الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

السيد علي الحسيني الصدر

الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢

ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والاشفاق عليكم ، لكُنّا عن مخاطبتكم في شغل فيما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل (١) الضال المتتابع في غيّه المضاد لربّه ، الداعي ماليس له ، الجاحد حق من افترض اللّه طاعته ، الظالم الغاصب (٢).

وفي ابنة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي اُسوةٌ حسنة (٣).

__________________

(١) العُتُلّ بضمتين ، هو الفظّ الغليظ الجافي. (مجمع البحرين : ص ٤٨٣).

(٢) جاء في بيان البحار : الظالم الضال هو جعفر الكذاب ويحتمل خليفة ذلك الزمان.

وجعفر ادّعى الامامة كذباً وافتراء وباطلاً بعد أخيه الامام العسكري عليه‌السلام وتلاحظ سوء حاله في توقيع الامام المهدي عليه‌السلام الى احمد بن اسحاق القمي الاشعري. (الغيبة للشيخ الطوسي : ١٧٥).

وقد امتحنته الشيعة الأبرار وتبيّن كذبه كما تلاحظه في الحديث. (كمال الدين : ص ٤٧٦ ب ٤٣ ح ٢٦).

ثم انه تاب فخرج التوقيع من الناحية المقدسة أن سبيله سبيل اخوة يوسف ، كما يأتي ذكره في التوقيع الى الشيخ الجليل محمد بن عثمان. (كمال الدين : ص ٤٨٣ ب ٤٥ ح ٤).

(٣) فان له عليه‌السلام اُسوة حسنة بإمّه الصديقة الطاهرةسلام الله عليها حيث اغتُصب حقها فصبرت ؛ كذلك الامام المهدي عليه‌السلام اغتصب جعفر حقّه واستولى على إرثه من والده الامام العسكري عليه‌السلام فصبر.

وأفاد في المختار وجوهاً ثلاثة للتأسي ، حاصلها :

١ ـ ان فاطمة الزهراء عليها‌السلام عافت الدنيا وما فيها ومن فيها ، وكذلك الامام المهدي عليه‌السلام هو في جانب والعالم من جانب.

٢ ـ ان فاطمة الزهراء عليها‌السلام كانت مجهولة القدر ، عاشت في الخفاء مستورة محتجبة عن الاُمة مظلومة مهضومة ، وكذلك ولدها الامام المهدي عليه‌السلام عاش مستوراً مظلوماً مهضوماً محتجباً عن الأنظار.

٣ ـ ان فاطمة الزهراء عليها‌السلام عاشت مع عدم التقية وعدم بيعة في رقبتها لأحدٍ من طواغيت زمانها ، وكذلك الامام المهدي عليه‌السلام يعيش مع عدم التقية وعدم بيعةٍ من عنقه لأحد من طواغيت زمانه.

فشابه عليه‌السلام جدته الصديقةالزهراء عليها‌السلام في عدم التقية والبيعة ، فكانت له بابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة حسنة. (المختار من كلمات الامام المهدي عليه‌السلام : ج ٢ ص ٢٢٩).

وعلى الجملة فما اجلّها وأجملها من كلمة رائعة تبيّن الاسوة الحسنة بالصديقة الطاهرة لحجة الله الامام المهدي عليه‌السلام ، ولدها الطاهر ونسلها الكريم.

٢٢١

وسيُردي الجاهل رداءةُ عمله ، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.

عصمنا اللّه وإياكم من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلها برحمته ، فانه ولي ذلك والقادر على ما يشاء ، وكان لنا ولكم ولياً وحافظاً.

والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ، ورحمة اللّه وبركاته وصلى اللّه على محمّد وآله وسلم تسليماً».

التوقيع الثاني (١)

__________________

(١) ورد هذا التوقيع في : الاحتجاج (للطبرسي) : ج ٢ ص ٣٠١ ، والغيبة (لشيخ الطائفة) : ص ٢٢٩ ، وجاء في البحار : ج ٥٣ ص ١٥١ ب ٣١ بعد الحديث ١.

وراوي التوقيع هو الشيخ الجليل الموثوق به محمد بن عبدالله الحميري الذي كان من وجوه الأصحاب وممن يرجع اليه الفقهاء الأطياب.

قال عنه النجاشي : محمد بن عبدالله بن جعفر بن الحسن بن جامع بن مالك الحميري ، ابو جعفر القمي ، كان ثقة وجهاً. كاتَبَ صاحب الأمر عليه‌السلام وسأله مسائل في أبواب الشريعة.

قال لنا أحمد بن الحسين : وقعت هذه المسائل اليَّ في أصلها والتوقيعات بين السطور ، وكان له إخوة جعفر والحسين وأحمد ، كلهم كان له مكاتبة ، ولمحمد كُتُب ... (رجال النجاشي : ٢٥١).

وقال عنه العلامة الحلي : محمد بن عبدالله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري ـ بالحاء المهملة ـ أبو جعفر القمي ، كان ثقة وجهاً ، كاتَبَ صاحب الأمر عليه‌السلام ... (الخلاصة : ص ٢٦١).

وقد وثقة أيضاً في الوجيزة والبلغة والمشتركاتين ، وعدّه في الحاوي في فصل الثقات ، فلا غمز في الرجل بوجهٍ. (تنقيح المقال : ج ٣ ص ١٣٩).

