الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

السيد علي الحسيني الصدر

الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢

وسأل فقال : روي لنا عن صاحب العسكر عليه‌السلام (١) ، انه سئل عن الصلاة في الخز (٢) الذي يغش بوبر الأرانب فوقع ، يجوز ، وروي عنه أيضاً انه لا يجوز. فاي الخبرين يعمل به؟

فاجاب : «انما حرم في هذه الأوبار والجلود. فاما الاوبار وحدها فحلال» (٣).

وقد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه‌السلام : «لا يصلي في الثعلب ولا في الأرنب ، ولا في الثوب الذي يليه».

فقال :

«انما عني الجلود دون غيرها».

وسأل فقال : يتخذ باصفهان ثياب عتابية (٤) على عمل الوشا من قز او ابريسم ، هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟

__________________

ولعل اشتقاق الكلمتين يساعد على فهم هذا الحكم في هذا الحديث.

فالمهر هو ما يُمهر عليه اي يختم عليه في وثيقة فيكون دَيناً لازماً.

والصداق ما يعبر عن صدق الرجل في محبة خطيبته ، فيكون تبرعاً اذا لم يُشترط.

(١) العسكريّان ، يرمز به الى الامامين الهمامين علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام ، ولعل المقصود به هنا الامام الهادي عليه‌السلام ، حيث رُوي عنه عليه‌السلام هذا الحديث في : الوسائل : ج ٣ ص ٢٦٢ ب ٩ ح ٢ في رواية داود الصرمي.

(٢) «الخزّ» بفتح الخاء وتشديد الزاء ، فارسي معرّب ، حيوان من القواضم يشبه الثعلب. له وبر يعمل منه الثياب. (المجمع : ص ٣١٥ والمعجم ج ٢ ص ٦٢٤).

(٣) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ٣ ص ٢٦٦ ب ١٠ ح ١٥.

وذكر الحر العاملي بعدها انه : لعل التحريم في الجلود مخصوص بالارنب ، والرخصة في وبرها محمولة على التقية.

(٤) لعله من العتبة بمعنى الدّرجة اي الطبقة ، اي لها طبقات.

قال في مجمع البحرين : العِتاب بالكسر والعتبة هي الدرجة. (مجمع البحرين : ١٢٦).

٢٦١

فاجاب :

«لا يجوز الصلاة إلا في ثوب سداه او لحمته قطن او كتان» (١).

وسأل عن المسح على الرجلين ، وبأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟

فاجاب عليه‌السلام :

«يمسح عليهما معاً. فان بدأ باحداهما قبل الاخرى فلا يبتدئ إلّا باليمين» (٢).

وسأل عن صلاة جعفر في السفر ، هل يجوز ان يصلي أم لا؟

فاجاب عليه‌السلام :

«يجوز ذلك».

وسأل عن تسبيح فاطمة عليها‌السلام ، من سهى فجاز التكبير أكثر من اربع وثلاثين ، هل يرجع الى اربع وثلاثين او يستأنف؟ واذا سبّح تمام سبعة وستين هل يرجع الى ستة وستين أو يستأنف ، وما الذي يجب في ذلك (٣)؟

فاجاب :

«اذا سها في التكبير حتى يجوز أربعة وثلاثين ، عاد الى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها ، واذا سها في التسبيح فتجاوز سبعاً وستين تسبيحة ، عاد الى ستة

__________________

(١) وردت هذه الفقرة التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ٣ ص ٢٧٢ ب ١٣ ح ٨ ، وورد فيها : «العتابية» بالتاء كما هنا ، لكن في البحار ورد : «عنّابية» ، فلاحظ.

(٢) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في الوسائل : ج ١ ص ٣١٦ ب ٣٤ ح ٥ باب وجوب الترتيب في الوضوء وجواز مسح الرجلين معاً.

(٣) فان هذه التسبيحة المباركة معيّنة أربعة وثلاثون مرة «الله اكبر» وثلاثة وثلاثون مرة «الحمد لله» وثلاث وثلاثون مرة «سبحان الله».

٢٦٢

وستين وبنى عليها ، فاذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه» (١).

التوقيع السادس (٢)

الشيخ الاقدم الصدوق ، قال : حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي‌الله‌عنه ، قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن اسحاق بن يعقوب ، قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضي‌الله‌عنه أن يوصل لنا كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ. فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام :

«أمّا ما سألت عنه ـ أرشدك اللّه وثبّتك ـ من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا

__________________

(١) هذا تمام التوقيع المبارك الذي ختم بتسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، الذي كان مسك الختام في آخر توقيع الامام صلوات الله عليه وعلى آبائه الكرام.

وينبغي ملاحظة فضل هذا التسبيح الشريف ـ الذي هو أحبّ من ألف ركعة من الصلاة ـ في مثل كتاب ثواب الاعمال : ص ١٩٥ ، والبحار : ج ٨٥ ص ٣٢٧.

(٢) جاء هذا التوقيع الشريف في اكمال الدين : ص ٤٨٣ ب ٤٥ ح ٤ ، والغيبة (لشيخ الطائفة) : ص ١٧٦ ، والاحتجاج : ج ٢ ص ٢٨١ ، والبحار : ج ٥٣ ص ١٨٠ ب ٣١ ح ١٠.

وواسطة التوقيع هو الشيخ الجليل محمد بن عثمان العمري النائب الثاني لمولانا الامام المهدي عليه‌السلام ، وتلاحظ ترجمته الخاصة في مبحث سفراء الامام المنتظر عليه‌السلام.

