بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيزي الله الشاكرين » (١).

يا مفضل ويقوم الحسن عليه‌السلام إلى جده صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول : يا جداه كنت مع أميرالمؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبدالرحمان ابن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته ياجداه ، وبلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين الف مقاتل (٢) فأمر بالقبض علي وعلى اخي الحسين وسائر إخواني وأهل بيتي ، وشيعتنا وموالينا وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية لعنه الله ، فمن يأبى منا ضرب عنقه وسير إلى معاوية رأسه.

فلما علمت ذلك من فعل معاوية ، خرجت من داري ، فدخلت جامع الكوفة للصلاة ، ورقأت المنبر واجتمع الناس ، فحمدت الله وأثنيت عليه ، وقلت : معشر الناس عفت الديار ، ومحيت الآثار ، وقل الاصطبار ، فلا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين ، الساعة والله صحت البراهين ، وفصلت الآيات ، وبانت المشكلات ، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله عزوجل « وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين » (٣) فلقد مات والله

____________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) هو زياد بن عبيد الثقفي الذي استلحقه معاوية وجعله أخا له من ابي سفيان ، وقد كان حين قتل علي عليه‌السلام عاملا له على بلاد فارس وكرمان ، يبغض معاوية وبشنأه.

فأطمعه معاوية وكاتبه وراسله بعد أن صالح مع الحسن السبط عليه‌السلام فخرج زياد من معقله بفارس بعد ما استوثق من معوية لنفسه ، فجاءه في دمشق وسلم عليه بامرة المؤمنين.

فكما ترى أراد كاتب هذا الحديث أن يعلل صلح الحسن السبط مع معوية بأنه عليه‌السلام كان مهضوما وحيدا لا يستطيع أن يبارزه ، لكنه جاء بترهات من مخائله تخالف التاريخ الواضح المشهور من رأس.

(٣) آل عمران : ١٤٤.

٢١

جدي رسول الله صلى الله عليه ونله وقتل أبي عليه‌السلام وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة ، وخالفتم السنة ، فيالها من فتنة صماء عمياء ، لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ، ولا يخالف واليها ، ظهرت كلمة النفاق ، وسيرت رايات أهل الشقاق ، وتكالبت جيوش أهل المراق ، من الشام والعراق ، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح ، والنور الوضاح ، والعلم الجحجاج ، والنور الذي لا يطفى ، والحق الذي لا يخفى.

أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ، ومن تكاثف الظلمة (١) فوالذي فلق الحبة ، وبرء النسمة ، وتردى بالعظمة ، لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة ، لا يكون فيها شوب نفاق ، ولا نية افتراق ، لاجاهدن بالسيف قدما قدما ، ولاضيقن من السيوف جوانبها (٢) ومن الرماح أطرافها ، ومن الخيل سنابكها ، فتكلموا رحمكم الله.

فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة ، إلا عشرون رجلا فانهم قاموا إلي فقالوا : يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا ، فها نحن بين يديك لامرن طائعون ، وعن رأيك صادرون ، فمرنا بما شئت! فنظرت يمنة ويسرة فلم أر أحدا غيرهم.

فقلت : لي اسوة بجدي رسول الله حين عبدالله سرا ، وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا فلما أكمل الله له الاربعين صار في عدة واظهر أمر الله ، فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده.

ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت : اللهم إني قد دعوت وأنذرت ، وأمرت ونهيت ، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين ، وعن نصرته قاعدين ، وعن طاعته مقصرين ولاعدائه ناصرين ، اللهم فأنزل عليهم رجزك ، وبأسك وعذابك ، الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت.

____________________

(١) في الاصل المطبوع « ومن تكانيف الظلمة » فتحرر.

(٢) كأن الضمير يرجع إلى دمشق الشام.

٢٢

ثم خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة ، فجاؤني يقولون : إن معاوية أسرى سراياه إلى الانبار والكوفة ، وشن غاراته على المسلمين ، وقتل من لم يقاتله وقتل النساء والاطفال ، فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم ، فأنفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية ، وينقضون عهدي وبيعتي ، فلم يكن إلا ما قلت لهم ، وأخبرتهم.

ثم يقوم الحسين عليه‌السلام مخضبا بدمه هو وجميع من قتل معه ، فاذا رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكى وبكى أهل السماوات والارض لبكائه ، وتصرخ فاطمة عليها‌السلام فتزلزل الارض ومن عليها ، ويقف أمير المؤمنين والحسن عليهما عن يمينه ، وفاطمة عن شماله،ويقبل الحسين عليه‌السلام فيضمه رسول الله رسول الله صلى الله عليه ونله إلى صدره،ويقول:ياحسين! فديتك قرت عيناك وعيناي فيك ، وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في ارضه ، وعن شماله جعفر بن ابي طالب الطيار ، ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه‌السلام وهن صارخات وأمة فاطمة تقول « هذا يومكم الذي كنتم توعدون » (١) اليوم « تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا » (٢).

