يقال : ضره وضربه ، وفي تفسير العياشي ولم يضره ما هو فيه بجهل شيء من الأمور إن جهله ، وقيل : يعني لم يضق أو لم يضر به من أجل ما هو فيه من معرفة دعائم الإسلام والعمل بها جهل شيء جهله من الأمور التي ليست هي من الدعائم ، فقوله : مما هو فيه ، تعليل لعدم الضيق أو الضرر وقوله : لجهل شيء تعليل للضيق أو الضرر ، وقوله : جهله صفة لشيء ، وقوله : من الأمور عبارة عن غير الدعائم من شعائر الإسلام ، انتهى. ولا يخفى ما فيه.

« وحق في الأموال » أما مجرور بالعطف علي ما جاء والزكاة بدله ويكون تخصيصا بعد التعميم ، وربما يخص ما جاء بالصلاة والزكاة وسائر الأخبار المتقدمة وهو بعيد ، وإما مرفوع بالخبرية للزكاة والزكاة مبتدأ ، ويمكن أن يقرأ حق على بناء الماضي المجهول ، وعلى التقديرين الجملة معترضة للتأكيد والتبيين وإنما لم يذكر الصلاة لظهور أمرها فاكتفى عنها بما جاء به ، وأما رفعه بالعطف على الشهادة كما قيل فهو بعيد ، لأنه عليه‌السلام لم يتعرض فيه لسائر العبادات بل اقتصر فيه على الاعتقادات ، وقيل : أراد عليه‌السلام بالولاية المأمور بها من الله بالكسر الإمارة وأولوية التصرف ، وبالأمر بها ما ورد فيها من الكتاب والسنة كالآية المذكورة في

١٠٩

والولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فقلت له هل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به قال نعم قال الله عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (١) وقال رسول الله

______________________________________________________

هذا الحديث ، وكآية « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » وحديث الغدير وغير ذلك ، أقول : بل الولاية بالفتح بمعنى المحبة والنصرة والطاعة واعتقاد الإمامة هنا أنسب كما لا يخفى.

قوله : هل في الولاية شيء دون شيء ، أقول : هذا الكلام يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون المراد هل في الإمامة شرط مخصوص وفضل معلوم يكون في رجل خاص من آل محمد بعينه يقتضي أن يكون هو ولي الأمر دون غيره يعرف هذا الفضل لمن أخذ به أي بذلك الفضل وادعاه وادعى الإمامة فيكون من أخذ به الإمام أو يكون معروفا لمن أخذ وتمسك به وتابع إماما بسببه ، ويكون حجته على ذلك فالمراد بالموصول الموالي للإمام.

الثاني : أن يكون المراد به هل في الولاية دليل خاص يدل على وجوبها ولزومها فضل أي فضل بيان وحجة وربما يقرأ بالصاد المهملة أي برهان فاصل قاطع يعرف هذا البرهان لمن أخذ به أي بذلك البرهان ، والأخذ يحتمل الوجهين ، ولكل من الوجهين شاهد فيما سيأتي ، ويمكن الجمع بين الوجهين بأن يكون قوله شيء دون شيء إشارة إلى الدليل ، وقوله : فضل إشارة إلى شرائط الإمامة وإن كان بعيدا وحاصل جوابه أنه لما أمر الله بطاعة أولي الأمر مقرونة بطاعة الرسول وبطاعته فيجب طاعتهم ولا بد من معرفتهم ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات ولم يعرف إمام زمانه ، أي من يجب أن يقتدى به في زمانه ، مات ميتة جاهلية ، والميتة بالكسر مصدر للنوع أو كموت أهل الجاهلية على الكفر والضلال ، فدل على أن لكل زمان إماما لا بد من معرفته ومتابعته.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

١١٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان عليا عليه‌السلام وقال الآخرون كان معاوية ثم كان الحسن عليه‌السلام ثم كان الحسين عليه‌السلام وقال الآخرون ـ يزيد بن معاوية وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء قال ثم سكت ثم قال أزيدك فقال له حكم الأعور نعم جعلت فداك قال ثم كان علي بن الحسين ثم كان محمد بن علي أبا جعفر وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا

______________________________________________________

« وكان رسول الله » أي كان من تجب طاعته في زمن الرسول هو صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا ، وقال آخرون مكانه معاوية ، وإنما لم يذكر الغاصبين الثلاثة ـ تقية وإشعارا بأن القول بخلافتهم بالبيعة يستلزم القول بخلافة مثل معاوية فاسق جاهل كافر ، وبالجملة لما كان هذا أشنع خصه بالذكر مع أن بطلان خلافته يستلزم بطلان خلافتهم.