كما أن راوي التوقيع هو اسحاق بن يعقوب الذي يستفاد جلالة قدره من دعاء الامام المهدي عليه‌السلام له بقوله :

«أرشدك الله وثبّتك».

فانه يدل على أنه أهلٌ له ومستجابٌ فيه لا محالة.

خصوصاً مع شيخوخته لثقة الاسلام الكليني ، وتعدد الطريق اليه في روايته ، وتسالم المشايخ على نقله. فقد رواه شيخ الطائفة ، عن جماعة ، عن ابن قولويه وابي غالب الزراري وغيرهما ، عن الشيخ الكليني. ورواه الشيخ الصدوق ، عن ابن عصام ، عن الكليني عنه.

قال في : التنقيح : ج ١ ص ١٢٢ : ويستفاد من توقيعه عليه‌السلام هذا جلالة الرجل ، وعلوّ رتبته ، وكونه هو الراوي غير ضائر بعد تسالم المشايخ على نقله.

٢٦٣

وبني عمّنا (١) ، فاعلم أنّه ليس بين اللّه عزَّ وجلَّ وبين أحد قرابة ، ومن أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح عليه‌السلام (٢).

أمّا سبيل عمّي جعفر وولده ، فسبيل إخوة يوسف عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) ينبئ هذا عن سؤال إسحاق بن يعقوب عن بني عمومة الامام المهدي عليه‌السلام ، كأولاد عمّه جعفر أو بعض ابناء الأئمة عليهم‌السلام المنكرين لامامة الامام المنتظر عليه‌السلام ما هو حكمهم وشأنهم.

(٢) ففي حديث ابن ابي يعفور ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام :

«ثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : من ادّعى إمامةً من الله ليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أن لهما في الاسلام نصيب. (الكافي ج ١ ص ٣٧٤ ح ١٢).

فمن أنكر إمامة أحدهم عليهم‌السلام لم يكن من الله في شيء ولم تنفعه حتى القرابة القريبة كقرابة ابن النبي نوح من أبيه ، حيث قال فيه الله تعالى : (إنّهُ ليسَ مِن أهلِكَ إنّهُ عَملٌ غيرُ صالح). (سورة هود : الآية ٤٦).

فنفى الله تعالى أهليّته لكفره وعصيانه ، وكذلك من أنكر الامام المهدي عليه‌السلام من قرابة ، فانه مثل ابن نوح في كفره وعصيانه.

فالقريب منه عليه‌السلام هو من قربته طاعة الله وإن بَعُدت لُحمته ، والبعيد منه هو من بعّدته معصية الله وإن قُربت لُحمته.

(٣) احتمل في التشبيه وجوه :

الاول : أنه يلزم الكفّ عن الكلام في جعفر وولده لأنهم من أولاد الأئمة عليهم‌السلام كما يلزم الكف عن الكلام في اخوة يوسف الذين كانوا من اولاد الانبياء عليهم‌السلام ، فحسابهم على آبائهم فما لهم أو عليهم.

الثاني : انهم تابوه مثل اخوى يوسف الذين تابوا عن فعلتهم فقال لهم يوسف فيما اقتصّه الله تعالى (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين). [سورة يوسف : الآية ٩٢] ففارقوا الدنيا سعداء.

الثالث : انه دفعٌ لاستبعاد صدور الذنب وركوب المعصية ، فانهم كاخوة يوسف الذين ركبوا الذنب العظيم بالرغم من أن أباهم كان من الانبياء.[لا المختار من كلمات الامام المهدي عليه‌السلام : ج ١ ص ٢٨٢ ].

٢٦٤

أمّا الفقّاع (١) ، فشربه حرام ، ولا بأس بالشلماب (٢) ، وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلّا لتطهّروا (٣). فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع؛ فما آتاني اللّه خير ممّا آتاكم (٤).

وأمّا ظهور الفرج ، فإنّه إلى اللّه تعالى ذكره ، وكذب الوقّاتون (٥).

__________________

(١) «الفُقّاع» بتشديد القاف ، شراب يتخذ من الشعير. سمي به لما يعلوه من الزبد. (مجمع البحرين ص ٣٨٨) ويسمى «بيرة» وهو محرم شرعاً أسكر أم لم يُسكر ، ومن النجاسات ، وعلى حرمته الاجماع. (مرآةالعقول : ج ٢٢ ص ٢٨٨). والاحاديث المتظافرة. (الوسائل : ج ١٧ ص ٢٨٧ ب ٢٧ الأحاديث).

(٢) «الشلماب» : اختلف في معناه :

ففي هامش الغيبة : ص ١٧٦ : شلماب وشلمابه : شَربة تتخذ من مطبوخ الشلجم ، كذا قال بعض الاطباء . وفي الهامش الوسائل : ج ١٧ ص ٢٩١ ، نقل هذا المعنى ، ثم قال : لا مناسبة بين ماء الشلجم والفقاع ولا وجه لتوهم حرمة ماء الشلجم ولا لاحتمال السُكر فيه.

والصحيح أن الشلماب كان شراباً يُتخذ من الشيلم ، وهو حب شبيه بالشعير ، وفيه تحذير نظير البَنج ، وان اتفق وقوعه في الحنطة وعمل منه الخبز أورث الدرّ والدوّار والنوم ، ويكثر نباته في مزرع الحنطة ، ويتوهّم حرمته لمكان التحذير واشتباه التحذير بالإسكار عند العوام.

