بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فختمه بخاتمه ، ثم قال : يا علي اجعل لساني في فيك ، فمصه وابلع عني (١) كل ماتجد في فيك ، ففعل علي ذلك فقال له : إن الله قد فهمك مافهمني ، وبصرك ما بصرني ، وأعطاك من العلم ما أعطاني ، إلا النبوة ، فانه لانبي بعدي ثم كذلك إمام بعد إمام ، فلما مضى موسى علمت كل لسان وكل كتاب (٢).

(٥)

* ( باب ) *

* ( استجابة دعواته عليه‌السلام ) *

١ ـ ن : أبي وابن الوليد معا ، عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا ، عن الاشعري ، عن ابن هاشم ، عن داود بن محمد النهدي ، عن بعض أصحابنا قال : دخل ابن أبي سعيد المكاري على الرضا عليه‌السلام فقال له : أبلغ الله من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك؟ فقال له : مالك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك أما علمت أن الله عزوجل أوحى إلى عمران عليه‌السلام أني واهب لك ذكرا ، فوهب له مريم ، ووهب لمريم عيسى عليه‌السلام فعيسى من مريم ومريم من عيسى وعيسى ومريم عليهما‌السلام شئ واحد وأنا من أبي وأبي مني وأنا وأبي شئ واحد ، فقال له ابن أبي سعيد : فأسألك عن مسألة؟ فقال : لا إخالك تقبل مني ولست من غنمي ، ولكن هلمها.

فقال : رجل قال عند موته : كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله عزوجل فقال : نعم ، إن الله تبارك وتعالى يقول : في كتابه «حتى عاد كالعرجون القديم» (٣) فما كان مما ليكه أتى له ستة أشهر فهو قديم حر. قال : فخرج الرجل فافتقر حتى مات ، ولم يكن عنده مبيت ليلة. لعنه الله (٤).

____________________

(١) في طبعة الكمبانى «وأبلغ عنى ذلك» وهو تصحيف.

(٢) الخرائج والجرائح ص ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

(٣) يس : ٣٩.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ١ ص ٣٠٨.

٨١

٢ ـ ن : الوراق والمكتب وحمزة العلوي والهمداني جميعا ، عن علي عن أبيه ، عن الهروي وحدثنا جعفر بن نعيم بن شاذان ، عن أحمد بن إدريس ، عن إبراهيم بن هاشم عن الهروي قال : رفع إلى المأمون أن أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يعقد مجالس الكلام ، والناس يفتتنون بعلمه ، فأمر محمد بن عمرو الطوسي حاجب المأمون فطرد الناس عن مجلسه وأحضره ، فلما نظر إليه زبره واستخف به فخرج أبوالحسن الرضا عليه‌السلام من عنده مغضبا وهو يدمدم بشفتيه ويقول : وحق المصطفى والمرتضى وسيدة النساء لاستنزلن من حول الله عزوجل بدعائي عليه ما يكون سبيا لطرد كلاب أهل هذه الكورة إياه واستخفافهم به ، و بخاصته وعامته.

ثم إنه عليه‌السلام انصرف إلى مركزه واستحضر الميضأة وتوضأ وصلى ركعتين وقنت في الثانية فقال :

أللهم يا ذا القدرة الجامعة ، والرحمة الواسعة ، والمنن المتتابعة والآلاء المتوالية ، والايادي الجميلة ، والمواهب الجزيلة ، يامن لا يوصف بتمثيل ، ولا يمثل بنظير ، ولا يغلب بظهير ، يامن خلق فرزق ، وألهم فأنطق ، وابتدع فشرع ، وعلا فارتفع ، وقدرفأحسن وصور فأتقن ، واحتج فأبلغ ، وأنعم فأسبغ ، وأعطى فأجزل يا من سما في العز ففات خواطر الابصار ، ودنا في اللطف فجاز هو اجس الافكار ، يامن تفرد بالملك فلا ند له في ملكوت سلطانه وتوحد بالكبريآء فلا ضد له في جبروت شأنه ، يا من حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف الاوهام ، وحسرت دون إدراك عظمته

٨٢

خطائف أبصار الانام ، ياعالم خطرات قلوب العالمين ، وياشاهد لحظات أبصار الناظرين ، يامن عنت الوجوه لهيبته ، وخضعت الرقاب لجلالته ، ووجلت القلوب من خيفته ، وارتعدت الفرائص من فرقه يابدئ يابديع يا قوي يامنيع يا علي يارفيع ، صل على من شرفت الصلوة بالصلوة عليه ، وانتقم لي ممن ظلمني ، واستخف بي وطرد الشيعة عن بابي ، وأذقه مزارة الذل والهوان كما أذا قنيها ، واجعله طريد الارجاس ، وشريد الانجاس.