قال : فبكى الصادق عليه‌السلام حتى اخضلت لحيته بالدموع ، ثم قال : لاقرت عين لا تبكي عند هذا الذكر ، قال : وبكى المفضل بكاء طويلا ثم قال : يا مولاي ما في الدموع يا مولاي؟ فقال : ما لا يحصى إذا كان من محق.

ثم قال المفضل : يا مولاي ما تقول في قوله تعالى « وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت » (٣) قال : يا مفضل والموؤدة والله محسن ، لانه منا لا غير ، فمن قال غير هذا فكذبوه.

قال المفضل : يا مولاي ثم ماذا؟ قال الصادق عليه‌السلام : تقوم فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول : اللهم أنجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني ، وضربني و

____________________

(١) الانبياء : ١٠٣. (٢) آل عمران : ٣٠.

(٣) التكوير : ٨.

٢٣

جزعني بكل أولادي ، مفتبكيها ملائكة السماوات السبع وحملة العرش ، وسكان الهواء ، ومن في الدنيا ، ومن تحت أطباق الثرى ، صائحين صارخين إلى الله تعالى ، فلا يبقى احد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة (١) دون من قتل في سبيل الله ، فانه لا يذوق الموت وهنو كما قال الله عزوجل « ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون » (٢).

قال المفضل : يا مولاي إن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم؟ فقال عليه‌السلام : إنما سمعوا قول جدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن سائر الائمة نقول : « ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر » (٣) قال الصادق عليه‌السلام : العذاب الادنى عذاب الرجعة ، والعذاب الاكبر عذاب يوم القيامة « الذي تبدل الارض غير الارض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار » (٤).

قال المفضل : يا مولاي نحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله تعالى : « نرفع درجات من نشاء » (٥) وقوله : « الله أعلم حيث يجعل رسالاته » (٦) وقوله : « إن

____________________

(١) توهم الكاتب أن القتل ألف قتلة اشد عليهم من نار الجحيم أعاذنا الله منه واله تعالى يقول : « لا يقضى عليهم فيموتوا » ويحكى عنهم أنهم يقولون : « يا مالك ليقض علينا ربك ». هذا مع ما ورد أنه لا سبيل بعد الحشر إلى الممات. ثم العجب استثناؤه من هؤلاء الظلمة ، الذين استشهدوا في سبيل الله لقوله تعالى « بل أحياء » والحال أنه تعالى يقول « لا يفلح الظالمون ».

(٢) آل عمران : ١٦٩ و ١٧٠.

(٣) السجدة : ٢١. ومراد الكاتب أن ضمير الجمع في قوله تعالى : « لنذيقنهم » يراد به رسول الله والائمة عليهم‌السلام.

(٤) ابراهيم : ٤٨.

(٥) الانعام : ٨٣ ، يوسف : ٧٦.

(٦) الانعام : ١٢٤.

٢٤

الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » (١).

قال الصادق عليه‌السلام : يامفضل فأين نحن في هذه الآية؟ قال المفضل : فوالله « إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبقي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين » (٢) وقوله : « ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين » (٣) وقوله : عن إبراهيم « واجنبني وبني أن نعبد الاصنام » (٤) وقد علمنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام ماعبدا صنما ولا وثنا ولا اشركا بالله طرفة عين. وقوله : « وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين » (٥) والعهد عهد الامامة لا يناله ظالم.

قال : يا مفضل وما علمك بأن الظالم لا ينال عهد الامامة؟ قال المفضل : يا مولاي لا تمتحني بما لا طاقة لي به ، ولا تختبرني ولا تبتلني ، فمن علمكم علمت ومن فضل الله عليكم أخذت.

قال الصادق عليه‌السلام : صدقت يا مفضل ولولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا فأين يا مفضل الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم؟ قال : نعم يا مولاي قوله تعالى : « والكافرون هم الظالمون (٦) » والكافرون هم الفاسقون » ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس إماما.

قال الصادق عليه‌السلام : أحسنت يا مفضل فمن اين قلت برجعتنا؟ ومقصرة

____________________

(١) آل عمران : ٣٣. (٢) آل عمران : ٦٨.

(٣) الحج : ٧٨. (٤) ابراهيم : ٣٥.

(٥) البقرة : ١٢٤.

(٦) البقرة : ٢٥٤ ، وما بعده آية متوهمة لا توجد في القرآن كيف والفاسق هو الذي دخل في جماعة المسلمين ، لكنه فسق وخرج عن حكم الله ، والكافر لم يدخل في حكم الله بعد ، ولذلك يقول الله عزوجل : « ان المنافقين هم الفاسقون » براءة : ٦٨. ويقول : « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك الفاسقون » المائدة : ٤٧ وغير ذلك.

٢٥

شيعتنا تقول : معنى الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا وأن يجعله للمهدي.

ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد علينا.

قال المفضل : لا والله وما سلبتموه ولا تسلبونه لانه ملك النبوة والرسالة والوصية والامامة.

قال الصادق عليه‌السلام : يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا أما سمعوا قوله عزوجل « ونريد أن نمن معلى الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون » (١).

والله يا مفضل إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل وتأويلها فينا وإن فرعون وهامان تيم وعدي.

