شبهة الغلو عند الشيعة

الدكتور عبدالرسول الغفار

شبهة الغلو عند الشيعة

المؤلف:

الدكتور عبدالرسول الغفار


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٢

١

٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ) [ المائدة / ٧٧ ]

صدق الله العلي العظيم

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على أفضل خلقه وخاتم رسله محمد ابن عبد الله ، بعثه بالحق هادياً وللعباد منقذاً. الدليل على الصراط ، والسراج الوقّاد ، الذي نور هدايته رحمة ، وأنفاسه بين المخلوق عصمة ، هو السبيل إلى النجاة ، والقائد إلى الرشاد ، فاز المتمسكون بنهجه ، وربح السائرون بهديه ، والسلام عليه وعلى آله الطيبين البررة وأصحابه الكرام الخيرة.

قال سبحانه مخاطباً أهل الكتاب ـ الذين سبقوا ـ ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ، وأضلوا كثيراً ، وضلوا عن سواء السبيل ).

خطاب وجهه سبحانه وتعالى إلى عباده من اليهود والنصارى حث فيه على أن لا يخرجوا عن إطار العبودية الحقة وأن لا يتبعوا أهواء قوم قد تحكمت فيهم المصالح والماديات ، غير أن أغلب اليهود والنصارى زاغوا عن الحق وابتعدوا عن الهدى ، هم عرتهم الأماني والشهوات حتى استحوذ عليهم الشيطان وجنوده فأصبحوا اسرى الهوى ، فضلوا وأضلوا ، وكانت عاقبتهم سوء المنقلب ، وما جزاء الظالمين إلا خسارا.

الغلو حالة غير طبيعية يمر بها الإنسان ، وإذا اردنا الدقة ، فنقول مرض فكري يغزو معتقدات الناس بوسائل عديدة ، وضمن عوامل كثيرة ، قد يمكن تحديد البعض منها ، والاخرى يتعذر تحديدها للملابسات المتداخلة ، والظروف المعقدة التي يمر بها المجتمع.

ربما يعود الغلو في العقيدة الى ما قبل الإسلام ، فمثلاً بني إسرائيل بعد

٧

غياب موسى عنهم سقطوا في شرائك إبليس لما زين لهم العجل ، فعبدوه من دون الله ، وهارون عليه‌السلام يؤنبهم تارة ، ويغلظ عليهم تارة أخرى ، ويعظهم ثالثة ، إلا أن هؤلاء أبوا الامتثال وأصروا على جهلهم وعنادهم ... فترى أن الغلو برز بذريعة شخص واحد الذي صنع لهم العجل وما فيه من خوار.

ثم أن النصارى عبدوا المسيح وأمه الصديقة مريم ، والحواريون يمنعونهم من ذلك ، ولكن أنّي لهم الزجر وقد شاهدوا المعجزات تظهر على يده في إبراء الأكمه والأبرص والأعمى؟! فكانت تلك المعجزات سبباً واضحاً في غلوهم.

إن تلك المشاهدات الباهرات سلبت توازن النصارى حتى صيروا المسيح عليه‌السلام ابن الله ، تعالى الله عما يشركون.

هذا النوع من الغلو سببه الإعجاب الشديد والحب الأعمى البعيد عن أسس التفكير والتعقل ..

وهكذا شأن الأمم الاخرى ، قد تضل عن الطريق عندما تتوسل بالأمور المادية أو الأفراد دون الاتجاه إلى خالقها والإنقطاع إليه.

ففي أواخر القرنين الأول للهجرة والثاني منه برزت الزندقة ، وظهرت معالم الفساد في الدولة العباسية واستحوذت المادة والشهوات على النفوس ، مما أوجدت أشخاص يشعرون بالنقص وآخرين يحملون عقداً نفسية ، وأمزجة بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه السامية. فاختلقوا بعض الأساطير والتراهات ، وزينوا للناس هذا الإنحراف حتى استطاعوا أن يكسبوا طائفة منهم تسير وفق تعاليمهم وتخضع لإرادتهم ، فالبعض إتبعهم لمصلحة ما ، ولبعض الآخر سلك معهم لضعف عقلي ، أو يقص في نفسه.

فجدير بنا أن ندرس هذه الظاهرة على ضوء القرآن الكريم والسنة المباركة حتى يقف القارئ الكريم على الأجواء التي نشأ فيها الغلو ، والعوامل المساعدة على ذلك ، وموقف أهل البيت منه.

