شبهة الغلو عند الشيعة

الدكتور عبدالرسول الغفار

شبهة الغلو عند الشيعة

المؤلف:

الدكتور عبدالرسول الغفار


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٢

يوشع بن نون وصي موسى عليه‌السلام مثل ما قال في علي رضي الله عنه. وهو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه ، ومنه انشعبت أصناف الغلاة (١).

٣ ـ وقال الشيخ الطوسي في رجاله في باب أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام : عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو (٢).

٤ ـ وقال الحلي في الخلاصة في القسم الثاني منه : عبد الله بن سبأ ... غال ملعون حرّقه أمير المؤمنين عليه‌السلام بالنار كان يزعم أن علياً عليه‌السلام إله وأنه نبي لعنة الله (٣).

٥ ـ وقال ابن داود : عبد الله بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو (٤) ، فلفظه مطابق إلى الشيخ الطوسي.

هذه أهم المصادر القديمة التي ترجمت لعبد الله بن سبأ. إلا أنها لم تتحر الحقيقة فتكشف النقاب عنه ، حتى قيض الله لنا العلامة المحقق آية الله السيد مرتضى العسكري ليثبت إلى التاريخ بعد مضي ١٤ ق من الزمان أن عبد الله بن سبأ رجل مختلق وأسطورة مفتعله من نسج سيف بن عمر التميمي المتوفى بعد عام ١٧٩ هـ ، والمعروف بالوضع والكذب والتحريف قال فيه يحيى بن معين ت ٢٣٣ : ( ضعيف الحديث ، فَلسٌ خير منه ) (٥).

قال النسائي ت ٣٠٣ هـ : ( ضعيف متروك الاحديث ليس بثقة ولا مأمون ... ) وقال ابن حيان ت ٣٥٤ هـ : يروي الموضوعات عن الاثبات اتهم بالزندقة ، وقال : قالوا : كان يضع الحيث.

وقال الحاكم ت ٤٠٥ هـ : متروك اتهم بالزندقة.

وهكذا جميع المصادر التاريخية والرجالية تؤكّد على كذبه وزندقته ... فراجع. وعبد الله بن سبأ من مختلقات سيف بن عمر التميمي ولم يذكرهُ من

__________________

(١) الملل والنحل ١٥٥.

(٢) رجال الطوسي ص ٥١.

(٣) الخلاصة ص ٢٣٧.

(٤) رجال ابن داود ص ٢٥٤.

(٥) ميزان الاعتدال ٢ | ٢٥٥.

٦١

قبله أحد. وقد بحث العلامة العسكري في كتابه عبد الله بن سبأ بجزئين كبيرين أحوال هذا الرجل وأبطال قصصه المفتعلة والروايات التي وضعها والدس الذي بثه في كتاباته ومروياته.

فالروايات التي جاءت تحدّث عن عبد الله بن سبأ وفي طريقها الإمام علي أمير المؤمنين عليه‌السلام والإمام الحسين عليه‌السلام والإمام علي بن الحسين عليه‌السلام والإمام الباقر عليه‌السلام والإمام الصادق عليه‌السلام كلها من مفتعلات سيف بن عمر حيث كان أموّياً متعصباً لهم ، معادياً لأهل البيت عليهم‌السلام ، وقد نشط في زمانه أهل الوضع واتسعت حركة الزندقة وذلك في أواخر العصر الأموي والذي وقف حكام بني أمية من وراء الحركة يمدّونها بالمال والدّعم والتأييد والتبنّي لبعض أفكارها حقداً منهم وحسداً لأهل البيت عليهم‌السلام وللإطاحة بالدّين الجديد حتى يتسنّى لهم التحكم في رقاب الناس واستعبادهم (١).

وبالتالي لا يشك أدنى باحث بأن السبائية ليست لها أي وجود وإنما ابتدعها سيف بن عمرو وخلق لها بطلها عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل ـ على حدّ زعمه ـ ثم أسلم ، وبعد ذلك أصبح من أقطاب المألّهين للإمام علي عليه‌السلام وهذا كله مختلق لا يقبل الشك ولو قارنت بين مرواياته لبدا لك التناقض فيها جلياً واضحاً ، وما كتبه العلامة يغنينا عن كل تفصيل.

نعم هناك فرقة تسمى الحربية نسبة إلى عبد الله بن عمر بن حرب الكندي ، قالت هذه الفرقة بأن علياً إله العالمين وأنه توارى عن خلقه سخطاً منه عليهم وسيظهر (٢).

رابعاً : أبو عمرو الكشي عن محمد بن الحسين البراثي ، وعثمان بن حامد قالا : حدّثنا محمد بن يزداد ، عن محمد بن الحسين عن موسى بن يسار ، عن عبد الله بن شريك عن أبيه قال ، بينا علي عليه‌السلام عند أمرأة من عنزة وهي أم عمرو إذا أتاه قنبر فقال : إن عشرة نفر بالباب يزعمون أنك ربّهم ، قال : ادخلهم ، قال : فدخلوا عليه.

__________________

(١) انظر كتابنا علم الرجال ، سبب الوضع والإفتراء على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) المقالات والفرق ٢١.

٦٢

فقال : ما تقولون؟ فقالوا : إنك ربنا ، وأنت الذي خلقتنا وأنت الذي ترزقنا. فقال لهم : ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم ، فأبوا أن يفعلوا ، فقال لهم : ويلكم ربّي ربّكم الله ، ويلكم توبوا وارجعوا ، فقالوا : لا نرجع عن مقالتنا أنت ربّنا ترزقنا وأنت خلقتنا.

