الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

السيد علي الحسيني الصدر

الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢

قلت : يا ربّ ومن هؤلاء؟

قال : هؤلاء الأئمّة وهذا القائم الذي يحلّل حلالي ويحرّم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين» (١).

٣ ـ وفي حديثة الثالث في المعراج أيضاً ، عن عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن الامام الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :

«فنظرت ـ وأنا بين يدي ربّي ـ إلى ساق العرش ، فرأيت اثني عشر نوراً ، في كلّ نور سطر أخضر ، مكتوبٌ عليه اسم كلّ وصيّ من أوصيائي. أوّلهم عليُّ بن ابي طالب وآخرهم مهديُّ اُمّتي.

فقلت : يا ربّ ، أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟

فنوديت : يا محمّد ، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريّتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك.

وعزّتي وجلالي لأظهرنَّ بهم ديني ، ولأعلينَّ بهم كلمتي ، ولاُطهّرنَّ الأرض بآخرهم من أعدائي.

ولاُملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولاُسخّرنَّ له الرياح ، ولأذلّلنَّ له الرقاب الصعاب ، ولاُرقينّه في الأسباب ، ولأنصرنّه بجندي ، ولأمدَّنَّه بملائكتي حتّى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي.

ثمّ لاُديمنَّ مُلكه ولاُداولنَّ الأيّام بين أوليائي الى يوم القيامة» (٢).

٤ ـ وبالسند المتصل الى ابن عباس ، قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) كمال الدين : ص ٢٥٢ ب ٢٣ ح ٢.

(٢) كمال الدين : ص ٢٥٦ ب ٢٣ ح ٤.

٤١

«إنَّ اللّه تبارك وتعالى أطلع الى الأرض إطلاعة ، فاختارني منها فجعلني نبيّاً. ثمَّ أطلع الثانية ، فاختار منها عليّاً فجعله إماماً. ثمَّ أمرني أن أتّخذه أخاً ووليّاً ووصيّاً وخليفةً ووزيراً. فعليُّ منّي وأنا من عليٍّ وهو زوج ابنتي وأبو سبطيَّ الحسن والحسين.

ألا وإنَّ اللّه تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده ، وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري ، ويحفظون وصيّتي. التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهديُّ اُمّتي. أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله. يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة ، فيعلن أمر اللّه ، ويظهر دين اللّه عزّ وجلّ؛ يُؤيّد بنصر اللّه وبنصر الملائكة فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» (١).

٥ ـ وفي حديث علي بن عاصم ، عن الامام الجواد ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن الامام الحسين عليه‌السلام ، أنّه قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي بن كعب :

«إنَّ اللّه عزّ وجلّ ركّب في صلب الحسن (أي العسكري) نطفة مباركة زكيّة طيّبة طاهرة مطهّرة ، يرضى بها كلُّ مؤمن ممّن أخذ اللّه عزّ وجلّ ميثاقه في الولاية ، يكفر بها كلُّ جاحد.

فهو إمام تقيٌّ نقيٌّ بارٌّ مرضيٌّ هاد مهديٌّ ، أوَّل العدل وآخره؛ يصدّق اللّه عزّ وجلّ ويصدّقه اللّه في قوله. يخرج من تهامة حتّى تظهر الدلائل والعلامات ، وله بالطالقان كنوز لا ذهبٌ ولا فضّةٌ إلاّ خيولٌ مطهّمة ورجال مسوّمة. يجمع اللّه عزّ وجلّ له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ، ثلاثمائه وثلاثة عشر رجلاً. معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وصنائعهم وكلامهم وكناهم؛ كرّارون مجدّون في طاعته.

__________________

(١) كمال الدين : ص ٢٥٧ ب ٢٤ ح ٢.

