الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

السيد علي الحسيني الصدر

الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢

ونشير الى هذه الأقسام باختصار :

القسم الاول : العلائم العامة

وهي علامات كثيرة وحوادث متكاثرة ، تحدث في الغيبة الكبرى قبل الظهور ، مثل خروج الدجال ونحوه ، وقد جاءت في روايات عديدة مثل :

١ ـ حديث النزال بن سبرة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : خَطَبَنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فحمد اللّه عزَّ وجلَّ وأثنى عليه وصلّى على محمّد وآله ، ثمَّ قال :

«سلوني أيّها النّاس قبل أن تفقدوني ـ ثلاثاً ـ.

فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال : يا أمير المؤمنين ، متى يخرج الدجّال؟

... فقال عليه‌السلام : احفظ ، فانَّ علامة ذلك ، إذا أمات النّاس الصلاة ، وأضاعوا الأمانة ، واستحلّوا الكذب ، وأكلوا الرِّبا ، وأخذوا الرُّشا ، وشيّدوا البنيان ، وباعوا الدِّين بالدُّنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النساء ، وقطعوا الأرحام ، واتّبعوا الأهواء ، واستخفّوا بالدِّماء.

وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً ، وكانت الاُمراء فجرة ، والوزراء ظلمة ، والعرفاء خونة ، والقرَّاء فسقة ، وظهرت شهادة الزُّور ، واستعلن الفجور ، وقول البهتان ، والإثم والطغيان ، وحليت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وطوّلت المنارات ، واُكرمت الأشرار ، وازدحمت الصفوف ، واختلفت القلوب ، ونقضت العهود ، واقترب الموعود ، وشارك النساء أزواجهنَّ في التّجارة حرصاً على الدّنيا ، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، واتُّقي الفاجر مخافة شرِّه ، وصُدِّق الكاذب ، وائتُمن الخائن.

٣٢١

واتُّخذت القيان والمعازف (١) ، ولعن آخر هذه الاُمّة أوَّلها ، وركب ذوات الفروج السروج ، وتشبّه النساء بالرِّجال والرِّجال بالنساء ، وشهد الشاهد من غير أن يُستشهد ، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقٍّ عرفه ، وتُفقّه لغير الدِّين ، وآثروا عمل الدُّنيا على الآخرة ، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذِّئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرُّ من الصبر ...» (٢).

٢ ـ الحديث العلوي الشريف :

«يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة ـ وهو شرّ الازمنة ـ نسوةٌ كاشفات عاريات متبرجات ، من الدين [خارجات خ ل] ، داخلات في الفتن ، مائلات الى الشهوات ، مسرعات الى اللذات ، مستحلّات للمحرمات ، في جهنّم [داخلات خ ل] خالدات» (٣).

٣ ـ الحديث الصادقي الشريف المفصّل ، جاء فيه :

«ألا تعلم أنَّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف ، هو غداً في زمرتنا.

فاذا رأيت الحقَّ قد مات وذهب أهله ، ورأيت الجور قد شمل البلاد ، ورأيت القرآن قد خلق ، واُحدث فيه ماليس فيه ، ووُجّه على الأهواء ، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفيء الاناء (٤).

ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقِّ ، ورأيت الشرَّ ظاهراً لا ينهي عنه ويعذَّر أصحابه ، ورأيت الفسق قد ظهر ، واكتفى الرِّجال بالرِّجال

__________________

(١) جميع قينة : الاماء المغنيات.

(٢) كمال الدين : ص ٥٢٥ ب ٤٧ ح ١.

(٣) منتخب الأثر : ص ٤٢٦.

(٤) «الماء» ، خ ل.

٣٢٢

والنساء بالنساء ، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله ، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردُّ عليه كذبه وفريته ، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير ، ورأيت الأرحام قد تقطّعت ، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يردُّ عليه قوله.

ورأيت الغلام يعطى ما تعطى المرأة ، ورأيت النساء يتزوَّجن النساء ، ورأيت الثناء قد كثر ، ورأيت الرَّجل ينفق المال في غير طاعة اللّه فلا ينهي ولا يؤخذ على يديه ، ورأيت الناظر يتعوَّذ باللّه ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد ، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع.

ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن ، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد ، ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف اللّه عزَّ وجلَّ ، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً ، ورأيت الفاسق فيما لا يحبُّ اللّه قويّاً محموداً ، ورأيت أصحاب الآيات يحقَّرون ويحتقر من يحبّهم ، ورأيت سبيل الخير منقطعاً وسبيل الشرِّ مسلوكاً ، ورأيت بيت اللّه قد عُطّل ويؤمر بتركه ، ورأيت الرَّجل يقول ما لا يفعله.

