بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فلما اشتد به الفقر والمرض ، وايس من تزويج البنت ، عزم على ماهو معروف عند أهل النجف من أنه من اصابه أمر فواظب الرواح إلى المسجد الكوفة أربعين ليلة الاربعاء ، فلا بد أن يرى صاحب الامر عجل الله فرجه من حيث لا يعلم ويقضي له مراده.

قال الشيخ باقر قدس‌سره : قال الشيخ محمد : فواظبت على ذلك أربعين ليلة بالاربعاء فلما كانت الليلة الاخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة ، وقد هبت ريح عاصفة ، فيها قليل من المطر ، وأنا جالس في الدكة التي هي داخل في باب المسجد وكانت الدكة الشرقية المقابلة للباب الاول تكون على الطرف الايسر ، عند دخول المسجد ، ولا أتمكن الدخول في المسجد من جهة سعال الدم ، ولا يمكن قذفه في المسجد وليس معي شئ أتقي فيه عن البرد ، وقد ضاق صدري ، واشتد علي همي وغمي ، وضاقت الدنيا في عيني ، وأفكر أن الليالي قد انقضت ، وهذه آخرها ، وما رأيت أحدا ولا ظهر لي شئ ، وقد تعبت هذا التعب العظيم ، وتحملت المشاق والخوف في أربعين ليلة ، أجبئ فيها من النجف إلى مسجد الكوفة ، ويكون لي الاياس من ذلك.

فبينما أنا أفكر في ذلك ، وليس في المسجد أحد أبدا وقد أوقدت نارا لاسخن عليها قهوة جئت بها من النجف ، لا أتمكن من تركها لتعودي بها ، وكانت قليلة جدا إذا بشخص من جهة الباب الاول متوجها إلي فلما نظرته من بعيد تكدرت وقلت في نفسي : هذا أعرابي من أطراف المسجد ، قد جاء إلي ليشرب من القهوة و؟ بلا قهوة في هذا الليل المظلم ، ويزيد علي همي وغمي.

فبينما أنا؟ إذا به قد وصل إلي وسلم علي باسمي وجلس في مقابلي فتعجبت من معرفته اسمي ، وظننته من الذين أخرج إليهم في بعض الاوقات من أطراف النجف الاشرف فصرت أسأله من اي العرب يكون؟ قال : من بعض العرب فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف ، فيقول : لا لا ، وكلما ذكرت له طائفة قال : لا لست منها.

٢٤١

فأغضبني وقلت له : أجل أنت من طريطرة مستهزءا وهو لفظ بلا معنى ، فتبسم من قولي ذلك وقال : لا عليك من أينما كنت ما الذي جاء بك إلى هنا فقلت : وأنت ما عليك السؤال عن هذه الامور؟ فقال : ما ضرك لو أخبرتني فتعجبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه ، فمال قلبي إليه ، وصار كلما تكلم ازداد حبي له ، فعملت له السبيل من التتن ، وأعطيته ، فقال : أنت أشرب فأنا ما اشرب ، وصببت له في الفنجان قهوة وأعطيته ، فأخذه وشرب شيئا قليلا منه ، ثم ناولني الباقي وقال : أنت اشربه فأخذته وشربته ، ولم ألتفت إلى عدم شربه تمام الفنجان ، ولكن يزداد حبي له آنا فآنا.

فقلت له : يا أخي أنت قد أرسلك الله إلي في هذه الليلة تأنسني أفلا تروح معي إلى أن نجلس في حضرة مسلم عليه‌السلام ، ونتحدث؟ فقال : أروح معك فحدث حديثك.

فقلت له : أحكي لك الواقع أنا في غاية الفقر والحاجة ، مذ شعرت على نفسي ومع ذلك ، معي سعال أتنخع الدم ، وأقذفه من صدري منذ سنين ، ولا أعرف علاجه وما عندي زوجة ، وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلتنا في النجف الاشرف ، ومن جهة قلة ما في اليد ما تيسر لي أخذها.

وقد غرني هؤلاء الملائية (١) وقالوا لي : اقصد في حوائجك صاحب الزمان وبت اربعين ليلة الاربعاء في مسجد الكوفة ، فانك تراه ، ويقضي لك حاجتك وهذه آخر ليلة من الاربعين ، وما رأيت فيها شيئا وقد تحملت هذه المشاق في هذه الليالي فهذا الذي جار بي هنا ، وهذه حوائجي.

فقال لي وأنا غافل غير ملتفت : أما صدرك فقد برأ ، وأما الامرءة فتأخذها عن قريب ، وأما فقرك فيبقى على حاله حتى تموت ، وأنا غير ملتفت إلى هذا البيان أبدا.

فقلت : ألا تروح إلى حضرة مسلم؟ قال : قم ، فقمت وتوجه أمامي ، فلما

____________________

(١) من اصطلاحات أهل العراق.

٢٤٢

وردنا أرض المسجد فقال : ألا تصلي صلاة تحية المسجد ، فقلت : أفعل ، فوقف هو قريبا من الشاخص الموضوع في المسجد ، وأنا خلفه بفاصلة ، فأحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.

فبينما أنا أقرء وإذا يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحدا يقرأ مثلها أبدا فمن حسن قراءته قلت في نفسي : لعله هذا هو صاحب الزمان وذكرت بعض كلمات له تدل على على ذلك ثم نظرت إليه بعد ما خطر في قلبي ذلك ، وهو في الصلاة ، وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف ، وهو مع ذلك يصلي وأنا اسمع قراءته ، وقد ارتعدت فرائصي ، ولا أستطيع قطع الصلاة خوفا منه فأكملتها على اي وجه كان ، وقد علا النور من وجه الارض ، فصرت أندبه وأبكي وأتضجر وأعتذر من سوء ادبي معه في باب المسجد ، وقلت له : أنت صادق الوعد ، وقد وعدتني الرواح معي إلى مسلم.

فبينما أنا أكلم النور ، وإذا بالنور قد توجه إلى جهة المسلم ، فتبعته فدخل النور الحضرة ، وصار في جو القبة ، ولم يزل على ذلك ولم أزل أندبه وأبكي حتى إذا طلع الفجر ، عرج النور.