٤٢

فقال له اُبيٌّ : وما دلائله وعلاماته يا رسول اللّه؟

قال : له عَلَمٌ إذا حان وقت خروجه ، انتشر ذلك العَلم من نفسه ، وأنطقه اللّه تبارك وتعالى ، فناداه العَلم : اُخرج يا وليَّ اللّه فاقتل أعداء اللّه.

وله رايتان وعلامتان ، وله سيف مغمد ، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غِمده ، وأنطقه اللّه عزّ وجلّ فناداه السيف : اُخرج يا وليَّ اللّه.

فلا يحلُّ لك أن تقعد عن أعداء اللّه.

فيخرج ويقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم ، ويقيم حدود اللّه ويحكم بحكم اللّه. يخرج وجبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وشعيب وصالح على مقدّمه ، فَسَوف تذكرون ما أقول لكم ، واُفوّض أمري إلى اللّه عزّ وجلّ ولو بعد حين.

يا اُبيُّ ، طوبى لمن لقيه ، وطوبى لمن أحبّه ، وطوبى لمن قال به. ينجيهم اللّه من الهلكة بالاقرار به وبرسول اللّه وبجميع الأئمّة؛ يفتح لهم الجنّة. مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغيّر أبداً ، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفئ نوره أبداً» (١).

٦ ـ خطبة الغدير المباركة ، المروية باسناد عديدة ، منها : سند الشيخ الطبرسي ، عن علقمة بن محمد الحضرمي ، عن الامام الباقر عليه‌السلام ، جاء فيها قول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«معاشر الناس ، النور من اللّه عزّ وجلّ فيَّ مسلوك ، ثم في علي ، ثم في النسل منه الى القائم المهدي الذي يأخذ بحق اللّه وبكل حقّ هو لنا.

لأنّ اللّه عزّ وجلّ قد جعلنا حجّة على المقصرين والمعاندين والمخالفين

__________________

(١) كمال الدين : ص ٢٥٦ ب ٢٤ ح ١١.

٤٣

والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين» (١).

٧ ـ ما تظافر نقله من طريق الفريقين في الحديث المسند عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال :

«المهدي من ولدي؛ إسمه إسمي وكنيته كنيتي؛ أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً. تكون له غيبة وحيرة حتى تضلّ الخلق عن أديانهم.

فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً (٢).

__________________

(١) الاحتجاج : ج ١ ص ٧٧. كمال الدين : ص ٢٨٦ ب ٢٥ ح ١ ـ ٣ ، ٥ ، ٧.

(٢) كمال الدين : ص ٢٨٧ ب ٢٥ ح ٣. ينابيع المودة : ص ٤٩٣. واعلم أن هذا هو المعتبر في لفظ الحديث ، ولا عبرة بما ورد من زيادة لفظ : «واسم ابيه اسم ابي» في حديث ابي داود ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن زُر ، عن عبدالله ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لاختلاله سنداً ومتناً.

اما السند ، فلاشتماله على زائدة الذي كان يزيد في الاحاديث عند نفس الجمهور كما حكاه عنهم في كشف الغمة.

واما المتن ، فلمخالفته مع الاحاديث المتواترة المصرحة بأن اسم أبيه الحسن عليهما‌السلام.

بل هذا الخبر مخدوش حتى عند نفس العامة ؛ ففي كتاب البيان للحافظ الكنجي الشافعي : ص ٩٣ ، جاء ما نصه :

«الأحاديث الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعها خالية من جملة واسم ابيه اسم أبي ... ، وقد ذكر الترمذي الحديث ولم يذكر قوله : واسم ابيه اسم أبي. وفي معظم روايات الحفاظ والثقاة من نقلة الأخبار «اسمه اسمي» فقط ....

والقول الفصل في ذلك : أن الامام أحمد مع ضبطه وإتقانه ، روى الحديث في مسنده في عدة مواضع : اسمه اسمي».

