الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

السيد علي الحسيني الصدر

الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢

قال شيخ الطائفة :

«والذي ينبغي أن يجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول : إنّا أولاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه ، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم ، ولا يعلم كل إنسان الا حال نفسه ...» (١).

وأضاف أمين الاسلام الطبرسي :

«إن غيبته عن اعدائه للتقية منهم ، وغيبته عن اوليائه للتقية عليهم ، والإشفاق من إيقاع الضرر بهم» (٢).

سؤال ٥ : هل هناك غيبتان للامام المهدي عليه‌السلام ، ولماذا صارت الغيبة على نحوين : صغرى وكبرى ، ولم تكن من أول الأمر كبرى؟

الجواب : نعم ، هناك غيبتان : احداهما قصيرة والأخرى طويلة.

اُخبر بذلك قبل ميلاد الامام المهدي عليه‌السلام في الاخبار الشريفة المروية في كتب الفريقين ، كالكافي وغيبة النعماني من الخاصة ، وينابيع المودة والبرهان من العامة ، كما تلاحظ نصوصها في منتخب الأثر (٣).

والوجه في كونها على نحوين : صغرى وكبرى هو : إن الغيبة الصغرى كانت تمهيداً للغيبة الكبرى ، ومَدخلاً اليها.

فقد اعتاد الشيعة الأبرار على التشرف بخدمة أئمتهم عليهم‌السلام سراً وعلانية منذ زمن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فلو كانوا يُحرمون من هذه النعمة العظمى دفعة واحدة ، لكان موجباً

__________________

(١) الغيبة : ص ٦٨.

(٢) إعلام الورى : ص ٤٧١.

(٣) منتخب الاثر : ص ٢٥١.

١٢١

للاستيحاش والاستنكار ، بل ربما كان يوجب للبعض الشك والتزلزل.

لذلك كان من الحكمة أن يألف الشيعة غيبة إمامهم عليه‌السلام قليلاً قليلاً ، فيعتادون ذلك خلال السنين السبعين تدريجاً في زمن النوّاب الأربعة الكرام.

مضافاً إلى أن نفس هذه الفترة الخاصّة كانت لازمة التحقق ، لحصول التشرفات الجماعية بخدمة الامام المهدي عليه‌السلام لتثبت ولادته وحياته ، ومشاهدة معجزاته وكراماته عيناً وحضوراً كما حصلت؛ ولو كانت الغيبة كبرى عامة من أول الأمر لم تحصل تلك التشرفات بالشكل اللازم (١).

سؤال ٦ : هلاّ دامت الغيبة الصغرى وامتدّت النيابة الخاصّة؟

الجواب : بالاضافة الى ان الغيبة الصغرى كانت فترة تمهيدية لا يناسبها الدوام.

كانت النيابة الخاصة بادرة مستورة مخفيّة ، لا يعرفها الا الخواص ، ولو دامت لعُرفت وانكشفت ، وصارت النيابة مورداً للخطر القطعي ، وهو نقضٌ للغرض.

سؤال ٧ : ما الدليل على غيبة الامام ، وكيف ينتفع بالامام الغائب عليه‌السلام؟

الجواب : ان الأدلة الشرعية المتواترة والواردة من طريق الفريقين صرّحت بغيبته ، وقد تقدم بيانها.

كما ان البراهين العقلية على لزوم وجود الامام المعصوم ، دلّت على وجوده ، اما ظاهراً معلوماً او غائباً مستوراً ، ولما لم يكن ظاهراً فهو غائب.

وأمّا فائدة وجود الامام عليه‌السلام ، فلا تنحصر بظهوره وقيامه ، أو بسط يده الحكوميّة وتصرفاته الظاهريّة فقط ، بل إن أصل وجوده الشريف موضوع

__________________

(١) لا حظ للتفضيل تاريخ الغيبتين : كتاب الامام المهدي عليه‌السلام من المهد الى الظهور : ص ١٦٩.

١٢٢

لحصول الايمان ، للحديث المتواتر بين الفريقين :

«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية» (١).

فيؤمن الانسان بامامه الموجود ، وإن لم يَرَ شخصه المسعود ، فتحصل به المعرفة وتكمل به العقيدة.

