الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

السيد علي الحسيني الصدر

الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢

النقطة الاستدلاليّة الثالثة

تواتر النقل على رؤية الإمام المهدي عليه‌السلام

أن الامام المهدي عليه‌السلام ، قد رآه شهود العيان من الثقات والأعيان ، وفاق على التواتر رؤيته ، فكيف يمكن لأحد جحوده أو إنكار وجوده؟!

والفائزون برؤيته الغراء كثيرون. شاهدوه في حياة والده الامام العسكري عليه‌السلام ، وبعد حياته في الغيبة الصغرى ، وفي أيام الغيبة الكبرى.

وهل نحتاج بعد العيان الى دليلٍ وبرهان؟!

فلنشير الى هذه الأدوار الثلاثة باختصار :

(١) من رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام

ثبت هذا في الأحاديث المتواترة التي جمعت في هذا الباب ومنها :

١ ـ حديث أحمد بن اسحاق الاشعري القمي وقد تقدم في بشارة الامام العسكري عليه‌السلام (١).

٢ ـ حديث معاوية بن حكيم ومحمد بن ايوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري رضي ‌الله‌ عنهم ، قالوا : عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً ، فقال :

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣٨٤ ب ٣٨ ح ١.

٨١

«هذا إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم. أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا. أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا».

قالوا : فخرجنا من عنده فما مضت إلّا أيّامٌ قلائل ، حتى مضى أبو محمد عليه‌السلام (١).

٣ ـ حديث ضوء بن علي العجلي عن الفارسي ، قال : أتيت سرّ من رأى فلزمت باب أبي محمد عليه‌السلام فدعاني من غير أن أستأدن. فلمّا دخلت وسلّمت قال لي :

«يا أبا فلان ، كيف حالك؟ ثمَّ قال لي : اقعد يا فلان. ثمَّ سألني عن رجال ونساء من أهلي ، ثمَّ قال لي : ما الذي أقدمك عليَّ؟

قلت : رغبة في خدمتك.

قال لي : ألزم الدار.

قال : فكنت في الدار مع الخدم. ثمَّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق ، وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال. فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال ، فسمعت حركة في البيت فناداني : مكانك لا تبرح».

فلم أجسر أخرج ولا أدخل ، فخرجت عليَّ جارية ومعها شيء مغطّى.

ثمَّ ناداني اُدخل ، فدخلت ونادى الجارية فرجعت.

فقال لها : اكشفي عمّا معك ، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشفت عن بطنه ، فإذا شعر نابتٌ من لبّته الى سرَّته ، أخضر ليس بأسود ، فقال : هذا صاحبكم.

ثمَّ أمرها فحملته ، فما رأيته بعد ذلك حتّى مضى أبو محمد عليه‌السلام.

__________________

(١) كمال الدين : ص ٤٣٥ ب ٤٣ ح ٢.

٨٢

قال ضوء بن عليٍّ : فقلت للفارسيّ : كم كنت تقدِّر له من السنين؟

فقال : سنتين.

قال العبديُّ : فقلت لضوء : كم تقدِّر له الآن في وقتنا؟

قال : أربعة عشر سنة.

قال أبو عليٍّ وأبو عبداللّه : ونحن نقدِّر له الآن إحدى وعشرين سنة (١).

٤ ـ حديث يعقوب بن منقوش قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام ، وقد تقدم ذكره في بشارة الامام العسكري عليه‌السلام ، فلا نكرر (٢).

٥ ـ حديث نسيم خادمة ابي محمد عليه‌السلام قالت : دخلت على صاحب هذا الأمر عليه‌السلام بعد مولدة بليلة ، فعطستُ عنده. قال لي : «يرحمك اللّه.

قالت نسيم : ففرحت [بذلك].

فقال لي عليه‌السلام : ألا اُبشّركِ في العطاس؟

قلت : بلى.

قال : هو أمان من الموت ثلاثة أيّام» (٣).