٤٤

(٢)

بشارة أمير المؤمنين عليه‌السلام

١ ـ ما رواه الشيخ الصدوق باسناد عديدة ، عن كميل بن زياد ، قال :

أخذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بيدي فأخرجني الى ظهر الكوفة. فلما أضحى تنفّس ثم قال :

«يا كميل ، ان هذه القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها. احفظ عني ما أقول لك ، الى قوله :

اللهم بلى ، لا تخلو الأرض من قائم بحجّة؛ [إمّا] ظاهر مشهور ، أو خاف مغمور ، لئلاّ تبطل حجج اللّه وبيّناته. وكم ذا وأين اُولئك. أولئك واللّه الأقلّون عدداً ، والأعظمون خطراً. بهم يحفظ اللّه حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقائق الاُمور ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، [و] صحبوا الدُّنيا بأبدان أرواحها معلّقه بالمحلِّ الأعلى.

يا كميل ، أولئك خلفاء اللّه في أرضه والدعاة الى دينه. آه آه شوقاً الى رؤيتهم ، وأستغفر اللّه لي ولكم» (١).

٢ ـ بالاسناد الى سيدنا عبدالعظيم الحسني ، عن الامام الجواد ، عن آبائه الطاهرين ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال :

«للقائم منّا غيبة أمدها طويل. كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته؛ يطلبون المرعى فلا يجدونه.

الا فمن ثبت منهم على دينه ، ولم يقسُ قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي

__________________

(١) كمال الدين : ص ٢٩٠ ب ٢٦ ح ٢.

٤٥

في درجتي يوم القيامة.

ثمّ قال عليه‌السلام : إنَّ القائم منّا إذا قام ، لم يكن لأحد في عنقه بيعة ، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه» (١).

٣ ـ بالاسناد الى الحسين بن خالد ، عن الإمام الرضا ، عن آبائه الكرام ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام أنه قال لولده الحسين عليه‌السلام : «التاسع من ولدك يا حسين ، هو القائم بالحقّ ، المظهر للدين والباسط للعدل.

قال الحسين : فقلت له : يا أمير المؤمنين ، وإنّ ذلك لكائن؟

فقال عليه‌السلام : إي والذي بعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوَّة واصطفاه على جميع البريّة ، ولكن بعد غيبة وحيرة؛ فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين ، الذين أخذ اللّه عزّ وجلّ ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه» (٢).

٤ ـ تمام الخطبة التي أوردها السيد الرضي في نهج البلاغة وهي الخطبة رقم ٩٢ واستدركها ابن ابي الحديد في شرحه ، وهي :

«فانظروا أهل بيت نبيّكم ، فان لَبدُوا فألبدو ، وان استنصروكم فانصروهم ، فليفرجَنَّ اللّه الفتنة برجلٍ منّا أهل البيت بأبي إبن خيرة الاماء ...» (٣).

٥ ـ حديث وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام لولده الامام الحسن عليه‌السلام الذي جاء فيه : «ثم تقدّم ـ يا أبا محمّد ـ وصَلِّ عليَّ يا بُنيّ يا حسن وكبّر عليَّ سبعاً.

واعلم أنّه لا يحلّ ذلك على أحد غيري الاّ على رجلٍ يخرج في آخر

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣٠٣ ب ٢٦ ح ١٤.

(٢) كمال الدين : ص ٣٠٤ ب ٢٦ ح ١٦.

(٣) شرح النهج : ج ٧ ص ٥٨ وقوله عليه‌السلام : فان لبدوا اي أقاموا في مكانهم

٤٦

الزمان ، اسمه القائم المهدي من وُلده أخيك الحسين. يُقيم إعوجاج الحق ...» (١).

(٣)

بشارة سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها‌السلام

١ ـ حديث الدرّة البيضاء المروية عن سيدة النساء عليها‌السلام ، التي نزلت في ميلاد الامام المجتبى عليه‌السلام ، وفيها اسماء المعصومين عليهم‌السلام مع اُمّهاتهم سلام اللّه عليهنّ. جاء فيه : ...

«أبو القاسم محمّد بن الحسن ، هو حجّة اللّه تعالى على خلقه القائم. امّه جارية اسمها نرجس» (٢).

