الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

السيد علي الحسيني الصدر

الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢

فاما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في انها بعد الثلاث أو بعد الأربع. فان فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل ، والسجدة دعاء وتسبيح. فالأفضل أن تكون بعد الفرض (١). فان جعلت بعد النوافل أيضاً جاز» (٢).

وسأل ان لبعض اخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة (٣) بجنب ضيعة خراب

__________________

أوكد المستحبات ، وما أجمل تعبيره عليه‌السلام :

«سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها».

وقد عقد في الوسائل أبواب في سجدة الشكر ، مشتملة على ٣٨ حديثاً في ضلها وآدابها وادعيتها وما يخصها ، فلاحظها.

ولو لم يكن في فضل سجدة الشكر وآثارها الا حديث مرازم ، لكان كافياً.

فقد روى شيخ الطائفة بسنده المعتبر ، عن مرازم عن الامام الصادق عليه‌السلام ، قال :

«سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم. تُتمّ بها صلاتك ، وتُرضي بها ربَّك ، وتعجب الملائكة منك ، وإن العبد إذا صلّى ثم سجد سجدة الشكر ، فتح الربّ تعالى الحجاب بين العبد والملائكة ، فيقول : يا ملائكتي! انظروا الى عبدي ، أدى فرضى وأتمّ عهدى ثم سجد لي شكراً على ما أنعمتُ به عليه. ملائكتي ماذا له عندي؟

قال : فتقول الملائكة : يا ربّنا ، رحمتك. ثم يقول الربّ تعالى : ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا ، جنّتك . فيقول الرب تعالى : ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا ، كفاية مهمةٍ فيقول الرب تعالى : ثم ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير الا قالته الملائكة ، فيقول الله تعالى : يا ملائكتي ، ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا ، لا علم لنا.

فيقول الله تعالى : لأشكرنّه كما شكرني ، وأقبل اليه بفضلي ، واُريه رحمتي».

(١) للفضيلة التي بيّنها عليه‌السلام بقوله : «فان فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض» الخ.

(٢) وردت هذه الفقرة ـ يعني مسئلة سجدة الشكر ـ في : الوسائل : ج ٤ ص ١٠٥٨ ب ٣١ ح ٣ ، واستفاد منها المحدث الحر العاملي استحباب تقديم سجدتي الشكر على النوافل ووقوعهما بعد الفريضة. فعنون الباب بقوله : باب جواز تأخير التعقيب وسجدة الشكر عن نوافل المغرب ، وتقديمهما عليها ، واستحباب اختيار تقديمهما على النوافل.

(٣) «الضيعة» هي العقار والأرض المغلّة ، والجمع ضياع. (مجمع البحرين : ص ٣٨٦).

٢٤١

للسلطان فيها حصة ، وأَكرَتُه (١) ربما زرعوا حدودها وتؤذيهم عمال السلطان ويتعرضون في الكل من غلات ضيعته ، وليس لها قيمة لخرابها وانما هي بائرة منذ عشرين سنة ، وهو يتحرج من شرائها لأنه يقال : ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقت قديماً للسلطان. فان جاز شراؤها من السلطان وكان ذلك صلاحاً له وعمارة لضيعته ، وانه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة ، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان (٢) ، وان لم يجز ذلك عمل بما نأمره به (٣) ، ان شاء اللّه تعالى؟

فاجاب :

«الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بامره او رضاءٍ منه» (٤).

وسأل عن رجل استحل امرأة خارجة من حجابها وكان يحترز من أن يقع ولد ، فجاءت بابن. فتحرّج الرجل الا يقبله فقبله ، وهو شاك فيه ، وجعل يُجري النفقة على اُمه وعليه حتى ماتت الام وهو ذا يُجري عليه ، غير انه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه. فان كان ممن يجب ان يخلط بنفسه ويجعله كساير ولده فعل ذلك ، وان جاز أن يجعل له شيئاً من ماله دون حقه فعل؟

__________________

(١) «الأَكَرَة» جمع أكّار بالتشديد وهو الزّارع. (مجمع البحرين : ص ٢٣٩).

(٢) اي ينقطع طمعهم فلا يتعرضون لغلاته بواسطة معمورية تلك الأرض البائرة.

(٣) في البحار : عمل بما تأمره.

(٤) فان سلطنة التصرف في الأموال انما هي لمالكيها ، وهم الذين يحق لهم التصرف فيها ، وقصر أيدي الغير عنها.

وما يغتصبه السلطان الجائر يبقى ملكاً لمالكه الشرعي ، فلا يجوز الشراء الّا من المالك الشرعي أو بأمره أو برضاه.

وقد وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في : الوسائل : ج ١٢ ص ٢٥٠ ب ١ ح ٨ ، تحت عنوان : باب اشتراط كون المبيع مملوكاً أو مأذوناً في بيعة.

٢٤٢

فاجاب عليه‌السلام :

«الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه (١) ، والجواب يختلف فيها. فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحاً ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء اللّه».

وسأله الدعاء له ، فخرج الجواب :

«جاد اللّه عليه بما هو جل وتعالى أهله ، ايجابنا لحقه ورعايتنا لأبيه رحمه‌الله وقربه منا ، وقد رضينا بما علمناه من جميل نيته ، ووقفنا عليه من مخاطبته؛ المقرّ له من اللّه التي يرضى اللّه عز وجل ورسوله وأولياؤه عليهم‌السلام والرحمة بما بدأنا. نسأل اللّه بمسألته ما امله من كل خير عاجل وآجل ، وان يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه ، انه ولي قدير».