٦ ـ حديث سعد بن عبداللّه القمي في تشرّفه مع أحمد بن اسحاق وهو حديث مفضل ظريف ، جاء فيه :

... ، فوردنا سرّ من رأى ، فانتهينا منها الى باب سيّدنا فاستأذنّا. فخرج علينا الآذن بالدخول عليه.

وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبريٍّ ، فيه مائة

__________________

(١) كمال الدين : ص ٤٣٦ ب ٤٣ ح ٤.

(٢) كمال الدين : ص ٤٣٦ ب ٤٣ ح ٥.

(٣) كمال الدين : ص ٤٤١ ب ٤٣ ح ١١.

٨٣

وستّون صرَّه من الدنانير والدراهم ، على كلِّ صرَّة منها ختم صاحبها.

قال سعد : فما شبّهت وجه مولانا أبي محمد عليه‌السلام ـ حين غشينا نور وجهه ـ إلاّ ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلامٌ يناسب المشتري في الخلقة والمنظر؛ على رأسه فرق بين وقرتين كأنّه ألف بين واوين.

وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها؛ قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة.

وبيده قلمٌ إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردِّها كيلا يصدّه عن كتابة ما أراد.

فسلّمنا عليه ، فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس.

فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيِّ كسائه فوضعه بين يديه. فنظر عليه‌السلام الى الغلام وقال له :

«يا بنيَّ ، فضَّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك.

فقال : يا مولاي ، أيجوز أن أمدَّ يداً طاهرة الى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟

فقال مولاي : يا ابن اسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميّز ما بين الحلال والحرام منها.

فأوَّل صرَّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام : هذه لفلان بن فلان ، من محلّة كذا بقمّ ، يشتمل على اثنين وستّين ديناراً ، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً ، وفيها من اُجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.

فقال مولانا : صدقت يا بنيَّ ، دلَّ الرجل على الحرام منها.

فقال عليه‌السلام : فتّش عن دينار رازيّ السكّة ، تاريخة سنة كذا ، قد انطمس من

٨٤

نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضة آمليّة وزنها ربع دينار.

والعلّة في تحريمها أنَّ صاحب هذه الصرَّه وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع منٍّ ، فأتت على ذلك مدَّة وفي انتهائها قيّض لذلك الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذَّبه واستردَّ منه بدل ذلك منّاً؛ ونصف منٍّ غزلاً ادقّ ممّا كان يدفعه اليه واتّخذ من ذلك ثوباً. كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه.

فلمّا فتح رأس الصرَّة ، صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.

ثمَّ أخرج صرَّة اُخرى ، فقال الغلام : هذه لفلان بن فلان ، من محلّة كذا بقم ، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحلُّ لنا لمسها.

قال : وكيف ذاك؟

قال : لأنّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره ـ اي ظلم وجار على زارعها ـ في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف وكان ما حصَّ الأكّار بكيل بخس.

فقال مولانا : صدقت يا بنيَّ.

ثمَّ قال : يا أحمد بن اسحاق ، احملها بأجمعها لتردَّها أو توصي بردّها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها ، وائتنا بثوب العجوز.

قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته ...» (١).

٧ ـ حديث الشيخ المفيد باسناده ، عن عمرو الأهوازي قال : أرانيه أبو محمد عليه‌السلام وقال :

__________________

(١) كمال الدين : ص ٤٥٧ ب ٤٣ ح ٢١.

٨٥

«هذا صاحبكم» (١).

٨ ـ حديث شيخ الطائفة باسناده الى ابي سهل اسماعيل بن علي النوبختي قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام في المرضة التي مات فيها ، وأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد ـ وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد وهو ربي الحسن عليه‌السلام ، فقال :

«يا عقيد ، إغل لي ماءً بمصطكي. فأغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف عليه‌السلام. فلما صار القدح في يديه وهمّ بشربه ، فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن. فتركه من يده وقال لعقيد : أدخل البيت فانك ترى صبياً ساجداً ، فاتني به.

قال ابو سهل : قال عقيد فدخلت أتحرى ، فاذا انا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء. فسلمت عليه فاوجز في صلاته.

