شبهة الغلو عند الشيعة

الدكتور عبدالرسول الغفار

شبهة الغلو عند الشيعة

المؤلف:

الدكتور عبدالرسول الغفار


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٢

وقال الأزهري : والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويوالونهم.

والاتباع الأمثال قوله تعالى : ( كما فعل بأشياعهم من قبل ) (١) أي بأمثالهم من الأمم الماضية ومن كان مذهبه مذهبهم وقوله : ( ولقد أهلكنا أشياعكم ) [ القمر آية ٥١ ] أي أشباهكم ونظراءكم في الكفر.

والشيعة الفرقة وبه فسر الزجاج قوله تعالى : ( ولقد أرسانا من قبلك في شيع الأولين ) (٢) أي في فرقهم وطوائفهم.

وقوله تعالى : ( ثم لننزعن من كل شيعة ) [ مريم آية ٦٩ ] أي من كل فرقة.

وقد عرفت أن أصل الشيعة الفرقة من الناس ثم غلبت التسمية على كل من يوالي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قولاً وعملاً.

وفي الحديث : ( طال ما اتكؤوا على الأرائك وقالوا نحن من شيعة علي ) ولعل هذا الحديث وأضرابه مما يقتضي بظاهره نفي الاسم عمن ليس فيهم أوصاف مخصوصة زيادة على المذكر المتعارف مخصةص بنفس الكمال من التشيع.

وتشيع الرجل : إذا ادعى دعوى الشيعة (٣).

قال ابن خلدون : اعلم أن الشيعة لغة هم الصحب والاتباع ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على اتباع علي وبينه رضي الله عنهم (٤) انتهى.

أقول بعدما استقرينا بعض آيات من الذكر الحكيم في شأن استعمال كلمة شيعة بمعنى الجماعة أو الطائفة أو الفرقة والاتباع.

أقول جاءت نصوص كثيرة حتى بلغت حد التواتر ، كلها تؤكد ان المصطلح الذي خصص بمن والى علياً وأبناءه إنما صدر من صاحب الرسالة وفي الأيام الأولى من دعوته المباركة نذكر بعض الأحاديث.

__________________

(١) سورة سبأ ، الآية : ٥٤.

(٢) سورة الحجر ، الآية : ١٠.

(٣) انظر معمع البحرين مادة شيع ، ولسان العرب.

(٤) مقدمة ابن خلدون ص | ١٣٨.

٢١

١ ـ روى الزمخشري في ربيع الابرار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله وأنت أخذت بحجزتي ، وأخذ ولذك بحجزتك وأخذ شيعة ولدك تحجزهم فنرى اين مؤمر بنا (١).

الأخذ بالحجزة كناية عن شدة الاعتصام والمبالغة في الاتباع.

٢ ـ قال العلامة الكنجي في التذكرة ص ٢٢ ط النجف بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي بن أبي طالب. فقال صلوات الله عليه قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال : والذي نفسي بيده أن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة .. الحديث ثم قال : ونزلت الآية : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) [ البينة آية ٧ ].

٣ ـ قال ابن حجر العسقلاني في صواعقة : وأخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس أن هذه الآية وهي قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) (٢) لما نزلت قال صلى‌الله‌عليه‌وآله هو أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوك غضابى مقمحين. وبلفظ مقارب له نقله السيوطي في الدر المثور ومقارب له في النهاية لابن الأثير ومما أورده ابن حجر في فضل أهل البيت عليهم‌السلام قوله تعالى : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) [ الضحى آية ٥ ] قال وأخرج أحمد في المناقب أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي : أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين وشيعتنا عن ايماننا وشمائلنا.

وأخرج الدارقطين عن النبي قال : يا أبا الحسن أما إنك وشيعتك في الجنة.

وأخرج ابن مردويه عن علي عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما تسمع قول الله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصاحات أولئك هم خير البرية ) أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غداً غراً محجلين (٣). (٤).

__________________

(١) ربيع الأبرار للزمخشري.