فقال يا قنبر اتني بالفعلة ، فخرج فأتاه بعشر رجال مع الزبل والمرور فأمرهم أن يحفروا لهم في الأرض ، فلما حفروا خداً أمرنا بالحطب والنار فطرح فيه حتى صار ناراً تتوقد قال لهم : ويلكم توبوا وارجعوا فأبوا وقالوا : لا نرجع فقذف علي عليه‌السلام بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار ، ثم قال علي عليه‌السلام :

إنـي إذا أبـصـرت شـيـئـاً منكراً

أوقـدت نـاري ودعوت قـنـبـراً (١)

خامساً : ما دار بين الإمام الرضا والمأمون قال له الإمام عليه‌السلام قال علي عليه‌السلام : يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي ، محبّ مفرط ، ومبغض مفرط وأنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلبه فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب ما قلت لهم إلا ما امرتني به أن اعبدوا الله ربّي وربّكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد (٢).

وقال عزّ وجّل : ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ) (٣).

وقال عزّ وجّل : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ) (٤).

__________________

(١) رجال الكشي ٤ | ٥٩٦.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ١١٦ ـ ١١٧.

(٣) سورة النساء ، الآية : ١٧٢.

(٤) المائدة ، الآية : ٧٥.

٦٣

ومعناه أنهما كانا يتغوطان ، فمن ادعى للأنبياء ربوبية وادعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة (١) ...

اقول : ويمكن توضيح العبارة بهذا الاستدلال ، وهو أن أكل الطعام يستلزم كون الآكل محتاج لا يكون ربّاً ؛ لأن الأشياء كلّها محتاجة إليه وهو سبحانه غني عن الكُل.

سادساً : الكشّي عن يحيى بن عبد الحميد الحمّاني في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام قلت لشريك أن أقواماً يزعمون أن جعفر بن محمد ضعيف في الحديث فقال : أخبرك القصة :

كان جعفر بن محمد رجلاً صالحاً مسلماً ورعا فاكتنفه قوم جهال يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويولون حدّثنا جعفر بن محمد ، ويحدّثون بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر ، يستأكلون الناس بذلك ويأخذون منهم الدارهم فكانوا يأتون من ذلك بكل منكر ، فسمعت العوام بذلك منهم فمنهم من هلك ، ومنهم من أنكر.

هؤلاء مثل المفضل بن عمر ، وبنان ، وعمرو النبطي وغيرهم ، ذكروا جعفراً حدثهم أن معرفة الإمام تكفي عن الصوم والصلاة ، وحدّثهم عن أبيه عن جدّه أنه حدثهم عليه‌السلام ـ بالرجعة ـ قبل القيامة ، وأن علياً عليه‌السلام في السحاب يطير مع الريح ، وإنه كان يتكلم بعد الموت ، وإنه كان يتحرك على المغتسل ، وإن إله السماء وإله الأرض الإمام ، فجعلوا لله شريكاً ، جهال ضلال.

والله ما قال جعفر شيئاً من هذا قط ، كان جعفر أتقى لله وأورع من ذلك فسمع الناس فضعفوه ولو رأيت جعفراً لعلمت أنه واحد من الناس (٢).

سابعاً : الكشي عن حمدويه وإبراهيم بن نصير قالا : حدثنا محمد بن عيسى ، عن صفوان ، عن مرازم ، قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : تعرف مبشر بشر ، بتوهم الاسم قال : الشعيري ، فقلت : بشار؟ قال : بشار ، فقلت :

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ | ٢٠١.

(٢) الكشي ٤ | ٦١٦.

٦٤

نعم جار لي ، قال أن اليهود قالوا وحدوا الله ، وإن النصارى قالوا وحدوا الله ، وإن بشاراً قال قولاً عظيماً إذا قدمت الكوفة فأته وقل له : يقول لك جعفر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك.

قال مرازم : فلما قدمت الكوفة فوضعت متاعي وجئت إليه فدعوت الجارية ، فقلت قولي لأبي إسماعيل هذا مرازم فخرج إلي فقلت له : يقول لك جعفر بن محمد يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك ، فقال لي وقد ذكرني سيدي ، قال : قلت نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك ، فقال : جزاك الله خيراً وفعل بك وأقبل يدعو لي.

ومقالة بشار هي مقالة العلياوية ، يقولون إن علياً عليه‌السلام هرب وظهر بالعلوية الهاشمية ، وأظهر أنه عبده ورسوله بالمحمدية ، فوافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخاص علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وإن معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي ، لأنه أول هذه الأشخاص في الإمامة.

وأنكروا شخص محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزعموا أن محمداً عبد ع وع ب (١) وأقاموا محمداً مقام ما أقامت المخمسة سلمان وجعلوه رسولاً لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوافقهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ ، والعليائية سمتها المخمسة العليائية وزعموا أن بشاراً الشعيري لما أنكر رسالة سلمان مسخ صدره طيراً يقال له علياء يكون في البحر فلذلك سمّوهم العليائية.

ثامناً : في الاحتجاج عن أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام : إن أبا الحسن الرضا عليه‌السلام قال : إن من تجاوز بأمير المؤمنين عليه‌السلام لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني بريء من الغالين.

فقال إليه رجل فقال : يا ابن رسول الله صف لنا ربك فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا. فوصفه الرضا عليه‌السلام أحسن وصف ، ومجّده ونزّهه عمّا لا

__________________

(١) (ع) رمز علي و (ب) رمز الرب.