وبالاضافة الى ذلك له فوائد أساسيّة جمّة ، نذكر بعضها فيما يلي :

١ ـ أن وجود الامام وجود للحجّة الالهيّة ، وحفظ البيّنات الربّانية الذي اقتضته سُنّة الخالق في خلقه ، ولولا الحجّة لما استقرت الأرض ، بل ساخَت بأهلها وماجت بساكنيها.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«اللهم بلى ، لا تخلوا الأرض من قائم للّه بحجّة؛ إمّا ظاهراً مشهوراً ، أو خائفاً مغموراً ، لئلاّ تبطل حجج اللّه وبيّناته» (٢).

وفي حديث جابر عن الامام الباقر عليه‌السلام :

«قلت : لأي شيء يُحتاج الى النبي والامام؟

فقال : لبقاء العالم على صلاحه.

وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض ، إذا كان فيها نبيّ أو إمام.

قال اللّه عزّ وجلّ : (وما كان اللّهُ ليعذبَهُم وأنتَ فيهم) (٣).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل

__________________

(١) اصول الكافي : ج ١ ص ٣٧٦.

(٢) نهج البلاغة : كلمة الحكمة ١٤٧.

(٣) سورة الأنفال : الآية ٣٣.

١٢٣

الأرض. فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون.

يعني بأهل بيته الأئمّة الذين قرن اللّه عزّ وجلّ طاعتهم بطاعته ، فقال : (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّهَ واطيعوا الرسولَ واُولي الأمرِ منكم) (١).

وهم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون. بهم يرزق اللّه عباده ، وبهم يعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجّل عليهم بالعقوبة والعذاب. لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم صلوات اللّه عليهم أجمعين» (٢).

وفي حديث سليمان بن جعفر الجعفري قال :

سألت الرضا عليه‌السلام فقلت : لا تخلوا الأرض من حجّة؟

فقال : «لو خلت الأرض طرفة عين من حجّة لساخت بأهلها» (٣).

وفي حديث ابراهيم بن أبي محمود عن الامام الرضا عليه‌السلام انه قال :

«نحن حجج اللّه في أرضه وخلفاؤه في عباده وامناؤه على سرّه ، ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى ، ونحن شهداء اللّه وأعلامه في بريّته. بنا يمسك اللّه السماوات والأرض أن تزولا ، وبنا ينزّل الغيث وينشر الرحمة.

لا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهرٍ أو خاف ، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله» (٤).

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٩.

(٢) البحار : ج ٢٣ ص ١٩ ب ١ ح ١٤.

(٣) البحار : ج ٢٣ ص ٢٩ ب ١ ح ٤٣.

(٤) البحار : ج ٢٣ ص ٣٥ ب ١ ح ٥٩.

١٢٤

وهذا أعظم فائدة حياتية لجميع الخلق وكلّ المخلوقات في الأرضين والسماوات.

٢ ـ ان الامام عليه‌السلام مركز للاُمور الكونيّة وتنجيز المقدّرات التكوينيّة التي تقدّر للخلق في ليلة القدر ..

قال تعالى : (تنزّلُ الملائكةُ والروحُ فيها بإذنِ ربِّهم من كُلِّ أمر سَلامٌ هي حتّى مطلعِ الفجر) (١).

فعلى مَن تنزل الملائكة بعد النبي غير الامام عليه‌السلام؟

الامام عليه‌السلام مهبط الملائكة ، وواسطة وصول الفيض الى خلق اللّه ، وصدور الفيوضات الى عباد اللّه.

ففي الزيارة المطلقة الحسينيّة :

«... وبكم يمحو ما يشاء وبكم يُثبت ، وبكم يفك الذُّلَّ من رقابنا ، وبكم يدرك اللّه ترةَ كل مؤمن يُطلب بها ، وبكم تنبت الأرض أشجارها ، وبكم تخرج الأشجار أثمارها ، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها ، وبكم يكشف اللّه الكرب ، وبكم ينزّل اللّه الغيث ، وبكم تسيخ (اي تستقر وتثبت) الأرض التي تحمل أبدانكم وتستقر جبالها عن مراسيها.

إرادة الربّ في مقادير أموره تهبط اليكم ، وتصدر من بيوتكم ...» (٢).

هذا شأن الامام عليه‌السلام فلابد من وجوده لتنجيز المقدرات الالهية بواسطته ، ووصول الفيض الى خلقه.

٣ ـ ان الامام عليه‌السلام له مقام الشاهديّة على الخلق ، فيكون الجزاء يوم القيامة

__________________

(١) سورة القدر : الآية ٥٠٤.

(٢) الكافي : ج ٤ ص ٥٧٦ ح ٢.