ورأيت الرِّجال يتسمّنون للرِّجال والنساء للنساء ، ورأيت الرَّجل معيشته من دبره ، ومعيشة المرأة من فرجها ، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرِّجال.

ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر ، وأظهروا الخضاب ، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها ، وأعطوا الرِّجال الأموال على فروجهم ، وتنوفس في الرَّجل وتغاير عليه الرِّجال ، وكان صاحب المال أعزَّ من المؤمن ، وكان الرِّبا ظاهراً لا يعيّر ، وكان الزنا تمتدح به النساء.

ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرِّجال ، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهنَّ ، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً ،

٣٢٣

ورأيت البدع والزِّنا قد ظهر ، ورأيت الناس يعتدُّون بشاهد الزُّور ، ورأيت الحرام يحلّل ، ورأيت الحلال يحرَّم ، ورأيت الدِّين بالرأي ، وعُطّل الكتاب وأحكامه ، ورأيت اللّيل لا يستخفي به من الجرءة على اللّه.

ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلّا بقلبه ، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط اللّه عزَّ وجلَّ.

ورأيت الولاة يقرِّبون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير ، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم ، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد.

ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفي بهنَّ ، ورأيت الرَّجل يقتل على [التهمة وعلى] الظنّة ، ويتغاير على الرَّجل الذكر فيبذل له نفسه وماله ، ورأيت الرَّجل يعيّر على إتيان النساء ، ورأيت الرَّجل يأكل من كسب امرأته من الفجور ، يعلم ذلك ويقيم عليه ، ورأيت المرأة تقهر زوجها. وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها.

ورأيت الرَّجل يكري امرأته وجاريته ، يرضى بالدَّنيّ من الطعام والشرب ، ورأيت الأيمان باللّه عزَّ وجلَّ كثيرة على الزُّور ، ورأيت القمار قد ظهر ، ورأيت الشراب تباع ظاهراً ليس عليه مانع ، ورأيت النساء يبذلن أنفسهنَّ لأهل الكفر ، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمرُّ بها لا يمنعها أحد أحداً ولا يجتريء أحد على منعها ، ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سُلطانه.

ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت ، ورأيت من يحبّنا يزوَّر ولا يقبل شهادته ، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه.

ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه ، وخفَّ على الناس استماع الباطل ، ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه ، ورأيت الحدود قد عطّلت وعُمل فيها بالأهواء ، ورأيت المساجد قد زخرفت ، ورأيت أصدق الناس عند

٣٢٤

الناس المفترى الكذب ، ورأيت الشرَّ قد ظهر والسعي بالنميمة ، ورأيت البغي قد فشا ، ورأيت الغيبة تُستملح ويبشّر بها الناس بعضهم بعضاً.

ورأيت طلب الحجِّ والجهاد لغير اللّه ، ورأيت السلطان يُذلّ للكافر والمؤمن ، ورأيت الخراب قد اُديل من العمران ، ورأيت الرَّجل معيشته من بخس المكيال والميزان ، ورأيت سفك الدِّماء يستخفُّ بها.

ورأيت الرَّجل يطلب الرئاسة لعَرض الدُّنيا ، ويشهّر نفسه بخبث اللسان ليتّقي وتسند إليه الاُمور ، ورأيت الصلاة قد استخفَّ بها ، ورأيت الرَّجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه ، ورأيت الميت ينشر من قبره ويؤذى وتباع أكفانه ، ورأيت الهرج قد كثر.

ورأيت الرَّجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتمُّ بما [يقول] الناس فيه ، ورأيت البهائم تنكح ، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضاً ، ورأيت الرَّجل يخرج إلى مصلّاه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه ، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم ، وثقل الذِّكر عليهم ، ورأيت السُّحت قد ظهر يتنافس فيه ، ورأيت المصلى إنّما يصلّي ليراه الناس ، ورأيت الفقيه يتفقّه لغير الدِّين يطلب الدُّنيا والرئاسة.

ورأيت الناس مع من غلب ، ورأيت طالب الحلال يُذمُّ ويعيّر ، وطالب الحرام يمدح ويعظّم ، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحبُّ اللّه ، لا يمنعهم مانع ، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين.

ورأيت الرَّجل يتكلّم بشيء من الحقِّ ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول : هذا عنك موضوع ، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ، ويقتدون بأهل الشرور ، ورأيت مسلك الخير وطريقة خالياً لا

٣٢٥

يسلكه أحد ، ورأيت الميت يهزَّ [ء] به فلا يفزع له أحد.