واعلم أن طريق الشيخ قدس‌سره الى الحميري رضوان الله عليه ، طريق صحيح. فقد قال في الفهرست عند ذكره : له مصنفات وروايات ؛ أخبرنا بها جماعة ، عن أبي جعفرابن بابويه ، عن أحمد بن هارون الفامي وجعفر بن الحسين عنه (الفهرست ص ١٨٤).

له كتب أربعة الى الامام المهدي عليه‌السلام ، وكانت الأجوبة تأتي اليه مرّةً بلفظ «التوقيع» ، وثانية بلفظ  «الجواب» ، وثالثة بلفظ «فأجاب» ورابعة بلفظ «وأما ما سألت».

٢٢٢

ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضاً ، ما سأله عنها محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري فيما كتب اليه وهو :

بسم اللّه الرحمن الرحيم

اطال اللّه بقاك ، وأدام اللّه عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك ، وأتم نعمته عليك ، وزاد في احسانه اليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك ، وجعلني من السوء فداك ، وقدمني قبلك (١).

الناس يتنافسون في الدرجات ، فمن قبلتموه كان مقبولاً ، ومن دفعتموه كان وضيعاً ، والخامل من وضعتموه ، ونعوذ باللّه من ذلك ، وببلدنا أيدك اللّه جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة ، وورد أيدك اللّه كتابك الى جماعة منهم في أمرٍ أمرتهم به من معاونة ص (٢).

واخرج علي بن محمّد بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة وهو ختن (٣) ص رحمه‌الله من بينهم فاغتم بذلك ، وسألني أيدك اللّه أن اُعلمك ما ناله من ذلك. فان كان من ذنب فاستغفر اللّه منه ، وان يكن غير ذلك عرّفته ما تسكن نفسه اليه ان شاء اللّه.

__________________

ومن اهتمامه بالمسائل الفقهية يُعرف مدى تديّنه والتزامه بالشريعة ، ومن ثَمَّ عُرف بصاحب المسائل.

والرجل ممن يُرجع اليه ويؤخذ برواياته المعروفة المروية عن الحجة عليه‌السلام. (المختار من كلمات الامام المهدي عليه‌السلام : ج ١ ص ٣٨٥).

(١) أي جعل موتي قبل موتك ، وهذا دعاء له عليه‌السلام بطول العمر.

(٢) رمزُ للصحة ، كما تلاحظ بيانه في البحار.

(٣) «الخَتَن» بفتحتين ، هو كل من كان قريب المرأة يعني الزوجة كأبيها وأخيها (مجمع البحرين : ص ٥٥٥).

٢٢٣

التوقيع (١) :

«لم نكاتب إلا من كاتبنا».

وقد عودتني ـ أدام اللّه عزك ـ من تفضلك ما أنت أهل ان تخبرني على العادة ، وقبلك ـ أعزك اللّه ـ فقهاؤنا قالوا : محتاج (٢) الى أشياء تسأل لي عنها.

روي لنا عن العالم عليه‌السلام (٣) : انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة (٤) كيف يعمل من خلفه؟

فقال : «يؤخر ويتقدم بعضهم ، ويتم صلاتهم ، ويغتسل من مسه».

التوقيع :

«ليس على من نحاه إلا غسل اليد ، واذا لم يحدث حادثة يقطع الصلاة ، تمم صلاته مع القوم» (٥).

وروي عن العالم عليه‌السلام : «ان من مس ميتاً بحرارته غسل يده ، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الامام في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارة» (٦) ، فالعمل في ذلك على ما هو ، ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه ، فكيف يجب عليه الغسل؟

التوقيع :

__________________

(١) هذا جواب الناحية المقدسة ، وما قبله هو سؤال الحميري ، وهكذا فيما بعده.

(٢) هكذا في الاحتجاج ، ولعل الأصل : إنّا محتاجون الى أشياء تسأل لنا عنها ، كما أثبتها في : كلمة الامام المهدي عليه‌السلام.

(٣) «العالم» من الألقاب التي يرمز بها عن الامام موسى بن جعفر عليهما‌السلام.

(٤) اي مات في أثنا الصلاة ، اذا الحادثة هنا بمعنى الموت ظاهراً ، بقرينة قوله بعد ذلك : ويغتسل من مسّه.

(٥) اي ان الشخص المأموم الذي نحّى امام الجماعة الذي حدثت به حادثة ، ان لم يأت بما يقطع صلاته ، كاستدبار القبلة والفعل الماحي للصلاة ، تمّم صلاته مع القوم.

(٦) اي ان هذا الامام الذي حدثت به حادثة الموت في المسئلة المتقدمة ، هو بَعُد على حرارة بدنه. فهل يجب الغسل على من مسَّه؟

٢٢٤

«اذا مسّه على هذه الحال (١) لم يكن عليه إلا غَسل يده» (٢).

وعن صلاة جعفر ، اذا سها في التسبيح في قيام او قعود أو ركوع أو سجود (٣) وذكره في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة ، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟

التوقيع :

«اذا سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة اخرى ، قضى ما فاته في الحالة التي ذكره».

وعن المرأة ، يموت زوجها ، يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟

التوقيع :

«تخرج في جنازته».

وهل يجوز لها في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟

التوقيع :

«تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها» (٤).

__________________

(١) اي على حال حرارته وقبل برده بالموت.

(٢) ذكره أيضاً في الوسائل : ج ٢ ص ٩٣٢ ب ٣ ح ٥.