قال أبوالصلت عبدالسلام بن صالح الهروي : فما استتم مولاي عليه‌السلام دعاءه حتى وقعت الرجفة في المدينة ، وارتج البلد ، وارتفعت الزعقة والصيحة ، واستفحلت النعرة ، وثارت الغبرة ، وهاجت القاعة ، فلم ازايل مكاني إلى أن سلم مولاي عليه‌السلام فقال لي : يا أبا الصلت اصعد السطح فانك سترى امرأة بغية عثة رثة ، مهيجة الاشرار ، متسخة الاطمار ، يسميها أهل هذه الكورة سمانة ، لغباوتها وتهتكها قد أسندت مكن الرمح إلى نحرها قصبا ، وقد شدت وقاية لها حمراء إلى طرفه مكان اللواء ، فهي تقود جيوش القاعة ، وتسوق عسا كر الطغام إلى قصر المأمون ومنازل قواده.

فصعدت السطح فلم أر إلا نفوسا تنتزع بالعصا ، وهامات ترضخ بالاحجار ولقد رأيت المأمون متدرعا قد برزمن قصر الشاهجان متوجها للهرب ، فما شعرت إلا بشاجرد الحجام قد رمى من بعض أعالي السطوح بلبنة ثقيلة فضرب بها رأس المأمون ، فأسقطت بيضته بعد أن شقت جلدة هامته.

فقال لقاذف اللبنة بعض من عرف المأمون : ويلك أمير المؤمنين فسمعت سمانة

٨٣

تقول : اسكت لا ام لك ليس هذا يوم التميز والمحاباة ، ولا يوم إنزال الناس على طبقاتهم ، فلو كان هذا أميرالمؤمنين لما سلط ذكور الفجار على فروج الابكار. وطرد المأمون وجنوده أسوء طرد بعد إذلال واستخفاف شديد (١).

٢ ـ قب : الهروي مثله ، وزاد في آخره ونهبوا أمواله ، فصلب المأمون أربعين غلاما وأسلا دهقان مرو ، وأمر أن يطول جدرانهم ، وعلم أن ذلك من استخفاف الرضا ، فانصرف ودخل عليه وحلفه أن لايقوم وقبل رأسه وجلس بين يديه ، وقال : لم تطب نفسي بعد مع هؤلاء فما ترى؟ فقال الرضا عليه‌السلام : اتق الله في امة محمد ، وما ولاك من هذا الامر ، وخصك به ، فانك قد ضيعت امور المسلمين وفوضت ذلك إلى غيرك. إلى آخر ما أوردناه في باب ماجرى بينه عليه‌السلام وبين المأمون (٢).

بيان : الزبر الزجر والمنع والانتهار. ويقال : «دمدم عليه» إذا كلمه مغضبا والزعق الصياح ، واستفحل الامر أي تفاقم وعظم ، وقاعة الدار ساحتها ، ولعل المراد أهل الميدان من الاجامرة ، والعثة العجوز والمرأة البذية والحمقاء والرثة بالكسر المرأة الحمقاء ، وفلان رث الهيئة أي سيئ الحال ، وفي مناسبة لفظ السمانة للغباوة والتهتك خفاء إلا أن يقال سمي به لتسمنه من الشر ، ولعله كان سمامة من السم والطغام كسحاب أوغاد الناس ، وأسلا دهقان مرو (٣) أي أرضاه وكشف همه.

٣ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن أحمد بن محمد بن إسحاق الخراساني قال : سمعت علي بن محمد النوفلي يقول : استحلف الزبير بن بكار رجل من الطالبيين على شئ بين القبر والمنبر ، فحلف فبرص وأنا رأيته وبساقيه وقدميه برص كثير وكان أبوه بكار قد ظلم الرضاعليه‌السلام في شئ فدعا عليه فسقط في وقت دعائه عليه‌السلام عليه حجر من قصر فاندقت عنقه.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ١٧٣ و ١٧٤.

(٢) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٤٥ و ٣٤٦.

(٣) ولعل الاظهر كون «اسلا» أو «أسلاء» كما في نسخة المناقب علما لدهقان مرو.

٨٤

وأما أبوه عبدالله بن مصعب فانه مزق عهد يحيى بن عبدالله بن الحسن وأمانه بين يدي الرشيد ، وقال : اقتله يا أميرالمؤمنين ، فانه لا أمان له ، فقال يحيى للرشيد : إنه خرج مع أخي بالامس ، وأنشده أشعارا له فأنكرها فحلفه يحيى بالبراءة وتعجيل العقوبة ، فحم من وقته ومات بعد ثلاثة ، وانخسف قبره مرات كثيرة وذكر خبرا طويلا اختصرت منه (١).

٤ ـ ن : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد ، عن اليقطيني ، عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل قال : لما كان في السنة التي بطش هارون بآل برمك بدأ بجعفر ابن يحيى ، وحبس يحيى بن خالد ، ونزل بالبرامكة ما نزل ، كان أبوالحسن عليه‌السلام واقفا بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه ، فسئل عن ذلك ، فقال : إني كنت أدعو الله عزوجل على البرامكة بما فعلوا بأبي عليه‌السلام فاستجاب الله لي اليوم فيهم فلما انصرف لم يلبث إلا يسيرا حتى بطش بجعفر ويحيى وتغيرت أحوالهم (٢).