وقبل أن نلج في صلب الموضوع نمهد للبحث مدخلاً يوضح بعض المصطلحات والمفاهيم.

المؤلف

الدكتور عبد الرسول الغفار

بيروت

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

المدخل

قبل أن نلج في بحث ( تاريخ الغلو ) كان لزاماً على كل مسلم يطلب الحقيقة أن يبحث عن الفرقة الناجية التي هي واحدة من بين ثلاث وسبعين فرقة ، كما أشار إليها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا بد أن يهتدي المرء إلى العقيدة الصحيحة ويمسك بعراها بعدما يقوم الدليل من الكتاب والسنة على موفقتها لأصول الشريعة ومبدأ التوحيد وما يستتبع ذلك من الأمور العبادية ..

لقد تكاثرت الأهواء ، وتعددت الطرق وذهب المسلمون شيعاً وطوائف بيد أن الرسول لم يرحل عنهم إلا وقد خلف بينهم الثقلين ؛ كتاب الله والعترة الطاهرة وأوصاهم في التمسك بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض ..

ولكن ـ وفي غاية الأسف ـ لم يع المسلمون هذه الوصية التي فيها سعادتهم وخلودهم إلى النعيم ، بل ذهبت الأطماع والأهواء الشخصية كل مذهب وأخذ من كان في قلبه مرض يزور الحقائق ويختلق الأحاديث ويدذب على الله وعلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مكترث بالعواقب وسوء المنقلب ، فظهرت الأحزاب وتعددت المذاهب ، وكثرت الطوائف والفرق وبرزت البدع ، حتى أصبح التفكير ديدن المنحرفين عن الصراط المستقيم ، فذهبت في عرض ذلك التخبط نفوس بريئة وأزهقت الأرواح واستبيحت الحرمات وغصبت الحقوق ونال كل طائفة الويل والثبور ، حتى تقهرت بعضها فاندثرت وكتب لبعضها الآخر الدوام والاستمرار إما لظروف سياسية أو لعوامل اقتصادية أو لرعاية إلهية خاصة ..

٩

أقول قبل الخوض في غمار الحديث لا بد من الوقوف على بعض المفردات فنعرف شيئاً من معانيها اللغوية ثم ما أريد بها في المعنى الاصطلاحي ولو بصورة موجزة ، ومن هذه المفردات هي :

كلمة الحزب ، المذهب ، والفرقة ، والمشايعة ، والدين ، والملة.

١٠

الحزب

الحزب : الصنف من الناس : أو الطائفة ، والأحزاب : الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء عليهم‌السلام وقال ابن الأعرابي الحزب الجماعة والأحزاب : جنود الكفار تألبوا وتظاهروا على حزب النبي وهم : قريش وغطفان وبنو قريظة قوله تعالى : ( يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ) ، والأحزاب هنا قوم نوح وعاد وثمود ومن أهلك بعدهم ، أما الأحزاب الذين اجتمعوا على محاربة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هم قبائل العرب في يوم الخندق ، وكانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الأحابيش ومن كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان وغطفان في ألف وهوازن وبني قريضة والنضير وحزب الرجل أصحابه وجنده الذين على رأية.

والمنافقون والكافرون حزب الشيطان ، وهم جنوده وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب وإن لم يلق بعضهم بعضاً بمنزلة عاد وثمود وفرعون أولئك الأحزاب.

وكل حزب بما لديهم فرحون : كل طائفة هواهم واحد.

والحزب الورد في صلاة وقراءة وتنفل.

والحزب النصيب أو القسم والجزء ، ومنه الحزب من القرآن وفي الحديث : طرأ علي حزبي من القرآن فأحببت أن لا أخرج حتى أقضيه. وفي حديث أوس بن حذيفة : سألت اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف تحزبون القرآن؟

١١

وحازب القوم وتحزبوا : تجمعوا وصالوا أحزاباً ( وهزم الأحزاب وحده ) لما كان يوم الخندق والمسلمون أقل عدة وعدداً من الكافرين أرسل سبحانه وتعالى على الأحزاب ريح الصبا في ليلة شاتية فأحصرتهم وحفت التراب في وجوههم وأطفأت النيران وكفت القدور وقلعت الأوتاد وبعث ألفاً من الملائكة في ذوائب عسكرهم فماحت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب فانهزموا من غير قتال (١).