التوقيع الخامس (٢)

وكتب اليه صلوات اللّه عليه أيضاً ـ في سنة ثمان وثلاثمائه ـ كتاباً سأله فيه عن مسائل اخرى. كتب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم

أطال اللّه بقاك وأدام عزك وكرامتك وسعادتك وسلامتك ، وأتم نعمته عليك وزاد في احسانه اليك ، وجميل مواهبه لديك ، وفضله عليك وجزيل قسمه لك ،

__________________

(١) فان استحلال المرأة قد يكون بالزوجية وقد يكون بالملكية ، والزوجية قد تكون بالدوام وقد تكون بالانقطاع ، والولد الرق يرث والحر يرث ، والاحكام مختلفة ، فالاستحلال يقع وجوه.

لذلك كان لابد من أن يُفرز السؤال حتى يقع الجواب موقعه.

(٢) ورد هذا التوقيع المبارك في : الاحتجاج (للطبرسي) : ج ٢ ص ٣٠٩ ، والبحار : ج ٥٣ ب ٣١ ح ٤.

وراويه هو نفس محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري الذي مرّ بيان وثاقته والاعتماد عليه.

٢٤٣

وجعلني من السوء كله فداك ، وقدّمني قبلك (١).

انّ قِبلَنا مشايخ وعجايز ، يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة واكثر ، ويَصِلونَ بشعبان وشهر رمضان.

وروى لهم بعض أصحابنا : ان صومه معصية.

فاجاب عليه‌السلام :

«قال الفقيه : يصوم منه أياماً الى خمسة عشر يوماً ، إلا ان يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة (٢) ، للحديث : ان نعم شهر القضاء رجب».

وسأل عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل ، فيتخوف ان نزل الغوص فيه ، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا يستوي له ان يلبّد

__________________

(١) سبق أن هذا دعاء بطول العمر ، يشار اليه بأن يجعل الله تعالى موتي قبل موتك.

(٢) العبارة هكذا في : الاحتجاج وفي : البحار كليهما. لكن في : كلمة الامام المهدي عليه‌السلام :

«إلا أن يصوم عن الثلاثة ، الأيامَ الفائتة».

فالعل المعنى أنه يصوم الشيخ والعجوز عن الأشهر الثلاثة ، الأيام الفائتة منه فيصومها قضاءً ، بقرينة قوله عليه‌السلام بعد ذلك :

«إن نعم شهر القضاء رجب».

وأضاف أنه لعل هذا النهي من سيدنا ومولانا صاحب الزمان عليه‌السلام مع تأكد استحباب صيام الأشهر الثلاثة هو لأجل أن أبا الخطاب روى وجوب صوم رجب وشعبان. فنهى الأئمة عليهم‌السلام عن ذلك ، نهى وجوب أو نهى انتشار عمل لكي يعرف الاستحباب. (كلمة الامام المهدي عليه‌السلام).

وقال في الجواهر : لايمكن احصاء ما ورد في فضل صومهما ـ رجب وشعبان ـ من سنة سيد المرسلين وعترته الهادين ، كما لا يمكن إحصاء ما وعد الله على ذلك الا لرب العالمين.

بل من شدة ما ورد في شعبان منهما ابتدع أبو الخطاب وأصحابه وجوبه ، وجعلوا على إفطاره كفارة ، ولعله لذا ترك كثير من الأئمة عليهم‌السلام صيامه مُظهرين للناس بذلك عدم وجوبه في مقابلة بدعة أبي الخطاب لعنه الله. (الجواهر : ج ١٧ ص ١١٣).

٢٤٤

شيئاً منه (١) ، لكثرته وتهافته. هل يجوز أن يصلي في المحل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أياماً فهل علينا في ذلك اعادة أم لا؟

فاجاب :

«لا بأس به عند الضرورة والشدة».

وسأل عن الرجل يلحق الامام وهو راكع ، فيركع معه ويحتسب تلك الركعة. فان بعض اصحابنا قال : ان لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة.

فاجاب :

«اذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة ، اعتدّ بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع» (٢).

وسأل عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر. فلما ان صلى من صلاة العصر ركعتين ، إستيقن انه صلى الظهر ركعتين ، كيف يصنع؟

__________________

(١) «لَبِذَ» الشي من باب تعب : لصق ، وكل شيء ألصقته بشيء الصاقاً فقد لبّدته. (مجمع البحرين : ص ٢٢٥).

(٢) المحكي عن المشهور في إدراك الركعة ، هو مجرد ادراك الامام راكعاً وإن لم يدرك تسبيح الركوع استناداً الى مثل اطلاق صحيحتي سليمان بن خالد والحلبي ، المرويتان في : الوسائل : ج ٥ ص ٤٤١ ب ٤٥ ح ١ ، ٢ ، حيث جاء في الأخيرة :

«اذا أدركت الامام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الامام راسه ، فقد ادركت الركعة».

فحمل هذا التوقيع الشريف الذي يستفاد منه الاعتداد بالركوع الذي ادرك منه تسبيحة واحدة على الفضيلة ، أو لأجل أن حصول الجزم بادراك الامام في الغالب راكعاً لا يكون الا بادراك تسبيحة منه في ركوعه ، كما افادهما المحقق الهمداني في : مصباح الفقيه كتاب الصلاة ص ٦٢٧.

او لأجل بيان ورجحان ادراك تسبيحة من ركوع الامام ، كما افاده الفاضل النراقي في : المستند : ج ١ ص ٤١٣. ثم قال بعد هذا التوجيه في التوقيع الشريف : ومراعاة مدلولة أحوط.