قال المفضل : يا مولاي فالمتعة؟ قال : المتعة حلال طلق والشاهد بها قول الله عزوجل « ولا جناح عليكم فيمال عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ، ولكن لا تواعدوهن سرا ، إلا أن تقولوا قولا معروفا » (٢) أي مشهودا والقول المعروف هو المشتهر بالولي والشهود ، وإنما احتيج إلى الولي والشهود في النكاح ، ليثبت النسل ويصح النسب ويستحق الميراث ، وقوله « وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا » (٣) وجعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلا بشاهدين ذوي عدل من المسلمين وقال في سائر الشهادات على الدماء والفروج والاموال والاملاك : « واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء » (٤).

وبين الطلاق عز ذكره فقال : « يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم » (٥) ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات

____________________

(١) القصص : ٥ و ٦. (٢) البقرة : ٢٣٥.

(٣) النساء : ٤. (٤) البقرة : ٢٢٨.

(٥) الطلاق : ٢١.

٢٦

تجمعها كلمة واحدة أو أكثر منها أو أقل لما قال الله تعالى « وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم » إلى قوله : « تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا * فاذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أوفارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم ، وأقيموا الشهادة لله ، ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر » وقوله : « لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا » هو نكر يقع بين الزوج وزوجته ، فيطلق التطليقة الاولى بشهادة ذوي عدل.

وحد وقت التطليق هو آخر القروء ، والقرء هو الحيض ، والطلاق يجب عند آخر نقطة بيضاء تنزل بعد الصفرة والحمرة ، وإلى التطليقة الثانية والثالثة ما يحدث الله بينهما ، عطفا أو زوال ما كرهاه ، وهو قوله : « والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم » (١) هذا لقوله في أن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة ، إن أرادوا إصلاحا وللنساء مراجعة الرجال في مثل ذلك.

ثم بين تبارك وتعالى فقال : « الطلاق مرتان : فإمساك بمعروف أو تسريح باحسان ». وفي الثالثة ، فان طلق الثالثة بانت فهو قوله : « فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره » (٢) ثم يكون كسائر الخطاب لها.

والمتعة التي أحلها الله في كتابه وأطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله عزوجل : « والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما » (٣) والفرق بين المزوجة والمتعة أن للزوجة

____________________

(١) البقرة : ٢٢٨ و ٢٢٩.

(٢) البقرة : ٢٣٠.

(٣) النساء : ٢٣.

٢٧

صداقا وللمتعة أجرة.

فتمتع سائر المسلمين (١) على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحج وغيره ، وأيام أبي بكر ، واربع سنين ، أيام عمر ، حتى دخل على أخته عفرا فوجد في حجرها طفلا يرضع من ثديها فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل فأغضب وأرعد واربد وأخذ الطفل على يده ، وخرج حتى أتى المسجد ، ورقا المنبر وقال : نادوا في الناس إن الصلاة جامعة ، وكان غير وقت صلاة يعلم الناس أنه لامر يريده عمر فحضروا فقال : معاشر الناس من المهاجرين والانصار وأولاد قحطان من منكم يحب أن يرى المحرمات عليه من النساء ، ولها مثل هذا الطفل؟ قد خرج من أحشائها وهو يرضع على ثديها وهي غير متبعلة؟ فقال بعض القوم : ما نحب هذا؟ فقال : ألستم تعلمون أن أختي عفرا (٢) بنت خيثمة أمي وابي الخطاب غير متبعلة؟ قالوا : بلى قال : فاني دخلت عليها في هذه الساعة ، فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها أنى لك هذا؟ فقالت : تمتعت.

فأعلموا سائر الناس! أن هذه المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد رأيت تحريمها ، فمن أبي أبي ضربت جنبيه بالسوط (٣) فلم يكن

____________________

(١) السائر بمعنى الباقي ، وقولهم سائر الناس همج : اى باقى الناس باتفاق أهل اللغعة كما في اللسان. وقد يستعمل في كلام المولدين بمعنى الجميع كما في هذا الكلام نعم ، قال الجوهري في الصحاح : وسائر الناس : جميعهم.

(٢) لم يعنونها أصحاب الرجال وانما عنونوا صفية بنت الخطاب كانت زوجة قدامة ابن مظعون ، وأظن القصة مجعولة مختلقة ، فان عمر بن الخطاب كان يتعصب لسنن الجاهلية ولذلك أنكر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعة الحج ولم يحل عن احرامه في حجة الوداع مع أنه لم يسق الهدى ، وقال « أننطلق وذكر أحدنا تقطر » فالظاهر أنه كان يجد انكار متعة النساء في نفسه من زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. لا أنه دخل على عفراء الخ.

(٣) بل كان أوعد على المتعة بالرجم ، ففى صحيح مسلم ج ١ ص ٤٦٧ عن ابي نضرة قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر



٢٨

في القوم منكر قوله ، ولا راد عليه ، ولا قائل لا يأتي رسول بعد رسول الله أو كتاب بعد كتاب الله ، لا نقبل خلافك على الله وعلى رسوله وكتابه. بل سلموا ورضوا.