١٢٥

على الاعمال المشهودة ، كما يدل على هذا قوله تعالى : (وكذلكَ جعلناكُم امّةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناسِ ويكونَ الرسولُ عليكُم شهيداً) (١) ، كما جاء في تفسير الخاصة والعامة (٢).

فلابدّ من وجوده لأجل شاهديّته.

٤ ـ أن وجوده عليه‌السلام فينا كوجود رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قوّة للقلوب وإطمئنان للنفوس.

لأنه أمان اللّه في البلاد ، والملجأ المفزع للعباد ، يلجأون اليه في الشدّة والرخاء.

لذلك قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«كنّا اذا احمرّ البأس (٣) إتّقينا برسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يكن أحدٌ منّا أقرب الى العدوّ منه» (٤).

والامام عليه‌السلام كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؛ بوجوده يأمن الخلق ، وببركته يدفع العذاب.

وقد جاء في الحديث الجامع لعبد العزيز بن مسلم ، عن الامام الرضا عليه‌السلام في ذكر صفات الامام أنه عليه‌السلام :

«مفزع العباد في الداهية النآد» ، اي الامور العظيمة (٥).

٥ ـ حيث عرفت في معنى الغيبة ، أنها ليست بمعنى عدم وجوده او عدم

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٤٣.

(٢) كما تلاحظ من الخاصة في : تفسير كنز الدقائق : ح ٢ ص ١٧٧ ، ومن العامة في : شواهد التنزيل : ج ١ ص ٩٢.

(٣) كناية عن اشتداد الأمر في الحرب.

(٤) نهج البلاغة : فصل غريب كلامه عليه‌السلام الرقم ٩.

(٥) اصول الكافي : ج ١ ص ١٩٨ ح ١.

١٢٦

حضوره ، بل بمعنى أنه لا يُرى او لا يُعرف ، فهو موجود ناظر ، ذو خير باهر ولطفٍ زاهر.

فانه عليه‌السلام يعين المحتاجين ، ويرشد الضالّين ، وينجي المؤمنين ، وينتصر للضعفاء ، ويُغني البؤساء.

فكم من مريضٍ قد شفاه ، وعطشان قد أرواه ، ومضطرّ قد نجّاه ، ومنقطعٍ قد هداه ، وعاجزٍ قد اغناه.

والوجدان خير دليلٍ يغنى عن البيان.

٦ ـ انه يُنتفع به عليه‌السلام في غيبة ، كالانتفاع بالشمس اذا غيّبها عن الأبصار السحاب كما ورد في بيانه.

ففي حديث جابر بن عبداللّه الأنصاري عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء فيه :

«... ، فقلت له : يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وان تجلّلها سحاب ...» (١).

وفي حديث سليمان بن مهران الأعمش عن الامام الصادق عليه‌السلام :

فقلت للصادق عليه‌السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟

قال : «كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب» (٢).

وفي حديث التوقيع المبارك لمولانا صاحب الزمان عليه‌السلام الى محمد بن عثمان العمري رضي‌الله‌عنه جاء فيه :

«واما وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن

__________________

(١) كمال الدين : ص ٢٥٣ ب ٢٣ ح ٣.

(٢) كمال الدين : ص ٢٠٧ ب ٢١ ٢٢.

١٢٧

الابصار السحاب ، وانى لأمان لأهل الارض ، كما ان النجوم أمان لأهل السماء ...» (١).

وتشبيه الانتفاع بالامام المهدي عليه‌السلام بالانتفاع بالشمس هذا من ألطف أنواع التشبيه وأجمله وأعمقه.

فللشمس الدور القيادي في المجموعة الشمسية لجميع الكواكب الكونيّة ، وبها نظم الكون ، ولولاها لا ختل العالم ، وكذلك الامام المهدي عليه‌السلام.

ثم إنّ لجميع الموجودات الانتفاع الفائق والحيويّة من هذا النجم المضيء. فكل موجود يستوفي انتفاعه واستفادته من الشمس في حالتي ظهورها بالاشراق واستتارها بالسحاب ، وكذلك الامام عليه‌السلام.

ثم إنّ بالشمس يتنوّر العالم وبدونه تكون الظلمات ، وكذلك بالإمام الحجّة عليه‌السلام نور العوالم وبدونه تكون الظلمات.

مضافاً الى ان في نفس التعبير بتجلل الشمس بالسحاب ، لعله لنكتة استفادة عموم الناس منه عليه‌السلام.

فان السحاب المجلِّل ، هو السحاب الذي يجلل الأرض بماء المطر أي يعمها كما في المجمع (٢).

