بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قال : رجل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله له صلاح وورع ، قلت له : ولا يجوز أن يدخل معه الحمام غيره؟ قال : نخلي له الحمام إذا جاء قال : فبينا أنا كذلك إذ أقبل عليه‌السلام ومعه غلمان له ، وبين يديه غلام ، ومعه حصير حتى أدخله المسلخ ، فبسطه ووافى وسلم ودخل الحجرة على حماره ، ودخل المسلخ ، ونزل على الحصير.

فقلت للطلحي : هذا الذي وصفته بما وصفت من الصلاح والورع؟ فقال : يا هذا والله ما فعل هذا قط إلا في هذا لا اليوم ، فقلت في نفسي : هذا من عملي أنا جنيته ثم قلت : أنتظره حتى يخرج فلعلي أنال ما أردت إذا خر ج ، فلما خرج وتلبس دعا بالحمار وأدخل المسلخ ، وركب من فوق الحصير وخرج عليه‌السلام فقلت في نفسي : قد والله آذيته ولا أعود أروم ما رمت منه أبدا وصح عزمي على ذلك ، فلما كان وقت الزوال من ذلك اليوم أقبل على حماره حتى نزل في الموضع الذى كان ينزل فيه في الصحن ، فدخل فسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجاء إلى الموضع الذى كان يصلي فيه في بيت فاطمة عليها‌السلام وخلع نعليه وقام يصلي (١).

بيان : كأن المراد بالصحن الفضاء عند باب المسجد قوله « فوسوس » إنما نسب ذلك إلى الشيطان لما علم بعد ذلك أنه عليه‌السلام لم يرض به إما للتقية أو لانه ليس من المندوبات ، أو لا ظهار حاله والاول أظهر « ولا يجوز » على المجرد أو التفعيل « هذا الذي وصفته » استفهام تعجبي وغرضه أن مجيئه راكبا إلى الحصير من علامات التكبر وهو ينافي « أنا جنيته » أي جررته إليه والضمير راجع إلى هذا في القاموس جنى الذنب عليه جره إليه (٢)

٣٧ ـ قب : (٣) محمد بن الريان قال : احتان المأمون على أبي جعفر عليه‌السلام بكل حيلة فلم يمكنه فيه شئ فلما [ اعتل و ] أراد أن يبني ابنته دفع إلي مائة وصيفة من أجمل مايكن إلى كل واحدة منهن جاما فيه جوهر يستقبلون أبا جعفر

____________________

(١) اصول الكافى ج ١ ص ٤٩٣ و ٤٩٤.

(٢) القاموس ج ٤ ص ٣١٣.

(٣) في المصدر : الكلينى باسناده إلى محمد بن الريان.

٦١

عليه‌السلام إذا قعد في موضع الاختان فلم يلتفت إليهن.

وكان رجل يقال له مخارق صاحب صوت وعود وضرب ، طويل اللحية. فدعاه المأمون فقال : يا أمير المؤمنين إن كان في شئ من أمر الدنيا فأما أكفيك أمره فقعد بين يدي أبي جعفر عليه‌السلام فشهق مخارق شهقة اجتمع إليه أهل الدار ، وجعل يضرب بعوده ويغني ، فلما فعل ساعة وإذا أبوجعفر عليه‌السلام لا يلتفت إليه ولا يمينا ولا شمالا ثم رفع رأسه إليه وقال : اتق الله يا ذا العثنون! قال : فسقط المضراب من يده والعود ، فلم ينتفع بيده إلى أن مات (١).

قال : فسأله المأمون عن حاله قال : لما صاح بي أبوجعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا.

كا : علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن الريان مثله (٢) بيان : كأن احتياله لا دخاله فيما فيه من اللهو والفسوق ، بنى على أهله بناء : زفها و « العثنون » اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا أو هو طولها « والعثنون » أيضا شعيرات تحت حنك البعير.

٣٨ ـ قب : أبوهاشم الجعفري قال : صليت مع أبي جعفر عليه‌السلام في مسجد المسيب وصلى بنا في موضع القبلة سواء وذكر أن السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق فدعا بماء وتهيأ تحت السدرة فعاشت السدرة وأورقت وحملت من عامها (٣).

وقال ابن سنان : دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فقال : يا محمد حدث بآل فرج حدث؟ فقلت : مات عمر ، فقال : الحمد لله على ذلك أحصيت له أربعا وعشرين مرة ثم قال : أو لاتدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي أبي؟ قال : قلت : لا ، قال : خاطبه في شئ فقال : أظنك سكران ، فقال أبي : اللهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائما

____________________

(١) مناقب آل ابى طالب ج ٤ ص ٣٩٦ ومابعده زيادة الحقها المؤلف ـ رحمه‌الله ـ من الكافى.

(٢) اصول الكافى ج ١ ص ٤٩٤

(٣) مناقب آل ابى طالب ج ٤ ص ٣٩٦.