قال المفضل : يا مولاي فما شرائط المتعة؟ قال : يا مفضل لها سبعون شرطا

____________________

ابن عبدالله فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما قام عمر اي بأمر الخلافة قال : ان الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وان القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحج والعمرة كما أمركم والله وأبتوا نكاح هذه النساء ، فلن اوتي برجل نكح امرأة إلى أجل الا رجمته بالحجارة.

وفي سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٦ عن أبي نضرة مثل هذا الحديث ولفظه : قال : قلت : ان ابن الزبير ينهى عن المتعة! وان ابن عباس يأمر بها؟! فقال : يعني جابر على يدى جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع أبي بكر ، فلما ولى عمر خطب الناس فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الرسول ، وان القرآن هذا القرآن ، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : أحدهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل ، الا غيبته بالحجارة.

وكيف كان فقد استفاض عنه قوله « متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أحرمهما وأعاقب عليهما » كما تجده في أحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٣٤٢ ، الحيوان للجاحظ ج ٤ ص ٢٧٨ ، البيان والتبيين له ج ٢ ص ٢٨٢ ، شرح النهج لابن ابي الحديد ج ١ ص ١٨٢ ( الخطبة الشقشقية ) وهكذا ج ١٢ ص ٢٥١ ( الخطبة ٢٢٣ ) وفيات الاعيان للقاضي أحمد ابن خلكان ج ٢ ص ٣٥٩ ( ط ايران ترجمة يحيى بن اكثم « ونقله ارباب التفاسير عند قوله تعالى « فما استمتعتم به منهن » منهم الفخر الرازي في ج ١٠ ص ٥٠ من تفسيره الكبير والطبرسي في مجمع البيان ج ٣ ص ٣٢.

وفي رواية اخرى وارسلها القوشجى في أواخر مباحث الامامة من كتابه شرح التجريد ص ٤٠٨ » ط ايران ١٣٠١ ) : أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن ، وأعاقب عليهن : متعة الاحج ، ومتعة النساء ، وحي على خير العمل.

وان شئت فراجع الدر المنثور ج ٢ ص ١٣٩ ١٤١ ، ترى فيهاروايات كثيرة في ذلك.

٢٩

من خالف فيها شرطا واحدا ظلم نفسه ، قال : قلت : يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية ولا مشهورة بفساد ولا مجنونة وأن ندعو المتعة إلى الفاحشة ، فان أجابت فقد حرم الاستمتاع بها ، وأن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو بعدة؟ فان شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل ، وإن خلت فيقول لها : متعيني نفسك على كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحا غير سفاح أجلا معلوما بأجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر ، والاجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شيع نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به ، فان وهبت له حل له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات الذين قال الله تعالى فيهن : « فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا » (١).

ثم يقول لها : على ألا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء ، وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا واحدا ، فاذا قالت : نعم أعدت القول ثانية وعقدت النكاح ، فان أحببت وأحبت هي الاستزادة في الاجل زدتما ، وفيه ما رويناه (٢) فان انت تفعل فعليها ما تولت من الاخبار عن نفسها ولا

____________________

(١) النساء : ٤.

(٢) يجوز الاستزادة في المدة لكنه بعد انقضاء المدة أو بذلها بعقد جديد وليس عليها عدة منه ففي الكافي ج ٥ ص ٤٥٨ عن أبان بن تغلب قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر ثم انها تقع في قلبه فيجب أن يكون شرطه أكثر من شهر ، فهل يجوز أن يزيدها في أجرها ويزداد في الايام قبل أن تنقضى أيامه التي شرط عليها؟ فقال : لا ، لا يجوز شرطان في شرط يعني أجلان في عقد قلت : فكيف يصنع؟ قال : يتصدق عليها بما بقى من الايام ثم يستأنف شرطا جديدا.

نعم نقل العلامة في المختلف جواز الزيادة في الاجل والمهر قبل انقضاء المدة ايضا فراجع.

واعلم أن ما ذكره الكاتب في هذا الفصل مروى بروايات أهل البيت عليهم‌السلام ، تراها منبثة في كتاب النكاح أبواب المتعة من الوسائل.

٣٠

جناح عليك (١).

أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلا شقي أو شقية (٢) لانه كان يكون للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا ثم تلا » « ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيهاويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد » (٣).

____________________

(١) يعني أنها ان كانت تفعل الزنا ، لكنها قالت لك عندما سألت عنها : « لا أفعل » يكون الاثم عليها لا عليك ، فان اخبار النساء عن نفسها محكمة ، وانها مصدقة على نفسها.

(٢) كذا في الاصل المطبوع ، ولعل الصحيح : « الاشقى وشقية » فان الزنى لا يكون الا بين نفسين : شقى وشقية ، لا أحدهما. وأما لفظ الحديث قال علي عليه‌السلام : « لولا أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة ما زنى الاشقى » تراه في الكافي ج ٥ ص ٤٤٨ ، تفسير الطبرى ج ٥ ص ١٣ ، وتفسير الرازي ج ١٠ ص ٥٠ ، الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ ، مجمع البيان ج ٣ ص ٣٢ ، أحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ١٧٩ شرح النهج ج ١٢ ص ٢٥٣ نقلا عن السيد المرتضى.

