شبهة الغلو عند الشيعة

الدكتور عبدالرسول الغفار

شبهة الغلو عند الشيعة

المؤلف:

الدكتور عبدالرسول الغفار


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٢

شعبذة ومخاريق فكان يظهر الواقفة ـ أنه ممن وقف على علي بن موسى عليه‌السلام ـ وكان يقول في موسى بالربوبية ويدعي لنفسه أنه نبي.

وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صولة أبي الحسن عليه‌السلام في ثياب حرير قد طلاها بالأدوية وعالجها بحيل عملها فيها حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان وكا يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها ، وكان يقول لأصحابه إن أبا الحسن عليه‌السلام عندي فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي فهلمّوا أعرضه عليكم فكان يدخلهم البيت والصورة مطوية معه.

فيقول لهم : هل ترون في البيت مقيماً أو ترون فيه غيري وغيركم؟ فيقولون لا وليس في البيت أحد ، فيقول : اخرجوا فيخرجوا من البيت فيصير هو وراء الستر بينه وبينهم ثم يقدم تلك الصورة ثم يرفع الستر بينه وبينهم.

فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص أبي الحسن لا يذكرون منه شيئاً ويقف هو منه بالقرب فيريهم من طيق الشعبذة أهه يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يساره ، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئاً (١).

وللبشرية عقائد وآراء فاسدة منها :

١ ـ قالوا : الظاهر من الإنسان ارضي والباطن أزلي.

٢ ـ وزعموا ـ لعنهم الله ـ أن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ـ وكل من ادعى الإمامة من ولده وولد موسى بن جعفر عليه‌السلام بعده ـ مبطل كاذب بل قالوا فيه وفي الأئمة من بعدهم أنهم غير طيبي الولادة ونفروهم عن أنسابهم وكفّروهم لدعواهم الإمامة وكفّروا القائلين بإمامتهم واستتحلوا دماءهم وأموالهم.

٣ ـ زعموا أن العبادات المفروضة عليهم والواجب أداءها هي إقامة الصلاة

__________________

(١) رجال الكشي ٦ | ٧٧٧.

٨١

وإعطاه الخمس وصوم شهر رمضان ، أما الزكاة والحج وسائر الفروض الأخرى فقد أنكروها.

٤ ـ قالوا بالتناسخ وأن الأئمة عندهم إمام واحد ، إنما هم منتقلون من بدن إلى بدن ، والمواساة بينهم واحدة في المأكولات والأموال والفروج وأباحوا وطء الرجل واعتلوا في ذلك بقول الله : ( أو يزوجهم ذكرانا وإناثاً ) (١).

٥ ـ أوصوا أن الإمامة من بعد محمد بي بشير إلى ولده سميع وأن كل من أوصى من رجالهم بشيء من الأموال في سبيل الله فهو لسميع بن محمد لأنه الوصي من بعد أبيه والإمام القائم مقامه.

٦ ـ ادعى محمد بن بشير والبشيرية أن موسى هو كان ظاهر بين الخلق يرونه جميعاً يتراءى لأهل النور بالنور ولأهل الكدورة بالكدورة ، في مثل خلقهم بالإنسانية ثم حجب الخلق جميعاً عن إدراكه وهو قائم بينهم موجود كما كان ، غير أنهم محجوبون عنه وعن إدراكه وهو قائم بينهم موجود كما كان ، غير أنهم محجوبون عنه وغعن إدراكه كالذي كانوا يدركونه.

٧ ـ ولما توفي الإمام الكاظم عليه‌السلام فلم يجدوا بُداً إلا أن قالوا لم يمت ولم يحبس وأنه غاب واستتر وهو القائم المهدي ، وأنه في وقت غيبته استخلف على الأمة محمد بن بشير ، وجعله وصيه وأعطاه خاتمه وعلمه وجميع ما تحتاج إليه رعيته من أمر دينهم ودنياهم وفوض إليه جميع امره وأقامه مقام نفسه...

٨ ـ ومن جملة عقائدهم ، انهم يقولون بالأثنينية.

هذه الفرقة لعنت على لسان الإمامين الهمامين الصادق والكاظم عليه‌السلام وقد دعيا عليه أن يذيقه الله حر الحديد وقد استجاب دعوتهما فقتل شر قتلة وحرق بالنار.

وروى الكشي بإسناده عن علي بن حديد المدايني قال : سمعت من

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية : ٥٠.

٨٢

سأل أبا الحسن الأول عليه‌السلام فقال : إني سمعت محمد بن بشير يقول : إنك لست موسى بن جعفر الذي أنت إمامنا وحجتنا فيما بيننا وبين الله تعالى.

