بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بأن للمهدي صلوات الله عليه أولاد جماعة ولاة في أطراف بلاد البحر ، على غاية عظيمة من صفات الابرار ، والظاهر ، بل المقطوع أنه إشارة إلى هذه الرواية.

والله العالم.

ورواه أيضا السيد الجليل علي بن عبدالحميد النيلي في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان ، عن الشيخ الاجل الامجد الحافظ حجة الاسلام سعيد الدين رضي البغدادي ، عن الشيخ الاجل خطير الدين حمزة بن الحارث بمدينة السلاخ الخ.

ورواه المحدث الجزائري في الانوار عن المولى الفاضل الملقب بالرضا علي بن فتح الله الكاشاني قال : روى الشريف الزاهد.

الحكاية الرابعة

قال آية الله العلامة الحلي رحمه‌الله : في آخر منهاج الصلاح في دعاء العبرات : الدعاء المعروف وهو مروي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام وله من جهة السيد السعيد رضي الدين محمد بن محمد بن محمد الآوي قدس الله روحه حكاية معروفة بخط بعض الفضلاء ، في هامش ذلك الموضع ، روى المولى السعيد فخر الدين محمد بن الشيخ الاجل جمال الدين ، عن والده ، عن جده الفقيه يوسف ، عن السيد الرضي المذكور أنه كان مأخوذا عند أمير من أمراء السلطان جرماغون ، مدة طويلة ، مع شدة وضيق فرأى في نومه الخلف الصالح المنتظر ، فبكى وقال : يا مولاي اشفع في خلاصي من هؤلاء الظلمة.

فقال عليه‌السلام : أدع بدعاء العبرات ، فقال : ما دعاء العبرات؟ فقال عليه‌السلام : إنه في مصباحك ، فقال : يا مولاي ما في مصباحي؟ فقال عليه‌السلام : أنظره تجده فانتبه من منامه وصلى الصبح ، وفتح المصباح ، فلقي ورقة مكتوبة فيها هذا الدعاء بين أوراق الكتاب ، فدعا أربعين مرة.

وكان لهذا الامير امرءتان إحداهما عاقلة مدبرة في أموره ، وهو كثير

٢٢١

الاعتماد عليها.

فجاء الامير في نوبتها ، فقالت له : أخذت أحدا من أولاد أمير المؤمنين علي عليه‌السلام؟ فقال لها : لم تسألين عن ذلك؟ فقالت : رأيت شخصا وكأن نور الشمس يتلا لؤمن وجهه ، فأخذ بحلقي بين أصبعيه ، ثم قال : أرى بعلك اخذ ولدي ، ويضيق عليه من المعطم والمشرب.

فقلت له : يا سيدي من أنت؟ قال : أناعلي بن أبي طالب ، قولي له : إن لم يخل عنه لاخربن بيته.

فشاع هذا النوم للسلطان فقال : ما أعلم ذلك ، وطلب نوابه ، فقال : من عندكم مأخوذ؟ فقالوا : الشيخ العلوي أمرت بأخذه ، فقال : خلوا سبيله ، وأعطوه فرسا يركبها ودلوه على الطريق فمضى إلى بيته انتهى.

وقال السيد الاجل علي بن طاوس في آخر مهج الدعوات : ومن ذلك ما حدثني به صديقي والمواخي لي محمد بن محمد القاضي الآوي ضاعف الله جل جلاله سعادته ، وشرف خاتمته ، وذكر له حديثا عجيبا وسببا غريبا ، وهو أنه كان قد حدث له حادثة فوجد هذا الدعاء في أوراق لم يجعله فيها بين كتبه ، فنسخ منه نسخة فلما نسخه فقد الاصل الذي كان قد وجده إلى أن ذكر الدعاء وذكر له نسخة أخرى من طريق آخر تخالفه.

ونحن نذكر النسخة الاولى تيمنا بلفظ السيد ، فان بين ما ذكره ونقل العلامة أيضا اختلافا شديدا وهي :

بسم الله الرحمان الرحيم اللهم إني أسألك يا راحم العبرات ، ويا كاشف الكربات أنت الذي تقشع سحائب المحن ، وقد أمست ثقالا ، وتجلو ضباب الاحن وقد سحبت أذيالا ، وتجعل زرعتها هشيما ، وعظامها رميما ، وترد المغلوب غالبا والمطلوب طالبا إلهي فكم من عبدناداك « إني مغلوب فانتصر » ففتحت له من نصرك أبواب السماء بماء منهمر ، وفجرت له من عونك عيونا فالتقى ماء فرجه على امر قد قدر ، وحملته من كفايتك على ذات ألواح ودسر.

٢٢٢

يا رب إني مغلوب فانتصر ، يا رب إني مغلوب فانتصر ، يا رب إني مغلوب فانتصر ، فصل على محمد وآل محمد وافتح لي من نصرك أبواب السماء بماء منهمر ، وفجر لي من عونك عيونا ليلتقي ماء فرجي على أمر قد قدر ، واحملني يا رب من كفايتك على ذات ألواح ودسر.

يا من إذا ولج العبد ففي ليل من حيرته يهيم ، فلم يجد له صريخا يصرخه من ولي ولا حميم ، صل على محمد وآل محمد ، وجد يا رب من معونتك صريخا معينا ووليا يطلبه حثيثا ، ينجيه من ضيق أمره وحرجه ، ويظهر له المهم من أعلام فرجه.

اللهم فامن قدرته قاهرة ، وآياته باهرة ، ونقماته قاصمة ، لكل جبار دامغة فكل كفور ختار ، صل يا رب على محمد وآل محمد وانظر إلي يا رب نظرة من نظراتك رحيمة ، تجلو بها عني ظلمة واقفة مقيمة ، من عاهة جفت منها الضروع وقلفت (١) منها الزروع ، واشتمل بها على القلوب اليأس ، وجرت بسببها الانفاس.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وحفظا حفظا لغرائس غرستها يد الرحمان وشربها من ماء الحيوان ، أن تكون بيد الشيطان تجز ، وبفأسه تقطع وتحز.