فقلت : انّ سيدي يأمرك بالخروج اليه ، إذاً جاءت امه صقيل فاخذت بيده وأخرجته الى أبيه الحسن عليه‌السلام.

قال أبو سهل : فلما مثل الصبي بين يديه سلّم ، واذا هو دري اللون ، وفي شعر رأسه قطط ـ أي تجعيد ـ ، مفلج الاسنان.

فلما رآه الحسن عليه‌السلام بكى وقال : يا سيّد أهل بيته ، إسقني الماء فاني ذاهب الى ربي ، واخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ، ثم حرك شفتيه ثم سقاه.

فلما شربه قال : هيئوني للصلاة ، فطرح في حجره منديل ، فوضّأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه.

فقال له أبو محمد عليه‌السلام : إبشر يا بني ، فانت صاحب الزمان ، وانت المهدي ،

__________________

(١) الارشاد : ج ٢ ص ٣٥٣ ح ٩.

٨٦

وانت حجة اللّه على أرضه ، وانت ولدي ووصيي وانا ولدتك.

وانت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

ولدك رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانت خاتم الأئمّة الطاهرين ، وبشّر بك رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمّاك وكنّاك بذلك. عهد اليَّ أبي عن آبائك الطاهرين صلّى اللّه على أهل البيت ، ربّنا انه حميد مجيد».

ومات الحسن بن علي من وقته صلوات اللّه عليهم أجمعين (١).

٩ ـ حديث ابي نعيم محمد بن احمد الأنصاري قال : وجّه قوم من المفوضة كامل بن ابراهيم المدني الى أبي محمد عليه‌السلام.

قال كامل : فقلت في نفسي : لئن دخلت عليه اسأله عن الحديث المروي عنه : «لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتي».

وكنت جلست الى باب عليه ستر مسبل ، فجاءت الريح فكشفت طرفه واذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء اربع سنين أو مثلها.

فقال لي :

«يا كامل بن ابراهيم!

فاقشعررت من ذلك ، فقلت : لبيك يا سيدي.

قال : جئت الى ولي اللّه تسأله : لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتك وقال بمقالتك.

قلت : اي واللّه.

قال : اذاً واللّه يقلّ داخلها ، واللّه انه ليدخلنها قوم يقال لهم الحقية.

__________________

(١) الغيبة : ص ١٦٥.

٨٧

قلت : ومن هم.

قال : هم قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله؛ انهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلاً ، من معرفة اللّه ورسوله والأئمّة ونحوها.

ثم قال : وجئت تسأل عن مقالة المفوضة ، كذبوا بل قلوبنا اوعية لمشيئة اللّه فاذا شاء اللّه شئنا واللّه يقول : (وما تشاؤون الا أن يشاء اللّه).

فقال لي أبو محمد : ما جلوسك فقد أنبأك بحاجتك» (١).

١٠ ـ حديث علي بن ابراهيم بن مهزيار ، الذي كان خادماً له عليه‌السلام : أن الحسن العسكري عليه‌السلام كان يأمرني باحضار حجة اللّه من السرداب ، وأنا احضره عنده وهو يأخذه ويقبله ويتكلّم معه ، وهو يجاوب أباه بذلك وهو يشير الى برده وأردّه الى السرداب.

حتى انه عليه‌السلام أمرني باحضاره يوماً من الأيام ، فقال عليه‌السلام :

«يا ابن مهزيار ، ائتني بولدي حجّة اللّه فأتيت به اليه من السرداب. فأخذه مني وأجلسه في حجره وقبّل وجهه ، وتكلّم معه بلغة لا أعرفها ، وهو يجاوب أباه بتلك اللغة. فأمرني بردّه الى محله ومكانه ، فذهبت به ورجعت الى العسكري عليه‌السلام.

ثم رأيت أشخاصاً من خواص المعتمد العباسي عند الامام عليه‌السلام يقولون : ان الخليفة يقرئك السلام ويقول : بلغنا ان اللّه عزّ وجلّ اكرمك بولد وكبر. فلم لا تخبرنا بذلك لكي نشاركك في الفرح والسرور؟ ولابد لك أن تبعثه الينا فانا مشتاقون اليه.