(٣) فانهم عليهم‌السلام اغنياء بغنى الله تعالى ، ولا حاجة شخصية لهم الى الأخماس ، بل كان اغلبهم يعلمون ويسترزقون من كدّ يمينهم وريع أعمالهم.

وانما يقبلون الأخماس ليطهر المعطون ، حيث أن خُمس الموالهم حق لهم عليهم‌السلام ؛ فاذا بقى في أموال الناس دَخَل في العبادات والمعاملات بل النُطَف فأفسدها.

فأخذهم عليهم‌السلام الأخماس إذاً تزكية لنا لا حاجة لهم ، فلا يضرهم القطع والامساك.

(٤) اذ قد تفضّل الله تعالى عليهم وآتاهم مالم يؤت أحداً من العالمين وفضلهم على الخلق أجمعين ، وأعطاهم المُلك العظيم ، وحباهم بجزيل النعم وأجزل الكرم. فلا يُعوِزهم شيء حتى يحتاجون الى شخص.

(٥) فان موعد ظهور الامام المهدي عليه‌السلام الذي يكون به الفرج الأعظم للعالَم أجمع هو مما دعت المصلحة الحقيقة الى إخفائه كإخفاء موعد القيامة ، عسى أن يتهيّأ الخلق له جميعهم في حميع الأوقات والأزمان ، فلا يوقِّتها المعصومون عليهم‌السلام.

لذلك يكون الموقِّت له كاذباً ، لأنه لم يصدر عن معدن الوحي ، ولم يكن قولاً بحق.

وقد وردت أحاديث عديدة في منع التوقيت تلاحظها في بابه مثل :

٢٦٥

وأمّا قول من زعم أنَّ الحسين عليه‌السلام لم يقتل ، فكفر وتكذيب وضلال (١).

وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه عليهم (٢).

وأمّا محمّد بن عثمان العمريُّ ـ رضي‌الله‌عنه وعن أبيه من قبل ـ ، فانّه ثقتي وكتابه كتابي (٣).

__________________

حديث منذر الجواز ، عن الامام الصادق عليه‌السلام قال :

«كذب الموقِّتون ، ما وقّتنا فيما مضى ، ولا نوقّت فيما يستقبل». (الغيبة للشيخ الطوسي : ص ٢٦٢).

(١) هذا ردٌّ على بعض الغلاة وبعض المغرضين الذين أدّعوا لأهوائهم الباطلة واغراضهم الفاسدة أن الامام الحسين عليه‌السلام لم يُقتل.

ومن المعلوم أن هذا الادعاء سترٌ للحقيقة الثابتة ، بل تكذيب لوحي السماء وإخبار الانبياء ، وردٌّ على إخباررسول الله وأمير المؤمنين والأئمة المعصومين عليهم‌السلام الذين أخبروا بشهادته ، وتكذيبهم يكون كفراً ، وكل كفر ضلالة.

فقول الزاعم أن الحسين عليه‌السلام لم يُقتل كفر وتكذيب وضلال.

وقد وردت في شهادة الامام الحسين عليه‌السلام ما يفوق التواتر من الأخبار وما يوجب القطع واليقين من الآثار.

وتلاحظ أحاديث إخبار جبرائيل والانبياء والأئمة بشهادته في : كامل الزيارات : ص ٥٥ ـ ٧٥ ، فراجع.

(٢) «الحوادث» جمع حادث ، فُسّر بما يحدث ويتجدد من المسائل. من حدث الشيء حدوثاً بمعنى تجدّد حدوثه. (مجمع البيان : ص ١٥٢).

كما فسّر الرواة بالفقهاء الذين يمكن الرجوع اليهم ، بمناسبة حكم الحُجية فيهم.

قال في : هامش الإكمال :

الظاهر من الحوادث ما يتفق للناس من المسائل التي لا يعلمون حكمها ، فلابد لهم أن يرجعوا فيها الى من يستنبطها من الاحاديث الواردة عنهم.

والمراد برواة الحديث الفقهاء الذين يفقهون الحديث ويعلمون خاصّه وعامّه ومحكمة ومتشابهه ، ويعرفون صحيحه من الحديث سقيمه وحسنه من مختلقه ، والذين لهم قوّة التفكيك بين الصريح منه والدخيل وتمييز الاصيل من المزيف المتقوَّل. لا الذين يقرؤون الكتب المعروفة ويحفظون ظاهراً من ألفاظه ولا يفهمون معناه وليس لهم مُنّةُ الاستنباط وان زعموا أنهم حملة الحديث. (اكمال الدين : ص ٤٨٤).

(٣) وهو ابو جعفر محمد بن عثمان العمري الزيات النائب الثاني للامام المهدي عليه‌السلام في الغيبة الصغرى ، وهو

٢٦٦

وأمّا محمّد بن عليِّ بن مهزيار الأهوازي (١) ، فسيصلح اللّه له قلبه ويزيل عنه شكّه.

وأمّا ما وصلتنا به ، فلا قبول عندنا إلّا لما طاب وطهر (٢) ، وثمن المغنّية حرام (٣).

__________________

الثقة الأمين الذي كان وكيلاً للامام العسكري عليه‌السلام. (الغيبة للشيخ الطوسي : ص ٢٢٠).

ثم صار وكيلاً للامام الحجة المنتظر أرواحنا فداه. ففاز بهذه النيابة الخاصة والسعادة العظيمة. (اكمال الدين : ص ٥١٠ ب ٤٥ ح ٤١).