وقد يروى الحديث « الاشفى » بالفاء ، قال الجزرى في النهاية في حديث ابن عباس : ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله امة محمد ، لولا نهيه يعني ابن الخطاب عنها ما احتاج إلى الزنا الا شقى ، أي قليلا من الناس من قولهم « غابت الشمس الا شقى » اي الا قليلا من ضوئها عند غروبها.

اقول : هذا غير صحيح ، بل هو تصحيف قطعا ، فان قوله « ما زنى » يحتاج إلى الفاعل وليس يصلح للفاعلية الا ما يدل عليه لفظ الشقى. فتقدير الكلام « ما زنى أحد أو ما احتاج إلى الزنا احد الا شقي » فاستثنى الرجل الشقي من عموم قوله « احد » ، والقياس بقولهم « غابت الشمس الا شقي » غير صحيح فان فاعل « غابت » هو « الشمس » المذكور ، فيكون الاستثناء من الغيبوبة ، صحيحا لا غبار عليه ، وفيما نحن فيه ليس كذلك فانه يصير المعنى « ما زنى أحد ألا قليلا » فيثبت الزنى لكل أحد لكن لا بالكثير ، بل في بعض الاوقات ، وهو خلاف المراد قطعا.

(٣) البقرة : ٢٠٤ و ٢٠٥.

٣١

ثم قال : إن من عزل بنطفته عن ززوجته فدية النطفة عشرة دنانير كفارة (١) وإن من شرط المتعة أن ماء الرجل يضعه حيث يشاء من المتمتع بها ، فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقا بأبيه.

ثم يقوم جدي علي بن الحسين وابي الباقر عليهما‌السلام فيشكوان إلى جدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعل بهما ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعل المنصور بي ، ثم يقوم ابني موسى فيشكو إلى جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعل به الرشيد ، ثم يقوم علي بن موسى فيشكو إلى جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعل به المأمون ، ثم يقوم محمد بن علي فيشكو إلى جده رسول الله صلى الله عليه ونله ما فعل به المأمون ثم يقوم علي بن محمد فيشكو إلى جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعل به المتوكل ، ثم يقوم الحسن بن علي فيشكو إلى جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعل به المعتز.

ثم يقوم المهدي سمى جدى رسول الله ، وعليه قميص رسول الله مضرجا بدم رسول الله يوم شج جبينه ، وكسرت رباعيته ، والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول : يا جداه وصفتني ودللت علي ، ونسبتني وسميتني وكنيتني ، فجحدتني الامة وتمردت وقالت ما ولد ولا كان ، وأين هو؟ ومتى كان وأين يكون؟ وقد مات ولم يعقب ، ولو كان صحيحا ما أخره الله تعالى إلى هذا الوقت المعلوم ، فصبرت محتسبا وقد اذن الله لي فيها باذنه يا جداه.

فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمد لله الذي صدقناه وعده ، وأورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين » (٢) ويقول « جاء نصر الله والفتح » وحق

____________________

(١) قال السيد الطباطبائي في عروة الوثقى ( ٦٢٨ ط دار الكتب الاسلامية ) : والاقوى عدم وجوب دية النطفة عليه اي من عزل نطفته وان قلنا بالحرمة ، وقيل بوجوبها عليه للزوجة وهي عشرة دنانير للخبر الوارد فيمن افزع رجلا عن عرسه فعزل عنها الماء ، من وجوب نصف خمس المائة عشرة دنانير عليه ، لكنه في غير ما نحن فيه ولا وجه للقياس عليه مع أنه مع الفارق.

(٢) الزمر ، ٧٤. وبعده مأخوذ من أول سورة النصر.

٣٢

قول الله سبحانه وتعالى « هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (١) ويقرأ » إنا فتحنا لك مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ، ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا » (٢).

فقال المفضل يا مولاي اي ذنب كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال الصادق عليه‌السلام : يا مفضل إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اللهم حملني ذنوب شيعة أخي وأولادي الاوصياء ماتقدم منها وما تأخر إلى يوم القيامة ، ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين من شيعتنا فحمله الله إياها وغفر جميعها (٣)

قال المفضل : فبكيت بكاء طويلا وقلت : يا سيدي هذا بفضل الله علينا فيكم قال الصادق عليه‌السلام : يا مفضل ما هو إلا أنت وأمثالك بلى يا مفضل لا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلون على هذا الفضل ، ويتركون العمل فلا يغني عنهم من الله شيئا لانا كما قال الله تبارك وتعالى فينا « لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون » (٤).

قال المفضل : يا مولاي فقوله « ليظهره على الدين كله » ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ظهر على الدين كله؟ قال : يا مفضل لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ظهر على الدين كله ما كانت مجوسية ولا يهودية ولا صابئية ولا نصرانية ، ولا فرقة ولا خلاف ولا شك

____________________

(١) براءة : ٣٤ ، الصف : ٩.

(٢) الفتح : ٣١.

