بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قلت : وحدثني العالم الفقيه النبيه الصفي الحاج المولى الهادي الطهراني قدس‌سره أنه رأى هذه الحكاية في الرسالة المذكورة ، والظاهر أن اسمها بهجة الاولياء.

الحكاية الثلاثون

وفيه : وعن المولى المتقي المذكور قال : حدثني ثقة صالح من أهل العلم من سادات شولستان ، عن رجل ثقة أنه قال : اتفق في هذه السنين أن جماعة من أهل بحرين عزموا على إطعام جمع من المؤمنين على التناوب ، فأطعموا حتى بلغ النوبة إلى رجل منهم لم يكن عنده شئ ، فاغتم لذلك وكثر حزنه وهمه ، فاتفق أنه خرج ليلة إلى الصحراء ، فاذا بشخص قد وافاه ، وقال له : اذهب إلى التاجر الفلاني وقل : يقول لك محمد بن الحسن أعطني الاثنا عشر دينارا التي نذرتها لنا فخذها منه وأنفقها في ضيافتك ، فذهب الرجل إلى ذلك التاجر ، وبلغه رسالة الشخص المذكور.

فقال التاجر : قال لك ذلك محمد بن الحسن بنفسه؟ فقال البحريني : نعم ، فقال : عرفته؟ فقال : لا ، فقال التاجر : هو صاحب الزمان عليه‌السلام وهذه الدنانير نذرتها له.

فأكرم الرجل وأعطاه المبلغ المذكور ، وسأله الدعاء ، وقال له : لما قبل نذري أرجو منك أن تعطيني منه نصف دينار وأعطيك عوضه ، فجاء البحريني وأنفق المبلغ في مصرفه وقال ذلك الثقة : إني سمعت القصة عن البحريني بواسطتين.

ومما استطرفناه من هذا الكتاب ويناسب المقصود أن المؤلف ذكر في باب من رأى أربعة عشر حكاية ذكرنا منها اثنتين وإحدى عشرة منها موجودة في البحار وذكر في الرابعة عشر قصة عجيبة.

قال : يقول المؤلف الضعيف محمد باقر الشريف إن في سنة ألف ومائة وثلاث وسبعين كنت في طريق مكة المعظمة ، صاحبت رجلا ورعا موثقا يسمى حاج عبدالغفور في ما بين الحرمين ، وهو من تجار تبريز يسكن في اليزد ، وقد حج



٢٦١

قبل ذلك ثلاث مرات وبنى في هذا السفر على مجاورة بيت الله سنتين ، ليدرك فيض الحج ثلاث سنين متوالية.

ثم بعد ذلك في سنة ألف ومائة وستة وسبعين ، حين معاودتي من زيارة المشهد الرضوي على صاحبه السلام رأيته أيضا في اليزد ، وقد مر في رجوعه من مكة ، بعد ثلاث حجات إلى بندر صورت من بنادر هند لحاجة له ، ورجع في سنة إلى بيته فذكر لي عند اللقاء أني سمعت من مير أبوطالب أن في السنة الماضية جاء مكتوب من سلطان الافرنج إلى الرئيس الذي يسكن بندر بمبئي من جانبه ويعرف بجندر أن في هذا الوقت ورد علينا رجلان عليهما لباس الصوف ويدعي أحدهما أن عمره سبعمائة وخمسين سنة ، والآخر سبعمائة سنة ، ويقولان : بعثنا صاحب الامر عليه‌السلام لندعوكم إلى دين محمد المصطفى عليه‌السلام ، ويقولان : إن لم تقبلوا دعوتنا ولم تتدينوا بديننا ، يغرق البحر بلادكم بعد ثمان أوعشر سنين ، والترديد من الحاج المذكور ، وقد أمرنا بقتلهما فلم يعمل فيهما الحديد ، ووضعناهما على الاثواب وقيناره (١) فلم يحترقا فشددنا أيديهماوأرجلهما وألقيناهما في البحر فخرجا منه سالمين.

وكتب إلى الرئيس أن يتفحص في أرباب مذاهب الاسلام واليهود والمجوس والنصارى ، وأنهم هل رأوا ظهور صاحب الامر عليه‌السلام في آخر الزمان في كتبهم أم لا؟

قال الحاج المزبور : وقد سألت من قسيس كان في بندر صورت عن صحة المكاتبة المذكورة فذكرلي كما سمعت ، وسلالة النجباء مير أبوطالب وميرزا بزرك الايراني ، وهم الآن من وجوه معارف البندر المذكور نقلا لي كما ذكرت ، وبالجملة الخبر مشهور منتشر في تلك البلدة والله العالم.

____________________

(١) كذا في الاصل المطبوع.

٢٦٢

الحكاية الحادية والثلاثون

حدثني العالم النبيل ، والفاضل الجليل ، الصالح الثقة العدل الذي قل له البديل ، الحاج المولى محسن الاصفهاني المجاور لمشهد أبي عبدالله عليه‌السلام حيا وميتا وكان من أوثق أئمة الجماعة قال : حدثني السيد السند ، والعالم المؤيد ، التقي الصفي السيد محمد بن السيد مال الله بن السيد معصوم القطيفي رحمهم‌الله ، قال : قصدت مسجد الكوفة في بعض ليالي الجمع ، وكان في زمان مخوف لا يتردد إلى المسجد أحد إلا مع عدة وتهيئة ، لكثرة من كان في أطراف النجف الاشرف من القطاع واللصوص ، وكان معي واحد من الطلاب.

فلما دخلنا المسجد لم نجد فيه إلا رجلا واحدا من المشتغلين فأخذنا في آداب المسجد ، فلما حان غروب الشمس ، عمدنا إلى الباب فأغلقناه ، وطرحنا خلفه من الاحجار والاخشاب والطوب (١) والمدر إلى أن اطمئنا بعدم إمكان انفتاحه من الخارج عادة.