(١) قال في المختار :

لا بُعد أن يكون لعلي بن مهزيار ابن اسمه محمد ، كما كان لابراهيم بن مهزيار ـ أخيه ـ ولدٌ يسمى محمداً ، ومن قويّ الظن أنه كان معهوداً بين اسحاق بن يعقوب وبينه عليه‌السلام ، فقال المقالة التبشيرية من صلاح قلبه.

(٢) فانه عليه‌السلام من أهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير وطهّرهم الله تطهيراً. لذلك تقرأ في زياراتهم الشريفة :

«أشهد أنّك طُهر طاهر مطهّر ، من طُهرٍ طاهرٍ مطهّر». (البحار : ج ١٠٠ ص ٣٠٦).

فهم طاهرون مطهّرون ، لا يجانسهم القذر والرجس والخبيث حتى يتناولوا منه. فلا يقلبون مالاً اذا كان حراماً أو مختلطاً بحرام.

ويستفاد من تعقيبه بالجملة الآتية انه كانت هذه الصلة أو كان فيها من ثمن المغنية ، وهو حرام. فلا يقبله أهل البيت عليهم‌السلام.

ونظيره ردّه عليه‌السلام بعض الهدايا التي اختلط فيها الحلال بالحرام ، مثل ما في حديث أحمد بن اسحاق الأشعري القمي ، حيث جاء فيه أنه عليه‌السلام قال لوالده الامام العسكري عليه‌السلام :

«يا مولاي ، أيجوز أن أمدّ يداً طاهرة الى هدايا نجسة ، وأموال رجسة ، قد شيب أحلُّها بأحرمها». (اكمال الدين : ص ٤٥٨ ب ٤٣ ح ٢١).

(٣) فان ثمنها سحت من أشد الحرام ، كما تسالمت فيه الاحاديث والفتاوى.

ففي حديث الحسن بن علي الوشاء قال : سُئل ابو الحسن الرضا عليه‌السلام عن شراء المغنية ، قال :

«قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها الا ثمن الكلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار».

٢٦٧

وأمّا محمّد بن شاذان بن نعيم (١) ، فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأمّا أبو الخطّاب محمّد بن ابي زينب الأجدع (٢) ، فملعون وأصحابه ملعونون. فلا تجالس أهل مقالتهم ، فإنّي منهم بريء وآبائي عليهم‌السلام منهم براء.

وأمّا المتلبّسون بأموالنا (٣) ، فمن استحلَّ منها شيئاً فأكله فأنّما يأكل

__________________

(١) هو محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني ، ابو عبدالله النيسابوري ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام العسكري عليه‌السلام.

وعده العلامة في القسم الاول من الخلاصة المخصوص بالثقات.

وعده في الوجيزة والبلعة من الممدوحين وهو حسن. (لاحظ تنقيح المقال : ج ٢ باب محمد ص ٧٤).

بل هو ممن سَعُد بدعاء الامام الحجة عليه‌السلام.

ففي حديث آدم بن محمد ، قال : سمعت محمد بن شاذان بن نعيم يقول :

جُمع عندي مالٌ للغريم ـ اي الامام صاحب الزمان عليه‌السلام ـ. فأنفذت به إليه ، وألقيت فيه شيئاً من صلب مالي. قال : فورد من الجواب :

«قد وصل اليّ ما أنفذتَ من خاصة مالك ، فيها كذا وكذا. فقبل الله منك». (رجال الكشي : ص ٤٤٧).

(٢) هو محمد بن مقلاص الاسدي الكوفي الأجدع البرّاد. يكنى ابو الخطّاب ، كما يكنّى أبوه مقلاص بأبي زينب. كان رجلاً ضالاً مضلاً فاسد العقيدة.

كان في زمن الامام الصادق عليه‌السلام وكان يكذب عليه بمثل أنه أمره بتأخير صلاة المغرب الى ذهاب الشفق واشتباك النجوم ، وغير ذلك من البدع ، وأصحابه هم الخطّابية ، نسبوا اليه واتبعوه في بدعه.

وقد وردت أحاديث كثيرة في لعنه والتبرّي منه قال :

حديث حنان بن سدير عن الامام الصادق عليه‌السلام ، أنه قال :

«على ابن الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فاشهد بالله انه كافر فاسق مشرك ، وأنه يُحشر مع قرينٍ في اشدّ العذاب ، غدوّاً وعشياً». (رجال الكشي : ص ٢٥١).

(٣) التلبّس بالمال ، أخذه والاستيلاء عليه.

واحتمل في المتلبسين بأمواله عليه‌السلام ان يكون المقصود به المستولين على أمواله الخاصة من تركة والده الامام العسكري عليه‌السلام التي استولى عليها الغاصب العباسي او جعفر التواب وأنصاره. (كلمة الامام المهدي عليه‌السلام : ص ٢٣٤).

٢٦٨

النيران (١).

وأمّا الخمس ، فقد اُبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلٍّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث (٢).

وأمّا ندامة قوم قد شكّوا في دين اللّه عزَّ وجلَّ على ما وصلونا به ، فقد أقلنا من استقال (٣) ، ولا حاجة في صلة الشاكّين (٤).

__________________

(١) وقد جاء الحديث في تفسير قوله تعالى : (إن الذينَ يأكلونَ أموالَ اليتامى ظلماً إنّما يأكلُونَ في بطونِهم ناراً وسَيَصْلَونَ سعيراً). (سورة النساء : الآية ١٠).