٣ ـ كشف : من دلائل الحميري ، عن محمد بن الفضيل مثله (٣).

____________________

(١) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ٢٢٤.

(٢) المصدر ص ٢٢٥.

(٣) كشف الغمة ج ٣ ص ١٣٧.

٨٥

(٦)

* ( باب ) *

* ( معرفته صلوات الله عليه بجميع اللغات وكلام ) *

* ( الطير والبهائم وبعض غرائب أحواله ) *

١ ـ ن : أبي ، عن سعد ، عن محمد بن جزك (١) عن ياسر الخادم قال : كان غلمان لابي الحسن عليه‌السلام في البيت صقالبة وروم وكان أبوالحسن عليه‌السلام قريبا منهم فسمعهم بالليل يتراطنون بالصقلبية (٢) والرومية ، ويقولون : إنا كنا نفتصد في كل سنة في بلادنا ثم ليس نفصد ههنا ، فلما كان من الغد وجه أبوالحسن عليه‌السلام إلى بعض الاطباء فقال له : افصد فلانا عرق كذا وافصد فلانا عرق كذا وافصد فلانا عرق كذا ، ثم قال : يا ياسر لا تفتصد أنت ، قال : فافتصدت فورمت يدي و احمرت فقال لي : ياياسر مالك؟ فأخبرته فقال : ألم أنهك عن ذلك هلم يدك فمسح يده عليها وتفل فيها ، ثم أوصاني أن لا أتعشى فكنت بعد ذلك ماشاء الله لا أتعشى ثم اغافل فأتعشى فتضرب علي (٣).

ير : محمد بن جزك مثله (٤).

قب : عن ياسر مثله (٥).

____________________

(١) محمد بن جزك الجمال من أصحاب الهادى عليه‌السلام وفى المناقب محمد ابن جندل.

(٢) الصقالبة جيل كانت تتاخم بلادهم بلاد الخزر بين بلغار وقسطنطينية والتراطن والرطانة الكلام بالاعجمية ، وفى طبع الكمبانى ( يتواطئون ) وهو تصحيف.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٢٧.

(٤) بصائر الدرجات الجزء ٧ ب ١٢ ح ٤.

(٥) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٣٤.

٨٦

٢ ـ ن : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت أتغدى مع أبي الحسن عليه‌السلام فيدعو بعض غلمانه بالصقلبية والفارسية وربما بعثت غلامي هذا بشئ من الفارسية فيعلمه ، وربما كان ينغلق الكلام على غلامه بالفارسية فيفتح هو على غلامه (١).

٣ ـ ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : كان الرضا عليه‌السلام يكلم الناس بلغاتهم ، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة فقلت له يوما : يا ابن رسول الله إني لاعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها ، فقال : يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه ، وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لايعرف لغاتهم أو ما بلغك قول أميرالمؤمنين عليه‌السلام «اوتينا فصل الخطاب» فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات (٢).

قب : الهروي مثله (٣).

٤ ـ ب : معاوية بن حكيم ، عن الوشاء قال : قال لي الرضا عليه‌السلام ابتداء : إن أبي كان عندي البارحة قلت : أبوك؟ قال : أبي ، قلت : أبوك؟ قال : أبي قلت : أبوك؟ قال : في المنام إن جعفرا كان يجيئ إلى أبي فيقول يابني افعل كذا يابني افعل كذا يابني افعل كذا قال : فدخلت عليه بعد ذلك فقال لي : ياحسن إن منامنا ويقظتنا واحدة (٤).

٥ ـ ب : معاوية ، عن الوشاء قال : قال لي الرضا عليه‌السلام بخراسان : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ههنا والتزمته (٥).

٦ ـ ير : محمد بن عيسى ، عن أبي هاشم قال : كنت أتغدى معه فيدعو بعض

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٢٨.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٣٣.

(٤) قرب الاسناد ص ٢٠٢.

(٥) نفس المصدر ص ٢٠٣.

٨٧

غلمانه بالصقلابية والفارسية ، وربما يقول غلامي هذا يكتب شيئا من الفارسية فكنت أقول له : اكتب فكان يكتب فيفتح هو على غلامه (١).

٧ ـ ير : عبدالله بن جعفر ، عن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فقال : يابا هاشم كلم هذا الخادم بالفارسية ، فانه يزعم أنه يحسنها فقلت للخادم : «زانو يت جيست» فلم يجبني فقال عليه‌السلام : يقول : ركبتك ، ثم قلت : «نافت جيست» فلم يجبني فقال عليه‌السلام : سرتك (٢).

٨ ـ ير : أحمد بن موسى ، عن محمد بن أحمد المعروف بغزال ، عن محمد بن الحسين ، عن سليمان من ولد جعفر بن أبي طالب قال : كنت مع أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في حائط له إذ جاء عصفور فوقع بين يديه وأخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب ، فقال لي : يا فلان أتدري ما تقول هذا العصفور؟ قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : إنها تقول إن حية تريد أكل فراخي في البيت. فقم فخذتيك النبعة وادخل البيت واقتل الحية ، قال : فأخذت النبعة وهي العصا ، ودخلت البيت وإذا حية تجول في البيت فقتلتها (٣).