٦٢

فأذقه طعم الحرب وذل الاسر ، فوالله إن ذهبت الايام حتى حرب ماله ، وماكان له ، ثم أخذ أسيرا فهو ذا مات الخبر (١)

٣٩ ـ قب ، عم : روى محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب نوادر الحكمة عن موسى ابن جعفر ، عن امية بن علي قال : كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي عليه‌السلام وأبوالحسن بخراسان وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه فدعا يوما الجارية فقال : قولي لهم : يتهيأون للمأتم ، فلما تفرقوا قالوا : لا سألناه مأتم من؟ فلما كان من الغد فعل مثل ذلك ، فقالوا مأتم من؟ قال : مأتم خير من على ظهرها فأتانا خبر أبي الحسن عليه‌السلام بعد ذلك بأيام فاذا هو قد مات في ذلك اليوم (٢) وفيه عن حمدان بن سليمان ، عن أبي سعيد الارمني ، عن محمد بن عبدالله بن مهران قال : قال محمد بن الفرج : كتب إلي أبوجعفر عليه‌السلام احملوا إلي الخمس فاني لست آخذه منكم سوى عامي هذا ، فقبض عليه‌السلام في تلك السنة (٣) ٤٠ ـ كشف : من دلائل الحميري ، عن امية بن علي قال : كنت مع أبي الحسن بمكة في السنة التي حج فيها ثم صار إلى خراسان ومعه أبوجعفر وأبوالحسن يودع البيت ، فلما قضى طوافه عدل إلى المقام فصلى عنده فصار أبوجعفر عليه‌السلام على عنق موفق يطوف به ، فصار أبوجعفر إلى الحجر فجلس فيه فأطال ، فقال له موفق : قم جعلت فداك! فقال : ما اريد أن أبرح من مكاني هذا إلا أن يشاءالله واستبان في وجهه الغم.

فأتى موفق أبا الحسن عليه‌السلام فقال له : جعلت فداك! قد جلس أبوجعفر عليه‌السلام في الحجر وهو يأبى أن يقوم ، فقام أبوالحسن عليه‌السلام فأتى أبا جعفر عليه‌السلام فقال له : قم ياحبيبي! فقال : ما اريد أن أبرح من مكاني هذا ، فقال : بلى يا حبيبي ، ثم قال : كيف أقوم وقد ودعت البيت وداعا لا ترجع إليه؟ فقال : قم يا حبيبي

____________________

(١) المصدرج ٤ ص ٣٩٧.

(٢) المصدرج ٤ ص ٣٩٨.

(٣) المصدرنفسه ، والاسناد غير مذكور فيه.

٦٣

فقام معه (١)

وعن ابن بزيع العطار قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا ، قال : فنظرنا فمات عليه‌السلام بعد ثلاثين شهرا.

وعن معمربن خلاد ، عن أبي جعفر أو عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام الشك من أبي علي قال : قال أبوجعفر : يامعمرا ركب! قلت : إلى أين؟ قال : اركب كما يقال لك قال : فركبت فانتهيت إلى واد أو إلى وهدة الشك من أبي علي فقال لي : قف ههنا ، فوقفت فأتاني فقلت له : جعلت فداك أين كنت؟ قال : دفنت أبي الساعة وكان بخراسان.

قال قاسم بن عبدالرحمان : وكان زيديا قال : خرجت إلى بغداد فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون ويتشرفون ويقفون ، فقلت : ما هذا؟ فقالوا : ابن الرضا ابن الرضا ، فقلت : والله لا نظرن إليه فطلع على بغل أو بغلة ، فقلت : لعن الله أصحاب الامامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا ، فعدل إلي وقال : يا قاسم ابن عبدالرحمان « أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر » (٢) فقلت في نفسي ساحرو الله فعدل إلي فقال : « ءالقي الذكر عليه من بيننابل هو كذاب أشر » (٣) قال : فانصرفت وقلت بالامامة ، شهدت أنه حجة الله على خلقه واعتقدت (٤)

٤١ ـ كش : أحمد بن علي بن كلثوم السر خسي قال : رأيت رجلا من أصحابنا يعرف بأبي زينبة فسألني عن أحكم بن بشار المروزي ، وسألني عن قصته وعن الاثر الذي في حلقه ، وقد كنت رأيت في بعض حلقه شبه الخط كأنه أثر الذبح ، فقلت له : قد سألته مرارا فلم يخبرني.

قال : فقال : كنا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فغاب عنا أحكم من عند العصر ولم يرجع في تلك الليلة فلما كان في جوف الليل

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ٢١٥.

(٢ و ٣) القمر : ٢٤ و ٢٥.

(٤) كشف الغمة ج ٣ ص ٢١٦

٦٤

جاءنا توقيع من أبي جعفر عليه‌السلام أن صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد (١) في مزبلة كذاوكذا ، فاذهبوا وداووه بكذا وكذا ، فذهبنا فوجدناه مذبوحا مطروحا كما قال ، فحملناه وداويناه بما أمرنا به فبرأ من ذلك.

