الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

السيد علي الحسيني الصدر

الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢

ديارنا وأبنائنا ، وبُغي علينا ، دُفعنا عن حقّنا ، وافترى أهل الباطل علينا (١). فاللّه اللّه فينا ، لا تخذولونا وانصرونا ينصركم اللّه تعالى» (٢).

وفي حديث المفضل في البحار (٣) :

«وسيّدنا القائم عليه‌السلام مسند ظهره إلى الكعبة ويقول :

يا معشر الخلائق! ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث. فها أنا ذا آدم وشيث ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام ، فها أنا ذا نوح وسام. ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل ، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل. ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع. فها أنا ذا موسى ويوشع ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون ، فها أنا ذا عيسى وشمعون.

ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمّد وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما ، فها أنا ذا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام. ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين عليهما‌السلام ، فها أنا ذا الحسن والحسين. ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمّه من ولد الحسين عليهم‌السلام ، فها أنا ذا الأئمة عليهم‌السلام. أجيبوا إلى مسألتي ، فانّي اُنبّئكم بما نبّئتم به ومالم تنبّئوا به ، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع منّي.

ثمَّ يتبدئ بالصحف الّتي أنزلها اللّه على آدم وشيث عليهما‌السلام ، ويقول اُمّة آدم وشيث هبة اللّه : هذه واللّه هي الصحف حقّاً ، ولقد أرانا مالم نكن نعلمه فيها ، وما كان خفي علينا ، وما كان اُسقط منها وبدِّل وحرِّف.

ثمَّ يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والانجيل والزبور.

__________________

(١) في البحار طبعة الكمباني : «فأوثر أهل الباطل علينا» ، وفي الاحتصاص : «واثر علينا أهل الباطل» ، وما في البحار أنسب.

(٢) الغيبة (للنعمان) : ص ٢٨١ ب ١٤ ح ٦٧.

(٣) البحار : ج ٥٣ ص ٩.

٣٤١

فيقول أهل التوراة والانجيل والزبور : هذه واللّه صحف نوح وإبراهيم عليهما‌السلام حقّاً ، وما اُسقط منها وبدِّل وحرِّف منها. هذه واللّه التوراة الجامعة والزَّبور التامُّ والانجيل الكامل وإنّها أضعاف ما قرأنا منها.

ثمَّ يتلو القرآن ، فيقول المسلمون : هذا واللّه القرآن حقّاً الّذي أنزله اللّه على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...» (١).

وفي الحديث الشريف :

«يدعو الناس الى كتاب اللّه ، وسُنّة نبيّه ، والولاية لعلي بن أبي طالب ، والبراءة من عدوه» (٢).

٢ ـ البيعة

بعد خطبته عليه‌السلام تتم البيعة معه ، بيعة أهل السماء والأرض؛ بيعةٌ يبدؤها أمين وحي اللّه جبرئيل عليه‌السلام ، ثم المؤمنون الكرام.

ففي حديث الامام الصادق عليه‌السلام :

«إنّ أول من يبايع القائم عليه‌السلام جبرئيل عليه‌السلام ...» (٣).

وفي الحديث الآخر :

«فيبعث اللّه جلَّ جلاله جبرئيل عليه‌السلام حتّى يأتيه فينزل على الحطيم ، ثمَّ يقول له : إلى أيِّ شيء تدعو؟

فيخبره القائم عليه‌السلام ، فيقول جبرئيل عليه‌السلام : أنا أوَّل من يبايعك ، ابسط يدك.

فيمسح على يده ، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعونه ، ويقيم

__________________

(١) البحار : ج ٥٣ ص ٩ ، وتلاحظ خطبته في حديث الامام الباقر عليه‌السلام ايضاً في تفسير العياشي : ج ٢ ص ٥٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٣٤٣ ب ٢٧ ح ٩١.

(٣) البحار : ج ٥٢ ص ٢٨٥ ب ٢٦ ح ١٨.

٣٤٢

بمكّة حتّى يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس ، ثم يسير منها الى المدينة» (١).

وفي الحديث الآخر :

«يا مفضّل ، كلّ بيعة قبل ظهور القائم عليه‌السلام فبيعته كفر ونفاق وخديعة. لعن اللّه المبايع لها والمبايع له.

بل يا مفضّل يسند القائم عليه‌السلام ظهره إلى الحرم ويمدُّ يده ، فتُرى بيضاء من غير سوء ويقول : هذه يد اللّه ، وعن اللّه ، وبأمر اللّه.

ثمَّ يتلو هذه الآية : (إنَّ الّذين يُبايعونَك إنّما يبايعونَ اللّهَ يدُ اللّهِ فَوق أيديهم فمن نكثَ فانّما ينكُثُ على نفسه) (٢) الآية.