ورأيت كلّ عام يحدث فيه من البدعة والشرِّ أكثر ممّا كان ، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلّا الأغنياء ، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به ، ويرحم لغير وجه اللّه ، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد ، ورأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم [اي علانية] ، لا ينكر أحد منكراً تخوُّفاً من الناس ، ورأيت الرَّجل ينفق الكثير في غير طاعة اللّه ، ويمنع اليسير في طاعة اللّه.

ورأيت النساء قد غلبن على الملك ، وغلبن على كلِّ أمر ، لا يؤتى إلّا مالهنَّ فيه هوى ، ورأيت ابن الرَّجل يفتري على أبيه ، ويدعو على والديه ، ويفرح بموتهما ، ورأيت الرَّجل إذا مرَّ به يوم ولم يكسب فيه الذَّنب العظيم ، من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر ، كئيباً حزيناً يحسب أنَّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره.

ورأيت السلطان يحتكر الطعام ، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزُّور ويتقامر بها ويشرب بها الخمور ، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها ، ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التديّن به ، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة ، ورياح أهل الحقِّ لا تحرك.

ورأيت الأذان بالأجر والصّلاة بالأجر ، ورأيت المساجد محتشيةً ممّن لا يخاف اللّه ، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحقِّ ، ويتواصفون فيها شراب المسكر ، ورأيت السكران يصلّي بالناس فهو لا يعقل ، ولا يشان بالسكر ، وإذا سكر اُكرم واتّقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذَّر بسكره.

٣٢٦

ورأيت من أكل أموال اليتامى يحدَّث (١) بصلاحه ، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر اللّه ، ورأيت الولاة يأتمنون الخوَنة للطمع ، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرءة على اللّه ، يأخذون منهم ويخلّونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ، ولا يعمل القائل بما يأمر.

ورأيت الصلاة قد استخفَّ بأوقاتها ، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه اللّه وتعطى لطلب الناس ، ورأيت الناس همّهم بطونهم وفروجهم ، لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا ، ورأيت الدّنيا مقبلة عليهم ، ورأيت أعلام الحقِّ قد درست. فكن على حذر ، واطلب من اللّه عزَّ وجلَّ النجاة ، واعلم أنَّ الناس في سخط اللّه عزَّ وجلَّ [وإنّما يمهلهم لأمر يراد بهم. فكن مترقّباً! واجتهد ليراك اللّه عزَّ وجلَّ] (٢) في خلاف ما هم عليه.

فان نزل بهم العذاب وكنت فيهم ، عجّلت إلى رحمة اللّه ، وإن اُخّرت ابتلوا وكنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرءة على اللّه عزَّ وجلَّ.

واعلم أنَّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين وأنَّ رحمة اللّه قريبٌ من المحسنين» (٣).

القسم الثاني : العلائم القريبة

وهي علامات كثيرة أيضاً تحدث قريباً من الظهور. ذكرتها الاحاديث الشريفة التي جمعها شيخ الشيعة المفيد قدس‌سره في باب ذكر علامات قيام الامام المهدي عليه‌السلام ، ولخَّص قدس‌سره تلك العلامات في أول الباب ، وعدّ منها :

__________________

(١) «يحمد» ، خ ل.

(٢) مابين العلامتين ساقط من الاصل المطبوع ، راجع : روضة الكافي : ص ٤٢.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٢٥٦ ب ٢٥ ح ١٤٧ ، وفي : روضة الكافي : ج ٨ ص ٣٦ ـ ٤٢ ، ذكره تحت عنوان حديث ابي عبدالله عليه‌السلام مع منصور في موكبه.

٣٢٧

كسوفُ الشمسِ في النصفِ من شهرِ رمضان ، وخسوفُ القمرِ في آخره على خلافِ العاداتِ ، وخَسفٌ بالمغربِ ، وخَسفٌ بالمشرقِ ، ورُكودُ الشمسِ من عندِ الزوالِ إلى وسطِ أوقاتِ العصرِ وطلوعُها من المغربِ ، وقَتلُ نفسٍ زكيةٍ بظَهرِ الكوفةِ في سبعينَ من الصالحينَ ، وهَدمُ سورِ الكوفة ، وإقبالُ راياتٍ سُودٍ من قِبَلِ خراسان.

وظُهور المغربي بمصرَ وتَمَلُّكُه للشاماتِ ، ونزول التُركِ الجزيرةَ ، ونُزولُ الرومِ الرملةَ ، وطلوعُ نَجمٍ بالمشرِق يُضيءُ كما يُضيءُ القَمَرُ ثم يَنعطفُ حتى يكادُ يلتقيَ طَرَفاه ، وحُمرَةٌ تَظهرُ في السماءِ وتَنتَشِرُ في آفاقِها ، ونارٌ تَظهَرُ بالمشرِق طُولاً وتَبقى في الجَوِّ ثلاثة أيّامٍ أوسبعة أيّامٍ ، وخَلعُ العربِ أعنَّتَها وتملُّكها البلادَ وخُروجُها عن سلطانِ العجمِ.