قال أحمد بن علي : كان من قصته أنه تمتع ببغداد في دار قوم فعلموا به فأخذوه وذبحوه ، وأدرجوه في لبد وطرحوه في مزبلة (٢)

قب : أبوزينبة مثله (٣)

٤٢ ـ كش : وجدت بخط جبرئيل ابن أحمد : حدثني محمد بن عبدالله بن مهران ، عن عبدالله بن عامر ، عن شاذويه بن الحسن بن داود القمي قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وبأهلي حبل ، فقلت له : جعلت فداك ادع الله أن يرزقني ولدا ذكرا فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : اذهب فان الله يرزقك غلاما ذكرا ثلاث مرات.

قال : فقدمت مكة فصرت إلى المسجد فأتى محمد بن الحسن بن صباح برسالة من جماعة من أصحابنا منهم صفوان بن يحيى ، ومحمد بن سنان وابن أبي عمير وغيرهم فأتيتهم فسألوني فخبرتهم بما قال ، فقالوا لي : فهمت عنه ذكرا وذكى (٤)؟ فقلت : ذكرا قد فهمت قال ابن سنان : أما أنت سترزق ولدا ذكرا أما إنه يموت على المكان أو يكون ميتا.

فقال أصحابنا لمحمد بن سنان : أسأت ، قد علمنا الذي علمت ، فأتى غلام في المسجد ، فقال : أدرك فقد مات أهلك فذهبت مسرعا ووجدتها على شرف الموت

____________________

(١) اللبد ـ بالكسر ـ بساط من صوف أو غيره. يجعل على ظهر الفرس تحت السرج ويعرف باللبادة.

(٢) رجال الكشى تحت الرقم ٤٦٠.

(٣) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٩٧.

(٤) في المصدر « ذكرا وزكى » بالزاى وفى بعض النسخ الذى كان عند المصنف قدس سره « ذكرا وزكر » بالراء كما في هامش نسخة الاصل.

٦٥

ثم لم تلبث أن ولدت غلاما ذكرا ميتا (١)

بيان : قوله ذكرا وذكى لعل المعنى أنه عليه‌السلام لما قال : غلاما لم يحتج إلى الوصف بالذكورة ، فقالوا : لعله كان ذكيا من التذكية بمعني الذبح كناية عن الموت.

٤٣ ـ كش : حمدويه ، عن أبي سعيد الادمي ، عن محمد بن مر زبان ، عن محمد ابن سنان ، قال : شكوت إلى الرضا عليه‌السلام وجع العين فأخذ قرطاسا فكتب إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو أقل من يدي ودفع الكتاب إلى الخادم وأمرني أن أذهب معه وقال : اكتم فأتيناه وخادم قد حمله قال : ففتح الخادم الكتاب ، بين يدي أبي جعفر عليه‌السلام قال : فجعل أبوجعفر عليه‌السلام ينظر في الكتاب ويرفع رأسه إلى السماء ويقول : ناج. ففعل ذلك مرارا فذهب كل وجع في عيني وأبصرت بصرا لا يبصره أحد فقال : قلت لا بي جعفر عليه‌السلام : جعلك الله شيخا على هذه الامة كما جعل عيسى بن مريم شيخا على بني إسرائيل ، قال : ثم قلت له : يا شبيه صاحب فطرس قال : فانصرفت وقد أمرني الرضا عليه‌السلام أن أكتم فما زلت صحيح النظر حتى أذعت ما كان من أبي جعفر عليه‌السلام في أمر عيني فعاودني الوجع قال : فقلت لمحمد بن سنان : ما غنيت بقولك « يا شبيه صاحب فطرس »؟ قال : فقال : إن الله غضب على ملك من الملائكة يدعى فطرس فدق جناحه ورومى به في جزيرة من جزائر البحر ، فلما ولد الحسين عليه‌السلام بعث الله إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليهنئه بولادة الحسين ، وكان جبرئيل صديقا لفطرس ، فمر وهو في الجزيرة مطروح فخبره بولادة الحسين عليه‌السلام وما أمر الله به ، وقال : هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي وأمضي بك إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يشفع لك؟ قال : تهنئة ربه تعالى ثم حدثه بقصة فطرس ، فقال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لفطرس : امسح جناحك

____________________

(١) رجال الكشى ص ٤٨٦.

٦٦

على مهد الحسين وتمسح به ، ففعل ذلك فطرس ، فجبرالله جناحه ورده إلى منزله مع الملائكة (١).

٤٤ ـ كش : وجدت بخط جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عبدالله بن مهران ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ومحمد بن سنان جميعا قالا : كنا بمكة وأبوالحسن الرضا عليه‌السلام بها فقلنا له : جعلنا الله فداك نحن خارجون وأنت مقيم فان رأيت أن تكتب لنا إلى أبي جعفر عليه‌السلام كتابا نلم به (٢) قال : فكتب إليه فقدمنا فقلنا للموفق : أخرجه إلينا قال : فأخرجه إلينا وهوفي صدر موفق ، فأقبل يقرؤه ويطويه ، وينظر فيه ويتبسم ، حتى أتى على آخره كذلك يطويه من أعلاه وينشره من أسفله.