فيكون أوَّل من يقبّل يده جبرئيل عليه‌السلام ، ثمَّ يبايعه ، وتبايعه الملائكة ونجباء الجنِّ ، ثمَّ النقباء» (٣).

فتتم البيعة والمعاهدة معه على الطاعة ، ويكون السلام عليه بنحو : « السلام عليك يا بقية اللّه» ، كما في الحديث (٤).

وتكون بيعة أنصاره معه على الامور التالية :

«على أن لا يسرقوا ، ولا يزنوا ، ولا يسبّوا مسلماً ، ولا يقتلوا محرّماً ، ولا يهتكوا حريماً محرماً ، ولا يهجموا منزلاً ، ولا يضربوا احداً الّا بالحقّ ، ولا يكنزوا ذهباً ولا فضّة ولا بُرّاً ولا شعيراً ، ولا يأكلوا مال اليتيم ، ولا يشهدوا بما لا يعلمون ، ولا يخربوا مسجداً ، ولا يشربوا مسكراً ، ولا يلبسوا الخزَّ ولا الحرير ، ولا يتمنطقوا بالذهب ، ولا يقطعوا طريقاً ، ولا يخيفوا سبيلاً ، ولا يفسقوا بغلام ،

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ٣٣٧ ب ٢٧ ح ٧٨.

(٢) سورة الفتح : الآية ١٠.

(٣) البحار : ج ٥٣ ص ٨ ب ٢٥ ح ١.

(٤) الوسائل : ج ١٠ ص ٤٧٠ ب ١٠٦ ح ٢.

٣٤٣

ولا يحبسوا طعاماً من بُرّ او شعير ، ويرضون بالقليل ، ولا يشتمون ، ويكرهون النجاسة ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويلبسون الخشن من الثياب ، ويتوسّدون التراب على الخدود ، ويجاهدون في اللّه حق جهاده ، ويشترط على نفسه لهم ان يمشي حيث يمشون ، ويلبس كما يلبسون ، ويركب كما يركبون ، ويكون من حيث يريدون ، ويرضى بالقليل ، ويملأ الارض بعون اللّه عدلاً كما ملئت جوراً ، يعبد اللّه حق عبادته ، ولا يتخذ حاجباً ولا بوّاباً» (١).

٣ ـ القيام

يقوم الامام المهدي عليه‌السلام باذن اللّه تعالى قيامه الحق الذي يُظهره اللّه على الدين كلّه وعلى وجه الأرض جميعه ، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً.

ويكون القيام في يوم عاشوراء ، كما في حديث الامام الباقر عليه‌السلام في هذا الباب (٢).

ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص كما في حديث الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

ينهض عليه‌السلام في خمسة آلاف من الملائكة؛ جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرّق الجنود في البلاد كما في الحديث (٤).

ويكون قيامه مع عمامة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودرعه ، وسيف ذي الفقار ، مع اصحابه الذين هم رجال كأن قلوبهم زبر الحديد ، لا يشوبها شك في ذات اللّه أشدُّ من الحجر ، لو حملوا على الجبال لأزالوها ، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ

__________________

(١) منتخب الأثر : ص ٤٦٩ وعقد الدرر ص ١٣٣.

(٢) البحار : ج ٥٢ ص ٢٩٠ ب ٢٦ ح ٣٠.

(٣) البحار : ج ٥١ ص ٨١ ب ١ ح ٣٧.

(٤) الارشاد : ج ١ ص ٣٨٠.

٣٤٤

خرَّبوها ، كأنَّ على خيولهم العقبان ، يتمسّحون بسرج الامام عليه‌السلام يطلبون بذلك البركة ، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ، ويكفونه ما يريد فيهم.

رجال لا ينامون الليل ، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ، ليوث بالنهار ، هم أطوع له من الأمة لسيّدها ، كالمصابيح كأنَّ قلوبهم القناديل ، وهم من خشية اللّه مشفقون ، يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل اللّه ، شعارهم : «يا لثارات الحسين» ، كما في حديث الامام الصادق عليه‌السلام (١).

وفي حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام في جيش الغضب :

«اُولئك قوم يأتون في آخر الزمان ، فزع كقزع الخريف ، والرجل والرجلان والثلاثة من كلِّ قيلة حتى يبلغ تسعة. أما واللّه إنّي لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم» (٢).

وفي حديث الامام الصادق عليه‌السلام :

«اذا اذن الامام دعا اللّه باسمه العبرانيّ ، فاتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر ، قزع كقزع الخريف ، فهم أصحاب الالوية. منهم من يفقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكّة ، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه.