(٣) اي «سبحان الله والحمد لله ولا اله إلّا الله والله أكبر» ، حيث يقول ذلك قبل الركوع خمس عشرة مرة ، وفي ركوعه عشر مرات ، واذا استوى من الركوع عشراً ، وإذا سجد عشراً ، واذا جلس بين السجدتين عشراً ، واذا سجد الثانية عشراً ، واذا جلس ليقوم عشراً. يفعل ذلك في الاربع ركعات من صلاة جعفر الطيار عليه‌السلام ، فتكون ثلاثمائة تسبيحة.

(٤) حيث ان المرأة تعتد بعد وفاة زوجها بعدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ، وعليها في هذه المدة الحداد بما بينته الروايات.

ففي حديث ابي العباس : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : المتوفى عنها زوجها؟

٢٢٥

وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها ، أم لا تبرح من بيتها وهي في عدّتها؟

التوقيع :

«اذا كان حق خرجت فيه وقضته ، وان كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتى تقضيها ، ولا تبيت إلا في بيتها».

وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها ، ان العالم عليه‌السلام قال : «عجباً لمن لم يقرأ في صلاته : (إنا أنزلناه في ليلة القدر) كيف تقبل صلاته؟».

وروي : «ما زكت صلاة من لم يقرأ (قل هو اللّه أحد)».

وروي : «ان من قرأ في فرائضه الهُمَزَة ، اعطي من الثواب قدر الدنيا» ، فهل يجوز أن يقرأ الهُمَزَة ، ويدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي انه لا تقبل صلاة ولا تزكو إلّا بهما؟

التوقيع :

__________________

قال : «لا تكتحل لزينة ، ولا تطيب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ، ولا تخرج نهاراً ولا تبيت عن بيتها ...».

وعليه فتبيت المرأة في أيام الحداد وعدة الوفاة في بيتها ، ولا تبيت خارج البيت.

وفي الجواهر : أن شيخ الطائفة الطوسي حمل النهي عن البيتوتة خارج البيت على الكراهة خصوصاً ، بملاحظة النصوص الدالة على جواز قضاء عدتها فيما شاءت ، والمحدث البحراني استظهر الجواز مع الكراهة.

ثم استوجه نفس صاحب الجواهر الاقتصار في الحداد على المنع من الزينة من الثوب والبدن. (الجواهر : ج ٣٢ ص ٢٧٧).

وان كان قد جعل الأصل في الحداد هي الأحاديث الشريفة ، مثل :

صحيح ابن ابي يعفور ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام ، سألته عن المتوفى عنها زوجها ، فقال :

«لا تكتحل للزينة ، ولا تطيب ، ولاتلبس ثوباً مصبوغاً ، ولا تبيت عن بيتها ، وتقضي الحقوق ، وتمشط بغسلة وتحج وإن كانت في عدتها». (الوسائل : ج ١٥ ص ٤٥٠ ب ٢٩ ح ٢).

٢٢٦

«الثواب في السور على ما قد روي ، واذا تَرَكَ سورة مما فيها الثواب وقرأ (قل هو اللّه أحد) ، و (إنا أنزلناه) لفضلهما ، اعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك (١) ، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ، ولكن يكون قد ترك الفضل».

وعن وداع شهر رمضان ، متى يكون؟ فقد اختلف فيه أصحابنا. فبعضهم يقول : يقرأ في آخر ليلة منه ، وبعضهم يقول : هو في آخر يوم منه اذا رأى هلال شوال (٢).

التوقيع :

«العمل في شهر رمضان في لياليه ، والوداع يقع في آخر ليلة منه. فاذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين».

__________________

(١) حيث قد ورد الفضل الكثير في هاتين السورتين وفي اهميتهما في الفرائض.

ففي حديث المنصور بن حازم ، عن الامام الصادق عليه‌السلام ، قال :

«من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات لم يقرأ بـ (قل هو الله أحد) قيل له : يا عبدالله لستَ من المصلّين». (ثواب الاعمال : ص ١٥٥ ح ١).

وفي حديث الحسين بن ابي العلاء عن الامام الصادق عليه‌السلام ، قال :

«من قرأ (إنا أنزلنا) في فريضة من فرائض الله نادى منادٍ : يا عبدالله غفر الله لك ما مضى فاستأنف العمل». (ثواب الاعمال : ص ١٥٢ ح ٣).

كما انه ورد في فضل سورة الهمزة عن أبي بصير ، عن الامام الصادق عليه‌السلام ، قال :

«من قرأ (ويلٌ لكل همزة) في فرائضه ، بعَّدَ الله عنه الفقر وجلب اليه الرزق ، ويدفع عنه ميتة السوء». (ثواب الاعمال : ص ١٥٤ ح ١).

(٢) فهناك دعاء وداعٍ شريف لشهر رمضان المبارك ، رواه ثقة الاسلام الكليني بسنده ، عن ابي بصير ، عن الامام الصادق عليه‌السلام في وداع شهر رمضان :

«اللهُمَّ إنكَ قلتَ في كتابك المُنزَل ...» الخ ، فراجع (الكافي : ج ٤ ص ١٦٥ ح ٦).

٢٢٧

وعن قول اللّه عز وجل : (إنَهُ لَقولُ رَسولٍ كريم) (١) ، أرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعنيّ به ، (ذي قُوّةٍ عندَ ذي العرَشِ مَكين) (٢) ماهذه القوة؟ (مُطاعٍ ثَمَّ أَمين) (٣) ماهذه الطاعة وأين هي؟

ما خرج لهذه المسألة جواب (٤).