وقَتلُ أهل مصر أميرَهم ، وخَرابُ الشامِ واختِلافُ ثلاثةِ راياتٍ فيه ، ودخولُ راياتِ قيس والعرب إلى مصرَ وراياتِ كندة إلى خراسان ، ووُرودُ خيلٍ من قِبَل المغربِ حتى تُربَط بفَناءِ الحيرةِ ، وإقبالُ راياتٍ سُود من المشرقِ نحوَها.

وبَثقٌ في الفراتِ ـ اي انفجار وجريٌ فيه ـ حتى يَدخُل الماءُ أزِقَّةَ الكوفةِ ، وخُروجُ ستينَ كذّاباً كُلّهم يَدَّعي النبوّةَ ، وخُروجُ اثنَي عَشَرَ من آلِ أبي طالب كُلُّهم يَدَّعي الإمامةَ لنَفسِهِ ، وإحراقُ رجلٍ عظيمِ القدرِ من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين ، وعَقدُ الجسرِ ممّا يلي الكَرخَ بمدينةِ السلامِ ، وارتفاعُ ريحٍ سوداءَ بها في أوّل النهارِ؛ وزلزلةٌ حتى يَنخسفَ كثيرٌ منها.

وخوفٌ يَشمَلُ أهلَ العراقِ ، وموتٌ ذريعٌ فيه ، ونَقصٌ من الأنفسِ والأَموالِ والثمراتِ ، وجرادٌ يَظهرُ في أوانِه وفي غير أوانِهِ حتى يأتيَ على الزرعِ والغلّاتِ ، وقلّةُ رَيعٍ لما يَزرَعَه الناسُ ، واختلافُ صنفينِ من العجمِ وسَفكُ دماءٍ كثيرةٍ فيما بينهم ، وخروجُ العبيدِ عن طاعةِ ساداتِهم وقَتلُهم مَواليَهم.

٣٢٨

[ومَسخٌ لقومٍ] من أهلِ البِدَعِ حتى يصيروا قردةً وخنازير ، وغَلبةُ العبيدِ على بلادِ الساداتِ ، ووجهٌ وصدرٌ يظهرانِ من السماءِ للناسِ في عين الشمسِ ، وأمواتٌ يُنشَرونَ من القبورِ حتى يَرجِعوا إلى الدنيا فيتعارَفونَ فيها ويَتزاوَرُونَ.

ثم يُختَمُ ذلك بأربع وعشرين مَطرَةً تَتَّصِلُ فتَحيى بها الأرضُ من بعد مَوتِها وتُعرفُ بَرَكاتُها ، وتَزُولُ بعد ذلك كلُّ عاهةٍ عن مُعتقدي الحقِّ من شيعةِ المهدي عليه‌السلام.

فيَعرِفونَ عند ذلك ظُهورَه بمكةَ ، فيَتَوَجَّهونَ نَحوَه لنُصرتِه ، كما جاءتْ بذلك الأخبارُ (١).

وتفصيل العلامات تلاحظها في خطبة البيان المروية عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

القسم الثالث : العلائم المقترنة

وهي علامات خاصة قريبة جداً من الظهور المبارك؛ تحدث في نفس سنة الظهور أو السنة السابقة عليه.

وهي كما تقدم على نوعين :

علائم محتومة.

وعلائم غير محتومة.

بالبيان التالي :

__________________

(١) الارشاد : ج ٢ ص ٣٦٨ ، وذكرت أيضاً في حديث الشيخ الصدوق في : كمال الدين : ص ٣٣٠ ب ٣٢ ح ١٦.

(٢) الزام الناصب : ج ٢ ص ١٧٨.

٣٢٩

أما العلائم المحتومة

فهي في حديث الامام الصادق عليه‌السلام :

«قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، والسفياني ، والصيحة ، وقتل النفس الزكيّة ، والخسف بالبيداء» (١).

فلنشير الى شيء من بيان العلائم الحتمية الخمسة للظهور المبارك :

١ ـ الصيحة السماوية

وهي النداء السماوي الذي ينادي به جبرئيل عليه‌السلام في ليلة الجمعة ، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك :

«يا عباد اللّه! اسمعوا ما اقول : إنّ هذا مهدي آل محمد خارج من أرض مكة فاجيبوه» ، كما في خطبة البيان (٢).

وهذا من ابرز الآيات وأوضح العلامات على ظهوره الشريف.

ويكون بصوت مفهوم ومسموع يسمعه جميع أهل العالم ، كلّ قوم بلسانهم؛ كما في حديث زرارة عن الامام الصادق عليه‌السلام (٣).