وقد وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في : الوسائل : ج ٥ ص ٤٤٢ ب ٤٥ ح ٥.

٢٤٥

فاجاب :

«ان كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة (١) أعاد الصلاتين ، وان لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الآخرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك» (٢).

وسأل عن أهل الجنة ، هل يتوالدون اذا دخلوها أم لا؟

فاجاب :

«ان الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية ، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، كما قال سبحانه (٣). فاذا اشتهى المؤمن ولداً ، خلقه اللّه بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد ، كما خلق آدم عبرة» (٤).

وسأل عن رجل تزوج امرأة بشيء معلوم الى وقت معلوم ، وبقي له عليها

__________________

(١) اي أنه إن أتى بالمنافي كاستدبار القبلة وناقض الوضوء لم تكن في المقام قابلية الاتصال بين الركعتين التي صلاهما بنية الظهر الركعتين التي يصليها بنية العصر فيعيد الصلاتين.

(٢) اي انه إن لم يأتِ بالمنافي جعل الركعتين اللتين صلاهما بنية العصر ، تتمة للركعتين اللتين صلاهما بنية الظهر. فكانت تمام الاربع ركعات صلاة الظهر ، ثم يصلي أربعاً عصراً ، والتفضيل موكول الى الفقه.

(٣) في سورة الزخرف : الآية ٧١ ، قال تعالى : (وفيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذّ الأعين).

(٤) فانه يُعطي المؤمن في الجنة كل ما يشتهيه ويطلبه.

قال عز اسمه في سورة الأنبياء : الآية : ١٠٢ : (وهم في ما اشتَهَتْ أنفسُهم خالدون).

وقال تعالى في سورة فصلت : الآية : ٣١ : (ولكم فيها ما تشتَهي أنفُسكم ولكم فيها ما تَدَّعون).

وكلمة (ما) موصولة عامة يستفاد منها تفضل الله تعالى على أهل الجنة بكل ما يشتهون ، ومما يشتهون الاولاد. فاذا طلبوا ولداً اُعطوا ذلك بلا ألمٍ ولا نجاسة ولا مشقة. فيُخلق لهم ذلك بالصورة والشكل الذي يريدون.

وتلاحظ أحاديث نِعَم الجنة في : المعالم الزلفى : ص ٢٧٧ ، كما تلاحظ أحاديث مشتهيات المؤمن في الجنة في : كنز الدقائق : ج ١١ ص ٤٤٩.

٢٤٦

وقت ، فجعلها في حل مما بقي له عليها وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها بثلاثة ايام. أيجوز أن يتزوجها رجل معلوم الى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة ، أو يستقبل بها حيضة اخرى؟

فاجاب :

«يستقبل حيضة غير تلك الحيضة ، لأن أقل تلك العدّة حيضة وطهرة تامة».

وسأل عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج ، هل يجوز شهادتهم ، فقد روي لنا أنهم لا يَؤمّون الأصحاء؟

فاجاب :

«ان كان ما بهم حادثاً جازت شهادتهم ، وان كان ولادة لم يجز» (١).

وسأل هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته؟

فاجاب :

«إن كانت رُبّيت في حجره فلا يجوز ، وان لم تكن رُبّيت في حجره وكانت

__________________

(١) هذه الفقرة من التوقيع الشريف وردت أيضاً في : الوسائل : ج ١٨ ص ٢٧٩ ب ٣٢ تحت عنوان باب جملة ممن لا تُقبل شهادتهم ح ٩.

وقد أفاد في كتاب الكلمة أنها معارضة للمعلومات الدالة على قبول شهادة غير الفاسق مطلقاً ، مثل حديث علقمة ، عن الامام الصادق عليه‌السلام :

«... فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان ، فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة ...».

ولا شاهد لهذه الفقرة من التوقيع سوى مرسل الدعائم ، عن الامام الباقر عليه‌السلام : «لا يجوز شهادة المتّهم ولا ولد الزنا ولا الابرص ...». (المستدرك : ج ١٧ ص ٤٣٢ ب ٢٦ ح ٢).

وهو بالنسبة الى الأبرص فقط من هذه الثلاثة ، وهو مطلق غير مقيد بالولادة. فتدخل هذه الفقرة في باب التعارض ، ويُردُّ علمها اليهم عليهم‌السلام. كلمة الامام المهدي عليه‌السلام : ص ١٩٠.

٢٤٧

امها في غير عياله (١) ، فقد روي : انه جائز».

وسأل : هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأةٍ ثم يتزوج جدتها بعد ذلك؟

فأجاب :

«قد نهي عن ذلك».

وسأل عن رجل ادعى على رجل ألف درهم وأقام به البينة العادلة ، وادعى عليه أيضاً خمسمائة درهم في صك آخر (٢) وله بذلك بينة عادلة ، وادعى عليه أيضاً ثلاثمائة درهم في صك آخر ، ومائتي درهم في صك آخر وله بذلك كله بينة عادلة. ويزعم المدعي عليه ان هذه الصكاك كلها قد دخلت في الصك الذي بألف درهم ، والمدعي منكر أن يكون كما زعم. فهل يجب الألف الدرهم مرة واحدة أويجب عليه كلما يقيم البينة به؟ وليس في الصكاك استثناء ، انما هي صكاك على وجهها (٣).

فاجاب :

«يؤخذ من المدعى عليه الف درهم مرّة وهي التي لا شبهة فيها ، ويُرَدّ اليمين في الألف الباقي على المدعي فان نكل فلا حق له».

وسأل عن طين القبر (٤) ، يوضع مع الميت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا؟

__________________

(١) بأن عقد عليها ولم يدخل بها.