قلت : جعلت فداك ، أيّهم أعظم إيماناً؟

قال : الذي يسير في السحاب نهاراً ، وهم المفقودون ، وفيهم نزلت هذه

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ٣٠٨ ب ٢٦ ج ٨١ ـ ٨٢.

(٢) الغيبة (للنعماني) : ص ٣١٢ ب ٢٠ ح ١.

٣٤٥

الآية : (اين ما تكونوا يأتِ بكم اللّهُ جميعاً) (١)» (٢).

وهو عليه‌السلام مزوّدٌ بالقوة الالهية القاهرة ، والمدد السماوي المظفّر ، والميراث النبوي الباهر ، وبها يخضع له الكل ، ويهيمن على الجميع ، ويغلب على العالم.

١ ـ فله الاسم الأعظم الالهي الذي هو معدن القُدرات ، اثنان وسبعون منه. (٣).

٢ ـ وله الاسم الالهي الخاص الذي كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا جعله بين المسلمين والمشركين ، لم تصل من المشركين الى المسلمين نشابةٌ قط (٤).

٣ ـ وله عصى موسى عليه‌السلام التي تأتي بالعجب العجاب (٥).

٤ ـ وله خاتم سليمان الذي كان اذا لبسه سخر اللّه تعالى له الملائكة والانس والجن والطير والريح (٦).

٥ ـ وله تابوت بني اسرائيل التي فيها السكينة والعلم والحكمة ويدور معها العلم والنبوة والمُلك (٧).

٦ ـ وله امتلاك الرعب في قلوب الاعداء ، يسير معه أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله ، ولا يخفى شدّة تأثير هذا الرعب في دهشة العدو ، وعدم تسلطه على استعمال السلاح أساساً (٨).

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٤٨.

(٢) الغيبة (للنعماني) : ص ٣١٣ ب ٢٠ ح ٣.

(٣) اصول الكافي : ج ١ ص ٢٣٠ ، الاحاديث.

(٤) الارشاد : ج ٢ ص ١٨٨.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ح ١. بحار الانوار : ج ١٣ ص ٦٠.

(٦) اصول الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ح ٤.

(٧) بحار الانوار : ج ٢٦ ص ٢٠٣ ح ٣.

(٨) الغيبة (للنعماني) : ص ٣٠٧ ح ٢.

٣٤٦

٧ ـ وله نصرة اللّه تعالى التي لا يفوقها شيء : (إن ينصُركُم اللّه فلا غالبَ لكُم) (١) فان اللّه تعالى ينصره حتى بزلازل الارض وصواعق السماء.

٨ ـ وله الولاية الالهية العظمى التي جعلها اللّه تعالى لهم تكويناً وتشريعا ، كما ثبت بالأدلة المتواترة (٢).

٩ ـ وله الاحتجاجات والحجج الكاملة التي يحتج بها بأوصافه وعلائمه الموجودة في التوراة والألواح التي تقدمت الاشارة اليها. ثم اقتداء النبي عيسى عليه‌السلام به في الصلاة التي توجب خضوع كثير من اليهود والنصارى له (٣).

١٠ ـ واخيراً وليس بآخر إرادة اللّه تعالى القادر القهّار الذي اذا أراد شيئاً فانما يقول له كن فيكون.

وقد أراد ذلك بصريح قوله تعالى : (ونُريدُ أَن نَمُنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعَلَهُم أئمة ونجعلَهُم الوارثين) (٤).

وبهذا تعرف أن الامام المهدي عليه‌السلام يقوم بالقوّة الإلهية التي لا تقاومها القوة البشريّة مهما بلغت وتطوّرت.

بل لا قدرة للبشرية أمام قدرة اللّه الغالبة ، حتى يتردد أحدٌ بأنه كيف يتغلب الامام المهدي عليه‌السلام على الأسلحة العصريّة.

وهل في الكون قدرة تقف أمام إله الكون؟!

وهل للمخلوق قدرة تقوم أمام قدرة الخالق؟!

فبمثل هذه القوى الالهية يقوم الامام المنتظر عليه‌السلام بأمر اللّه ، ويقيم دولة اللّه ،

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٦٠.

(٢) لاحظها في شرح زيارة الجامعة : فقرة «والسادة الولاة».

(٣) لاحظ احاديثه المتظافرة من طريق الفريقين في : منتخب الاثر : ص ٣٠٦ وص ٤٧٩.

(٤) سورة القصص : الآية ٥.

٣٤٧

فيرث الأرض عباده الصالحون.