أقول بعد معرفتنا لمدلول الكلمة لفة ، ونشير إلى أن الاستعمال الاصطلاحي أصبح اليوم مقروناً بالجانب السياسي ، فمجرد أن نطلق كلمة حزب سرعان ما يتبادر إلى الذهن المفهوم السياسي.

__________________

(١) انظر مادة حزب من لسان العرب ومجمع البحرين ١/ ٣٠٨

١٢

المذهب

المذهب المتوضأ ، المكان الذي يذهب إليه لقضاء حاجته ـ موضع الغائط ـ ويسمى أيضاً الخلاء والمرحاض والمرفق. قاله الكسائي.

وفي الحديث ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أراد الغائط أبعد في المذهب ، وهو مفعل من الذهاب.

قال الزبيدي : ومن المجاز المذهب المعتقد الذي يذهب إليه وذهب فلان لذهبة أي لمذهبه الذي يذهب فيه ، والمذهب الطريقة ، يقال ذهب فلان مذهباً حسناً أي طريقة حسنة. والمذهب الأصل.

والمذهب بالضم الشيء المطلي بالذهب (١).

والذهب : المعدن ، معروف.

ولما عرفت من اللغة أن المذهب يراد به المعتقد الذي يذهب إليه ، فهذا الاستعمال يرد كذلك في الاصطلاح لكنه يشمل الحوانب السياسية والفقهية والاقتصادية وغيرها بيد أن أكثر ما يستعمل في الجانب الفقهي عند المسلمين ، وفي الجانب الاقتصادي عند الماديين.

__________________

(١) انظر لسان العرب لابن منظور مادة ذهب وتاج العروس لمرتضى الزبيدي ١/ ٢٥٧.

١٣
١٤

الفرقة ـ الفرق

الفرق :

قوله تعالى : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) (١) أي يقدر في ليلة كل شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو رزق عما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحترم.

وقوله تعالى : ( وقرآناً فرقناه ) (٢) تفرأ بالتخفيف أي بيناه وهو من فرق يفرق وتقرأ بالتشديد أي أنزلناه مفرقاً.

الفرق بمعنى الفلق قوله تعالى : ( فرقنا بكم البحر ) (٣) أي فلقنا بكم.

والفرقان : القرآن ويوم الفرقان : يوم بدر ، وعن الفراء يوم الفتح والفريق الطائفة قوله تعالى : ( فريق منهم ) أي طائفة منهم وقوله تعالى : ( فريقاً من أموال الناس ) أي طائفة. وقوله تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى (٤) والأصم ) أراد بهما المؤمنين والكفار.

والفارقات : الملائكة قوله تعالى : ( فالفارقات فرقا ) الملائكة تنزل تفرق ما بين الحلال والحرام.

__________________

(١) سورة الدخان ، الآية : ٤.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ١٠٦.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٥٠.

(٤) سورة هود ، الآية : ٢٤.

(٥) سورة المرسلات ، الآية : ٤.

١٥

والفارق الذي يفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام وفي قول أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« أنا الفاروق الأعظم » فالفارق اسم سمي به علي عليه‌السلام وربما انتحله غيره.

وفرق ـ بالتخفيف ـ للصلاح فرقاً وبالتشهيد فرق للإفساد تفريقاً والتفرق والافتراق شيء واحد ، ومنهم من يجعل التفرق للأبدان والافتراف في الكلام والفرق والفرقة والفريق الطائفة من الشيء المتفرق والفرقة : طائفة من الناس ، والفريق أكثر منه.

والفرقان القرآن. وكل ما فرق به بين الحق والباطل فهو فرقان قوله تعالى ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ) (١) كل ما يفرق بين الحق والباطل.

وقيل الفرقان : الحجة ، والنصر قوله تعالى : ( وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ) (٢) أي يوم بدر ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ) يمكن حملها على النصر بمناسبة لعلكم تهتدون وقوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء ) (٣).

فسمي جل ثناؤه الكتاب المنزل على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فرقانا وسمي الكتاب المنزل على موسى وهارون عليهما‌السلام فرقانا (٤).