٢ ـ حديث اللوح الزمرّدي الذي نزل في ميلاد الامام الحسين عليه‌السلام باسماء أهل البيت عليهم‌السلام ، وفيه :

«ثم اُكمل ذلك بإبنه رحمة للعالمين. عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب.

ستذل أوليائي في زمانه ويتهادون رؤوسهم كما تُهادى رؤوس الترك والديلم. فيُقتلون ويُحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين؛ تصبغ الأرض من دمائهم ، ويفشو الويل والرنين في نسائهم.

أولئك أوليائي حقّاً؛ بهم أدفع كلَّ فتنة عمياء حندس ـ أي مُظلمة ـ ، وبهم أكشف الزلازل ، وأرفع عنهم الآصار والأغلال.

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٤٢ ص ب ١٢٧.

(٢) كمال الدين : ص ٣٠٧ ب ٢٧ ح ١.

٤٧

أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون» (١).

٣ ـ حديث الخزّار بسنده ، عن سهل بن سعد الأنصاري قال : سألتُ فاطمة بنت محمّد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأئمّة؟

فقالت : «كان رسول اللّه يقول لعلي عليه‌السلام :

يا علي ، أنت الامام والخليفة بعدي ، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا مضيت فإبنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فاذا مضى الحسن فإبنك الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى الحسين فإبنك علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى علي فإبنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى محمد فإبنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى جعفر فإبنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى موسى فإبنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى عليّ فإبنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى محمد فإبنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى عليّ فإبنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

يفتح اللّه تعالى به مشارق الأرض ومغاربها.

فهم ائمة الحق ، وألسنة الصدق. منصور من نصرهم؛ مخذول من خذلهم» (٢).

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣١٠ ب ٢٧ ح ١.

(٢) كفاية الأثر : ص ١٩٥.

٤٨

(٤)

بشارة الإمام الحسن عليه‌السلام

١ ـ الحديث المسند الى أبي سعيد عقيصا قال : لما صالح الحسن بن عليّ عليهما‌السلام معاوية بن أبي سفيان ، دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته ، فقال عليه‌السلام :

«ويحكم! ما تدرون ما عملت. واللّه الذي عملت خيرٌ لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت ، ألا تعلمون أنّني إمامكم مفترض الطاعة عليكم وأحد سيّدَي شباب أهل الجنّه بنصٍّ من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليَّ؟

قالوا : بلى.

قال : أما علمتهم أنَّ الخضر عليه‌السلام لمّا خرق السفينة واقام الجدار وقتل الغلام ، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك؟ وكان ذلك عند اللّه تعالى ذكره حكمة وصواباً.

أما علمتم أنّه ما منّا أحدٌ إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي روح اللّه عيسى بن مريم عليه‌السلام خلفه؟

فانَّ اللّه عزّ وجلّ يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج. ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ، ابن سيّدة الإماء. يطيل اللّه عمره في غيبته ، ثمَّ يظهره بقدرته في صورة شابٍّ دون اربعين سنة. ذلك ليعلم أنَّ اللّه على كلِّ شيء قدير» (١).

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣١٦ ب ٢٩ ح ٢.

٤٩

(٥)

بشارة الإمام الحسين عليه‌السلام

١ ـ حديث عبدالرحمن بن سليط قال : قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام :

«منا اثني عشر مهديّاً ، أوَّلهم أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحقِّ.

يحيي اللّه به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحقِّ على الدين كلّه ولو كره المشركون.

له غيبة يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون ، فيؤذَون ويقال لهم : (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين).

أما إنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

(٦)

بشارة الإمام السجّاد عليه‌السلام

١ ـ خطبته الشريفة في الجامع الأموي بدمشق أمام الحشد الكثير ، جاء فيه :

«أيها الناس! اُعطينا ستاً وفضّلنا بسبع ، الى قوله :

ومنّا مهديُّ هذه الاُمّة» (٢).