« ثم كان الحسن » أي في زمان المعاوية أيضا ، ثم كان الإمام الحسين في بعض زمن معاوية وبعض زمن يزيد عليهما اللعنة ، وحسين بن علي ثانيا كأنه زيد من الرواة أو النساخ ، ويؤيده عدم التكرار في رواية الكشي ، ويحتمل أن يكون جملة حالية بحذف الخبر أي وحسين بن علي حي ، وقد يقرأ حسين بالتنوين فيكون ابن علي خبرا أو يكون ذكره أولا لمقابلته عليه‌السلام بمعاوية وثانيا لمقابلته بيزيد ، فالمعنى وقال : آخرون : يزيد بن معاوية والحسين معارضان ، أو الواو بمعنى مع « ولا سواء » خبر مبتدإ محذوف ، وفي بعض النسخ مكرر ثلاث مرات ، أي على ومعاوية لا سواء ، وحسن ومعاوية لا سواء وحسين ويزيد لا سواء.

والحاصل أن الأمر أوضح من أن يشتبه على أحد فإنه لا يريب عاقل في أنه إذا كان لا بد من إمام وتردد الأمر بين علي ومعاوية فعلي أولى بالإمامة ، « وكان »

١١١

يحتاجون إلى الناس وهكذا يكون الأمر ـ والأرض لا تكون إلا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذ بلغت نفسك هذه وأهوى بيده إلى حلقه وانقطعت عنك الدنيا تقول لقد كنت على أمر حسن.

أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عيسى بن السري أبي اليسع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن مثنى الحناط ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال بني الإسلام على خمس الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان ، عن فضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال بني الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير.

______________________________________________________

في الكل ناقصة لقوله عليا وأبا جعفر ومن قال نصب أبا جعفر بتقدير أعني غفل عن ذلك ، ولكن في قوله : وكانت الشيعة ، وقوله أن يكون أبو جعفر ، وقوله حتى كان أبو جعفر تامة ، والمراد بالكون في الأخيرين ظهور أمره ورجوع الناس إليه ، وقيل : كانت ناقصة والظرف خبره ، والمراد بالناس في الموضعين علماء المخالفين ورواتهم.

« وهكذا يكون الأمر » أي هكذا يكون أمر الإمامة دائما مرددا بين معصوم من أهل البيت بين فضله وورعه وعصمته ، وجاهل فاسق بين الجهالة والفسق من خلفاء الجور « والأرض لا تكون إلا بإمام معصوم » عالم بجميع ما يحتاج إليه الأمة ، ومن لم يعرفه مات ميتة جاهلية ، وأحوج مبتدأ مضاف إلى ما ، وهي مصدرية وتكون تامة ونسبة الحاجة إلى المصدر مجاز ، والمقصود نسبة الحاجة إلى فاعل المصدر باعتبار بعض أحوال وجوده وإلى متعلق بأحوج و « ما » موصولة وعبارة عن التصديق بالولاية وإذا ، ظرف وهو خبر أحوج ، « أومأ » كلام الراوي وقع بين كلامه عليه‌السلام.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الثامن : مجهول.

١١٢

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حماد بن عثمان ، عن عيسى بن السري قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى عملي ولم يضرني جهل ما جهلت بعده فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال من الزكاة والولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية قال الله عز وجل : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (١) فكان علي عليه‌السلام ثم صار من بعده الحسن

______________________________________________________

الحديث التاسع : صحيح وهو مختصر من الحديث السادس والراوي واحد.

وقال أبو الفتح الكراجكي قدس‌سره في كنز الفوائد : جاء في الحديث من طريق العامة عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات وليس في عنقه بيعة لإمام ، أو ليس في عنقه عهد لإمام مات ميتة جاهلية ، وروى كثير منهم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وهذان الخبران يطابقان المعنى في قول الله تعالى : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » (٢).

فإن قال الخصوم : إن الإمام هيهنا هو الكتاب؟ قيل لهم : هذا انصراف عن ظاهر القرآن بغير حجة توجب ذلك ولا برهان ، لأن ظاهر التلاوة يفيد أن الإمام في الحقيقة هو المقدم في الفعل والمطاع في الأمر والنهي ، وليس يوصف بهذا الكتاب إلا أن يكون على سبيل الاتساع والمجاز ، والمصير إلى الظاهر من حقيقة الكلام أولى ، إلا أن يدعو إلى الانصراف عنه الاضطرار ، وأيضا فإن أحد الخبرين يتضمن ذكر البيعة والعهد للإمام ونحن نعلم أن لا بيعة للكتاب في أعناق الناس ، ولا معنى لأن يكون له عهد في الرقاب ، فعلم أن قولكم في الإمام أنه الكتاب غير صواب.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

(٢) سورة الإسراء : ٧١.