__________________

(١) كشف الغمة في : الزام الناصب : ج ١ ص ٣٤١.

٨٨

قال ابن مهزيار : لما سمعت منهم هذه المقالة فزعت وتضجرت وتفجرت واضطرب فؤادي.

فقال الامام : يابن مهزيار اذهب بحجة اللّه الى الخليفة.

فزاد اضطرابي وحيرتي ، لاني كنت متيقناً انه أراد قتله. فكنت اتعلل وانظر الى سيدي ومولاي العسكري عليه‌السلام. فتبسّم في وجههي وقال : لا تخف ، اذهب بحجة اللّه الى الخليفة.

فأخذتني الهيبة ورجعت الى السرداب ، فرأيته يتلألأ نوره كالشمس المضيئة. فما كنت رأيته بذلك الحسن والجمال ، وكانت الشامة السوداء في خدّه الأيمن كوكب دري. فحملته على كتفي وكان عليه برقع.

فلما اخرجته من السرداب تنوّرت سامراء من تلك الطلعة الغراء وسطع النور من وجهه الى عنان السماء ، واجتمع الناس رجالاً ونساء في الطرق والشوارع ، وصعدوا على السطوح ، فانسد الطريق عليَّ فلم أقدر على المشي الى أن صار أعوان الخليفة يبعّدون الناس من حولي ، حتى ادخلوني دار الامارة فرُفع الحجاب ، فدخلنا مجلس الخليفة.

فلما نظر هو وجلساؤه الى طلعته الغراء والى ذلك الجمال والبهاء ، أخذتهم الهيبة منه ، فتغيرت الوانهم وطاش لبهم وحارت عقولهم وخرست ألسنتهم ، فصار الرجل منهم لا يتكلم ولا يقدر ان يتحرك من مكانه. فبقيت واقفاً والنور الساطع والضياء اللامع على كتفي.

فبعد برهة من الزمان قام الوزير وصار يشاور الخليفة. فأحسست انه يريد قتله ، فغلب عليَّ الخوف من أجل سيدي ومولاي. فاذا بالخليفة أشار الى السيافين ان اقتلوه ، فكل واحد منهم اراد سل سيفه من غمده ، فلم يقدر عليه ولم يخرج السيف من غمده.

٨٩

وقال الوزير : هذا من سحر بني هاشم وليس هذا بعجيب ، ولكن ما اظن ان سحرهم يؤثر في السيوف التي في خزانة الخليفة.

فأمر باتيان السيوف من الخزانة فاُتيَت ، فلم يقدروا ايضاً على اخراجها من اغمادها. وجاؤوا بالمواسي والسكاكين ، فلم يقدروا على فكّها.

ثم امر الخليفة ـ باشارة من الوزير ـ بالاُسود الضارية من بركة السباع ، فاُتى بثلاثة من الاسود الضارية والسباع العادية.

فأشار اليَّ الخليفة وقال : القه نحو الأسود.

فحار عقلي وطاش لبي وقلت في نفسي اني لا افعل ذلك ولو اني اُقتل. فقرب (عج) من اذني ، فقال لي : لا تخف والقني.

فلما سمعت من سيدي ومولاي ذلك ، القيته نحو الأسود بلا تأمل.

فتبادَرَت وتسابَقَت الاسود نحوه وأخذوه بأيديهم في الهواء ووضعوه على الأرض برفق ولين ، ورجعوا الى القهقري مؤدّبين كأنّهم العبيد بين يدي الموالي واقفين.

ثم تكلّم واحد منهم بلسان فصيح ، شهد بوحدانية الباري عزّ شأنه وبرسالة النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبامامة علي المرتضى والزكي المجتبى والشهيد بكربلا والائمة واحداً واحداً ، ثم قال : يا بن رسول اللّه ، لي اليك الشكوى فهل تأذن لي؟ فأذن له.

فقال : اني هَرِم وهذان شابان؛ فاذا جيء الينا بطعمة ما يراعياني ، ويأكلان الطعمة قبل أن اُكمل فابقى جائعاً.