وشمس وجوده عليه‌السلام بالرغم من اختفاءه بسحاب الغيبة يعمّ الناس بالنفع بسحابه المجلِّل وخيره الكامل.

ولشيخ الاسلام المجلسي قدس‌سره بيان مفصّل في جهة التشبيه في المقام ، قال فيه :

__________________

(١) كمال الدين : ص ٤٨٥ ب ٤٥ ح ٤.

(٢) المجمع : ص ٤٦٦.

١٢٨

«بيان : التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يؤمي الى امور».

ثم ذكر اموراً ثمانية جاء في ضمنها قوله :

«الاول : أنَّ نور الوجود والعلم والهداية ، يصل الى الخلق بتوسّطه عليه‌السلام.

إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائيّه لا يجاد الخلق. فلولاهم لم يصل نور الوجود الى غيرهم؛ وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسّل إليهم ، يظهر العلوم والمعارف على الخلق ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لاستحقَّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال تعالى : (وما كان اللّهُ ليعذّبَهم وأنتَ فيهم) (١).

ولقد جرّبنا مراراً لا نحصيها أنَّ عند انغلاق الامور وإعضال المسائل والبعد عن جناب الحقّ تعالى وانسداد أبواب الفيض ، لمّا استشفعنا بهم وتوسّلنا بأنوارهم ، وبقدر ما يحصل الإرتباط المعنويُّ بهم في ذلك الوقت ، تنكشف تلك الاُمور الصعبة.

وهذا معاين لمن أكحل اللّه عين قلبه بنور الايمان ، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الإمامة.

الثاني : كما أنَّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كلِّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر. فكذلك في أيّام غيبته عليه‌السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره ، في كلِّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.

الثالث : أنَّ منكر وجوده عليه‌السلام مع وفور ظهور آثاره ، كمنكر وجود الشمس

__________________

(١) سورة الانفال : الآية ٣٣.

١٢٩

اذا غيّبها السحاب عن الأبصار ...» ، الى آخر ما أفاده أعلى اللّه مقامه (١).

٧ ـ رعايته لنا ودعاؤه لنا بوجوده المبارك بالدعاء الذي لا يُحجب عن رب الارض والسماء ، وهو من خير النعم والآلاء ، كما تلاحظها في التوقيعين الشريفين الآتيين للشيخ المفيد قدس‌سره.

الحكمة الثانية :

إستقلاله عن البيعة لأحدٍ

فإنّ الامام المهدي عليه‌السلام بواسطة غيبته ، يكون مستغنياً عن التقية من حُكّام عصره وجائري زمانه.

فلا تكون في عنقه بيعة لأحدٍ منهم ، ولو تقيّةً وإضطراراً وصورةً ، حتّى يُلزَم بالوفاء بها والالتزام بعهدها. كما كانت هذه البيعة الاجبارية لآبائه الطاهرين عليهم‌السلام تقيةً (٢).

فان زمان ظهور الامام المهدي عليه‌السلام ، هو زمان ظهور الحق المطلق بأجلى ظهوره وإزدهاره ، في كافة مجالات الحياة ، وفي كل بقعة ومكان من الأرض الواسعة. ومن المعلوم أن التقية تنافي ذلك فهي مرتفعة آنذاك.

ولازم هذا أن لا تكون بيعة لأحدٍ في عنق الامام المهدي عليه‌السلام ، حتى لا يضطر الى مراعاة التقية من الظالمين ، والالتزام ببيعة الجائرين.

وتستفاد هذه الحكمة من الأحاديث الشريفة بالصراحة مثل :

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ٩٣.

(٢) لا يخفى ان المقصود بهذه البيعة هي البيعة الظاهريّة ، والا فالبيعة الواقعية تكون للامام عليه‌السلام على سائر الخلق لا للناس على الامام عليه‌السلام.

١٣٠

١ ـ حديث أبي سعيد عقيصا ـ المتقدم ـ عن الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام جاء فيه :

«أما علمتم أنه ما منّا أحدٌ الا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، الا القائم الذي يصلي روح اللّه عيسى بن مريم عليه‌السلام خلفه ، فان اللّه عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة اذا خرج» (١).

