بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فيهم كهل ، وهذا الخبر وضعه بنوا مية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحسن والحسين بأنهما سيدا شباب أهل الجنة (١)

فقال يحيى بن أكثم : وروي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة ، فقال عليه‌السلام : وهذا أيضا محال لان في الجنة ملائكة الله المقربين ، وآدم ومحمد وجميع الانبياء والمرسلين لا تضيئ بأنوارهم حتى تضيئ بنور عمر (٢).

فقال يحيى : وقد روي أن السكينة تنطق على لسان عمر ، فقال عليه‌السلام : لست بمنكر فضائل عمر ، ولكن أبابكر أفضل من عمر فقال على رأس المنبر : إن لي

____________________

(١) قال الشيخ قدس‌سره في تلخيص الشافى : وأما الخبر الذى يتضمن أنهما سيدا كهول أهل الجنة ، فمن تأمل أصل هذا الخبر بعين انصاف علم أنه موضوع في أيام بنى امية معارضة لما روى من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحسن والحسين : انهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.

وهذا الخبر الذى ادعوه يروونه عن عبيدالله بن عمر ، وحال عبيدالله في الانحراف عن أهل البيت معروفة ، وهو أيضا كالجار إلى نفسه.

على أنه لا يخلو من أن يريد بقوله « سيدا كهول أهل الجنة » انهما سيدا كهول من هوفى الجنة ، أو يراد أنهما سيدا من يدخل الجنة من كهول الدنيا.

فان كان الاول فذلك باطل لان رسول الله قد وقفنا ـ وأجمعت الامة ـ على أن جميع أهل الجنة جرد مرد ، وأنه لايدخلها كهل ، وان كان الثانى ـ فذلك دافع ومناقض للحديث المجمع على روايته من قوله في الحسن والحسين عليهما‌السلام « أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما » لان هذا الخبر يقتضى أنهما سيدا كل من يدخل الجنة اذ كان لا يدخلها الاشباب فأبوبكر وعمر وكل كهل في الدنيا داخلون في جملة من يكونان عليهما‌السلام سيديه والخبر الذى رووه يقتضى أن أبابكر وعمر سيداهما من حيث كانا سيدى الكهول في الدنيا وهما عليهما‌السلام من جملة من كان كهلا في الدنيا.

(٢) بل الظاهر من قوله تعالى « متكئين عليه الارائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا » الدهر : ١٣ وقوله تعالى « هم وأزواجهم في ظلال على الارائك متكئون » يس : ٥٧ أن الجنة ليس فيها ظلام حتى يحتاج إلى السراج.

٨١

شيطانا يعتريني فاذا ملت فسددوني (١).

فقال يحيى : قد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لولم ابعث لبعث عمر ، فقال عليه‌السلام : كتاب الله أصدق من هذا الحديث ، يقول الله في كتابه « وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح » (٢) فقد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه ، وكان الانبياء عليهم‌السلام لم يشركوا طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من أشرك وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نبئت وآدم بين الروح والجسد.

فقال يحيى بن أكثم : وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما احتبس الوحي عني قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب ، فقال عليه‌السلام : وهذا محال أيضا لانه لا يجوز أن يشك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في نبوته ، قال الله تعالى : « الله يصطفي من الملائكة رسلا و

____________________

(١) قد قال ذلك وشبهه غير مرة ، فمن ذلك قوله » انى وليت عليكم ولست بخيركم فان رأيتمونى على الحق فأعينونى ، وان رأيتمونى على الباطل فسددونى « وقوله : » أما والله ما أنا بخيركم ولقد كنت لمقامى هذا كارها ، ولوددت أن فيكم من يكفينى ، أفتظنون انى أعمل فيكم بسنة رسول الله؟ اذن لا أقوام بها ، ان رسول الله كان يعصم بالوحى ، وكان معه ملك ، وان لى شيطانا يعترينى ، فاذا غضبت فاجتنبونى أن لا اؤثر في اشعاركم وابشاركم الا فراعونى فان استقمت فأعينونى ، وان زغت فقومونى.

قال السيد حسين بحر العلوم في هامش تلخيص الشافى ج ٢ ص ٩ : وبهذه العبارات وشبهها تجد كتب القوم منها ملاى. راجع مسند احمد ج ١ ص ١٤ والرياض النضرة ج ١ ص ١٧٠ وكنز العمال ج ٣ ص ١٢٦ وطبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٣٩ والامامة والسياسة ج ١ ص ١٦ وتاريخ الطبرى ج ٣ ص ٢١٠ وسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٤٠ ( اقول وفى الطبعة الاخيرة منها ج ٢ ص ٦٦١ ) وعيون الاخبار ج ٢ ص ٢٣٤ والعقد الفريد ج ٢ ص ١٥٨ وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٤٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨٨ وشرح ابن ابى الحديدج ١ ص ١٣٤ وتهذيب الكمال ج ١ ص ٦ والمجتنى لابن دريد ص ٢٧ وغيرها كثير من كتب القوم.

(٢) الاحزاب : ٧.

٨٢

من الناس » (١) فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالى إلى من أشرك به.

قال يحيى بن أكثم : روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لونزل العذاب لما نجامنه إلا عمر ، فقال عليه‌السلام : وهذا محال أيضا إن الله تعالى يقول : « وما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم ، وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون » (٢) فأخبر سبحانه أن لا يعذب أحدا مادام فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما داموا يستغفرون الله تعالى (٣).