وتكون هذه الصيحة أعظم بشرى وسرور للمؤمنين ، حتى تسمعه العذراء من خدرها فتحرّض أباها وأخاها على الخروج لنصرة الامام المهدي عليه‌السلام.

في حين هي أكبر تهديد وانذار للظالمين والمتكبرين ، حيث يأخذهم الفزع والخوف كما قد يستفاد من حديث الامام الباقر عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) كمال الدين : ص ٦٥٠ ب ٥٧ ح ٧.

(٢) الزام الناصب : ج ٢ ص ٢٠٠.

(٣) كمال الدين : ص ٦٥٠ ب ٥٧ ح ٨.

(٤) الغيبة النعماني : ٢٥٤ ب ١٤ ح ١٣.

٣٣٠

٢ ـ خروج السفياني

وهو رجل سفّاك للدماء ، أمويّ النسب ، حقود على أهل البيت عليهم‌السلام ، اسمه عثمان بن عنسبة من وُلد ابي سفيان.

وهو وحش الوجه ، ضخم الهامة ، بوجهه أثر الجدري ، يخرج من الوادي اليابس بالشام ، كما في حديث أمير المومنين عليه‌السلام (١).

وله محنة كبرى وبلاءٌ عظيم وقتل ذريع وهتك للحرمات ، يفعلها هو وجيشه الذي يكون في الشام ويبعثه الى العراق والى المدينة ، كما يستفاد من خطبة البيان (٢).

ويكون خروجه في رجب ، ورايته حمراء ، كما في حديث البحار (٣).

أما جيشه الى العراق فيرجع الى الشام بعد إفساد كثير ، وأما جيشه الى المدينة فيُخسف بهم في البيداء كما يأتي في العلامة الثالثة.

ونهاية أمره هو الخسران المبين ، كما تلاحظ مفصل بيانه في كتاب الامام المهدى (٤) وحاصله :

توجه الامام المهدي عليه‌السلام بعد الكوفة الى الشام وقضاءه على السفياني وأصحابه ، ويريح اللّه العباد من شرّه.

٣ ـ خسف البيداء

البيداء اسم للمفازة التي لا شيء فيها ، وهي اسم أرض خاصة بين مكة والمدينة ، على ميلٍ ـ أي ١٨٦٠ متراً ـ من ذي الحليفة نحو مكة ، وكأنها مأخوذة

__________________

(١) كمال الدين : ص ٦٥١ ح ٩.

(٢) الزام الناصب : ج ٢ ص ١٨٨.

(٣) البحار : ج ٥٢ ص ٢٤٨ ح ١٣١ ، ص ٢٧٣ ح ١٦٧.

(٤) الامام المهدي من المهد الى الظهور : ص ٤٣٣.

٣٣١

من الإبادة أي الاهلاك.

وفي الحديث نُهي عن الصلاة فيها ، وعلل بأنها من الاماكن المغضوب عليها ، كما في مجمع البحرين (١).

ومن العلامات الحتمية انخساف هذه الارض بجيش السفياني وابتلاعها لهم. فان السفياني يبعث جيشة الى المدينة ـ كما عرفت ـ فيبغي فيها الظلم والفساد.

ويخرج الامام المهدي عليه‌السلام من المدينة الى مكة على سُنّة موسى بن عمران. فيبلغ قائد جيش السفياني ان الامام المهدي عليه‌السلام قد خرج الى مكة. فيبعث جيشة على أثره ليهدم الكعبة.

وينزل الجيش البيداء ، فتبيدهم الأرض ، كما يشير اليه حديث الامام الباقر عليه‌السلام (٢).

وينجو من هذا الخسف رجلان ، احدهما يبشر الامام المهدي بهلاك الظالمين ، والآخر ينذر السفياني بهلاك جيشه ، كما في حديث المفضل جاء فيه :

«ثمَّ يقبل على القائم عليه‌السلام رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ، ويقف بين يديه فيقول : يا سيّدي ، أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك واُبشّرك بهلاك جيش السفيانيِّ بالبيداء.

فيقول له القائم عليه‌السلام : بيّن قصّتك وقصّة أخيك.

فيقول الرَّجل : كنت وأخي في جيش السفيانيِّ وخرجنا الدُّنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناها جمّاء ، وخربنا الكوفة وخربنا المدينة ... ، وخرجنا منها ،

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ١٩٨.

(٢) البحار : ج ٥٢ ص ٢٣٨ ح ٢٥ ح ١٠٥.

٣٣٢

وعددنا ثلاثمائه ألف رجل نريد إخراب البيت وقتل أهله. فلمّا صرنا في البيداء ، عرَّسنا فيها. فصاح بنا صائح : يا بيداء أبيدي القوم الظالمين.