قال تعالى : (وربائبُكُم اللاتي في حجُورِكُم من نسائِكُم اللاتي دَخلتُم بِهِنَّ فان لم تكونُوا دخلتُم بِهِنَّ فلا جُناحَ عليكُم). (سورة النساء : الآية ٢٣).

وقد وردت هذه الفقرة أيضاً في : الوسائل : ج ١٤ ص ٣٥٢ ب ١٨ ح ٧.

(٢) «الصك» بتشديد الكاف ، كتاب كالسجل يكتب سنداً في المعاملات. (مجمع البحرين : ص ٤٥٣).

(٣) اي ليس في الصكاك تقييد واخراج للمال عن شيء ، وانما هي مطلقة.

(٤) المراد به طين قبر الامام الحسين عليه‌السلام الذي هو شفاءٌ من كل داء ، وأمانٌ من كل خوف ، وبرءٌ من كل

٢٤٨

فاجاب :

«يوضع مع الميت في قبره ، ويخلط بخيوطه (١) إن شاء اللّه».

وسأل فقال : روي لنا عن الصادق عليه‌السلام انه كتب على إزار ابنه اسماعيل : يشهد أن لا إله إلا اللّه. فهل يجوز ان نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟

فاجاب :

«يجوز ذلك» (٢).

__________________

مرض ، ونجاةٌ من كل آفة ، وحرزٌ مما يُخاف ويُحذر.

وتلاحظ فضله في أبواب عديدة من ، كامل الزيارات : ص ٢٧٤ ـ ٢٨٦.

وجمعت أحاديثه : ص ٨٣ حديثاً في : بحار الانوار : ج ١٠١ ص ١١٨ ب ١٦.

وتؤخذ هذه التربة المقدسة من الحائر الحسيني على مشرّفه السلام.

والحائر الحسيني هو ما دار سور المشهد والمسجد عليه ، كما في الذكرى : ص ٢٥٦ كما في بعض احاديثها ، وفي بعضها :

«خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب من جوانب القبر».

وفي بعضها :

«يؤخذ طين قبر الحسين عليه‌السلام من عند القبر الى سبعين ذراعاً».

وفي بعضها :

«فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل».

وفي بعضها :

«البركة من قبره على عشرة أميال».

قال العلامة المجلسي : وجمع الشيخ رحمه‌الله ومن تأخر عنه بينها بالحمل على اختلاف مراتب الفضل وتجويز الجميع ، وهو حسن. (البحار : ج ٦٩ ص ١٦٠).

(١) هكذا في الاحتجاج ، لكن في البحار : «بحنوطه». والحنوط هو الكافور الذي يُمسح به مساجد الميّت.

(٢) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ٢ ص ٧٥٨ ب ٢٩ ح ٣ ، بعد حديث أبي كهمس : حضرتُ اسماعيل ، وأبو عبدالله عليه‌السلام جالس عنده. فلما حضره الموت دعا بكفنه فكتب في حاشية

٢٤٩

وسأل هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر ، وهل فيه فضل؟

فاجاب :

«يسبّح الرجل به؛ فما من شيء من السبح أفضل منه ، ومن فضله ان الرجل ينسي التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح» (١).

وسأل عن السجدة على لوح من طين القبر ، وهل فيه فضل؟

فاجاب :

«يجوز ذلك وفيه الفضل» (٢).

__________________

الكفن :

اسماعيل يشهد أن لا اله الّا الله».

وقد ذكره في : الجواهر : ج ٤ ص ٢٢٥ ، وذكر استحباب كتابة الشهادتين والأئمة عليهم‌السلام باجماع الفرقة الذي أفاده شيخ الطائفة في الخلاف ، والسيد ابن زُهرة في الغُنية.

(١) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ٤ ص ١٠٣٣ ب ١٦ ح ٧ باب استحباب اتخاذ سبحة من طين قبر الحسين عليه‌السلام والتسبيح بها وإدارتها.

وفي الحديث عن الامام الصادق عليه‌السلام :

«من سبّح بسبحة من طين قبر الحسين عليه‌السلام تسبيحة كتب الله له أربعمأة حسنة ، ومحا عنه أربعمأة سيئة ، وقُضيت له أربعمأة حاجة ورفع له أربعمأة درجة». (جامع أحاديث الشيعة : ج ٢ ص ٣٣٢).

وروى أن الحور العين إذا بَصُرْنَ بواحدٍ من الأملاك أن يهبط الى الأرض لأمر مّا ، يستهدين منه المسبح والتراب من قبر الحسين عليه‌السلام. (الوسائل : ج ٤ ص ١٠٣٣ ب ١٦ ح ٣).

(٢) وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في : الوسائل : ج ٣ ص ٦٠٨ ب ١٦ ح ٢ باب استحباب السجود على تربة الحسين عليه‌السلام أو لوحٍ منها.

ولا عجب في ذلك جوازاً وفضيلةً.

واما الجواز ، فلأن التربة الحسينية هي من جملة الأرض التي يجوز السجود عليها باتفاق الفريقين ، بأسانيد ومتون عديدة في البين.

فمن الخاصة ، مثل الحديث الصادقي الشريف :

٢٥٠

وسأل عن الرجل ، يزور قبور الأئمة عليهم‌السلام؛ هل يجوز ان يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم عليهم‌السلام ان يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟

فاجاب :

__________________

«السجود على الارض فريضة وعلى الخُمرة سنة».(الكافي : ج ٣ ص ٣٣١ ح ٤).