قال : فقال : لعنه الله ثالثاً أذاقه الله حر الحديد ، قتله. الله أخبث ما يكون من قتله فقلت له : جعلت فداك إذا أنا سمعت منه أوليس حلال لي دمه مباح ، كما ابيح دم الساب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللإمام؟ فقال : نعم حل والله دمه وأباحه لك ولمن سمع ذلك منه.

قلت أوليس هذه بساب لك؟ قال : هذا ساب الله وساب لرسوله وساب لأبائي وسابي ، وأي سب يقصر عن هذا ولا يفوقه هذا القول.

فقلت : أرأيت إذا أتاني لم أخف أن أغمز بذلك بريئاً ثم أفعل ولم أقتله ما علي من الوزر؟

فقال : يكون عليك وزره أضعافاً مضاعفة من غير أن ينتقص من وزره شيء أما علمت أن أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر الله ورسوله يظهر الغيب ورد عن الله وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ومن النصوص الواردة في لعن محمد بن بشير ، وما رواه الكشي بإسناده عن علي بن أبي حمزة البطائني ، قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : لعن الله محمد بن بشير وأذاقه حر الحديد ، إنه يكذب علي ، برأ الله منه وبرئت إلى الله منه اللهم إني أبرأ إليك مما يدّعي في ابن بشير ، اللهم ارحني منه.

ثم قال : يا علي ما أحد اجترأ أن يعتمد الكذب علينا إلا أذاقه الله حر الحديد وأن بناناً كذب على علي بن الحسن علي السلام فأذاقه الله حر الحديد ، وأن أبا المغيرة بم سعيد كذب على أبي جعفر عليه‌السلام فأذاقه الله حر الحديد ، وأن أبا الخطاب كذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد ، وأن محمد بن بشير لعنه الله يكذب علي برئت إلى الله منه اللهم إني أبرأ إليك مما يدّعيه فيّ محمد بن بشير اللهم أرحني منه ، اللهم إني أسألك أن تخلّصني

__________________

(١) الكشي ٦ | ٧٧٨.

٨٣

من هذا الرجس النجس محمد بن بشير ، فقد شارك الشيطان أباه في رحم أمه.

قال علي بن أبي حمزة ، فما رأيت أحداً قتل بأسوأ قتلة من محمد بن بشير لعنه الله (١).

من ادعى الألوهية في الإمام الرضا عليه‌السلام

روى الصدوق بأسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضا عليه‌السلام بسرخس وقد قيّد عليه‌السلام فاستأذنت عليه السجان ، فقال : لا سبيل لك إليه عليه‌السلام قلت : ولم؟ قال : لأنه ربما صلى في يومه وليلته ألف ركعة وإنما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار وقبل الزوال وعند اصفرار الشمس فهو في هذه الأوقات قاعدة في مصلاه ويناجي ربه ، قال : فقلت له : فاطلب لي منه في هذه الأوقات إذناً عليه ، فاستأذن لي ، فدخلت عليه وهو قاعد في مصلاه متفكراً. قال : وما هو. قلت : يقولون أنكم تدعون أن الناس لكم عبيد فقال : اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت شاهد بأني لم أقل ذلك قط ولا سمعت أحداً من آبائي عليهم‌السلام قاله قط وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمة وأن هذه منها ثم أقبل علي ، فقال لي : يا عبد السلام إذا كان الناس كلهم عبيدنا ما حكوه عنا فممن تبيعهم؟ قلت : يابن رسول الله صدقت. ثم قال عبد السلام أمنكر أنت لما أوجبت الله تعالى لنا من الولاية كما ينكره غيرك؟ قلت : معاذ الله ، بل أنا مقر بولايتك (٢).

من ادعى الألوهية في الإمام علي الهادي عليه‌السلام

من الذين ادعوا الألوهية في الأئمة عليهم‌السلام هي فرقة النصيرية نسبة إلى محمد بن نصير الفهري النميري ، ادّعى هذا اللعين أنه نبي وأن علي بن

__________________

(١) الكشي ٦ | ٧٧٩.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ | ١٨٣.

٨٤

محمد العسكري أرله ، فهو يقول بربوبيته ، وتابع ابن نصير في هذه المقالة كل من ابن بابا القمي وفارس بن حاتم القزويني.

قال أبو عمر : وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام أرسله وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه‌السلام ويقول فيه بالربوبية ويقول بإباحة المحارم ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً ويقول إنه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات وأن الله لم يحرم شيئاً من ذلك.

وقد رآه يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان وغلام له على ظهره قال : لقيته فعاتبته فقال إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر.

وكان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات يقوي أسبابه ويعضده ، ذكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً ، وغلام له على ظهره وأنه عاتبه على ذلك ، فقال إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر ، وافترق الناس فيه وبعده فرقاً ثلاث.

قال ابن خاقان ـ المتقدم ـ فلما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها قيل له في علته وهو معتقل اللسان لمن يكون الأمر بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج : أحمد فلن يدر من هو (١).

قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ومحمد ابن نصير النميري وفارس بن حاتم القزويني لعن هؤلاء الثلاثة علي بن محمد العسكري عليه‌السلام. وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذّابين المشهورين ابن بابا القمي.

وقال سعد : حدّثني العبيدي ، قال : كتب إلى العسكري ابتداء منه : ابرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرأ منهما ، فإني محذرك وجميع موالي وإني ألعنهما لعنة الله ، مستأكلين يأكلان بنا الناس ، فتانين مؤذين ، آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً. يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب ، علهي لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل

__________________

(١) الكشي ٦ | ٨٠٥ ، المقالات والفرق ١٠١.

٨٥

منه ذلك ، يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل فإنه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة (١).

وممن قال بربوبية الهادي عليه‌السلام كل من علي بن مسعود بن حسكة القمي والقاسم بن يقطين الشعراني القمي.

وهؤلاء تأولوا قوله تعالى : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ، وقوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ) ، قالوا : معناهما رجل لا ركوع ولا سجود. وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال.

وهناك أشياء كثيرة من الفرائض والسنن والمعاصي تأولوها وصيّروها رجلاً.

ثم من مقولة هؤلاء : أن أبا الحسن العسكري هو الأول القديم وأنه أمر علي بن مسعود بن حسكة أن يكون باباً له ونبيه المرسل من قبله.

وأن جميع الفرائض والعبادات من صوم وصلاة وحج وزكاة وغير ذلك هي معرفة أبي الحسن العسكري ونبيه ابن حسكة ، قاتلهم الله ...

عن أبي عمرو عن الحسين بن الحسن بن بندار القمي ، قال : حدثنا سهل بن زياد الآدمي ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام : جعلت فداك يا سيدي إن علي بن حسكة يدعي من أوليائك ، وأنت الأول القديم وأنه بابك ونبيك أمرته أن يدعو إلى ذلك ، ويزعم أن الصلاة والحج والزكاة والصوم كل ذلك معرفتك ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدعي من البابية والنبوة فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصوم والصلاة والحج ، وذكر جميع شرائع الدين أن معنى ذلك كله ما ثبت لك ، ومال الناس إليه كثيراً فإن رأيت أن تمن على موليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة.

قال فكتب عليه‌السلام : كذب ابن حسكة عليه لعنة الله ويحسبك أني لا

__________________

(١) الكشي ٦ | ٨٠٥.

٨٦

أعرفه في موالي ما له؟ لعنه الله ، فوالله ما بعث الله محمداً والأنبياء قبله إلا بالحنفية والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية ، وما دعى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا إلى الله وحده لا شريك له.

وكذلك نحن الأوصياء من ولده عبيد الله لا نشرك به شيئاً ، إن أطعناه رحمنا ، وإن عصيناه عذّبنا ، ما لنا على الله من حجة ، بل الحجة لله عز وجل علينا وعلى جميع خلقه أبرأ إلى الله ممن يقول ذلك وانتفى إلى الله من هذا القول ، فاهجروهم لعنهم الله والجؤوهم إلى ضيق الطريق فإن وجدت من أحد منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر (١).

وعن إبراهيم بن شيبة أنه كتب للإمام الهادي عليه‌السلام فقال : جعلت فداك إن عندنا قوماً يختلفون في معرفة فضلكم بأقاويل مختلفة تشمئز منها القلوب ، وتضيق لها الصدور ويرون في ذلك الأحاديث ، لا يجوز لنا الإقرار بها لما فيها من القول العظيم ولا يجوز ردها ولا الجحود بها إذا نسبت إلى آبائك ، فنحن وقوف عليها.

من ذلك أنهم يقولون ويتأولون في معنى قول الهل عز وجل : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ، وقوله عز وجل ( وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ) معناها رجل لا ركوع ولا سجود ، كذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا أخراج مال.

وأشياء بشبهها من الفرائض والسنن والمعاصي قالوها وصيروها على هذا الحد الذي ذكرت لك ، فإن رأيت أن تمن على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من الأقاويل التي تصيرهم إلى العطب والهلاك؟ والذين ادعوا هذه الأشياء ادعوا أنهم أولياء ، ودعوا إلى طاعتهم ، منهم علي بن حسكة والقاسم اليقطيني ، فما تقول في القبول منهم جميعاً.

فكتب عليه‌السلام : ليس هذا ديننا فاعتزله (٢).

هناك روايات عديدة في لعن علي بن مسعود بن حسكة ، وفارس

__________________

(١) الكشي ٦ | ٨٠٤.

(٢) الكشي ٦ | ٨٠٣.

٨٧

القزويني ، والقاسم اليقطيني والشعراني ، ومحمد بن موسى بن الحسن بن فوات الشريعي وأبي الغمر ، وجعفر بن واقد وهاشم بن أبي هاشم.