قال محمد بن سنان : فلما فرع من قراءته حرك رجله وقال : ناج ناج فقال أحمد : ثم قال ابن سنان عند ذلك : فطر سية فطر سية (٣)

٤٥ ـ كش : محمد بن مسعود ، عن علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال : بعث إلي أبوجعفر عليه‌السلام غلامه ومعه كتاب فأمرني أن أسير إليه فأتيته وهو بالمدينة نازل في دار بزيع ، فدخلت وسلمت عليه ، فذكر في صفوان ومحمد ابن سنان وغيرهما مما قد سمعه غير واحد.

فقلت في نفسي : أستعطفه على زكريا بن آدم لعله أن يسلم مما في هؤلاء ثم رجعت إلى نفسي فقلت : من أنا أن أتعرض في هذا وشبهه مولاي ، هو أعلم بما يصنع فقال لي : يا أبا علي ليس على مثل أبي يحيى يعجل ، وكان من خدمته لا بي عليه‌السلام ومنزلته عنده وعندي من بعده غير أني احتجت إلى المال فلم يبعث فقلت : جعلت فداك هوباعث إليك بالمال وقال لي : إن وصلت إليه فأعلمه أن

____________________

(١) رجال الكشى ص ٤٨٧.

(٢) يقال : لم بفلان وألم : أى أتاه ونزل به وزاره زيارة غير طويلة. وفى المصدر المطبوع « فنسلم به

(٣) رجال الكشى ص ٤٨٨.

٦٧

الذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون ومسافر فقال : احمل كتابي إليه ومره أن يبعث إلي بالمال ، فحملت كتابه إلى زكريا فوجه إليه بالمال.

قال : فقال لي أبوجعفر عليه‌السلام ابتداء منه : ذهبت الشبهة ، ما لابي ولد غيري قلت : صدقت جعلت فداك (١).

ير : أحمد بن محمد ، عن أبيه مثله (٢)

٤٦ ـ كا : محمد بن يحيى ، وأحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن أحمد بن الحسين ، عن محمد بن الطيب ، عن عبدالوهاب بن منصور ، عن محمد بن أبي العلا قال : سمعت يحيى بن أكثم قاضي سامراء (٣) بعد ما جهدت به وناظرته وحاورته وراسلته وسألته عن علوم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : فبينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيت محمد بن علي الرضا يطوف به (٤) فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلي فقلت له : والله إني اريد أن أسألك مسألة واحدة وإني والله لا ستحيي من ذلك ، فقال لي : أنا اخبرك قبل أن تسألني ، تسألني عن

____________________

(١) رجال الكشى ص ٤٩٧.

(٢) بصائرالدرجات ص ٢٣٧.

(٣) هومن مشاهير علماء المخالفين ، وله مناظرات مع أبى جعفرعليه‌السلام كما سيأتى في الباب الاتى تحت الرقم ٣ و ٦ قيل : ويظهر من هذا الخبر أنه كان مؤمنا بآل محمد صلوات الله عليهم سرا. وقوله بعد ما جهدت به اى بالغت في امتحانه ، وفى القاموس : جهد بزيد : امتحنه.

(٤) ربما يستدل به على جواز الطواف بقبور النبى والائمة عليهم‌السلام وفيه نظر اذ حمله على الطواف الكامل بعيد بل الظاهر أنه عليه‌السلام كان يدور من موضع الزيارة إلى جانب الرجل ليدخل بيت فاطمة عليها‌السلام كما هو الشايع الان ، والمانع لا يمنع مثل هذا لكن ماورد في بعض الاخبار : ولا تطف بقبر » ليس بصريح في هذا المعنى اذ يحتمل ان يكون المراد بالطوف الحدث ، قال في النهاية : الطوف الحدث من الطعام ومنه الحديث : نهى عن متحدثين على طوفهما. أى عند الغائط. منه رحمه‌الله في المرآت.

٦٨

الامام ، فقلت : هو والله هذا ، فقال : أنا هو ، فقلت : علامة ، فكان في يده عصا فنطقت فقالت : إنه مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة (١)

قب : عن محمد بن أبي العلا مثله (٢)