فرأيك ـ أدام اللّه ـ عزك بالتفضل عليّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل. فاجبني عنها منعماً مع ما تشرحه لي من أمر علي بن محمّد بن الحسين بن الملك ـ المقدم ذكره ـ بما يسكن اليه ، ويعتد بنعمة اللّه عنده ، وتفضل علي بدعاء جامع لي ولا خواني في الدنيا والآخرة؛ فعلت مثاباً ان شاء اللّه.

التوقيع :

«جمع اللّه لك ولا خوانك خير الدنيا والآخرة» (٥).

__________________

(١) سورة التكوير : الآيات ١٩.

(٢) و (٣) سورة التكوير : الآيات ١٩ ، ٢١.

(٤) هذه الجملة ترد في الغيبة ، ووردت في الاحتجاج ، وعلّق عليها في كلمة الامام المهدي عليه‌السلام بقوله  : يبدوا أن الامام المهدي عليه‌السلام كان يتبع الأسلوب النبوي في عدم الإجابة على الاسئلة التي لا ضرورة منها للسائلين ، أو هي فوق مستوياتهم. (كلمة الامام المهدي عليه‌السلام : ص ١٧٠).

(٥) الى هنا الاحتجاج ، وزاد في الغيبة : وختم الحميري كتابه بقوله : (أطال الله بقائك وأدام عزّك وتأييدك وكرامتك وسعادتك وسلامتك ، وأتمّ نعمته عليك ، وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك ، وجعلني من كل سوءٍ ومكروه فداك ، وقدّمني قبلك.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

٢٢٨

التوقيع الثالث (١)

كتاب آخر لمحمد بن عبداللّه الحميري أيضاً اليه عليه‌السلام في مثل ذلك :

فرأيك ـ أدام اللّه عزك ـ في تأمل رقعتي والتفضل بما اسأل من ذلك لا ضيفه الى ساير أياديك عندي ومننك عليّ.

واحتجت ـ ادام اللّه عزك ـ ان يسألني بعض الفقهاء عن المصلي اذا قام من التشهد الأول الى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبّر؟

فانَّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ، ويجزيه أن يقول : بحول اللّه وقوته اقوم واقعد؟

الجواب :

«ان فيه حديثين :

اما احدهما ، فانه اذا انتقل من حالة الى حالة اخرى فعليه التكبير.

واما الآخرة ، فانه روي : انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام ، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك في التشهد الأول يجري هذا المجرى ، وبأيها أخذت من جهة التسليم كان صواباً» (٢).

__________________

(١) جاء هذا التوقيع المبارك في : الغيبة (لشيخ الطائفة) : ص ٢٣٢ ، والاحتجاج (للطبرسي) : ج ٢ ص ٣٠٣ ، والبحار : ج ٥٣ ص ١٥٤ ب ٣١ ح ٢.

وراوي هذا التوقيع هو الشيخ الموثوق به محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري القمي الذي مر بيان جلالة قدره في التوقيع المتقدم.

(٢) اي من جهة الاتباع والتسليم لهم عليهم‌السلام ولحكم الله تعالى ، وقد جاءت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في الوسائل : ج ٤ ص ٩٦٧ ب ٣ ح ٨.

قال في منتهى الدراية : وأما الدلالة ، فظاهرها التوسعة والترخيص في العمل بكل من المتعارضين ، سواء في مورد السؤال وهو الاحكام الترخيصية أم في غيرها ....

٢٢٩

وعن الفَصّ الخَماهَن (١) ، هل يجوز فيه الصلاة اذا كان في اصبعه؟

الجواب :

«فيه كراهية أن يصلي فيه ، وفيه أيضاً اطلاق ، والعمل على الكراهة» (٢).

__________________

ومورد الرواية وإن كان حكماً ترخيصياً ، الا أن مفاد جوابه عليه‌السلام إطراد الحكم بالتخيير في جميع موارد التعارض ، لقوله عليه‌السلام : «من جهة التسليم» ؛ فانه تنبيه على علة الحكم ، ولازمه التعدي الى جميع موارد تعارض الخبرين .... فان قوله من باب التسليم بيان لعلة الحكم بالتخيير ، والمدار على عموم العلة لا خصوص المورد. (منتهى الدراية : ج ٨ ص ١١١).

(١) ورد هذا الحديث بهذا اللفظ أيضاً ـ وهو الصحيح ـ في : الوسائل : ج ٣ ص ٣٠٥ ب ٣٢ ح ١١.

و «خماهَن» بفتح الخاء والهاء ويسمى أيضاً خماهان وخماهين ؛ كلمة معرّبة ، ويطلق عليه الصندل الحديدي ، ويستعمل فصّاً للخاتم.

وهو حجر أسود اللون ، له جنسان فحلٌ ويسمى الحديد الصيني ، وأثنى يسمى حجر الخمار.

ويستعمل مسحوقة في الطب للعلل الصفراوية والدمويّة وآلام العيون ، ويستعمل ضماده للأورام والجَرَب والحكّة ، كما ضبط وعرّفه في : القرابادين : ص ١٩٩.

ونقل في : هامش كتاب الغيبة : ص ٢٣٢ ، عن كتاب الجماهر لمعرفة الجواهر (لأبي ريحان البيروني) : ص ٢١٥ ، طبعة حيدر آباد دكن ، سنة ١٣٥٥ هجرية ، ما هذا نصّه :

وأما الخَماهَن ، فأجوده الزنجي المتناهي السواد ، والصقالة الموهمة بياضاً على وجهه بالخيال ، ويستعمله أصحاب المصاحف في جلاء ذهبها.