قب ، يج : عن سليمان الجعفري مثله (٤).

بيان : قال الجوهري : «النبع» شجر تتخذ منه القسي الواحدة نبعة ، وتتخذ من أغصانها السهام.

٩ ـ ير : أحمد بن محمد ، عن الوشاء قال : رأيت أبا الحسن الرضا وهو ينظر إلى السماء ويتكلم بكلام كأنه كلام الخطا طيف ، مافهمت منه شيئا ساعة بعد ساعة ثم سكت (٥).

____________________

(١) بصائر الدرجات الجزء السابع ب ١١ ح ١٣.

(٢) بصائر الدرجات الجزء السابع ب ١٢ ح ٢.

(٣) بصائر الدرجات الجزء السابع ب ١٤ ح ١٩.

(٤) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٣٤ وتراه في الخرائج والجرائج ص ٢٠٦ و ٢٠٧.

(٥) بصائر الدرجات الجزء العاشر ب ١٧ ح ٢٢.

٨٨

١٠ ـ قب : في حديث طويل عن علي بن مهران أن أبا الحسن عليه‌السلام أمره أن يعمل له مقدار الساعات فحملناه إليه فلما وصلنا إليه نالنا من العطش أمر عظيم فما قعدنا حتى خرج إلينا بعض الخدم ومعه قلال من ماء أبرد مايكون فشربنا فجلس عليه‌السلام على كرسي فسقطت حصاة فقال مسرور : «هشت» أي ثمانية ثم قال : لمسرور «درببند» أي أغلق الباب. (١)

(٧)

* ( باب ) *

* ( عبادته عليه‌السلام ومكارم أخلاقه ومعالى اموره ) *

( واقرار أهل زمانه بفضله )

١ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن عون بن محمد ، عن أبي عباد قال : كان جلوس الرضا عليه‌السلام في الصيف على حصير وفي الشتا على مسح ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم (٢).

٢ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي قال : حدثتني جدتي ام أبي واسمها عذر قالت : اشتريت مع عدة جوار من الكوفة ، وكنت من مولداتها قالت : فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الاكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير فوهبني المأمون للرضا عليه‌السلام فلما صرت في داره فقدت جميع ماكنت فيه من النعيم وكانت علينا قيمة تنبهنا من الليل ، وتأخذنا بالصلاة ، وكان ذلك من أشد ماعلينا فكنت أتمنى الخروج من داره إلى أن وهبني لجدك عبدالله بن العباس فلما صرت إلى منزله كأني قد ادخلت الجنة.

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٣٤.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ١٧٨ ، والمسح ـ بالكسر البلاس يقعد عليه ـ والكساء من شعر كثوب الرهبان.

٨٩

قال الصولي : ومارأيت امرأة قط أتم من جدتي هذه عقلا ولا أسخى كفا وتوفيت في سنة سبعين ومائتين ولها نحو مائة سنة ، فكانت تسأل عن أمر الرضا عليه‌السلام كثيرا فتقول : ما أذكر منه شيئا إلا أني كنت أراه يتبخر بالعود الهندي [ النيئ ] (١) ويستعمل بعده ماء ورد ومسكا ، وكان عليه‌السلام إذا صلى الغداة وكان يصليها في أول وقت ثم يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس ، ثم يقوم فيجلس للناس أو يركب.

ولم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كائنا من كان إنما كان يتكلم الناس قليلا ، وكان جدي عبدالله يتبرك بجدتي هذه ، فدبرها يوم وهبت له فدخل عليه خاله العباس بن الاخنف الحنفي الشاعر فأعجبته فقال لجدي : هب لي هذه الجارية ، فقال : هي مدبرة ، فقال العباس بن الاخنف :

ياعذر زين باسمك العذر

وأساء لم يحسن بك الدهر (٢)

٣ ـ لى ، ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن أبي ذكوان قال : سمعت إبراهيم ابن العباس يقول : مارأيت الرضا عليه‌السلام سئل عن شئ قط إلا علمه ، ولارأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيب فيه ، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن وكان يختمه في كل ثلاث ، ويقول : لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت ولكني مامررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شئ انزلت ، وفي أي وقت فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام (٣).

٤ ـ ن : جعفر بن نعيم بن شاذان ، عن أحمد بن إدريس ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إبراهيم بن العباس قال : مارأيت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام جفا أحدا بكلامه قط ، ومارأيت قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه ، ومارد أحدا عن حاجة

____________________

(١) الزيادة من هامش المصدر ، والنيئ الذى لم ينضج بعد.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٧٩.

(٣) المصدر ج ٢ ص ١٨٠.

٩٠

يقدر عليها ، ولامد رجليه بين يدي جليس له قط ، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ، ولارأيته شتم أحدا من مواليه ومماليكه قط ، ولارأيته تفل قط ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط ، بل كان ضحكه التبسم.

وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه حتى البواب والسائس ، وكان عليه‌السلام قليل النوم بالليل ، كثير السهر ، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح ، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ، و يقول : ذلك صوم الدهر ، وكان عليه‌السلام كثير المعروف والصدقة في السر ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة ، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه (١) ٥ ـ ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضا عليه‌السلام بسرخس وقد قيد فاستأذنت عليه السجان فقال : لاسبيل لكم إليه ، فقلت : ولم؟ قال : لانه ربما صلى في يومه وليلته ألف ركعة وإنما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار ، وقبل الزوال ، وعند اصفرار الشمس فهو في هذه الاوقات قاعد في مصلاه يناجي ربه ، قال : فقلت له : فاطلب لي في هذه الاوقات إذنا عليه ، فاستأذن لي عليه فدخلت عليه وهو قاعد في مصلاه متفكر الخبر (٢).

التهذيب : الحسين بن سعيد ، عن سليمان الجعفري قال : رأيت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يصلي في جبة خز.

[ ٧ ـ ن : تميم بن عبدالله ، عن أبيه ] (٣) عن أحمد بن علي الانصارى قال : سمعت رجاء بن أبي الضحاك يقول : بعثني المأمون في إشخاص علي بن موسى الرضا عليه‌السلام من المدينة وأمرني أن آخذ به على طريق البصرة والاهواز وفارس ، ولا آخذ به

____________________

(١) نفس المصدر ج ٢ ص ١٨٤.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٨٤

(٣) هذا هو الصحيح بقرينة سائر الاسانيد ، ومطابقته للمصدر ، وفى نسخة الكمبانى : «الهمدانى ، عن أحمد بن على الانصارى» وهو سهو وتخليط.

٩١

على طريق قم ، وأمرني أن أحفظه بنفسي بالليل والنهار حتى أقدم به عليه فكنت معه من المدينة إلى مرو ، فوالله مارأيت رجلا كان أتقى لله منه ولا أكثر ذكرا له في جميع أوقاته منه ، ولا أشد خوفا لله عزوجل.

كان إذا أصبح صلى الغداة ، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ويصلي على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال ثم جدد وضوءه وعاد إلى مصلاه ، فإذا زالت الشمس قام وصلى ست ركعات يقرأ في الركعة الاولى الحمد وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ، ويقرأ في الاربع في كل ركعة الحمدلله وقل هو الله أحد ، ويسلم في كل ركعتين ويقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ثم يؤذن ثم يصلي ركعتين ، ثم يقيم ويصلي الظهر.

فإذا سلم سبح الله وحمده وكبره وهلله ماشاء الله ، ثم سجد سجدة الشكر يقول فيها مائة مرة : «شكرا الله» فاذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد ، ويسلم في كل ركعتين ، ويقنت في ثانية كل ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة ، ثم يؤذن ثم يصلي ركعتين ويقنت في الثانية فاذا سلم أقام وصلى العصر ، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ماشاءالله ، ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة «حمدا الله».

فاذا غابت الشمس توضأ وصلى المغرب ثلاثا بأذان وإقامة ، وقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ماشاءالله ثم يسجد سجدة الشكر ثم رفع رأسه ولم يتكلم حتى يقوم ويصلي أربع ركعات بتسليمتين ، يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، وكان يقرأ في الاولى من هذه الاربع الحمد وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يمسي ثم يفطر.

٩٢

ثم يلبث حتى يمضي من الليل قريب من الثلث ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة أربع ركعات ، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة فإذا سلم جلس في مصلاه يذكر الله عزوجل ويسبحه ويحمده ويكبره ويهلله ماشاء الله ، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ، ثم يأوي إلى فراشه.

فاذا كان الثلث الاخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار فاستاك ثم توضأ ثم قام إلى صلاة الليل ، فصلى ثماني ركعات ويسلم في كل ركعتين يقرء في الاوليين منها في كل ركعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد ثلاثين مرة ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام أربع ركعات يسلم في كل ركعتين ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل ، ثم يصلي الركعتين الباقيتين يقرء في الاولى الحمد وسورة الملك ، وفي الثانية الحمد وهل أتى على الانسان.

ثم يقول فيصلي ركعتي الشفع يقرء في كل ركعة منها الحمد مرة ، وقل هو الله ثلاث مرات ، ويقنت في الثانية ثم يقوم فيصلي الوتر ركعة يقرء فيها الحمد وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل أعوذ برب الفلق مرة واحدة ، وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة ، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة ، ويقول في قنوته : اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا شر ما قضيت ، فانك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لايذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تبارك ربنا وتعاليت.

ثم يقول : أستغفر الله وأسأله التوبة سبعين مرة ، فاذا سلم جلس في التعقيب ماشاء الله.