ثم دخلنا المسجد ، واشتغلنا بالصلاة والدعاء فلما فرغنا جلست أنا ورفيقي في دكة القضاء مستقبل القبلة ، وذاك الرجل الصالح كان مشغولا بقراءة دعاء كميل في الدهليز القريب من باب الفيل بصوت عال شجي ، وكانت ليلة قمراء صاحبة وكنت متوجها إلى نحو السماء.

فبينا نحن كذلك فاذا بطيب قد انتشر في الهواء ، وملا الفضاء أحسن من ربيح نوافج المسك الاذفر ، وأروح للقلب من النسيم إذا تسحر ، ورأيت في خلال اشعة القمر اشعاعا كشعلة النار ، قد غلب عليها ، وانخمد في تلك الحال صوت ذلك الرجل الداعي ، فالتفت فاذا أنا بشخص جليل ، قد دخل المسجد من طرف ذلك الباب المنغلق في زي لباس الحجاز ، وعلى كتفه الشريف سجادة كما هو عادة أهل الحرمين إلى الآن ، وكان يمشي في سكينة ووقار ، وهيبة وجلال

____________________

(١) الطوب : الاجر بلغة أهل مصر.

٢٦٣

قاصدا باب المسلم ولم يبق لنا من الحواس إلا البصر الخاسر ، واللب الطائر فلما صار بحذائنا من طرف القبلة ، سلم علينا.

قال رحمه‌الله : أما رفيقي فلم يبق له شعور أصلا ، ولم يتمكن من الرد وأما مأنا فاجتهدت كثيرا إلى أن رددت عليه في غاية الصعوبة والمشقة ، فلما دخل باب المسجد وغاب عنا تراجعت القلوب إلى الصدور ، فقلنا : من كان هذا ومن أين دخل؟ فمشينا نحو ذلك الرجل فرأيناه قد خرق ثوبه ويبكي بكاء الواله الحزين فسألناه عن حقيقة الحال ، فقال : واظبت هذا المسجد أربعين ليلة من ليالي الجمعة طلبا للتشرف بلقاء خليفة العصر ، وناموس الدهر عجل الله تعالى فرجه وهذه الليلة تمام الاربعين ولم أتزود من لقائه ظاهرا ، غير أني حيث رأيتموني كنت مشغولا بالدعاء فاذا به عليه‌السلام واقفا على راسي فالتفت إليه عليه‌السلام فقال : « جه ميكني » أو « جه ميخواني » اي ما تفعل؟ أو ما تقرء؟ والترديد من الفاضل المتقدم ، ولم أتمكن من الجواب من الجواب فمضى عني كما شاهدتموه ، فذهبنا إلى الباب فوجدناه على النحو الذي أغلقناه ، فرجعنا شاكرين متحسرين.

قلت : وهذا السيد كان عظيم الشأن ، جليل القدر ، وكان شيخنا الاستاذ العلامة الشيخ عبدالحسين الطهراني أعلى الله مقامه كثيرا ما يذكره بخير ويثني عليه ثناء بليغا قال : كان رحمه‌الله تقيا صالحا وشاعرا مجيدا وأديبا قارئا غريقا في بحار محبة أهل البيت عليهم‌السلام وأكثر ذكره وفكره فيهم ولهم ، حتى أنا كثيرا ما نلقاه في الصحن الشريف ، فنسأله عن مسألة ادبية فيجيبنا ، ويستشهد في خلال كلامه بما أنشده هو وغيره في المراثي فتتغير حاله فيشرع في ذكر مصائبهم على أحسن ما ينبغي وينقلب مجلس الشعر والادب إلى مجلس المصيبة والكرب ، وله رحمه‌الله قصائد رائقة في المراثي دائرة على ألسن القراء منها القصيدة التي أولها :

مالي إذا ما الليل جنا

أهفو لمن غنى وحنا

وهي طويلة ، ومنها القصيدة التي أولها :

ألقيت لي الايام فضل قيادها

فأردت غير مرامها ومرادها

الخ.

٢٦٤

ومنها القصيدة التي يقول فيها في مدح الشهداء :

وذوي المروة والوفا أنصاره

لهم على الجيش اللهام زئير

طهرت نفوسهم بطيب أصولها

فعناصر طابت لهم وحجور

عشقوا العنا للدفع لا عشقوا

العنا للنفع لكن أمضي المقدور

فتمثلت لهم القصور وما بهم

لولا تمثلت القصور قصور

ما شاقهم للموت إلا وعدة الر

حمن لا ولدانها والحور

الخ.

الحكاية الثانية والثلاثون

في شهر جمادي الاولى من سنة ألف ومائتين وتسعة وتسعين ورد الكاظمين عليهما‌السلام رجل اسمه آقا محمد مهدي وكان من قاطني بندر ملومين من بنادر ماجين وممالك برمه وهو الآن في تصرف الانجريز ، ومن بلدة كلكتة قاعدة سلطنة ممالك الهند إليه مسافة ستة أيام من البحر مع المراكب الدخانية ، وكان أبوه من أهل شيراز ولكنه ولد وتعيش في البندر المذكور ، وابتلى قبل التاريخ المذكور بثلاث سنين بمرض شديد ، فلما عوفي منه بقي أصم أخرس.

فتوسل لشفاء مرضه بزيار أئمة العراق عليهم‌السلام وكان له اقارب في بلدة كاظمين عليهما‌السلام من التجار المعروفين ، فنزل عليهم وبقي عندهم عشرين يوما فصادف وقت حركة مركب الدخان إلى سر من رأى لطغيان الماء فأتوا به إلى المركب وسلموه إلى راكبيه ، وهم من أهل بغداد وكربلا ، وسألوهم المراقبة في حاله والنظر في حوائجه لعدم قدرته على إبرازها وكتبوا إلى بعض المجاورين من أهل سامرا للتوجه في أموره.