(٣) هذا من عقائد الغلاة ، فانهم كانوا يعتقدون أن كل من والى الائمة عليهم‌السلام جازلهم ترك العبادة اتكالا على ذلك ، وكان أصحابنا القدماء يمتحنون من رمى بالغلو في أوقات الصلاة قال النجاشي ص ٢٥٣ في محمد بن أورمة أبوجعفر القمى ذكره القميون وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك به فوجدوه يصلى من أول الليل إلى آخره فتوقفوا عنه.

(٤) الانبياء : ٢٨.

٣٣

ولا شرك ، ولا عبدة اصنام ، ولا أوثان ، ولا اللات والعزى ، ولا عبدة الشمس والقمر ، ولا النجوم ، ولا النار ولا الحجارة ، وإنما قوله « ليظهره على الدين كله » في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة ، وهو قوله « وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله » (١).

فقال المفضل : أشهد أنكم من علم الله علمتم ، وبسلطانه وبقدرته قدرتم وبحكمه نطقتم ، وبأمره تعملون.

ثم قال الصادق عليه‌السلام : ثم يعود المهدي عليه‌السلام إلى الكوفة ، وتمطر السماء بها جرادا من ذهب ، كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب ، ويقسم على أصحابه كنوز الارض من تبرها ولجينها وجوهرها.

قال المفضل : يا مولاي من مات من شيعتكم وعليه دين لاخوانه ولاضداده كيف يكون؟ قال الصادق عليه‌السلام : أول ما يبتدئ المهدي عليه‌السلام أن ينادي في جميع العالم : الا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره حتى يرد الثومة والخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والاملاك فيوفيه إياه.

قال المفضل : يا مولاي ثم ماذا يكون؟ قال : يأتي القائم عليه‌السلام بعد أن يطأ شرق الارض وغربها ، الكوفة ومسجدها ، ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لعنه الله لماقتل الحسين بن علي عليه‌السلام ، و [ هو ] مسجد ليس لله ملعون ملعون من بناه.

قال المفضل : يا مولاي فكم تكون مدة ملكه عليه‌السلام؟ فقال : قال الله عزوجل « فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ » (٢) والمجذوذ المقطوع أي عطاء غير مقطوع عنهم ، بل هو دائم أبدا ، وملك

____________________

(١) الانفال : ٣٨.

(٢) هود : ١٠٥٦ ١٠٨.

٣٤

لا ينفد ، وحكم لا ينقطع ، وأمر لا يبطل إلا باختيار الله ومشيته وإرادته ، التي لا يعلمها إلا هو ، ثم القيامة وما وصفه الله عزوجل في كتابه.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا كثيرا.

اقول : روى الشيخ حسن بن سليمان في كتاب منتخب البصائر هذا الخبر هكذا : حدثني الاخ الرشيد محمد بن إبراهيم بن محسن الطار آبادي أنه وجد بخط ابيه الرجل الصالح إبراهيم بن محسن هذا الحديث الآتي ذكره ، وأراني خطه وكتبته منه ، وصورته : الحسين بن حمدان ، وساق الحديث كما مر إلى قوله لكأني أنظر إليهم على البراذين الشهب بأيديهم الحراب ، يتعاوون شوقا إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب أميرهم رجل من بني تميم يقال له : شعيب بن صالح ، فيقبل الحسين عليه‌السلام فيهم وجهه كدائرة القمر ، يروع الناس جمالا فيبقى على أثر الظلمة فيأخذ سيفه الصغير والكبير ، والعظيم والوضيع.

ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة ، وقد جمع بها أكثر أهل الارض يجعلها له معقلا ، ثم يتصل به وبأصحابه خبر المهدي فيقولون له : يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا؟ فيقول الحسين عليه‌السلام : اخرجوا بنا إليه حتى تنظروا من هو وما يريد؟ وهو يعلم والله أنه المهدي عليه‌السلام وإنه ليعرفه ، وإنه لم يرد بذلك الامر إلا الله ، فيخرج الحسين عليه‌السلام وبين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف ، وعليهم المسوح ، مقلدين بسيوفهم ، فيقبل الحسين عليه‌السلام حتى ينزل بقرب المهدي عليه‌السلام فيقول : سائلوا عن هذا الرجل من هو وماذا يريد؟ فيخرج بعض اصحاب الحسين عليه‌السلام إلى عسكر المهدي عليه‌السلام فيقول : أيها العسكر الجائل من أنتم حياكم الله؟ ومن صاحبكم هذا؟ وماذا يريد؟ فيقول أصحاب المهدي عليه‌السلام : هذا مهدي آل محمد عليه وعليهم‌السلام ، ونحن أنصاره من الجن والانس والملائكة.

ثم يقول الحسين عليه‌السلام : خلوا بيني وبين هذا فيخرج إليه المهدي عليه‌السلام فيقفان



٣٥

بين العسكرين ، فيقول الحسين عليه‌السلام : إن كنت مهدي آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأين هراوة جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخاتمه ، وبردته ، ودرعه الفاضل ، وعمامته السحاب وفرسه ، وناقته العضباء ، وبغلته دلدل ، وحماره يعفور ، ونجيبه البراق ، وتاجه والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه‌السلام بغير تغيير ولا تبديل؟ فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه.