٢ ـ حديث أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«صاحب هذا الأمر ، تعمى ولادته على [هذا] الخلق ، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة اذا خرج». (٢)

٣ ـ حديث جميل بن صالح عن ابي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«يُبعث القائم وليس في عنقه لأحد بيعة». (٣)

٤ ـ حديث هشام بن سالم ، عن ابي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«يقوم القائم وليس لأحد في عنقه بيعة». )

٥ ـ حديث الحسن بن فضّال ، عن ابي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام [قال] :

«كأني بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي (٥) ، يطلبون المرعى فلا يجدونه.

قلت له : ولِمَ ذاك يا ابن رسول اللّه؟

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣١٦ ب ٢٩ ح ٢.

(٢) البحار : ج ٥٢ ص ٩٥ ب ٢٠ ح ١١.

(٣) البحار : ج ٥٢ ص ٩٥ ب ٢٠ ح ١٢.

(٤) البحار : ج ٥٢ ص ٩٥ ب ٢٠ ح ١٣.

(٥) اي عند واستشهاد الإمام العسكري عليه‌السلام ، الذي هو بداية إمامة الامام المهدي عليه‌السلام.

١٣١

قال : لأنّ إمامهم يغيب عنهم.

فقلت : ولِمَ؟

قال : لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف» (١).

وهذه حكمة حكيمة تقتضي الغيبة للاستقلال وعدم التقيد بالبيعة.

وأضاف بعض الأعاظم (٢) انه يمكن أن يستنبط وجه آخر يناسب هذه الحكمة في المقام.

وهو أن تكون من حكمة غيبة الامام المهدي عليه‌السلام ، لا عدم البيعة لأحد عليه فحسب ، بل عدم وجود حقٍ لأحدٍ من الظالمين عليه أيضاً ، حتى يَلزم عليه مراعاته أخلاقاً ، بحيث لو لم يُراعِ ذلك الحق كان مورداً للطعن فيه ، أو محلاً للمنّ عليه.

كما تلاحظه في ما مَنَّ به فرعون على النبي موسى عليه‌السلام :

(قال ألَم نُربِّكَ فينا وليداً ولَبثتَ فينا من عُمُرِكَ سنين) (٣).

فأجابه النبي موسى عليه‌السلام :

(وتلكَ نعمةٌ تمنّها عليَّ أن عَبَّدتَ بني اسرائيل) (٤).

فتحاشياً عن هكذا منّة تدعو الحكمة الى وجود الغيبة.

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ٩٦ ب ٢٠ ح ١٤.

(٢) مهدي منتظر : ص ٤٠.

(٣) سورة الشعراء : ١٨.

(٤) سورة الشعراء : ٢٢.

١٣٢

الحكمة الثالثة :

سُنّة اللّه تعالى في امتحان خلقه

من سنن اللّه تعالى الجارية في خلقه منذ أن أرسل الرسل وبعث الأنبياء الى عباده ، إمتحان الناس واختبارهم ، واستخلاص الصالح منهم.

وينكشف بهذا الاختبار والامتحان ، مراتب الخلق وحقائق الانسان وضمائر البشر.

ويمتاز أيضاً من يصدُق في الدعوةِ الى العدالة والصلاح عمن ينتحلها ويدّعيها كذباً.

واللّه تعالى عالم بها ، لكن ليعرف كل شخص حقيقة نفسه ، وتتم حجة اللّه البالغة على خلقه.

قال تعالى : (أحَسِبَ الناسُ أن يُتركوا أن يقُولوا آمنّا وهُم لا يُفتَنون) (١).

وقال عزّ اسمه : (لِيهلِكَ مَن هَلَكَ عن بيّنة ويَحيى من حَيَّ عن بيّنة وإنَّ اللّه لسميعٌ عليم) (٢).

وقال جلّ شأنه : (لقد أرسَلنا رُسُلَنا بالبيّناتِ وأنزلنا معهُمُ الكتابَ والميزانَ ليقومَ الناسُ بالقِسطِ وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ ومنافِعُ للناسِ ولِيَعلمَ اللّهُ مَن ينصُرُهُ ورسلَهُ بالغيب إن اللّهَ قَويٌّ عزيز) (٣).

هذا ، ومما امتحن اللّه تعالى به الأمم السابقة ، غيبةُ انبيائهم وأوصياء

__________________

(١) سورة العنكبوت : الآية ٢.

(٢) سورة الأنفال : الآية ٤٢.

(٣) سورة الحديد : الآية ٢٥.

١٣٣

انبيائهم لاختبار حالهم.

وجرت هذه السنةُ الالهية الى الأمة المحمديّة ، صلوات اللّه على رسولها الأمين وآله الطاهرين.