من أدعى الأولهية في الإمام العسكري عليه‌السلام

أهل الغلو في زمن الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام وبعده جماعة كثيرة ، حيث بلغت المذاهب بعد وفاته عليه‌السلام فروعاً شتى ، قال أبو خلف الأشعري : وقال سائر أصحاب لي بن محمد بإمامة ابنه الحسن بن علي وثبتوا له الإمامة بتوصية أبيه إليه ... فافترق أصحابه من بعده خمس عشرة فرقة (١).

ويبدو أن الكتاب فيه نقص أو سقط من قبل الناسخ بعض الشيء وهو المؤكد ، حيث ذكر العلامة محمد صادق بحر العلوم في تعليقه على الكتاب فقال :

كذا في الأصول الخطية ولكن التي عدها في الكتاب ثلاث عشرة فرقة وكأن فيه سقطاً ، ونقل السيد المرتضى فيه الفصول المختارة عن أبي محمد الحسن النوبختي صاحب كتاب فرق الشيعة الأربع عشرة فرقة كلها جعل الفرقة الرابعة عشر كما يلي :

قالت فرقة أخرى أن الإمام بعد الحسن ابنه محمد وهو المنتظر غير أنه قد مات وسيحيا يقوم بالسيف فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً (٣) ...

ومن جملة الغلاة في الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام أحمد بن هلال الكرخي وأبو طاهر محمد بن علي بن بلال والحسن بن محمد بن بابا القمي.

__________________

(١) المقالات والفرق ١٠١.

(٢) فرق الشيعة ١٠٥.

(٣) هامش فرق الشيعة | ١٠٥.

٨٨

قال أبو منصور الطبرسي : وكان أيضاً من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي ، وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد عليه‌السلام ثم تغيير عما كان عليه وأنكر بابيه أبي جعفر محمد بن عثمان فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان والبراءة منه ، في جملة من لعن وتبرأ منه. وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، والحسين بن منصور الحلاج ومحمد ابن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، لعنهم الله فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح وهذا نصه :

عرف ـ اطال الله بقاءك وعرفك الله الخير كله وختم به عملك ـ من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا آدام الله سعادتهم : بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتد عن الإسلام وفارقه ، والحد في دين الله وادعى : ما كفر معه بالخالق جل وتعالى ، وافترى كذاباً وزوراً ، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً ، وخسروا خسراناً منيباً.

وإنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه ، ولعناه ، عليه لعائن الله تترى ، في الظاهر منا والباطن ، والسر والجهر ، وفي كل وقت على كل حال ، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقاه على تولاه بعده.

اعلمهم ـ تولاك الله ـ أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من : ( السريعي ، والنميري ، والهلالي ، والبلالي ) وغيرهم وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة ، وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل (١).

من ادّعى فيهم عليهم‌السلام أو في غيرهم النبوة

لا يقتصر مفهوم الغلو على ما تقدم كما لا يقتصر على من قال بألوهية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة سلام الله عليهم ، بل إن العقول التي نسبت الألوهية

__________________

(١) الاحتجاج ٢ | ٤٧٥ وكتب الغيبة للطوسي ٢٤٤.

٨٩

لهؤلاء المعصومين ولا يمكن ترويجها والأكل منها أو تمشية أمورها بواسطتها ، قد التفتت أن مريديها بل وحتى ضعاف الناس لا يقبلون منها ذلك مما ادعت النبوة للأئمة عليهم اسلام أو لبعض أصحابهم الأجلاء. ولا يشك أحد أن وراء هذه المزاعم مصالح ومنافع وأغراض وقد بينا قسماً منها فيما تقدم ...

ثم إن فكرة النبوة قد تنطلي على ضعاف العقول والمعتوهين والبله ومن حذا حذوهم من أهل الشذوذ الجنسي والنفعيين ، وقد تنطلي أمثال هذه العقائد على بعض السذج من الناس إذا صادف أن المبلّغ لها مفوه مصقع وذو لسان سليط ، فيسحر أولئك المساكين بالألفاظ المنمقة والبيان المعسول والكلمات المبطنة المحتملة للتأويل.

وأول هذه الفرق هي المخمسة التي ادعت أن الله حل في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فهم بمنزلة الشخص الواحد ولا فرق بينهم ثم ادعوا أن سلمان الفارسي نبي ورسول من قبلهم وأنه الباب لهم وهو يظهر مع محمد في كل حال من الأحوال في العرب والمعجم (١) ...

ثم جاءت الخطابية لتحذوا حذوهم وتقول بفكرة النبوة فمنهم ادعاها للإمام الصادق عليه‌السلام ومنهم جعلها لأبي الخطاب وأنه مرسل من قبل جعفر بن محمد عليه‌السلام وقد اتسعت الخطابية في الكوفة والبصرة وجذبت إليها أراذل البلد وأصحاب المطامع ومن فيه عقدة الأنحراف الجنسي والخلقي.