وهو من المحتومات الالهية التي لا تبديل لها عند اللّه تعالى ، كما صرحت به أحاديثنا الشريفة ، مثل حديث ابي حمزة الثمالي :

قال : كنت عند أبي جعفر محمد الباقر عليه‌السلام ذات يوم ، فلما تفرق من كان عنده قال لي :

«يا ابا حمزة. من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه قيام قائمنا ، فمن شك فيما أقول لقى اللّه وهو به كافر وله جاحد ....

يا ابا حمزة ، من أدركه فلم يسلم له فما سلّم لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ، وقد حرّم اللّه عليه الجنّة ، ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين» (١).

فيقوم الامام الحق ، ويبسط الحق ، ويسير بالحق ، وهي سيرة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما صرحت به الأحاديث المعتبرة (٢).

وينبغي أن نشير هنا الى مسيره المبارك في قيامه الأغرّ الذي يخطّط بالأحاديث الشريفة في المراحل الثلاثة التالية :

١ ـ اصلاحاته عليه‌السلام في مكّة المكرّمة.

٢ ـ التوجّه الى المدينة المنوّرة.

٣ ـ السير الى الكوفة ، عاصمته المباركة.

المرحلة الاولى : مكّة المكرّمة

المستفاد من بعض الأحاديث ، أن مكّه تستسلم له عليه‌السلام ويسيطر الامام على

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٣٦ ص ٣٦٣ ب ٤٥ ح ٩.

(٢) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ٣٥٤ ب ٢٧ ح ١١٢ ، ص ٣٨١ ح ١٩٢ ، ج ٤٧ ص ٥٤ ب ٤ ح ٩٢ ، ولاحظ بيان ذلك في : منتخب الأثر : ص ٣٠٥.

٣٤٨

البلدة بكاملها.

ويستفاد هذا من قوله عليه‌السلام في النص الذي عبّر بالاطاعة بعد سؤال الراوي : فما يصنع بأهل مكّة؟

قال :

«يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ، ويستخلف فيهم رجلاً من أهل بيته» (١).

ويدل الحديث الصادقي على أنه عليه‌السلام يردّ المسجد الحرام الى أساسه الذي حدّه النبي ابراهيم عليه‌السلام ، وهو الى الحزوَرَة (٢).

ويردّ المقام الى الموضع الذي كان فيه بجوار الكعبة (٣).

كما ينادى مناديه أن يسلّم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف كما في الحديث الشريف (٤).

فيفسح صاحب الطواف المستحب المجال لصاحب الطواف الواجب ، ويتقدم ذلك لطوافه واستلام الحجر ، في سبيل راحة الطواف وعدم الإزدحام وسهولة إنجاز مناسك الحج.

ثم بعد انجازاته الموفّقة في مكة المكرمة ونصب والٍ من قبله هناك ،

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٥٣ ص ١١ ب ٢٥ ح ١.

(٢) اسم الموضع المعلوم بين الصفا والمروة.

ويستفاد من بعض الأحاديث ان الذي خطّة النبي ابراهيم عليه‌السلام للمسجد الحرام ، هو ما بين الحزورة الى المسعى. الكافي : ج ٤ ص ٥٢٧ ح ١٠.

(٣) الارشاد : ج ٢ ص ٣٨٣.

(٤) الكافي : ج ٤ ص ٤٢٧ ح ١.

٣٤٩

يتوجه الى مدينة جدّه الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

المرحلة الثانية : المدينة المنوّرة

للامام المهدي عليه‌السلام شأنٌ عظيم في المدينة المنوّرة ، نشير اليه بحديث المفضّل الجعفي عن الامام الصادق عليه‌السلام الذي يبين سرور المؤمنين ، وخزي الكافرين ، وأخذ الثأر من الظالمين ، في مُقامه عليه‌السلام هناك.

جاء فيه :

قال المفضّل : يا سيّدي ، ثم يسير المهدي الى أين؟

قال عليه‌السلام : «الى مدينة جدّي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فاذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين ، وخزي الكافرين.

قال المفضّل : يا سيّدي ما هو ذاك؟

قال : يرد الى قبر جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقول :

يا معاشر الخلائق! هذا قبر جدّي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

فيقولون : نعم ، يا مهديّ آل محمد.

فيقول : ومن معه في القبر؟

فيقولون : صاحباه وضجيعاه أبوبكر وعمر.

فيقول ـ وهو عليه‌السلام أعلم بهما والخلائق كلّهم جميعاً يسمعون ـ : من أبوبكر وعمر ، وكيف دُفنا من بين الخلق مع جدّي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وعسى المدفون غيرهما.

فيقول الناس : يا مهدي آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما ههنا غيرهما. إنّهما دفنا معه لأنّهما خليفتا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبوا زوجتيه.