٧ ـ البرسى في مشارق الانوار : عن أبي جعفر الهاشمي قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم يوما وقال : يا سيدنا إن سيدتنا ام جعفر تستأذنك أن تصير إليها ، فقال للخادم : ارجع فاني في الاثر ثم قام وركب البغلة وأقبل حتى قدم الباب ، قال : فخرجت ام جعفر اخت المأمون وسلمت عليه وسألته الدخول على ام الفضل بنت المأمون وقالت : ياسيدي احب أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقر عيني.

قال : فدخل والستور تشال بين يديه ، فما لبث أن خرج راجعا وهو يقول : « فلما رأينه أكبرنه » (٤) قال : ثم جلس فخرجت ام جعفر تعثر في ذيولها ، فقالت : يا سيدي أنعمت علي بنعمة فلم تتمها ، فقال لها : « أتى أمر الله فلا تستعجلوه » (٥) إنه قد حدث مالم يحسن إعادته ، فارجعي إلى ام الفضل فاستخبريها عنه.

فرجعت ام جعفر فأعادت عليها ما قال ، فقالت : ياعمة وما أعلمه بذاك؟ ثم قالت : كيف لا أدعو على أبي وقدزوجني ساحرا ثم قالت والله يا عمة إنه لما طلع علي جماله ، حدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي وضممتها.

____________________

(١) الحج : ٧٥.

(٢) الانفال : ٣٣.

(٣) الاحتجاج ص ٢٢٩ و ٢٣٠.

(٤) يوسف : ٣١.

(٥) النحل : ١.

٨٣

قال : فبهتت ام جعفر من قولها ثم خرجت مذعورة ، وقالت : يا سيدي وما حدثت لها؟ قال : هومن أسرارالنساء فقالت : يا سيدي تعلم الغيب؟ قال : لا قالت : فنزل إليك الوحى؟ قال : لا ، قالت : فمن أين لك علم مالا يعلمه إلا الله وهي؟ فقال : وأنا أيضا أعلمه من علم الله ، قال : فلما رجعت ام جعفر قلت : يا سيدي وماكان إكبار النسوة؟ قال هو ماحصل لام الفضل من الحيض (١)

____________________

(١) قال الفيروز آبادى : أكبر الصبى : تغوط ، والمرأة حاضت ، والرجل امذى وأمنى ، وقال بعضهم : ليس ذلك بالمعروف في اللغة والصحيح انه وارد في اشعار العرب.

أقول : هذه المعانى المذكورة من الكنايات فان كبر الصبى بما هو صبى بأن يروح نفسه ويتغوط ، وكبر المراة بانطلاق حيضها ، وكبر الرجل باحتلامه وهو الامناء والامذاء ثم بعد ما فشا اللفظ وكثر استعماله في هذه المعانى صار من المجاز المشتهر.

٨٤

٥

* ( باب ) *

* ( فضائله ، ومكارم اخلاقه ، وجوامع احواله عليه‌السلام ) *

* ( واحوال خلفاء الجور في زمانه واصحابه ) *

* ( وما جرى بينه وبينهم ) *

١ ـ ختص : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : لمامات أبوالحسن الرضا عليه‌السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه‌السلام وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر عليه‌السلام فدخل عمه عبدالله بن موسى (١) وكان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة ، فجلس وخرج أبوجعفر عليه‌السلام من الحجرة ، وعليه قميص قصب ، ورداء قصب ، ونعل حذو (٢) بيضاء.

فقام عبدالله واستقبله وقبل بين عينيه وقامت الشيعة وقعد أبوجعفر عليه‌السلام على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض تحيرا لصغر سنه.

فانتدب رجل من القول فقال لعمه : أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ فقال : تقطع يمينه ويضرب الحد ، فغضب أبوجعفر عليه‌السلام ثم نظر إليه فقال : يا عم اتق الله اتق الله إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عزوجل فيقول لك : لم أفتيت الناس بما لاتعلم؟ فقال له عمه : يا سيدي أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟

____________________

(١) كان من اصحاب الرضا والجواد عليهما‌السلام ، وهوصاحب الكتاب إلى ابن ابى داود حين كتب اليه في خلق القرآن ، قال ابونصر البخارى : انه ولد موسى بن عبدالله ابن موسى بن جعفر ، ما اعقب الامنه ، فجميع اولاد عبدالله بن موسى من موسى بن عبدالله (٢) في المصدر : نعل جدد.

٨٥

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : إنما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها فقال : أبي تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزناء فان حرمة الميتة كحرمة الحية ، فقال : صدقت يا سيدي وأنا أستغفرالله (١)

فتعجب الناس فقالوا : يا سيدنا أتأذن لنا أن نسألك؟ فقال : نعم ، فسألوا في مجلس عن ثلاثين ألف (٢) مسألة فأجابهم فيها وله تسع سنين (٣).

٢ ـ كا : محمد بن يحيى ومحمد بن أحمد ، عن السياري ، عن أحمد بن زكريا الصيد لاني ، عن رجل من بني حنيفة من أهل بست وسجستان (٤) قال : رافقت أبا جعفر في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم ، فقلت له وأنا معه على المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان : إن والينا جعلت فداك رجل يتولا كم أهل البيت ويحبكم وعلي في ديوانه خراج ، فان رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالاحسان إلي ، فقال لا أعرفه ، فقلت : جعلت فداك إنه على ماقلت من محبيكم أهل البيت وكتابك ينفعني عنده فأخذ القرطاس فكتب :

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فان موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا وإن مالك من عملك ما أحسنت فيه ، فأحسن إلى إخوانك واعلم أن الله عزوجل سائلك عن مثاقيل الذر والخردل.