عن ابي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله ، ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟

قال :

«من أكل من مال اليتيم درهماً ، ونحن اليتيم».

وعنه أيضاً قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول :

«من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه اليه ، أكل جذوة من النار يوم القيامة». (كنز الدقائق : ج ٣ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣).

(٢) حمل الفقهاء هذا الحديث الشريف على التحليل في وجوهٍ خاصة ، لا تحليل عموم الخمس في جميع موارده ، وذلك لأنه ينافي أدلة وجوب الخمس في كلِّ ما أفاد الناس ودليل تشريع الخمس لبني هاشم وتحريم الصدقة عليهم.

وأن أدلة التحليل بين ماهي مطلقة ، وبين ما تختص بحال الضيق والإعواز ، او خصوص تحليل المناكح ، او خصوص تحليل الغنيمة والفيء ، أو خصوص التحليل لما يُشترى ممن لا يعتقد وجوب الخمس.

فيتعين الجمع العرفي بينهما بحسب قاعدة باب التعارض بحمل أدلة التحليل على الوجوه التي ذكر التحليل فيها أو على احداها ، واندراج الباقي تحت ادلة وجوب التخميس.

ويلاحظ للتفضيل الكتب الفقهية الاستدلالية ، مثل : المستمسك : ج ٩ ص ٥١٥ ـ ٥١٩.

(٣) يقال : تقايلا البيع ، إذا فسخاه وعاد المبيع الى مالكه والثمن الى المشترى. (مجمع البحرين : ص ٤٩٣) فالاقالة هي الارجاع.

وقبولها من سجايا الكرام وصفات ذوي الكرم.

ويكون قوله عليه‌السلام :

٢٦٩

وأمّا علّة ما وقع من الغيبة ، فإنَّ اللّه عزَّ وجلَّ يقول : (يا أيّها الّذينَ آمنُوا لا تَسئَلوا عَن أشياءَ إن تُبدَ لكُم تَسُؤكم) (٥). إنّه لم يكن لأحد من آبائي عليهم‌السلام إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي (٦).

__________________

«فقد أقلنا من استقال» كناية عن ردّ الاموال ، وتشهد له كلمة : «ولا حاجة في صلة الشاكّين». (المختار من كلمات الامام المهدي عليه‌السلام : ج ١ ص ٢٢٦).

(٤) فانهم حينما شكّوا في دين الله تعالى ، خرجوا عن زمرة المؤمنين. فان الايمان بالله لا يجتمع مع الشك في دين الله ، ومعلوم أن أموال غير المؤمنين لا تكون طيبةً حتى ينال الامام عليه‌السلام منها شيئاً.

قال تعالى : (والطيّباتُ للطيّبينَ والطيّبونَ للطيّباتِ). (سورةالنور : الآية ٢٦).

(٥) سورة المائدة : الآية ١٠١ ، ويظهر وجه استشهاده عليه‌السلام بهذه الآية المباركة من قوله بعد ذلك : «فاغلقوا باب السؤال عما لا يعينكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كُفيتم».

فان غيبة الامام المهدي عليه‌السلام لها اسرار ومصالح واقعية لا يعرفها الانسان ، وقد لا يتحملها ، وقد كُفي معرفتها بعد أن عرف وآمن أن الله تعالى حكيم عليم ، لا يفعل شيئاً الا عن مصلحة وحكمة.

فيكون سؤاله عن العلة والحكمة في وقوع الغيبة سؤالاً عما لا يعنيه ، بل سؤالاً عما تسوءه وتُغمّه ، اذا كان ممن لا يتحمل المصالح الواقعية والاسرار الخفيّة.

وقد بيّن عليه‌السلام بعض حِكَم الغيبة فيما يلي بقوله : «إنه لم يكن ...» الخ.

كما بين اجداده الكرام بعض الحكم الاخرى ، مما تتحمله العقول ويمكن اليه الوصول. فينبغي للانسان الكفّ عن سؤال ما لا يعنيه ، وعدم تكلّف ما حُجب عنه.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«ان الله فرض عليكم فرائض فلا تضيّعوها ، وحدَّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن اشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلفوها». (نهج البلاغة : كلمة الحكمة ١٠٢).

(٦) فان الإمام المهدي عليه‌السلام بواسطة غيبته يكون مستغنياً عن التقيّة من حكّام عصره وظالمي زمانه.

فلا تكون في عنقه بيعة لأحدٍ منهم ولو اضطراراً وتقيّةً حتى يُلزم بالوفاء به. كم وقعت تلك البيعة الاجبارية لآباءه الطاهرين عليهم‌السلام.

فان عهد دولة الامام المهدي عليه‌السلام ، عهد ظهور الحق المطلق في جميع المجالات ، ومن المعلوم أنه لا تناسبه

٢٧٠

وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي (١) ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء (٢) ، فأغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم (٣) ، وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج فإنَّ ذلك فرجكم (٤) ، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب

__________________

التقية.

فغاب عليه‌السلام ليبقى خارجاً عن أنظمة الطواغيت.

ولحكمٍ اُخرى بُيّن بعضها في احاديثنا المباركة ، وفصّلنا ذكرها في فصل الغيبة من كتابنا هذا الامام المنتظر عليه‌السلام.

(١) وما ألطفه وأبلغه من بيان يكشف عن فائدة وجوده المقدس في أيام الغيبة. فشبّه الانتفاع به عليه‌السلام بالانتفاع بالشمس الغائبة بالسحاب.