فانفرجت الأرض وابتلعت كلَّ الجيش. فواللّه ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري وغير أخي.

فاذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا ، فصارت إلى ورائنا كما ترى ، فقال لأخي :

ويلك يا نذير! امض إلى الملعون السفيانيِّ بدمشق فأنذره بظهور المهديِّ من آل محمّد عليه‌السلام ، وعرِّفه أنَّ اللّه قد أهلك جيشه بالبيداء.

وقال لي : يا بشير ، الحق بالمهدي بمكّة وبشّره بهلاك الظالمين ، وتب على يده فانّه يقبل توبتك.

فيمرُّ القائم عليه‌السلام يده على وجهه فيردُّه سويّاً كما كان ، ويبايعه ويكون معه» (١).

٤ ـ خروج اليماني

من العلائم المحتومة خروج اليماني الذي يدعو الى الحق والى الطريق المستقيم ، كما صرّحت به الاحاديث ، مثل :

حديث الامام الباقر عليه‌السلام : «وليس في الرايات أهدى من راية اليمانيِّ. هي راية هدى لأنّه يدعو إلى صاحبكم. فاذا خرج اليمانيّ ، حرم بيع السّلاح على [الناس و] كلِّ مسلم.

وإذا خرج اليمانيّ فانهض إليه ، فإنَّ رايته راية هدى ، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه. فمن فعل فهو من أهل النّار ، لأنّه يدعو إلى الحقِّ وإلى طريق

__________________

(١) البحار : ج ٥٣ ص ١٠ ب ٢٥ ح ١.

٣٣٣

مستقيم» (١).

واستفيد من بعض الاخبار الشريفة أن خروجه من صنعاء اليمن (٢).

كما جاء في بعض الاحاديث انه من ذرية زيد الشهيد عليه‌السلام (٣).

٥ ـ قتل النفس الزكيّة

وهو غلام من آل محمد عليهم‌السلام ، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكيّة. يُقتل بين الركن والمقام بدون ايّ ذنب ، كما يستفاد من حديث الامام الباقر عليه‌السلام (٤).

يرسله الامام المهدي عليه‌السلام الى أهل مكة ـ قبل وصوله اليها ـ إتماماً للحجة واستنصاراً لمظلومية أهل البيت عليهم‌السلام ، كما يستفاد من حديث الامام الباقر عليه‌السلام جاء فيه :

«يقول القائم عليه‌السلام لأصحابه : ياقوم ، إنَّ أهل مكّة لا يريدونني ، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجَّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم.

فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له : امض إلى أهل مكّة فقل :

يا أهل مكّة! أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم : إنّا أهل بيت الرحمة ومعدن الرِّسالة والخلافة ، ونحن ذريّة محمّد وسلالة النبيّين ، وإنا قد ظُلمنا واضطُهدنا وقُهرنا وابتُزَّ منّا حقّنا منذ قبض نبيّنا إلى يومنا هذا ، فنحن نستنصركم فانصرونا.

فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام ، أتوا إليه فذبحوه بين الرُّكن والمقام ، وهي النفس الزكيّة.

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ٢٣٢ ب ٢٥ ح ٩٦.

(٢) مهدي منتظر : ص ١٥٧.

(٣) بشارة الاسلام : ص ١٧٥.

(٤) البحار : ج ٥٢ ص ١٩٢ ب ٢٥ ح ٢٤.

٣٣٤

فإذا بلغ ذلك الامام قال لأصحابه : ألا أخبرتكم أنَّ أهل مكّة لا يريدوننا. فلا يَدَعونه حتّى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ـ عدَّة أهل بدر ـ ، حتّى يأتي المسجد الحرام. فيصلّي فيه عند مقام إبراهيم أربع  ركعات ، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ثمَّ يحمد اللّه ويثني عليه ، ويذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصلّي عليه ويتكلّم بكلام لم يتكلّم به أحد من النّاس ...» (١).

وهذه العلائم الخمسة من علامات الظهور المحتّمات ـ كما تقدم ـ تكون في سنة الظهور ويكون بعده القيام (٢).

وأما العلائم غير المحتومة

فهي علامات عديدة منها :

١ ـ خروج راية السيد الحسني الهاشمي.

يشير اليه حديث الامام الباقر عليه‌السلام :

«يخرج شاب من بني هاشم ، بكفّه اليميني خال ، ويأتي من خراسان برايات سود. بين يديه شعيب بن صالح ، يقاتل أصحاب السفياني فيهزموهم» (٣).