وقد اُحصى ذكر هذه الغيبات في متون الروايات في كتبنا الحديثية (١) ، وجاء ذكرها أيضاً في مصادرنا المعتبرة (٢) ، كما جاء بيانها في المؤلفات المحققه (٣) ، التي بيّنت هذه السُنّة الجارية والغيبة الامتحانية ، ونشير إليها باختصار :

١ ـ فقد غاب النبي إدريس عليه‌السلام عن شيعته حتى تعسّرت عليهم حياتهم وتعذّر عليهم قُوتُهم ، وقَتَل منهم مَلِكُهم الجبّار من قتل.

فوعد إدريس شيعته بالفرج بقيام ذريّته يعني النبي نوح عليه‌السلام.

٢ ـ وغاب النبي صالح عليه‌السلام عن قومه ـ ثمود الذين كانت مساكنهم بين الحجاز والشام ـ زماناً طويلاً.

وكان يوم غاب كهلاً ، فلما رجع اليهم لم يعرفوه لطول المدّة وتغيّر الصورة.

٣ ـ وغاب سيدنا النبي ابراهيم عليه‌السلام ، وكانت غيبته إثرَ حمله في بطن أمّه ، حتى حوّله اللّه تعالى من بطنها الى ظهرها ، ثم أخفى ولادته الى وقت بلوغ الكتاب أجَلَه ووقته.

وذلك أن منجّم نمرود أخبره بأن مولوداً يولد في أرضنا ، فيكون هلاكنا على يده.

__________________

(١) كمال الدين : ص ١٢٧ ـ ص ١٦١ ، الاحاديث.

(٢) الفصول العشرة : ص ٨٣. والغيبة لشيخ الطائفة : ص ٧٧.

(٣) راجع إلزام الناصب : ج ص ٢٧٣.

١٣٤

فلما حملت أمّ ابراهيم عليه‌السلام بابراهيم ، بعث نمرود القوابل إليها ، فلم يعرفن شيئاً من الحمل. فلما وُلد إبراهيم عليه‌السلام ، ذهبت به اُمّه الى غارٍ ، ووضعته فيه ، وجعلت على باب الغار صخرة ، وانصرفت عنه.

وجعل اللّه تعالى رزق ابراهيم عليه‌السلام في إبهامه ، فجعل يمصّها ويشرب اللبن منها ، ويشُبّ في كل يوم ما يشب غيره في اسبوع حتى قام بأمر اللّه تعالى.

ثم غاب غيبة اُخرى بعد أن نجّاه اللّه تعالى من النار ، وخرج عن قومه في هذه الغيبة.

وهي التي قصّها اللّه تعالى فيما حكاه عن ابراهيم عليه‌السلام بقوله جلّ جلاله : (وأعتَزِلكُم وما تدعُونَ من دُونِ اللّهِ وأدعُو ربّي عسى ألّا أكونَ بدُعاءِ رَبّي شقيّاً) (١).

٤ ـ وغاب النبي يوسف عليه‌السلام عشرين سنة عن خاصّته وعامّته واختفى عن أخوته.

وكان هو بمصر وأبوه يعقوب بفلسطين ، حتى جمع اللّه تعالى ليعقوب شمله.

٥ ـ وغاب النبي موسى عليه‌السلام من وطنه مصر هارباً من فرعون ورهطه ، وكان في ذلك الوقت حدث السنّ.

فخرج من عند فرعون وعدل عن موكبه ، وأقبل الى بني إسرائيل.

ثم غاب عنهم الى مَديَن ، وأقام عند النبي شعيب عليه‌السلام ما أقام ، لم يعرفه أحد.

وكانت غيبته هذه نيّفاً وخمسين سنة ، حتى بعثه اللّه تعالى نبيّاً.

__________________

(١) سورة مريم : الآية ٤٨.

١٣٥

٦ ـ وغاب أوصياؤه مثل يوشع بن نون بعد موت النبي موسى عليه‌السلام ، حتى مضى ثلاث من طواغيت زمانه ، فقويَ بعدهم أمر يوشع.

لكن خرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى عليه‌السلام مع صفوراء زوجة موسى في مائة الف رجل ، وقاتلوا يوشع وغلب يوشع عليهم ، وقتل جمعاً منهم ، وهزم الباقين وأسر صفوراء. ثم قال لها : قد عفوت عنك الى أن ألقى نبيّ اللّه موسى عليه‌السلام ، فأشكو ما لقيت منك ومن قومك.