قال : فلما وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبدالله النيسابوري وهو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة فدفعت إليه الكتاب فقبله ووضعه على عينيه ، وقال لي : حاجتك؟ فقلت : خراج علي في ديوانك قال : فأمر بطرحه عني

____________________

(١) سيجئ تفصيل ذلك تحت الرقم ٥ عن المناقب.

(٢) سيأتى من المصنف رحمه‌الله بيان وتوجيه لذلك تحت الرقم ٦.

(٣) الاختصاص : ص ١٠٢.

(٤) بست ـ بالضم ـ بلد بسجستان ، وسجستان معرب سكستان ( سكزاستان ) و « سكز » قوم من الاعاجم كانوا يسكنون هذه البلاد وجبالها ، والنسبة اليها سجزى على الاصل « سكزى » لا غير واما الاعاجم فيقولون اليوم سيستان وسيستانى.

٨٦

وقال : لا تؤد خراجا مادام لي عمل ، ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم ، فأمر لي ولهم بمايقوتنا وفضلا ، فما أديت في عمله خراجا مادام حيا ، ولا قطع عني صلته حتى مات (١)

٣ ـ يج : روي عن محمد بن الوليد الكرماني قال : أتيت أبا جعفر ابن الرضا عليهما‌السلام فوجدت بالباب الذي في الفناء قوما كثيرا فعدلت إلى سافر فجلست إليه حتى زالت الشمس ، فقمنا للصلاة فلما صلينا الظهر وجدت حسا من ورائي فالتفت فاذا أبوجعفر عليه‌السلام فسرت إليه حتى قبلت كفه ، ثم جلس وسأل عن مقدمي ثم قال : سلم فقلت جعلت فداك قد سلمت فأعاد القول ثلاث مرات : « سلم! » فتدار كتها وقلت : سلمت ورضيت يا ابن رسول الله فأجلى الله عما كان في قلبي حتى لوجهدت ورمت لنفسي أن أعود إلى الشك ما وصلت إليه فعدت من الغد باكرا فارتفعت عن الباب الاول وصرت قبل الخيل وما وراي أحد أعلمه ، وأنا أتوقع أن آخذ السبيل إلى الارشاد إليه ، فلم أجد أحدا أخذ حتى اشتد الحر والجوع جدا ، ختى جعلت أشرب الماء اطفئ به حرما أجد من الجوع والجوى ، فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا عليه طعام وألوان ، وغلام آخر عليه طست وإبريق ، حتى وضع بين يدي وقالا أمرك أن تأكل فأكلت.

فلما فرغت أقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس وبالا كل ، فأكلت ، فنظر إلى الغلام فقال : كل معه ينشط! حتى إذا فرغت ورفع الخوان ، وذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان ، من فتات الطعام ، فقال : مه ومه ما كان في الصحراء فدعه ، ولو فخذشاة ، وماكان في البيت فالقطه ثم قال : سل! قلت : جعلني الله فداك ما تقول في المسك؟

____________________

(١) الكافى ج ٥ ص ١١١ و ١١٢.

٨٧

فقال : إن أبي أمر أن يعمل له مسك في فارة (١) فكتب إليه الفضل يخبره أن الناس يعيبون ذلك عليه فكتب يا فضل أما علمت أن يوسف كان يلبس ديباجا مزرورا بالذهب (٢) ويجلس على كراسي الذهب فلم ينتقص من حكمته شيئا وكذلك سليمان ثم أمرأن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم (٣) ثم قلت : ما لمواليكم في موالاتكم؟ فقال : إن أبا عبدالله عليه‌السلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد فبينما هو جالس ومعه بغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان ، فقال له رجل من الرفقة : هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك و أكون له مملو كان وأجعل لك مالي كله؟ فاني كثير المال من جميع الصنوف اذهب فاقبضه ، وأنا اقيم معه مكانك فقال : أسأله ذلك.

فدخل على أبي عبدالله فقال : جعلت فداك تعرف خدمتي وطول صحبتي فان ساق الله إلى خيرا تمنعنيه؟ قال : اعطيك من عندي وأمنعك من غيري فحكى له قول الرجل فقال : إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا قبلناه وأرسلناك فلما ولى عنه دعاه ، فقال له : أنصحك لطول الصحبة ، ولك الخيار ، فاذا كان يوم القيامة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعلقا بنور الله ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام متعلقا برسول الله ، وكان الائمة متعلقين بأمير المؤمنين وكان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون مدخلنا ، ويردون موردنا.

فقال الغلام : بل اقيم في خدمتك واؤثر الاخرة على الدنيا وخرج الغلام إلى الرجل فقال له الرجل : خرجت إلى بغير الوجه الذي دخلت به ، فحكى له قوله

____________________

(١) الفأرة : نافجة المسك ، وفى بعض النسخ : في قارورة ، وفي نسخة الكافى « في بان » والبان : شجر سبط لقوام لين ورقه كورق الصفصاف ، ولحب ثمره دهن طيب.

(٢) المزرور : المشدود بالازرار ، فالمراد أن أزراره كانت من الذهب ، وفى نسخة الكافى مزردة من الزرد بمعنى السرد والحياكة.