وقد روج للخطابية عدة أشخاص ، منهم السجادة الحسن بن علي بن أبي عثمان ، وكان هذا يتقص من الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجادل أصحاب الأئمة ويثير الشكوك ويفتعل الأكاذيب ومما حدث من ذلك أنه ناظر نصر بن الصباح فقال له يوماً ما تقول في محمد بن أبي زينب ـ أبي الخطاب ـ ومحمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ايهما أفضل؟

قال نصر : قلت له : قل أنت ، فقال : بل محمد بن أبي زينب ، ألا

__________________

(١) المقالات والفرق | ٥٧.

٩٠

ترى أن الله عز وجل عاتب في القرآن محمد بن عبد الله في مواضع ولم يعاتب محمد بن أبي زينب؟ فقال لمحمد بن عبد الله : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا ) و ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) (١) الآية وفي غيرهما ، ولم يعاتب محمد بن أبي زينب بشيء من أشباه ذلك (٢) ...

وقد تفادى أمر أبي الخطاب حتى قيل أن مريديه والذين قالوا به (٧٠) نفراً وهؤلاء جميعاً ادعوا النبوة.

قال الكشي : وذكرت الطيارة الغالية في بعض كتبها عن المفضل (٣) أنه قال : لقد قتل مع أبي إسماعيل يعني أبا الخطاب سبعون نبيا كلهم رأى وهلل بنباوته (٤).

وقد لعنهم الإمام الصادق عليه‌السلام وغيره من الأئمة عليهم‌السلام. ثم قتلوا شر قتله على يد عيسى بن موسى عامل المنصور على الكوفة (٥).

لقد مر فيها سبق أن جماعة غالت في الإمام الكاظم بعد وفاته ، منها بعض البشرية التي قالت بألوهية الإمام الكاظم وهذه الجماعة سميت بالبشيرية ، نسبه إلى محمد بن بشير وهذا كان صاحب شعوذة وسحر وقد

__________________

(١) سورة الاسراء آية ٧٤ وسورة الزمر ، الآية ٦٥.

(٢) الكشي ٦ | ٨٤١.

(٣) سنفرد تحقيقاً خاصاً عن المفضل بن عمر إن شاء الله.

(٤) الكشي ٤ | ٦١٥.

(٥) المقالات والفرق ص ٨١ ، ذكر سعد بن عبد الله الأشعري فقال : كانت الخطابية الرؤساء منهم قتلوا مع أبي الخطاب وكانوا قد لزموا المسجد بالكوفة وأظهروا التعبد ولزم كل رجل منهم اسطوانة ، وكانوا يدعون الناس إلى أمرهم سراً فبلغ خبرهم عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس وكان عاملاً لأبي جعفر المنصور على الكوفة وأنهم قد أظهروا الإباحات ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب وأنهم مجتمعون في مسجد الكوفة لزموا الأساطين يرون الناس أنهم لزموا للعبادة ، فبعث إليهم رجلاً من اصحابه في خيل ورجاله ليأخذهم ويأتيه بهم فامتنعوا عليه وحاربوه وكانوا سبعين رجلاً ، فقتلهم جميعاً ولم يفلت منهم أحداً إلا رجل واحد اصابته جراحات فسقط بين القتلى ، فعد فيهم ، فلما جن الليل خرج من بينهم فتخلص ، وهو ابو سلمة بن مكرم الجمال الملقب بأبي خديجة ، وذكر

٩١

ادعى النبوة فيما بعد ، زعم أن الإمام موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس وأنه غاب واستتر وهو القائم المهدي وأنه في وقت غيبته استخلف على الأمة محمد بن بشير وجعله وصيه وأعطاه خاتمه وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته من أمر دينهم ودنياهم وفوض إليه جميع أمره وأقامه مقام نفسه (١) ...

وقد رفع خبره إلى هارون الرشيد فأراد قتله لما أظهره من الإلحاد والكفر والزندقة إلا أنه استعطفه فقال له : يا أمير المؤمنين استبقني فإني أتخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها فأطلقه.

فاتخذ له الدوالي التي تعمل من غير مستعمل فتصب الماء في البساتين. وذلك أنه عمد إلى الزئبق فرضعه بين ألواح الدوالي فهذه عندما تتحرك بضورة فنية دقيقية تتحرك بصورة فنية دقيقة تحرك الدوالي تمتلئ بالماء وهكذا تصب في السواقي (٢) ...