٦٥

يليق به تعالى ، فقال الرجل بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله فإن معي من ينتحل موالاتكم ويزعم أن هذه كلها من صفات علي عليه‌السلام وأنه هو رب العالمين.

قال : فلما سمعها الرضا عليه‌السلام ارتعدت فرائصه وتصبّب عرقاً وقال : سبحان الله عما يشركون سبحانه عما يقول الكافرون غلواً كبيراً ، أو ليس علي كان أكلا في الأكلين ، وشارباً في الشاربين ، وناكحاً في الناكحين ، ومحدثاً في المتحدثين؟

وكان مع ذلك مصلياً خاضعاً بين يدي الله ذليلاً ، وإليه أواها منيباً أفمن هذه صفته يكون إلهاً؟ فإن كان هذا إلهاً فليس منكم أحد إلا وهو إله لمشاركته له في هذه الصفة الدالات على حث كل موصوف بها.

فقال الرجل : يا ابن رسول الله إنهم يزعمون أن علياً لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله دل على أنه إله ، ولما اظهر لهم بصفات المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم وامتحنهم ليعرفوه ، وليكون إيمانهم اختياراً من انفسهم.

فقال الرضا عليه‌السلام أول ما هاهنا أن لا ينفصلون ممن قلب هذا عليهم فقال : لما ظهر منه الفقر والفاقة دل على أن من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله ، فعلم بهذا أن الذي أظهره من المعجزات إنما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين ، لا فعل المحدث المشارك للضعفاء في صفات الضعف (١).

من ادعى الألوهية : المخمّسة

من الذين ادعوا الالوهية المخمّسة وهم أصحاب أبي الخطاب ، وإنما سموا المخمّسة لأنهم زعموا أن الله عزّ وجّل هو محمد وأنه ظهر في خمسة أشباح وخمس صول مختلفة ظهر في صورة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وزعموا أن أربعة من هذه الخمسة تلتبس لا حقيقة لها والمعنى

__________________

(١) الاحتجاج ٢ | ٤٣٩.

٦٦

شخص محمد وصورته لأنه أول شخص ظهر وأول ناطق نطق ولم يزل بين خلقه موجوداً بذاته يتكون في أي صورة شاء ...

ولهذه الفرقة اعتقادات فاسدة كثيرة أغلبها تدور في التشبيه والتناسخ ، ويدعون أن الله ظهر لهم أي للناس بالنورانية فدعاهم إلى وحدانَية فلم يقبلوا ثم ظهر لهم من باب التوبة والرسالة فأنكروا عليه ذلك ، ثم ظهر لهم من باب الإمامة فقبلوه.

فظاهر الله عزّ وجّل عندهم الإمامة وباطنه الله ، وهذا سبيلهم في كل الأنبياء والملوك من آدم حتى ظهور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم قالوا كل من كان من الأوائل مثل أبي الخطاب ، وبيان التبّان ، وصائد النهدي والمغيرة بن سعيد ، وحمزة بن عمّار البربري وبزيع الحائك ، وبيان بن سمعان النهدي ، والسري ، ومحمد بن بشير الشعيري ... هم أنبياء أبواب بتغيير الجسم وتبديل الاسم وزعمت هذه الفرقة أن الشرائع التي وضعت عن الانسان وأنه ممتحن بها وأن جميع ما حرم الله مباح ، وإن المحرمات هي رجال ونساء من أهل الجحود والكفر ، وإن جميع العبادات والرائض من صوم ، وحج وزكاة ... هي الأغلال وإنّما كانت واجبة على أهل الجحود والإنكار ، أما الزنا والسرقة والخمر واللواط والرّبا وغير ذلك من المحرّمات إنّما هي رجال ونساء فإذا حرمت على نفسك توايتهم واجتنابهم فقد اجنبت ما حرم الله عليك.

وقد أباحوا الفروج وأبطلوا النكاح والطلاق ، ثم ادعوا أن النكاح باطنه مواصلة أخيك المؤمن. فإذا نكحته فقد وصلته وأديت ما عليك من حق (١).

وهؤلاء المخمسة قبل أن يظهر لهم أبو الخطاب كانت بينهم عقيدة سائدة إن تلك الأشباح الخمسة قد حلوا في أبدان وكل إليهم تدبير العالم وإنهم مأمورون من الله عزّ وجّل في اداء هذه المهمة والرّبّ ـ عندهم ـ هو الذي على صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل هؤلاء الخمسة وهم : سلمان الفرسي ، وعمار بن

__________________

(١) المقالات والفرق | ٥٦.

٦٧

ياسر ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمر بن أمية الصيمري ، وإنهم مأمورون من عند الله ـ علي ـ بإدارة مصالح العالم وسلمان رئيسهم.

وهذه الفرقة تسمى بالعلياوية أو العلبائية ، وقال فيهم الشهرستاني : أصحاب العباء بن ذارع الدوسي وقال قوم ، هو الأسدي. وكان يفضّل علياً على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزعم أنه الذي بعث محمداً ، يعني علياً وسماه إلهاً. وكان يقول بذم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعاه إلى نفسه. ويسمون هذه الفرقة ( الذميّة ).

ومنهم من قال بالألهية جميعاً ويقدمون علياً في الأحكام الإلهية ويسمونهم ( العينية ).