(٣) روى هذه القطعة من الحديث الكلينى رحمه‌الله في الكافى ج ٦ ص ٥١٧ و ٥١٧ وسنده : عدة من أصحابنا ، عن سهل ، عن أبى القاسم الكوفى عمن حدثه ، عن محمد بن الوليد الكرمانى

٨٨

وأدخله على أبي عبدالله عليه‌السلام فقبل ولاءه وأمر للغلام بألف دينار ثم قام إليه فودعه وسأله أن يدعوله ففعل.

فقلت : ياسيدي لولا عيال بمكة وولدي سرني أن اطيل المقام بهذا الباب فأذن لي وقال لي : توافق غما ثم وضعت بين يديه حقا كان له فأمرني أن أحملها فتأبيت وظننت أن ذلك موجدة ، فضحك إلي وقال : خذها إليك فانك توافق حاجة ، فجئت وقد ذهبت نفقتنا شطرمنها فاحتجت إليه ساعة قدمت مكة.

٤ ـ عم (١) شا : لما توجه أبوجعفر عليه‌السلام من بغداد منصرفا من عند المأمون ومعه ام الفضل قاصدا بها إلى المدينة صار إلى شارع باب الكوفة ، ومعه الناس يشيعونه ، فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس نزل ودخل المسجد وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد ، فدعا بكوز من الماء فتوضأ في أصل النبقة (٢) فصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الاولى منها الحمد ، وإذا جآء نصرالله ، وقرأ في الثانية الحمد وقل هو الله أحد ، وقنت قبل ركوعه فيها ، وصلى الثالثة وتشهد ثم جلس هنيئة يذكر الله جل اسمه وقام من غيرأن يعقب وصلى النوافل أربع ركعات وعقب بعدها ، وسجد سجدتي الشكر ثم خرج.

فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملا حسنا فتعجبوا من ذلك وأكلوا منها فوجدوه نبقا حلوا لا عجم له ، وود عوه ومضى عليه‌السلام من وقته إلى المدينة فلم يزل بها إلى أن أشخصه المعتصم في أول سنة خمس وعشرين ومائتين إلى بغداد وأقام بها حتى توفي عليه‌السلام في آخر ذي القعدة ، من هذه السنة ، فدفن في ظهر جده أبي الحسن موسى عليهما‌السلام (٣).

١ ـ قب : الجلاو الشفا في خبر أنه لما مضى الرضا عليه‌السلام جآء محمد بن جمهور

____________________

(١) اعلام الورى ص ٣٣٨

(٢) قد مر تفسير النبقة في ص ٥٧ من هذا المجلد فراجع.

(٣) الارشاد ص ٣٠٤.

٨٩

العمي والحسن بن راشد وعلي بن مدرك وعلي بن مهزيار وخلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة ، وسألوا عن الخلف بعد الرضا عليه‌السلام فقالوا : بصريا ـ وهي قرية أسسها موسى بن جعفر عليه‌السلام على ثلاثة أميال من المدينة ـ فجئنا ودخلنا القصر فاذا الناس فيه متكابسون (١) فجلسنا معهم إذ خرج علينا عبدالله بن موسى شيخ فقال الناس : هذا صاحبنا؟! فقال الفقهاء : قد رويناعن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أنه لا تجتمع الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام فليس هذا صاحبنا فجآء حتى جلس في صدر المجلس.

فقال رجل : ما تقول أعزك الله في رجل أتى حمارة فقال : تقطع يده ويضرب الحد وينفى من الارض سنة ، ثم قام إليه آخر فقال : ما تقول آجلك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السمآء؟ قال : بانت منه بصدر الجوزاء والنسر الطائر والنسر الواقع (٢).

فتحيرنا في جرأته على الخطاء إذا خرج علينا أبوجعفر عليه‌السلام وهوابن ثمان

____________________

(١) تكابس الرجل : اذا أدخل رأسه في حبيب قميصه. وعلى الشئ : تقحم عليه.

(٢) صدر الجوزاء : ثلاثة كواكب. ويقال رأس الجوزاء كما في حديث غيره و كذلك النسر الطائر ، والنسر الواقع ثلاثة كواكب ، ومعنى كلامه أن الطلاق يقع ثلاثا لا أزيد.

وأما الجوزاء فهى نجم على صورة معه رجل منطقة وسيف يداها الواقعتان فوق المنطقة وهى ثلاثة كواكب : كوكبان مضيئان واليسرى أضوء ورجلاه الواقعتان تحت المنطقة كوكبان مضيئان واليسرى أضوء وما بين يديه من جانب الفوق ثلاثة كواكب صغار متصلة متلاصقه وهى رأس الجوزاء.

وقال بعضهم : ترى أوائل الليل في الشتاء ـ اذا استقبلت القبلة صورة من الكواكب جالبة للنظر جدا كمربع مستطيل ضلعه الاطول نحو سبعة أو ثمانية أذرع من الشمال إلى الجنوب ، وعرضه نحو ذراعين أوأكثر من اليمين إلى اليسار وعلى زواياه الاربع أربعة كواكب مضيئة ، وفى مركزه ثلاثة كواكب متصلة موربة ، وتسمى برأس الجوزاء ، وقد يقال لهذه الصورة الجبار.

٩٠

سنين ، فقمنا إليه فسلم على الناس ، وقام عبدالله بن موسى من مجلسه فجلس بين يديه وجلس أبوجعفر عليه‌السلام في صدر المجلس ، ثم قال : سلوا رحمكم الله.

فقام إليه الرجل الاول وقال : ماتقول أصلحك الله في رجل أتى حمارة قال : يضرب دون الحد ويغرم ثمنها ويحرم ظهرها ونتاجها وتخرج إلى البرية.