فلما كان الصباح التفت إلى قوله : أما صدرك فقد برأ ، وإذا أنا صحيح الصدر ، وليس معي سعال أبدا وما مضى اسبوع إلا وسهل الله على أخذ البنت من حيث لا أحتسب ، وبقي فقري على ما كان كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.

الحكاية السادسة عشرة

حدثني العالم الجليل ، والفاضل النبيل ، مصباح المتقين ، وزين المجاهدين السيد الايد مولانا السيد محمد ابن العالم السيد هاشم بن مير شجعاعتعلي الموسوي الرضوي الجفي المعروف بالهدني سلمه الله تعالى وهو من العلماء المتقين ، وكان يؤم الجماعة في داخل حرم أمير المؤمنين عليه‌السلام وله خبرة وبصيرة بأغلب العلوم



٢٤٣

المتداولة ، وهو الآن من مجاوري بلدتنا الشريفه عمرها الله تعالى بوجود الابرار والصلحاء.

قال : كان رجل صالح يسمى الحاج عبدالواعظ كان كثير التردد إلى مسجد السهلة والكوفة ، فنقل لي الثقة الشيخ باقر بن الشيخ هادي المقدم ذكره قال : وكان عالما بالمقدمات وعلم القراءة وبعض علم الجفر ، وعنده ملكة الاجتهاد المطلق إلا أنه مشغول عن الاستنباط لاكثر من قدر حاجته بمعيشة العيال ، وكان يقرء المراثي ويؤم الجماعة ، وكان صدوقا خيرا معتمدا ، عن الشيخ مهدي الزربجاوي قال : كنت في مسجد الكوفة ، فوجدت هذا العبد الصالح خرج إلى النجف بعد نصف الليل ليصل إليه أول النهار ، فخرجت معه لاجل ذلك أيضا.

فلما انتهينا إلى قريب من البئر التي في نصف الطريق لاح لي اسد على قارعة الطريق ، والبرية خالية من الناس ليس فيها إلا أنا وهذا الرجل ، فوقفت عن المشي ، فقال : ما بالك؟ فقلت : هذا الاسد ، فقال : امش ولا تبال به ، فقلت : كيف يكون ذلك؟ فاصر علي فأبيت فقال لي : إذا رأيتني وصلت إليه ووقفت بحذائه ولم يضرني ، أفتجوز الطريق وتمشي؟ فقلت نعم ، فتقدمني إلى الاسد حتى وضع يده على ناصيته ، فلما رأيت ذلك اسرعت في مشيي حتى جزتهما وأنا مرعوب ثم لحق بي وبقي الاسد في مكانه.

قال نور الله قلبه : قال الشيخ باقر وكنت في أيام شبابي خرجت مع خالي الشيخ محمد علي القارئ مصنف الكتب الثلاثة الكبير والمتوسط والصغير ، ومؤلف كتاب التعزية ، جمع فيه تفصيل قضية كربلا من بدئها إلى ختامها بترتيب حسن وأحاديث منتخبة إلى مسجد السهلة وكان في تلك الاوقات موحشا في الليل ليس فيه هذه العمارة الجديدة ، والطريق بينه وبين مسجد الكوفة كان صعبا أيضا ليس بهذه السهولة الحاصلة بعد الاصلاح.

فلما صلينا تحية مقام المهدي عليه‌السلام نسي خالي سبيله وتتنه ، فذكر ذلك بعد ما خرجنا وصرنا في باب المسجد فبعثني إليها.

٢٤٤

فلما دخلت وقت العشاء إلى المقام فتناولت ذلك ، وجدت جمرة نار كبيرة تلهب في وسط المقام ، فخرجت مرعوبا منها فرآني خالي على هيئة الرعب ، فقال لي : ما بالك؟ فأخبرته بالجمرة ، فقاللي سنصل إلى مسجد الكوفة ، ونسأل العبد الصالح عنها ، فانه كثير التردد إلى هذا المقام ، ولا يخلو من أن يكون له علم بها.

فلما سأله خالي عنها قال : كثيرا ما رأيتها في خصوص مقام المهدي عليه‌السلام من بين المقامات والزوايا.

الحكاية السابعة عشرة

قال نضر الله وجهه : وأخبرني الشيخ باقر المزبور عن السيد جعفر ابن السيد الجليل السيد باقر القزويني الآتي ذكره ، قال : كنت أسير مع ابي إلى مسجد السهلة فلما قاربناها قلت له : هذه الكلمات التي أسمعها من الناس أن من جاء إلى مسجد السهلة في أربعين أربعاء فانه يرى المهدي عليه‌السلام ارى أنها لا اصل لها ، فالتفت إلي مغضبا وقال لي : ولم ذلك؟ لمحض أنك لم تره؟ أوكل شئ لم تره عيناك فلا أصل له؟ وأكثر من الكلام علي حتى ندمت على ما قلت.

ثم دخلنا معه المسجد ، وكان خاليا من الناس فلما قام في وسط المسجد ليصلي ركعتين للاستجارة اقبل رجل من ناحية مقام الحجة عليه‌السلام ومر بالسيد فسلم عليه وصافحه والتفت إلي السيد والدي وقال : فمن هذا؟ فقلت : أهو المهدي عليه‌السلام فقال : فمن؟ فركضت اطلبه فلم أجده في داخل المسجد ولا في خارجه.

الحكاية الثامنة عشرة

وقال اصلح الله باله : وأخبر الشيخ باقرالمزبور عن رجل صادق اللهجة كان حلاقا وله أب كبير مسن ، وهو لا يقصر في خدمته ، حتى أنه يحمل له الابريق إلى الخلاء ، ويقف ينتظره حتى يخرج فيأخذه منه ولا يفارق خدمته إلا ليلة



٢٤٥

الاربعاء فانه يمضي إلى مسجد السهلة ثم ترك الرواح إلى المسجد ، فسألته عن سبب ذلك ، فقال : خرجت أربعين أربعاء فلما كانت الاخيرة لم يتيسر لي أن أخرج إلى قريب المغرب فمشيت وحدي وصار الليل ، وبقيت أمشي حتى بقي ثلث الطريق ، وكانت الليلة مقمرة.