فان للشمس الدور المركزي القيادي لجميع الكواكب الكونية ، وكذلك دور الامام المهدي عليه‌السلام.

وللشمس إنفاع الموجودات. فكل موجود يستوفي انتفاعه منه في كلتا الحالتين : الظهور بالاشراق والاستتار بالسحاب ، وكذلك الامام المهدي عليه‌السلام في الظهور والغيبة.

وللشمس تنوير العالم من الظلمات.

وكذلك الامام المهدي عليه‌السلام ، هو نور العوالم وبدونه تكون الظلمات.

الى غير ذلك من الوجوه التي بينّاها بالتفصيل في فصل الغيبة.

(٢) ففي حديث الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الارض. فاذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، واذا ذهبت أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون». (البحار : ج ٢٣ ص ١٩ ب ١ ح ١٤).

(٣) وفي حديث الامام الرضا عليه‌السلام :

لو «خَلَت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها».

فان معرفة علة الغيبة ليست من الفرائض المأمور بها حتى يُعاقب على تركها. (البحار : ج ٢٣ ص ٢٩ ب ١ ح ٤٣).

(٤) والدعاء أفضل العبادة ، كما في حديث الامام الباقر عليه‌السلام. (الكافي : ج ٢ ص ٤٦٦).

كما وأن فرجه بظهوره هو تفريج وخيرٌ لجميع العالم ، وللشيعة بالخصوص ، وتلاحظ أدعية الفرج المأثورة مجموعة في آخر فصل الغيبة من هذا الكتاب.

٢٧١

وعلى من اتّبع الهدى» (١).

التوقيع السابع (٢)

الشيخ الصدوق ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، قال : حدَّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيّ وعليّ بن أحمد بن محمّد الدَّقّاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدِّب وعليّ بن عبداللّه الورَّاق رضي‌الله‌عنهم ، قالوا : حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ رضي‌الله‌عنه ، قال : كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان قدَّس اللّه روحه في جواب مسائلي إلى

__________________

(١) هذا آخر التوقيع ، وقد ختم بالسلام وسلام الختام الذي هو من أجل الآداب الرفيعة في الاسلام.

(٢) جاء هذا التوقيع الشريف في : اكمال الدين : ص ٥٢٠ ب ٤٥ ص ٥٢٠ ح ٤٩ ، والاحتجاج (للطبرسي) : ج ٢ ص ٢٩٨ ، والبحار ج ٥٣ ب ٣١ ص ١٨٢ ح ١١.

وواسطة التوقيع هو الشيخ الجليل والنائب الثاني من النواب الأربعة محمد بن عثمان العمري ، الذي تقدّمت الاشارة الى جلالة قدره وعلوّ شأنه.

وراوي التوقيع هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الاسدي ، الذي هو موثق بتوثيق النجاشي والشيخ. قال النجاشي : محمد بن جعفر بن محمد عون الأسدي ، أبو الحسين الكوفي ، ساكن الري. يقال له : محمد بن أبي عبدالله ، كان ثقة ، صحيح الحديث .... (رجال النجاشي : ص ٢٦٤).

وقال شيخ الطائفة : وقدكان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل ، منهم ابو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه‌الله ... ، ومات الأسدي على ظاهر العدالة ، لم يتغير لم يُطعن عليه. في شهر ربيع الآخر سنة اثنتى عشرة وثلاثمائة. (الغيبة : ص ٢٥٧).

وقال في رجاله أيضاً : محمد بن جعفر الأسدي ، يكنى أبا الحسين الرازي ، كان أحد الابواب. (رجال الشيخ : ص ٤٩٦).

كما وان الرواة الآخرين : الشيباني والدقاق والمؤدب والورّاق ، هم مشايخ الصدوق ، المترضّى عليهم والمستحسن حالهم. فالتوقيع معتبر السند ، مضافاً الى كونه قويّ المتن.

٢٧٢

صاحب الزَّمان عليه‌السلام :

«أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها (١).

فلئن كان كما يقولون إنَّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة. فصلّها وأرغم أنف الشيطان (٢).

وأمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثمَّ يحتاج إليه صاحبه.

فكلُّ مالم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار (٣) ، وكلّ ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه ، إحتاج إليه صاحبه أو لم يحتج ، افتقر إليه أو استغنى عنه.

وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرَّف فيه ،

__________________

(١) اعلم أن العامة لا يجوّزون الصلاة بعد فريضة الصبح الى شروق الشمس وبعد فريضة العصر الى غروب الشمس ، ويزعمون أنهما لا يصلحان للصلاة استدلالاً منهم بالنهي النبوي عنها لطلوع وغروب الشمس بين قرني الشيطان. كما هو المحكي عن بعض صحاحهم. (صحيح مسلم : ج ٢ ص ٢١٠).

(٢) جاءت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ٣ ص ١٧٢ ب ٣٨ ح ٨ ، ضمن بعض الروايات النهى.

ثم حكى المحدث الحر العاملي في آخر الباب عن شيخ الطائفة حمل روايات النهي على الكراهة أو التقية ، ثم استقرب هذا التوقيع الشريف في مسألة صلاة النافلة بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح.

(٣) افاد في الكلمة ان هذا ناظرٌ الى وقف المعاطاة على ما هو المعروف بين الفقهاء من عدم لزومه ، باعتبار أن اكثر الناس لا يوفقون الا بالمعاطاة وهي لا تتم الا التسليم ، او لاشتراط القبض في الوقف.