ومن العامة ، مثل الحديث النبوي الشريف :

«جعلت لي الارض مسجداً وطهورا». (صحيح مسلم : ج ١ كتاب المساجد رقم الحديث ٥٢١).

وأما الفضيلة ، فلأن أرض كربلاء الحسين عليه‌السلام أرض مقدسة مشرفة ، لها كرامتها وعظمتها.

ففي متواتر حديث الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعترة الطاهرة عليهم‌السلام ورد أتم فضلها وفضيلتها.

ويكفي في ذلك حديث الامام السجاد عليه‌السلام :

«إتّخذ الله أرض كربلا حرماً اَمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنه اذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها ، رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية. فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة ؛ لا يسكنها الا النبيون والمرسلون ، أو قال أولوا العزم من الرسل. فانها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدريّ بين الكواكب لأهل الأرض. يغشى نورها أبصارها أهل الجنة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمّنت سيّد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة». (كامل الزيارات : ص ٢٦٨ ب ٨٨ ح ٥) وعليه تكون التربة الحسينية من معالي بقاع الأرض ، ومفاضل محل السجود في الصلاة.

هذا الى جانب ما في السجود عليها من الكرامة بالخصوص.

ففي حديث معاوية بن عمار : كان لأبي عبدالله (الصادق) عليه‌السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة ابي عبد الله عليه‌السلام فكان اذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه ، ثم قال :

«إن السجود على تربة أبي عبدالله عليه‌السلام يخرق الحجب السبع». (الوسائل : ج ٣ ص ٦٠٨ ب ١٦ ح ٣).

وفي الحديث الصادقي الآخر : «السجود على طين قبر الحسين عليه‌السلام ينوّر الى الأرضين السبعة». (الوسائل : ج ٣ ص ٦٠٧ ب ١٦ ح ١).

وفي حديث الارشاد ، قال : كان الصادق عليه‌السلام لا يسجد الا على تربة الحسين عليه‌السلام ، تذللاً لله واستكانة اليه. (الوسائل : ج ٣ ص ٦٠٨ ب ١٦ ح ٤).

٢٥١

«اما السجود على القبر ، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة والذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر.

واما الصلاة ، فانها خلفه ويجعل القبر أمامه ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لأن الامام عليه‌السلام لا يُتقدم ولا يُساوى» (١).

__________________

(١) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ٣ ص ٤٥٤ ب ٢٦ ح ١ باب أنه يجوز الامام أن يصلي خلف قبره او الى جانبيه ، ولا يستدبره ولا يساويه.

وذكر في الحديث السابع والأخير من الباب حديث هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : أتاه رجل ، فقال له : يابن رسول الله ، هل يُزار والدك؟

قال :

«نعم ويُصلّي خلفه ولا يتقدّم عليه».

ويستفاد من التوقيع المبارك أنه لا يجوز أن يُصلّي بين يدي قبر المعصوم عليه‌السلام يعني أمامه بحيث يستدبر المصلي القبر ، ولا يمين القبر ويساره بأن يقف محاذياً للرأس الشريف أو قدّمي الامام عليه‌السلام ، بحيث يصدق التقدم على المعصوم عليه‌السلام عند الركوع والسجود. فلا يتقدم على المعصوم عليه‌السلام ولا يساويه ، بل يصلي فيا دون ذلك.

ودلالة صحيحة الحميري على ممنوعية التقدم على قبر المعصوم عليه‌السلام في الصلاة ظاهرة للمنع الصريح ، بقوله عليهالسلام :

«لا يجوز لذلك».

حكى عن الشيخ البهائي والعلامة المجلسي والمحدث الكاشاني وبعض المتأخرين عنهم المنع من التقدم على قبر أحد الأئمة عليهم‌السلام.

وجعل السيد الفقيه اليزدي الشرط السابع من شروط مكان المصلي : عدم التقدم على قبر المعصوم عليه‌السلام حيث قال : السابع :

أن لا يكون متقدماً على قبر المعصوم ، ولا مساوياً له مع عدم الحائل المانع الرافع لسوء الأدب ، على الأحوط ، ولا يكفي في الحائل الشبابيك والصندوق الشريف وثوبه». (العروة الوثقى : كتاب الصلاة ، فصل مكان المصلي).

قال في المستمسك : لكن المنسوب الى المشهور الكراهة ... ، وكأنه للخدش في الصحيحة من وجوه.

٢٥٢

وسأل فقال : يجوز للرجل اذا صلى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟

فاجاب :

«يجوز ذلك اذا خاف السهو والغلط» (١).

وسأل : هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار اذا سبح ، أو لا يجوز؟

فاجاب :

«يجوز ذلك ، والحمد للّه رب العالمين».

وسأل فقال : روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور (٢) : «اذا كان الوقف على قوم باعيانهم واعقابهم ، فاجتمع اهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم ان يبيعوه». فهل يجوز أن يشتري من بعضهم ان لم يجتمعوا كلهم على البيع ، أم لا يجوز إلا ان يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟

فاجاب :

__________________

ثم ذكر وجوه الخدشة في صحيحةالحميري وأجاب عنها بأجوبة متينة. فلاحظها إن شئت التفضيل. (المستمسك : ج ٥ ص ٤٦٣).

قال في الكلمة : وثبت ـ أيضاً ـ عندنا حسب الاستدلال الفقهي ، عدم جواز الصلاة في حضرة المعصوم مساوياً له أو مقدماً عليه ، سواء كان حياً أو ميتاً. لأن المعصومين جميعاً أحياء عند ربهم.