١١٣

ثم من بعده الحسين ثم من بعده علي بن الحسين ثم من بعده محمد بن علي ثم هكذا يكون الأمر إن الأرض لا تصلح إلا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا قال وأهوى بيده إلى صدره يقول حينئذ لقد كنت على أمر حسن.

١٠ ـ عنه ، عن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام يا ابن رسول الله هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إياكم قال فقال نعم قال ـ فقلت فإني أسألك مسألة تجيبني فيها فإني مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كل حين قال هات حاجتك قلت أخبرني بدينك الذي تدين الله عز وجل به أنت وأهل بيتك لأدين الله عز وجل به قال إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عز وجل به شهادة أن

______________________________________________________

فإن قالوا : ما تنكرون أن يكون الإمام المذكور في الآية هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قيل لهم : إن الرسول قد فارق الأمة بالوفاة ، وفي أحد الخبرين أنه إمام الزمان ، وهذا يقتضي أنه حي ناطق موجود في الزمان فأما من مضي بالوفاة فليس يقال أنه إمام وإلا لكان إبراهيم عليه‌السلام إمام زماننا ، إلى آخر ما قال رحمه‌الله.

الحديث العاشر : ضعيف.

وضمير عنه كأنه راجع إلى عيسى بن السري « إن كنت أقصرت الخطبة » الظاهر أن الخطبة بضم الخاء أي ما يتقدم من الكلام المناسب قبل إظهار المطلوب ، وكأنه عليه‌السلام عد خطبة قصيرة مع طولها إعظاما للمسألة وإيذانا بأن هذا المقصود الجليل يستدعي أطول من ذلك من الخطبة ، وقيل : إقصاره إياها اكتفاؤه بالاستفهام من غير بيان وإعلام ، ومنهم من قرأ الخطبة بالكسر مستعارة من خطبة النساء وهو تكلف.

قال في النهاية في الحديث أن أعرابيا جاءه فقال : علمني عملا يدخلني الجنة ، فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ، أي جئت بالخطبة قصيرة وبالمسألة عريضة ، يعني قللت الخطبة وأعظمت المسألة.

١١٤

لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به من عند الله والولاية لولينا والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سمعته يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترض الله عز وجل على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ما هو فقال أعد علي فأعاد عليه فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة و « حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ

______________________________________________________

« والتسليم لأمرنا » أي الرضا قلبا بما يصدر عنهم قولا وفعلا من اختيارهم المهادنة أو القتال أو الظهور أو الغيبة وسائر ما يصدر عنهم مما يعجز العقول عن إدراكه والأفهام عن استنباط علته كما قال تعالى : « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » (١) والاجتهاد بذل الجهد في الطاعات ، والورع الاجتناب عن المعاصي بل الشبهات والمكروهات.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

قوله : « ما لا يسعهم » عطف بيان للدين أو مبتدأ « وما هو » خبره ، قوله : أعد علي كان الأمر بالإعادة لسماع الحاضرين وإقبالهم إليه أو لإظهار حسن الكلام والتلذذ بسماعه وكأنه يدخل في شهادة التوحيد كلما يتعلق بمعرفة الله من صفات فعله وفي شهادة الرسالة ما يتعلق بمعرفة الأنبياء وصفاتهم ، وكذا الإقرار بالمعاد داخل في الأولى أو في الثانية لأخبار النبي بذلك ، « وإقام الصلاة » حذفت التاء للاختصار ، وقيل : المراد بإقامتها إدامتها ، وقيل : فعلها على ما ينبغي ، وقيل : فعلها في أفضل أوقاتها وقيل : جاء على عرف القرآن في التعبير من فعل الصلاة بلفظ الإقامة دون أخواتها ، وذلك لما اختصت به من كثرة ما يتوقف عليه من الشرائط والفرائض والسنن والفضائل ، وإقامتها إدامة فعلها مستوفاة جميع ذلك.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٥.

١١٥

إِلَيْهِ سَبِيلاً » وصوم شهر رمضان ثم سكت قليلا ثم قال والولاية مرتين ثم قال هذا الذي فرض الله على العباد ولا يسأل الرب العباد يوم القيامة فيقول ألا زدتني على ما افترضت عليك ولكن من زاد زاده الله إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سن سننا حسنة جميلة ينبغي للناس الأخذ بها.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبي زيد الحلال ، عن عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن الله عز وجل فرض على خلقه خمسا فرخص في أربع ولم يرخص

______________________________________________________

أقول : ويمكن أن يكون ذكر الإقامة لتشبيه الصلاة من الإيمان بمنزلة العمود من الفسطاط كما ورد في الخبر ، وإنما لم يذكر الجهاد لأنه لا يجب إلا مع الإمام فهو تابع للولاية مندرج تحتها ، أو لعدم تحقق شرط وجوبه في ذلك الزمان قوله : مرتين أي كرر الولاية تأكيدا.