إلهي من أولى منك أن يكون عن حماك حارسا ومانعا إلهي إن الامر قد هال فهونه ، وخشن فألنه ، وان القلوب كاعت فطنها والنفوس ارتاعت فسكنها إلهي تدارك اقداما قد زلت ، وأفهاما في مهامه الحيرة ضلت ، أجحف الضر بالمضرور ، في داعية الويل والثبور ، فهل يحسن من فضلك أن تجعله فريسة للبلاء وهولك راج؟ أم هل يحمل من عدلك أن يخوض لجة الغماء ، وهو إليك لاج.

مولاي لئن كنت لا أشق على نفسي في التقى ، ولا أبلغ في حمل أعباء الطاعة مبلغ الرضا ، ولا أنتظم في سلك قوم رفضوا الدنيا ، فهم خمص البطون عمش العيون من البكاء ، بل أتيتك يا رب بضعف من العمل ، وظهر ثقيل بالخطاء والزلل ، ونفس للراحة معتادة ، ولدواعي التسويف منقادة ، أما يكفيك يا رب وسيلة إليك وذريعة لديك أني لاوليائك موال ، وفي محبتك مغال ، أما يكفيني أن أروح فيهم

____________________

(١) يريد أنها يبست حتى تقشر لحاؤها وانتشر عنها.

٢٢٣

مظلوما ، وأغدو مكظوما ، وأقضي بعد هموم هموما ، وبعد رجوم رجوما؟.

أما عندك يا رب بهذه حرمة لا تضيع ، وذمة بأدناها يقتنع ، فلم يمنعني يا رب وها أنا ذا غريق ، وتدعني بنار عدوك حريق ، أتجعل أولياءك لاعدائك مصائد ، وتقلدهم من خسفهم قلائد ، وأنت مالك نفوسهم ، لو قبضتها جمدوا ، وفي قبضتك مواد أنفاسهم ، لو قطعتها خمدوا.

وما يمنعك يا رب أن تكف بأسهم ، وتنزع عنهم من حفظك لباسهم ، وتعريهم من سلامة بها في أرضك يسرحون ، وفي ميدان البغي على عبادك يمرحون.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأدركني ولما يدركني الغرق ، وتداركني ولما غيب شمسي للشفق.

إلهي كم من خائف التجأ إلى سلطان فآب عنه محفوفا بأمن وأمان ، أفأقصد يا رب بأعظم من سلطانك سلطانا؟ أم أوسع من إحسانك إحسانا؟ أم أكثر من اقتدارك اقتدارا؟ أم أكرم من انتصارك انتصارا.

اللهم أين كفايتك التي هي نصرة المستغيثين من الانام ، وأين عنايتك التي هي جنة المستهدفين لجور الايام ، إلي إلي بها ، يا رب! نجني من القوم الظالمين إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.

مولاي ترى تحيري في أمري ، وتقلبي في ضري ، وانطواي على حرقة قلبي وحرارة صدري ، فصل يا رب على محمد وآل محمد ، وجدلي يا رب بما أنت أهله فرجا ومخرجا ، ويسر لي يا رب نحو اليسرى منهجا ، واجعل لي يا رب من نصب حبالا لي ليصرعني بها صريع ما مكره ، ومن حفر لي البئر ليوقعني فيها واقعا فيما حفره ، واصرف اللهم عني شره ومكره ، وفساده وضره ، ما تصرفه عمن قاد نفسه لدين الديان ، ومناد ينادي للايمان.

إلهي عبدك عبدك ، أجب دعوته ، وضعيفك ضعيفك فرج غمته ، فقد انقطع كل حبل إلا حبلك ، وتقلص كل ظل إلا ظلك.

مولاي دعوتي هذه إن رددتها أين تصادف موضع الاجابة ، ويجعلني إن

٢٢٤

كذبتها أين تلاقي موضع الاجابة ، فلا ترد عن بابك من لا يعرف غيره بابا ، ولا يمتنع دون جنابك من لا يعرف سواه جنابا.

ويسجد ويقول : إلهي إن وجها إليك برغبته توه ، فالراغب خليق بأن تجيبه ، وإن جبينا لك بابتهاله سجد ، حقيق أن يبلغ ما قصد ، وإن خدا إليك بمسألته يعفر ، جدير بأن يفوز بمراده ويظفر ، وها أنا ذا يا إلهي قد ترى تعفير خدي ، وابتهالي واجتهادي في مسألتك وجدي ، فتلق يا رب رغباتي برأفتك قبولا وسهل إلي طلباتي برأفتك وصولا ، وذلل لي قطوف ثمراة إجابتك تذليلا.

إلهي لا ركن أشد منك فآوي إلى ركن شديد ، وقد أويت إليك وعولت في قضاء حوائجي عليك ، ولا قول اسد من دعائك ، فأستظهر بقول سديد ، وقد دعوتتك كما أمرت ، فاستجب لي بفضلك كما وعدت ، فهل بقي يا رب إلا أن تجيب ، وترحم مني البكاء والنحيب ، يا من لا إله سواه ، ويا من يجيب المضطر إذا دعاه.

رب انصرني على القوم الظالمين ، وافتح لي وأنت خير الفاتحين ، والطف بي يا رب وبجميع المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين.