ومنهم من قال بإلهيتهما جميعاً ويفضلون محمداً في الإلهية ويسمونهم ( الميمية ) ومنهم من قال لالألهية لجملة أشخاص أصحاب الكساء : محمد وعلي ، وفاطمة والحسن والحسين ، وقالوا خمستهم شيء واحد والروح حاله فيهم بالسوية (١) ... وتابع هذه الفرقة في معتقداتها الباطلة بشّار الشعيري ، ومقالته هي مقالة العلياوية الذي تقتقد أن علياً ربّ وظهر بالعلوية الهاشمية وأظهر أنه عبده ورسوله بالمحمدية ، فوافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخصاص علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وأن معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي ، لأنه أول هذه الأشخاص في الإمامة.

وانكروا شخص محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزعموا أن محمداً عبد علي وعلي هو الربّ وأقاموا محمداً مقام ما أقامت المخمّسة سلمان وجعلوه رسولاً لمحمد صلوات الله عليهم ، فوافقهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ ، والعليائية سمتها المخمسة (٢) كما تقدم.

أقول يطابق هذه الفرق من المخمسة والعليائية والبشرية (٣) هي بعض

__________________

(١) الملل والنحل | ١٥٦.

(٢) رجال الكشي ٥ | ٧٠٢.

(٣) نسبة إلى محمد بن بشير.

٦٨

فرق الكيسائية والحربية ، زعم بعضهم أن الله القديم عزّ وجّل قد حلّ في علي وفاطمة الحسن والحسين عليهم‌السلام والكل في معنى واحد هو الرب الخالق الذي خلف لنفسه فأسكنها أجساد هؤلاء الأربعة فحلّت فيهم وكانت وعاء سكناً لروح الله فالسكن الفعلي والحالي في هذه الأجساد هو الرب محمد ثم قالوا حل الله في جسد محمح اللحماني الدماني فأصبح ظرفاً للرب والنطق منه الله القديم.

وأحلت المحرمات والفروج (١) ... وكل ذلك تجده في معتقدات محمد بن أبي زينب ، أبو الخطاب.

وللخطابية عقائد كثيرة يمكن ذكر بعضها :

١ ـ إن أبا الخطاب تصدى لبعث الأنبياء والرسل ، وكما ورد أن أصحابه من الأنبياء الذين يقولون به قد بلغ عددهم سبعين نفراً.

٢ ـ زعموا أن الإمام جعفر الصادق هو الله وإنما هو نور يدخل في أبدان الأوصياء فيحل فيها فكان ذلك النور في جعفر ثم خرج منه فدخل في أبي الخطاب.

وبعضه زعموا أن جعفراً هو الإسلام والإسلام هو السلم والسلم هو الله ونحن بنو الإسلام كما قالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه.

٣ ـ صلوا وصاموا وحجوا لجعفر الصادق عليه‌السلام فقالوا : لبيك يا جعفر لبيك.

٤ ـ ثم الخطابية لما برز فيهم بيان وادعى النبوة أمر أصحابه بإباحة كل الأمور وأحل لهم الشهوات ما حل منها وما حرم وادعى أن الله لم يحرم شيئاً على خلقه ، لذا حلل السرقة والزنا والخمر والربا والدم ولحم الخنزير ونكاح جميه ما حرمه الله في كتبه من الأمهات والبنات والأخوات ونكاح الرجال ، ووضع عن أصحابه غسل الجنابة.

٥ ـ قالوا الأرواح تتناسخ وتحل في أجسام غيرها فإن الله كان نوراً حل في عبد المطلب ثم صار هذا النور في أبي طالب ثم صار في محمد

__________________

(١) المقالات والفرق | ٦٠.

٦٩

ثم صار في علي فهؤلاء كلهم آلهة إلى أن انتهى هذا النور في معمر أحد مريديهم ومّمن ادّعى النبوة لنفسه.

قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي وتنبؤه عن الغلاة

عن محمد بن أحمد بن شاذان بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي مثلك في أمتي مثل المسيح عيسى بن مريم افترق قومه ثلاث فرق ، فرقة مؤمنة وهم الحواريون ، وفرقة عادوه وهم اليهود وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن الإيمان ، وإن أمتي ستفترق فيك ثلاث فرق : فقرقة شيعتك وهم المؤمنون وفرقة عدوك وهم الشاكون ، وفرقة تغلو فيك وهم الجاحدون وأنت في الجنة يا علي وشيعتك ومحب شيعتك عدوك والغالي في النار (١).

أمير المؤمنين عليه‌السلام يتبرّأ من الغلاة

في أمالي الطوسي بإسناده عن ابن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ، الله اخذلهم أبداً ولا تنصر منه أحداً (٢).

وفي الخصال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إياكم والغلو فينا ، قولوا : إنا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم (٣).

الكليني بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء رجل من الأحبار إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال :

يا أمير المؤمنين متى كان ربك؟ فقال له عليه‌السلام : ثكلتك أمك ومتى لم يكن. حتى يقال متى كان. كان ربي قبل القبل بلا قبل وبعد العبد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغاية ، انقطعت الغايات عنده فهو منتهى كل غاية فقال : يا أمير المؤنين افنبي أنت.

__________________

(١) دفائن النواصب ( المناقب ) ٣٣ والبحار ٢٥ | ٢٦٥.

(٢) أمالي الطوسي | ٥٤.

(٣) الخصال ٢ | ٣٦ والبحار ٢٥ | ٢٧٠.