٤٧ ـ يج : روى محمد بن إبراهيم الجعفري ، عن حكيمة بنت الرضا عليهما‌السلام قالت : لماتوفي أخي محمد ابن الرضا عليهما‌السلام صرت يوما إلى امرأته ام الفضل بسبب احتجت إليها فيه قالت : فبينما نحن نتذاكر فضل محمد وكرمه وما أعطاه من العلم والحكمة ، إذا قالت امرأته ام الفضل : يا حكيمة اخبرك عن أبي جعفر ابن الرضا عليه‌السلام باعجوبة لم يسمع أحد بمثلها ، قلت : وماذاك؟ قالت : إنه كان ربما أغارني : مرة بجارية ومرة بتزويج فكنت أشكوه إلى المأمون فيقول : يا بنية احتملي فانه ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة فقلت : من أنت؟ فكأنها قضيب بان أو غصن خيزران (٣) قالت : أنا زوجة لا بي جعفر ، قلت : من أبوجعفر؟ قالت : محمد ابن الرضا عليهما‌السلام وأنا امرأة من ولد عمار بن ياسر قالت : فدخل على من الغيرة مالم أملك نفسي فنهضت من ساعتي وصرت إلى المأمون وقد كان ثملا (٤) من الشراب وقد مضى من الليل ساعات فأخبرته بحالي وقلت له : يشتمني ويشتمك ويشتم العباس وولده قالت : وقلت ما لم يكن ، فغاظه ذلك مني جدا ولم يملك نفسه من السكر

____________________

(١) الكافى ج ١ ص ٣٥٣

(٢) مناقب آل ابى طالب ج ٤ ص ٣٩٣.

(٣) البان : شجر سبط القوام لين ، ورقه كورق الصفصاف ، الواحدة بانة ، ويشبه به القد لطوله ، ولطافة البدن ولينه لنعومته.

وهكذا الخيزران ـ بضم الزاى ـ شجر هندى وهو عروق ممتدة في الارض يضرب به المثل في اللين وفيه لغة اخرى : الخيزور قال ابن الوردى :

أنا كا لخيزور صعب كسره

وهولين كيفما شئت انفتل

(٤) تملاء خ ل.

٦٩

وقام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه ، وحلف أنه يقطعه بهذا السيف ما بقي في يده وصار إليه.

قالت : فندمت عند ذلك فقلت في نفسي : ما صنعت هلكت وأهلكت ، قالت : فعدوت خلفه لا نظرما يصنع ، فدخل إليه ، وهو نائم فوضع فيه السيف فقطعه قطعة قطعة ، ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه ، وأنا أنظر إليه وياسر الخادم ، وانصرف وهو يز بد (١) مثل الجمل قالت : فلما رأيت ذلك هربت على وجهي حتى رجعت إلى منزل أبي فبت بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت ، قال :

فلما أصبحت دخلت إليه وهو يصلي ، وقد أفاق من السكر ، فقلت له : يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة؟ قال : لا والله فما الذي صنعت ويلك؟ قلت : فانك صرت إلى ابن الرضا عليهما‌السلام وهو نائم فقطعته إربا إربا ، وذبحته بسيفك وخرجت من عنده ، قال : ويلك ما تقولين؟ قلت : أقول مافعلت ، فصاح : ياياسر ما تقول هذه الملعونة ويلك؟ قال : صدقت في كل ما قالت : قال : إنالله وإنا إليه راجعون هلكنا وافتضحنا ، يلك يا ياسر بادر إليه وائتني بخبره.

فركض ثم عاد مسرعا فقال : يا أميرالمؤمنين البشرى قال : وما وراك؟ قال : دخلت فاذا هو قاعد يستاك ، وعليه قميص ودواج (٢) فبقيت متحيرا في أمره ثم أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شئ من الاثر فقلت له : احب أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لا تبرك فيه ، فنظر إلى وتبسم كأنه علم ما أردت بذلك فقال : أكسوك كسوة فاخرة فقلت : لست اريد غير هذا القميص الذي عليك فخلعه وكشف بدنه كله فوالله ما رأيت أثرا. فخر المأمون ساجدا ووهب لياسر ألف دينار وقال : الحمدلله الذي لم يبتلني بدمه.

ثم قال : يا ياسر كلما كان من مجئ هذه الملعونة إلي وبكائهابين يدي فأذكره وأما مصيري إليه فلست أذكره ، فقال يا ياسر : والله ما زلت تضربه بالسيف

____________________

(١) زبد شدقه وتزبد : خرج زبده وهو ما يعلو الماء وغيره من الرغوة.

(٢) الدواج ـ بالضم ـ وهكذا الدواج ـ كزنار ـ اللحاف الذى يلبس.

٧٠

وأنا وهذه ننظر إليك وإليه حتى قطعته قطعة قطعة ، ثم وضعت سيفك على حلقه فذبحته وأنت تزبد كما تزبد البعير ، فقال : الحمد لله ثم قال لي : والله لئن عدت بعدها في شئ مما جرى لا قتلنك ثم قال لياسر : احمل إليه عشرة آلاف دينار وقد إليه (١) الشهري الفلاني وسله الركوب إلي ، وابعث إلى الهاشميين و الاشراف والقواد معه لير كبوا معه إلى عندي ، ويبدعوا بالد خول إليه ، والتسليم عليه ، ففعل ياسر ذلك ، وصار الجميع بين يديه ، وأذن للجميع ، فقال : يا ياسر هذا كان العهد بيني وبينه قلت : يا ابن رسول الله ليس هذا وقت العتاب ، فوحق محمد وعلي ماكان يعقل من أمره شيئا