الحكاية الخامسة

في كتاب الكلم الطيب والغيث الصيب للسيد الايد المتبحر السيد علي خان شارح الصحيفة ما لفظه : رأيت بخط بعض اصحابي من السادات الاجلاء الصلحاء الثقات ما صورته :

سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف ، الاخ العالم العامل ، جامع الكمالات الانسية ، والصفات القدسية ، الامير إسماعيل بن حسين بيك بن علي بن سليمان الحائري الانصاري أنار الله تعالى برهانه يقول : سمعت الشيخ الصالح التقي المتورع الشيخ الحاج عليا المكي قال : إني ابتليت بضيق وشدة ومناقضة خصوم ، حتى خفت على نفسي القتل والهلاك ، فوجدت الدعاء المسطور بعد في جيبي من غير أن



٢٢٥

يعطينيه أحد ، فتعجبت من ذلك ، وكنت متحيرا فرأيت في المنام أن قائلا في زي الصلحاء والزهاد يقول لي : لنا أعطيناك الدعاء الفلاني فادع به تنج من الضيق والشدة ولم يتبين لي من القائل؟ فزاد تعجبي فرأيت مرة أخرى الحجة المنتظر عليه‌السلام فقال : ادع بالدعاء الذي أعطيتكه ، وعلم من أردت.

قال : وقد جربته مرارا عديدة ، فرأيت فرجا قريبا ، وبعد مدة ضاع مني الدعاء برهة من الزمان ، وكنت متأسفا على فواته ، مستغفرا من سوء العمل ، فجاءني شخص وقال لي : إن هذا الدعاء قد سقط منك في المكان الفلاني وما كان في بالي أن رحت إلى ذلك المكان ، ، فأخذت الدعاء ، وسجدت لله شكرا وهو : بسم الله الرحمن الرحيم رب أسألك مددا روحانيا تقوي به قوى الكلية والجزئية ، حتى أقهر عبادي! نفسي كل نفس قاهرة ، فتنقبض لي إشارة رقائقها انقباضا تسقط به قواها حتى لا يبقى في الكون ذو روح إلا ونار قهري قد أحرقت ظهوره ، يا شديد شديد ، يا ذا البطش الشديد ، يا قهار ، أسألك بما أودعته عزرائيل من أسمائك القهرية ، فانفعلت له النفوس بالقهر ، أن تودعني هذا السر في هذه الساعة حتى ألين به كل صعب ، وأذلل به كل منيع ، بقوتك يا ذا القوة المتين.

تقرأ ذلك سحرا ثلاثا إن أمكن ، وفي الصبح ثلاثا وفي المساء ثلاثا ، فإذا اشتدت الامر على من يقرأه يقول بعد قراءته ثلارثين مرة : يا رحمن يا رحيم يا ارحم الراحمين ، أسألك اللطف بما جرت به المقادير.

الحكاية السادسة

الشيخ إبراهيم الكفعمي في كتاب البلد الامين عن المهدي صلى الله عليه وسلم : من كتب هذا الدعاء في إناء جديد ، بتربة الحسين عليه‌السلام وغسله وشربه ، شفي من علته.

بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله دواء ، والحمد لله شفاء. ولا إله إلا الله كفاء



٢٢٦

هو الشافي شفاء ، وهو الكافي كفاء ، اذهب البأس برب النسا شفاء لا يغادره سقم وصلى الله على محمد وآله النجباء.

ورأيت بخط السيد زين الدين علي بن الحسين الحسيني رحمه‌الله أن هذا الدعاء تعلمه رجل كان مجاورا بالحائر على مشرفه السلام [ عن ] المهدي سلام الله عليه في منامه ، وكان به علة فشكاها إلى القائم عجل الله فرجه ، فأمره بكتابته وغسله وشربه ، ففعل ذلك فبرأ في الحال.

الحكاية السابعة

السيد الجليل علي بن طاوس في مهج الدعوات : وجدت في مجلد عتيق ذكر كاتبه أن اسمه الحسين بن علي بن هند ، وأنه كتب في شوال سنة ست وتسعين وثلاث مائة دعاء العلوي المصري بما هذا لفظ إسناده :

دعاء علمه سيدنا المؤمل صلوات الله عليه رجلا من شيعته وأهله في المنام وكان مظلوما ففرج الله عنه ، وقتل عدوه.

حدثني أبوعلي أحمد بن محمد بن الحسين ، وإسحاق بن جعفر بن محمد العلوي العريضي بحران ، قال : حدثني محمد بن علي العلوي الحسيني ، وكان يسكن بمصر قال : دهمني أمر عظيم ، وهم شديد ، من قبل صاحب مصر ، فخشيته على نفسي وكان سعى بي إلى أحمد بن طولون ، فخرجت من مصر حاجا فصرت من الحجاز للى العراق ، فقصدت مشهد مولانا وأبي : الحسين بن علي عليهما‌السلام عائذا به ، ولائذا بقبره ، ومستجيرا به ، من سطوة من كنت أخافه ، فأقمت بالحائر خمسة عشر يوما ادعو وأتضرع ليلي ونهاري فتراءى لي قيم الزمان عليه‌السلام وولي الرحمن ، وأنابين النائم واليقظان ، فقال لي : يقول لك الحسسين بن علي عليهما‌السلام يا بني خفت فلانا؟ فقلت : نعم أراد هلاكي ، فلجأت إلى سيدي عليه‌السلام أشكو إليه عظيم ما أراد بي.

فقال عليه‌السلام : هلا دعوت الله ربك عزوجل ورب آبائك بالادعية التي دعا بها من سلف من الانبياء عليهم‌السلام فقد كانوا في شدة فكشف الله عنهم ذلك ، قلت :



٢٢٧

وماذا أدعوه فقال عليه‌السلام : إذا كان ليلة الجمعة ، فاغتسل وصل صلاة الليل فإذا سجدت سجدة الشكر ، دعوت بهذا الدعاء ، وأنت بارك على ركبتك ، فذكر لي دعاء ، قال : ورأيته في مثل ذلك الوقت ، يأتيني وأنا بين النائم واليقظان ، قال : وكان يأتيني خمس ليال متواليات يكرر علي هذا القول والدعاء حتى حفظته وانقطع مجيئه ليلة الجمعة.