واما الوقف بالصيغة فلا يصح العدول عنه. (كلمة الامام المهدي عليه‌السلام : ص ١٦٣).

ولاحظ الاحاديث في باب عدم جواز الرجوع في الوقف بعد القبض ولا في الصدقة بعده في : الوسائل : ج ١٣ ص ٣١٥ ب ١١ الاحاديث ، ومنها حديث الامام الباقر عليه‌السلام :

«لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه الله عز وجل». (الوسائل : ج ١٣ ص ٣١٧ ب ١١ ح ٧).

٢٧٣

تصرُّفه في ماله من غير أمرنا (١).

فمن فعل ذلك فهو ملعونٌ (٢) ونحن خصماؤه يوم القيامة (٣).

فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المستحلُّ من عترتي ما حرَّم اللّه ملعونٌ على لساني ولسان كلِّ نبيٍّ.

فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين ، وكان لعنة اللّه عليه (٤) لقوله تعالى : (ألا لَعنةُ اللّهِ على الظالمين) (٥).

وأمّا ما سألت عنه من أمر المولود الّذي تنبت غلفته (٦) بعدما يختن ، هل يختن مرَّة اُخرى؟

فإنّه يجب أن يقطع غلفته ، فإنَّ الأرض تضجُّ إلى اللّه عزَّ وجلَّ من بول الأغلف أربعين صباحاً (٧).

__________________

(١) أي بدون أمرنا اياه وإذننا له بالتصرف.

(٢) فانه من أشد الحرام ، وغصب لحق وليّ النعمة ، ويستحق به اللعن.

(٣) وويلٌ لمن كان شفعاؤه خصماؤه يوم القيامة.

(٤) واللعن هو الهلاك والطرد عن الرحمة الالهية ، والعياذ بالله.

(٥) سورة الهود : الآية ١٨.

(٦) «الغُلفة» بالغين و «القُلفة» بالقاف ، هي الجلدة التي تُقطع في الختان ، و «الأغلف» و «الاقلف» ، هو الصبي غير المختون. (مجمع البحرين : ص ٤١٨).

(٧) وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في الوسائل : ج ١٥ ص ١٦٧ ب ٥٧ ح ١.

وقد جاءت أحاديث الختان في ابواب عديدة من العنوان المتقدم.

ففي حديث ابي بصير ، عن الامام الصادق عليه‌السلام ، انه قال :

«من سنن المرسلين الاستنجاء والختان». (الوسائل : ج ١٥ ص ١٦١ ب ٥٢ ح ٢).

وفي حديث مسعدة بن صدقة ، عن الامام الصادق عليه‌السلام ، انه قال :

«اختنوا أولادكم لسبعة أيام ، فانه أطهر واسرع لنبات اللحم ، وإن الأرض لتكره بول الأغلف».

٢٧٤

وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه ، هل تجوز صلاته ، فإنَّ الناس اختلفوا في ذلك قِبَلك؟

فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام أو عبدة النيران أن يصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه ، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأصنام والنيران (١).

وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع الّتي لناحيتنا ، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج (٢) منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية ، احتساباً للأجر وتقرّباً إلينا (٣)؟

فلا يحلُّ لأحد أن يتصرَّف من مال غيره بغير إذنه (٤) ، فكيف يحلُّ ذلك في مالنا. من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلَّ منّا ما حرَّم عليه ، ومن أكل

__________________

(الوسائل : ج ١٥ ص ١٦١ ب ٥٢ ح ٥).

ويمكن تفسير كراهة الارض لبول الاغلف أو ضجته من ذلك بالاعتبار الروحي ، لما ثبت بالكتاب والسنة ان للجمادات كافة الارواح والمشاعر ، وان كانت ارواحها ومشاعرها مختلفة عن ارواح ومشاعر الانسان والحيوان والنبات. (كلمة الامام المهدي عليه‌السلام : ص ١٦٤).

(١) جاءت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ٣ ص ٤٦٠ ب ٣٠ ح ٥ باب كراهة استقبال المصلي النار ، مما يظهر أن النهي هنا محمول على الكراهة.

ولعل من حكمة النهي بالنسبة الى أولاد عبدة الاصنام والنيران هو دفع التوهّم ، يعني دفع توهم الناظر اليهم أنهم كآبائهم في الطباع والتقاليد ، ولذلك لم يكن هذا النهي بالنسبة الى أولاد المؤمنين لعدم المجال لهذا التوهم في حقهم.

(٢) «الخَراج». بفتح الخاء ، ما يحصل من غلة الارض ، وقيل : يقع اسم الخراج على الضريبة والفيء والجزية والغلة. (مجمع البحرين : ص ١٦٣).

(٣) في بعض النسخ : «اليكم».

(٤) فانه من أظهر مصاديق الغصب الذي هو محرّم بالادلة الأربعة ، كما هو ثابت في محله.

٢٧٥

من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً (١).

وأمّا ما سألت عنه من أمر الرَّجل الّذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلّمها من قيّم يقوم بها ويعمرها ويؤدِّي من دخلها خراجها ومؤونتها ويجعل ما يبقى من الدَّخل لناحيتنا.

فإنَّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها. إنّما لا يجوز ذلك لغيره.