وقال الراغب : الفرق مقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتباراً بالانشقاق والفرق يقال اعتباراً بالانفصال قوله تعالى : ( فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) (٥) ، والفريق الجماعة المتفرقة عن آخرين قوله تعالى : ( وإن منهم

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٥٣.

(٢) سورة الأنفاق ، الآية : ٤١.

(٣) سورة الأنبياء ، الآية : ٤٨.

(٤) مجمع البحرين مادة فرقان ، ولسان العرب ١٠ / ٢١٩

(٥) سورة الشعراء ، الآية : ٦٣.

١٦

لفريقاً يلوون السنتهم بالكتاب ) (١).

( فريق في الجنة وفريق في السعير ) (٢) ، ( إنه كان فريق من عبادي ) ، ( أي الفريقين .. ) ( وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم ) (٣) ، ( وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق ) (٤). وفريقاً يفرق بين الإشياء أي يفصل بينهما قوله تعالى : ( وقرآنا فرقناه ) أي بينا فيه الأحكام وفصلناه ، وقيل فرقناه أي أنزلنا مفرقاً ، والتفريق أصله للتكثير ، ويقال ذلك في تشتيت الشمل قوله تعالى : ( يفرقون به بين المرء وزوجه ) (٥) ، ( وفرقت بين بني إسرائيل ) ، ( لا نفرق بين أحد من رسله ) ، ( إن الذين فرقوا دينهم ).

والفرق والمفارقة تكون بالأبدان أكثر قوله تعالى : ( هذا فراق بيني وبينك ) (٦) ، ( وظن أنه الفراق ) (٧) أي غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدنيا بالموت.

( ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ) (٨) أي يظهرون الإيمان بالله ويكفرون بالرسل خلاف ما أمرهم الله به.

ويوم الفرقان أي اليوم الذي يفرق فيه بين الحق والباطل وبين الحجة والشبهة : قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ) أي نوراً وتوفيقا على قلوبكم ويفرق به بين الحق والباطل (٩).

وقال الزبيدي : والفرق الطريق في شعر الرأس ، والمفرق وسط الرأس ومن الطريق الموضع الذي يتشعب منه طريق آخر.

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٧٨.

(٢) سورة الشورى ، الآية : ٧.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٨٥.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٤٦.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ١٠٢.

(٦) سورة الكهف ، الآية : ٧٨.

(٧) سورة القيامة ، الآية : ٢٨.

(٨) سورة النساء ، الآية : ١٥٠.

(٩) انظر المفردات للراغب الأصفهاني مادة فرق.

١٧

وقد جعل البعض التفرق للأبدان والافتراق في الكلام ، وفي الحديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا قال متمم بن نويره يرثي أخاه مالكاً :

فلما تـفـرقـنـا كـأني ومـالـكـاً

لطول اجتـمـاع لم نـبـت ليلـة معا

وتفارق القوم فارق بعضهم بفضاً وفارق فلان امرأته مفارقة وفراقاً باينها وذلك مأخوذ من الفرقة بالضم (١).

ولو تجاوزنا المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي لرأينا المعنى هنا مساوق للغة أيضاً ، بحيث يراد من الفرقة هي الطائفة أو المجموعة من الناس الذي يجمعها هوى واحد وعقيدة واحدة لذا استعمالها في الجانب العقيدي أكثر من بقية الاستعمالات إن صحت.

إلا أن افتراق الأمة وانشعابها إلى طوائف واتجاهات مختلفة متناحرة كل واحدة منها قد سلكت واد متمسكة بما يحلو لها من الأوهام والعقائد ، إنه عمل أضعف الجامعة الإسلامية وقادها إلى الذل والهوان وجعل المسلمون أشبه ما يكون بحالة الفريسة أمام عدوها الكاسر الغاشم. وقد حذر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه العاقبة التي ستؤول بالمسلمين ، إليك بعض تلك الأخبار :

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليأبين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حدو النعل بالنعل.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن بني إسرائيل تفرقت على اثنين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لتفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة والذي نفسي بيده إن الفرق كلها ضالة إلا من اتبعني وكان من شيعتي (٢).

المشايعة

الشيع : مقدار من العدد كقولهم أقمت عنده شهراً أو شيع شهر.

واشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر. وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع.

__________________

(١) تاج العروس ـ الزبيدي مادة تمرق.