فلما ورد تلك الارض المشرفة والناحية المقدسة ، أتى إلى السرداب المنور بعد الظهر من يوم الجمعة العاشر من جمادي الآخرة من السنة المذكورة ، وكان فيه جماعة من الثقات والمقدسين إلى أن أتى إلى الصفة المباركة فبكى وتضرع



٢٦٥

فيها زمانا طويلا وكان يكتب قبيله حاله على الجدار ، ويسال من الناظرين الدعاء والشفاعة.

فما تم بكاؤه وتضرعه إلا وقد فتح الله تعالى لسانه ، وخرج باعجاز الحجة عليه‌السلام من ذلك المقام المنيف مع لسان ذلق ، وكلام فصيح ، وأحضر في يوم السبت في محفل تدريس سيد الفقهاء وشيخ العلماء رئيس الشيعة ، وتاج الشريعة المنتهى إليه رياسة الامامية سيدنا الافخم وأستاذنا الاعظم الحاج الآميرزا محمد حسن الشيرازي منع الله المسلمين بطول بقائه ، وقرأ عنده متبركا سورة المباركة الفاتحة بنحو أذعن الحاضرون بصحته وحسن قراءته ، وصار يوما مشهودا ومقاما محمودا.

وفي ليلة الاحد والاثنين اجتمع العلماء والفضلاء في الصحن الشريف فرحين مسرورين ، وأضاؤا فضاءه من المصابيح والقناديل ، ونظموا القصة ونشروها في البلاد ، وكان معه في المركب مادح أهل البيت عليهم‌السلام الفاضل اللبيب الحاج ملا عباس الصفار الزنوزي البغدادي فقال وهو من قصيدة طويلة ورآه مريضا وصحيحا :

وفي عامها جئت والزائرين

إلى بلدة سر من قد رآها

رأيت من الصين فيها فتى

وكان سمي إمام هداها

يشير إذا ما أراد الكلام

وللنفس منه ... كذا براها

وقد قيد السقم منه الكلام

وأطلق من مقلتيه دماها

فوافا إلى باب سرداب من

به الناس طرا ينال مناها

يروم بغير لسان يزور

وللنفس منه دهت بعناها

وللنفس منه دهت بعناها ء

ما فيه للروح منه شفاها

أروم الزيارة بعد الدعاء

ممن رأى أسطري وتلاها

لعل لساني يعود الفصيح

وعلي أزور وأدعو الالها

إذا هو في رجل مقبل

تراه ورى البعض من أتقياها

٢٦٦

تأبط خير كتاب له

وقد جاء من حيث غاب ابن طه

فأومى إليه ادع ما قد كتب

وجاء فلما تلاه دعاها

وأوصى به سيدا جالسا

أن ادعوا له بالشفاء شفاها

فقام وأدخله غيبة الا

مام المغيب من أوصياها

وجاء إلى حفرة الصفة

التي هي للعين نور ضياها

وأسرج آخر فيها السراج

وأدناه من فمه ليراها

هناك دعا الله مستغفرا

وعيناه مشغولة ببكاها

ومذ عاد منها يريد الصلاة

قد عاود النفس منه شفاها

وقد أطلق الله منه اللسان

وتلك الصلاة أتم أداها

ولما بلغ الخبر إلى خريت صناعة الشعر السيد المؤيد الاديب اللبيب فخر الطالبيين ، وناموس العلويين ، السيد حيدر بن السيد سليمان الحلي أيده الله تعالى بعث إلى سر من رأى كتابا صورته :

بسم الله الرحمن الرحيم لما هبت من الناحية المقدسة نسمات كرم الامامة فنشرت نفحات عبير هاتيك الكرامة ، فأطلقت لسان زائرها من اعتقاله ، عند ما قام عندها في تضرعه وابتهاله ، أحببت أن أنتظم في سلك من خدم تلك الحضرة ، في نظم قصيدة تتضمن بيان هذا المعجز العظيم ونشره ، وأن أهنئ علامة الزمن وغرة وجهه الحسن ، فرع الاراكة المحمدية ، ومنار الملة الاحمدية ، علم الشريعة ، وإمام الشيعة ، لاجمع بين العبادتين في خدمة هاتين الحضرتين ، فنظمت هذه القصيدة الغراء ، وأهديتها إلى دار إقامته وهي سامرا ، راجيا أن تقع موقع القبول ، فقلت ومن الله بلوغ المأمول :

كذا يظهر المعجز الباهر

ويشهده البر والفاجر

وتروى الكرامة مأثورة

يبلغها الغائب الحاضر

يقر لقوم بها ناظر

ويقذي لقوم بها ناظر

فقلب لها ترحا واقع

وقلب بها فرحا طائر

٢٦٧

أجل طرف فكرك يا مستدل

وأنجد بطرفك يا غائر

تصفح مآثر آل الرسول

وحسبك ما نشر الناشر

ودونكه نباء صادقا

لقلب العدو هو الباقر

فمن صاحب الامر أمس استبان

لنا معجز أمره باهر

بموضع غيبته مذ الم

أخو علة داؤها ظاهر

رمى فمه باعتقال اللسان

رام هو الزمن الغادر

فأقبل ملتمسا للشفاء

لدى من هو الغائب الحاضر

ولقنه القول مستأجر

عن القصد في أمره جائر

فبيناه في تعب ناصب

ومن ضجر فكره حائر

إذ انحل من ذلك الاعتقال

وبارحه ذلك الضائر

فراح لمولاه في الحامدين

وهو لآلآئه ذاكر

لعمري لقد مسحت داءه

يد كل خلق لها شاكر

يد لم تزل رحمة للعباد

لذلك أنشأها الفاطر

تحدر وإن كرهت أنفس

يضيق شجى صدرها الواغر

وقل إن قائم آل النبي

له النهي وهو هو الآمر

أيمنع زائره الاعتقال

مما به ينطق الزائر

ويدعوه صدقا إلى حله

ويقضي على أنه القادر

ويكبو مرجيه دون الغياث

وهو يقال به العاثر

فحاشاه بل هو نعم المغيث

إذا نضنض الحارث الفاغر (١)

فهذي الكرامة لا ما غدا

يلفقه الفاسق الفاجر

أدم ذكرها يا لسان الزمان

وفي نشرها فمك العاطر

وهن بها سر من را ومن

به ربعها آهل عامر

____________________

(١) الحارث : لقب الاسد ، والفاغر : الذي فتح فاه يقال : نضنض لسانه : اذا حركه ، فالسبع اذا فغرفاه ونضنض لسانه اشد ما يكون.