(٢) أنظر : ملامح شخصية الإمام علي من كتب الجمهور .. المؤلف ص | ٧٧ ، ٦٢ ـ ٦٤.

(٣) سورة البينة ، آية : ٧

٢٢

٤ ـ وفي مناقب ابن المغازلي بسنده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً لا حساب عليهم ، ثم التفت إلى علي عليه‌السلام فقال : هم من شيعتك وأنت إمامهم ص ٢٩٢.

وقد عرفت مما ذكرناه لك من الاستعمال اللغوي أن الشيعة والمشايعة بمعنى الموالاة والمتابعة وإن إأول من والى علياً وتابعه هم جل الصحابة وفي حياة الرسول. لنذكر في المقام شاهداً واحداً من بين عشرات الشواهد :

٥ ـ قال محمد كرد علي في خططه : عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول الله على النصح للسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له ، ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول : أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة ، ولما سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج.

قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال : ولاية علي بين أبي طالب.

قيل له : وإنها لمفروضة معهن قال : نعم هي مفروضة معهن ، ومثل أبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت وأبي أيوب الأنصاري ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وقيس بن سعد بن عبادة.

ثم أردف المصنف قائلاً : وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن أهل مذهب التشيع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء ، فهم وهم ، وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم ، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقوله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم علم مبلغ هذا القول من الصواب لا ريب في أن أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد التشيع ..

وقال وفي دمشق يرجع عهدهم إلى القرن الأول للهجرة (١).

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي ص | ٢٩٢.

٢٣
٢٤

الدّين

أقول فيه عدة معان ، ويمكن أن نوجوها بما يلي :

الدَّينُ : الجزاءُ والمكافأة. ودنته بفعله ديناً : جزيته.

وقيل الدَّينُ المصدرُ ، والدِّينّ ـ بالكسر ـ الإسم ، ويوم الدين : يوم الجزاء. وفي المثل السائر : كما تدين تدان أي كما تجازي تجازى ، أي تجازى بفعلك وبحسب ما عملت وقيل : كما تفعل يفعل بك.

ودانه ديناً أي جازاه.

وقوله تعالى : « إنا لمدينون » أي مجزيون محاسبون ؛ ومنه الديان في صفة الله عز وجل.

والدِّين : الحسابُ ، وفيه قوله تعالى : ( مالك يوم الدين ) [ الحمد آية ٤ ] وقوله تعالى ( ذلك الدين القيم ) [ التوبة آية ٣٦ ].

أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوى.

والدِّينُ : الطاعة. وقد دنته ودنت له أي أطعته يقال دان بكذا ديانة وتدين به فهو دين ومتدين.

والدِّينُ : الإسلام وقد دنت به. وفي حديث امير المؤمنين عليه‌السلام : محبةُ العلماء دين يدان به.

والدّينُ : العادة والشأن ، تقول العرب ما زال ذلك ديني وديدني ، أي عادتي.

٢٥

ثم الدين لله هو طاعته والتعبد له. ودانه ديناً أي أذله واستعبده.

من هنا نعرف أن كلمة دان الرجل إذا اعتاد خيراً أو شراً ، ودان إذا أصابه الدين ، وهو داءٌ.

ومن معاني الدين : ما يتدين به الرجل. والدين : السلطان. والدينُ : الورعُ. والدينُ : القهرُ. والدينُ : المعصية. والدينُ : الطاعة.

وقد جاء في الحديث ما يخص الخوارج : أنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرّمية ، يريد أن دخولهم في الإسلام ثم خروجهم منه لم يتمسكوا منه بشيءٍ كالسهم الذي دل في الرمية ثم نفذ فيها وخرج منها ولم يعلق به منها شيء.

قال الخطابي : يمرقون من الدين : يعني يخرجون من الطاعة ، أي من طاعة الإمام المفترض الطاعة وينسلخون منها (١).