وأمّا ما سألت عنه من أمر الثمار من أموالنا يمرُّ بها المارُّ فيتناول منه ويأكله ، هل يجوز ذلك له؟

فإنّه يحلُّ له أكله ويحرم عليه حمله» (٢).

__________________

(١) وقد تقدم الحديث الصادقي الشريف ، أن من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه اليه أكل جذوه من النار ويوم القيامة. (كنز الدقائق : ج ٣ ص ٣٤٣).

وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في الوسائل : ج ٣ ص ١٦ ب ٨ ح ٩ باب جواز أكل المار من الثمار وإن اشتراها التجار مالم يقصُد أو يُفسد أو يحمل.

وهي مسألة التي عبر عنها في الفقه بحقّ المارة.

قال في الجواهر من مسائل لواحق البيع :

المسألة الثامنة : إذا مرّ الانسان بشيء من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع أو قريبٍ منها ، بحيث لا يُعد قاصداً عرفاً بل كان ذلك منه إتفاقاً ، جاز أن يأكل من غير إفساد مع العلم والظن بالكراهة ، على المشهور بين الاصحاب نقلاً وتحصيلاً.

ثم حكى الاجماع على ذلك عن ابن ادريس ، وشيخ الطائفة في الخلاف ، وحكى عن الرياض عدم الوقوف على خلاف فيه من قدماء الأصحاب ، الا ما يحكى عن السيد المرتضى في المسائل الصيداوية. (الجواهر : ج ٢٤ ص ١٢٧).

هذا تمام الكلام في هذا التوقيع المبارك ، وبه يتم المرام في البيان نبذه من المآثر الشريفة الفاخرة المروية عن الناحية المقدسة الزاهرة.

٢٧٦

البحث الخامس

التشرُّف بخدمة الإمام المهدي عليه‌السلام

٢٧٧
٢٧٨

لا شكّ في أن من أرقى السعادات وأعلى الدرجات ، التشرف بخدمة بقية اللّه تعالى الامام المهدي ارواحنا فداه ، والفوز برؤية طلعته الرشيدة وغرّته الحميدة. فهي الزيارة القريبة لخاتم الوصيين ، والبلسم الشافي لقلوب المؤمنين.

وحكمة الغيبة وإن دعت الى استتاره عن الأبصار ، الا أن اللطف والكرامة شملت جملة كثيرة من الأخيار ، ممن تشرفوا بخدمته وسعدوا برؤيته.

كما دلّ على ذلك الإخبارات الموثقة المتواترة والتشرفات الصادقة المتظافرة ، التي هي من أقوى الأدلة على وقوع التشرف ، فضلاً عن إمكانه.

مضافاً الى الأدعية الشريفة الواردة لسؤال رؤيته التي تكشف عن امكان وقوعه وتحققه ، والا فانه لا يمكن أن يؤمر العبد بالدعاء بالمحال.

فترى ذلك في مثل زيارة الامام الحجة عليه‌السلام :

«اللهم أرِنا وجهَ وليّك الميمونَ ، في حياتنا وبعد المنون».

وفي دعاء العهد المروي عن الامام الصادق عليه‌السلام :

«اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة ، واكحُل ناظري بنظرةٍ منّي إليه».

مضافاً الى أدعية الاستغاثة بأن يدركنا الامام المهدي ارواحنا فداه ، فانها دعوة ودعاء لحضوره عليه‌السلام عادةً لتفريج الكرب والكربة. وحضوره عندنا يقتضي تشرفنا بخدمته. كما في دعاء الكفعمي المروي عن صاحب الأمر عليه‌السلام الذي ورد فيه :

٢٧٩

«يا مولانا يا صاحب الزمان ، الغوث الغوث الغوث ، أدركني أدركني أدركني  ...».

كل هذا يكشف ويدل على ان التشرف بخدمته عليه‌السلام من الحقائق الثابتة.

وإن من أوضح الاُمور الوجدانيّة والمفاهيم الحسيّة ، حقيقة التشرف بالخدمة التي حصلت فوق حدّ الاحصاء ، وانكشفت للاُمة جمعاء ، وفاقت تواتر المخبرين ، وبلغت حدّ القطع واليقين ، بحيث صارت كالنور على المنار والشمس في رائعة النهار ، وهي ذا دامت الى يومنا هذا.

ويكفيك في هذا المجال ، ملاحظة ما أخبر به ثقات الرجال في المصادر والكتب التي أشرنا اليها في فصل من رآه عليه‌السلام في الغيبة الكبرى.

ونتبرك بالتلميح الى نبذة التشرفات فيما يلي :

١ ـ تشرف مبعوث الشيخ الأقدم ابن قولويه قدس‌سره ، قال :

«لمّا وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحجِّ [بعد الثلاثمائة] ـ وهي السّنة الّتي ردَّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت ـ كان أكبر همّي مَن ينصب الحجر ، لأنّه مضى في أثناء الكتب قصّة أخذه ، و [أنّه] إنّما ينصبه في مكانه الحجّة في الزَّمان؛ كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين في مكانه واستقرَّ.

فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي ولم يتهيّأ لي ما قصدته. فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة ، أسأل فيها عن مدَّة عمري وهل يكون الموت في هذه العلّة أم لا ، وقلت : همّي إيصال هذه الرُّقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنّما أندبك لهذا.

قال : فقال المعروف بابن هشام : لمّا حصلت بمكّة وعُزم على إعادة الحجر ، بذلتُ لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه. فأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام النّاس؛ فكلّما عمد

٢٨٠