٧٠

فقال : ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وفي رواية أبي الحسن الموصلي ... إنما أنا عبد من عبيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

من ادعى الألوهية في محمد بن الحنفية

لما استشهد الإمام الحسين عليه‌السلام في كربلاء اختلف فيه أناس فمنهم من ققال لم يقتل بل إنه رفع إلى السماء وقد شبه به ، وإنما وقع شبهه على حنظلة بن سعد الشامي وأن الحسين قد أشبه عليسى ابن مريم في أمره حيث رفعا إلى السماء ويحتجون بالآية : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ) (٣).

ومنهم شكّك في إمامة الحسين عليه‌السلام ذلك أنه لما خرج بأهل بيته ونفر من أصحابه للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقالوا إنه عرّض نفسه للهلكة وهل يصح ذلك منه فإذا صح فلماذا لن يخرج الحسن من قبله مع وجود الأعوان والأنصار والإمرة لم تخرج من يده؟ ...

فهؤلاء شكّكوا في إمامة الحسين عليه‌السلام كما أنهم شكّكوا في إمامة الحسن من قبل.

وفريق ثالث كان يقول بإمامة الحسن وكذلك بإمامة الحسين ولما استشهد الحسين عليه‌السلام قال بإمامة محمد بن الحنفية وقالوا أنه أوصى إليه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام من قبل وأنه وقي بنفسه إخواته وأبيه في حرب النهروان والجمل وصفين .. إلى غير ذلك من الإفتراءات والإدعاءات ...

ولما توفي محمد بن الحنفية صار الذين قالوا بإماته إلى ثلاث فرق ، قال النوبختي أحدها قالت : إن محمد بن الحنفية هو المهدي سماه علي عليه‌السلام مهدياً لم يمت ولا يجوز ذلك ولكنه غاب ولا يدري أين هو سيرجع ويملك الأرض ولا إمام بعد غيبته إلى رجوعه وهؤلاء هم أصحاب ( ابن

__________________

(١)(٢) أصول الكافي ١ | ٨٩.

(٣) سورة النساء ، الآية : ١٤١.

٧١

كرب ) وكان حمزة بن عمارة البربري منهم ، وكان من أهل المدينة ففارقهم واذعى انه نبي وأن محمد بن الحنفية هو الله عزّ وجّل تعالى عن ذلك علواً كبيراً وأن حمزة هو الإمام وأنه ينزل عليه سبعة أسباب من السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها فتبعه على ذلك ناس من أهل المدينة وأهل الكوفة فلعنه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام وبرئ منه وكذبه وبرأت منه الشيعة فاتبعه على رأيه رجلان من نهد لأحدهما صائد وللآخر بيان.

فكان بيان تباناً يتبن التبن بالكوفة ثم ادعى أن محمد بن علي بن الحسين أوصى إليه ، وأخذه خالد بن عبد الله القسري هو وخمسة عشر رجلاً من أصحابه فشدّهم بإطناب القصب ، وصبّ عليهم النفط في مسجد الكوفة وألهب فيهم النار ، فأفلت منهم رجل فخرج بنفسه ثم التفت فرأى أصحابه تأخذهم النار فكرّ راجعاً إلى أن ألقى نفسه في النار فاحترق معهم.

وكان حمزة بن عمار نكح ابنته وأحل جميع المحارم وقال : من عرف الإمام فليصنع ما شاء فلا إثم عليه (١) ...

وفرقة من البيانّية زعمت أن الإمام القائم المهدي أبو هشام بن محمد ابن الحنفية ، ثم غلو فيه لما توفي وادّعى بيان النبّوة وتأول أصحابه قول الله تعالى ( هذا بيان للناس ) ثم كتب بيان إلى الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام يدعوا إلى نفسه والإقرار بنبوته ويقول له : ( اسلم تسلم وترتق في سلم وتنج وتغنم فإنك لا تدري أين يجعل الله النبوة والرسالة وما على الرسول إلا البلاغ ، وقد أعذر من أنذر ) (٢).

من أدعى الغلو فيهم عليهم‌السلام زمن الإمام السجاد

لا يخفى أن الأئمة عليهم‌السلام كانوا يحذّرون أصحابهم من الغلو فيهم أو القول بما لا يوافق مبدأ التوحيد كاعتقاد البعض فيهم أنهم آلهة أو أنبياء ، كما قالت الغلاة فيهم ذلك ...

فالإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام أخبر أبا خالد

__________________

(١) فرق الشيعة | ٤٤.

(٢) المقالات والفرق | ٣٧.

٧٢

الكابلي (١) بما سيقع من هذا الأئمة وأن بعضهم سيقول بمقالة اليهود والنصارى ، غير أنهم براء من أولئك.

قال أبو عمرو بإسناده عن ضريس قال : قال لي أبو خالد الكابلي : أما إني سأحدثك بحديث إن رأيتموه وأنا حيّ فقلت صدقني ، وإن مت قبل أن تراه ترحمت عليّ ودعوت لي.

سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : إن اليهود أحبّوا عزيراً حتى قالوا فيه ما قاولوا ، فلا عزير منهم ولا هم من عزير ، وأن النصارى أحبّوا عيسى حتى قالوا فيه ما قالوا ، فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى.

وأنا على سنّة من ذلك أن قوماً من شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما

__________________

(١) ابو خالد الكابلي واسمه كنكر وقيل هذا لقبه واسمه وردان ، كان يقول بإمامة محمد بن الحنفية وخدمه زمناً غير قصير ثم رجع وقال بإمامة علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام قال أبو بصير قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهراً وما كان يشك في انه إمام ، حتى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ان لي حرمه وموده وانقطاعاً ، فأسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين إلا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه قال : فقال : يا أبا خالد حلفتني بالعظيم ، الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام وعليك وعلى كل مسلم.