فاغتسلت وغيرت ثيابي ، وتطيبت وصليت صلاة الليل ، وسجدت سجدة الشكر ، وجثوت على ركبتي ، ودعوت الله جل وتعالى بهذا الدعاء فأتاني ليلة السبت ، فقال لي : قد أجيبت دعوتك يا محمد! وقتل عدوك عند فراغك من الدعاء عند (١) من وشى به إليه.

فلما أصبحت ودعت سيدي ، وخرجت متوجها إلى مصر ، فلما بلغت الاردن وأنا متوجه إلى مصر ، رأيت رجلا من جيراني بمصر وكان مؤمنا فحدثنى أن خصمي قبض عليه أحمد بن طولون ، فأمر به فأصبح مذبوحا من قفاه ، قال : وذلك في ليلة الجمعة ، فأمر به فطرح في النيل ، وكان فيما أخبرني جماعة من أهلينا وإخواننا الشيعة أن ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي م الدعاء كما أخبرني مولاي صلوات الله عليه.

ثم ذكر له طريقا آخر عن أبي الحسن علي بن حماد البصري قال : أخبرني أبوعبدالله الحسين بن محمد العلوي قال : حدثني محمد بن علي العلوي الحسيني المصري قال : أصابني غم شديد ، ودهمني أمر عظيم ، من قبل رجل من أهل بلدي من ملوكه ، فخشيته خشية لم أرج لنفسي منها مخلصا.

فقصدت مشهد ساداتي وآبائي صلوات الله عليهم بالحائر لائذا بهم عائذا بقبرهم ، ومستجيرات من عظيم سطوة من كنت أخافه ، وأقمت بها خمسة عشر يوما أدعو وأتضرع ليلا ونهارا فتراءى لي قائم الزمان وولي الرحمن ، عليه وعلى آبائه أفضل التحية والسلام ، فأتاني بين النائم واليقظان ، فقال لي : يا بني خفت فلانا؟

____________________

(١) بيد من وشى. ط.

٢٢٨

فقلت : نعم ، أرادني بكيت وكيت ، فالتجأت إلى ساداتي عليهم‌السلام أشكو إليهم ليخلصوني منه.

فقال : هلا دعوت ربك ورب آبائك بالادعية التي دعا بها أجدادي الانبياء صلوات الله عليهم ، حيث كانوا في الشدة فكشف الله عزوجل عنهم ذلك؟ قلت : وبماذا دعوه به لادعوه؟ قال عليه وعلى آبائه السلام : إذا كان ليلة الجمعة ، قم واغتسل ، وصل صلواتك فاذا فرغت من سجدة الشكر ، فقل وأنت بارك على ركبتيك ، وادع بهذا الدعاء مبتهلا.

قال : وكان يأتيني خمس ليال متواليات ، يكرر علي القول وهذا الدعاء حتى حفظته ، وانقطع مجيئه في ليلة الجمعة ، فقمت واغتسلت وغيرت ثيابي وتطيبت وصليت ما وجب علي من صلاة الليل ، وجثوت على ركبتي ، فدعوت الله عزوجل بهذا الدعاء فأتاني عليه‌السلام ليلة السبت. كهيئته التي يأتيني فيها ، فقال لي : قد أجيبت دعوتك يا محمد! وقتل عدوك ، وأهلكه الله عزوجل عند فراغك من الدعاء.

قال : فلما اصبحت لم يكن لي هم غير وداع ساداتي صلوات الله عليهم والرحلة نحو المنزل الذي هربت منه ، فلما بلغت بعض الطريق إذا رسول أولادي وكتبهم بأن الرجل الذي هربت منه ، جمع قوما واتخذ لهم دعوة ، فأكلوا وشربوا وتفرق القوم ، ونام هو وغلمانه في المكان فأصبح الناس ولم يسمع له حس ، فكشف عنه الغطاء فاذا به مذبوحا من قفاه ، ودماؤه تسيل ، وذلك في ليلة الجمعة ، ولا يدرون من فعل به ذلك؟ ويأمرونني بالمبادرة نحو المنزل.

فلما وافيت إلى المنزل ، وسألت عنه وفي أي وقت كان قتله ، فإذا هوعند فراغي من الدعاء.

ثم ساق رحمه‌الله الدعاء بتمامه وهو طويل ولذا تركنا نقله حذرا من الخروج عن وضع الكتاب ، مع كونه في غاية الانتشار ، وهذه الحكاية موجودة في باب المعاجز من البحار (١) وإنما ذكرناها لذكر السند وتكرر الطريق.

____________________

(١) باب ما ظهر من معجزاته صلوات الله عليه الرقم ٢٣ ، راجع ج ٥١ ص ٣٠٧.

٢٢٩

الحكاية الثامنة

في تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمي من كتاب مونس الحزين في معرفة الحق واليقين ، من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية :

باب ذكر بناء مسجد جمكران ، بأمر الامام المهدي عليه صلوات الله الرحمن وعلى آبائه المغفرة ، سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الامام عليه‌السلام على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال : كنت ليلة الثلاثا السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلارث وتسعين (١) وثلاثمائة نائما في بيتي فلما مضى نصف من الليل فاذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني ، وقالوا : قم وأجب الامام المهدي صاحب الزمان فانه يدعوك.