__________________

بعد ذلك أنه قد تاب ورجع وكان ممن يروي الحديث ، وكانت بينهم حرب شديدة بالقصب والحجارة والسكاكين كانت مع بعضهم وجعلوا القصب مكان الرماح وسائر السلاح ورماحهم وسيوفهم وسلاحهم ولا يضركم ولا يعمل فيكم ولا يحتك في أبدانكم ، فجعل يقدمكم عشرة عشرة للمحاربة ، فلما قتل منهم نحو ثلاثين رجلاً صاحوا إليه يا سيدنا ما ترى ما يحل بنا من هؤلاء القوم؟ ولا ترى قصبنا يعمل فيهم ولا يؤثر ، وقد يكسر كله؟ وقد عمل فينا وقتل من برئ منّا.

فذكر رواة العامة أنه قال لهم يا قوم إن كان بدا الله فيكم فما ذنبي..

وقال رواة الشيعة أنه قال لهم يا قوم قد بليتم وامتحنتم وأذن في قتلكم وشهادتكم فقاتلوا على دينكم واحسابكم ولا تعطوا بأيديكم فتذلوا ، مع أنكم لا تتخلصون من القتل فموتوا كراماً أعزاء واصبروا ، فقد وعد الله الصابرين أجراً عظيما ، وأنتم الصابرون فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم ، وأسر أبو الخطاب فأتى به عيسى بن موسى فأمر بقتله فضرب عنقه في دار الرزق على شاطئ الفرات ، وأمر بصلبه وصلب أصحابه فصلبوا ثم أمر بعد مدة بإحراقهم فأحرقوا ، وبعث برؤوسهم إلى المنصور فأمر بها فصلبت على مدينة بغداد ثلاث أيام ثم أحرقت. المقالات والفرق المنصور فأمر بها فصلبت على مدينة بغداد ثلاث أيام ثم أحرقت. المقالات والفرق ٨١ ـ ٨٢.

(١) رجال الكشي ٦ | ٧٧٥.

(٢) رجال الكافي ٦ | ٧٧٧.

٩٢

لكن عمله هذا لم يدم حيث انكسر بعض الخشب فتعطلت عن العمل ، بعدها بمدة قتله الخليفة العباسي شر قتله (١).

لقد استمرت حركة الغلاة وتعددت فرقهم في العراق واتخذت من الكوفة والبصرة قاعدة البث أفكارها بين الناس والستقطبت من كان في نفسه هوى أو رغب عن الأئمة عليهم‌السلام ، ومن جملة هذه الفرق هي :

المغيرية نسبة إلى المغيرة بن سعيد ، والبيانية نسبة إلى بيان بن سمعان ، والبزيعية نسبة إلى بزيع الحائك ، والصائدية نسبة إلى صائد الكوفي.

هؤلاء قد نصبوا أنفسهم أنبياء وجعلوا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم أرباباً خالقين ، قال سعد بن عبد الله الأشعري : وزعموا أنهم أبواب وصفوة وأنهم يرون جعفر بن محمد رباً وخالقاً في ملكوته وعظمته ، بخلاف ما تراه الشيعة المقصرة ؛ فإنهم يرونه بوادي ولا يدركه بالنورانية إلا هم إذا كانوا أنبياء وصفوة وإن لم يكن من صفوته يدركه بالبشرية اللحمانية الدموية يلتبس على أهل الجحود لربوبيته من مقصرة الشيعة (٢).

روى الكشي عن أحمد بن علي ، عن سهل ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن عمار بن أبي عتبة ، قال : هلكت بنت لأبي الخطاب فلما دعنها اطلع يونس بن ظبيان في قبرها فقال : السلام عليك يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وفي زمن الإمام الرضا عليه‌السلام كان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات البغدادي يكذب على الأئمة وبالخصوص على الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام حتى لعنه وأمر بلعنه والتبرى منه لأنه كان يدعي النبوة وأنه باب للرضا عليه‌السلام.

وروى الكشي عن محمد بن قولويه ، عن سعد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ـ ابن عبد الرحمن ـ قال : سمعت رجلاً من الطيارة (٤)

__________________

(١) المقالات والفرق ١٩٢ ورجال الكشي ٢ | ٥٨١.

(٢) المقالات والفرق ٥٥.

(٣) رجال الكشي ٢ | ٦٥٨.

(٤) الطيارة أي الذين طاروا إلى الغلو وهو مصطلح معروف ...

٩٣

يحدث أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن يونس بن ظبيان أنه قال : كنت في بعض الليالي وأنا في الطواف فإذا نداء من فوق رأسي : يا يونس إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكري ، فرفعت رأسي فإذا ج (١) ، فغضب أبو الحسن عليه‌السلام غضباً لم يملك نفسه ثم قال للرجل : أخرج عني لعنك الله ولعن من حدثك ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة تتبعهما ألف لعنة كل لعنة منهما تبلغ مقر جهنم ، أشهد ما ناداه إلا الشيطان ، أما يونس ـ بن ظبيان ـ مع أبي الخطاب في أشد العذاب مقرونان ، وأصحابهما إلى ذلك الشيطان مع فرعون وآل فرعون في أشد العذاب سمعت ذلك من أبي عليه‌السلام.