قال الشاعر في تشبيه التوت الشامي به :

كأنما التوتُ على أطباقِهِ

خَماهنٌ بعَندمٍ منقّطِ

قال صاحب أشكال الأقاليم : إن معدنه من جبل مقطّم ونواحيه بأرض مصر ....

و «عوز سنك» يحاكيه في السواد والرزانة ، ويستعمله المذهِّبون بدل الخماهن عند عوزه.

و «بزوربان» منه ، صخور كبار ، وتسميها العرب «المعز» ، وأينما وجد من ظهر الأرض وبطنه كان علامة لوجود الذهب ونظن به أنه الخماهن لمشابهته الزنجي في اللون والثقل ، وجلاؤه بالسنباذج المحرق. فانّ غير المحرق لا يجلو الخماهن.

(٢) فسر بان الظاهر كون المراد أن فيه روايتين : احديها كراهة أن يصلي فيه والأخرى إطلاق ، والعمل على

٢٣٠

وعن رجل اشترى هدياً لرجل غاب عنه ، وسأله أن ينحر عنه هدياً بمنى ، فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي ثم ذكره بعد ذلك ، أيجزي عن الرجل أم لا؟

الجواب :

«لا بأس بذلك ، وقد اجزأ عن صاحبه».

وعندنا حاكة مجوس ، يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة وينسجون لنا ثياباً ، هل يجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟

الجواب :

«لا بأس بالصلاة فيها».

وعن المصلي ، يكون في صلاة الليل في ظلمة ، فاذا سجد يغلط بالسجادة (١) ويضع جبهته على مسح أو نطع (٢)؛ فاذا رفع رأسه وجد السجادة. هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟

الجواب :

«مالم يستو جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» (٣).

__________________

رواية الكراهة

(١) اي محل سجوده الذي هو مما يصح السجود عليه.

(٢) «المِسْح» بكسر الميم وسكون السن ، واحد المسوح ، ويعبّر عنه بالبلاس ، كساء معروف. (مجمع البحرين : ص ١٨٨).

و «النطع» بكسر النون وفتحه ، بساط من الاديم. (مجمع البحرين : ص ٣٩٣).

(٣) «الخمرة» بضم الخاء هي الحصيرة الصغيرة قدر ما يسجد عليه المصلّي ؛ كانت تعمل من سعف النخل. قال في المجمع : تكرر في الحديث ذكر الخُمرة والسجود عليها ، وهي بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمّل بالخيوط (مجمع البحرين : ص ٢٥٨).

٢٣١

وعن المحرم ، يرفع الظلال ، هل يرفع خشب العمارية (١) أو الكنيسية (٢) ويرفع الجناحين أم لا؟

الجواب :

«لا شيء عليه في ترك رفع الخشب».

وعن المحرم ، يستظل من المطر بنطع أو غيره حذراً على ثيابه وما في محمله أن يبتل ، فهل يجوز ذلك؟

الجواب :

«اذا فعل ذلك في المحمل في طريقه ، فعليه دم» (٣).

والرجل يحج عن أحد ، هل يحتاج ان يذكر الذي حج عنه عند عقد احرامه أم لا ، وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟

الجواب :

__________________

وقد جاء أحاديث الخمرة في باب ما يسجد عليه.

ففي حديث الحلبي ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام :

دعاء أبي بالخُمرة ، فأبطات عليه. فأخذ كفّاً من حصى فجعله على البساط ثم سجد». (الكافي : ج ٣ ص ٣٣١ ح ٤).

وفي الحديث الآخر ، قال أبو عبدالله عليه‌السلام :

«السجود على الأرض فريضة ، وعلى الخُمرة سنّة». (الكافي : ج ٣ ص ٣٣١ ح ٨).

بل ورد في أحاديث العامة أيضاً : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي على الخُمرة ، كما تلاحظه عن البخاري والنسائي وابي داود والترمذي في : كنز العمال : ج ٧ ص ٥٧.

(١) «العمارية» ، رفعة مزيّنة تخاط في المظلة ، وتطلق على قماش المظلة. (كلمة الامام المهدي : ص ١٧٣).

(٢) في : الغيبة : الكنيسة ، وهي شيء يُغرز في المحمل أو الرحل ويُلقي عليه ثوبٌ يستظل به الراكب ويستتر به ، والجمع : كنائس. (مجمع البحرين : ص ٣٣٢).

(٣) اي عليه الكفارة دم شاة ، يعني يكفّر بذبح شاة والتصديق بها على الفقير.

٢٣٢

«قد يجزيه هدي واحد (١) ، وان لم يفعل فلا بأس».

وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز (٢) أم لا؟

الجواب :

«لا بأس بذلك ، وقد فعله قوم صالحون».

وهل يجوز للرجل أن يصلي في بطيط (٣) لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟

الجواب :

«جائز».

ويصلي الرجل وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد ، هل يجوز ذلك؟

الجواب :

«جائز».

وعن الرجل يكون معه بعض هؤلاء ويكون متصلاً بهم ، يحج ويأخذ على الجادّة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر احرامه الى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ (٤)؟

__________________

(١) هذا جواب عن قوله : وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه وعن نفسه؟

كما أن قوله عليه‌السلام : «وان لم يفعل فلا بأس» جواب عن قوله : هل يحتاج ان يذكر الذي حج عنه عند إحرامه؟

(٢) «الخَزّ» بتشديد الزّاء ، دابّة من دوّاب الماء ؛ تمشي على أربع ، تشبه الثعلب ، وترعى من البرّ وتنزل البحر ، لها وبرٌ يعمل منه الثياب ....(مجمع البحرين : ص ٣١٤).