قال (عج) : مكافأتهما أن يصيرا مثلك وتصير مثلهما».

فلما قال هذا الكلام ، فاذا صار كما قال وصار كما أراد ، فعرض لهما الهرم وعاد له الشباب ما شاء اللّه.

٩٠

فلما رأى الحاضرون كبِّروا جميعاً من غير اختيار ، وفزع الخليفة ومن كان معه وتغيرت الوانهم فأمر برده الى أبيه العسكري عليه‌السلام.

فعدت ضاحكاً شاكراً للّه حامداً له فأتيت به الى أبيه وقصصت عليه القصة فأمرني برده الى السرداب فذهبت به (١).

(٢) من رآه بعد حياة أبيه عليه‌السلام في الغيبة الصغرى

وهذا ثابت أيضاً بمتواتر الحديث والخبر العلمي ، من ذلك :

١ ـ حديث عبداللّه بن جعفر الحميري قال : سمعت محمد بن عثمان العمري رضي‌الله‌عنه يقول : رأيته صلوات اللّه عليه متعلّقاً باستار الكعبة وهو يقول :

«اللهم انتقم لي من أعدائي» (٢).

٢ ـ حديث عبداللّه السوري قال : صرتُ الى بستان بني عامر فرأيت غلماناً يلعبون في غدير ماء ، وفتىً جالساً على مصلّى واضعاً كمّه على فيه ، فقلت : من هذا؟

فقالوا : م ح م د بن الحسن عليه‌السلام وكان في صورة أبيه عليه‌السلام (٣).

٣ ـ حديث ابي محمد الحسن بن الوجناء النصيبي قال : كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العتمة وأنا أتضرّع في الدُّعاء ، إذ حرّكني محرّك فقال : قم يا حسن بن وجناء.

قال : فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن أقول : إنّها من أبناء أربعين فما

__________________

(١) عن تبصرة الولي في الزام الناصب : ج ١ ص ٣٥٦.

(٢) كمال الدين : ص ٤٤٠ ب ٤٣ ح ١٠.

(٣) كمال الدين : ص ٤٤١ ب ٤٣ ح ١٣.

٩١

فوقها.

فمشت بين يديَّ وأنا لا اسألها عن شيء حتّى أتت بي إلى دار خديجة عليها‌السلام ، وفيها بيت بابه في وسط الحائط وله درج ساج يرتقى ، فصعدت الجارية وجاءني النداء : اصعد يا حسن ، فصعدت فوقفت بالباب.

فقال لي صاحب الزمان عليه‌السلام :

«يا حسن! أتراك خفيت عليَّ. واللّه ما من وقت في حجّك إلاّ وأنا معك فيه.

ثمَّ جعل يعدُّ عليَّ أوقاتي.

فوقعت [مغشياً] على وجهي ، فحسست بيدٍ قد وقعت عليَّ فقمت.

فقال لي : يا حسن! الزم دار جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، ولا يهمّك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك.

ثمَّ دفع إليَّ دفتراً فيه دعاء الفرج وصلاة عليه ، فقال : بهذا فادع وهكذا صلِّ عليَّ ، ولا تعطه إلاّ محقّي أوليائي ، فإنَّ اللّه جلَّ جلاله موفّقك.

فقلت : يا مولاي لا أراك بعدها؟

فقال : ياحسن ، إذا شاء اللّه».

قال : فانصرفت من حجّتي ولزمت دار جعفر بن محمد عليهما‌السلام. فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلّا لثلاث خصال : لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الإفطار ، وادخل بيتي وقت الإفطار فأصيب رباعيّاً مملوءاً ماءً ورغيفاً على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنهار. فآكل ذلك فهو كفاية لي ، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء ، وكسوة الصيف في وقت الصيف.

وإنّي لأدخل الماء بالنهار فأرشّ البيت وأدع الكوز فارغاً ، فاُوتي بالطعام

٩٢

ولا حاجة لي إليه ، فاصّدّق به ليلاً كيلا يعلم بي من معي (١).