فرأيت أعرابيا على فرس قد قصدني فقلت في نفسي هذا سيسلبني ثيابي فلما انتهى الي كلمني بلسان البدو من العرب ، وسألني عن مقصدي ، فقلت : مسجد السهلة ، فقال : معك شئ من المأكول؟ فقلت : لا ، فقال : أدخل يدك في جيبك.

هذا نقل بالمعنى وأما اللفظ « دورك يدك لجيبك » فقلت : ليس فيه شئ فكرر علي القول بزجر حتى أدخلت يدي في جيبي ، فوجدت فيه زبيبا كنت اشتريته لطفل عندي ، ونسيته فبقي في جيبي.

ثم قال لي الاعرابي : أوصيك بالعود ، أوصيك بالعود ، أوصيك بالعود والعود في لسانهم اسم للاب المسن ، ثم غاب عن بصري فعلمت أنه المهدي عليه‌السلام وأنه لا يرضى بمفارقتي لابي حتى في ليلة الاربعاء فلم أعد.

الحكاية التاسعة عشرة

وقال أدام الله إكرامه : رأيت في رواية ما يدل على أنك إذا أردت أن تعرف ليلة القدر ، فاقرء « حم الدخان » كل ليلة في شهر رمضان مائة مرة إلى ليلة ثلاث وعشرين ، فعملت ذلك وبدأت في ليلة الثلاث والعشرين أقرء على حفظي بعد الفطور إلى أن خرجت إلى الحرم العلوي في أثناء الليل ، فلم أجد لي موضعا أستقر فيه إلا أن أجلس مقابلا للوجه ، مستديرا للقبلة ، بقرب الشمع المعلق لكثرة الناس في تلك الليلة.

فتربعت واستقبلت الشباك ، وبقيت أقرء « حم » فبينما أنا كذلك إذ وجدت إلى جنبي أعرابيا متربعا ايضا معتدل الظهر اسمر اللون حسن العينين والانف والوجه ، مهيبا جدا كأنه من شيوخ الاعراب إلا أنه شاب م ولا أذكر هل كان



٢٤٦

له لحية خفيفة أم لم تكن ، واظن الاول.

فجعلت في نفسي أقول : ما الذي أتى بهذا البدوي إلى هذا الموضع؟ و يجلس هذا الجلوس العجمي؟ وما حاجته في الحرم؟ وأين منزله في هذا الليل؟ أهو من شيوخ الخزاعة واضافه بعض الخدمة مثل الكليد دار أو نائبه ، وما بلغني خبره ، وما سمعت به.

ثم قلت في نفسي : لعله المهدي عليه‌السلام وجعلت أنظر في وجهه ، وهو يلتفت يمينا وشمالا إلى الزوار من غير إسراع في الالتفات ينافي الوقار ، وجلست امرأة قدامي لاصقة بظهرها ركبتي ، فنظرت إليه متبسما ليراها على هذه الحالة فيتبسم على حسب عادة الناس ، فنظر إليها وهو غير متبسم وإلي ورجع إلى النظر يمينا وشمالا فقلت : أسأله أنه أين منزله؟ أو من هو؟

فلما هممت بسؤاله انكمش فؤادي انكماشا تأذيت منه جدا ، وظننت أن وجهي اصفر من هذه الحالة ، وبقي الالم في فؤادي حتى قلت في نفسي : اللهم إني لا أسأله ، فدعني يا فؤادي وعد إلى السلامة من هذا الالم ، فاني قد أعرضت عما أردت من سؤاله ، وعزمت على السكوت ، فعند ذلك سكن فؤادي وعدت إلى التفكر في أمره.

وهممت مرة ثانية بالاستفسار منه ، وقلت : أي ضرر في ذلك؟ وما يمنعني من أن أسأله فانكمش فؤادي مرة ثانية عند ما هممت بسؤاله ، وبقيت متألما مصفرا حتى تأذيت ، وقلت : عزمت أن لا أسأله ولا أستفسر إلى أن سكن فؤادي ، وأنا أقرء لسانا وأنظر إلى وجهه وجماله وهيبته ، وأفكر فيه قلبا ، حتى أخذني الشوق إلى العزز مرة ثالثة على سؤاله ، فانكمش فؤادي وتأذيت في الغاية وعزمت عزما صادقا على ترك سؤاله ، ونصبت لنفسي طريقا إلى معرفته ، غير الكلام معه ، وهو أني لا أفارقه وأتبعه حيث قام ومشى حتى أنظر أين منزله إن كان من سائر الناس أو يغيب عن بصري إن كان الامام عليه‌السلام.

فأطال الجلوس على تلك الهيئة ، ولا فاصل بيني وبينه ، بل الظاهر أن ثيابي



٢٤٧

ملاصقة لثيابه وأحببت أن أعرف الوقت والساعة ، وأنا لا اسمع من كثرة أصوات الناس صوت ساعات الحرم ، فصار في مقابلي رجل عنده ساعة ، فقمت لاسأله عنها وخطوت خطوة ففاتني صاحب الساعة ، لتزاحم الناس ، فعدت بسرعة إلى موضعي ولعل إحدى رجلي لم تفارقه فلم أجد صاحبي وندمت على قيامي ندما عظيما وعاتبت نفسي عتابا شديدا.

الحكاية العشرون

قصة العابد الصالح التقي السيد محمد العاملي رحمه‌الله ابن السيد عباس سلمه الله [ آل العباس شرف الدين ] الساكن في قرية جشيث من قرى جبل عامل وكان من قصته أنه رحمه‌الله لكثرة تعدي الجور عليه خرج من وطنه خائفا هاربا مع شدة فقره ، وقلة بضاعته ، حتى أنه لم يكن عنده يوم خروجه إلا مقدارا لا يسوى قوت يومه ، وكان متعففا لا يسأل أحدا.