وقد حاول بعض المغرضين التشويش على هذا الحكم بانه من عبادة القبور ، ولم ينتبهوا الى أن عدم التقدم على شخص في الصلاة لا يعني عبادته (والا) فكلّ مأموم يعبد امام جماعته. مضافاً الى أن العبادة التي تعبّر عن مني التربيب لا علاقة لها بالآداب. (كلمة الامام المهدي عليه‌السلام : ص ٨٩٢).

(١) فيدير السبحة في مواضع مختلفة من مكان سجوده مثلاً ، علامةً لعدد ركعات صلاته ، لا عبثاً ، ليتحذر بذلك عن السهو في الركعات.

(٢) جاءت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في : الوسائل : ج ١٣ ص ٣٠٦ ب ٦ ح ٩ ، وحكاه عن الاحتجاج أيضاً ، غير انه جاء فيه روى عن الصادق عليه‌السلام.

٢٥٣

«اذا كان الوقف على امام المسلمين فلا يجوز بيعه ، وان كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرّقين ان شاء اللّه» (١).

وسأل : هل يجوز للمحرم ان يصيّر على ابطه المرتك (٢) والتوتيا (٣) لريح العرق أم لا يجوز؟

فاجاب :

«يجوز ذلك وباللّه التوفيق».

__________________

(١) قال المحدث الحر العاملي بعد ذكر هذا الحديث الشريف :

وظاهر الجواب هنا عدم تأييد الوقف فيرجع وصيةً أو ميراثاً ، لما يأتي.

ثم ذكر في الحديث ٢ من الباب ٧ حديث الصفار ، قال : كتبت الى أبي محمد عليه‌السلام اسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو؟ فقد روى أن الوقف اذا كان غير موقّتٍ فهو باطل مردود على الورثة ، واذا كان موقتاً فهو صحيحٌ فمضى. قال قوم : إن الموقت هو الذي يذكر فيه انه وقف على فلان وعقبه ، فاذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقال آخرون : هذا موقت اذا ذُكر أنه لفلان وعقبه ما بقوا ، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين الى أن يرث الله الارض ومن عليها ، والذي هو غير موقّت أن يقول : هذا وقف ولم يذكر احداً. فما الذي يصح من ذلك وما الذي يبطل؟

فوقع عليه‌السلام :

«الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله».

وشرحه صاحب الوسائل بقوله : الظاهر أن المراد بقوله : «بحسب ما يوقفها» أنه ، إن جعلو دائماً كان وقفاً ، والا كان حبساً ....

وعلى الجملة فالمحمل في آخر توقيع الناحية المقدسة : «فليبع كل قوم» الخ ، هي صورة عدم أبديّة الوقف ورجوعه بعد إنتهاء زمانه ، وصيةً أو ميراثاً للقوم من المسلمين أصحابه.

(٢) «المَرتك» بفتح الميم والتاء ، وفيه لغة اُخرى : مرتج ويسمى : «مرداسنج» معرّب «مردار سنگ» هو اكسيد الرصاص ، وهو دواء يُجفّف كما تجفف الادوية المعدنية والحجرية والأرضيّة ذكر أنه يعالج به رائحة الابط. (المعرّب (للجواليقي) : ص ٣٦٥).

(٣) «التوتيا» : ويسمى الخارصين و «الزنك» ، وهو معدن صلب أبيض لامِع ضارب الى الزرقة ، يستعمل للكحل. ذكر أنه يعالج به الإبط لسدّ سيلان العرق. (الامالي (للخليلي) : ج ٣ ص ١٩٧).

٢٥٤

وسأل عن الضرير ، اذا شهد في حال صحته على شهادة ، ثم كُفَّ بصره ولا يرى خطه فيعرفه؛ هل يجوز شهادته أم لا؟ وان ذكر هذا الضرير الشهادة ، هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟

فاجاب :

«اذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت ، جازت شهادته».

وسأل عن الرجل ، يوقف ضيعة أو دابة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف ، ثم يموت هذا الوكيل او يتغير امره ويتولى غيره. هل يجوز ان يشهد الشاهد لهذا الذي اقيم مقامه اذا كان اصل الوقف لرجل واحد ، أم لا يجوز ذلك؟

فاجاب :

«لا يجوز ذلك ، لأن الشهادة لم تقم للوكيل وانما قامت للمالك ، وقد قال اللّه : (وأقيمُوا الشَّهادَةَ للّه)» (١).

وسأل عن الركعتين الاخراوين قد كثرت فيها الروايات ، فبعض يروي : ان قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يروي : ان التسبيح فيهما أفضل. فالفضل لأيهما لنستعمله؟

فاجاب :

«قد نسخت قراءة ام الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ

__________________

(١) سورة الطلاق : الآية ٢.

والآية الشريفة خطاب للشهود ، أي أقيموها لوجه الله تعالى ، والشهادة أمانة. فلو كتمها أو حرّفها فقد خان ، والخيانة من الكبائر. (مقتنيات الدرر : ج ١١ ص ١٧١).

والشهادة لهذا الذي اُقيم مقامه هو غير من استشهد له فيكون أداء الشهادة له تحريف للشهادة ، فلا يجوز.

٢٥٥

التسبيح قول العالم عليه‌السلام : كل صلاة لا قراءة فيها فهو خداج (١) إلا للعليل ، أو يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه» (٢).