الملّة

الملَّة : الشريعة والدين ، وفي الحديث : لا يتوارث أهل ملتين ؛ الملَّة : الدين كملة الإسلام والنصرانية واليهودية ، وقيل : هي معظم الدين ، وجملة ما يجيءُ به الرسل وتملل وامتلَّ : دخل في الملّة.

وفي القرآن الكريم : ( حتى تتبع ملتهم ) [ البقرة آية ١٢٠ ] قال أبو إسحاق : الملّة في اللغة وسنتهم وطريقهم (٢).

__________________

(١) أنظر : لسان العرب ، مادة دين.

(٢) أنظر : لسان العرب ، مادة ملل.

٢٦

الفَصْلُ الأَوّلْ

شُبْهُة الغُلوّ في أَحاديِث الكافِي

تعريف الغلو

نشوء الغلو وأسبابه

حد الغلو وأقسامه في الألوهية والنبوّة

٢٧
٢٨

تعريف الغُلوّ

الغلو لغة : الإرتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء ، وغلا فلان في الدين والأمر يغلو غلواً : جاوز حده.

في التهذيب : وقال بعضهم فلوت في الأمر غُلُوَّاً وغلانية وغلانياً إذا جاوزت فيه الحد وأفطرت فيه.

وبهذا المعنى ورد النهى في القرآن الكريم ، قوله تعالى : ( لا تغلو في دينكم ) [ النساء آية ١٧١ ] أي لا تجاوزوا الحد.

وفي الحديث : ( لا تغلوا في صداق النساء ).

وفي الحديث أيضاً : ( كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي ) (١).

وفي الحديث أيضاً : ( حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ).

اصطلاحاً : هو مجاوزة الحد المعقول والمفروض ، في العقائد الدينية والواجبات الشرعية ، والغالي ـ عند الشيعة الإمامية ـ من يقول في أهل البيت عليهم‌السلام ما لا يقولون في أنفسهم كما يدعون فيهم النبوة والألوهية.

وفي الخبر : ( أن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنا تحريف الغالين ) أي الذين لهم غلو في الدين ، كالنصيرية والمبتدعة ونحوهم.

__________________

(١) خطط الشام ٥ | ٢٥١ وما بعدها.

٢٩

والغلاة هم الذين يغالون في علي ويجعلونه رباً ، والتخميس عندهم ـ لعنهم الله ـ وهو أن سلمان الفرسي ، والمقداد وأبا ذر وعمار وعمر بن أمية الضمري ، هم الموكلون بمصالح العالم عن علي عليه‌السلام وهو رب (١) .. قاتلهم الله.

الغلو ظاهرة غير طبيعية ناتجة من الفساد في العقيدة ، ومرد هذا الفساد إلى عدم فهم الدين والابتعاد عن حقيقة العبودية لله والإنبهار بكرامات المخلوق دون معجزات الخالق .. وهذه الظاهرة كانت في الأمم السابقة والقرآن الكريم يدلل على ذلك ـ مثلاً ـ في أمة عيسى عليه‌السلام عندما ألهوا نبيهم ، قال تعالى : ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ) [ النساء آية ١٧١ ] (٢).

وقوله تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) (٣). وقوله تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) (٤). وقوله تعالى : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) (٥).

وقوله تعالى : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ) (٦).

وقال تعالى : ( ما كان البشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كانوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ) (٧).

__________________

(١) مشكاة الأنوار ٥٧.

(٢) مجمع البحرين ١ | ٣١٨ .. مادة غلا ولسان العرب ١٥ | ١٣١ مادة غلا. النساء | ١٧١.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ١٧.

(٤) سورة المائدة ، الآية ٧٣.

(٥) سورة المائدة ، الآية : ٧٥.

(٦) سورة آل عمران ، الأيتان ٧٩ ـ ٨٠.

٣٠

وآيات أخرى حذرت الناس من أن يتخذوا أنبيائهم أرباباً من دون الله سبحانه. ومع كل ذلك فما حدث في الأمم السالفة قد حدث مثله في الأمة الإسلامية.

جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض؟ أفلا نسجد لك.

قال : لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن اكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله (١).