فقال يونس ـ بن عبد الرحمن ، فقام الرجل من عنده فما بلغ الباب إلا عشر خطاً حتى صرع مغشياً عليه قد قاء رجيعه وحمل ميتاً فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أتاه ملك بيده عمود فضربه على هامته ضربة قلب منها مثانته حتى رجعه وعجل الهل بروحه إلى الهاوية وألحقه بصاحبه الذي حدثه يونس بن ظبيان ، ورأى الشيطان الذي كان يتراءى له (٢).

وممن كان يدعى النبوة في زمن علي بن محمد الهادي هو علي بن حسكة الجواز القمي. والقاسم اليقطيني الشعراني.

قال محمد بن عيسى فأخبراني ـ جعفر بن عيسى وعلي بن إسماعيل الميثمي ـ وغيرهما أنه ما لبث محمد بن فرات إلا قليلاً حتى قتله إبراهيم بن شكلة أخبث قتله وكان محمد بن فرات يدعى أنه باب وأنه نبي ، وكان القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان لعنهما الله (٣).

وممن ادعى النبوة زمن الإمام الهادي عليه‌السلام محمد بن نصير الفهري النميري وزعم أن علي بن محمد العسكري أرسله نبياً للناس وقد مرّ الحديث عنه وعن اعتقاده الفاسد.

قال نصير بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ـ القمي ـ

__________________

(١) ج يعني جبرائيل أما في بعض النسخ (ح) فلا معنى له والبعض بأوله أبا الحسن الرضا فهو بعيد.

(٢) الكشي ٢ | ٦٥٧.

(٣) رجال الكشي ٦ | ٨٢٩.

٩٤

ومحمد بن نصير النميري ، وفارس بن حاتم القزويني ، هؤلاء الثلاثة ورد لعنهم على لسان الإمام علي بن محمد العسكري عليه‌السلام.

وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين ابن باب القمي.

قال سعد : حدثني العبيدي ، قال : كتب إلى العسكري ابتداءاً فيه : أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي ، فأبرأ منهما ، فإني محذرك وجميع موالي وإني ألعنهما ، عليهما لعنة الله ، مستاكلين يأكلان بنا الناس ، فتانين مؤذيين آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً.

يزعم ابن باب أني بعثته نبياً وأنه باب عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فاغواه (١) ...

هذه نظرة سريعة عمن قال بنبوة بعض الأئمة أو من ادعاها لنفسه وأنه مرسل من قبل لعنهم الله أنى يؤفكون.

وقد عرفت أن الأئمة سلام الله عليهم لعنوا أصحاب تلك المقالات وتبرؤوا منهم وأمروا مواليهم وشيعتهم أن يتبوؤوا من أولئك ، بل عرفت فيما تقدم أمر به الإمام الكاظم عليه‌السلام السائل وقد حرضه على قتل محمد بن بشير. ومثل ذلك الأمر قد صدر من الإمام الحسن العسكري وتحريضه على قتل علي تن حسكة.

فأصحاب هذه المقالات ليست من الشيعة الإمامية ، بل إنها كافرة مشركة قد خرجت عن الإسلام بارتدادها ، فما كان يروونه ويؤخذ برواياتهم إنما هو في زمن استقامتهم وقبل منقلبهم ، فالعبرة في زمن الأداء لا في وقت التحمل ، فإذا كان الأداء زمن الاستقامة فيؤخذ بها ، وما كان في زمن الإنحراف والخبط فذاك مردود ، سواء كان من هؤلاء أو من غيرهم ممن خالفنا في العقيدة والمبدأ.

فمثل هذا الغلو لا تجد له سبيل في مرواياتنا. بل إن الشيخ الكليني دون من الحداديث وأخبار المعصومين ما يرد على أصحاب الأهواء الباطلة

__________________

(١) رجال الكشي ٦ | ٨٠٥.

٩٥

والعقائد الفاسدة ، وقد بينا في كتابنا ( الكليني والكافي ) منهجية الشيخ في الكافي خصوصاً في كتاب الحجة ، قد بين الشيخ هناك وفي الأبواب التي أفردها للإمامة ما تؤكد سلامه عقيدته في الأئمة عليهم‌السلام حيث جاءت الأخبار المتواترة الصحيحة عنهم عليهم‌السلام تؤكد عبوديتهم لله وأنهم عبيد مخلوقون له جل وعز ، وأنهم عباد مكرمون معصومون.

فأي شيء من الغلو يصدق على مرويات الكليني في كتابه؟ ...

كما أن ضعف الراوي أو فساد مذهبه لا يعني عدم صحة المروي فيك كل الحالات ، بل لو قام الدليل أو وجدت بعض الإمارات الدالة على صحة المتن عمل به.