وإذا قرب الفجر قام فصلى ركعتي الفجر ، يقرء في الاولى الحمد وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل الله أحد ، فاذا طلع الفجر أذن وأقام وصلى الغداة ركعتين ، فإذا سلم جلس في التعقيب ، حتى تطلع الشمس ثم سجد سجدتي الشكر حتى يتعالى النهار.

٩٣

وكانت قراءته في جميع المفروضات في الاولى الحمد وإنا أنزلناه ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد إلا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة فانه كان يقرء فيها بالحمد وسورة الجمعة والمنافقين ، وكان يقرء في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الاولى الحمد وسورة الجمعة ، وفي الثانية الحمد وسبح ، وكان يقرء في صلاة الغداة يوم الاثنين والخميس في الاولى الحمد وهل أتى على الانسان وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية.

وكان يجهر بالقراءة في المغرب والعشاء وصلاة الليل والشفع والوتر والغداة ويخفي القراءة في الظهر والعصر ، وكان يسبح في الاخراوين : سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات وكان قنوته في جميع صلواته «رب اغفر وارحم وتجاوز عما إنك أنت الاعز الاجل الاكرم».

وكان إذا أقام في بلدة عشرة أيام صائما لا يفطر ، فاذا جن الليل بدأ بالصلاة قبل الافطار ، وكان في الطريق يصلي فرائضه ركعتين ركعتين إلا المغرب فانه كان يصليها ثلاثا ، ولا يدع نافلتها ، ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر في سفر ولا حضر.

وكان لا يصلي من نوافل النهار في السفر شيئا وكان يقول بعد كل صلاة يقصرها «سبحان الله والحمد لله ولا أله ألا الله والله أكبر» ثلاثين مرة ، ويقول : هذا لتمام الصلاة وما رأيته صلى صلاة الضحى في سفر ولا حضر ، وكان لا يصوم في السفر شيئا وكان عليه‌السلام يبدء في دعائه بالصلاة على محمد وآله ، ويكثر من ذلك في الصلاة وغيرها.

وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن ، فاذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى ، وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار ، وكان عليه‌السلام يجهر ببسم الله الرحمان الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار ، وكان إذا قرأ قل هو الله أحد قال سرا «الله أحد» فاذا فرغ منها قال : «كذلك الله ربنا» ثلاثا ، وكان إذا قرأ سورة الجحد قال : في نفسه سرا «يا أيها الكافرون» فاذا فرغ منها قال : «ربي الله

٩٤

وديني الاسلام» ثلاثا وكان إذا قرء والتين والزيتون ، قال : عند الفراغ منها «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين» وكان إذا قرأ لا اقسم بيوم القيامة قال عند الفراغ منها : «سبحانك اللهم بلى» وكان يقرء في سورة الجمعة «قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين».

وكان إذا فرغ من الفاتحة قال : «الحمد لله رب العالمين» وإذا قرأ سبح اسم ربك الاعلى ، قال : سرا «سبحان ربي الاعلى» وإذا قرأ يا أيها الذين آمنوا قال : [ لبيك الللهم ] لبيك سرا.

وكان لا ينزل بلدا إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن أبيه * عن آبائه عن علي عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه فأخبرته بما شاهدت منه في ليلة ونهاره وظعنه. وإقامته ، فقال : بلى يا ابن أبي الضحاك هذا خير أهل الارض ، وأعلمهم وأعبدهم ، فلا تخبر أحدا بما شاهدت منه لئلا يظهر فضله إلا على لساني وبالله أستعين على ما أقوى من الرفع منه والاساءة به (١).

٨ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن محمد بن موسى بن نصر الرازي قال : سمعت أبي يقول : قال رجل للرضا عليه‌السلام : والله ما على وجه الارض أشرف منك أبا فقال : التقوى شرفتهم ، وطاعة الله أحظتهم ، فقال له آخر : أنت والله خير الناس فقال له : لا تحلف يا هذا : خير مني من كان أتقى لله عزوجل وأطوع له ، والله ما نسخت هذه الآية «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقيكم» (٢).

٩ ـ ن : عن الصولي ، عن ابن ذكوان قال : سمعت إبراهيم بن العباس يقول : سمعت علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول : حلفت بالعتق ولا أحلف

____________________

(١) على ما أنوى به من الرفع منه والاشادة به خ ل ، راجع عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٨٠ ١٨٣.

(٢) عيون الاخبار ج ٢ ص ٢٣٦.

٩٥

بالعتق إلا أعتقت رقبة ، وأعتقت بعدها جميع ما أملك ، إن كان يرى أنه خير من هذا ، وأومأ إلى عبد أسود من غلمانه ، بقرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أن يكون لي عمل صالح فأكون أفضل به منه (١).

بيان : في بعض النسخ «ولا أحلف بالعتق» بالجملة حالية معترضة بين الحلف والمحلوف عليه ، وهو قوله «إن كان يرى» أي إن كنت أرى ، وهكذا قاله عليه‌السلام : فغيره الراوي فرواه على الغيبة لئلا يتوهم تعلق حكم الحلف بنفسه ، كما في قوله تعالى : «أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين».