__________________

(١) احار الانوار : ج ٥٣ ص ١١ ب ٢٥ ح ١.

٣٥٠

فيقول للخلق بعد ثلاث : أخرجوهما من قبريهما.

فيُخرجان غضّين طريّين لم يتغيّر خلقهما ، ولم يشحب لونهما.

فيقول : هل فيكم من يعرفهما؟

فيقولون : نعرفهما بالصفة ، وليس ضجيعا جدّك غيرهما.

فيقول : هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشكّ فيهما؟

فيقولون : لا.

فيؤخّر إخراجهما ثلاثة أيّام. ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين ، ويقول للنقباء : ابحثوا عنهما وانبشوهما.

فيبحثون بأيديهم حتى يصلون اليهما. فيخرجان غضّين طريّين كصورتهما. فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة ، فيصلبهما عليها. فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها.

فيقول المرتابون من أهل ولايتهما : هذا واللّه الشرف حقّاً ، ولقد فزنا بمحبّتهما وولايتهما.

ويُخبِرُ من أخفى نفسه ممّن في نفسه مقياس حبّة من محبّتهما وولايتهما. فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما.

وينادي منادي المهدي عليه‌السلام : كلّ من أحبَّ صاحبي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضجيعيه فليفرد جانباً. فتتجزّء الخلق جزئين : أحدهما موال ، والآخر متبرّئ منهما.

فيعرض المهدي عليه‌السلام على أوليائهما البراءة منهما.

فيقولون : يا مهدي آل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نحن لم نتبرأ منهما ، ولسنا نعلم أنَّ لهما عند اللّه وعندك هذه المنزلة ، وهذا الذي بدالنا من فضلهما ، أنتبرّأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة

٣٥١

الشجرة بهما؟ بل واللّه نتبرأ منك وممّن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ومن صلبهما وأخرجهما وفعل بهما ما فعل.

فيأمر المهدي عليه‌السلام ريحاً سوداء ، فتهبّ عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية.

ثمّ يأمر بانزالهما ، فيُنزَلان اليه فيحييهما باذن اللّه تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع.

ثمّ يقصّ عليهم قصص فعالهما في كلّ كَور ودَور.

وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام لاحراقهم بها.

وضرب يد الصدّيقة الكبرى فاطمة بالسوط ، ورفس بطنها وإسقاطها محسناً.

وسمَّ الحسن عليه‌السلام ، وقتل الحسين عليه‌السلام وذبح أطفاله وبني عمّه وأنصاره ، وسبي ذراري رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وإراقة دماء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلَّ دم سفك ، وكلّ فرج نكح حراماً ، وكلّ رين وخبث وفاحشة واثم وظلم وجور وغشم.

كلّ ذلك يعدّده عليه‌السلام عليهما ويلزمهما إيّاه ، فيعترفان به.

ثمّ يأمر بهما فيقتصّ منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر. ثمّ يصلبهما على الشجرة ويأمر ناراً تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة. ثمّ يأمر ريحاً فتنسفهما في اليمّ نسفاً ....

ثمّ لكأنّي أنظر ـ يا مفضّل ـ الينا معاشر الأئمّة بين يدي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشكوا إليه ما نزل بنا من الاُمّه بعده ، وما نالنا من التكذيب والردّ علينا وسبينا ولعننا وتخويفنا بالقتل ، وقصد طواغيتهم الولاة لاُمورهم من دون الاُمّة بترحيلنا

٣٥٢

عن الحرمة الى دار ملكهم ، وقتلهم إيّانا بالسمّ والحبس.

فيبكي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : يا بنيّ ، ما نزل بكم إلاّ ما نزل بجدّكم قبلكم.

ثمّ تبتدئ فاطمة عليها‌السلام وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر ، وأخذ فدك منها ومشيها اليه في مجمع من المهاجرين والأنصار ، وخطابها له في أمر فدك ، وما ردّ عليها من قوله : إنّ الأنبياء لا تورّث ، واحتجاجها بقول زكرّيا ويحيى عليهما‌السلام وقصّة داود وسليمان عليهما‌السلام.