٢٦٨

هو السيد الحسن المجتبى

خضم الندى غيثه الهامر

وقل يا تقدست من بقعة

بها يهب الزلة الغافر

كلا اسميك في الناس باد له

بأوجههم أثر ظاهر

فأنت لبعضهم سر من

راى وهو نعت لهم ظاهر

وأنت لبعضهم ساء من

رأى وبه يوصف الخاسر

لقد أطلق الحسن المكرمات

مهياك فهو بهي سافر

فأنت حديقة زهو به

وأخلافه روضك الناضر

عليم تربى بحجر الهدى

ونسج التقى برده الطاهر

إلى أن قال سلمه الله تعالى :

كذا فلتكن عترة المرسلين

وإلا فما الفخر يا فاخر

الحكاية الثالثة والثلاثون

حدثني الثقة العدل الامين آغا محمد المجاور لمشهد العسكريين عليهما‌السلام المتولي لامر الشموعات ، لتلك البقعة العالية ، فيما ينيف على أربعين سنة ، وهو أمين السيد الاجل الاستاذ دام علاه ، عن أمه وهي من الصالحات قالت : كنت يوما في السرداب الشريف ، مع أهل بيت العالم الرباني والمؤيد السبحاني المولى زين العابدين السلماسي المتقدم ذكره رحمه‌الله وكان حين مجاورته في هذه البلدة الشريفة لبناء سورها.

قالت : وكان يوم الجمعة ، والمولى المذكور يقرأ دعاء الندبة ، وكنا نقرؤها بقراءته ، وكان يبكي بكاء الواله الحزين ، ويضج ضجيج المستصرخين ، وكنا نبكي ببكائه ، ولم يكن معنا فيه غيرنا.

فبينا نحن في هذه الحالة ، وإذا بشرق مسك ونفحته قد انتشر في السرداب وملاء فضاءه وأخذ هواءه واشتد نفاحه ، بحيث ذهبت عن جميعنا تلك الحالة فسكتنا كأن على رؤوسنا الطير ، ولم نقدر على حركة وكلام ، فبقينا متحيرين إلى أن مضى



٢٦٩

زمان قليل ، فذهب ما كنا نستشمه من تلك الرائحة الطيبة ورجعنا إلى ما كنا فيه من قراءة الدعاء فلما رجعنا إلى البيت سألت عن المولى رحمه‌الله عن سبب ذلك الطيب ، فقال : مالك والسؤال عن هذا وأعرض عن جوابي.

وحدثني الاخ الصفي العالم المتقي الآغا علي رضا الاصفهاني الذي مر ذكره ، وكان صديقه وصاحب سره ، قال : سألته يوما عن لقائه الحجة عليه‌السلام وكنت اظن في حقه ذلك كشيخه السيد المعظم العلامة الطباطبائي كما تقدم فأجابني بتلك الواقعة ، حرفا بحرف ، وقد ذكرت في دار السلام بعض كراماته ومقاماته رحمة الله عليه.

الحكاية الرابعة والثلاثون

قال الفاضل الجليل النحرير الاميرزا عبدالله الاصفهاني الشهير بالافندي في المجلد الخامس من كتاب رياض العلماء في ترجمة الشيخ بن [ أبي ] الجواد النعماني أنه ممن رأى القائم عليه‌السلام في زمن الغيبة الكبرى ، وروى عنه عليه‌السلام ورأيت في بعض المواضع نقلا عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد أنه قد رأى ابن ابي جواد النعماني مولانا المهدي عليه‌السلام فقال له : يا مولاي لك مقام بالنعمانية ، ومقام بالحلة ، فأين تكون فيهما؟ فقال له : أكون بالنعمانية ليلة الثلثاء ويوم الثلثاء ، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتادبون في مقامي ، وما من رجل دخل مقامي بالادب يتادب ويسلم علي وعلى الائمة وصلى علي وعليهم اثني عشر مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة ، للا أعطاه الله تعالى ما يسأله ، أحدها المغفرة.

فقلت : يا مولاي علمني ذلك ، فقال : قل : اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، وإن كان ما اقترفته من الذنوب أستحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به ، وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك ، وكررها علي ثلاثا حتى فهمتها.

٢٧٠

قلت : والنعمانية بلد بين واسط وبغداد ، والظاهر أن منه الشيخ أبا عبدالله محمد بن محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب الشهير بالنعماني المعروف بابن ابي زينب تلميذ الكليني وهو صاحب الغيبة والتفسير ، وهو والشيخ الصفواني المعاصر له ، قد ضبط كل واحد منهما نسخة الكافي ولذا ترى أنه قد يقع في الكافي كثيرا : وفي نسخة النعماني كذا ، وفي نسخة الصفواني كذا.