فأقبل أبو خالد لما سمع ما قاله محمد بن الحنفية جاء إلى علي بن الحسين عليه‌السلام فلما استأذن عليه فأخبره أن أبا خالد بالباب ، فأذه له ، فلما دخل عليه دنا منه قال : مرحباً بك يا كنكر ما كنا لنا بزائر ما بدا لك فينا؟ فخر أبو خالد ساجداً شاكراً لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين عليه‌السلام فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت.

فقال له علي عليه‌السلام وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟

قال : إنك دعوتني باسمي الذي سمّتني أمي التي ولدتني ، وقد كنت في عمياء من امري ، ولقد خدمت محمد بن الحنفية عمراً من عمري ولا أشك إلا وانه إمام.

حتى إذا كان قريباً سألته بحرمة الله وبحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدوني إليك وقال : هو الإمام علي وعليك وعلى خلق الله كلهم ، ثم أذنت لي فجئت فدنوت منك سميتني باسمي الذي سمتني أمي فعلمت انك الإمام الذي فرض الله طاعته علي وعلى كل مسلم ، رجال الكشي ٢ | ٣٣٦.

٧٣

قالت الهيود في عزير ، وما قالت النصارى في عيسى بن مريم فلا هم منا ولا نحن منهم (١).

وقال الكشي بإسناده عن أبي عبد الله عليه والسلام قال : ارتد الناس بعد قتل الحسين عليه‌السلام إلا ثلاثة : ابو خالد الكابلي ، ويحيى بن أم الطويل ، وجبير بن مطعم ثم إن الناس لحفوا وكثورا.

وروي يونس ، عن حمزة بن محمد الطيار ، مثل وزاد فيه وجابر بن عبد الله الأنصاري (٢).

من ادعى بهتاناً زمن الإمام الباقر عليه‌السلام

لما توفي الإمام زين العابدين عليه‌السلام اجتمع أمر الشيعة على إمامة محمد الباقر عليه‌السلام ولم يخالف في ذلك إلا رجل واحد إسمه ( عمر بن رياح ) إذ انقلب إلى البترية فصار منهم ، ثم تبعه نفر يسير (٣).

ولما توفي الإمام محمد الباقر عليه‌السلام انقسم أصحابه إلى فرقتين

__________________

(١) رجال الكشي ٢ | ٣٣٦.

(٢) رجال الكشي ٢ | ٣٣٨. وقال الفضل بن شاذان : ولم يكن في زمن علي بن الحسين عليه‌السلام في أول مرة إلا خمسة أنفس سعيد بن جبير ، سعيد بن المسيب ، محمد بن جبير بن مطعم ، يحيى بن أم الطويل ، أبو خالد الكابلي .. الكني والألقاب ١ | ٦١.

(٣) قال سعد بن عبد الله الأشعري في سبب خروج بن رياح عن إمامة الباقر عليه‌السلام فقال .. يقال له عمر بن رياح زعم أنه سأل أبا جعفر عن مسألة فأجابه فيها بجواب ثم عاد إليه في عام آخر فزعم أنه سأله تلك السألة بعينا فأجابه فيها خلاف الجواب الأول ، فقال لأبي جعفر هذا خلاف ما أجبتني فيه في هذه المسألة عامك الماضي فذكر أنه قال له أن جوابنا ربما خرج على وجه التقية فشك في أمره وإمامته ، فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر يقال له محمد بن قيس فقال له : إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول ، فقلت له لم فعلت ذلك؟ فقال فعلته للتقية ، وقد علم الله إني ما سألته إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتي به وقبوله والعمل به فلا وجه لإتيانه اياي ، وهذه حالي ، فقال له محمد بن قيس فلعله حضر من اتقاه فقال ما حضر مجلسه في واحد من الحالتين غيري ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبخيت ولم يحفظ ما أجابه في العام الماضي فيجيب بمثله ، ولا في حال

=

٧٤

أحدها قالت بإمامة جعفر الصادق عليه‌السلام. والآخر قالت بإمامة محمد ـ المعروف بالنفس الزكية ـ بن عبد الله بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط عليه‌السلام. الذي خرج بالمدينة عام ١٤٥ هـ وقتله عيسى بن موسى الهاشمي بأمر من المنصور الدوانيقي.

هذه الفرقة قالت أن محمد بن عبد الله هو القائم المهدي ، وانكروا قتله وقالوا : إنه حي يرزق ومقيم في جبل يسمى ( الطمية ) وقد وافق أن خرج أخوه إبراهيم بن عبد الله في البصرة زمن المنصور الدوانيقي ، ودارت بينهما حروب دامية كانت أخرها الغلبة للمنصور ، والذي حسم النزاع هو استشهاد إبراهيم. وممن قال بإمامة محمد بن عبد الله هو المغيرة بن سعيد ـ مولى خالد بن عبد الله القرشي ـ لكن تبرأت منه الشيعة القائلة بإمامة الصادق عليه‌السلام ورفضوه ولعنوه.

وقد التف حول المغيرة بن سعيد جماعة ثم نصبوه إماماً لهم ، بل إن المغيرة زعم أن الحسين قد أوصى إليه وأنه الإمام المهدي.

وبعد ذلك ادعى أنه رسول نبي وإن جبرائيل يأتيه بالوحي من عند الله فلما اطلع عليه خالد بن عبد الله القرشي سأله عن ذلك فأقر به ، ودعا خالداً إليه فاستتابه فأبى أن يرجع عن ذلك مما عمد إليه فقتله وصلبه ، لعنه الله عليه.