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣١٧ ب ٣٠ ح ٣.

(٢) عن منتخب الطريحي في : معالي السبطين : ج ٢ ص ١٠٥.

٥٠

٢ ـ حديث ابي خالد الكابلي ، عن الامام زين العابدين عليه‌السلام في الذين فرض اللّه عزّ وجلّ طاعتهم ومودتهم وأوجب على عبادة الاقتداء بهم بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم ما يصيب الامام المهدي عليه‌السلام من المحن بعد شهادة والده ، جاء فيه :

قال أبو خالد : فقلت له : يابن رسول اللّه ، وانَّ ذلك لكائنٌ؟

فقال : «إي وربّي. إن ذلك لمكتوبٌ عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال أبو خالد : فقلت : يا ابن رسول اللّه ، ثمَّ يكون ماذا؟

قال : ثمَّ تمتدُّ الغيبة بوليِّ اللّه عزّ وجلّ ، الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة بعده.

يا أبا خالد ، إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره ، أفضل من أهل كلِّ زمان ، لأنَّ اللّه تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهد ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسيف.

اولئك المخلصون حقّاً ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة الى دين اللّه عزّ وجلّ سرّاً وجهراً».

وقال عليُّ بن الحسين عليهما‌السلام : «إنتظار الفرج من أعظم الفرج» (١).

٣ ـ حديث سعيد بن جبير قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول :

«في القائم منا سننٌ من الأنبياء. [سُنّة من أبينا آدم عليه‌السلام ، و] سُنّة من ابراهيم ، وسُنّة من موسى ، وسُنّة من عيسى ، وسُنّة من أيوب ، وسُنّة من محمّد

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣٢ ب ٣١ ح ١.

٥١

صلوات اللّه عليهم.

فأما [من آدم و] نوح فطول العُمر ، وأما من ابراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأما من موسى فالنخوف والغيبة ، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه ، واما من أيّوب فالفَرَج بعد البلوى ، وأما من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالخروج بالسيف» (١).

(٧)

بشارة الإمام الباقر عليه‌السلام

١ ـ حديث محمد بن مسلم الثقفي الطحّان قال : دخلت على ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام وأنا اُريد أن اسأله عن القائم من آل محمّد صلّى اللّه عليه وعليهم. فقال لي مبتدئاً :

«يا محمّد بن مسلم! إنَّ في القائم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شبهاً من خمسة من الرُّسل : يونس بن متى ، ويوسف بن يعقوب ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد صلوات اللّه عليهم.

فأمّا شبه من يونس بن متى ، فرجوعه من غيبته وهو شابٌّ بعد كبر السنِّ.

وأمّا شبهه من يوسف بن يعقوب عليهما‌السلام ، فالغيبة من خاصّته وعامّته واختفاؤه من إخوته ، وإشكال أمره على أبيه يعقوب عليهما‌السلام ، مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.

وأمّا شبهه من موسى عليه‌السلام ، فدوام خوفه ، وطول غيبته ، وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان ، الى أن أذن اللّه عزّ وجلّ في ظهوره ونصره وأيّده على عدوّه.

__________________

(١) كمال الدين ٣٢٢ ب ٣١ ح ٣.

٥٢

وأمّا شبهه من عيسى عليه‌السلام ، فاختلاف من اختلف فيه ، حتّى قالت طائفة منهم : ما ولد ، وقالت طائفة : مات ، وقالت طائفة : قتل وصلب.

وأمّا شبهه من جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخروجه بالسيف ، وقتله أعداء اللّه وأعداء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والجبّارين والطواغيت ، وأنّه ينصر بالسيف والرُّعب ، وأنّه لا تردُّ له راية ...» (١).

٢ ـ حديث جابر الجعفي ، عن الامام الباقر عليه‌السلام انه قال :

«يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم. فيا طوبى للثّابتين على أمرنا في ذلك الزمان.

إنَّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جلَّ جلاله فيقول :

عبادي وإمائي! آمنتم بسرّي وصدَّقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب منّي ، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً؛ منكم أتقبّل ، وعنكم أعفو؟ ولكم أغفر ، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء ، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي.

قال جابر : فقلت : يابن رسول اللّه ، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟

قال : حفظ اللسان ولزوم البيت» (٢).

٣ ـ حديث النعماني بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام ذات يوم ، فلما تفرّق من كان عنده قال لي :

«يا أبا حمزة! من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه ، قيام قائمنا. فمن شك فيما أقول ، لقى اللّه [سبحانه] وهو به كافر وله جاحد.

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣٢٧ ص ٣٢ ح ٧.

(٢) كمال الدين : ص ٣٣٠ ب ٣٢ ح ١٥.

٥٣

ثم قال : بأبي واُمّي المسمّي باسمي ... ، السابع من بعدي. بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ثم قال : يا أبا حمزة ، من أدركه فلم يسلّم له فما سلّم لمحمد وعلي عليهما‌السلام ، وقد حرّم اللّه عليه الجنّة ، ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين» (١).

(٨)

بشارة الإمام الصادق عليه‌السلام

١ ـ حديث ابراهيم الكرخي قال : دخلت على أبي عبداللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام وإنّي لجالس عنده ، إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وهو غلام. فقمت إليه فقبّلته وجلست. فقال ابو عبداللّه عليه‌السلام :

«يا إبراهيم ، أما إنّه [لـ] صاحبك من بعدي. أما ليهلكنَّ فيه أقوام ويسعد [فيه] آخرون. فلعن اللّه قاتله وضاعف على روحه العذاب.

أما ليخرجنَّ اللّه من صلبه خير أهل الأرض في زمانه؛ سميُّ جدِّه ، ووارث علمه وأحكامه وفضائله ، [و] معدن الإمامة ، ورأس الحكمة. يقتله جبّار بني فلان ، بعد عجائب طريفة حسداً له ، ولكنَّ اللّه [عزّ وجلّ] بالغ أمره ولو كره المشركون.

يخرج اللّه من صلبه تكملة اثني عشر إماماً مهديّاً ، اختصهم اللّه بكرامته وأحلّهم دار قدسه. المنتظر للثاني عشر منهم كالشاهر سيفة بين يدي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذبُّ عنه.

قال : فدخل رجل من موالي بني اُميّة ، فانقطع الكلام.

__________________

(١) الغيبة للنعماني : ص ٨٦ ب ٤ ح ١٧.

٥٤

فعدت الى أبي عبداللّه عليه‌السلام إحدى عشرة مرّة اُريد منه أن يستتمَّ الكلام ، فما قدرت على ذلك. فلمّا كان قابل السنة الثانية دخلت عليه وهو جالسٌ فقال :

يا ابراهيم ، هو المفرِّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد ، وبلاء طويل وجزع وخوف. فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان؛ حسبك يا إبراهيم».

قال ابراهيم : فما رجعت بشيء أسرُّ من هذا لقلبي ولا أقرُّ لعيني (١).

٢ ـ حديث أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«إن سنن الأنبياء عليهم‌السلام بما وقع بهم من الغيبات ، حادثة في القائم منّا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة.

قال أبو بصير : فقلت : يابن رسول اللّه ، ومن القائم منكم أهل البيت؟

فقال : يا أبابصير ، هو الخامس من ولد ابني موسى؛ ذلك ابن سيّدة الإماء ، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون. ثمَّ يظهره اللّه عزّ وجلّ ، فيفتح اللّه على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح اللّه عيسى بن مريم عليه‌السلام فيصلّي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربّها ، ولا تبقى في الأرض بقعة عُبد فيها غير اللّه عزّ وجلّ الا عُبد اللّه فيها ، ويكون الدين كلّه للّه ولو كره المشركون» (٢).