حتى تأتي عليها منيتها سبع أكلها ذئب أكلها ثم قال بعد كلام : يا هذا ذاك الرجل ينبش عن ميتة يسرق كفنها ، ويفجربها ، ويوجب عليه القطع بالسرق والحد بالزناء والنفي إذا كان عزبا ، فلو كان محصنا لوجب عليه القتل والرجم.

فقال الرجل الثاني : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟ قال : تقرأ القرآن؟ قال ، نعم ، قال اقرء سورة الطلاق إلى قوله « وأقيموالشهادة لله » (١) يا هذا لا طلاق إلا بخمس : شهادة شاهدين عدلين ، في طهر ، من غير جماع ، بارادة عزم ، ثم قال بعد كلام : يا هذا هل ترى في القرآن عدد نجوم السمآء؟ قال : لا ، الخبر.

وقد روى عنه المصنفون نحو أبي بكر أحمد بن ثابت في تاريخه وأبي إسحاق الثعلبي في تفسيره ومحمد بن مندة بن مهربذ في كتابه (٢)

٦ ـ كشف : قال محمد بن طلحة : إن أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام لما توفي والده علي الرضا عليه‌السلام وقدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتفق أنه خرج إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه ، والصبيان يلعبون ، ومحمد واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشرسنة فما حولها.

فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاريبن ، ووقف أبوجعفر محمد عليه‌السلام فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه وكان الله عزو علا قد ألقى عليه مسحة من قبول ، فوقف الخليفة وقال له : يا غلام مامنعك من الانصراف مع الصبيان؟ فقال له محمد مسرعا : يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لا وسعه عليك بذهابي ، ولم يكن

____________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٨٢ ـ ٣٨٤

٩١

لي جريمة فأخشاها ، وظني بك حسن إنك لا تضر من لاذنب له فوقفت.

فأعجبه كلامه ووجهه ، فقال له : ما اسمك؟ قال محمد ، قال : ابن من أنت؟ قال : يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا عليه‌السلام فترحم على أبيه وساق جواده إلى وجهته و كان معه بزاة.

فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب فأخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه ، فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة وأبوجعفر لم ينصرف ، ووقف كما وقف أولا (١)

فلما دنامنه الخليفة قال : يامحمد قال : لبيك يا أميرالمؤمنين قال : ما في يدي؟ فألهمه الله عزوجل أن قال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل النبوة.

فلما سمع المأمون كلامه عجب منه ، وجعل يطيل نظره إليه ، وقال : أنت ابن الرضا حقا ، وضاعف إحسانه إليه (٢)

قال علي بن عيسى : إني رأيت في كتاب لم يحضرني الان اسمه أن البزاة عادت في أرجلها حيات خضرو أنه سئل بعض الائمة عليهم‌السلام فقال قبل أن يفصح عن السؤال : إن بين السمآء والارض حيات خضراء تصيدها بزاة شهب ، يمتحن بها

____________________

(١) هذا بعيد غايته ، فانه عليه‌السلام قام بأمر الامامة وله ثمان سنين ولم يكن أن يلعب مع الصبيان ، ولا أن يطلع على لعبهم ولهوهم ، مقيما على ذلك فان الامام لا يلهو ولا يلعب على أنه كان مقيما بمدينة جده الرسول إلى أن أشخصه المأمون إلى بغداد كمامر وسيأتى لا أنه ببغداد.

(٢) كشف الغمة ج ٤ ص ١٨٧ و ١٨٨.

٩٢

أولاد الا نبيآء وما هذا معناه والله أعلم (١).

وقال الحميري في كتاب الدلائل : روي عن دعبل بن علي أنه دخل على الرضا عليه‌السلام فأمر له بشئ فأخذه ولم يحمدالله فقال له : لم لم تحمدالله؟ قال ثم دخلت بعده على أبي جعفر عليه‌السلام فأمرلي بشئ فقلت : الحمدلله فقال : تأدبت.

وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه قال : استأذن على أبي جعفر عليه‌السلام قوم من أهل النواحي فأذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب وله عشر سنين (٢)

قب : عن إبراهيم بن هاشم مثله (٣)

كا : علي مثله (٤).

بيان : قوله : عن ثلاثين ألف مسألة أقول : يشكل هذا بأنه لو كان السؤال و الجواب عن كل مسألة بيتا واحدا أعني خمسين حرفا لكان أكثر من ثلاث ختمات للقرآن فكيف يمكن ذلك في مجلس واحد ، ولو قيل : جوابه عليه‌السلام كان في الاكثر بلا ونعم ، أو بالا عجاز في أسرع زمان ، ففي السؤال لا يمكن ذلك ، ويمكن الجواب بوجوه :

الاول أن الكلام محمول على المبالغة في كثرة الاسولة والاجوبة ، فان عد مثل ذلك مستبعد جدا.

الثاني يمكن أن يكون في خواطر القوم أسولة كثيرة متفقة فلما أجاب عليه‌السلام عن واحد فقد أجاب عن الجميع.

الثالث أن يكون إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة على الاحكام الكثيرة ، وهذا وجه قريب.

____________________

(١) المصدرص ١٨٩.

(٢) المصدرص ٢١٧

(٣) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٨٤.

(٤) الكافى ج ١ ص ٤٩٦.

٩٣

الرابع أن يكون المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية أو مكان واحد كمنى وإن كان في أيام متعددة.