ومن عقائد المغيرة قوله بالتناسخ ، وقد ادعى أنه يحيي الموتى.

من ادعى الألوهية في الأمام الصادق عليه‌السلام

الفترة التي عاشها الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام وذاع فيها صيته هي فترة أفول الدولة الأموية والدعوة إلى أهل البيت والتمهيد لقيام دولة عباسية تحت ستار العلويين ، غير أن الأئمة عاشت اضطراباً كبيراً في عقائدها وتزلزل عندها فكرة الإمامة حتى وجدنا فرقنا ومذاهب عديدة تعين بعضها بإمامة

__________________

من الأحوال ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يحب عند الله ، ولا من يرخى ستره ويغلق بابه ، ولا يسمع الإمام إلا الخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فمال إلى البتربه وما معه نفر يسير ، المقالات والفرق ٧٥ ورجال الكشي ٣ | ٥٠٥.

٧٥

محمد بن الحنفية وأخرى قالت بإمامة ابنه عبد الله بن محمد ( أبي هشام ) وأخرى قالت بغيرهم كالكيسانية والمختارية والبيانية والروندية والرياحية والمنصورية ، والهاشمية والمعاوية وهكذا من الفرق الباطلة المضلة.

كل هذا الفرق اختلفت في الإمامة كما أنها أوجدت عقائد باطلة وأفكاراً فاسدة بعضها إن شاء الله.

فمن تلك العقائد الباطلة في زمن الصادق عليه‌السلام أنأناساً قالوا بألوهية جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام وروجوا لهذا المبدأ الفاسدة ، إلا أن الإمام عليه‌السلام نفي ذلك وتبرّأ منهم.

عن الكليني بإسناده عن سدير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أن قوماً يزعمون أنكم آلهة يتلون بذلك علينا قرآناً : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) (١) ، فقال : يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبريء الله منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : وعندنا قوم يزعمون أنكم رسل يقرأون علينا بذلك قرآناً : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ) (٢). فقال يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبريء الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم قال : فقلت فما أنتم؟ قال : نحن خزّان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله نحن قوم معصومون ، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض (٣) ،

وهناك طائفة زعمت أن الإمام بعد أبي الخطاب مفضّل الصيرفي. كانوا يقولون بربوبية جعفر الصادق عليه‌السلام دون نبوته ورسالته وتسمى هذه

__________________

(١) سورة الزخرف ، الآية : ٨٣.

(٢) سورة المؤمنون ، الآية : ٥١.

(٣) أصول الكافي ١ | ٢٦٩.

٧٦

الفرقة ( المفضّلية ) تبرّأ منهم الإمام الصادق عليه‌السلام ، وطردهم ولعنهم (١).

عن جعفر بن بشير الخزّاز عن إسماعيل بن عبد العزيز قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا إسماعيل ضع لي في المتوضأ ماء ، فقمت فوضعت له ، قال فدخل ، قال : فقلت في نفسي أنا أقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضأ ويتوضأ.

قال ، فلم يلبث أن خرج فقال يا أبا عبد إسماعيل لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا ، فقال إسماعيل : وكنت أقول إنه وأقول وأقول.

قال المجلسي ، كذا وكذا أي أنه رب ورزاق وخالق ومثل ومثل هذا ، كما أنه المراد بقوله : كنت أقول إنه وأقول (٢).

وفي الكشي عن حمدويه قال : حدّثنا يعقوب ، عن ابن أبي عمير عن عبد الصمد بن بشير عن مصادف ، قال : لمّا أتى القوم الذين اتوا (٣) بالكوفة. ودخلت على أب عبد الله عليه‌السلام فأخبرته بذلك فخر ساجداً وألزق جؤجؤه بالأرض وبكى ، واقبل يلوذ ياصبعه ويقول ، بل عبد الله قن داخر مراراً كثيرة ، ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته ، فندمت على إخباري إياه.

فقلت : جعلت فداك وما عليك أنت ومن ذا؟

فقال : يا مصادف إن عيسى لن سكت على ما قالت النصارى فيه لكان حقاً على الله أن يصم سمعه ويعمى بصره ولو سكت عما قال في أبو الخطاب لكان حقاً على الله أن يصم سمعي ويعمي بصري (٤).

وروى محمد بن يعقوب عن عدته عن أحمد بن محمد عن أبي محبوب عن مالك بن عطية عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) الملل والنحل ١ | ١٦٠.

(٢) البحار ٢٥ | ٢٧٩.

(٣) قوله : ( لما أتى القوم الذين أتوا ) أي لمّا قالوا للإمام لبيك اللهم لبيك.

(٤) رجال الكشي ٤ | ٥٨٨.

٧٧

خرج إلينا أبو عبد الله عليه‌السلام وهو مغضب فقال : إني خرجت آنفاً في حاجة فتعرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي لبيك يا جعفر بن محمد لبيك ، فرجعت عودي على بدئي إلى منزلي خائفاً ذعراً مما قال حتى سجدت في مسجدي لربّي وعفرت له وجهي وذللت له نفسي وبرئت إليه مما هتف بي ولو أن عيسى بن مريم عدا ما قال الله فيه إذا لصم صماً لا يسمع بعده وعمي عمي لا يبصر بعده أبداً وخرس خرساً لا يتكلم بعده أبداً ، ثم قال : لعن الله أبا الخطاب وقتله بالحديد (١).