٣ ـ حديث سدير الصير في المفصل الشريف ، قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تعلب على مولانا أبي عبداللّه الصادق عليه‌السلام ، فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسحٌ (أي كساء من الشَّعر) ، خيبري مطوّق بلا جيب ، مقصّر الكمّين ، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ، ذات الكبد الحرَّى؛ قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيير في عارضيه ، وابلى الدموع محجريه وهو يقول :

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣٣٤ ب ٣٣ ح ٥.

(٢) كمال الدين : ص ٣٤٥ ب ٣٣ ح ٣١.

٥٥

«سيّدي غيبتك نفت رقادي ، وضيّقت عليَّ مهادي ، وابتزَّت منّي راحة فؤادي.

سيّدي غيبتك اوصلت مصابي بفجايع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد.

فما أحسُّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا ، إلاّ مثّل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدّها وأنكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك».

قال سدير : فاستطارت عقولنا ولهاً ، وتصدَّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل ، وظننّا أنّه سَمَت (اي تهيأ) لمكروهة قارعة ، أو حلّت به من الدهر بائقة.

فقلنا : لا أبكى اللّه يا ابن خير الورى عينيك من ايّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك ، وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟

قال : فزفر الصادق عليه‌السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتدَّ عنها خوفة ، وقال :

ويلكم! نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم ، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون الى يوم القيامة ، الذي خصّ اللّه به محمّداً والأئمّة من بعده عليهم‌السلام؛ وتأمّلت منه مولد قائمنا وغيبته وابطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم التي قال اللّه تقدّس ذكره : (وكلَّ إنسان ألزمناه طائرَهُ في عنقه) (١) (يعني الولاية). فأخذتني الرقّة واستولت عليَّ الأحزان.

__________________

(١) سورة الاسراء : الآية ١٣.

٥٦

فقلنا : يا ابن رسول اللّه ، كرّمنا وفضّلنا بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك.

قال : إنَّ اللّه تبارك وتعالى أدار للقائم منّا ثلاثة ، أدارها في ثلاثة من الرسل عليهم‌السلام.

قدّر مولده تقدير مولد موسى عليه‌السلام ، وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسى عليه‌السلام ، وقدّر إبطاءه تقدير ابطاء نوح عليه‌السلام ، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح (أعني الخضر عليه‌السلام) دليلاً على عمره.

فقلنا له : اكشف لنا يا ابن رسول اللّه عن وجوه هذه المعاني.

قال عليه‌السلام : أمّا مولد موسى عليه‌السلام ، فإنَّ فرعون لمّا وقف على أنَّ زوال ملكه على يده أمر باحضار الكهنة ، فدلّوه على نسبه وأنّه يكون من بني إسرائيل.

ولم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود ، وتعذّر عليه الوصول الى قتل موسى عليه‌السلام بحظ اللّه تبارك وتعالى إيّاه.

وكذلك بنو اُميّة وبنو العباس ، لمّا وقفوا على أنَّ زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منّا ، ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادة نسله ، طمعاً منهم في الوصول الى قتل القائم ، ويأبى اللّه عزّ وجلّ أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

وأمّا غيبة عيسى عليه‌السلام ، فإنَّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قُتل ، فكذّبهم اللّه جلّ ذكره بقوله : (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم) (١).

كذلك غيبة القائم ، فإنّ الاُمّه ستنكرها لطولها ، فمن قائل يهذي بأنّه لم

__________________

(١) سورة النساء : الآية ١٥٧.

٥٧

يلد؛ وقائل يقول : إنّه يتعدّى الى ثلاثة عشر وصاعداً ، وقائل يعصي اللّه عزّ وجلّ بقوله : إنَّ روح القائم ينطق في هيكل غيره.