قيل إن الذي سأله أبو رافع القرظي والسيد النجراني قالا : يا محمد أتريد أن تعبدك ونتخذك رباً ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : معاذ الله أن نعبد غير الله وأن نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني.

حدّ الغلو

بعدما عرفنا تعريف الغلو لغة ، واصطلاحاً ، وأنه صدر من أناس ـ في الأمم السابقة ـ فتجاوزوا فيه الحد المعقول في أنبيائهم ، كالذي حدث بين اليهود لمّا ادّعوا ( عزير ابن الله ) ، وفي الخبر أن عزيراً جال في صدره ذاك المعنى الذي قالوا فيه ، فمحا الله اسمه من قائمة النبوة (٢).

وأما النصارى ، فقد عرفت من الآيات المتقدمة ، أنهم أشركوا بإدعائهم المسيح ابن مريم ابن الله ، تعالى الله عما يصفون ، وقد تبرأ عيسى عليه‌السلام ممن قال فيه بالربوبية فما هو إلا عبد مخلوق ورسول قد خلت من قبله الرسل.

__________________

(١) البحار ٢٥ | ٢٦٢.

(٢) الكشي عن محمد بن مسعود ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن خالد ، عن علي ابن علي ابن حسان عن بعض أصحابنا رفه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكر عنده جعفر ابن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب ، فقيل : أنه صار إلى نمرود ، وقال فيهم : وه الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، قال هو الإمام ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا والله لا يبني أباه سقف بيت أبداً ، هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، والله ما صغر عظمة الله تصغيرهم شيءً قط ، أن عزيراً حال في صدره ما قالت فيه اليهود ، فمحى الله اسمه من النبوة. ٢ | ٥٩٠.

٣١

وأما المسلمون فإنما يصدق الغلو على من يقول في النبي والأئمة بألوهيتهم أو بكونهم شركاء لله سبحانه في المعبودية أو كونهم يرزقون ويخلقون ، أو أن الله تعالى حل فيهم أو اتحد بهم ، أو أنهم يعلمون الغيب من غير وحي أو إلهام ، أو الاعتقاد بكونهم من القدم مع نفي الحدوث عنهم ، أو القول في الأئمة عليهم‌السلام أنهم كانوا أنبياء ، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض ، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات والعبادات ولا تكليف مع تلك المعرفة أو القول بأن الله فوض إليهم أمر العباد بالتفويض المطلق وغير ذلك من العقائد التي تنقص من عظمة الخالق وقدرته وشأنه وإنزال المخلوق بمنزلته .. تعالى علواً كبيراً ، ثم القول بكل واحد من هذه خروج عن الدين وصاحبها كافر بإجماع الطائفة المحقة الاثنا عشرية كما أن الأدلة العقلية هي الأخرى تكفر أهل تلك المقالات والنحل. وإلى جانب هذا الغلو في النبي والأئمة عليهم‌السلام فإن هناك قصوراً عند بعض علماء الشيعة لما نسبوا الغلوا إلى القائلين بنفي السهو والنسيان عن النبي والأئمة فهذا تفريط في حق المعصومين عليهم‌السلام وانتقاص من قدرهم وحطاً من مكانتهم بل إن أوائل العلماء كالشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد قدس‌سرهم لم يقفوا على أحوال النبي أو الأئمة عليهم‌السلام ولم يعرفوا مكانتهم الحقة عند الله تعالى منزلتهم وشأنهم ودورهم في إبلاف الرسالة والحفاظ عليها وتنفيذ أحكامها ، بل جعلوهم كسائر الناس ، وهذا أمر غريب بل وفي غاية العجب والغرابة ...