(٣) «البطيط» نوعٌ من الاحذية.

قال الليث : البطيط بلغة أهل العراق ، رأس الخف يُلبس.

وقال كراع : البطيط عند العامة ، خف مقطوع قدم ، بلا ساق. (تاج العروس : ج ٥ ص ١٠٨).

(٤) مورد المسئلة صورة المرافقة مع العامة في الحج والتقية منهم ، والمسلخ وذات عرق من مواضع وادي

٢٣٣

الجواب :

«يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه ، فاذا بلغ الى ميقاتهم اظهر».

وعن لبس النعل المعطون (١) ، فان بعض أصحابنا يذكران لبسه كريه.

الجواب :

«جايز ولا بأس به».

وعن الرجل من وكلاء الوقف مستحلاً لما في يده ، ولا يَرِعُ عن أخذ ماله (٢) ، ربما نزلتُ في قريته وهو فيها ، أو ادخل منزله ـ وقد حضر طعامه ـ

__________________

العقيق الذي هو ميقات أهل العراق وأهل نجد.

ووادي العقيق يقع في الشمال الشرقي من مكة المكرمة ، ويبعد عن مكة حوالي ٩٤ كيلومتر (احكام الحج واسراره : ص ١٨٣).

وهذا الوادي ذوثلاث مواضع : فان أوّله «المسلخ» وأوسطه «غمرة» وآخره «ذات عرق».

وظاهر الصدوقين والشيخ في النهاية عدم جواز الاحرام من ذات عرق الا لتقيّة أو مرض ، ولعله للجمع بين الأدلة. (الجواهر : ج ١٨ ص ١٠٦).

والظاهر أن «ذات عرق» ميقات اضطراري لنا ، وهو ميقات العامة إختيارياً ، كما يستفاد من : المغني لابن قدامة : خ ٣ ص ٢٥٧.

والمستفاد من التوقيع الشريف في الجواب ، انه إذا اضطر الحاج بالتقية في المقام ، فانه يحرم من ميقاته اي المسلخ ويلبّي سراً ويلبس المخيط تقية. فاذا بلغ الى ميقاتهم ـ يعني ذات عرق ـ أظهر الاحرام ويفدي للبس المخيط في حال الاحرام ، كما أفيد.

(١) يقال : عَطِنَ الجلد في الدباغ والماء ، إذا وُضع فيه حتى فَسَد فهو عَطِن ، ويقال : انعطن ، مثل عَفِنَ وانعفن. (ترتيب العين : ج ٢ ص ١٢٣٢).

وقيل : هو أن ينضح على الجلد ويُلفّ ويُدفن يوماً وليلة ليسترخي صوفه أو شعره. فيُنتف ويُلقي بعد ذلك في الدباغ وهو حينئذٍ أنتن ما يكون. (لسان العرب : ج ١٣ ص ٢٨٧).

وعلى المعنيين فالنعل المعطون هو النعل العفِن.

(٢) كلمة «يَرِعُ» مضارع وَرِعَ ، من الورع بمعني التورع والكف عن المعاصي ، وضمير ماله راجع الى

٢٣٤

فيدعوني اليه. فان لم آكل من طعامه عاداني وقال : فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا. فهل يجوز لي أن آكل من طعامه واتصدّق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة؟ وإن اهدى هذا الوكيل هدية الى رجل آخر ، فاحضر فيدعوني الى أن أنال منها وأنا أعلم ان الوكيل لا يَرِعُ عن أخذ ما في يده ، فهل عليّ فيه شيء ان انا نِلتُ منها؟

الجواب :

«إن كان لهذا الرجل مال او معاش غير مافي يده ، فكُل طعامه واقبل بِرَّه ، وإلا فلا».

وعن الرجل ممن يقول بالحق ويرى المتعة ، ويقول بالرجعة ، إلا ان له أهلاً موافقة له في جميع اموره ، وقد عاهدها : ألا يتزوج عليها ولا يتمتع ولا يتسرّى (١) ، وقد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة. ووفى بقوله. فربما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع ولا تتحرّك نفسه أيضاً لذلك ، ويرى ان وقوف من معه من اخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم (٢) ، ويحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله وميلا اليه وصيانة لها ولنفسه ، لا لتحريم المتعة بل يدين اللّه بها (٣) ، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟

__________________

الوقف ، اي لا يتورع عن أخذ مال الوقف.

قال في : هامش الغيبة : وفي بعض النسخ «لم يَزِعْ» بالزاي ، وهو مضارع وزعه اي منعه ، اي لا يمنع نفسه من أخذ مال الوقف.

(١) اي لا يتخذ سُرِّيَّةً ، و «السُرّيّة» هي الأمة المملوكة. (المعجم الوسيط : ج ١ ص ٤٢٧).

(٢) اي ان التزويج او التمتع او التسري على زوجته مما يوجب وضاعةً له عند هؤلاء.

(٣) اي أن امتناعه عن التزويج والتمتع والتسري انما هو لمحبة أهله التي عاهدها لا لأجل حرمة المتعة ، فانه من أهل الحق ويدين الله بجواز المتعة وحلّيتها.

٢٣٥

الجواب :

«يستحب له أن يطيع اللّه تعالى بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية (١) ، ولو مرّة» (٢).