٤ ـ حديث الحسن بن وجناء ، عن أبيه ، عن جدّه انه سمعه يقول : أنه كان في دار الحسن بن علي عليهما‌السلام ، فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن علي الكذاب ، واشتغلوا بالنهب والغارة وكانت همّتي في مولاي القائم عليه‌السلام.

قال : فاذا [أنا] به عليه‌السلام قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر اليه وهو عليه‌السلام ابن ستّ سنين. فلم يرهُ أحدٌ حتى غاب (٢).

٥ ـ حديث علي بن سنان الموصلي قال : حدّثني أبي ، قال : لما قبض سيدنا ابو محمد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليهما ، وَفَد من قم والجبال وفودٌ بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة ، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه‌السلام.

فلمّا أن وصلوا إلى سرَّ من رأى ، سألوا عن سيّدنا الحسن بن عليّ عليهما‌السلام ، فقيل لهم : إنّه قد فقد.

فقالوا : ومن وارثه؟

قالوا : أخوه جعفر بن عليّ.

فسألوا عنه ، فقيل لهم : إنّه قد خرج متنزّهاً وركب زورقاً في الدجلة يشرب ومعه المغنّون.

قال : فتشاور القوم فقالوا : هذه ليست من صفة الإمام ، وقال بعضهم لبعض : امضوا بنا حتّى نردّ هذه الأموال على أصحابها.

فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميريُّ القمّي : قفوا بنا حتّى ينصرف

__________________

(١) كمال الدين : ص ٤٤٣ ب ٤٣ ح ١٧.

(٢) كمال الدين : ص ٤٧٣ ب ٤٣ ح ٢٥.

٩٣

هذا الرجل ونختبر أمره بالصحّة.

قال : فلمّا انصرف ، دخلوا عليه فسلّموا عليه وقالوا : يا سيّدنا ، نحن من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها ، وكنّا نحمل الى سيّدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال.

فقال : وأين هي؟

قالوا : معنا.

قال : احملوها إليَّ.

قالوا : لا ، إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً.

فقال : وما هو؟

قالوا : إنَّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران. ثمَّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه ، وكنّا إذا وردنا بالمال على سيّدنا أبي محمد عليه‌السلام يقول : جملة المال كذا وكذا ديناراً؛ من عند فلان كذا ومن عند فلان كذا ، حتّى يأتى على أسماء الناس كلّهم ويقول ما على الخواتيم من نقش.

فقال جعفر : كذبتم ، تقولون على أخي ما لا يفعله ، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلاّ اللّه.

قال : فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر الى بعض ، فقال لهم : احملوا هذا المال إليَّ.

قالوا : إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال ولا نسلّم المال إلاّ بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن بن علي عليهما‌السلام ، فإن كنت الإمام فبرهن لنا ، وإلّا رددناها إلى أصحابها ، يرون فيها رأيهم.

قال : فدخل جعفر على الخليفة ـ وكان بسرَّ من رأى ـ فاستعدى عليهم.

٩٤

فلمّا احضروا قال الخليفة : احملوا هذا المال إلى جعفر.

قالوا : أصلح اللّه أمير المؤمنين ، إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال ، وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلّمها إلاّ بعلامة ودلالة ، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام.

فقال الخليفة : فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمّد؟

قال القوم : كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي. فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه ، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا ، وقد مات.

فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه ، وإلاّ رددناها إلى أصحابها.

فقال جعفر : يا أمير المؤمنين ، إنَّ هؤلاء قوم كذَّابون ، يكذبون على أخي وهذا علم الغيب.

فقال الخليفة : القوم رسل ، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين.

قال : فبهت جعفر ولم يرد جواباً.

فقال القوم : يتطوَّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى مَن يبدرقنا حتى نخرج من هذه البلدة.

قال : فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها.

فلما أن خرجوا من البلد ، خرج إليهم غلامٌ أحسن الناس وجهاً ، كأنّه خادم. فنادى : يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان ، أجيبوا مولاكم.

قال : فقالوا : أنت مولانا؟

قال : معاذ اللّه! أنا عبد مولاكم فسيروا إليه.