٧ ـ وغاب النبي يونس بن متّى عليه‌السلام عن قومه ـ الذين كانوا في قرية نينوى بالموصل ـ ، ولم يعلم أحدٌ مستقّره.

وستره اللّه تعالى في جوف الحوت الى أن انقضت تلك المدّة وردّه اللّه تعالى الى قومه.

٨ ـ وغاب المسيح عليه‌السلام غيبات يسيح فيها في الأرض ، ولا يعرف قومُه وشيعتُه خبره ، ثم ظهر فأوصى الى شمعون بن حمّون عليه‌السلام.

فلما مضى شمعون ، غابت الحجج بعده ، واشتدّ الطلب ، وعظمت البلوى ، ودرس الدين ، وضيّعت الحقوق ، وأميتت الفروض والسنن ، وذهب الناس يميناً وشمالاً لا يعرفون أيّاً من أيّ. فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة.

٩ ـ ثم غيبة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعروفة التي كانت في غار ثور ، عند هجرته من مكّة وفي رسول اللّه اُسوةٌ حسنة.

فالغيبة إذن سُنّة جارية وحقيقة إمتحانية ، جرت في الأولياء السابقين. فتجري في خاتم الوصيين الامام المهدي عليه‌السلام.

وتنتج للصابرين أعظم المراتب كما تلاحظه في حديث اللوح الشريف (١).

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣١١.

١٣٦

مع أنه يفوز فيها المنتظر باعظم المثوبات والدرجات (١).

وقد دلّ على هذه الحكمة في الغيبة أحاديث أهل بيت العصمة سلام اللّه عليهم ، من ذلك :

١ ـ حديث سدير عن أبي عبداللّه عليه‌السلام :

«ان للقائم عليه‌السلام منّا غيبة يطول أمدها.

فقلت له : ولِمَ ذاك يا ابن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال : إن اللّه عزّ وجلّ أبي الا أن يجري فيه سنن الأنبياء في غيباتهم» (٢).

٢ ـ حديث زرارة بن أعين عن الامام الصادق عليه‌السلام :

«إن للغلام غيبة قبل أن يقوم ... ، لأن اللّه عزّ وجلّ يحب أن يمتحن خلقه ، فعند ذلك يرتاب المبطلون» (٣).

٣ ـ حديث الربيع بن محمد المسلّى ، قال :

قال لي أبو عبداللّه عليه‌السلام : «... واللّه لتمحصنّ ، واللّه لتغربلن كما يغربل الزؤان (٤)» (٥).

٤ ـ حديث علي بن جعفر عن الامام الكاظم عليه‌السلام :

«لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به. إنما هي محنة من اللّه امتحن اللّه بها خلقه» (٦).

__________________

(١) كمال الدين : ص ٦٤٤ ح ٣ ـ ٧. البحار : ج ٥٢ ص ١٢٢ ب ٢٢ ، الاحاديث.

(٢) البحار : ج ٥٢ ص ٩٠ ب ٢٠ ح ٣.

(٣) البحار : ج ٥٢ ص ٩٥ ب ٢٠ ح ١٠.

(٤) «الزؤان» هو : ما يخالط البُر من الحبوب السوداء او الصفراء فيكسبها رداءة ، والواحدة زؤانة.

(٥) البحار : ج ٥٢ ص ١٠١ ب ٢١ ح ٣.

(٦) البحار ج ٥٢ ص ١١٣ ب ٢١ ح ٢٦.

١٣٧

٥ ـ حديث جابر الجعفي قال :

قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : متى يكون فرجكم؟

فقال : «هيهات هيهات ، لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ، ثم تغربلوا ، ثم تغربلوا ـ يقولها ثلاثاً ـ حتى يذهب الكدر ويبقى الصفو» (١).

فالحقيقة الامتحانية إذن سنة إلهيّة ، متمثّلة في الغيبة ، وحكمة بالغة لاختبار الخليفة.

الحكمة الرابعة :

كراهة مجاورة الظالمين

مما هو مرغوب شرعاً وعقلاً الابتعاد عن الظالمين والاعتزال عنهم ، إذا لم تؤثّر فيهم الكلمة الحسنى ، ولم يتقبّلوا الرُشد والهُدى.

لذلك تلاحظ أن بعض أنبياء اللّه العظام رغبوا الى ذلك ، حينما لم تؤثّر دعوتهم ، وعندما آذاهم ظالموا قومهم.