التوقيع الرابع (٣)

وفي كتاب آخر لمحمد بن عبداللّه الحميري الى صاحب الزمان عليه‌السلام من جواب مسائله التي سأله عنها ، في سنة سبع وثلاثمائة.

سأل عن المحرم ، يجوز أن يشد الميزر (٤) من خلفه على عقبه بالطول ، ويرفع طرفيه الى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما الى خاصرته ، ويشد طرفيه الى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك. فان الميزر الأول كنا نتزر به اذا ركب الرجل جَمَلَه يكشف ما هناك ، وهذا ستر؟

فأجاب عليه‌السلام :

«جاز أن يتزر الانسان كيف شاء ، اذا لم يحدث في الميزر حدثاً بمقراظ ولا ابرة يخرجه به عن حدّ الميزر ، وغرزه غرزاً ولم يعقده ولم يشدّ بعضه ببعض ،

__________________

(١) اي المعصية من حيث عاها أن لا يتمتع.

(٢) هذا آخر التوقيع في الإحتجاج ، لكن جاء في الغيبة في آخر رسالة الحميري تتمّة دعائيّة في الخطاب الى النائب الجليل الذي يوصل رسالته ، فلاحظ.

(٣) جاء هذا التوقيع الشريف في : الاحتجاج : ج ٢ ص ٣٠٦ ، والبحار : ج ٥٣ ص ١٥٩ ب ٣١ ح ٣.

راويه هو نفس الشيخ الجليل محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري الذي مرّ بيان وثاقته.

(٤) فانه يجب في الاحرام لبس الثوبين ، الازار والرداء. فيأتزر بالاول ويشدّه على وسطه ، ويرتدي بالثاني ويجعله على عاتقه ، كما يستفاد من صحيحة عبدالله بن سنان عن الامام الصادق في حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (الوسائل : ج ٨ ص ١٥٨ ب ٢ ح ١٥).

٢٣٦

واذا غطى سرّته وركبتيه كلاهما ، فان السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين.

والأحب الينا والأفضل لكل أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعاً إن شاء اللّه».

وسأل : هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة (١)؟

فأجاب :

«لا يجوز شد الميزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها».

وسأل عن التوجه للصلاة (٢) أن يقول : على ملة ابراهيم ودين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فان بعض أصحابنا ذكر انه اذا قال على دين محمّد فقد أبدع ، لأنا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً في كتاب القاسم بن محمّد عن جده عن الحسن بن راشد ان الصادق عليه‌السلام قال للحسن :

«كيف تتوجه؟

فقال : أقول لبيك وسعديك.

فقال له الصادق عليه‌السلام : ليس عن هذا اسألك. كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ، حنيفاً مسلماً؟

قال الحسن : أقول (٣).

فقال الصادق عليه‌السلام : اذا قلت ذلك فقل : على ملة ابراهيم ودين محمّد

__________________

(١) «التِكَّة» رباط السراويل ، وجمعها تكك. (المعجم الوسيط : ج ١ ص ٨٦).

(٢) اي الدعاء الذي تتوجه به الى الصلاة وتقرأه حينما قمت الى الصلاة ، فانه يستحب الدعاء حينئذٍ بما تلاحظه في : وسائل : ج ٤ ص ٧٠٨ ب ١٥ ، ص ٧٢٣ ب ٨ ، الاحاديث ، والحديث الثالث من باب هي هذه الفقرة من التوقيع الشريف.

(٣) في : البحار والوسائل : أقوله.

٢٣٧

ومنهاج علي بن أبي طالب ، والايتمام بآل محمّد حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين».

فأجاب عليه‌السلام :

«التوجه كله ليس بفريضة ، والسنة المؤكدة فيه التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض ، حنيفاً مسلماً على ملة ابراهيم ودين محمّد وهدي أمير المؤمنين (١) ، وما أنا من المشركين. ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه رب العالمين ، لا شريك له وبذلك اُمرت وأنا من المسلمين. اللهم اجعلني من المسلمين. اعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم اللّه الرحمن الرحيم ، ثم اقرأ الحمد.

قال الفقيه (٢) الذي لا يشك في علمه : ان الدين لمحمد والهداية لعلي

__________________

(١) «الملّة» هي الدين والطريقة ، ومنها قوله تعالى : (ملة أبيكم ابراهيم). (سورة الحجح : الآية ٧٨) ، كما أفاده في : مشكاة الأنوار : ص ٢٠٢.

و «الدين» هو ما يدان الله به ويُطاع به ، كما أفاده في : مجمع البحرين : ص ٥٥٨.

و «الهُدى» هو الرشاد والدلالة الى الحق والدعاء اليه وإرائة طريقه والارشاد اليه والأمر به ، كما افاده في : المشكاة : ص ٢٢٧.

فالملة لسيدنا ابراهيم الخليل عليه‌السلام ، ودين الاسلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فانه هو الذي جاء به ، والهداية اليه لأمير المؤمنين والأئمة المعصومين عليهم‌السلام أوصياء الرسول ، (وجعلنا أئمة يهدون بأمرنا). (سورة الانبياء : الآية ٧٣).

(٢) «الفقيه» لقب الامام الكاظم عليه‌السلام في تعبير الشيعة ، ويمكن أن يكون المراد به الامام الصادق عليه‌السلام باعتبار الرواية عنه في السؤال ، أو غيرهما من الأئمة عليهم‌السلام ، لاطلاق هذا اللقب على كل منهم في زمانه كما افاده في : هامش كلمة الامام المهدي عليه‌السلام : ص ١٧٩.