قالوا : فسرنا [إليه] معه ، حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي عليهما‌السلام ، فإذا

٩٥

ولده القائم سيّدنا عليه‌السلام قاعد على سرير كأنّه فلقه قمر ، عليه ثياب خضر. فسلّمنا عليه ، فردَّ علينا السلام. ثمَّ قال :

«جملة المال كذا وكذا ديناراً ، حمل فلان كذا ، [وحمل] فلان كذا.

ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع؛ ثمَّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدوابّ.

فخررنا سجّداً للّه عزّ وجلّ شكراً لما عرَّفنا ، وقبّلنا الأرض بين يديه ، وسألناه عمّا أردنا فأجاب. فحملنا إليه الأموال.

وأمرنا القائم عليه‌السلام أن لا نحمل الى سرَّ من رأي بعدها شيئاً من المال ، فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات.

قالوا : فانصرفنا من عنده ، ودفع الى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميريّ شيئاً من الحنوط والكفن ، فقال له : أعظم اللّه أجرك في نفسك».

قال : فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفّى رحمه‌الله.

وكان بعد ذلك نحمل الأموال الى بغداد الى النواب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات (١).

٦ ـ حديث محمد بن اسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ـ وكان أسنّ شيخ من ولد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعراق ـ قال :

رأيت إبن الحسن بن عليّ بن محمد عليهم‌السلام بين المسجدين وهو غلام (٢).

٧ ـ حديث أحمد بن ابراهيم بن ادريس ، عن أبيه انه قال :

رأيته عليه‌السلام بعد مضيّ أبي محمد حين أيفع ـ اي راهق العشرين من عمره ـ

__________________

(١) كمال الدين : ٤٧٦ ب ٤٣ ح ٢٦.

(٢) الارشاد : ج ٢ ص ٣٥١ ح ١.

٩٦

وقبّلتُ يده ورأسه (١).

٨ ـ حديث الآودي ـ في حدود سنة ثلاثمائه ـ قال : بينا أنا في الطواف ـ وقد طفتُ ستّة وأريد أن أطوف السابعة ـ فاذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشابٌّ حسن الوجه ، طيب الرائحة ، هيوب ، ومع هيبته متقرب الى الناس.

فتكلم فلم أرَ أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه.

فذهبت اُكلّمه فَزَبرَني الناس ، فسألت بعضَهم : من هذا؟

فقال : ابن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! يظهر للناس في كل سنة يوماً لخواصّه ، فيحدّثهم ويحدّثونه.

فقلتُ : مسترشد أتاك ، فارشدني هداك اللّه.

قال : فناولني حصاة ، فحوّلت وجهي.

فقال لي بعض جلساءه : ما الذي دفع اليك ابن رسول اللّه؟

فقلت : حصاة ، فكشفت عن يدي فاذا أنا بسبيكة من ذهب ، وإذا أنا به قد لحقني فقال :

«ثبتت عليك الحجة وظهر لك الحق وذهب عنك العمى ، أتعرفني؟

فقلت : اللهم لا.

فقال المهدي : أنا قائم الزمان ، أنا الذي أملأها عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ...» (٢).

٩ ـ حديث محمد بن أحمد الأنصاري في سنة ٢٩٣ قال : كنت حاضراً عند المستجار بمكّة وجماعة زهاء ثلاثين رجلاً ، لم يكن منهم مخلص غير

__________________

(١) الارشاد : ج ٢ ص ٣٥٣ ح ٧.

(٢) الغيبة لشيخ الطائفة : ص ١٥٢.

٩٧

محمّد بن القاسم العلوي.

فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، إذ خرج علينا شاب من الطواف عليه أزاران؛ محرم بهما ، وفي يده نعلان. فلما رأيناه قمنا جميعاً هيبة له ولم يبق منا أحد إلا قام ، فسلم علينا وجلس متوسطاً ونحن حوله.