وقول عمر : هاتي صحيفتك التي ذكرتِ أنّ أباك كتبها لك ، وإخراجها الصحيفة وأخذه إيّاها منها ، ونشرة لها على رؤوس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب ، وتفله فيها ، وتمزيقه إيّاها ، وبكائها ورجوعها الى قبر أبيها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها ، واستغاثتها باللّه وبأبيها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتمثّلها بقول رُقيقة بنت صيفي :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا

ابدت رجال لنا فحوى صدورهم

لمّا نأيت وحالت دونك الحجب

لكلّ قوم لهم قرب ومنزلة

عند الاله عن الأدنين مقترب

يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا

أملوا اُناس ففازوا بالذي طلبوا

وتقصُّ عليه قصّه أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد ، وقنفذاً وعمر بن الخطاب ، وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه‌السلام من بيته الى البيعة في سقيفة بني ساعدة ، واشتغال أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وفات رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضمّ أزواجه وقبره وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه وإنجاز عداته ، وهي ثمانون ألف درهم ، باع فيها تليده وطارفه وقضاها عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٥٣

وقول عمر : اخرج يا عليّ الى ما أجمع عليهالمسلمون وإلاّ قتلناك.

وقول فضّة جارية فاطمة : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام مشغول والحقُّ له ، إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه.

وجمعهم الجزل والحطب على الباب لاحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وامّ كلثوم وفضّة ، وإضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة اليهم وخطابها لهم من وراء الباب وقولها :

ويحك يا عمر! ما هذه الجرأة على اللّه وعلى رسوله؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور اللّه؟ واللّه متمُّ نوره.

وانتهاره لها وقوله : كفّي يا فاطمة ، فليس محمد حاضراً ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند اللّه ، وما عليٌّ إلاّ كأحد المسلمين ، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً.

فقالت وهي باكية : اللهم إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك ، وارتداد اُمّته علينا ، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل.

فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء! فلم يكن اللّه ليجمع لكم النبوّة والخلافة.

وأخذت النار في خشب الباب.

وإدخال قنفذ يده ـ لعنه اللّه ـ يروم فتح الباب.

وضرب عمر لها بالسوط على عضدها ، حتّى صار كالدملج الأسود ، وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر وإسقاطها إيّاه.

وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد ، وصفقه خدّها حتى بدا قُرطاها تحت

٣٥٤

خمارها ، وهي تجهر بالبكاء وتقول : وا أبتاه ، وا رسول اللّه ، ابنتك فاطمة تكذَّب وتُضرب ، ويقتل جنين في بطنها.

وخروج أمير المؤمنين عليه‌السلام من داخل الدار محمَّر العين حاسراً ، حتى ألقى ملاءته عليها ، وضمّها الى صدره وقوله لها : يا بنت رسول اللّه ، قد علمتي أنَّ أباك بعثه اللّه رحمة للعالمين ، فاللّه اللّه أن تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك ، فو اللّه يا فاطمة ، لئن فعلت ذلك لا ابقى اللّه على الأرض من يشهد أنَّ محمداً رسول اللّه ولا موسى ولا عيسى ولا ابراهيم ولا نوح ولا آدم ، [ولا] دابّة تمشي على الأرض ولا طائراً في السماء إلاّ أهلكه اللّه.

ثمّ قال : يا ابن الخطّاب! لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه. اخرج قبل أن اُشهّر سيفي فاُفني غابر الاُمّة.

فخرج عمر ، وخالد بن الوليد ، وقنفذ ، وعبدالرحمن بن أبي بكر ، فصاروا من خارج الدار.

وصاح أمير المؤمنين بفضّه : يا فضّة! مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء ، فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب ، فأسقطت محسناً.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فانّه ـ يعني المحسن ـ لا حق بجدّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيشكو إليه ....

ثمّ يقوم الحسين عليه‌السلام مخضّباً بدمه هو وجميع من قتل معه. فاذا رآه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى ، وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه ، وتصرخ فاطمة عليها‌السلام فتزلزل الأرض ومن عليها ، ويقف أمير المؤمنين والحسن عليهما‌السلام عن يمينه ، وفاطمة عن شماله.

ويقبّل الحسين عليه‌السلام فيضمّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى صدره ، ويقول : يا حسين! فديتك ، قرَّت عيناك وعيناي فيك.

٣٥٥

وعن يمين الحسين حمزة أسد اللّه في أرضه ، وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيّار.

ويأتي محسن ، تحمله خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهنَّ صارخات ، واُمّه فاطمة تقول : (هذا يومُكُم الذي كنتُم توعَدون) (١) ، اليوم (تجدُ كلُّ نفسٍ ما عَمِلَت من خيرٍ مُحضَراً وما عملت من سُوءٍ تودُّ لو أنَّ بينها وبينه أمداً بعيداً) (٢).

قال : فبكى الصادق عليه‌السلام حتى اخضلّت لحيته بالدموع ، ثمّ قال :

لا قرَّت عين لا تبكي عند هذا الذكر.