وسأل فقال : يتخذ عندنا رُبُّ الجَوز لوجع الحلق والبحبحة (٣). يؤخذ الجوز الرطب من قبل ان ينعقد ويدق دقاً ناعماً ، ويعصر ماؤه ويصفي ويطبخ على النصف ويترك يوماً وليلة. ثم ينصب على النار ، ويلقى على كل ستة ارطال منه رطل عسل ويغلي رغوته ، ويسحق من النوشادر (٤) والشَبّ اليماني (٥) من كل واحد نصف مثقال ويداف بذلك الماء ، ويلقي فيه درهم زعفران المسحوق ،

__________________

(١) «الخداج» النقصان ، ووصفت الصلاة التي لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب بالمصدر للمبالغة (مجمع البحرين : ص ١٦١).

(٢) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ٤ ص ٧٩٤ ب ٥١ ح ١٤ ، ضمن الأحاديث الاخرى التي جعلت القراءة في الأخيرتين أفضل.

مثل الحديث العاشر من الباب من محمد بن حكيم ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام أيهما أفضل : القراءة في الركعتين الاخيرتين او التسبيح؟ فقال :

«القراءة أفضل».

وفي قبال الأحاديث الاخرى التي يستفاد منها أفضلية التسبيح في الاخيرتين.

مثل الحديث الثالث من الباب يعني حديث محمد بن عمران ، عن الامام الصادق عليه‌السلام :

«انما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله فدهش فقال : سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر. فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة».

ففقرة التوقيع الشريف داخلة في باب التعارض.

وجمع بين الطائفتين بوجوه ، كحمل أفضلية القراءة للامام والتسبيح للمأموم ، كما حمل دليل تفضيل القراءة على التقيّة ، وغير ذلك من الوجوه والأقوال التي تلاحظ تفصيلها في : الحدائق : ج ٨ ص ٣٨٨.

(٣) اي بحّة الصوت وهي خشونة الصوت وغلظته.

(٤) وهي المادة السامة البيضاء النافذة المعروفة.

(٥) وهو الزاج ، وأجوده اليماني.

٢٥٦

ويلغي ويؤخذ رغوته حتى يصير مثل العسل ثخيناً. ثم ينزل عن النار ويبرد ويشرب منه ، فهل يجوز شربه أم لا؟

فاجاب :

«اذا كان كثيرة يسكر أو يغير (١) ، فقليله وكثيره حرام ، وان كان لا يسكر فهو حلال».

وسأل عن الرجل ، يعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا. فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما : نعم افعل ، وفي الآخرة : لا تفعل ، فيستخير اللّه مراراً ، ثم يرى فيهما ، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج. فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له ، أهو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟

فاجاب :

«الذي سنّة العالم عليه‌السلام في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة» (٢).

__________________

(١) اي يسكر سُكراً خفيفاً.

(٢) فيلزم الأخذ في الاستخارة بالسنّة لا الفعل المقترح.

والاستخارة هي طلب الخِيَرة ، وخار الله لك أي اعطاك الله ما هو خير لك. (مجمع البحرين : ص ٢٥٨). ولعل المراد بالعالم هنا هو الامام الصادق عليه‌السلام. فسنته سلام الله عليه في هذه الكيفية من الاستخارة هي الاستخارة بذات الرقاع والصلاة.

وهي الواردة في حديث هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال :

«اذا أردتَ أمراً فخذ ستّ رقاع فاكتب في ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم ، خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة إفعل ، وفي ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل ، ثم ضعها تحت مصلاك ، ثم صلّ ركعتين. فاذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرّة : استخير الله برحمته خيرَةً في عافية.

ثم استوِ جالساً وقل : اللهمَّ خير لي من جميع اُموري في يُسرٍ منك وعافية.

ثم اضرب بيدك الى الرّقاع فشوِّشها وأخرج واحدة ، فان خرج ثلاث متواليات : افعل ، فافعل الأمر

٢٥٧

__________________

الذي تريده ، وان خرج ثلاث متواليات : لا تفعل ، فلا تفعله.

وإن خرجت واحدة : افعل ، والاخرى : لا تفعل ، فاخرج من الرقاع الى خمس ، فانظر اكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج اليها». (الوسائل : ج ٥ ص ٢٠٨ ب ٢ ح ١).

كما وان الاستخارة بالمصحف الكريم وردت ايضاً في حديث ابي اليسع القمي ، قال : اريد الشيء فاستخير الله فيه ، فلا يوفق فيه الرأي أفعله أو أدعه.

فقال :

«انظر اذا قمت الى الصلاة ، فان الشيطان أبعد ما يكون الى الانسان اذا قام الى الصلاة ؛ اي شيء يقع في قلبك فخذ به ، وافتتح المصحف فانظر الى أوّل ما ترى فيه فخّ به إن شاء الله. (الوسائل : ج ٥ ص ٢١٦ ب ٦ ح ١).

كما وان الاستخارة بالسبحة وردت أيضاً في حديثي الشهيد الاول ، عن الامام الصادق والامام المهدي عليهما‌السلام (الذكرى : ص ٢٥٣).

قال صاحب الجواهر : وعليهما العمل في زماننا هذا من العلماء وغيرهم. (الجواهر ، ج ١٢ ص ١٦٣).

ومضمون الحديثين في كيفية الإستخارة بالسبحة مع اختلاف يسير بينهما هو :

تقرأ الفاتحة عشر مرات او ثلاثاً أو مرة واحدة.

ثم تقرأ القدر عشر مرات.

ثم تقرأ هذا الدعاء ثلاث مرات :

«اللهّم إني استخيرك لعلمك بعاقبة الأمور ، وأستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والحذور ، اللهم إن كان الأمر الفلاني مما قد ينطق بالبركة أعجازه بوادية وحُفّت بالكرامة أيّامه ولياليه ، فخِر لي اللهم فيه خِيَرةً ترد شموسه ذلولاً ، وتقض أيّامه سروراً. اللهم إما أمر فأيتمر ، وإمّا نهيٌ فانتهي. اللهم اني استخيرك برحمتك خيرة في عافية».