قال : فقمت وتعبأت وتهيأت ، فقلت : دعوني حتى ألبس قميصي ، فاذا بنداء من جانب الباب : « هو ما كان قميصك » فتركته وأخذت سراويلي ، فنودي : « ليس ذلك منك ، فخذ سراويلك » فالقيته وأخذت سراويلي ولبسته ، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي « الباب مفتوح ».

فلما جئت إلى الباب ، رأيت قوما من الاكابر ، فسلمت عليهم ، فردوا ورحبوا بي ، وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن ، فلما أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان ، وعليها وسائد حسان ، ورأيت فتى في زي ابن ثلاثين متكئا عليها ، وبين يديه شيخ ، وبيده كتاب يقرؤه عليه ، وحوله أكثر من ستين رجلا يصلون في تلك البقعة ، وعلى بعضهم ثياب بيض ، وعلى بعضهم ثياب خضر.

وكان ذلك الشيخ هو الخضر عليه‌السلام فأجلسني ذلك الشيخ عليه‌السلام ، ودعاني اللمام عليه‌السلام باسمي ، وقال : اذهب إلى حسن بن مسلم ، وقل له : إنك تعمر هذه الارض منذ سنين وتزرعها ، ونحن نخربها ، زرعت خمس سنين ، والعام أيضا

____________________

(١) سيجئ بيان في لفظ التسعين من المؤلف رحمه‌الله ص ٢٣٤.

٢٣٠

أنت على حالك من الزراعة والعمارة؟ ولا رخصة لك في العود إليها وعليك ردما انتفعت به من غلات هذه الارض ليبنى فيهامسجد وقل لحسن بن مسلم إن هذه ارض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الاراضي وشرفها ، وأنت قد أضفتها إلى ارضك. وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين ، فلم تنتبه من غفلتك ، فان لم تفعل ذلك لاصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.

قال حسن بن مثلة : [ قلت ] يا سيدي لا بد لي في ذلك من علامة ، فان القوم لا يقبلون مالا علامة ولا حجة عليه ، ولا يصدقون قولي ، قال : إنا سنعلم هناك فاذهب وبلغ رسالتنا ، واذهب إلى السيد ابي الحسن وقل له : يجيئ ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين ، ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد ، ويتم ما نقص منه من غلة رهق ملكنا بناحية أردهال ويتم المسجد ، وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ، ليجلب غلته كل عام ، ويصرف إلى عمارته.

وقل للناس : ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعزروه ويصلوا هنا اربع ركعات للتحية في كل ركعة يقرأ سورة الحمد مرة ، وسورة الاخلاص سبع مرات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات ، وركعتان للامام صاحب الزمان عليه‌السلام هكذا : يقرأ الفاتحة فاذا وصل إلى « إياك نعبد وإياك نستعين » كرره مائة مرة ثم يقرؤها إلى آخرها وهكذا يصنع في الركعة الثانية ، ويسبح في الركوع و السجود سبع مرات ، فاذا أتم الصلاة يهلل (١) ويسبح تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام فاذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي على النبي وآله مائة مرة ، ثم قال عليه‌السلام : ما هذه حكاية : فمن صلاها فكأنما في البيت العتيق.

قال حسن بن مثلة : قلت في نفسي كأن هذا موضع أنت تزعم أنماهذا المسجد للامام صاحب الزمان مشيرا إلى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد فأشار ذلك الفتى إلي أن اذهب.

فرجعت فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية ، وقال : إن في قطيع جعفر

____________________

(١) الظاهر أنه يقول : « لا إله الا الله وحده وحده » منه رحمه‌الله.

٢٣١

الكاشاني الراعي معزا يجب أن تشتريه فان أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك ، وتجبئ به إلى هذا الموضع ، وتذبحه الليلة الآتية ثم تنفق يوم الاربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز على المرضى ، ومن به علة شديدة ، فان الله يشفي جميعهم ، وذلك المعر أبلق ، كثير الشعر ، وعليه سبع علامات سود وبيض : ثلاث على جانب وأربع على جانب ، سود وبيض كالدراهم.

فذهبت فأرجعوني ثالثة ، وقال عليه‌السلام : تقيم بهذا المكان سبعين يوما أو سبعا فان حملت على السبع انطبق على ليلة القدر ، وهو الثالث والعشرون وإن حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة ، وكلاهما يوم مبارك.

قال حسن بن مثلة : فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل الليل متفكرا حتى اسفر الصبح ، فأديت الفريضة ، وجئت إلى علي بن المنذر ، فقصصت عليه الحال ، فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة ، فقال : والله إن العلامة التي قال لي الامام واحد منها أنهذه السلاسل والاوتاد ههنا.

فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا فلما وصلنا إلى باب داره رأينا خدامه وغلمانه يقولون إن السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر ، أنت من جمكران؟ قلت : نعم ، فدخلت عليه الساعة ، وسلمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكن لي في مجلسة ، وسبقني قبل أن احدثه وقال : يا حسن بن مثلة يأتيك إني كنت نائما فرايت شخصا يقول لي : إن رجلا من جمكران يقال له : حسن بن مثلة يأتيك بالغدو ، ولتصدقن ما يقول ، واعتمد على قوله ، فان قوله قولنا ، فلا تردن عليه قول فانتهبت من رقدتي ، وكنت أنتظرك الآن.

فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحا فأمر بالخيول لتسرج ، وتخرجوا فركبوا فلما قربوا من القرية رأوا جعفرالراعي وله قطيع على جانب الطريق فدخل حسن بن مثلة بين القطيع ، وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عاديا إلى الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أني ما رأيت هذا المعز قط ، ولم يكن في قطيعي إلا أني رأيته وكلما أريد أن آخذه



٢٣٢

لا يمكنني ، والآن جاء إليكم ، فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع وذبحوه.