وساح في الارض برهة من دهره ، ورأى في أيام سياحته في نومه ويقظته عجائب كثيرة ، إلى أن انتهى أمره إلى مجاورة النجف الاشرف على مشرفها آلاف التحية والتحف ، وسكن في بعض الحجرات الفوقانية من الصحن المقدس وكان في شدة الفقر ، ولم يكن يعرفه بتلك الصفة إلا قليل وتوفي رحمه‌الله في النجف الاشرف ، بعد مضي خمس سنوات من يوم خروجه من قريته.

وكان أحيانا يراودني ، وكان كثير العفة والحياء يحضر عندي أيام إقامة التعزية ، وربما استعار مني بعض كتب الادعية لشدة ضيق معاشه ، حتى أن كثيرا ما لا يتمكن لقوته إلا [ على ] تميرات ، يواظب الادعية المأثورة لسعة الرزق حتى كأنه ما ترك شيئا من الاذكار المروية والادعية المأثورة.

واشتغل بعض أيامه على عرض حاجته على صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنان أربعين يوما وكان يكتب حاجته ، ويخرج كل يوم قبل طلوع الشمس من البلد من الباب الصغير الذي يخرج منه إلى بحر ، ويبعد عن طرف اليمين



٢٤٨

مقدار فرسخ أو أزيد ، بحيث لا يراه أحد ثم يضع عريضته في بندقة من الطين ويودعها أحد نوابه سلام الله عليه ، ويرميها في الماء للى أن مضى عليه ثمانية أو تسعة وثلاثون يوما.

فلما فعل ما يفعله كل يوم ورجع قال : كنت في غاية الملالة وضيق الخلق وأمشي مطرقا رأسي ، فالتفت فاذا أنا برجل كأنه لحق بي من ورائي وكان في زي العرب ، فسلم علي فرددت عليه‌السلام بأقل ما يرد ، وما التفت إليه لضيق خلقي فسايرني مقدارا وأنا على حالي ، فقال بلهجة أهل قريتي : سيد محمد ما حاجتك؟ يمضي عليك ثمانية أو تسعة وثلاثون يوما تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان الفلاني وترمي العريضة في الماء تظن أن إمامك ليس مطلعا على حاجتك؟.

قال : فتعجبت من ذلك لاني لم اطلع أحدا على شغلي ، ولا أحد رآني ، ولا أحد من أهل جبل عامل في المشهد الشريف لم أعرفه ، خصوصا أنه لابس الكفية والعقال وليس مرسوما في بلادنا ، فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الاقصى ، وفوزي بالنعمة العظمى ، وأنه الحجة على البرايا ، إمام العصر عجل الله تعالى فرجه.

وكنت سمعت قديما أن يده المباركة في النعومة بحيث لا يبلغها يد أحد من الناس ، فقلت في نفسي : أصافحه فان كان يده كما سمعت اصنع ما يحق بحضرته فمددت يدي وأنا على حالي لمصافحته ، فمد يده المباركة فصافحته ، فاذا يده كما سمعت ، فتيقنت الفوز والفلاح ، فرفعت رأسي ، ووجهت له وجهي ، وأردت تقبيل يده المباركة ، فلم أر أحدا.

قلت : ووالده السيد عباس حي إلى حال التأليف ، وهو من بني أعمام العالم الحبر الجليل ، والسيد المؤيد النبيل ، وحيد عصره ، وناموس دهره السيد صدرالدين العاملي المتوطن في إصبهان تلميذ العلامة الطباطبائي بحر العلوم أعلى الله مقامهما.

الحكاية الحادية والعشرون

وحدث السيد الصالح المتقدم ذكره ، قدس الله روحه : قال وردت المشهد المقدس الرضوي عليه الصلاة والسلام للزيارة ، وأقمت فيه مدة ، وكنت في ضنك



٢٤٩

وضيق مع وفور النعمة ، ورخص اسعارها ، ولما أردت الرجوع مع سار الزائرين لم يكن عندي شئ من الزاد حتى قرصة لقوت يومي ، فتخلفت عنهم ، وبقيت يومي إلى زوال الشمس فزرت مولاي وأديت فرض الصلاة فرأيت أني لولم ألحق بهم لا يتيسر لي الرفقة عن قريب وإن بقيت أدركتني الشتاء ومت من البرد.

فخرجت من الحرم المطهرمع ملالة الخاطر ، وقلت في نفسي : أمشي على أثرهم ، فان مت جوعا استرحت ، وإلا لحقت بهم ، فخرجت من البلد الشريف وسألت عن الطريق ، وصرت أمشي حتى غربت الشمس وما صادفت أحدا ، فعلمت أني أخطأت الطريق ، وأنا ببادية مهولة لا يرى فيها سوى الحنظل ، وقد أشرفت من الجوع والعطش على الهلاك ، فصرت أكسر حنظلة حنظلة لعلي أظفر من بينها بحبحب (١) حتى كسرت نحوا من خمسمائة ، فلم أظفر بها ، وطلبت الماء والكلاء حتى جنني الليل ، ويئست منهما ، فأيقنت الفناء واستسلمت للموت ، وبكيت على حالي.

فتراءى لي مكان مرتفع ، فصعدته فوجدت في أعلاها عينا من الماء فتعجبت وشكرت الله عزوجل وشربت الماء وقلت في نفسي : أتوضأ وضوء الصلاة وأصلي لئلا ينزل بي الموت وأنا مشغول الذمة بها ، فبادرت إليها.

فلما فرغت من العشاء الآخرة اظلم الليل وامتلا البيداء من اصوات السباع وغيرها وكنت أعرف من بينها صوت الاسد والذئب وأرى أعين بعضها تتوقد كأنها السراج ، فزادت وحشتي إلا أني كنت مستسلما للموت ، فأدركني النوم لكثرة التعب ، وما أفقت إلا والاصوات قد انخمدت ، والدنيا بنور القمر قد أضاءت ، وأنافي غاية الضعف ، فرأيت فارسا مقبلا علي فقلت في نفسي إنه يقتلني لانه يريد متاعي فلا يجد شيئا عندي فيغضب لذلك فيقتلني ، ولا أقل من أن تصيبني منه جراحة.