الحكاية الخامسة والثلاثون

السيد الاجل علي بن طاوس في جمال الاسبوع أنه شاهد أحد صاحب الزمان عليه‌السلام وهو يزور بهذه الزيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام في اليقظة لا في النوم ، يوم الاحد وهو يوم أمير المؤمنين عليه‌السلام :

[ السلام ] على الشجرة النبوية ، والدوحة الهاشمية المضيئة ، الثمرة بالنبوة المونعة بالامامة ، السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين ، السلام عليك وعلى الملائكة المحدقين بك ، والحافين بقبرك ، يا مولاي يا أمير المؤمنين هذا يوم الاحد ، وهو يومك وباسمك ، وأنا ضيفك فيه وجارك ، فأضفني يا مولاي ، وأجرني فانك كريم ، تحب الضيافة ، ومأمول بالاجابة ، فافعل ما رغبت إليك فيه ، ورجوته منك ، بمنزلتك وآل بيتك عند الله ومنزلته عندكم ، وبحق ابن عمك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليكم أجمعين.

الحكاية السادسة والثلاثون

العلامة الحلي رحمه‌الله في منهاج الصلاح قال : نوع آخر من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر رحمه‌الله عن السيد رضي الدين محمد الآوي الحسيني عن صاحب الامر عليه‌السلام وهو أن يقرء فاتحة الكتاب عشر مرات وأقله ثلاث مرات ، والادون منه مرة ، ثم يقرء « إنا أنزلناه » عشر مرات ثم يقرء هذا الدعاء ثلاث مرات : اللهم إني استخيرك لعلمك بعواقب الامور



٢٧١

وأستشيرك لحسن ظني بك في المأمول والمحذور ، اللهم إن كان الامر الفلاني قد نيطت بالبركة أعجازه وبواديه ، وحفت بالكرامة أيامه ولياليه ، فخر لي فيه خيرة ترد شموسه ذلولا ، تقعض أيامه سرورا. اللهم إما أمر فأئتمر وإما نهي فانتهي اللهم اني استخيرك برحمتك خيرة في عافية.

ثم يقبض على قطعة من السبحة ، ويضمر حاجته ، ويخرج إن كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل وإن كان فردا لا تفعل ، أو بالعكس.

قال الكفعمي رحمه‌الله : نيطت تعلقت ، وناط الشئ تعلق ، وهذا منوط بك اي متعلق ، والانواط المعاليق ، ونيط فلان بكذا أي تعلق قال الشاعر :

وأنت زنيم نيط في آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

وأعجاز الشئ آخره ، وبواديه أوله. ومفتتح الامر ومبتداه ، ومهله وعنفوانه ، وأوائله وموارده وبدائهه وبواديه نظائر وشوافعه وتواليه وأعقابه ومصادره ورواجعه ومصائره وعواقبه وأعجازه نظائر ، وقوله شموسه أي صعوبته ورجل شموس : اي صعب الخلق ، ولا تقل : شموص بالصاد ، وأشمس الفرس منع ظهره ، والذلول ضد الصعوبة ، وتقعض اي ترد وتعطف ، وقعضت العود عطفته وتقعص بالصاد تصحيف والعين مفتوحة لانه إذا كانت عين الفعل أولامه أحد حروف الحلق كان الاغلب فتحها في المضارع.

قال في البحار : وفي كثير من النسخ بالصاد المهملة ، ولعله مبالغة في السرور وهذا شائع في العرب والعجم ، يقال لمن اصابه سرور عظيم : مات سرورا أو يكون المراد به الانقضاء أي تنقضي بالسرور ، والتعبير به لان ايام السرور سريعة الانقضاء ، فان القعص الموت سريعا فعلى هذا يمكن أن يقرء على بناء المعلوم والمجهول ، و « أيامه » بالرفع والنصب معا.

قال الشهيد رحمه‌الله في الذكرى : ومنها الاستخارة بالعدد ولم يكن هذه مشهورة في العصور الماضية ، قبل زمان السيد الكبير العابد رضي الدين ممد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدس الغروي رضي‌الله‌عنه ، وقد رويناها عنه وجميع



٢٧٢

مروياته عن عدة من مشايخنا ، عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين ابن المطهر عن السيد الرضي ، عن صاحب الامر عليه‌السلام وتقدم عنه رحمه‌الله حكاية أخرى.

وهذه الحكاية ذكرها المحقق الكاظميني في مسألة الاجماع في بعض وجوهه في عداد من تلقى عن الحجة عليه‌السلام في غيبته الكبرى بعض الاحكام سماعا أو مكاتبة.

الحكاية السابعة والثلاثون

في كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للشيخ المحدث الجليل محمد بن الحسن الحر العاملي رحمه‌الله قال : قد أخبرني جماعة من ثقات الاصحاب أنهم رأوا صاحب الامر عليه‌السلام في اليقظة ، وشاهدوا منه معجزات متعددات ، وأخبرهم بعدة مغيبات ، ودعا لهم بدعوات مستجابات ، وأنجاهم من أخطار مهلكات.

قال رحمه‌الله : وكناجالسين في بلادنا في قرية مشغر في يوم عيد ، ونحن جماعة من أهل العلم والصلحاء ، فقلت لهم : ليت شعري في العيد المقبل من يكون من هؤلاء حيا ومن يكون قد مات؟ فقال لي رجل كان اسمه « الشيخ محمد » وكان شريكنا في الدروس : أنا أعلم أني أكون في عيد آخر حيا وفي عيد آخر حيا وعيد آخر إلى ستة وعشرين سنة ، وظهر منه أنه جازم بلك من غير مزاح ، فقلت له : أنت تعلم الغيب؟ قال : لا ، ولكني رأيت المهدي عليه‌السلام في النوم وأنا مريض شديد المرض ، فقلت له : أنامريض وأخاف أن أموت ، وليس لي عمل صالح القى الله به فقال : لا تخف فان الله تعالى يشفيك من هذا المرض ، ولا تموت فيه بل تعيش سمتا وعشرين سنة ثم ناولني كأسا كان في يده فشربت منه وزال عني المرض وحصل لي الشفاء ، وانا أعلم أن هذا ليس من الشيطان.