وجاء السيد أبوالحسن الرضا رضي‌الله‌عنه إلى ذلك الموضع ، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلات وجاؤا بغلات رهق ، وسقفوا المسجد بالجزوع (١) وذهب السيد أبوالحسن الرضا رضي‌الله‌عنه بالسلاسل والاوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضى والاعلاء (٢) ويمسون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلا ويصحون.

قال أبوالحسن محمد بن حيدر : سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرضا في المحلة المدعوة بموسويان من بلدة قم ، فمرض بعد وفاته ولد له ، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والاوتاد ، فلم يجدها.

انتهت حكاية بناء هذا المسجد الشريف ، المشتملة على المعجزات الباهرة والآثار الظاهرة التي منها وجود مثل بقرة بني إسرائيل في معز من معزى هذه الامة.

قال المؤلف : لا يخفى أن مؤلف تاريخ قم ، هو الشيخ الفاضل حسن بن محمد القمي وهو من معاصري الصدوق رضوان الله عليه ، وروى في ذلك الكتاب ، عن أخيه حسين بن علي بن بابويه رضوان الله عليهم ، وأصل الكتاب على على اللغة العربية ولكن في السنة الخامسة والستين بعد ثمان مائة نقله إلى الفارسية حسن بن علي ابن حسن بن عبدالملك بأمر الخاجا فخرالدين إبراهيم بن الوزير الكبير الخاجا عماد الدين محمود بن الصاحب الخاجا شمس الدين محمد بن علي الصفي.

قال العلامة المجلسي في أول البحار : إنه كتاب معتبر ، ولكن لم يتيسر لنا

____________________

(١) الجازع : الخشبة توضع في العريش عرضا وتطرح عليها قضبان الكرم ، فان نعت تلك الخشبة قلت : خشبة جازعة ، وكل خشبة معروضة بين شيئين ليحمل عليها شئ فهي جازعة ، كذا في أقرب الموارد ، أقول : وأما الجزوع ، فانما هو جمع جزع ، الا أن يكون تصحيف « الجدوع » وكلاهما في هذا المورد بمعنى ، ويقال له بالفارسية « تير ».

(٢) جمع عليل كأجلاء جمع جليل ، والعليل من به عاهة او آفة.

٢٣٣

أصله ، وما بأيدينا إنماهو ترجمته وهذا كلام عجيب ، لان الفاضل الالمعي الآميرزا محمد أشرف صاحب كتاب فضائل السادات كانمعاصرا له ومقيما باصفهان ، وهو ينقل من النسخة العربية بل ونقل عنه الفاضل المحقق الآغا محمد علي الكرمانشهاني في حواشيه على نقد الرجال ، في باب الحاء في اسم الحسن ، حيث ذكر الحسن ابن مثلة ، ونقل ملخص الخبر المذكور من النسخة العربية ، وأعجب منه أن أصل الكتاب كان مشتملا على عشرين بابا.

وذكر العالم الخبير الآميرزا عبدالله الاصفهاني تلميذ العلامة المجلسي في كتابه الموسوم برياض العلماء في ترجمة صاحب هذا التاريخ إنه ظفر على ترجمة هذا التاريخ في قم ، وهو كتاب كبير حسن كثيرة الفوائد في مجلدات عديدة.

ولكني لم اظفر على أكثر من مجلد واحد ، مشتمل على ثمانية أبواب بعد الفحص الشائع.

وقد نقلنا الخبر السابق منه خط السيد المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري عن مجموعة نقله منه ولكنه كان بالفارسية فنقلناه ثانيا إلى العربية ليلائم نظم هذا المجموع ، ولا يخفى أن كلمة « التسعين » الواقعة في صدر الخبر بالمثناة فوق ثم السين المهملة ، كانت في الاصل سبعين مقدم المهملة على الموحدة واشتبه على الناسخ لان وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين ، ولذا نرى جمعا من العلماء يكتبون في لفظ السبع أو السبعين بتقديم السين أو التاء حذرا عن التصحيف والتحريف والله تعالى هو العالم.

الحكاية التاسعة

ما حدثني به العالم العامل ، والعارف الكامل غواص غمرات الخوف والرجاء وسياح فيافي الزهد والتقي ، صاحبنا المفيد ، وصديقنا السديد ، الآغا علي رضا ابن العالم الجليل الحاج المولى محمد النائيني ، رحمهما الله تعالى ، عن العالم البدل الورع التقي صاحب الكرامات ، والمقامات العاليات ، المولى زين العابدين بن العالم



٢٣٤

الجليل المولى محمد السلماسي رحمه‌الله تلميذ آية الله السيد السند ، والعالم المسدد فخر الشيعة وزينة الشريعة العلامة الطباطبائي السيد محمد مهدي المدعو ببحر العلوم أعلى الله درجته ، وكان المولى المزبور من خاصته في السر والعلانية.

قال : كنت حاضرا في مجلس السيد في المشهد الغروي إذ دخل عليه لزيارته المحقق القمي صاحب القوانين في السنة التي رجع من العجم إلى العراق زائرا لقبور الائمة عليهم‌السلام وحاجا لبيت الله الحرام ، فتفرق من كان في المجلس وحضر للاستفادة منه ، وكانوا أزيد من مائة وبقيت ثلاثة من اصحابه أرباب الورع والسداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد.

فتوجه المحقق الايد إلى جناب السيد وقال : إنكم فزتم حزتم مرتبة الولادة الروحانية والجسمانية ، وقرب المكان الظاهري والباطني ، فتصدقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان ، وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان ، كي ينشرح به الصدور ، ويطمئن به القلوب.

فأجاب السيد من غير تأمل ، وقال : إني كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل والترديد من الراوي في المسجد الاعظم بالكوفة ، لاداء نافلة الليل عازما على الرجوع إلى النجف في أول الصبح ، لئلا يتعطل أمر البحث أمر البحث والمذاكرة وهكذا كان دأبه في سنين عديدة.