الخامس أن يكون مبنيا على بسط الزمان الذي تقول به الصوفية لكنه ظاهرا من قبيل الخرافات.

السادس أن يكون إعجازه عليه‌السلام أثر في سرعة كلام القوم أيضا أو كان يجيبهم بما يعلم من ضمائرهم قبل سؤالهم.

السابع ما قيل : إن المراد السؤال بعرض المكتوبات والطومارات فوقع الجواب بخرق العادة.

٧ ـ كش : محمد بن مسعود ، عن المحمودي (١) [ قال : حدثني أبي ] (٢) أنه دخل على ابن أبي دواد (٣) وهو في مجلسه وحوله أصحابه ، فقال لهم ابن أبي دواد : يا هؤلاء ما تقولون في شئ قاله الخليفة البارحة ، فقالوا : وما ذلك؟ قال : قال الخليفة : ما ترى الفلانية تصنع إن أخرجنا إليهم أبا جعفر سكران ينشي مضمخا بالخلوق؟ قالوا : إذن تبطل حجتهم وتبطل مقالتهم ، قلت : إن الفلانية يخالطوني كثيرا ويفضون إلي بسر مقالتهم وليس يلزمهم هذا الذي يجري.

____________________

(١) المحمودى هو أبوعلى محمد بن أحمد بن حماد المروزى من أصحاب أبى جعفر والهادى والعسكرى عليهم‌السلام ، توفى أبوه أبوالعباس أحمد بن حماد في زمن الهادى عليه‌السلام فكتب عليه‌السلام بعد وفاة أبيه « قد مضى أبوك رضى الله عنه وعنك ، وهو عندناعلى حالة محمودة ، ولن تبعد من تلك الحال » فلقب بالمحمودى.

(٢) الظاهر سقوط هذه الجملة التى جعلناها بين العلامتين ، فان الخبر مروى في الكشى تحت عنوانه لاحمد بن حماد المروزى راجع قاموس الرجال ج ١ ص ٣٠٢.

(٣) في النسخ في كل المواضع « ابن أبى داود » والصحيح ما في الصلب كمامر ترجمته في ص ٥ من هذا المجلد فراجع ، وكذا ضبطه صحيحاءابن أبى دواد « في نسخة الكشى المطبوعة جديدا بالنجف الاشرف.

٩٤

قال : ومن أين قلت؟ قلت : إنهم يقولون : لابد في كل زمان وعلى كل حال لله في أرضه من حجة يقطع العذر بينه وبين خلقه ، قلت : فان كان في زمان الحجة من هو مثله أو فوقه في الشرف والنسب كان أدل الدلائل على الحجة قصد السلطان له من بين أهله ونوعه قال : فعرض ابن أبي دواد هذا الكلام على الخليفة فقال : ليس في هؤلاء اليوم حيلة لا تؤذوا أبا جعفر (١) بيان : الفلانية الامامية والرافضة ، وحاصل جواب المحمودي أن الامامية يقولون بأنه لابد في كل زمان من حجة وكلما تعرض السلطان ليضيع قدرمن هو بتلك المرتبة كان لهم أدل دليل على أنه الحجة ، حيث يتعرض السلطان له دون غيره.

٨ ـ يب : أحمد بن محمد ، عن أبي إسحاق إبراهيم ، عن أبي أحمد إسحاق بن إسماعيل ، عن العباس بن أبي العباس ، عن عبدوس بن أبراهيم قال : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام قد خرج من الحمام وهو من قرنه إلى قدمه مثل الورد من أثر الحناء

٩ ـ مهج : علي بن عبدالصمد ، عن محمد بن أبي الحسن عم والده ، عن جعفر ابن محمد الدوريستي ، عن والده ، عن الصدوق محمد بن بابويه وأخبرني جدي عن والده ، عن جماعة من أصحابنا منهم السيد أبوالبركات وعلي بن محمد المعاذي و محمدبن علي العمري ومحمد بن إبراهيم بن عبدالله المدائني جميعا ، عن الصدوق ، عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن جده ، عن أبي نصر الهمداني قال : حدثتني حكيمة بنت محمدبن علي بن موسى بن جعفر عمة أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام قالت : لما مات محمدبن علي الر ضا عليهما‌السلام أتيت زوجته ام عيسى بنت المأمون فعزيتها ووجدتها شديد الحزن والجزع عليه ، تقتل نفسها بالبكاء والعويل ، فخفت عليها أن تتصدع مرارتها.

فبينما نحن في حديثه وكرمه ، ووصف خلقه ، وما خلقه ، وما أعطاه الله تعالى من الشرف

____________________

(١) رجال الكشى ص ٤٦٩.

٩٥

والاخلاص ومنحه من العز والكرامة ، إذ قالت ام عيسى ألا اخبرك عنه بشئ عجيب وأمر جليل ، فوق الوصف والمقدار؟ قلت : وما ذاك؟ قالت : كنت أغار عليه كثيرا وا راقبه أبدا وربما يسمعني الكلام فأشكو ذلك إلى فيقول : يابنية احتمليه فانه بضعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت على جارية فسلمت علي فقلت : من أنت؟ فقالت : أناجارية من ولد عمار بن ياسر وأنا زوجة أبي جعفر محمد بن علي الرضا زوجك! فدخلني من الغيرة مالا أقدر على احتمال ذلك ، وهممت أن أخرج وأسيح في البلاد ، وكاد الشيطان يحملني على الاساءة إليها فكظمت غيظي وأحسنت رفدها وكسوتها.