بل واقتضى أثر القدامى بعض المعاصرين فأنكر ما لهم عليهم‌السلام من معاجز وكرامات ومناقب بحيث دهب به الركبان وقد شهد لها الموآلف والمخالف ، فهدا ابن بطوطة يشهد في رحلته ـ قبل ستمائة عام ـ ما للإمام تشملهم ، لذا قد شدوا لها الرحال من أقاصي بلاد الأعاجم وفيرها فقال : ( وأهل هذه المدينة كلهم رافضية وهذه الروضة ظهرت لها كرمات منها أن في ليلة السابع والعشرين من رجب تسمى عندهم ليلة المحيى يؤتى إلى تلك الروضة بكل مقعد من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم فيجتمع

٣٢

منهم الثلاثون والأربعون ونحو ذلك فإذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا فوق الضريح المقدس والناس ينتظرون قيامهم وهم ما بين مصل وذاكر وتال ومشاهد الروضة فإذا مضى من الليل نصفه أو ثلثاه أو نحو ذلك قام الجميع أصحاء من غير سوء وهم يقولون : لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله. وهذا أمر مستفيض عندهم سمعته من الثقات ولم أحضر تلك الليلة لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال أحدهم من أرض الروم والثاني من أصبهان والثالث من خراسان وهم مقعدون فاستخبرتهم عن شأنهم فأخبروني أنهم لم يدركوا ليلة المحيى وأنهم منتظرون أوانها من عام آخر .. )

أضف إلى ذلك الأخبار المستفيضة والمتواترة عنهم عليهم‌السلام في علو منزلتهم عند الله تعالى وكراماتهم ، منها قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : لولا أني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا تراب نعليك وفضل وضوئك يستشفون به ، ولكم حسبك أن تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك (١).

وفي الخرائج بإسناده عن ابن أبي عمير عن علي بن الحكم عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أتى الحسين عليه‌السلام أناس فقالوا له : يا أبا عبد الله حدثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم فقال : إنكم لا تحتملون ولا تطيقون ، فقالوا بلى نحتمل ، قال : إن كنتم صادقين فليتنجّ اثنان وأحدّت واحداً فإن احتمله حدثكم فتنحي اثنان وأحدث واحداً فإن احتمله حدّثكم فتنحى اثنان وحدّت واحداً فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وكلمه صاحباه فلم يرد عيلهما شيئاً وانصرفوا (٢).

وبنفس الإسناد قال : أتى رجل الحسين بن علي عليه‌السلام فقال : حدثني بفضلكم الذي جعل الله لكم ، فقال : إنك لن تطيق حمله ، قال بلى حدثني يا ابن رسول الله إني أحتمل ، فحدثه بحديث فما فرغ الحسين عليه‌السلام من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته وأنسى الحديث فقال

__________________

(١) شرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بحار ٢٥ | ٢٨٣.

(٢) الخرائج والجرائح ٢٤٧ ، بحار ٢٥ | ٣٧٩.

٣٣

الحسين عليه‌السلام : أدركته رحمة الله حيث أنسى الحديث (١).

وفي الكافي بإسناده عن جابر قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن قلبه للإيمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد وإنما الهلاك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول : والله ما كان هذا والله ما كان هذا ، والإنكار هو الكفر (٢).

محمد بن يعقوب بإسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين عليه‌السلام فقال : والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهما ، فما ظنّك بسائر الخلق ، إن علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن قلبه للإيمان ، فقال : وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرء منا أهل البيت ، فلذلك نسبته إلى العلماء (٣).

وقد ورد عنهم عليه‌السلام لا تقولوا فينا رباً وقولوا ما شئتم ولن تبلغوا. إلى غير ذلك من الأخبار والأحاديث المستفيضة المتواترة التي دلت على عظمة منزلتهم عند خالقهم فكيف سمحت لأولئك عقولهم أن يذكروا مقامهم العلي ونور فضلهم الجالي ..؟!

كيفما كان سوف نفصل في قسمين :

الأول : في حد الغلو الذي عرفته فيما سبق وهو القدر المتيقن كالمختصات بالباري سبحانه فتنسب لغيره ، أو المختصات بالنبي فتنسب إلى الأئمة عليهم‌السلام فهذا التجاوز عن الحد الطبيعي نطلق عليه بالغلو ، وسيأتي التفصيل قريباً إن شاء الله.