فأذن للاشراف كلهم بالدخول إلا عبدالله وحمزة ابني الحسن لانهما كانا وقعا فيه عند المأمون ، وسعيا به مرة بعد اخرى ، ثم قام فركب مع الجماعة و صار إلى المأمون فتلقاه وقبل ما بين عينيه ، وأقعده على المقعد في الصدر ، وأمر أن يجلس الناس ناحية ، فجعل يعتذر إليه ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام : لك عندي نصيحة فاسمعها مني قال : هاتها ، قال : اشير عليك بترك الشراب المسكر ، قال : فداك ابن عمك قد قبلت نصيحتك (٢)

بيان : ثمل الرجل بالكسر ثملا إذا أخذ فيه الشراب فهو ثمل أي نشوان وقال الفيروز آبادي : الشهرية بالكسر ضرب من البراذين.

أقول قال علي بن عيسي (٣) بعد إيراد هذا الخبر : وهذه القصة عندي فيها نظر وأظنها موضوعة ، فان أبا جعفر عليه‌السلام إنما كان يتزوج ويتسرى (٤) حيث كان بالمدينة ، ولم يكن المأمون بالمدينة فتشكو إليه ابنته (٥)

____________________

(١) « قد » فعل امر من قاد يقود.

(٢) مختار الخرائج والجرائح ص ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٣) هو أبوالحسن بهاء الدين الاربلى صاحب كشف الغمة.

(٤) تسرى الرجل تسريا : اخذ سرية ، وهى الامة التى أنزلتها بيتا.

(٥) وسيجئ من الارشاد في الباب الاتى ـ ٤ ـ تحت الرقم ٥ أنها كتبت بذلك إلى أبيها من المدينة ، فتأمل.

٧١

فان قلت : إنه جاء حاجا قلت : إنه لم يكن ليشرب في تلك الحال وأبوجعفر عليه‌السلام مات ببغداد وزوجته معه فاخته أين رأتها بعد موته؟ وكيف اجتمعتا و تلك بالمدينة وهذه ببغداد؟ وتلك الامرأة التي هي من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه ، في المدينة تزوجها فكيف رأتها ام الفضل فقامت من فورها وشكت إلى أبيها كل هذا يجب أن ينظر فيه ، انتهى (١)

اقول : كل ماذكره من المقدمات التي بنى عليها رد الخبر في محل المنع ولا يمكن رد الخبر المشهور المتكرر في جميع الكتب بمحض هذا الاستبعاد ، ثم اعلم أنه قد مضى بعض معجزاته في باب شهادة أبيه عليهما‌السلام.

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ٢١٩ و ٢٢٠.

٧٢

٤

* ( باب ) *

* ( تزويجه عليه‌السلام ام الفضل ، وماجرى في هذا ) *

( المجلس من الاحتجاج والمناظرة )

١ ـ قب : الخطيب في تاريخ بغداد عن يحيى بن أكثم أن المأمون خطب فقال : الحمد لله الذي تصاغرت الامور لمشيته ، ولا إله إلا الله إقرارا بربوبيته وصلى الله على محمد عبده وخيرته أما بعد فان الله جعل النكاح الذي رضيه لكمال سبب المناسبة ، ألا وإني قد زوجت زينب ابنتي من محمدبن علي بن موسى الرضا أمهرناها عنه أربعمائة درهم.

ويقال : إنه عليه‌السلام كان ابن تسع سنين وأشهر ، ولم يزل المأمون متوافرا على إكرامه وإجلال قدره (١)

٢ ـ مهج : باسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه ـ ره ـ عن إبراهيم بن محمد بن الحارث النوفلي قال : حدثني أبي وكان خادما لعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام لما زوج المأمون أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ابنته ، كتب إليه أن لكل زوجة صداقا من مال زوجها ، وقد جعل الله أموالنا في الاخرة مؤجلة مذخورة هناك كما جعل أموالكم معجلة في الدنيا وكنز ههنا وقد أمهرت ابنتك الوسائل إلى المسائل وهي مناجات دفعها إلي أبي قال : دفعها إلي أبي جعفر عليه‌السلام قال : دفعها إلي محمد أبي قال : دفعها إلي علي بن الحسين عليه‌السلام أبي ، قال : دفعها إلي الحسين أبي قال دفعها إلي الحسن عليه‌السلام أخي قال دفعها إلي أميرالمؤمنين علي بن

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٨٢

٧٣

أبيطالب عليه‌السلام قال : دفعها إلي رسول الله قال : دفعها إلي جبرئيل عليه‌السلام قال : يامحمد رب العزة يقرئك السلام ، ويقول لك : هذه مفاتيح كنوز الدنيا والاخرة ، فاجعلها وسائلك إلى مسائلك ، تصل إلى بغيتك فتنجح في طلبتك ، فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظ من آخرتك ، وهي عشر وسائل [ إلى عشرة مسائل ] تطرق بها أبواب الرغبات (١) فتفتح ، وتطلب بها الحاجات فتنجح ، وهذه نسختها ثم ذكر الادعية على ما سيأتي في موضعها إنشاء الله تعالى.