وحاصل المعنى أنه عليه‌السلام حلف بالعتق أن فضله على عبده الاسود بمحض قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بدون انضمام الاعتقادات الحسنة والاعمال الصالحة وذلك لا ينافي كونها مع تلك الامور سببا لا على درجات الشرف ، ومعنى المعترضة والحال أن دأبي وشأني أني إذا حلفت بالعتق ، ووقع الحنث أعتقت ريبة ثم أعتقت جميع الرقاب التي في ملكي تبرعا أو للحلف بالعتق ومرجوحيته ، أو المعنى أني هكذا أنوي الحلف بالعتق.

ويحتمل أن يكون غرضه عليه‌السلام كراهة الحلف بالعتق ويكون المعنى أني كلما حلفت بالعتق صادقا أيضا أعتق جميع مماليكي كفارة لذلك.

وعلى التقادير الغرض بيان غلظة هذا اليمين إظهارا لغاية الاعتناء باثبات المحلوف عليه ولا يبعد أن يكون غرضه أني كلما أحلف بالعتق تقية لا أنوي الحلف بل أنوي تنجيز العتق فلذا أعتق رقبة.

ويحتمل أن يكون وأعتقت معطوفا على قوله حلفت ، فيكون قسما ثانيا أو عتقا معلقا بالشرط المذكور ، فيكون ما قبله فقط معترضا.

وفي بعض النسخ «ألا أحلف» فيتضاعف انغلاق الخبر وإشكاله ، ويمكن أن يتكلف بأن المعنى أني حلفت سابقا أو أحلف الآن أن لا أحلف بالعتق لامر من الامور إلا حلفا واحدا ، وهو قوله أعتقت رقبة ، فيكون الكلام مضمنا لحلفين

____________________

(١) المصدر ج ٢ ص ٢٣٧.

٩٦

الاول ترك الحلف بالعتق مطلقا والثاني الحلف بأنه إن كان يرى أنه أفضل بالقرابة يعتق رقبة ويعتق بعدها جميع ما يملك ، فيكون الغرض إبدا عذر لترك الحلف بالعتق بعد ذلك ، وبيان الاعتناء بشأن هذا الحلف ، وابتداء الحلف الثاني قوله إلا أعتقت رقبة ، وعلى التقادير في الخبر تقية لذكر الحلف بالعتق الذي هو موافق للعامة فيه ، هذا غاية ما يمكن أن يتكلف في حل هذا الخبر ، والله يعلم وحججه عليهم‌السلام معاني كلامهم.

١٠ ـ غط : الحميري ، عن اليقطيني قال : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه‌السلام جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة (١).

١١ ـ سن : أبي ، عن معمر بن خلاد قال : كان أبوالحسن الرضا عليه‌السلام إذا أكل أتى بصحفة فتوضع قرب مائدته ، فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شئ شيئا ، فيوضع في تلك الصحفة ، ثم يأمر بها للمساكين ، ثم يتلو هذه الآية «فلا اقتحم العقبة» ثم يقول علم الله عزوجل أن ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة ، فجعل لهم السبيل إلى الجنة [ باطعام الطعام ] (٢).

كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن معمر مثله (٣).

١٢ ـ شا : ابن قولويه ، عن الكليني ، عن علي بن محمد ، عن ابن جمهور ، عن إبراهيم بن عبدالله ، عن أحمد بن عبيد الله ، عن الغفاري قال : كان لرجل من آل أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له فلان على حق فتقاضاني وألح علي فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم توجهت نحو الرضا عليه‌السلام وهو يومئذ بالعريض ، فلما قربت من بابه فاذا هو قد طلع على حمار ، وعليه قميص ورداء فلما نظرت إليه استحييت منه فلما لحقني وقف فنظر إلي فسلمت عليه وكان

____________________

(١) كتاب الغيبة للشيخ الطوسى ص ٥٢.

(٢) كتاب المحاسن ٣٩٢.

(٣) الكافى ج ٤ ص ٥٢.

٩٧

شهر رمضان فقلت له : جعلت فداك لمولاك فلان علي حق وقد والله شهرني وأنا أظن في نفسي أنه يأمره بالكف عني ، والله ما قلت له : كم له علي ولا سميت له شيئا فأمرني بالجلوس إلى رجوعه.

فلم أزل حتى صليت المغرب وأنا صائم فضاق صدري وأردت أن أنصرف فاذا هو قد طلع علي وحوله الناس ، وقد قعد له السؤال ، وهو يتصدق عليهم فمضى فدخل بيته ثم خرج فدعاني فقمت إليه فدخلت معه فجلس وجلست معه فجعلت احدثه عن ابن المسيب وكان أمير المدينة ، وكان كثيرا ما احدثه عنه فلما فرغت قال : ما أظنك أفطرت بعد قلت : لا فدعا لي بطعام فوضع بين يدي ، وأمر الغلام أن يأكل معي فأصبت والغلام من الطعام.