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢٤٧ ، بحار ٢٥ | ٣٧٩.

(٢) أصول الكافي ١ | ٤٠١.

(٣) الكافي ١ | ٤٠١.

٣٤

كما سيكون التفصيل الثاني : فيمن نسب القائلين بنفي السهو عن النبي والأئمة إلى الغلو حيث ستعرف ان نفي السهو عن النبي والآئمة عليهم‌السلام هو نشوء الغلو وأسبابه.

٣٥

الغلو ـ نشوءه وأسبابه

المجتمع الذي انتشر فيه الإسلام خلال القرن الأول الهجري هو المجتمع العربي في الجزيرة العربية وما والها من الأراضي المجاورة كالبصرة والكوفة واليمن والبحرين ثم مصر والشام ، ثم سائر البلدان بعد ذلك ، ولا يخفى أن تلك المجتمعات قبيل مجيء الإسلام كانت تعيش حالة من الاضطراب والغزو والنهب والفتك والفساد ، فالنازعات الشخصية والعصبية القبلية والأطماع المادية والمجون واللهو واللعب والسلب كل ذلك كان هو السائد في بلاد العرب وكانت قريش تتوسط هذه القبائل وهي الوحيدة احتفظت بميزات لم تكن لغيرها لما لها من شرف وسؤدد وسيادة.

ولما أصبح الإسلام قوياً واتسعت رقعته ، وأنذر الرسول بالرحيل إلى الرفيق الأعلى ، جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمير والخليفة من بعده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فوكل إليه قيادة المسلمين لأنه وصيه وخليفته من بعده يؤدي عنه دينه وينجز له مواعيده (١). إلا أن هذا الجعل من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوصيّه علي بن أبي طالب عليه‌السلام لم تطب له نفوس بعض الصحابة ، إذ لم يرق لهم أن يروا علياً خليفة عليهم فما كانوا يتحملوا النبوة والخلافة في بني هاشم ...

لهذا طمع بالخلافة بعيد وفاة الرسول وقبل تجهيزه كل من المهاجرين

__________________

(١) الأحاديث في ذلك كثيرة جداً بلفت حد الشهرة والتواتر منها ما كان في غدير خم ، ومنها حديث الثقلين ، ومنها حديث المنزلة ...

٣٦

والأنصار وعلى رأسهم أبو بكر ، وعمر بن الخطاب ومن الأنصار سعد بن عبادة. فصدر منهم ما صدر وحدث الذي حدث في سقيفة بني ساعدة وحرفت وصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغصبوا الخلافة ـ والتي هي حق شري سماوي ـ من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام لينقمصها الخليفة الأول ثم ليدلي بها إلى الثاني وهكذا شورى مفتعلة في ستة لينقهبها الثالث ...

في غضون ربع قرن على وفاة الرسول شهد العالم الإسلامي آنذاك صراع سياسي حاد بين كبار الصحابة ومن ثم بين كبار التابعين ليكون ثمرة هذا الصراع بشكيل اللّبنة الأولى للأفكار والعقائد التي برزت في خلافة أمي المؤمنين علي بن أبي طالب لتشكيل فيما بعد أبرز المذاهب والأحزاب السياسية آنذاك.

فالغلو في أية فكرة إنما ينشأ في الوسط الفكري المضطرب والمشوب بالذين أي في الوسط الذي يكون فيه صراع سياسي ديني وهذا ما حدث يوم وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : معاذ الله أن نعبد غير الله وأن نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني.

والذي سألاه أبو رافع القرظي والسيد النجراني.

فنشوء مثل هذا الغلو إنما يكون في المركز الدينية والسياسية أي مركز الخلافة الإسلامية وحواليها.

والدواعي البارزة إنما هي ظاهرة متلبسة باسم الدين ، والحقيقة إنما هي دواعي خفية ذات مصالح سياسية ، كما اتضح ذلك من قول أبي رافع القرظي والسيد النجراني وعمر بن الخطاب. وكل ذاك إنما كان في المدينة عاصمة الخلافة الإسلامية.