____________________

(١) الحبحب : البطيخ الشامي الذي تسميه أهل العراق : الرقى ، والفرس : الهندي. قاله الفيروز آبادي والظاهر أنه يشبه الحنظل من حيث الصورة.

٢٥٠

فلما وصل إلي سلم علي فرددت عليه‌السلام وطابت منه نفسي ، فقال : مالك؟ فأومأت إليه بضعفي ، فقال : عندك ثلاث بطيخات ، لم لا تأكل منها؟ فقلت : لا تستهزءني ودعني على حالي ، فقال لي : انظر إلى ورائك ، فنظرت فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات كبار ، فقال : سد جوعك بواحدة ، وخذ معك اثنتين ، وعليك بهذا الصراط المستقيم ، فامش عليه ، وكل نصف بطيخة أول النهار ، والنصف الآخر عند الزوال ، واحفظ بطيخة فانها تنفعك ، فاذا غربت الشمس ، تصل إلى خيمة سوداء ، يوصلك أهلها إلى القافلة ، وغاب عن بصري.

فقمت إلى تلك البطيخات ، فكسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة واللطافة كأني ما أكلت مثلها فأكلتها ، وأخذت معي الاثنتين ، ولزمت الطريق ، وجعلت أمشي حتى طلعت الشمس ، ومضى من طلوعها مقدار ساعة ، فكسرت واحدة منهما وأكلت نصفها وسرت إلى زوال الشمس ، فأكلت النصف الآخر وأخذت الطريق.

فلما الغروب بدت لي تلك الخيمة ، ورآني أهلها فبادروا إلي وأخذوني بعنف وشدة ، وذهبوا بي إلى الخيمة كأنهم زعموني جاسوسا ، وكنت لا أعرف التكلم إلا بلسان العرب ، ولا يعرفون لساني ، فأتوا بي إلى كبيرهم ، فقال لي بشدة وغضب : من أين جئت؟ تصدقني وإلا قتلتك فأفهمته بكل حيلة شرحا من حالي.

فقال : أيها السيد الكذاب لا يعبر من الطريق الذي تدعيه متنفس إلا تلف أو أكله السباع ، ثم إنك كيف قدرت على تلك المسافة البعيدة في الزمان الذي تذكره ومن هذا المكان إلى المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام اصدقني وإلا قتلتك ، وشهر سيفه في وجهي.

فبداله البطيخ من تحت عبائي فقال : ما هذا؟ فقصصت عليه قصته ، فقال الحاضرون : ليس في هذا الصحراء بطيخ خصوصا هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبدا فرجعوا إلى أنفسهم ، وتكلموا فيما بينهم ، وكأنهم علموا صدق مقالتي ، وأن هذه معجزة من الامام عليه آلاف التحية والثناء والسلام (١) فأقبلوا علي وقبلوا

____________________

(١) ويأتي في ذيل الحكاية الثالثة والخمسين دفع ما ربما يتوهم في هذه الحكاية وأمثالها من عدم وجود شاهد فيها على كون المستغاث هو الحجة عليه‌السلام ، منه رحمه‌الله.

٢٥١

يدي وصدروني في مجلسهم ، وأكرموني غاية الاكرام ، وأخذوا لباسي تبركا به وكسوني ألبسة جديدة فاخرة ، واضافوني يومين وليلتين.

فلما كان اليوم الثالث أعطوني عشرة توامين ، ووجهوا معي ثلاثة منهم حتى أدركت القافلة.

الحكاية الثانية والعشرون

السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين في ترجمة آية الله العلامة الحلي قدس‌سره أن من جملة مقاماته العالية ، أنه اشتهر عند أهل الايمان أن بعض علماء أهل السنة ممن تتلمذ (١) عليه العلامة في بعض الفنون ألف كتابا في رد الامامية ، ويقرء للناس في مجالسه ويضلهم ، وكان لا يعطيه أحدا خوفا من أن يرده أحد من الامامية ، فاحتال رحمه‌الله في تحصيل هذا الكتاب إلى أن جعل تتلمذه عليه وسيلة لاخذه الكتاب منه عارية ، فالتجأ الرجل واستحيى من رده وقال : إني آليت على نفسي أن لا أعطيه أحدا أزيد من ليلة ، فاغتنم الفرصة في هذا المقدار من الزمان ، فأخذه منه وأتى به إلى بيته لينقل منه ما تيسر منه.

فلما اشتغل بكتابته وانتصف الليل ، غلبه النوم ، فحضر الحجة عليه‌السلام وقال : ولني الكتاب وخذ في نومك فانتبه العلامة وقد تم الكتاب باعجازه عليه‌السلام (٢).

وظاهر عبارته يوهم أن الملاقاة والمكالمة كان في اليقظة وهو بعيد والظاهر أنه في المنام والله العالم.

____________________

(١) هذا هو الصحيح ، يقال : تلمذ له وتتلمذ : صار تلميذا له ، والتلميذ المتعلم والخادم ، وعن بعضهم هو الشخص الذي يسلم نفسه لمعلم ليعلمه صنعته سواء كانت علما أو غيره فيخدمه مدة حتى يتعلمها منه ، وأما ما في الاصل المطبوع « تلمذ » بتشديد الميم فهو من الاغلاط المشهورة.