فلما سمعت كلام الرجل كتبت التاريخ ، وكاتن سنة ألف وتسعة وأربعين ومضت لذلك مدة وانتقلت إلى المشهد المقدس سنة ألف واثنين وسبعين ، فلما كانت السنة الاخيرة وقع في قلبي أن المدة قد انقضت فرجعت إلى ذلك التاريخ



٢٧٣

وحسبته فرأيته قد مضى منه ست وعشرون سنة ، فقلت : ينبغي أن يكون الرجل مات.

فما مضت مدة نحو شهر أو شهرين حتى جاءتني كتابة من اخي وكان في البلاد يخبرني أن الرجل المذكور مات.

الحكاية الثامنة والثلاثون

وفي الكتاب المذكور قال رحمه‌الله : إني كنت في عصر الصبي وسني عشر سنين أو نحوها أصابني مرض شديد جدا حتى اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيأوا للتعزية ، وأيقنوا أني أموت تلك الليلة.

فرأيت النبي والائمة الاثني عشر صلوات الله عليهم ، وأنا فيما بين النائم واليقظان ، فسلمت عليهم وصافحتهم واحدا واحدا ، وجرى بيني وبين الصادق عليه‌السلام كلام ، ولم يبق في خاطري إلا أنه دعا لي.

فلما سلمت على الصاحب عليه‌السلام ، وصافحته ، بكيت وقلت : يا مولاي أخاف أن أموت في هذا المرض ، ولم أقض وطري من العلم والعمل ، فقال عليه‌السلام : لا تخف فانك لا تموت في هذا المرض بل يشفيك الله تعالى وتعمر عمرا طويلا ثم ناولني قدحا كان في يده فشربت منه وأفقت في الحال وزال عني المرض بالكلية ، وجلست وتعجب أهلي وأقاربي ، ولم أحدثهم بما رأيت إلا بعد أيام.

الحكاية التاسعة والثلاثون

وحدثني الثقة الامين آغا محمد المتقدم ذكره قال : كان رجل من أهل سامراء من أهل الخلاف يسمى مصطفى الحمود ، وكان من الخدام الذين ديدنهم أذية الزوار ، وأخذ أموالهم بطرق فيها غضب الجبار ، وكان أغلب أوقاته في السرداب المقدس على الصفة الصغيرة ، خلف الشباك الذي وضعه هناك [ ومن جاء ] من الزوار ويشتغل بالزيارة ، يحول الخبيث بينه وبين مولاه فينبهه على الاغلاط



٢٧٤

المتعارفة التي لا تخلو أغلب العوام منها ، بحيث لم يبق لهم حالة حضور وتوجه اصلا.

فرأى ليلة في المنام الحجة من الله الملك العلام عليه‌السلام ، فقال له : إلى متى تؤذي زواري ولا تدعهم أن يزوروا؟ مالك وللدخول في ذلك ، خل بينهم وبين ما يقولون فانتبه ، وقد أصم الله أذنيه ، فكان لا يسمع بعده شيئا واستراح منه الزوار ، وكان كذلك إلى أن ألحقه الله بأسلافه في النار.

الحكاية الاربعون

الشيخ الجليل أمين الاسلام فضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفسير في كتاب كنوز النجاح قال : دعاء علمه صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنان ، أبا الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث رحمه الله تعالى في بلدة بغداد ، في مقابر قريش ، وكان أبوالحسن قد هرب إلى مقابر قريش والتجأ إليه من خوف القتل فنجي منه ببركة هذا الدعاء.

قال أبوالحسن المذكور : إنه علمني أن أقول : « اللهم عظم البلاء ، وبرح الخفاء ، وانقطع الرجاء ، وانكشف الغطاء ، ، وضاقت الارض ، ومنعت السماء ، وإليك يا رب المشتكى ، وعليك المعول في الشدة والرخاء ، اللهم فصل على محمد وآل محمد أولي الامر الذين فرضت علينا طاعتهم ، فعرفتنابذلك منزلتهم ، ففرج عنا بحقهم فرجا عاجلا كلمح البصر ، أوهو اقرب ، يا محمد يا علي اكفياني فانكما كافياي وانصراني فانكما ناصراي ، يامولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث [ الغوث ] أدركني ادركني ادركني ».

قال الراوي : إنه عليه‌السلام عند قوله : « يا صاحب الزمان » كان يشير إلى صدره الشريف.

٢٧٥

الحكاية الحادية والاربعون

قال العالم النحرير ، النقاد البصير ، المولى أبوالحسن الشريف العاملي الغروي تلميذ العلامة المجلسي وهو جد شيخ الفقهاء في عصره صاحب جواهر الكلام ، من طرف أمه ، وينقل عنه في الجواهر كثيرا ، صاحب التفسير الحسن الذي لم يؤلف مثله وإن لم يبرز منه إلا قليل إلا أن في مقدماته من الفوائد ما يشفي العليل ، ويروي الغليل ، وغيره ، قال في كتاب ضياء العالمين ، وهو كتاب كبير منيف على ستين ألف بيت كثير الفوائد ، قليل النظير ، قال في أواخر الملجد الاول منه في ضمن أحوال الحجة عليه‌السلام بعد ذكر قصة الجزيرة الخضراء ، مختصرا ما لفظه : ثم إن المنقولات المعتبرة في رؤية صاحب الامر عليه‌السلام سوى ما ذكرناه كثيرة جدا حتى في هذه الازمنة القريبة ، فقد سمعت أنا من ثقات أن مولانا أحمد الاردبيلي رآه عليه‌السلام في جامع الكوفة ، وسال منه مسائل ، وأن مولانا محمد تقي والد شيخنا رآه في الجامع العتيق باصبهان ، والحكاية الاولى موجودة في البحار وأما الثانية فهي غير معروفة ، ولم نعثر عليها إلا ما ذكره المولى المذكور رحمه‌الله في شرح مشيخة الفقيه في ترجمة المتوكل بن عمير راوي الصحيفة.