__________________

(١) سيأتي التفصيل في الصفحات القادمة إن شاء الله.

٣٧

ولما انتقلت الخلافة إلى العراق وأصبحت الكوفة المركز الرسمي لخلافة أمير المؤمنين علي بي أبي طالب عليه‌السلام ، انتقل الصراع السياسي إلى هذا البلد وأصبح مركزاً مهماً لنشوء الأحزاب والمذاهب السياسية ومراكزاً للصراع الفكري والعقائدي والمذهبي ، ثم الأحداث السياسية الخطيرة التي واجهها الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كانت لها دور كبير لنشوء أفكار وعقائد برزت منها معتقدات غالى أصحابها وشكلت منعطفاً خطيراً في تاريخ المسلمين.

فمن تلك الأحداث المهمة الحروب التي خاضها أمير المؤمنين عليه‌السلام ضد طلحة والزبير ، ومعاوية ، والخوارج ، فكانت الحروب الثلاثة المهمة ؛ حرب الجمل في البصرة ، وحرب صفين ، والنهروان هي الحروب التي خلقت معتقدات كثيرة منشؤها ذاك الاختلاف السياسي والصراع بين كبار الصحابة والتابعين ، والذي كان يدور خلافهم أولاً حول الخلافة والإمامة ثم تطور ليشمل تقديم الفاضل على المفضول أو بالعكس ، والخلاف في الحسن والقبح العقليين وهكذا الخلاف بين القيم والحادث وأمور أخرى مردها سياسي بحت.

إذن الكوفة والبصرة أصبحتا من المراكز المهمة في العالم الإسلامي إذ فيهما نشأت أهم الأحزاب السياسية والمذاهب الفكرية ، فالكوفة كانت علوية الهوى والبصرة كانت عثمانية المذهب.

ففي البصرة نشأت فكرة الاعتزال ، ونضجت فيها أفكار في الدين والسياسة والتي بعضها إلى الغلو أقرب.

وأما الكوفة ، فلم يستتب لها قرار بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنما أصبحت مركزاً عملياً كبيراً يجمع مختلف الطوائف والعقائد ، إلا أن أبرزها هو الفكر الأصيل المتمثل بخط أهل البيت عليهم‌السلام. فاحتفظت بولائها للأئمة عليه‌السلام إلى جانب الإشعاع المذهبي الديني الذي كان يفذيه الإئمة المعصومين عليهم‌السلام.

قد يتصور الباحث أن بإنتهاء الدولة الإسلامية الشرعية من الكوفة ستقوم مقامها دولة لقيطة في الشام يحكمها معاوية بن أبي سفيان ، ثم مصالحة الإمام الحسن عليه اسلام لمعاوية ، سوف تنتقل الاضطرابات السياسة والأحزاب من القراق ـ وبالخصوص الكوفة ـ إلى الشام .. إلا أن هذا التصور غير صحيح ، بل بقبت الكوفة والبصرة مركزاً لتلك المناوشات

٣٨

الفكرية والسياسية والصراع الدموي الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً ...

ونوعز السبب الأول إلى الدولة الأموية نفسها ، ورغبة الحكام الأمويين كمعاوية ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان ... إلى خلق أحاديث واعتعال أخبار ، والوضوع على الرسول وتقويل الصحابة لصالحهم السياسي ولتثبيت شرعية حكومتهم ودولتهم ، لهذا برز أبو هريرة من الصحابة كأول وضاع عرفه التاريخ الإسلامي.

ثم كثر الوضع في أحاديث الرسول وكثر الوضاعون عليه نصرة للحزب الأموي وعلى رأسهم عمرو بن العاص وأبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعري ، والزهري محمد بن شهاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وعروة بن الزبير ، وحريز بن عثمان ، وسيف بن عمر ، وعوانه بن الحكم الكوفي ، وغيرهم ...