كل الروايات التي بأيدينا تؤكد أن أبا الخطاب محمد بن مقلاص هو الذي ادعى الألوهية للإمام الصادق عليه‌السلام والنبوة لنفسه وروج هذا المذهب في الكوفة وأرجئها وحاول أن يبث هذه الفكرة أولاً بين الزط من أهالي السودان والهنود لما فيهممنضعف العقل والنظر والتمكن من خداعهم واستمالتهم بالمال أو الطعام.

روي أبو عمر عن محمد بن مسعود قال : حدّثني عبد الله بن محمد ابن خالد ، عن علي بن حسان عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكره عند جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب ، فقيل : إنه صار إلى غرور ، وقام فيهم : وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، قال : هو الإمام (٢).

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ك لا والله لا يأويني وإياه سقف بيت ابداً ، هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، والله ما صغّر عظمة الله تصغرهم شيء قط ، إن عزيراً جال في صدره ما قالت فيه اليهود فمحى الله اسمه من النبوة والله لو أن عيسى أقرّ بما قال النصارى لأورثه الله صمماً إلى يوم القيامة والله لو أقررت بما يقول في أهل الكوفة لأخذتني الأرض ، وما أنا إلا عبد مملوك لا أقدر على شيء ضر ولا نفع (٣).

الآية المتقدمة أعني : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) من

__________________

(١) الكافي ٨ | ٢٢٦.

(٢) أي أن الإله في الأرض هو الصادق عليه‌السلام ، سبحان الله عما يشركون.

(٣) رجال الكشي ٤ | ٥٩٠.

٧٨

سورة الزخرف | ٨٤ قد تأولها أبو الخطاب وادّعى أن إله السماء غير إله الأرض وأن إله الأرض هو الإمام ، تعالى عما يصفون.

أقول : وهذه الآية الكريمة التي بأولها أبو الخطاب قد سبقه غيره إلى ذلك وهو بنان التبّان (١) المعاصر للإمام علي بن الحسين عليه‌السلام.

روى أبو عمر عن سعد ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن بناناً والسري وبزيعاً لعنم الله تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة أدمي من قرنه إلى سرته.

قال : فقلت إن بناناً يتأول هذه الآية ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) أن الذي في الأرض غير إله السماء ، وإله السماء غير إله الأرض وأن إله السماء أعظم من إله الأرض وأن أهل الأرض يعرفون فضل إله السماء ويعظمونه فقال : والله ما هو إلا الله وحده لا شريك له إله من في السماوات وإله من في الأرضيين ، كذب بنا عليه لعنة الله ، لقد صغّر الله جّل وعزّ وصغّر عظمته (٢).

لقد ورد لعن بنان من قبل الإمام الباقر والإمام الصادق عليه‌السلام وتبرّأ منه وكذلك لعنه الإمام الرضا عليه‌السلام ، مما ورد في لعنه من قبل الإمام الباقر عليه‌السلام : قال أبو عمرو حدثني الحسين بن الحسن بن بيدار ومحمد ابن قولويه القميان قالا : حدثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبي بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول لعن الله بنان البيان ، وأن بناناً لعنه الله كان يكذب على أبي ، أشهد أن أبي علي بن الحسين كان عبداً صالحاً (٣).

ومما ورد في لعنه من قبل الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال أبو عمر

__________________

(١) وفي بعض النسخ بنان البيان.

(٢) رجال الكشي ٤ | ٥٩٢.

(٣) رجال الكشي ٤ | ٥٩٠.

٧٩

الكشي بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : ( هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. تنزل على كل أفاك أثيم ) (١).

قال عليه‌السلام هم سبعة : المغيرة بن سعيد ، وبنان ، وصائد ، وحمزة بن عمار الزبيدي ، والحارث الشامي ، وعبد الله بن عمرو بن الحارث ، وأبو الخطاب. وفي خبر آخر عن الكشي بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن بناناً والسري وبزيعاً لعنهم الله تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صولة أدمي من قرنه إلى سرته ... إلخ الحديث (٢).

ومما ورد في لعنه وذمه عن الإمام الرضا :

قال الكشي عن سعد : قال حدثني أحمد بن محمد بن عيسى بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : كان بنان يكذب على علي بن الحسين عليه‌السلام فأذاقه الله حر الحديد ، وممن لعنه الإمام الرضا عليه‌السلام هو محمد ابن فرات الذي اذعى النبوة في زمنه.

عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : يا يونس أما ترى إلى محمد بن فرات وما يكذب علي؟ فقلت : أبعده الله واسحقه وأشقاه ، فقال : قد فعل الله ذلك به ، أذاقه الله حر الحديد كما أذاق من كان قبله ممن كذب علينا يا يونس إنما قلت ذلك لتحذر عنه أصحابي وتأمرهم بلعنه والبراءة منه فإن الله يريء منه (٣).

من ادّعى الألوهية في الإمام الكاظم عليه‌السلام

ومن جملة الغلاة الذين ادعوا الألوهية والربوبية للأئمة عليهم‌السلام هم بعض البشرية نسبة إلى محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة وهذا من أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام ثم غالى فيه وقال بربوبيته بعد وفاته واذّعى النبوة لنفسه.

قال أبو عمرو : وكان سبب قتل محمد بن بشير لعنه الله أنه كان معه

__________________

(١) الشعراء | ٢٢١ و ٢٢٢.

(٢) رجال الكشي ٤ | ٥٩١ و ٥٩٢.

(٣) رجال الكشي ٦ | ٨٢٩.

٨٠