فلما خرجت من عندي المرأة ، نهضت ودخلت على أبي ، وأخبرته بالخبر وكان سكران لا يعقل فقال : يا غلام على بالسيف فاتي به ، فركب وقال : والله لا قتلنه فلما رأيت ذلك قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماصنعت بنفسي وبزوجي وجعلت ألطم حر وجهي (١) فدخل عليه والدي ومازال يضربه بالسيف ، حتى قطعه ثم خرج من عنده ، وخرجت هاربة من خلفه ، فلم أرقد ليلتي.

فلما ارتفع النهار أتيت أبي فقلت : أتدري ما صنعت البارحة؟ قال : وما صنعت؟ قلت : قتلت ابن الرضا ابن الرضا! فبرق عينه وغشي عليه.

ثم أفاق بعد حين ، وقال : ويلك ما تقولين؟ قلت : نعم والله يا أبت دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته ، فاضطرب من ذلك اضطر ايا شديدا وقال : علي بياسر الخادم ، فجاء ياسر ، فنظر إليه المأمون وقال : ويلك ما هذا الذي تقول هذه ابنتي؟ قال : صدقت يا أمير المؤمنين فضرب بيده على صدره وخده ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون هلكنا بالله وعطبنا ، وافتضحنا إلى آخر الابد ، ويلك ياياسر فانظر ما الخبر والقصة عنه؟ وعجل علي بالخبرفان نفسي تكاد أن تخرج الساعة.

____________________

(١) حر الوجه ـ بضم الحاء ـ ما بدا من الوجنة ، يقال : لطم حروجهه وقال الشاعر :

جلا الحزن عن حرالوجوه فأسفرت

وكانت عليها هبوة لا تبلج.

٩٦

فخرج ياسر وأنا ألطم حروجهي فما كان بأسرع من أن رجع ياسر فقال : البشرى يا أمير المؤمنين قال : لك البشرى فما عندك؟ قال ياسر : دخلت عليه فاذا هو جالس وعليه قميص ودواج وهو يستاك فسلمت على وقلت : يا ابن رسول الله احب أن تهب لي قميصك هذا اصلي فيه وأتبرك به ، وإنما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السيف ، فوالله كأنه العاج الذي مسه صفرة ، مابه أثر.

فبكى المأمون طويلا وقال : مابقى مع هذا شي إن هذا لعبرة للاولين والاخرين وقال : ياياسر أما ركوبي إليه وأخذي السيف ودخولي عليه فاني ذاكر له ، وخروجى عنه فلا أذكر شيئا غيره ولا أذكر أيضا انصرافي إلى مجلسي ، فكيف كان أمري وذهابي إليه لعنة الله على هذه الابنة لعناوبيلا ، تقدم إليها وقال لها يقول لك أبوك : والله لئن جئتني بعد هذا اليوم وشكوت منه أو خرجت بغير إذنه لا تتقمن له منك ثم سر إلى ابن الرضا وأبلغه عني السلام واحمل إليه عشرين ألف دينار وقدم إليه الشهري الذي ركبته البارحة ، ثم أمر بعد ذلك الهاشميين أن يدخلوا عليه بالسلام ويسلموا عليه.

قال ياسر : فأمرت لهم بذلك ودخلت أنا أيضا معهم وسلمت عليه وأبلغت التسليم ووضعت المال بين يديه ، وعرضت الشهري عليه فنظر إليه ساعة ثم تبسم فقال : ياياسر هكذا كان العهد بينه وبين أبي وبينى وبينه ، حتى يهجم علي بالسيف؟! أما علم أن لي ناصرا وحاجزا يحجز بيني وبينه؟.

فقلت : يا سيدي يا ابن رسول الله دع عنك هذا العتاب ، فوالله وحق جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان يعقل شيئا من أمره ، وماعلم أين هومن أرض الله وقد نذر لله نذرا صادقا ، وحلف أن لايسكر بعد ذلك أبدا فان ذلك من حبائل الشيطان ، فاذا أنت يا ابن رسول الله أتيته فلا تذكرله شيئا ولا تعاتبه على ماكان منه فقال عليه‌السلام : هكذا كان عزمي ورأيي والله ثم دعا بثيابه ولبس ونهض ، وقام معه الناس أجمعون حتى دخل على المأمون.

فلما رآه قام إليه وضمه إلى صدره ، ورحب به ولم يأذن لا حد في الدخول

٩٧

عليه ، ولم يزل يحدثه ويسامره ، فلما انقضى ذلك قال له أبوجعفر محمد بن علي الرضا عليهما‌السلام : يا أميرالمؤمنين قال : لبيك وسعديك ، قال : لك عندي نصيحة فاقبلها قال المأمون : بالحمد والشكر [ ثم ] قال : فما ذاك يا ابن رسول الله؟ قال : احب أن لا تخرج بالليل فاني لا آمن عليك هذا الخلق المنكوس وعندي عقد تحصن به نفسك وتحترزبه عن الشرور والبلايا والمكاره ، والافات والعاهات ، كما أنقذني الله منك البارحة ، ولو لقيت به جيوش الروم والترك ، واجتمع عليك وعلى غلبتك أهل الارض جميعا ما تهيألهم منك شئ باذن الله الجبار ، وإن أحببت وبعثت به إليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك ، قال : نعم ، فاكتب ذلك بخطك وابعثه إلى قال عليه‌السلام : نعم.