٩٦

الفصل الثاني

الغلو في العقائد

القول بالتشبيه

القول بالجبر والتفويض

القول بالحلول والتناسخ

القول بأن الأئمة يعلمون الغيب

القول بالتفويض المطلق للرسول والأئمة عليهم‌السلام

٩٧
٩٨

من الغلو ـ القول بالتشبيه

لقد بحث علماء الكلام والعقائد عن صفات الله تعالى وأسمائه المباركة وأن صفاته الكمالية والجلالية إنما هي مختصة به ولا يشاركه أحد ، لذا لا يوصف بما توصف به المخلوقات لأنه ليس بجسم ولا صورة ، ولو قلنا بذلك فقد جسدناه معاذ الله.

فهو تعالى منزه عن الجسمية ، وقد كفر من جسده كاليهود لما قالوا اشتكت عيناه فعادته الملائكة ، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه وإن العرش ليئط من تحته كأطيط الرحل الجديد ... الخ وكذا لما قال آخرون وهم الحشوية من أصحاب الحديث أنه يجلس على الكرسي كما يجلس البشر متخذين قوله سبحانه دليلاً : ( وكان عرشه على الماء ) (١) وقوله تعالى : ( ثم استوى على العرش يدبر الأمر )(٢) فإن اليهود جعلوا لله صفات هو منزه عنها بل إنما هي للمخلوقين.

وقد حذا بعض طوائف المسلمين حذو اليهود ، كالمجسمة والمشبه إذ وصفوه كيف ينظر وكيف ينزل يتكلم ... ثم روى الحشوية أخباراً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تظمنت الصورة وغيرها من أعضاء البدن منها : إنهم رووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه سبحانه وتعالى : « خلق آدم على صورة الرحمن » ، وقوله : حتى يضع الجبار قدمه في النار ، وقوله : قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن ،

__________________

(١) سورة هود ، الآية : ٧.

(٢) سورة يونس ، الآية : ٣.

٩٩

وقوله : وضع يده أو كفه على كتفي ، وقوله : حتى وجدت برد أنامله على كتفي وقد زادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أجروا كل هذه على ما يتعارف في صفات الأجسام. وهذه كلها من مستلزمات المادة بالعرض ، وإذا قلت بهذه العوارض المادية فلا بد من القول باجوهر وبالتالي تنتهي إلى الجسمية وهذا على الله لا يجوز بل إنه من مستلزمات الحادث وسبحانه قديم.

فسبحانه لا يمكن تشبيهه بشيء ولا شيء له شبيه به. ومما يذكر أن اليهود جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صف لنا ربك فإن الله أنزل نعمته في التوراة فأخبرنا من أي شيء هو؟ ومن أي جنس هو؟ أذهب أم نحاس أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممن ورث الدنيا ومن يورثها؟

فأنزل الله تبارك وتعالة سورة الإخلاص ، وهي نسبته.

لو حرص البشر جميعاً أن يميزوا سبحانه بأوصاف المخلوقات ولو في أدق المعاني وأجمل العبارات ، فإن ذلك من الأوهام والتخرصات ومهما بالغ العقلاء على أن يصفوه بصفات البشر فلا محالة أنه سيكون مخلوقاً مثلنا ، وكل مخلوق ومصنوع حادث وسبحانه ليس بحادث بل إنه قديم منذ الأزل.

ولا يخفى أن بعض الطوائف والفرق التي انتحلت الإسلام كالحشوية القائلين بالجبر والتشبيه وأن الله تعالى موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر هي مجسمة ومشبه ، إذ جمدوا على ظواهر الألفاظ من القرآن الكريم فلم يسعهم المقام أن يفهموا القرآن فهما صحيحاً وإدراكاً شاملاً لدقائق المعنى وجمال التأويل الوارد من أهل البيت عليهم‌السلام.

لما كانت معرفة الله تعالى أساس الطاعة والعبادة ، وما لم يعرف لا يمكن أن يطاع ، كما أن معرفته سبحانه لا تتم بإذعان العبد بوجوب وجوده ، ولا يكون هذا الإذعان ما لم يؤمن العبد بوحدانيته أي لا شريك له ، لأن الواجب لا يتعدد.

فعلى كل فرد أ ، يوحد هذا الواجب القديم الفرد الصمد ، وهذا التوحيد ، لا يتم إلا بإخلاص له ، ومن جملة الإخلاص هو نفي الصفات الزائده عنه ، فصفاته عين ذاته ، فإن علمه وقدرته وأرادته وسمعه وبصره كلها موجودة بوجود ذاته الأحدية وذاته جامعة ومستوعبة لها ، وهي عينها وليست زائدة على الذات , ولا خارجة عنها أما من حيث الصفات فهي على قمسين.

١٠٠