٣ ـ ج : عن الريان بن شبيب قال : لما أراد المأمون أن يزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ، واستنكروه منه ، وخافوا أن ينتهي الامر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه‌السلام فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الادنون منه ، فقالوا : ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الامر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا (٢) فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عزوجل وينزع منا عزا قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا. وماكان عليه الخلفاء الراشدون قبلك ، من تبعيدهم والتصغيربهم ، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا عليه‌السلام ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره (٣) فقال لهم المأمون : أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم ، وأما ماكان يفعله من قبلي بهم ، فقد كان قاطعا للرحم ، وأعوذ بالله من ذلك ، والله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا

____________________

(١) في نسخة الكمبانى قد أثبت هنا رمز يج وهو سهو نشأ من سوء القراءة في نسخة الاصل.

(٢) وقيل انه كان زوجه ابنته قيل وفاة أبيه على بن موسى عليهم‌السلام كما في تذكرة سبط ابن الجوزى ص ٢٠٢.

(٣) قد مر في ج ٤٩ ص ٣١١ من طبعتنا هذه ما ينفع في هذا المقام فراجعه.

٧٤

عليه‌السلام ولقد سألته أن يقوم بالا مر وأنزعه من نفسي فأبى ، وكان أمر الله قدرا مقدورا.

وأما أبوجعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل ، مع صغرسنه ، والا عجوبة فيه بذلك ، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه ، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا له : إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فانه صبي لامعرفة له ولافقه فأمهله ليتأدب ثم اصنع ماتراه بعد ذلك. فقال لهم : ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم وإن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومواده وإلهامه ، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والادب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال ، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.

قالوا : قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولا نفسنا بامتحانه ، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرنك عن شئ من فقه الشريعة ، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه ، وإن عجزعن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه فقال لهم المأمون : شأنكم وذلك متى أردتم.

فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم ، وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك ، وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لا بيجعفر دست (١) ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبوجعفر وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه الصلاة والسلام.

____________________

(١) الدست هناصدر البيت وهو معرب ، يقال له بالفارسية اليوم « شاه نشين »

٧٥

فقال يحيى بن أكثم للمأمون : يأذن لي أميرالمؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون : استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال : أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام : سل إن شئت.

قال يحيى : ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا أو خطأ ، حرا كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا ، مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات الطيركان الصيد أم من غيرها ، من صغار الصيد أم من كبارها مصر اعلى ما فعل أو نادما ، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار ، محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟.

فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره (١) فقال المأمون : الحمدلله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم : أعرفتم الان ما كنتم تنكرونه؟ ثم أقبل على أبي جعفر عليه‌السلام فقال له : أتخطب يا أبا جعفر؟ فقال : نعم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون : اخطب لنفسك جعلت فداك قدرضيتك لنفسي وأنا مزوجك ام الفضل ابنتي وإن رغم قوم لذلك.

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : الحمد لله إقرارا بنعمته ، ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته ، والاصفياء من عترته.

أما بعد فقد كان من فضل الله على الانام ، أن أغناهم بالحلال عن الحرام ، و قال سبحانه : وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عباد كم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم.

ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب ام الفضل بنت عبدالله المأمون ، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليها‌السلام وهو خمس مائة درهم جيادا فهل زوجته يا أميرالمؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟.

____________________

(١) عجزه خ ل.

٧٦

فقال المأمون : نعم قد زوجتك يا أبا جعفر ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح؟ قال أبوجعفرعليه‌السلام : قد قبلت ذلك ورضيت به.

فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة.

قال الريان : ولم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم ، على عجلة مملوة من الغالية ، ثم أمر المأمون أن تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية ثم مدت إلى دار العامة فتطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدر هم.

فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي ، قال المأمون لابي جعفر عليه‌السلام : إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي (١) فصلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده.

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير ، وكان من كبارها ، فعليه شاة ، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ ، فاذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة ، و إن كان نعامة فعليه بدنة وإن كان ظبيا فعليه شاة وإن كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة.

وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه ، وكان إحرامه بالحج نحره بمنى ، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة ، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد عليه المأ ثم وهو موضوع عنه في الخطاء ، والكفارة على الحر في نفسه ، وعلى السيد في عبده ، والصغير لا كفارة عليه ، وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الاخرة والمصر يجب عليه العقاب في الاخرة.

فقال المأمون : أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك فان رأيت أن تسأل يحيى

____________________

(١) فيما فصلته خ ل.

٧٧

عن مسألة كما سألك فقال أبوجعفر عليه‌السلام ليحيى : أسألك؟ قال : ذلك إليك جعلت فداك فان عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك.

فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه ، فلما ارتفع النهار حلت له ، فلما زالت الشمس حرمت عليه ، فلما كان وقت العصر حلت له ، فلما غربت الشمس حرمت عليه ، فلما دخل طلع الفجر حلت له ، ما حال هذه المرأة وبماذا حلت له وحرمت عليه؟ فقال له يحيى بن أكثم : لا والله لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا أعرف الوجه فيه ، فان رأيت أن تفيدناه.

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : هذه أمة لرجل من الناس ، نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه ، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه ، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه ، فلما كان وقت العشاء الاخرة كفر عن الظهار فحلت له ، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة ، فحرمت عليه ، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.

قال : فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم : هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا : لا والله إن أمير المؤمنين أعلم وما رأى فقال : ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل ، وإن صغرالسن فيهم لا يمنعهم من الكمال أما علمتم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الاسلام وحكم له به ، ولم يدع أحدا في سنه غيره ، وبايع الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما ابنادون الست سنين ، ولم يبايع صبيا غيرهما أولا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم وإنهم ذرية بعضها من بعض يجري لا خرهم مايجري لاولهم ، فقالوا : صدقت يا أمير المؤمنين ثم نهض القوم.

٧٨

فلما كان من الغد أحضر الناس وحضر أبوجعفر عليه‌السلام وسار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي جعفر عليه‌السلام فاخرجت ثلا ثة أطباق من الفضة ، فيها بنادق مسك وزعفران ، معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة ، وعطايا سنية ، وإقطاعات ، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته فكان كل من وقع يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق يده له ، ووضعت البدر ، فنثرما فيها على القواد وغيرهم ، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا ، وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين ، ولم يزل مكرما لابي جعفر عليه‌السلام معظما لقدره مدة حياته ، يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته (١) فس : محمد بن الحسن عن محمد بن عون النصيبي قال : لما أراد المأمون وذكره نحوه.

شا : روى الحسن بن محمد بن سليمان ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الريان بن شبيب مثله (٢).

بيان : الوهلة الفزغة ، ووهل عنه غلط فيه ، ونسيه وبرز تبريزا فاق أصحابه فضلا والهدي السيرة والهيأة والطريقة والمسورة بكسر الميم متكأ من أدم.

٤ ـ ف : قال لابي جعفر عليه‌السلام أبوهاشم الجعفري في يوم تزوج ام الفضل ابنة المأمون : يا مولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم ، فقال : يا أبا هاشم عظمت بركات الله علينا فيه ، قلت : نعم يا مولاي فما أقول في اليوم ، فقال : تقول فيه خيرا فانه يصيبك ، قلت : يا مولاي أفعل هذا ولا أخالفه ، قال : إذا ترشد ولا ترى إلا خيرا (٣).

٥ ـ شا : روى الناس أن ام الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر عليه‌السلام وتقول : إنه يتسرى علي ويغيرني فكتب المأمون : يا بنية إنا

____________________

(١) الاحتجاج ص ٢٢٧ ـ ٢٢٩.

(٢) الارشادص ٢٢٩ ـ ٣٠٤.

(٣) تحف العقول ص ٤٧٩ ـ ط الاسلامية.

٧٩

لم نزوجك أبا جعفر عليه‌السلام لتحرم عليه حلالا ، ولا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها (١).

٦ ـ ج : وروي أن المأمون بعدما زوج ابنته ام الفضل أبا جعفر عليه‌السلام كان في مجلس وعنده أبوجعفر عليه‌السلام ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة فقال له يحيى بن أكثم : ماتقول يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخبر الذي روي أنه نزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال يا محمد : إن الله عزوجل يقرئك السلام ويقول لك : سل أبا بكر هل هو عني راض فاني عنه راض.

فقال أبوجعفر : لست بمنكر فضل أبي بكر ، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع « قد كثرت علي الكذابة ، وستكثر ، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار ، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي ، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به ، وما خالف كتاب الله وسنتي فلاتأ خذوا به » وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله قال الله تعالى « ولقد خلقنا الانسان ونعلم ماتوسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد » (٢) فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل من مكنون سره؟ هذا مستحيل في العقول.

ثم قال يحيى بن أكثم : وقد روي أن مثل أبي بكر وعمر في الارض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء ، فقال : وهذا أيضا يجب أن ينظر فيه لان جبرئيل وميكائيل ملكان مقربان لم يعصيا الله قط ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة ، وهما قد أشر كا بالله عزوجل وإن أسلما بعد الشرك ، وكان أكثر أيامهما في الشرك بالله فمحال أن يشبههما بهما.

قال يحيى : وقد روي أيضا أنهما سيدا كهول أهل الجنة ، فما تقول فيه؟ فقال عليه‌السلام : وهذا الخبر محال أيضا لان أهل الجنة كلهم يكونون شبابا ، ولا يكون

____________________

(١) الارشادص ٣٠٤.

(٢) ق : ١٦.

٨٠