قال : وبكى المفضّل بكاءاً طويلاً ، ثمَّ قال : يا مولاي ، ما في الدموع يا مولاي؟

فقال : ما لا يحصى إذا كان من محقّ ...» (٣).

المرحلة الثالثة : الكوفة العاصمة

بعد مُقام المدينة ، يخرج الامام المهدي عليه‌السلام الى حرم أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) سورة الأنبياء : الآية ١٠٣.

(٢) سورة آل عمران : الآية ٣٠.

(٣) بحار الانوار : ج ٣ ص ١٢ ـ ١٤ ، ١٧ ـ ١٩ ، ٢٣ ب ٢٥ ح ١.

وجاء هذا الحديث في : كتاب الرجعة (للاسترابادي) : ص ١٠٠ ، مسنداً عن الحسين بن حمدان ، عن محمد بن اسماعيل وعلي بن عبدالله الحسنيّين ، عن ابي شعيب محمد بن نصير ، عن عمر بن الفرات ، عن محمد بن المفضل ، عن المفضل بن عمر.

وحكاه في : هامش الرجعة : ص ١٣٤ ، عن : حلية الابرار : ج ٢ ص ٦٥٢ ، واثبات الهداة : ج ٣ ص ٥٢٣ ، والايقاظ من الهجمة : ص ٢٨٦.

وذكر في الهداية الكبرى (للحضيني) : ص ٧٤ ، من النسخة المخطوطة.

وجاء قطعة من الحديث في : الصراط المستقيم : ص ٢٥٧.

٣٥٦

الكوفة بعد أن يستعمل عليها رجلاً من أصحابه ، كما في الحديث (١).

وفي حديث الامام الباقر عليه‌السلام :

«... ويسير نحو الكوفة ، وينزل على سرير النبي سليمان عليه‌السلام ، وبيمينه عصا موسى ، وجليسه الروح الأمين ، وعيسى بن مريم ، متّشحاً ببرد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، متقلّداً بذي الفقار ، ووجهه كدائرة القمر في ليالي كماله ، يخرج من بين ثناياه نورٌ كالبرق الساطع ، على رأسه تاجٌ من نور» (٢).

وللكوفة يومئذٍ شأنٌ عظيم ومجد كريم ، حيث تكون عاصمة حكومته ودار خلافته ومركز شيعته.

فيتجلى فيها السموّ والرفعة ، وتصير مهد الحياة الزاهرة في دولة العترة الطاهرة ببركة الامام المهدي ارواحنا فداه.

ففي حديث المفضل : قلت : يا سيدي ، فأين تكون دار المهديّ ومجتمع المؤمنين؟

قال :

«دار ملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها ، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة ، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريّين.

قال المفضّل : يا مولاي كلُّ المؤمنين يكونون بالكوفة؟

قال : إي واللّه ، لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها ، وليبلغنّ مجالة فرس منها ألفي درهم ....

وليصيّرنّ الكوفة أربعة وخمسين ميلاً (٣) ، ويجاوزن قصورها كربلاء.

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ٣٠٨ ب ٢٦ ح ٨٢.

(٢) روزگار رهائي : ج ١ ص ٤٩٥ ، نقلاً عن : الزام الناصب (ط طهران) : ص ٢٠٨.

(٣) «الميل» يساوي ١٨٦٠ متر ، كما في : الاوزان والمقادير : ص ١٣٢ ، وعليه فامتداد الكوفة آنذاك ٥٤

٣٥٧

وليصيّرنّ اللّه كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون ، وليكوننّ لها شأن من الشأن ، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربّه بدعوة لأعطاه اللّه بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا الف مرّة» (١).

وفي الحديث العلوي الشريف :

«ثم يقبل الى الكوفة ، فيكون منزله بها. فلا يترك عبداً مسلماً الا اشتراه واعتقه ، ولا غارماً الا قضى دينه ، ولا مظلمة لاحد من الناس الا ردّها ، ولا يُقتل منهم عبد الا أدّى ثمنه دية مسلَّمة الى أهلها ، ولا يُقتل قتيل الا قضى عنه دينه ، وألحق عياله في العطاء حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً.

ويسكنه هو وأهل بيته الرحبة ، والرحبة انما كانت مسكن نوح وهي أرض طيبة ، ولا يسكن رجل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يقتل الا بأرض طيّبة زاكية ، فهم الاوصياء الطيّبون» (٢).

وأنه ليكثر فيها الخيرات والبركات حتى تمطر السماء فيها ذَهباً ، كما تلاحظه في الحديث الصادقي :

«وتمطر السماء بها جراداً من ذهب» (٣).