(٢) ورأيت هذه الحكاية في مجموعة كبيرة ، من جمع الفاضل الالمعى على بن أبراهيم المازندراني وبخطه ، وكان معصاصرا للشيخ البهائي رحمه‌الله ، هكذا :



٢٥٢

الحكاية الثالثة والعشرون

في مجموعة نفيسة عندي كلها بخط العالم الجليل شمس الدين محمد ابن علي بن الحسن الجباعي جد شيخنا البهائي وهوالذي ينتهي نسخ الصحيفة الكاملة إلى الصحيفة التي كانت بخطه ، وكتبها من نسخة الشهيد الاول رحمه‌الله وقد نقل عنه عن تلك المجموعة وغيرها العلامة المجلسي كثيرا في البحار ، وربما عبر هو وغيره كالسيد نعمة الله الجزائري في أول شرح الصحيفة عنه بصاحب الكرامات ، ما لفظه :

قال السيد تاج الدين محمد بن معية الحسني أحسن الله إليه حدثني والدي القاسم بن الحسن بن معية الحسني تجاوز الله عن سيئاته أن المعمر بن غوث السنبسي ورد إلى الحلة مرتين إحداهما قديمة لا أحقق تاريخها والاخرى قبل فتح بغداد بسنتين قال والدي : وكنت حينئذ ابن ثمان سنوات ، ونزل على الفقيه مفيد الدين ابن جهم ، وتردد إليه الناس ، وزاره خالي السعيد تاج الدين بن معية ، وأنا

____________________

الشيخ الجليل جمال الدين الحلي ، كان علامة الزمان إلى أن قال : وقد قبل : انه كان يطلب من بعض الافاضل كتابا لينتسخه ، وهو كان يأبى عليه ، وكان كتابا كبيرا جدا ، فاتفق أن أخذه منه شرطا : بأن لا يبقى عنده غير ليلة واحدة ، وهذا كتاب لا يمكن نسخه الا في سنة أو أكثر.

فآلى به الشيخ رحمه‌الله ، وشرع في كتابته في تلك فكتب منه صفحات ومله واذا برجل دخل عليه من الباب بصفة أهل الحجاز ، فسلم وجلس ، ثم قال : أيها الشيخ أنت مصطر لى الاوراق وأنا أكتب.

فكان الشيخ يمصطر له الورق وذلك الرجل يكتب وكان لا يلحق المصطر بسرعة كتابته فلما نقر ديك الصباح وصاح ، واذا الكتاب بأسره مكتوب تماما.

وقد قيل : ان الشيخ لمامل الكتابة نام فانتبه فرأى الكتاب مكتوبا ، والله أعلم منه رحمه‌الله.

٢٥٣

معه طفل ابن ثمان سنوات ، ورأيته وكان شخصا طوالا من الرجال ، يعد في الكهول وكان ذراعه كأنه الخشبة المجلدة ، ويركب الخيل العتاق ، وأقام أياما بالحلة وكان يحكي أنه كان أحد غلمان الامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام وأنه شاهد ولادة القائم عليه‌السلام.

قال والدي رحمه‌الله : وسمعت الشيخ مفيد [ الدين ] بن جهم يحكي بعد مفارقته وسفره عن الحلة أنه قال : أخبرنا بسر لا يمكننا الآن إشاعته ، وكانوا يقولون إنه أخبره بزوال ملك بني العباس ، فلما مضى لذلك سنتان أو ما يقاربهما أخذت بغداد وقتل المستعصم ، وانقرض ملك بني العباس ، فسبحان من له الدوام والبقاء.

وكتب ذلك محمد بن علي الجباعي من خط السيد تاج الدين يوم الثلثاء في شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة.

ونقل قبل هذه الحكاية عن المعمر خبرين (١) هكذا من خط ابن معية ويرفع الاسناد عن المعمر بن غوث السنبسي ، عن أبي الحسن الداعي بن نوفل السلمي قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن الله خلق خلقا من رحمته لرحمته برحمته وهم الذين يقضون الحوائج للناس ، فمن استطاع منكم أن يكون منهم فليكن.

وبالاسناد عن المعمر بن غوث السنبسي ، عن الامام الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام أنه قال : أحسن ظنك ولو بحجر يطرح الله شره فيه فتتناول حظك منه فقلت : أيدك الله ، حتى بحجر؟ قال : أفلا ترى حجر الاسود.

قلت : أما الولد فهو القاضي السيد النسابة تاج الدين أبوعبدالله محمد بن القاسم عظيم الشأن جليل القدر ، استجاز منه الشهيد الاول لنفسه ولولديه محمد

____________________

(١) وروى هذين الخبرين الشيخ الفاضل ابن أبي جمهور الاحسائي في أول كتاب غوالي اللئالى مسندا عن شيخ الفقهاء أبي القاسم جعفر بن سعد المحقق رحمه‌الله عن مفيد [ الدين ] ابن جهم المذكور عن المعمر بن غوث السنبسي عن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام مثله وهذا مما يشبهه بصحة الحكاية المذكورة ، مع أن سندها في أعلا درجات الصحة ، منه رحمه‌الله.

٢٥٤

وعلي ، ولبنته ست المشايخ (١) وأما والده فهو السيد جلال الدين أبوجعفر القاسم بن الحسن بن محمد بن الحسن بن معية بن سعيد الديباجي الحسني الفقية الفاضل العالم الجليل عظيم الشأن تلميذ عميد الرؤساء وابن السكون ، ومعاصر العلامة والراوي للصحيفة الشريفة الكاملة عنهما عن السيد بهاء الشرف المذكور في أول الصحيفة كما تبين في محله ، وأما ابن جهم فهو الشيخ الفقيه محمد بن هم ، وهوالذي لما سأل الخاجة نصير الدين عن المحقق أعلم تلامذته في الاصوليين ، أشار إليه وإلى سديد الدين والد العلامة.

الحكاية الرابعة والعشرون

العالم الجليل الشيخ يوسف البحريني في اللؤلؤة في ترجمة العالم الشيخ إبراهيم القطيفي المعاصر للمحقق الثاني ، عن بعض أهل البحرين أن هذا الشيخ دخل عليه الامام الحجة عليه‌السلام في صورة رجل يعرفه الشيخ فساله اي الآيات من القرآن في المواعظ اعظم؟ فقال الشيخ « إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم لنه بما تعملون بصير » (٢) فقال : صدقت يا شيخ ثم خرج منه ، فسأل أهل البيت : خرج فلان؟ فقالوا : ما رأينا أحدا داخلا ولا خارجا.

الحكاية الخامسة والعشرون

[ قال ] السيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين ما معناه : إنه وجد هذه الابيات بخط صاحب الامر عليه‌السلام مكتوبا على قبر الشيخ المفيد رحمه‌الله :

لا صوت الناعي بفقدك إنه

يوم على آل الرسول عظيم

لن كنت قد غيبت في جدث الثرى

فالعدل والتوحيد فيك مقيم

والقائم المهدي يفرح كلما

تليت عليك من الدروس علوم

____________________

(١) مخفف « سيدة المشايخ ».