قال ياسر : فلما أصبح أبوجعفر عليه‌السلام بعث إلي فدعاني فلما سرت إليه وجلست بين يديه دعا برق ظبي تهامة ثم كتب بخطه هذا العقد ، ثم قال : يا ياسر احمل هذا إلى أمير المؤمنين! وقل حتى يصاغ له قصبة من فضة منقوش عليه ما أذكره بعد فاذا أراد شده على عضده فليشده على عضد الايمن ، وليتوضأ وضوءا حسنا سابغا وليصل أربع ركعات يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب وسبع مرات آية الكرسي وسبع مرات شهد الله وسبع مرات والشمس وضحيها وسبع مرات والليل إذا يغشى ، وسبع مرات قال هوالله أحد فاذا فرغ منها فليشده على عضده الايمن ، عند الشدائد والنوائب بحول الله وقوته وكل شئ يخافه ويحذره ، وينبغي أن لايكون طلوع القمر في برج العقرب ولو أنه غزا أهل الروم وملكهم لغلبهم باذن الله وبركة هذا الحرز إلى آخرما أوردته في كتاب الدعاء (١)

١٠ ـ عيون المعجزات : صفوان ، عن أبي نصر المهداني عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي وكانت من الصالحات قالت : لما قبض أبوجعفر عليه‌السلام أتيت ام الفضل بنت المأمون أو قالت : ام عيسى بنت المأمون فعزيتها فوجدتها شديدة

____________________

(١) مهج الدعوات ص ٤٤ ـ ٤٨.

٩٨

الحزن إلى آخر مامر.

١١ ـ قب : صفوان بن يحيى قال : حدثني أبوالهمداني وإسماعيل بن مهران وخيران الاسباطى عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي ، عن حكيمة بنت موسى بن عبدالله ، عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى التقي عليهم‌السلام وساق الحديث نحوه إلى قوله :

فقال ياسر : ما شعر والله فدع عنه عتابك ، فانه لن يسكر أبدا ثم ركب حتى أتى إلى والدي فرحب به والدي وضمه إلى نفسه ، وقال : إن كنت وجدت علي فاعف عني واصفح فقال : ما وجدت شيئا وما كان إلا خيرا فقال المأمون : لا تقربن إليه بخراج الشرق والغرب ، ولا هلكن أعداءه كفارة لما صدر مني ثم أذن للناس ودعا بالمائدة (١)

بيان : « حر الوجه » ما بدا من الوجنة « وبرق عينه » أي تحير فلم يطرف « والدواج » كرمان ، وغراب : اللحاف الذي يلبس.

١٢ ـ عيون المعجزات : لما قبض الرضا عليه‌السلام كان سن أبي جعفر عليه‌السلام نحو سبع سنين ، فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد وفي الامصار ، واجتمع الريان بن الصلت ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبدالرحمان بن الحجاج ويونس ابن عبدالرحمان ، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبدالرحمان بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجعون من المصيبة ، فقال لهم يونس بن عبدالرحمان : دعوا البكاء! من لهذا الامر وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر عليه‌السلام.

فقام إليه الريان بن الصلت ، ووضع يده في حلقه ، ولم يزل يلطمه ، ويقول له : أنت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك والشرك ، إن كان أمره من الله جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقة ، وإن لم يكن من عندالله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس ، هذا مما ينبغي أن يفكر فيه. فأقبلت العصابة

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٩٤ و ٣٩٥.

٩٩

عليه تعذله وتوبخه.

وكان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد والامصار وعلمائهم ثمانون رجلا فخرجوا إلى الحج وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر عليه‌السلام فلما وافوا أتوا دار جعفر الصادق عليه‌السلام لانها كانت فارغة ، ودخلوها وجلسوا على بساط كبير ، وخرج إليهم عبدالله بن موسى ، فجلس في صدر المجلس وقام مناد وقال : هذا ابن رسول الله فمن أراد السؤال فليسأله فسئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب فورد على الشيعة ما حيرهم وغمهم ، واضطربت الفقهاء ، وقاموا وهموا بالا نصراف ، وقالوا في أنفسهم : لو كان أبوجعفر عليه‌السلام يكمل لجواب المسائل لما كان من عبدالله ما كان ، ومن الجواب بغير الواجب.

ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال : هذا أبوجعفر! فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلموا عليه فدخل صلوات الله عليه وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وجلس وأمسك الناس كلهم ، فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائلة فأجاب عنها بالحق ففرحوا ودعواله وأثنوا عليه وقالوا له : إن عمك عبدالله أفتى بكيت وكيت ، فقال : لا إله إلا الله يا عم إنه عظيم عندالله أن تقف غدا بين يديه فيقول لك : لم تفتي عبادي بمالم تعلم ، وفي الامة من هو أعلم منك.

وروي عن عمر بن فرج الرخجي (١) قال : قلت لابي جعفر : إن شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه؟ وكنا على شاطئ دجلة فقال عليه‌السلام لي : يقدر الله تعالى أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟ قلت : نعم ، يقدر ، فقال :

____________________

(١) قال أبوالفرج الاصبهانى في مقاتل الطالبيين : ص ٣٩٦ ( ط ـ النجف الاخيرة ) : استعمل المتوكل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجى ، فمنع آل أبى طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع الناس من البربهم ، وكان يبلغه أن أحدا أبر أحدا منهم بشئ وان قل الا أنهكه عقوبة واثقله غرما.

حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عوارى حواسر ، الخ.

١٠٠