فلما خرجت من المسجد ألقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة ، فصرفت خيالي عنه ، خوفا من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح ، فيفوت البحث في اليوم ولكن كان الشوق يزيد في كل آن ، ويميل القلب إلى ذلك المكان ، فبينا أقدم رجلا وأؤخر أخرى ، إذا بريح فيها غبار كثير ، فهاجت بي وأمالتني عن الطريق فكأنها التوفيق الذي هو خير رفيق ، إلى أن ألقتني إلى باب المسجد.

فدخلت فإذا به خاليا عن العباد والزوار ، إلا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبار ، بكلمات ترق القلوب القاسية ، وتسح الدموع من العيون الجامدة ، فطار بالي ، وتغيرت حالي ، ورجفت ركبتي ، وهملت دمعتي من استماع



٢٣٥

تلك الكلمات التي لم تسمعها أذني ، ولم ترها عيني ، مما وصلت إليه من الادعية المأثورة ، وعرفت أن الناجي ينشئها في الحال ، لا أنه ينشد ما أودعه في البال.

فوقفت في مكاني مستمعا متلذذا إلى أن فرغ من مناجاته ، فالتفت إلي وصاح بلسان العجم : « مهدي بيا » أي : هلم يا مهدي ، فتقدمت إليه بخطوات فوقفت ، فأمرني بالتقدم فمشيت قليلا ثم وقفت ، فأمرني بالتقدم فمشيت قليلا ثم وقفت ، فأمرني بالتقدم وقال : إن الادب في الامتثال ، فتقدمت إليه بحيث تصل يدي إليه ، ويده الشريفة إلي وتكلم بكلمة.

قال المولى السلماسي رحمه‌الله : ولما بلغ كلام السيد السند إلى هنا أضرب عنه صفحا ، وطوى عنه كشحا ، وشرح في الجواب عما سأله المحقق المذكور قبل ذلك. عن سر قلة تصانيفه ، مع طول باعه في العلوم ، فذكر له وجوها فعاد المحقق القمي فسال عن هذا الكلام الخفي فأشار بيده شبه المنكر بأن هذا سر لا يذكر.

الحكاية العاشرة

حدثني الاخ الصفي المذكور عن المولى السلماسي رحمه‌الله تعالى ، قال : كنت حاضرا في محفل إفادته ، فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغراء في الغيبة الكبرى ، وكان بيده الآلة المعروفة لشرب الدخان المسمى عند العجم بغليان فسكت عن جوابه وطأطأ رأسه ، وخاطب نفسه بكلام خفي أسمعه فقال ما معناه : « ما أقول في جوابه؟ وقد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره ، وورد أيضا في الخبر تكذيب مدعي الرؤية ، في أيام الغيبة » فكرر هذا الكلام.

ثم قال في جواب السائل : إنه قد ورد في أخبار أهل العصمة تكذيب من ادعى رؤية الحجة عجل الله تعالى فرجه ، واقتصر في جوابه عليه من غير إشارة إلى ما أشار إليه.

٢٣٦

الحكاية الحادية عشرة

وبهذا السند عن المولى المذكور قال : صلينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين عليهما‌السلام فلما أراد النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة ، عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام.

ولما فرغنا تعجبنا كلنا ، ولم نفهم ما كان وجهه ، ولم يجترء أحد منا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل ، وأحضرت المائدة ، فأشار إلي بعض السادة من اصحابنا أن أسأله منه ، فقلت : لا وأنت أقرب منا فالتفت رحمه‌الله إلي وقال : فيم تقاولون؟ قلت وكنت أجسر الناس عليه : إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة ، فقال : إن الحجة عجل الله تعالى فرجه ، دخل الروضة للسلام علي أبيه عليه‌السلام فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الانور إلى أن خرج منها.

الحكاية الثانية عشرة

بهذا السند عن ناظر أموره في أيام مجاورته بمكة قال : كان رحمه‌الله مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الاهل والاخوة ، قوي القلب في البذل والعطاء ، غير مكترث بكثرة المصارف ، فاتفق في بعض الايام أن لم نجد إلى درهم سبيلا فعرفته الحال ، وكثرة المؤنة ، وانعدام المال ، فلم يقل شيئا وكان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلى الدار ، فيجلس في القبة المختصة به ، ونأتي إليه بغليان فيشربه ، ثم يخرج إلى قبة أخرى تجتمع فيها تلامذته ، من كل المذاهب فيدرس لكل على مذهبه.

فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفود النفقة ، وأحضرت الغليان على العادة ، فاذا بالباب يدقه أحد فاضطرب أشد الاضطراب ، وقال لي : خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان ، وقام مسرعا خارجا عن الوقار والسكينة والآداب ، ففتح الباب ودخل شخص جليل في هيئة الاعراب ، وجلس في تلك القبة



٢٣٧

وقعد السيد عند بابها ، في نهاية الذلة والمسكنة ، واشار إلي أن لا أقرب إليه الغليان.

فقعدا ساعة يتحدثان ، ثم قام فقام السيد مسرعا وفتح الباب ، وقبل يده وأركبه على جمله الذي أناخه عنده ، ومضى لشأنه ، ورجع السيد متغير اللون وناولني براة ، وقال : هذه حوالة على رجل صراف ، قاعد في جبل الصفا واذهب إليه وخذ منه ما أحيل عليه.

قال : فأخذتها وأتيت بها إلى الرجل الموصوف ، فلما نظر إليها قبلها وقال : علي بالحماميل فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له : ريال فرانسه ، يزيد كل واحد على خمسة قرانات العجم وما كانوا يقدرون على حمله ، فحملوها على أكتافهم ، وأتينا بها إلى الدار.