وأمّا إبطاء نوح عليه‌السلام ، فانّه لمّا استنزلت العقوبة على قومه من السماء ، بعث اللّه عزّ وجلّ الروح الأمين عليه‌السلام بسبع نويات ، فقال : يا نبيَّ اللّه ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول لك : إنَّ هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّه؛ فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك ، فإنّي مثيبك عليه وأغرس هذه النوى ، فإنَّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص. فبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين.

فلمّا نبتت الأشجار وتأزَّرت وتسوّقت وتغصّنت وأثمرت وزها الثمر عليها بعد زمان طويل ، استنجز من اللّه سبحانه وتعالى العدة.

فأمر اللّه تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكّد الحجّة على قومه. فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتدّ منهم ثلاثمائة رجلٌ وقالوا : لو كان ما يدّعيه نوح حقّاً لما وقع في وعد ربّه خلف.

ثمّ إنَّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد اُخرى ، الى أن غرسها سبع مرّات. فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدُّ منه طائفة ، بعد طائفة الى أن عاد الى نيّف وسبعين رجلاً.

فأوحى اللّه تبارك وتعالى عند ذلك إليه ، وقال :

يا نوح ، الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحقُّ عن محضه وصفى [الأمر والايمان] من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة.

فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك ، لما كنت صدّقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوّتك ، بأن استخلفهم في الأرض واُمكّن لهم دينهم واُبدّل

٥٨

خوفهم بالأمن ، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم.

وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا وخبث طينهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة.

فلو أنّهم تسنّموا منّي الملك الذي اوتي المؤمنين وقت الاستخلاف اذا أهلكت أعداءهم ، لنشقوا روائح صفاته ولا ستحكمت سرائر نفاقهم. تأبّدت حبال ضلالة قلوبهم ، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة ، والتفرّد بالأمر والنهي.

وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين ، مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب ، كلاّ ، (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا).

قال الصادق عليه‌السلام : وكذلك القائم فإنّه تمتدُّ أيّام غيبته ليصرح الحقُّ عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الذين يخشى عليهم النفاق ، إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه‌السلام.

قال المفضّل : فقلت : يا ابن رسول اللّه ، فإنَّ [هذه] النواصب تزعم أنَّ هذه الآية (أي آية الاستخلاف ، يعني قوله تعالى : (وَعَد اللّهُ الذينَ آمنوا منكمُ وعملوا الصالحاتِ ليستخلفنَّهُم) الخ) ، نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليه‌السلام.

فقال : لا يهدي اللّه قلوب الناصبة. متى كان الدين الذي ارتضاه اللّه ورسوله متمكّناً بانتشار الأمن في الاُمّة ، وذهاب الخوف من قلوبها ، وارتفاع الشكّ من صدورها في عهد واحد من هؤلاء ، وفي عهد عليّ عليه‌السلام مع ارتداد المسلمين والفتن التي تثور في أيّامهم ، والحروب التي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم.

٥٩

ثمّ تلا الصادق عليه‌السلام : (حتّى إذا استيأسَ الرسُل وظنّوا أنّهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا).

وأمّا العبد الصالح (أعني الخضر عليه‌السلام) ، فإنَّ اللّه تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوّة قدّرها له ، ولا لكتاب ينزله عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء ، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها ، ولا لطاعة يفرضها له.

بلى ، إنَّ اللّه تبارك وتعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليه‌السلام في أيّام غيبته ما يقدّر ، وعَلِمَ ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول ، طوَّل عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب ذلك إلّا لعلّة الاستدلال به على عمر القائم عيه السّلام ، وليقطع بذلك حجّة المعاندين ، لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّة» (١).

(٩)

بشارة الإمام الكاظم عليه‌السلام

١ ـ حديث العباس بن عامر القصباني ، قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام يقول :

«صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد» (٢).

٢ ـ حديث داود بن كثير الرقي ، قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن صاحب هذا الأمر ، قال :

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣٥٢ ب ٣٣ ح ٥.

(٢) كمال الدين : ص ٣٦٠ ب ٣٤ ح ٢.

٦٠