ثم تقبض على قطعة من السبحة تضمر حاجةً ، فان كان عدد القطعة زوجاً فافعل ، وإن كان فرداً فلا تفعل. (الوسائل : ج ٥ ص ٢١٩ ب ٨ ح ١ ، ٢).

وللاستخارة بالسبحة طريقة اُخرى ذكرها في المختار مُجاز متصل الى الامام المهدي عليه‌السلام ؛ كيفيتها أن يقول :

«بسم الله الرحمن الرحيم. ثم : اللهم صل على محمد وآل محمد ، ثلاث مرات. ثم يدعو بمثل : يا مَن يعلم

٢٥٨

وسأل عن صلاة جعفر بن أبي طالب رحمه‌الله ، في أيّ اوقاتها أفضل ان تصلى فيه ، وهل فيها قنوت ، وان كان ففي أي ركعة منها؟

فاجاب :

«افضل اوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ، ثم في أيّ الأيام شئت وأيّ وقت صليتها من ليل او نهار فهو جائز ، والقنوت فيها مرّتان : في الثانية قبل الركوع ، وفي الرابعة بعد الركوع» (١).

وسأل عن الرجل ، ينوي اخراج شيء من ماله وان يدفعه الى رجل من اخوانه ثم يجد في اقربائه محتاجاً. أيصرف ذلك عمن نواه له او الى قرابته؟

فاجاب :

«يصرفه الى أدناهما وأقربهما من مذهبه ، فان ذهب الى قول العالم عليه‌السلام : لا يقبل اللّه الصدقة وذو رحم محتاج (٢) ، فليقسّم بين القرابة وبين الذي نوى حتى

__________________

إهد من لا يعلم ، أو : يا ربّ خِر لي ما هو الصالح.

ثم يقبض على السبحة ويعدّ القبضة فان كان الباقي فرداً فعله ، وان كان زوجاً تركه. (المختار من كلمات الامام المهدي عليه‌السلام : ج ٢ ص ٥٣٩).

(١) جاءت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في : الوسائل : ج ٥ ص ١٩٩ ب ٤ ح ١.

واعلم أن الوارد في كيفية القنوت الثاني في صلاة جعفر في حديث الامام الرضا عليه‌السلام هو قبل الركوع ، كما في الحديث الثالث من الباب.

ولعله لذلك استفاد المحدث الحر العاملي منهما التخيير ، فقال في عنوان الباب : واستحباب قنوتين فيها ، من الثانية قبل الركوع ، وفي الرابعة بعده أو قبله.

(٢) لعله أشار عليه‌السلام بذلك الى حديث جده الامام الحسن عليه‌السلام ، عن الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إبدء بمن تعول : اُمَّك وأباك واُختك وأخاك ثم أدناك فأدناك.

وقال :

«لا صدقة وذو رحم محتاج». (الاختصاص : ص ٢١٩).

٢٥٩

يكون قد أخذ بالفضل كله» (١).

وسأل فقال : اختلفت اصحابنا في مهر المرأة ، فقال بعضهم : اذا دخل بها سقط المهر ولا شيء لها ، وقال بعضهم : هو لازم في الدنيا والآخرة ، فكيف ذلك وما الذي يجب فيه؟

فاجاب :

«ان كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين ، فهو لازم له في الدنيا والآخرة ، وان كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق سقط اذا دخل بها ، وان لم يكن عليه كتاب ، فاذا دخل بها سقط باقي الصداق» (٢).

__________________

(١) حيث يقوم بحق الجميع قُرباه ومن نواه ، فيكون أخذ بالفضل كلِّه.

(٢) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في : الوسائل : ج ١٥ ص ١٨ ب ٨ ح ١٦ ، وبيّنها في هامش البحار :  ج ٥٣ ص ١٦٩ بقوله :

ظاهر هذا الحديث أن ذلك حين المنازعة وطرح الدعوى على الزوج ، لا أن الدخول يُسقط المهر. فان ثبوته مفروغ عنه مسلّمٌ بالضرورة من الدين ولم يكن ليسأل عنه أحد.

ووجه الحديث أنه قد كانت العادة في تلك الأزمان ـ طبقاً لقوله تعالى : (وآتوا النساءَ صَدقاتِهِنَّ نِحله). (النساء : الآية ٤) ، وقوله : (وآتيتُم احداهُنّ قنطاراً فلا تأخذُوا منهُ شيئاً) (النساء : الآية ٢٠) ، وتبعاً لسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث كان يُبعث بالمهر إليهن قبل الدخول ـ أن يدفع الأزواج مهورهن حين الزواج قبل الدخول ، وكانت هذه السيرة ظاهر حالهم.

فلو ادّعت بعد الدخول أن المهر تمامه أو بعضه باق على ذمة الزوج ولم يكن لها صك أو بيّنة ، أسقط الحاكم إدعاءها المهر ، حيث ان الدخول يشعر بظاهر الحال ، والسيرة الجارية عند المسلمين حتى الآن على أن الزوج قد دفع اليها المهر.

وأفاد في : كلمة الامام المهدي عليه‌السلام : ص ١٩٨ :

لعل المقصود أن ما تبني عليه عقدة النكاح من أموال نقدية أو عينيّة التي تدرج عادة في وثيقة الزواج فهو دين لازم في الدنيا والآخرة ، واما الهدايا التي تُقدم الى الخطيبة من فترة الخطوبة فهي ينتهي دورها بالدخول.

٢٦٠