قوله عليه‌السلام : هذا الذي فرض الله على العباد أي علم فرضها ضرورة من الدين « فيقول ألا زدتني » بالتشديد حرف تحضيض ، وإذا دخل على الماضي يكون للتعبير والتنديم ، وكان المعنى أنه لا يسأل عن شيء سوى هذه من جنسها ، كما أنه من أتى بالصلوات الخمس لا يسأل الله عن النوافل ومن أتى بالزكاة الواجبة لا يسأل عن الصدقات المستحبة وهكذا.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : فرخص في أربع كالتقصير في الصلاة في السفر وتأخيرها عن وقت الفضيلة مع العذر ، وترك كثير من واجباتها في بعض الأحيان ، أو سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء ، وعن فاقد الطهورين أيضا إن قلنا به ، والزكاة عمن لم يبلغ ماله النصاب أو لم يحل عليه الحول ، أو لم يتمكن من التصرف فيه أو فقد سائر الشرائط ، والحج عمن لم يستطع أو لم يخل سر به وأشباه ذلك ، والصوم عن المسافر أو الشيخ الكبير أو ذي العطاش وأمثالهم ، بخلاف الولاية فإنها مع بقاء التكليف لا يسقط

١١٦

في واحدة.

١٣ ـ عنه ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي قال دخل رجل على أبي جعفر عليه‌السلام ومعه صحيفة فقال له أبو جعفر عليه‌السلام هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل فقال رحمك الله هذا الذي أريد فقال أبو جعفر عليه‌السلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله وتقر بما جاء من عند الله والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا والورع والتواضع وانتظار قائمنا فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن صفوان ، عن عمرو بن حريث قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمد فقلت له جعلت فداك ما حولك إلى هذا المنزل قال طلب النزهة فقلت جعلت فداك ألا أقص عليك ديني فقال بلى قلت أدين الله بشهادة

______________________________________________________

وجوبها في حال من الأحوال ، ويحتمل أن يراد بالرخصة أنه لا ينتهي تركها إلى حد الكفر والخلود في النار ، بخلاف الولاية فإن تركها كفر والأول أظهر.

الحديث الثالث عشر : ضعيف على المشهور.

« صحيفة مخاصم » أي مناظر مجادل سائل وفي بعض النسخ سئل أي فيها ، ويحتمل على هذه النسخة أن يكون مخاصم اسم رجل ، وقيل في بعض النسخ : سل فعل أمر يعني لا تناظرني بل سل من غير تعنت وهو أوضح ، انتهى.

وأقول : ما رأيت هذه النسخة وفي وضوحه خفاء « وتقر » أي وإن تقر « والورع » أي عن محارم الله « والتواضع » أي لله ولأوليائه أو الأعم وانتظار القائم عليه‌السلام يتضمن العلم بوجوده وظهوره وعدم الشك فيه والتسليم لغيبته والصبر على ما يلقاه من الأذى فيها والتمسك بما في يده من آثارهم والرجوع إلى رواة أخبارهم عليه‌السلام.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

وفي القاموس : التنزه التباعد ، والاسم النزهة بالضم ، ومكان نزه ككتف و

١١٧

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله « وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ » وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والولاية للحسن والحسين والولاية لعلي بن الحسين والولاية لمحمد بن علي ولك من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وأنكم أئمتي عليه أحيا وعليه أموت وأدين الله به فقال يا عمرو هذا والله دين الله ودين آبائي الذي أدين الله به في السر والعلانية فاتق الله وكف لسانك إلا من خير ولا تقل إني هديت نفسي بل الله هداك فأد شكر ما أنعم

______________________________________________________

نزيه ، وأرض نزهة بكسر الزاي ونزيهة بعيدة عن الريف وعمق المياه وذبان القرى وومد البحار ، وفساد الهواء ، نزه ككرم وضرب نزاهة ونزاهية والرجل تباعد عن كل مكروه فهو نزيه ، واستعمال التنزه في الخروج إلى البساتين والخضر والرياض غلط قبيح ، وهو بنزهة من الماء بالضم ببعد ، انتهى.