(٢) فصلت : ٤٠.

٢٥٥

الحكاية السادسة والعشرون

في الصراط المستقيم للشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي قال مؤلف هذا الكتاب علي بن محمد بن يونس : خرجت مع جماعة تزيد على أربعين رجلا إلى زيارة القاسم بن موسى الكاظم عليه‌السلام (١) فكنا عن حضرته نحو ميل من الارض فرأينا فارسا معترضا فظنناه يريد أخذ ما معنا فخبينا ما خفنا عليه.

فلما وصلنا ، رأينا آثار فرسه ولم نره ، فنظرنا ما حول القبلة ، فلم نر أحدا فتعجبنا من ذلك مع استواء الارض ، وحضور الشمس ، وعدم المانع ، فلا يمتنع أن يكون هو الامام عليه‌السلام أو أحد الابدال.

قلت : وهذا الشيخ جليل القدر عظيم الشأن ، صاحب المصنفات الرائقة ، وصفه الشيخ إبراهيم الكفعمي في بعض كلماته في ذكر الكتب التي ينقل عنها بقوله : ومن ذلك « زبدة البيان وإنسان الانسان المنتزع من مجمع البيان » جمع الامام العلامة

____________________

(١) هذا القاسم عظيم القدر ، جليل الشأن : روى الكليني في الكافي في باب الاشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ( راجع ج ١ ص ٣١٤ ) بسند معتبر عن أبي ابراهيم عليه‌السلام في خبر طويل أنه قال لزيد بن سليط : أخبرك يابا عمارة اني خرجت من منزلى فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بني في الظاهر وأوصيته في الباطن [ فأفردته وحده ] ولو كان الامر إلى لجعلته في القاسم ابني لحبى اياه ورأفتى عليه ، ولكن ذلك إلى الله عزوجل يجعله حيث يشاء.

وقال السيد الجليل على بن طاوس في مصباح الزائر : ذكر زيارة ابرار أولاد الائمة عليهم‌السلام ، اذا أردت زيارة أحد منهم كالقاسم بن الكاظم والعباس بن أمير المؤمنين أو علي بن الحسين المقتول بالطف عليهم‌السلام ومن جرى في الحكم مجراهم ، تقف على المزور الخ.

ومن الاخبار المشهورة وان لم نعثر على مأخذها ما روى عن الرضا عليه‌السلام أنه قال ما معناه : من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم بحلة ، والله العالم ، منه رحمه‌الله.

٢٥٦

فريد الدهر ، ووحيد العصر ، مهبط أنوار الجبروت ، وفاتح اسرار الملكوت خلاصة الماء والطين ، جامع كمالات المتقدمين والمتأخرين ، بقية الحجج على العالمين ، الشيخ زين الملة والحق والدين ، علي بن يونس لا أخلى الله الزمان من أنوار شموسه ، وإيضاح براهينه ودروسه بمحمد وآله عليهم‌السلام.

الحكاية السابعة والعشرون

حدثني مشافهة العالم العامل فخر الاواخر وذخر الاوائل ، شمس فلك الزهد والتقى وحاوي درجات السداد والهدى ، الفقيه المؤيد النبيل ، شيخنا الاجل الحاج المولى علي بن الحاج ميرزا خليل الطهراني المتوطن في الغري حيا وميتا وكان يزور ائمة سامراء في أغلب السنين ، ويأنس بالسرداب المغيب ويستمد فيه الفيوضات ويعتقد فيه رجاء نيل المكرمات.

وكان يقول : إني ما زرت مرة إلا ورأيت كرامة ونلت مكرمة ، وكان يستر ما رآه غير أنه ذكر لي وسمعه عنه غيري أني كثير أما وصلت إلى باب السرداب الشريف في جوف الليل المظلم ، وحين هدوء من الناس ، فأرى عند الباب قبل النزول من الدرج نورا يشرق من سرداب الغيبة على جدران الدهليز الاول ، ويتحرك من موضع إلى آخر ، كأن بيد أحد هناك شمعة مضيئة ، وهو ينتقل من مكان إلى آخر فيتحرك النور هنا بحركته ، ثم أنزل وأدخل في السرداب الشريف فما أجد أحدا ولا أرى سراجا.

الحكاية الثامنة والعشرون

حدثني السيد الثقة التقي الصالح السيد مرتضى النجفي رحمه‌الله وقد ادرك الشيخ شيخ الفقهاء وعمادهم الشيخ جعفر النجفي وكان معروفا عند علماء العراق بالصلاح والسداد ، وصاحبته سنين سفرا وحضرا فما وقفت منه على عثرة في الدين قال : كنا في مسجد الكوفة مع جماعة فيهم أحد من العلماء المعروفين



٢٥٧

المبرزين في المشهد الغروي ، وقد سألته عن اسمه غير مرة فما كشف عنه ، لكونه محل هتك الستر ، وإذاعة السر.

قال : ولما حضرت وقت صلاة المغرب جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة والجماعة في تهيئة الصلاة بين جالس عنده ، ومؤذن ومتطهر ، وكان في ذلك الوقت في داخل الموضع المعروف بالتنور ماء قليل من قناة خربة وقد رأينا مجراها عند عمارة مقبرة هانئ بن عروة ، والدرج التي تنزل إليه ضيقة مخروبة ، لا تسع غير واحد.

فجئت إليه وأردت النزول ، فرأيت شخصا جليلا على هيئة الاعراب قاعدا عند الماء يتوضأ وهو في غاية من السكينة والوقار والطمأنينة ، وكنت مستعجلا لخوف عدم إدراك الجماعة فوقفت قليلا فرأيته كالجبل لا يحركه شئ ، فقلت : وقد أقيمت الصلاة ما معناه لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ؟ أردت بذلك تعجيله فقال : لا ، قلت : ولم؟ قال : لانه الشيخ الدخني ، فما فهمت مراده ، فوقفت حتى أتم وضوءه ، فصعد وذهب ونزلت وتوضأت وصليت ، فلما قضيت الصلاة وانتشر الناس وقد ملا قلبي وعيني هيئته وسكونه وكلامه ، فذكرت للشيخ ما رأيت وسمعت منه فتغيرت حاله وألوانه ، وصار متفكرا مهموما فقال : قد أدركت الحجة عليه‌السلام وما عرفته ، وقد أخبر عن شئ ما اطلع عليه إلا الله تعالى.