وقال أبوعبدالله عليه‌السلام : إنه كان كله في السفط ، وتركات جميع النبيين حتى عصا آدم ونوح عليهما‌السلام ، وتركة هود وصالح عليهما‌السلام ، ومجموع إبراهيم عليه‌السلام وصالح يوسف عليه‌السلام ، ومكيال شعيب عليه‌السلام وميزانه ، وعصى موسى عليه‌السلام وتابوته الذي فيه بقية ما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ، ودرع داود عليه‌السلام وخاتمه ، وخاتم سليمان عليه‌السلام وتاجه ، ورحل عيسى عليه‌السلام ، وميراث النبيين والمرسلين في ذلك السفط.

وعند ذلك يقول الحسين عليه‌السلام : يا ابن رسول الله! أسألك أن تغرس هراوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الحجر الصلد وتسأل الله أن ينبتها فيه ، ولا يريد بذلك إلا أن يرى أصحابه فضل المهدي عليه‌السلام حتى يطيعوه ويبايعوه ، ويأخذ المهدي عليه‌السلام الهراوة فيغرسها فتنبت فتعلو وتفرع وتورق ، حتى تظل عسكر الحسين عليه‌السلام.

فيقول الحسين عليه‌السلام : الله أكبر يا ابن رسول الله ، مد يدك حتى أبايعك فيبايعه الحسين عليه‌السلام : وسائر عسكره إلا الاربعة آلاف من أصحاب المصاحف والمسوح الشعر (١) المعروفون بالزيديه فانهم يقولون : ما هذا إلا سحر عظيم.

اقول : ثم ساق الحديث إلى قوله : إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه نحوا ممامر ولم يذكر بعده شيئا.

بيان : « الهود » التوبة والرجوع إلى الحق ، وصبا يصبو : اي مال وصبأ بالهمز اي خرج من دين إلى دين.

____________________

(١) المسوح : جمع مسح بالكسر ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد ، وكان فيما سبق ثوب الرهبان والمرتاضين السياحين.

٣٦

واعلم أن تاريخ الولادة مخالف لمامر والمشهور أن سر من رأى بناها المعتصم ولعل المتوكل أتم بناءها وتعميرها فلذا نسبت إليه ، وقال الفيروز آبادي : سر من من رأى بضم السين والراء أي سرور وبفتحهما وبفتح الاول وضم الثاني وسامرا ومده البحتري في الشعر أو كلاهمالحن وساء من رأى بلد ، لما شرع في بنائه المعتصم ثقل ذلك على عسكره فلما انتقل بهم إليها سر كل منهم برؤيتها فلزمها هذا الاسم.

قوله : « فبغير سنة القائم » لعل المعنى أن الحسين عليه‌السلام كيف يظهر قبل القائم عليه‌السلام بغير سنته فأجاب عليه‌السلام بأن ظهوره بعد القائم إذكل بيعة قبله ضلالة.

قوله عليه‌السلام « فها أناذا آدم » يعني في علمه وفضله وأخلاقه التي بها تتبعونه وتفضلونه ، وشحب لونه كجمع ونصر وكرم وعني تغير ، قوله عليه‌السلام « ويلزمهما إياه » أقول : العلة والسبب في إلزام ما تأخر عنهما من الآثام عليهما ظاهر ، لانهما بمنع أمير المؤمنين عليه‌السلام عن حقه ، ودفعه عن مقامه ، صارا سببين لاختفاء سائر الائمة ومغلوبيتهم ، وتسلط ائمة الجور وغلبتهم إلى زمان القائم عليه‌السلام وصار ذلك سببا لكفر من كفر ، وضلال من ضل ، وفسق من فسق ، لان الامام مع اقتداره واستيلائه وبسط يده يمنع من جميع ذلك ، وعدم تمكن أمير المؤمنين صلوات الله عليه من بعض تلك الامور في أيام خلافته إنما كان لما اسساه من الظلم والجور.

وأما ماتقدم عليهما ، فلانهما كانا راضيين بفعل من فعل مثل فعلهما من دفع خلفاء الحق عن مقامهم ، وما يترتب على ذلك من الفساد ، ولو كانا منكرين لذلك لم يفعلا مثل فعلهم ، وكل من رضي بفعل فهو كمن أتاه ، كما دلت عليه الآيات الكثيرة ، حيث نسب الله تعالى فعال آباء اليهود إليهم ، وذمهم عليها لرضاهم بها وغير ذلك ، واستفاضت به أخبار الخاصة والعامة.

على أنه لا يبعد أن يكون لارواحهم الخبيثة مدخلا في صدور تلك الامور عن الاشقياء كما أن أرواح الطيبين من أهل بيت الرسالة ، كانت مؤيدة للانبياء والرسل ، معينة لهم في الخيرات ، شفيعة لهم في رفع الكربات ، كما مر في كتاب



٣٧

الامامة.

ومع صرف النظر عن جميع ذلك يمكن أن يأول بأن المراد إلزام مثل فعال هؤلاء الاشقياء عليهما ، وأنهما في الشقاوة مثل جميعهم لصدور مثل أفعال الجميع عنهما.

قوله : والمنادي من حول الضريح. أي أجيبوا وانصروا أولاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الملهوفين المنادين حول ضريح جدهم.