قال رحمه‌الله : إني كنت في أوائل البلوغ طالبا لمرضاة الله ، ساعيا في طلب رضاه ، ولم يكن لي قرار بذكره إلى أن رأيت بين النوم واليقظة أن صاحب الزمان صلوات الله عليه كان واقفا في الجامع القديم باصبهان قريبا من باب الطنبى الذي الآن مدرسي ، فسلمت عليه وأردت أن أقبل رجله ، فلم يدعني وأخذني ، فقبلت يده ، وسألت عنه مسائل قد أشكلت علي.

منها أني كنت أوسوس في صلاتي ، وكنت أقول إنها ليست كما طلبت مني وأنا مشتغل بالقضاء ، ولا يمكنني صلاة الليل ، وسألت عنه شيخنا البهائي رحمه الله تعالى فقال : صل صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد صلاة الليل ، وكنت أفعل هكذا فسألت عن الحجة عليه‌السلام أصلي صلاة الليل؟ فقال : صلها ، ولا تفعل كالمصنوع الذي



٢٧٦

كنت تفعل ، إلى غير ذلك من المسائل التي لم يبق في بالي.

ثم قلت : يا مولاي لا يتيسر لي أن أصل إلى خدمتك كل وقت فأعطني كتابا أعمل عليه دائما فقال عليه‌السلام : أعطيت لاجلك كتابا إلى مولانا محمد التاج ، وكنت أعرفه في النوم ، فقال عليه‌السلام : رح وخذ منه ، فخرجت من باب المسجد الذي كان مقابلا لوجهه إلى جانب دار البطيخ محلة من إصبهان ، فلما وصلت إلى ذلك الشخص فلما رآني قال لي : بعثك الصاحب عليه‌السلام إلي؟ قلت : نعم ، فأخرج من جيبه كتابا قديما فلما فتحته ظهر لي أنه كتاب الدعاء فقبلته ووضعته على عيني وانصرفت عنه متوجها إلى الصاحب عليه‌السلام فانتبهت ولم يكن معي ذلك الكتاب.

فشرعت في التضرع والبكاء والحوار لفوت ذلك الكتاب إلى أن طلع الفجر فلما فرغت من الصلاة والتعقيب ، وكان في بالي أن مولانا محمد (١) هو الشيخ وتسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء.

فلما جئت إلى مدرسته وكان في جوار المسجد الجامع فرأيته مشتغلا بمقابلة الصحيفة ، وكان القاري السيد صالح أمير ذو الفقار الجر فادقاني فجلست ساعة حتى فرغ منه والظاهر أنه كان في سند الصحيفة لكن للغم الذي كان لي لم أعرف كلامه ولا كلامهم ، وكنت أبكي فذهبت إلى الشيخ وقلت له رؤياي وكنت أبكي لفوات الكتاب ، فقال الشيخ : ابشر بالعلوم الالهية ، والمعارف اليقينية وجميع ما كنت تطلب دائما ، وكان أكثر صحبتي مع الشيخ في التصوف وكان مائلا إليه ، فلم يسكن قلبي وخرجت باكيا متفكرا إلى أن ألقي في روعي أن اذهب إلى الجانب الذي ذهبت إليه في النوم ، فلما وصلت إلى دار البطيخ رأيت رجلا صالحا اسمه آغا حسن ، وان يلقب بتاجا ، فلما وصلت إليه وسلمت عليه قال : يا فلان الكتب الوقفية التي عندي كل من يأخذه من الطلبة لا يعمل بشروط الوقف وأنت تعمل به ، وقال : وانظر إلى هذه الكتب وكلما تحتاج إليه خذه ، فذهبت معه إلى بيت كتبه فأعطاني أول ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم ، فشرعت في

____________________

(١) يعنى الشيخ البهائي رحمه‌الله.

٢٧٧

البكاء والنحيب ، وقلت : يكفيني وليس في بالي أني ذكرت له النوم أم لا ، وجئت عند الشيخ وشرعت في المقابلة مع نسخته التي كتبها جد أبيه مع نسخة الشهيد وكتب الشهيد نسخته مع نسخة عميد الرؤساء وابن السكون ، وقابلها مع نسخة ابن الشهيد نسخته مع نسخة عميد الرؤساء وابن السكون ، وقابلها مع نسخة ابن إدريس بواسطة أو بدونها وكانت النسخة التي أعطانيها الصاحب مكتوبة على هامشها ، وبعد أن فرغت من المقابلة شرع الناس في المقابلة عندي ، وببركة إعطاء الحجة عليه‌السلام صارت الصحيفة الكاملة في جميع البلاد كالشمس طالعة في كل بيت ، وسيما في إصبهان فان أكثر الناس لهم الصحيفة المتعددة وصار أكثرهم صلحاء وأهل الدعاء ، وكثير منهم مستجابو الدعوة ، وهذه الآثار معجزة لصاحب الامر عليه‌السلام والذي أعطاني الله من العلوم بسبب الصحيفة لا أحصيها.

وذكرها العلامة المجلسي رضوان الله عليه في إجازات البحار مختصرا.