اعلم أني زرعت الدخنة (١) في هذه السنة في الرحبة وهي موضع في طرف الغربي من بحيرة الكوفة ، محل خوف وخطر من جهة أعراب البادية المترددين إليه ، فلما قمت إلى الصلاة ودخلت فيها ذهب فكري إلى زرع الدخنة وأهمني أمره ، فصرت أتفكر فيه وفي آفاته.

هذا خلاصة ما سمعته منه رحمه‌الله قبل هذا التاريخ بأزيد من عشرين سنة وأستغفر الله من الزيادة والنقصان في بعض كلماته.

____________________

(١) الدخن بالضم حب الجاورس ، أو حب أصغر منه أملس جدا بارد يابس حابس للطبع.

٢٥٨

الحكاية التاسعة والعشرون

في كتاب نور العيون تأليف الفاضل الخبير الالمعي السيد محمد شريف الحسيني الاصبهاني عن أستاذه العالم الصالح الزاهد الورع الآميرزا محمد تقي بن الآميرزا محمد كاظم بن الآميرزا عزيز الله ابن المولى محمد تقي المجلسي الملقب بالالماسي وهو من العلماء الزاهدين وكان بصيرا في الفقه والحديث والرجال ، وقد ذكر ناشرح حاله في رسالة الفيض القدسي في ذكر أحوال العلامة المجلسي رضوان الله عليه.

قال في رسالة له في ذكر من رآه عليه‌السلام في الغيبة الكبرى : حدثني بعض اصحابنا عن رجل صالح من أهل بغداد وهو حي إلى هذا الوقت أي سنة ست وثلاثين بعد المائة والالف ، قال : إني كنت قد سافرت في بعض السنين مع جماعة ، فركبنا السفينة وسرنا في البحر ، فاتفق أنه انكسرت سفينتنا ، وغرق جميع من فيها وتعلقت أنا بلوح مكسور فألقاني البحر بعد مدة إلى جزيرة ، فسرت في أطراف الجزيرة ، فوصلت بعد اليأس من الحياة بصحراء فيها جبل عظيم.

فلما وصلت إليه رأيته محيطا بالبحر إلا طرفا منه يتصل بالصحراء واستشممت منه رائحة الفواكه ، ففرحت وزاد شوقي ، وصعدت قدرا من الجبل حتى إذابلغت إلى وسطه في موضع أملس مقدار عشرين ذراعا لا يمكن الاجتياز منه أبدا ، فتحيرت في أمري فصرت أتفكر في أمري فاذا أنا بحية عظيمة كالاشجار العظيمة تستقبلني في غاية السرعة ، ففرت منها منهزم مستغيثا بالله تبارك وتعالى في النجاة من شرها كما نجاني من الغرق.

فاذا أنا بحيوان شبه الارنب قصد الحية مسرعا من أعلى الجبل حتى وصل إلى ذنبها فصعد منه حتى إذا وصل رأس الحية إلى ذلك الحجر الاملس وبقي ذنبه فوق الحجر ، وصل الحيوان إلى رأسهاوأخرج من فمه حمة (١) مقدار أصبع فأدخلها

____________________

(١) الحمة وزان ثبة الابرة يضرب بها الزنبور والحية ونحو ذلك أو يلدغ بها وتأوها عوض عن اللام المحذوفة لان أصلها حمو ، أو حمى.

٢٥٩

في رأسها ثم نزعها وادخلها في موضع آخر منها وولى مدبرا فماتت الحية في مكانها من وقتها ، وحدث فيها عفونة كادت نفسي أن تطلع من رائحتها الكريهة فما كان باسرع من أن ذاب لحمها ، وسال في البحر ، وبقي عظامها كسلم ثابت في الارض يمكن الصعود منه.

فتفكرت في نفسي ، وقلت : إن بقيت هنا أموت من الجوع فتوكلت على الله في ذلك ، وصعدت منها حتى علوت الجبل ، وسرت من طرف قبلة الجبل فاذا أنا بحديقة بالغة حد الغاية في الغضارة والنضارة والطراوة والعمارة فسرت حتى دخلتها وإذا فيها أشجار مثمرة كثيرة ، وبناء عال مشتمل على بيوتات ، وغرف كثيرة في وسطها.

فأكلت من تلك الفواكه ، واختفيت في بعض الغرف وأنا أتفرج الحديقة واطرافها فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البر قاصدي الحديقة ، يقدمهم رجل ذوبهاء وجمال وجلال ، وغاية من المهابة ، يعلم من ذلك أنه سيدهم ، فدخلوا الحديقة ، ونزلوا من خيولهم وخلوا سبيلها ، وتوسطوا القصر فتصدر السيد وجلس الباقون متأدبين حوله.

ثم أحضروا الطعام ، فقال لهم ذلك السيد : إن لنا في هذا اليوم ضيفا في الغرفة الفلانية ولا بد من دعوته إلى الطعام فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت : اعفني من ذلك ، فأخبر السيد بذلك ، فقال : اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله ، فلما فرغنا من الطعام ، أمر باحضاري وسألني عن قصتي ، فحكيت له القصة ، فقال : أتحب أن ترجع إلى أهلك؟ قلت : نعم ، فأقبل على واحد منهم ، وأمره بايصالي إلى أهلي ، فخرجت أنا وذلك الرجل من عنده.

فلما سرنا قليلا قال لي الرجل : انظر فهذا سور بغداد! فنظرت إذا أنا بسوره وغاب عني الرجل ، فتفطنت من ساعتي هذه ، وعلمت أني لقيت سيدي ومولاي عليه‌السلام ، ومن سوء حظي حرمت من هذا الفيض العظيم ، فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة.

٢٦٠