وكذلك حديث خطبة البيان التي ورد فيها :

«فيلحقه (اي الامام المهدي عليه‌السلام) رجل من اولاد الحسن في اثنا عشر الف فارس ، ويقول : يا ابن العم ، أنا أحق منك بهذا الامر لأني من ولد الحسن وهو

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ٣٠٧ ب ٢٦ ح ١٨.

(٢) كمال الدين : ص ٦٥٥ ب ٥٧ ح ٢٥.

(٣) الملاحم والفتن (للسيد ابن طاووس) : ص ٧٧.

٣٣٥

أكبر من الحسين.

فيقول المهدي : اني أنا المهدي.

فيقول له : هل عندك آية أو معجزة أو علامة؟

فينظر المهدي الى طير في الهواء فيؤمي اليه فيسقط في كفه ، فينطق بقدرة اللّه تعالى ويشهد له بالامامة. ثم يغرس قضيباً يابساً في بقعة من الارض ليس فيها ماء ، فيخضر ويورق ، ويأخذ جلموداً كان في الارض من الصخر ، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع.

فيقول الحسني : الامر لك. فيسلم وتسلم جنوده» (١).

وفي حديث المفضل :

«ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الّذي نحو الدَّيلم ، يصيح بصوت له فصيح : يا آل أحمد! أجيبوا الملهوف ، والمنادي من حول الضريح.

فتجيبه كنوز اللّه بالطالقان؛ كنوزٌ وأيُّ كنوز. ليست من فضّة ولا ذهب ، بل هي رجال كزبر الحديد ، على البراذين الشهب ، بأيديهم الحراب ، ولم يزل يقتل الظّلمة حتّى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض ، فيجعلها له معقلاً.

فيتّصل به وبأصحابه خبر المهديِّ عليه‌السلام ، ويقولون : يا ابن رسول اللّه ، من هذا الّذي قد نزل بساحتنا؟

فيقول : اخرجوا بنا إليه حتّى ننظر من هو وما يريد؟ وهو واللّه يعلم أنّه المهديّ وأنّه ليعرفه ، ولم يرد بذلك الأمر إلّا ليعرِّف أصحابه من هو.

فيخرج الحسنيُّ فيقول : إن كنت مهديّ آل محمّد فأين هراوة جدِّك رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاتمه ، وبردته ، ودرعه الفاضل ، وعمامته السحاب ، وفرسه اليربوع ،

__________________

(١) الزام الناصب : ج ٢ ص ٢٠٥.

٣٣٦

وناقته العضباء ، وبغلته الدُّلدل ، وحماره اليعفور ، ونجيبه البراق ، ومصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام؟

فيخرج له ذلك ، ثمَّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق ، ولم يرد ذلك إلّا أن يري أصحابه فضل المهديِّ عليه‌السلام حتّى يبايعوه.

فيقول الحسنيّ : اللّه أكبر! مدَّ يدك يا ابن رسول اللّه حتّى نبايعك.

فيمدُّ يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الّذي مع الحسنيِّ إلّا أربعين ألفاً ، أصحاب المصاحف المعروفون بالزيديّة ، فانّهم يقولون : ما هذا إلّا سحر عظيم؟

فيختلط العسكران ، فيقبل المهدي عليه‌السلام على الطائفة المنحرفة ، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيّام ، فلا يزدادون إلّا طغياناً وكفراً ، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً» (١).

٢ ـ خسوف القمر لخمسٍ بقين ، وكسوف الشمس لخمس عشرة مضين من شهر رمضان.

وهذه ظاهرة كونية خارقة للنظام الفلكي ، يشير اليها حديث الامام الباقر عليه‌السلام :

«آيتان (اثنان) بين يدي هذا الأمر : خسوف القمر لخمس وكسوف الشمس عشرة ، [و] لم يكن ذلك منذ هبط آدم عليه‌السلام الى الأرض ، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين» (٢).

٣ ـ كثرة الامطار في جمادي الآخرة وعشرة أيام من رجب.

ويشير اليها حديث الامام الصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) البحار : ج ٥٣ ص ١٥.

(٢) كمال الدين : ص ٦٥٥ ب ٥٧ ح ٢٥ ، ونحوه في : الغيبة (للشيخ الطوسي) : ص ٢٧٠.

٣٣٧

«اذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة الايام من رجب مطراً لم تر الخلائق مثله» (١).

ولعل يشير اليه أيضاً حديث سعيد بن جبير (٢).

٤ ـ الموت الاحمر والموت الابيض بذهاب ثلثي أهل العالم.

ويشير اليها حديث الامام الصادق عليه‌السلام :

١. عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«قدَّام القائم موتتان : موت أحمر وموت أبيض ، حتّى يذهب من كلِّ سبعة خمسة. الموت الأحمر السيف ، والموت الأبيض الطاعون.