ولما كان في بعض الايام ، ذهبت إلى الصراف لاسأل منه حاله ، وممن كانت تلك الحوالة فلم أر صرافا ولا دكانا فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصراف ، فقال : ماعهدنا في هذا المكان صرافا أبدا وإنما يقعد فيه فلان فعرفت أنه من أسرار الملك المنان ، وألطاف ولي الرحمان.

وحدثني بهذه الحكاية الشيخ العالم الفقيه النحرير المحقق الوجيه ، صاحب التصانيف الرائقة ، والمناقب الفائقة ، الشيخ محمد حسين الكاظمي المجاور بالغري أطال الله بقاه ، عمن حدثه من الثقات عن الشخص المذكور.

الحكاية الثالثة عشرة

حدثني السيد السند ، والعالم المعتمد ، المحقق الخبير ، والمضطلع البصير السيد علي سبط السيد أعلى الله مقامه ، وكان عالما مبرزا له شرح النافع ، حسن نافع جدا ، وغيره عن الورع التقي النقي الوفي الصفي السيد مرتضى صهر السيد أعلى الله مقامه على بنت أخته وكان مصاحبا له في السفر والحضر ، مواظبا لخدماته في السر والعلانية ، قال : كنت معه في سر من رأى في بعض أسفار زيارته ، وكان



٢٣٨

السيد ينام في حجرة وحده ، وكان لي حجرة بجنب حجرته ، وكنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل والنهار ، وكان يجتمع إليه الناس في أول الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي.

فاتفق أنه في بعض الليالي قعد على عادته ، والناس مجتمعون حوله ، فرأيته كأنه يكره الاجتماع ، ويحب الخلوة ، ويتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده ، فتفرق الناس ولم يبق غيري فأمرني بالخروج فخرجت إلى حجرتي متفكرا في حالته في تلك الليلة ، فمنعني الرقاد ، فصبرت زمانا فخرجت متخفيا لاتفقد حاله فرأيت باب حجرته مغلقا فنظرت من شق الباب وإذا السراج بحاله وليس فيه أحد ، فدخلت الحجرة ، فعرفت من وضعها أنه ما نام في تلك الليلة.

فخرجت حافيا متخفيا أطلب خبره ، وأقفو أثره ، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة ، فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثرا فدخلت الصحن الاخير الذي فيه السرداب ، فرأيته مفتح الابواب.

فنزلت من الدرج حافيا متخفيا متأنيا بحيث لا يسمع مني حس ولا حركة فسمعت همهمة من صفة السرداب ، كأن أحدا يتكلم مع الاخر ، ولم أميز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها ، وكان دبيبي أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ، فاذا بالسيد قد نادى في مكانه هناك : يا سيد مرتضى ما تصنع؟ ولم خرجت من المنزل؟

فبقيت متحيرا ساكتا كالخشب المسندة ، فعزمت على الرجوع قبل الجواب ثم قلت في نفسي كيف تخفى حالك على من عرفك من غير طريق الحواس فأجبته معتذرا نادما ، ونزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفة فرأيته وحده واقفا تجاه القبلة ، ليس لغيره هناك أثر فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر عليه سلام الله الملك الاكبر ، فرجعت حريا لكل ملامة ، غريقا في بحار الندامة إلى يوم القيامة.

٢٣٩

الحكاية الرابعة عشرة

حدث الشيخ الصالح الصفي الشيخ أحمد الصدتواني وكان ثقة تقيا ورعا قال : قد استفاض عن جدنا المولى محمد سعيد الصدتوماني وان من تلامذة السيد رحمه‌الله أنه جرى في مجلسه ذكر قضايا مصادفة رؤية المهدي عليه‌السلام ، حتى تكلم هو في جملة من تكلم في ذلك فقال : أحببت ذات يوم أن اصل إلى مسجد السهلة في وقت ظننته فيه فارغا من الناس ، فلما انتهيت إليه ، وجدته غاصا بالناس ، ولهم دوي ولا أعهد أن يكون في ذلك الوقت فيه أحد.

فدخلت فوجدت صفوفا صافين للصلاة جامعة ، فوقفت إلى جنب الحائط على موضع فيه رمل ، فعلوته لانظر هل أجد خللا في الصفوف فاسده فرأيت موضع رجل واحد في صف من تلك الصفوف ، فذهبت إليه ووقفت فيه.

فقال رجل من الحاضرين : هل رأيت المهدي عليه‌السلام فعند ذلك سكت السيد وكأنه كان نائما ثم انتبه فكلما طلب منه إتمام المطلب لم يتمه.

الحكاية الخامسة عشرة

حدث الشيخ الفاضل العالم الثقة الشيخ باقر الكاظمي المجاور في النجف الاشرف آل الشيخ طالب نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي قال : كان في النجف الاشرف رجل مؤمن يسمى الشيخ محمد حسن السريرة ، وكان في سلك أهل العلم ذا نية صادقة ، وكان معه مرض السعال إذاسعل يخرج من صدره مع الاخلاط دم ، وكان مع ذلك في غاية الفقر والاحتياج ، لا يملك قوت يومه ، وكان يخرج في أغلب أوقاته إلى البادية إلى الاعراب الذين في أطراف النجف الاشرف ، ليحصل له قوت ولو شعير ، وما كان يتيسر ذلك على وجه يكفيه ، مع شدة رجائه ، وكان مع ذلك قد تعلق قلبه بتززويج امرأة من أهل النجف ، وكان يطلبها من أهلها وما أجابوه إلى ذلك لقلة ذات يده ، وكان في هم وغم شديد من جهة ابتلائه بذلك.

٢٤٠