هذا ، مضافاً الى مرغوبية نفس الكوفة في حدّ ذاتها ، كما تلاحظها في

__________________

ميل يساوي ٤٤٠ / ١٠٠ متر. فتمتد البلدة أكثر من ١٠٠ كيلو متر ، لذلك تجاور قصورها كربلاء المقدّسة.

(١) بحار الانوار : ج ٥٣ ص ١١ ب ٢٥ ح ١.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ص ٦٦.

(٣) بحار الانوار : ج ٥٣ ص ٣٤ ب ٢٥ ح ١.

٣٥٨

احاديث فضلها وعظيم منزلتها (١).

وأنه يكون مسجدها اكبر مسجد في العالم ، حتى يُبنى مسجدها الأعظم ويكون له الف باب (٢).

ولا بأس بالمناسبة بيان ما لهذا المسجد من فضل عظيم وشرف كبير :

١ ـ ففي حديث أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«مسجد كوفان روضة من رياض الجنّه ، صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبيّاً ، وميمنته رحمة ، وميسرته مكرمة.

فيه عصا موسى وشجرة يقطين وخاتم سليمان ، ومنه فار التنّور ونجرت السفينة ، وهي صرة بابل (٣) ومجمع الأنبياء» (٤).

٢ ـ وفي حديث الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين عليه‌السلام في مسجد الكوفة ، إذ قال :

«يا أهل الكوفة! لقد حباكم اللّه عزّ وجلّ بما لم يَحبُ به أحداً. ففضّل مصلّاكم وهو بيت آدم ، وبيت نوح ، وبيت إدريس ، ومصلّى إبراهيم الخليل ، ومصلّى أخي الخضر عليهم‌السلام ، ومصلّاي.

وإنّ مسجدكم هذا أحدُ الأربع المساجد التي اختارها اللّه عزّ وجلّ لأهلها ، وكأنّي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم ، يشفع لأهله ولمن صلّى فيه ، فلا تُردّ شفاعته ، ولا تذهب الأيّام حتّى ينصب الحجر الأسود فيه (٥).

__________________

(١) بحار الانوار : ج ١٠٠ ص ٣٩٦ ب ٦ ح ٣٣. سفينة البحار : ج ٧ ص ٤٥٦ ، ٤٥٧.

(٢) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ٣٣٠ ، ٣٣٦ ب ٢٧ ح ٧٦.

(٣) في بيان البحار هنا : صرة بابل أي أشرف أجزاءها ، لأن الصرة مجمع النقود التي هي أفضل الأموال.

(٤) بحار الانوار : ج ١٠٠ ص ٣٨٩ ب ٦ ح ١٣.

(٥) في بيان البحار هنا : نصب الحجر الاسود فيه كان في زمن القرامطة ، حيث خرّبوا الكعبة ونقلوا الحجر

٣٥٩

وليأتينَّ عليه زمان يكون مصلّى المهدي من ولدي ومصلّى كلّ مؤمن ، ولا ويبقى على الأرض مؤمن إلاّ كان به أو حنّ قلبه إليه.

فلا تهجرنّ ، وتقرّبوا الى اللّه عزّ وجلّ بالصلاة فيه ، وارغبوا اليه في قضاء حوائجكم. فلو يعلم الناس ما فيه من البركة ، لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج» (١).

٣ ـ وفي حديث عبد اللّه بن مسعود ، قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يا ابن مسعود ، لما اُسري بي الى السماء الدنيا ، أراني مسجد كوفان ، فقلت : يا جبرئيل ، ما هذا؟

قال : مسجد مبارك ، كثير الخير ، عظيم البركة. اختار اللّه لأهله ، وهو يشفع لهم يوم القيامة» (٢).

٤ ـ وفي حديث محمد بن سنان ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول :

«الصلاة في مسجد الكوفة فرادى أفضل من سبعين صلاة في غير جماعة» (٣).

٥ ـ وفي حديث المفضل ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«صلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد» (٤).

وأما مسجد السهلة بالكوفة ، فهو أيضاً من المساجد العظمى ، ذات

__________________

الى مسجد الكوفة. ثم ردوه الى موضعه ونصبه القائم عليه‌السلام بحيث لم يعرفه الناس ، كما مرّ ذكره عن كتاب الغيبة.

(١) بحار الانوار : ج ١٠٠ ص ٣٨٩ ب ٦ ح ١٤.

(٢) بحار الانوار : ج ١٠٠ ص ٣٩٤ ب ٦ ح ٢٧.

(٣) بحار الانوار : ج ١٠٠ ص ٣٩٧ ب ٦ ح ٣٤.

(٤) بحار الانوار : ج ١٠٠ ص ٣٩٧ ب ٦ ح ٣٦.

٣٦٠