١ ـ فقد طلب ذلك نبي اللّه نوح عليه‌السلام : (فافتَح بيني وبينَهم فتحاً ونجّني ومَن مَعِيَ من المؤمنين) (٢).

٢ ـ واتخذه نبي اللّه ابراهيم عليه‌السلام : (فلما اعتزلَهُم وما يعبُدونَ من دونِ اللّه وَهبنا لَهُ إسحاقَ ويعقوبَ وكُلاًّ جَعَلنا نبيّا) (٣).

٣ ـ واختاره نبي اللّه موسى عليه‌السلام : (فَخَرَجَ منها خائفاً يَتَرقّبُ قالَ رَبِّ

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ١١٣ ب ٢١ ح ٢٨.

(٢) سورة الشعراء : الآية ١١٨.

(٣) سورة مريم : الآية ٤٩.

١٣٨

نجّني من القوم الظالمين) (١).

فتلاحظ أن هؤلاء الكُبّار من الانبياء كرهوا مجاورة الظالمين ورغبوا في الابتعاد عن دار الفاسقين ، فآثروا الاعتزال والغياب. ورغبة الانبياء فيه تكشف عن محبوبيّته.

هذا مضافاً الى أن هذا الاعتزال بنفسه تأديب للظالم وتأنيب له ، عسى أن يرتدع ويعود الى رُشده.

ونفس تأنيب الظالمين حسن ، كما كان من تأنيب مؤمن آل فرعون لهم أشد تأنيب ، ثم وقاه اللّه سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، كما تلاحظه في سورة غافر : الآية ٣٠ ، وما بعدها.

ومن المعلوم أن أهل البيت عليهم‌السلام ، هم المثل الأعلى لتحمل الأذى والصبر عند البلوى ، آذاهم الظالمون أشدّ إيذاء مقابل ما صدر منهم من اللطف والهُدى.

وقد لاقوا عليهم‌السلام من الظالمين أشدّ المصائب والنوائب ، بالرغم من أنهم كانوا مأمورين بالصبر ولم يقوموا بالسيف.

فكيف بالامام المهدي عليه‌السلام الذي هو مأمور بالقيام بالسيف. فيا تُرى ماذا يواجهه الظالمون من الإِحَن والمِحن؟

وقد بَدَت منذ أوان ولادته عليه‌السلام محاولات استشهاده ، وايراد الظلم عليه. فاختار اللّه تعالى له الابتعاد عن جوار الظالمين ، والاعتزال عن مساكن الجائرين. فكان حُسن الابتعاد عن الظالم وتأنيبه وجهاً وحكمةً لغيبته.

فغاب كراهة لمجاورة الظالمين والاعداء ، وفي قباله حصول كثرة اشتياق المظلومين والأولياء ، وشدّة انتظاره من محبيه وشيعته في أيام غيبته.

__________________

(١) سورة القصص : الآية ٢١.

١٣٩

وتستفاد حكمة كراهة مجاورة الظالمين من مثل :

١ ـ حديث مروان الأنباري ، قال : خرج من أبي جعفر عليه‌السلام :

«ان اللّه اذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم» (١).

٢ ـ حديث محمد بن النعمان عن الامام الصادق عليه‌السلام ، جاء فيه :

«وان اشد ما يكون (اللّه تعالى) غضباً على اعدائه ، إذا افقدهم حجّته فلم يظهر لهم» (٢).

الحكمة الخامسة :

تميّز المؤمنين وخروج ما في الأصلاب

من حِكَم غيبة الامام المهدي عليه‌السلام وطول الغيبة وعدم ظهوره وقيامه الا في الوقت الذي قدّره اللّه تعالى ، هو انتظار خروج ودائع مؤمنين من أصلاب قومٍ كافرين.

وهو المسمى بالتزيّل والتميّز ، حيث يزول أحدهما عن الآخر ، ويتميّز المؤمن عن الكافر ، ويمتاز الطيب عن الخبيث.

فيتنعّم المولود المؤمن إكراماً ، ويعذب الشخص الكافر جزاءاً ، حين لا يحمل الكافر في صلبه مؤمناً ولا يلد الا فاجراً كفّاراً.

كما في مورد عذاب قوم نوح عليه‌السلام ، حين سأل ذلك ربّه فدعا عليهم فيما حكاه اللّه تعالى بقوله : (وقال نوحٌ رَبِّ لا تَذَر على الأرضِ من الكافرينَ

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ٩٠ ب ٢٠ ح ٢.

(٢) البحار : ج ٥٢ ص ٩٤ ب ٢٠ ح ٩.

١٤٠