٢. عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم ، قالا : سمعنا أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب ثلث النّاس.

فقيل له : إذا ذهب ثلث [ثلثا] الناس فما يبقى؟

فقال عليه‌السلام : أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي» (٣).

الى غير ذلك من العلائم الاخرى التي وردت في أحاديث كثيرة تلاحظها في باب علائم الظهور من الغيبتين.

مثل ما حديث ابي بصير قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام : قول اللّه عزَّ وجلَّ : (عذاب الخزي في الحيوة الدّنيا ...) (٤) ، ما هو عذاب خزي الدّنيا؟

فقال : «وأيُّ خزي أخزى ـ يا أبا بصير ـ من أن يكون الرَّجل في بيته وحجاله وعلى إخوانه وسط عياله ، إذ شقَّ أهله الجيوب عليه وصرخوا. فيقول

__________________

(١) الزام الناصب : ج ٢ ص ١٥٩.

(٢) الارشاد : ج ٢ ص ٣٧٣.

(٣) كمال الدين : ص ٦٥٥ ب ٧٥ ح ٢٧ ـ ٢٩.

(٤) سورة فصلت : الآية ١٦.

٣٣٨

الناس : ما هذا؟ فيقال : مُسخَ فلان الساعة.

فقلت : قبل قيام القائم عليه‌السلام أو بعده؟

قال : لا ، بل قبله» (١).

ومن المناسب في المقام ذكر ما يكون من الحوادث عند ظهوره عليه‌السلام في رواية المفضّل البيانية المفصلة ، ويأتي بيانها.

المرحلة الثانية : القيام

عرفت ان قيام الامام المهدي عليه‌السلام ونهضته الإلهية المباركة ، يكون بعد خطبته الشريفة عند بيت اللّه الحرام ، والبيعة معه بين الركن والمقام.

فانه عليه‌السلام بعد ظهوره يُسند ظهره الى الكعبة المعظمة ، مستجيراً بربّ العظمة. فيُلقى خطبته العصماء ، المبدوّة بحمد وثناء ربّ السماء ، والصلاة والسلام على سيد الانبياء وآله الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين.

ثم تتم البيعة الكريمة ، بيعة جنود الرحمن لصاحب الزمان.

ثم يكون القيام بالسيف لا ستئصال المعاندين والمتكبّرين الظالّين.

فلنبين هذه المراحل الثلاثة فيما يلي :

١ ـ الخطبة

في بداية القيام ، يورد عليه‌السلام خطبته البليغة التي يستنصر اللّه تعالى فيها ، ويتبين مقامه الالهي منها ، واول ما ينطق به قوله تعالى :

(بقيّةُ اللّهِ خيرٌ لكُم إن كنتم مؤمنين) (٢).

__________________

(١) الغيبة (للشيخ النعماني) : ص ٢٦٩.

(٢) البحار : ج ٥٢ ص ١٩٢.

٣٣٩

وفي حديث جابر الجعفي ، عن الامام الباقرعليه‌السلام في بيان الخطبة :

«والقائم يومئذ بمكّة ، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به ، فينادي :

يا أيّها الناس! إنّا نستنصر اللّه ، فمن أجابنا من الناس فإنّا أهل بيت نبيّكم محمّد ، ونحن أولى الناس باللّه وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فمن حاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم ، ومن حاجّني في نوح فأنا أولى الناس بنوح ، ومن حاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بابراهيم ، ومن حاجّني في محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنا أولى الناس بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن حاجّني في النّبيين فأنا أولى الناس بالنبيّين.

أليس اللّه يقول في محكم كتابه : (إنَّ اللّه اصطفى آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيمَ وآلَ عمرانَ على العالمين ذريّةً بعضُها من بَعض واللّه سميع عليم) (١)؟

فأنا بقيّة من آدم ، وخيرة من نوح ، ومصطفى من إبراهيم ، وصفوة من محمّد صلّى اللّه عليهم أجمعين.

ألا فمن حاجّني في كتاب اللّه فأنا أولى الناس بكتاب اللّه ، ألا ومن حاجّني في سنّة رسول اللّه فأنا أولى الناس بسنّة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فأنشد اللّه : من سمع كلامي اليوم لمّا [أ] بلغ الشاهد [منكم] الغائب ، وأسألكم بحقِّ اللّه وحقِّ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبحقّي ـ فإنَّ لي عليكم حقَّ القربى من رسول اللّه ـ إلّا أعنتمونا (٢) ومنعتمونا ممّن يظلمنا؛ فقد اُخفنا وظُلمنا ، وطُردنا من

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٣٤.

(٢) في النسخ : «لما أعنتمونا».

٣٤٠