(٢) انظر كنز العمال ١ | ١٨٣.

١٨

قال الأزهري : معنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً وليس كلهم متفقين ثم استشهد بالآية الكريمة : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ) قال : كل فرقة تكفر الفرقة المخالفة لها ، يعني به اليهود والنصاري لأن النصاري بعضهم يكفر بعضاً ، وكذلك اليهود بعضهم يكفر بعضاً.

ثم النصاري تكفر اليهود ، واليهود تكفرهم.

والشيع الفرق أي يجعلكم فرقاً متخلفين قوله تعالى : ( أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ) (١) وأما قوله تعالى : ( وإن من شيعته لإبراهيم ) (٢) قال ابن الأعرابي الهاء ـ من شيعة ـ لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أي إبراهيم خبر مخبره فاتبعه ودعا له. وقال الفراء : يقول هو على منهاجه ودينه وإن كان إبراهيم سابقاً له ، وقيل معناه أي من شيعته نوح ومن أهل ملته. قال الأزهري وهذا القول أقرب لأنه معطوف على قصة نوح.

أقول وما ذكره الفراء والأزهري حسب ظهور الآية أن إبراهيم من شيعة نوح عليه‌السلام وهذا قول ويعني أنه على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق وأيضاً هذا عن مجاهد.

وقول ثان إن من شيعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إبراهيم كما قال تعالى : ( أنا حملنا ذريتهم ) (٣) أي من هو أب لهم فجعلهم ذرية وقد سبقوهم. وهذا عن الفراء.

ثم روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه جلس ليلاً يحث أصحابه في المسجد فقال : يا قوم إذا ذكرتم الأنبياء الأولين فصلوا عليهم ، وإذا ذكرتم أبي إبراهيم فصلوا عليه ثم صلوا عليّ.

قالوا يا رسول الله بما نال إبراهيم ذلك؟

قال : اعلموا أن ليلة عرج بي إلى السماء فرقيت السماء الثالثة نصب لي منبر من نور فجلست على رأس المنبر وجلس إبراهيم تحتي بدرجة وجلس

__________________

(١) سورة الإنعام ، الآية : ٦٥.

(٢) سورة الصافات ، الآية : ٨٣.

(٣) سورة يس ، الآية : ٤١.

١٩

جميع الإأنبياء الأولين حول المنبر فإذا بعلي قد أقبل وهو راكب ناقة من نور ووجهه كالقمر وأصحابه حوله كالنجوم فقال إبراهيم يا محمد هذه أي نبي معظم وأي ملك مقرب؟

قلت : لا نبي معظم ولا ملك مقرب هذا أخي وابن عمي وصهري ووارث علمي علي بن أبي طالب.

قال : وما هؤلاء الذين حوله كالنجوم؟

قلت : شيعته. فقال إبراهيم : اللهم اجعلني من شيعة علي. فأتى جبرائيل بعده ( وإن من شيعته لإبراهيم ).

الشيعة : الاتباع والأعوان والأنصار مأخوذ من الشياع. وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ثم صارت جماعة مخصوصة.

وقال الزجاج : والشيعة : اتباع الرجل وأنصاره وجمعها شيع ، وأشياع جمع الجمع ويقال شايعه كما يقال والاه من الولي ، ومنه شيعة الرجل ، وفي الحديث : القدرية شيعة الدحال أي أولياؤه وأنصاره وأصل الشيعة الفرقة من الناس ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بافظ واحد ومعنى واحد.

قال الطبرسي : الشيعة الجماعة التابعية لرئيس لهم ، وصار بالعرف عبارة عن شيعة علي بن أبي طالب عليه‌السلام الذين كانوا معه على أعدائه وبعده مع من قام مقامه من أبنائه وروى ابو بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ليهنكم الاسم قلت وما هو قال الشيعة قلت إن الناس يعيرننا بذلك قال أما تسمع قول الله سبحانه وتعالى : ( وإن من شيعته لإبراهيم ) [ الصافات ٨٣ ] وقوله : ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) (١).

قال ابن منظور : وقد علب هذا الاسم على من يتولى علياً وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين حتى صار لهم اسماً خاصاً فإذا قيل : فلان من الشيعة عرف أنه منهم. وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم واصل ذلك من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة. انتهى.

__________________

(١) سورة القصص ، الآية : ١٥.

٢٠