وأهم شيء الذي حدث في خضم هذه الأجواء السياسية المتناحرة بسبب الأمويين ، هو ظهور حركة جديدة وليدة الفساد والتسيب السياسي ألا وهي حركة الزندقة في الكوفة ، ثم انتشرت في البصرة ، وبعدها في بغداد ، ثم اتسع نطاقها لتشمل بلاد فارس والصين وتركستان ...

وهذا هو الذي كان يطمح إليه حكام الدولة الأموية لنشر الفساد في أوساط المسلمين والفاحشة ، ليكون سبباً من أسباب التخدير الجمعي وعزل المجتمع عن السياسة والسلطة ، وتحكم الأمويين على الناس ، وقد حدث ...

وأول رجل بث فكرة الزندقة هو كعب الأحبار المعاصر لكبار الصحابة في صدر الإسلام كالخليفة أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بي عفان ، وقد دخل كعب الأحبار والإسلام وأخذ يبث الأقاصيص والحكايات عن أسلافة اليهود والنصاري ، ولم يجد الخليفة الأول والثاني بد من رواج مثل تلك الأخبار والقصص المرتبطة بالأمم السالفة وهذا شأنه شأن تميم بن أوس الداري النصراني الذي سنحت له الفرصة أن يبث بين المسلمين أخبار اليهود والنصارى والحكايات والإسرائيليات كيفما شاء وذلك لما خصص له عمر بن الخطاب ساعة كل أسبوع يتحدث بها قبل صلاة الجمعة بمسجد الرسول. ولما جاء عثمان بن عفان سمح لتميم أكثر من قبل في التحدث فجعلها ساعتين ليومين في الأسبوع.

٣٩

أما كعب الأحبار فكان دوره خطيراً لأن كبار الصحابة كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان كانوا يسألونه عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد وتفسير القرآن ، وما إلى ذلك من العقائد والمفاهيم الإسلامية ، وهكذا أخذ كعب الأحبار مجموعة من الصحابة مثل عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ، وأنس بن مالك ، وعبدالله بن الزبير ...

وأكثر من ذلك ، فإن معاوية استعمل النصارى وقرب الكثير منهم ، فهذا الشاعر النصراني الأخطل ، استعمله معاوية لهجاء الأنصار وأهل البيت عليهم‌السلام ، قال الجاحظ في البيان والتبيين في سبب تقرب الأخطل النصراني إلى معاوية :

إن معاوية أراد أن يهجو الأنصار لأن أكثرهم كانوا أصحاب علي بن أبي طالب ولا يرون رأي معاوية في الخلافة ، فطلب ابنه يزيد من كعب بن جعيل أن يهجوهم فأبى ذلك وقال : ولكني أدلل على غلام من نصارني ، كان لسانه لسان ثور لا يبالي أن يهجوهم فدلهم على الأخطل (١).

كيفما كان ، فإن الزندقة صادفت لها رواجاً عند بغض النفوس الطائشة وأهل الشذوذ وقد انتشرت في الكوفة والبصرة وشجع عليها بعض حكام الدولة الأموية كالوليد الثاني الأموي ١٢٥ ـ ١٢٦ هـ ومروان بن محمد ، تلميذ الجعد بن درهم لذا سمي مروان بن محمد الجعدي ت ١٣٢.

وروج للزندقة بعض الشعراء والأدباء كعبد الله بن المقفع ١٠٦ ـ ١٤٢ هـ ومطيع بن أياس الذي مات في خلافة الرشيد ، وبشار بن برد ، ويحيى بن زياد الحارثي ، وحماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان النحوي وكان أغلب هؤلاء الشعراء والأدباء في الكوفة.

ذكر ابن قتيبة في طبقات الشعراء نصاً قال فيه :

كان في الكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون : حماد عجرد وحماد الراوية ، وحماد بن الزبرقان النحوي وكانوا يتعاشرون وكانوا كلهم يرمون بالزندقة (٢).

أما من المتكلمين فانتشرت الزندقة بترويج عبد الكريم بن أبي

__________________

(١) البيان والتبيين ١ | ٨٦.

(٢) طبقات الشعراء ٦٦٣.

٤٠