واضاف في : ص ١٨٤ ، أنه يُلاحظ في التوقيعات أن الامام المهدي عليه‌السلام قد يستشهد ببعض الروايات أو بعض الأئمة عليهم‌السلام ، كما نجد في هذا الحديث وأحاديث اُخرى رغم أن قوله حجة كأقوالهم ، ولعل سبب

٢٣٨

أمير المؤمنين ، لأنها له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي عقبه باقية الى يوم القيامة (١). فمن كان كذلك فهو من المهتدين ، ومن شك فلا دين له ، ونعوذ باللّه من الضلالة بعد الهدى».

وسأله عن القنوت في الفريضة اذا فرغ من دعائه ، يجوز أن يردّ يديه على وجهه وصدره للحديث الذي رُوي : «ان اللّه عز وجل أجلّ من أن يردّ يدي عبده صفراً بل يملأها من رحمته» (٢) ، أم لا يجوز؟ فان بعض اصحابنا ذكر انه عمل في

__________________

ذلك :

١ ـ توجيه العلماء الى الاعتماد على الاحاديث المأثورة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وعدم محاولة استقصار المعارف الاسلامية عن طريق مراسلته فقط.

٢ ـ تكريم آبائه الطاهرين عليهم‌السلام ، شأن جميع الأئمةوالانبياء الذين كانوا يروون عن أسلافهم ، لا لقصور فيهم وانما تخليداً لاولئك الاسلاف في سلسلة الأقداس ، كما نجد القرآن الكريم وسائر كتب السماء تروى عن الانبياء وربما عن غيرهم كلقمان ، رغم أنها نزلت من عند الله الذي هو مرسل الرسل ومصدر الرسالات.

٣ ـ الاعتماد على الروايات المأثورة عن آباءه عليهم‌السلام والاستناد اليها ليكون أبغد عن التشكيك.

(١) ففي تفسير قوله تعالى : (إنما أنت منذرٌ ولكلِّ قومٍ هاد). (سورة الرعد : الآية ٧).

ورد تفسير الهادي بالائمة المعصومين عليهم‌السلام في أحاديث الخاصة والعامة.

فمن الخاصة ، مثل حديث الامام الباقر عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآية : «أنا المنذر ، وعلي الهادي ، أما والله ما ذهبت منا ولا زالت فينا الى الساعة». (الكافي : ج ١ ص ١٩٢ ح ٤) ومن العامة ، مثل حديث ابن عباس ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنا المنذر وعلي الهادي ، وبك ـ يا علي ـ يهتدي المهتدون». (احقاق الحق : ج ٣ ص ٨٨ ، عن جماعة من العامة ، كالحاكم في المستدرك ، والذهبي في التخليص ، والرازي في تفسيره ، والطبري في تفسيره ، وابن كثير في تفسيره ، وعيرهم).

(٢) هذا مضمون حديث القدّاح ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام المروي في : الكافي : كتاب الدعاء ج ٢ ص ٤٧١ ، وليس في الحديث ذكر هذا العمل في خصوص الفرائض. فنصّ الحديث هو :

«ما أبرز عبدٌ يدَه الى الله العزيز الجبّار الا استحيا الله عزّوجلّ أن يردّها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء. فاذا دعا أحدُكم فلا يردّ يده حتى يمسح على وجهه ورأسه»

٢٣٩

الصلاة (١).

فأجاب عليه‌السلام :

«ردّ اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جايز في الفرائض ، والذي عليه العمل فيه اذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء ، أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ، ويكبّر ويركع ، والخبر صحيح (٢) وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض ، والعمل به فيها أفضل».

وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة ، فان بعض اصحابنا ذكر أنها بدعة. فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة ، وان جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟

فأجاب عليه‌السلام :

«سجدة الشكر من الزم السنن واوجبها ، ولم يقل ان هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يُحدث بدعة في دين اللّه (٣).

__________________

(١) اي عمل خارجي في الصلاة.

(٢) اي ان الخبر المتقدم صحيح الا أن رد اليدين بعد القنوت على الرأس والوجه هو في النوافل وفي النوافل ، أفضل ؛ دون الفرائض ، بل في الفرائض يردّ بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبته على تمهّل.

(٣) فان سجدة الشكر ثابتة في الدين ؛ فنفيها يكون بدعة ، لأن النفي ليس من الدين.

قال السيد العاملي : نقل الاجماع استحباب السجود للشكر في هذه المواضع الثلاثة : عند تجدد النِعَم ، ودفع النِقَم ، وعقيب الصلاة. في الخلاف والتذكرة والمنتهى وظاهر المعتبر ، وفي كشف اللثام : لا خلاف فيه عندنا ، والأخبار به متظافرة وفي جامع المقاصد : لا خلاف بين أكثر علمائنا الا من شَذَّ في استحبابه عند تجدد النعم ودفع النقم ... ، وفي كشف الحق : ذهبت الامامية الى استحباب سجدة الشكر ، ومالك على الكراهة ، وأبو حنيفة نفى المشروعيّة. (مفتاح الكرامة : ج ٢ ص ٤٥٨).

هذا فتوى وقد عرفت فيه من هو الذي أحدث بدعة في الدين.

واما دليلاً ، فالاحاديث الشريفة في سجدة الشكر متظافرة متواترة ، يستفاد منها أن سجدة الشكر من

٢٤٠