فلما فرغنا قال : ارفع الوسادة وخذ ما تحتها فرفعتها فاذا دنانير فأخذتها ووضعتها في كمي وأمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتى يبلغوا بي منزلي ، فقلت : جعلت فداك إن طائف ابن المسيب يدور ، وأكره أن يلقاني ومعي عبيدك ، قال : أصبت أصاب الله بك الرشاد ، وأمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم.

فلما دنوت من منزلي وآنست رددتهم وصرت إلى منزلي ، ودعوت السراج ونظرت إلى الدنانير فاذا هي ثمانية وأربعون دينارا ، وكان حق الرجل علي ثمانية وعشرين دينارا وكان فيها دينار يلوخ فأعجبني حسنه فأخذته وقربته من السراج ، فاذا عليه نقش واضح «حق الرجل عليك ثمانية وعشرين دينارا وما بقي فهو لك» ولا والله ما كنت عرفت ماله علي على التحديد (١).

١٣ ـ قب : موسى بن يسار قال : كنت مع الرضا عليه‌السلام وقد أشرف على حيطان طوس وسمعت واعية فأتبعتها فاذا نحن بجنازة ، فلما بصرت بها رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه ، ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها ، ثم أقبل يلوذ بهما كما تلوذ السخلة بامها ، ثم أقبل علي وقال : يا موسى بن يسار ، من شيع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه ، حتى إذا وضع الرجل على

____________________

(١) كتب الارشاد ص ٢٨٨.

٩٨

شفير قبره رأيت سيدي قد أقبل فأخرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميت فوضع يده على صدره ، ثم قال : يا فلان بن فلان أبشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة.

فقلت : جعلت فداك هل تعرف الرجل؟ فو الله إنها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا فقال لي : يا موسى بن يسار أما علمت أنا معاشر الائمة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا ومساء؟ فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه ، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه (١).

١٤ ـ قب : الجلاء والشفاء قال محمد بن عيسى اليقطيني : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه‌السلام جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب فيه ثمانية عشر ألف مسألة وقد روى عنه جماعة من المصنفين منهم أبوبكر الخطيب في تاريخه والثعلبي في تفسيره والسمعاني في رسالته وابن المعتز في كتابه وغيرهم (٢).

١٥ ـ قب : سئل الرضا عليه‌السلام عن طعم الخبز والماء فقال : طعم الماء طعم الحياة وطعم الخبز طعم العيش (٣).

ياسر الخادم قال قلت للرضا عليه‌السلام : رأيت في النوم كأن قفصافية سبعة عشر قارورة ، إذ وقع القفص ، فتكسرت القوارير ، فقال : إن صدقت رؤياك يخرج رجل من أهل بيتي يملك سبعة عشر يوما ثم يموت فخرج محمد بن إبراهيم بالكوفة مع أبي السرايا ، فمكث سبعة عشر يوما ثم مات (٤).

١٦ ـ قب : دخل الرضا عليه‌السلام الحمام فقال له بعض الناس : دلكني فجعل يدلكه فعرفوه ، فجعل الرجل يستعذر منه ، وهو يطيب قلبه ويدلكه.

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٤١.

(٢) المناقب ج ٤ ص ٣٥٠.

(٣) المصدر ج ٤ ص ٣٥٣.

(٤) نفس المصدر ج ٤ ص ٣٥٢. ورواه الكلينى في الروضة ص ٢٥٧.

٩٩

وفي المحاضرات : أنه ليس في الارض سبعة أشراف عند الخاص والعام كتب عنهم الحديث إلا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام (١).

يعقوب بن إسحاق النوبختي قال : مر رجل بأبي الحسن الرضا عليه‌السلام فقال له : أعطيني على قدر مروتك ، قال لا يسعني ذلك ، فقال : على قدر مروتي قال : أما إذا فتعم ، ثم قال : يا غلام أعطه مائتي دينار.

وفرق عليه‌السلام بخرسان ماله كله في يوم عرفة ، فقال له الفضل بن سهل : إن هذا لمغرم ، فقال بل هو المغنم ، لا تعدن مغرما ما ابتعت به أجرا وكرما (٢).

١٧ ـ عم : روى الحاكم أبوعبدالله الحافظ باسناده عن الفضل بن العباس عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال : ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه السلام ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الاديان ، وفقهاء الشريعة والمتكلمين ، فغلبهم عن آخرهم ، حتى ما بقي أحد منهم إلا أقر له بالفضل ، وأقر على نفسه بالقصور.

ولقد سمعت علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول : كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون ، فاذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فاجيب عنها.

قال أبوالصلت : ولقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر ، عن أبيه أن موسى بن جعفر عليه‌السلام كان يقول لبنيه : هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم ، واحفظوا ما يقول لكم ، فاني سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما‌السلام غير مرة يقول لي : إن عالم آل محمد لفي صلبك ، وليتني أدركته ، فانه سمي أمير المؤمنين علي.

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٦٢.

(٢) كتاب المناقب ج ٤ ص ٣٦٠ وص ٣٦١.

١٠٠