وأقول : كفى باستعماله في هذا المعنى ظاهرا شاهدا على صحته بل فصاحته وإن أمكن حمله على بعض المعاني التي صححها مع أنهم عليهم‌السلام قد كانوا يتكلمون بعرف المخاطبين ومصطلحاتهم تقريبا إلى إفهامهم.

وقال في المصباح قال ابن قتيبة : ذهب أهل العلم في قول الناس خرجوا يتنزهون إلى البساتين أنه غلط وهو عندي ليس بغلط لأن البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد البعد عن المنازل والبيوت ، ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر والجنان.

قوله : أدين الله أي أعبد الله وأطيعه بتلك العقائد والأعمال في السر والعلانية أي بالقلب واللسان والجوارح أو في الخلوة والمجامع مع عدم التقية.

« وكف لسانك » تخصيص اللسان بالذكر بعد الأمر بالتقوى مطلقا لكون أكثر الشرور منه « ولا تقل إني هديت نفسي » أي لا تفسد دينك بالعجب ، واعلم

١١٨

الله عز وجل به عليك ولا تكن ممن إذا أقبل طعن في عينه وإذا أدبر طعن في قفاه ولا تحمل الناس على كاهلك فإنك أوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ألا أخبرك بالإسلام أصله وفرعه

______________________________________________________

أن الهداية من الله سبحانه ، وهو نهي عن القول بالتفويض المطلق وإنكار مدخلية هداية الله وتوفيقه وخذلانه في الفعل والترك كما مر تحقيقه « ولا تكن ممن إذا أقبل » أي كن من الأخيار ليمدحك الناس في وجهك وقفاك ولا تكن من الأشرار الذين يذمهم الناس في حضورهم وغيبتهم أو أمر بالتقية من المخالفين أو حسن المعاشرة مطلقا.

« ولا تحمل الناس على كاهلك » أي لا تسلط الناس على نفسك بترك التقية أو لا تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة والمداراة معهم بحيث تتضرر بذلك ، كان يضمن لهم ويتحمل عنهم ما لا يطيق أو يطعمهم في أن يحكم بخلاف الحق أو يوافقهم فيما لا يحل ، وهذا أفيد وإن كان الأول أظهر ، وقال الفيروزآبادي : الكاهل كصاحب : الحارك ، أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى وفيه ست فقرا ، وما بين الكتفين أو موصل العنق في الصلب ، وقال : الصدع الشق في شيء صلب ، وقال : الشعب بالتحريك بعد ما بين المنكبين.

الحديث الخامس عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : ذروة سنامه ، الإضافة بيانية أو لامية إذ للسنام الذي هو ذروة البعير ذروة أيضا هي أرفع أجزائه ، وإنما صارت الصلاة أصل الإسلام لأنها بدونها لا يثبت على ساق ، والزكاة فرعه لأنه بدونها لا تتم وقيل : لأنها بدونه لا تصح ولا تقبل ، والجهاد ذروة سنامه لأنه سبب لعلو الإسلام وارتفاعه ، وقيل : لأنه فوق كل بر كما ورد في الخبر ، وذكر من أبواب الخير ثلاثة : أحدها : الصوم

١١٩

وذروة سنامه قلت بلى جعلت فداك قال أما أصله فالصلاة وفرعه الزكاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال إن شئت أخبرتك بأبواب الخير قلت نعم جعلت فداك قال الصوم جنة من النار والصدقة تذهب بالخطيئة وقيام الرجل في جوف الليل بذكر الله ثم قرأ عليه‌السلام : « تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ » (١).

باب

أن الإسلام يحقن به الدم وتؤدى به الأمانة وأن الثواب على الإيمان

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحكم بن أيمن

______________________________________________________

أي الواجب أو الأعم لأنه جنة من النار ومما يؤدي إليها من الشهوات ، وثانيها : الصدقة الواجبة أو الأعم فإنها تكفر الخطايا وتذهبها ، وثالثها : صلاة الليل لمدحه تعالى فاعلها بقوله : « تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ » حيث حصر الإيمان فيهم أولا ثم مدحهم بما مدحهم به ، ثم عظم وأبهم جزاءهم حيث قال : « إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » ويحتمل أن يكون المراد بأبواب الخير الصوم فقط ، فيكون ذكر ما بعده تبرعا ، والأول أظهر.

باب أن الإسلام يحقن به الدم وأن الثواب على الإيمان

يقال : حقن دم فلان أي أنقذه من القتل.

الحديث الأول : مجهول بل حسن.

ويدل على عدم ترادف الإيمان والإسلام وأن غير المؤمن من فرق أهل الإسلام لا يستحق الثواب الأخروي أصلا كما هو الحق والمشهور بين الإمامية

__________________

(١) سورة السجدة : ١٦.

١٢٠