ثم التفت يميناً وشمالاً (ثم قال) :

«أتدرون ما كان أبو عبداللّه عليه‌السلام يقول في دعاء الالحاح؟ قال كان يقول :

اللهم إني أسألك باسمك الذي به تقوم السماء وبه تقوم الأرض ، وبه تفرق بين الحق والباطل ، وبه تجمع بين المتفرق ، وبه تفرق بين المجتمع ، وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار؛ أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي من أمري فرجاً.

ثم نهض ودخل الطواف. فقمنا لقيامه حتى انصرف.

وأُنسينا أن نذكر أمره وان تقول من هو ، وأي شيء هو ، الى الغد في ذلك الوقت فخرج علينا من الطواف ، فقمنا له كقيامنا بالأمس ، وجلس في مجلسه متوسطاً ، فنظر يميناً وشمالاً وقال :

أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد صلاة الفريضة؟

فقلنا : وما كان يقول؟

قال : كان يقول :

اليك رفعت الأصوات وعنت الوجوه ، ولك وضعت الرقاب ، واليك التحاكم في الأعمال. ياخير من سئل ، ويا خير من أعطى؛ يا صادق يا بارئ ، يا من لا يخلف الميعاد ، يا من أمر بالدعاء ووعد بالاجابة ، يا من قال : (ادعوني استجب لكم) ، يا من قال : (اذا سئلك عبادي عني فاني قريب اُجيب دعوة

٩٨

الداع اذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ، ويا من قال : (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم).

لبيك وسعديك ، ها أنا ذا بين يديك المسرف ، وأنت القائل : (لا تقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعاً).

ثم نظر يميناً وشمالاً ـ بعد هذا الدعاء ـ فقال :

أتدرون ما كان امير المؤمنين عليه‌السلام يقول في سجدة الشكر؟

فقلنا؟ وما كان يقول؟

قال : كان يقول :

يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلا سعة وعطاء ، يا من لا تنفذ خزائنه ، يا من له خزائن السماوات والأرض ، يا من له خزائن ما دق وجلّ؛ لا تمنعك اساءتي من احسانك. أنت تفعل بي الذي أنت أهله ، فانك أنت اهل الكرم والجود والعفو والتجاوز.

يا رب يا اللّه ، لا تفعل بي الذي أنا اهله ، فاني أهل العقوبة وقد استحققتها ، لا حجة لي ولا عذر لي عندك. أبوء لك بذنوبي كلها ، واعترف بهاكي تعفو عني ، وأنت اعلم بها مني. أبوء لك بكل ذنب أذنبته ، وكل خطيئة احتملتها ، وكل سيئة عملتها. رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم.

وقام ودخل الطواف فقمنا لقيامه وعاد من الغد في ذلك الوقت. فقمنا لاقباله كفعلنا فيما مضى.

فجلس متوسطاً ونظر يميناً وشمالاً فقال : كان علي بن الحسين سيد العابدين عليه‌السلام يقول في سجوده في هذا الموضع ـ واشار بيده الى الحِجر تحت الميزاب ـ.

٩٩

عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك ، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك.

ثم نظر يميناً وشمالاً ونظر الى محمد بن القاسم من بيننا ، فقال :

يا محمد بن القاسم ، أنت على خير إن شاء اللّه تعالى ـ وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر ـ.

ثم قام ودخل الطواف ، فما بقي منا احد إلا وقد ألهم ما ذكره من الدعاء وأنسينا أن نتذاكر أمره إلا في آخر يوم.

فقال لنا أبو على المحمودي : يا قوم ، أتعرفون هذا؟ هذا واللّه صاحب زمانكم.

فقلنا : وكيف علمت يا ابا علي؟

فذكر أنه مكث سبع سنين يدعو ربه ويسأله معاينة ، صاحب الزمان.

(قال :) فبينا نحن يوماً عشية عرفة وإذا بالرجل بعينه ، يدعو بدعاء وعيته.

فسألته ممن هو؟

فقال : من الناس.

قلت : من أي الناس؟

قال : من عربها.

قلت : من أي عربه؟

قال : من أشرفها.

قلت : ومن هم؟

قال : بنو هاشم.

قلت : من أي بني هاشم؟

فقال : من أعلاها ذروة واسناها.

١٠٠