قوله عليه‌السلام « والخاف » أي الجبل المطيف بالدنيا ، ولا يبعد أن يكون تصحيف القاف ، والجزل بالفتح ما عظم من الحطب ويبس ، والركل الضرب بالرجل وكذا الرفس.

قوله عليه‌السلام : « لداعيها » أي للداعي فيها إلى الحق « ولا يجاب مناديها » اي المستغيث فيها ، و « لا يخالف واليها » أي يطاع والي تلك الفتنة في كل ما يريد والجحجاح السيد قوله : « جوانبها » لعله بدل بعض ، وكذا نظائره.

قوله عليه‌السلام : قال الله عزوجل « فمنهم شقي وسعيد » لعله عليه‌السلام فسر قوله تعالى « إلا ما شاء ربك » بزمان الرجعة بأن يكون المراد بالجنة والنار ، ما يكون في عالم البرزخ ، كما ورد في خبر آخر واستدل عليه‌السلام بها على أن هذا الزمان منوط بمشية الله كما قال تعالى ، غير معلوم للخلق على التعيين ، وهذا أظهر الوجوه التي ذكروها في تفسير هذه الآية.

٣٨

( ٢٩ )

« باب الرجعه »

١ ـ خص : سعد ، عن ابن عيسى وابن أبي الخطاب ، عن البزنطي ، عن حماد بن عثمان ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدثان جميعا قبل أن يحدث أبوالخطاب ما أحدث (١) أنهماسمعا أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : أول من تنشق الارض عن ويرجع إلى الدنيا ، الحسين بن علي عليه‌السلام وإن الرجعة ليست بعامة ، وهي خاصة لا يرجع إلا من محض الايمان محضا أومحض الشرك محضا.

٢ ـ خص : بهذا الاسناد ، عن حماد ، عن بكير بن أعين قال : قال لي : من لا اشك فيه يعني أبا جعفر عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليا سيرجعان.

٣ ـ خص : بهذا الاسناد ، عن حماد ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا تقولوا الجبت والطاغوت ، ولا تقولوا الرجعة ، فان قالوا لكم فانكم قد كنتم

____________________

(١) هو محمد بن مقلاس أو مقلاص الاسدي الكوفي أبواسماعيل يعرف بابن أبي زينب البراد كان يبيع الابراد من اصحاب ابي عبدالله الصادق عليه‌السلام ، كان مستقيم الطريقة ، ثم انحرف وتحول غاليا فأحدث القول بالوهية أبي عبدالله عليه‌السلام و أنه رسول منه ، وقد كان يقول بأن الائمة عليهم‌السلام أنبياء ، يعرف أصحابه بالخطابية.

ومما أحدث أنه كانيقول وقت فضيلة المغرب من بعد سقوط الشفق ، والحال أن سقوط الشفق آخر وقت الفضيلة باجماع المسلمين ، ترى تفصيل ذلك في الوسائل أبواب المواقيت باب ١٨.

لكنه قد روى اصحابنا عنه أحاديث كثيرة في حال استقامته ، وهكذا قبلوا ما لم يختص بروايته في حال الانحراف قال الشيخ في المدة :

« فما يختص الغلاة بروايته ، فان كانوا ممن عرف لهم حال استقامة وحال غلو ، عمل بما رووه في حال الاستقامة ، وترك ما رووه في حال غلوهم ، ولاجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبوالخطاب محمد بن ابي زينب في حال استقامته ».

٣٩

تقولون ذلك فقولوا : أما اليوم فلا نقول ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان يتألف الناس بالمائة ألف درهم ليكفوا عنه ، فلا تتألفونهم بالكلام؟

بيان : اي لا تسموا الملعونين بهذين الاسمين أو لا تتعرضوا لهما بوجه.

٤ ـ خص : بهذا الاسناد عن حماد ، عن زرارة قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن هذه الامور العظام من الرجعة واشباهها فقال : إن هذا الذي تسألون عنه لم يجئ أوانه ، وقد قال الله عزوجل : « بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله » (١).

٥ ـ خص : سعد ، عن ابن يزيد ، وابن أبي الخطاب واليقطيني وإبراهيم بن محمد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن محمد بن الطيار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « ويوم نحشر من كل أمة فوجا » (٢) فقال : ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل.

٦ ـ خص : سعد ، عن ابن عيسى ، عن الاهوازي ، عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار ، عن ابي بصير قال : قال لي أبوجعفر عليه‌السلام : ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت : نعم ، قال : أما يقرؤن القرآن « ويوم نحشر من كل أمة فوجا » (٣).

٧ ـ خص : سعد ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن الحسين بن عمر بن يزيد عن عمر بن أبان ، عن ابن بكير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كأني بحمران بن أعين وميسر ابن عبدالعزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة.

٨ ـ خص : سعد ، عن ابن ابي الخطاب ، عن عبدالله بن المغيرة ، عمن حدثه ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سئل عن قول الله عزوجل : « ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم » (٤) فقال : يا جابر أتدري ما سبيل الله؟ قلت : لا والله إلا إذا

____________________

(١) يونس : ٣٩. (٢) و (٣) النمل : ٨٣.

(٤) آل عمران : ١٥٧.

٤٠