الحكاية الثانية والاربعون

حدث السيد الجليل والمحدث العليم النبيل ، السيد نعمة الله الجزائري في مقدمات شرح العوالي قال : حدثني وأجازني السيد الثقة هاشم بن الحسين الاحسائي في دار العلم شيراز ، في المدرسة المقابلة للبقعة المباركة ، مزار السيد محمد عابد عليه الرحمة والرضوان ، في حجرة من الطبقة الثانية ، على يمين الداخل قال : حكى لي استاذي الثقة المعدل الشيخ محمد الحرفوشي قدس الله تربته قال : لما كنت بالشام ، عمدت يوما إلى مسجد مهجور ، بعيد من العمران ، فرأيت شيخا أزهر الوجه ، عليه ثياب بيض ، وهيئة جميلة ، فتجارينا في الحديث ، وفنون العلم فرأيته فوق ما يصفه الواصف ، ثم تحققت منه الاسم والنسبة ثم بعد جهد طويل قال : أنا معمر بن ابي الدنيا صاحب امير المؤمنين ، وحضرت معه حروب صفين وهذه الشجة في رأسي وفي وجهي من زجة فرسه (١).

____________________

في الاصل المطبوع رمحة فرسه وهو تصحيف ، والمراد بالزجة : الشكيمة



٢٧٨

ثم ذكر لي من الصفات والعلامات ماتحققت معه صدقه في كل ما قال ، ثم استجزته كتب الاخبار ، فأجازني عن أمير المؤمنين وعن جميع الائمة عليهم‌السلام حتى انتهى في الاجازة إلى صاحب الدار عجل الله فرجه وكذلك أجازني كتب العربية من مصنفيها كالشيخ عبدالقاهر والسكاكي وسعد التفتازاني وكتب النحو عن أهلها وذكر العلوم المتعارفة.

ثم قال السيد رحمه‌الله : إن الشيخ محمد الحرفوشي أجازني كتب الاحاديث الاصول الاربعة ، وغيرها من كتب الاخبار بتلك الاجازة ، وكذلك أجازني الكتب المصنفة في فنون العلوم ، ثم إن السيد رضوان الله عليه أجازني بتلك الاجازة كلما أجازه شيخه الحرفوشي ، عن معمر بن أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام وأما أنا فأضمن ثقة المشايخ السيد والشيخ ، وتعديلهما وورعهما ولكني لا أضمن وقوع الامر في الواقع على ما حكيت ، وهذه الاجازة العالية لم تتفق لاحد من علمائنا ، ولا محدثنا ، لا في الصدر السالف ، ولا في الاعصار المتأخرة انتهى.

وقال سبطه العالم الجليل السيد عبدالله صاحب شرح النخبة ، وغيره في إجازته الكبيرة ، لاربعة من علماء حويزة ، بعد نقل كلام جده وكأنه رضي الله عنه استنكر هذه القصة أو خاف أن تنكر عليه فتبرء من عهدتها في آخر كلامه وليست بذلك فانمعمر بن ابي الدنيا المغربي له ذكر متكرر في الكتب ، وقصة طويلة في خروجه مع أبيه في طلب ماء الحياة ، وعثوره عليه دون أصحابه ، مذكورة في كتب التواريخ وغيرها ، وقد نقل منها نبذا صاحب البحار في أحوال صاحب الدار عليه‌السلام (١) وذكر الصدوق في كتاب إكمال الدين أن اسمه علي بن عثمان

____________________

من اللجام : وهي الحديدة المعترضة في فم الفرس فيها الفاس ، وقد كانت تلك الحديدة مزججة على ما في نسخة كمال الدين قال : « وكان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجنى هذه الشجة التي في صدغى ».

(١) راجع باب ذكر أخبار المعمرين ج ٥١ ص ٢٢٥ ، كمال الدين ج ٣ ص ٢٢٠.

٢٧٩

ابن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني إلا أنه قال : معمر أبي الدنيا باسقاط « بن » والظاهر أنه هو الصواب كما لا يخفى ، وذكر أنه من حضرموت والبلد الذي هو مقيم فيه طنجة ، وروى عنه أحاديث مسندة بأسانيد مختلفة.

وأما ما نقله الشيخ في مجلسه عن أبي بكر الجرجاني أن المعمر المقيم ببلدة طنجة توفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة ، فليس بمناف شيئا لان الظاهر أن أحدهما غير الآخر ، لتغاير اسميهما وقصتيهما وأحوالهما المنقولة ، والله يعلم انتهى ، وشرح حال المعمر مذكور في آخر فتن البحار.

وقال السيد الجليل المعظم والحبر المكرم السيد حسين ابن العالم العليم السيد إبراهيم القزويني رحمه‌الله في آخر إجازته لآية الله بحر العلوم : وللعبد طريق آخر إلى الكتب الاربعة وغيرها لم يسمح الاعصار بمثلها ، وهو ما أجاز لي السيد السعيد الشهيد السيد نصر الله الحائري ، عن شيخه مولانا ابي الحسن ، عن شيخه الفاضل السيد نعمة الله ، عن شيخه السيد هاشم الاحسائي ، إلى آخر ما نقلناه.

والشيخ محمد الحرفوشي من الاجلاء ، قال الشيخ الحر في أمل الآمل : الشيخ محمد بن علي بن أحمد الحرفوشي الحريري العاملي الشامي كان فاضلا عالما أديبا ماهرا محققا مدققا شاعرا اديبا منشيا حافظا أعرف أهل عصره بعلوم العربية ، وذكر له مؤلفات في الادبية وشرح قواعد الشهيد ، وغيرها وذكره السيد عليخان في سلافة العصر وبالغ في الثناء عليه وقال : إنه توفي سنة ١٠٥٩.

الحكاية الثالثة والاربعون

حدثني سيد الفقهاء ، وسناد العلماء ، العالم الرباني المؤيد بالالطاف الخفية السيد مهدي القزويني الساكن في الحلة السيفية ، صاحب التصانيف الكثيرة والمقامات العالية أعلى الله تعالى مقامه فيما كتب بخطه قال : حدثني والدي الروحاني وعمي الجسماني جناب المرحوم المبرور العلامة الفهامة ، صاحب الكرامات ، والاخبار



٢٨٠