بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ذلك وخافوا خروج الخلافة عن بني العباس وردها إلى بني فاطمة على الجميع السلام فحصل عندهم من الرضا عليه‌السلام نفور ، وكان عادة الرضا عليه‌السلام إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه يبادر من بالدهليز من الحاشية إلى السلام عليه ورفع الستر بين يديه ليدخل ، فلما حصلت لهم النفرة عنه تواصوا فيما بينهم وقالوا : إذا جاء ليدخل على الخليفة أعرضوا عنه ، ولاترفعوا السترله ، فاتفقوا على ذلك.

فبينا هم قعود إذ جاء الرضا عليه‌السلام على عادته فلم يملكوا أنفسهم أن سلموا عليه ورفعوا الستر على عادتهم ، فلما دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون كونهم ما وقفوا على ما اتفقوا عليه ، وقالوا : النوبة الآتية إذاجاء لا نرفعه له فلما كان في ذلك اليوم جاء فقاموا وسلموا عليه ووقفوا ولم يبتدروا إلى رفع الستر فأرسل الله ريحا شديدة دخلت في الستر فرفعته أكثر مما كانوا يرفعونه ثم دخل فسكنت الريح فعاد إلى ما كان ، فلما خرج عادت الريح دخلت في الستر رفعته حتى خرج ، ثم سكنت فعاد الستر.

فلما ذهب أقبل بعضهم على بعض وقالوا : هل رأيتم؟ قالوا : نعم ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم هذا رجل له عند الله منزلة ولله به عناية ، ألم تروا أنكم لما لم ترفعوا له الستر أرسل الله الريح وسخرها له لرفع الستر كما سخرها لسليمان ، فارجعوا إلى خدمته فهو خير لكم ، فعادوا إلى ماكانوا عليه وزادت عقيدتهم فيه.

ومنها أنه كان بخراسان امرأة تسمى زينب فادعت أنها علوية من سلالة فاطمة عليها‌السلام ، وصارت تصول على أهل خراسان بنسبها ، فسمع بها علي الرضا عليه‌السلام فلم يعرف نسبهافا حضرت إليه فرد نسبها وقال : هذه كذابة ، فسفهت عليه وقالت : كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك.

فأخذته الغيرة العلوية فقال عليه‌السلام لسلطان خراسان وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع ، فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين يسمى ذلك الموضع بركة السباع ، فأخذ الرضا عليه‌السلام بيد تلك المرأة وأحضرها عند ذلك السلطان وقال : هذه كذابة على علي وفاطمة عليهما‌السلام ، وليست من نسلهما فان من كان حقا

٦١

بضعة من علي وفاطمة فان لحمه حرام على السباع فألقوها في بركة السباع فان كانت صادقة فان السباع لاتقربها ، وإن كانت كاذبة فتفترسها السباع.

فلما سمعت ذلك منه قالت : فانزل أنت إلى السباع فان كنت صادقا فانها لاتقربك ولاتفترسك ، فلم يكلمها وقام ، فقال له ذلك السلطان : إلى أين؟ قال : إلى بركة السباع ، والله لانزلن إليها ، فقام فقام السلطان والناس والحاشية ، وجاؤا وفتحوا باب البركة فنزل الرضا عليه‌السلام والناس ينظرون من أعلى البركة ، فلما حصل بين السباع أقعت جميعها إلى الارض على أذنابها ، وصار يأتي إلى واحد واحد ، يمسح وجهه ورأسه وظهره ، والسبع يبصبص له هكذا إلى أن أتى على الجميع ثم طلع والناس يبصرونه.

فقال لذلك السلطان : أنزل هذه الكذابة على علي وفاطمة ليتبين لك فامتنعت فألزمها ذلك السلطان وأمر أعوانه بالقائها فمذرآها السباع ، وثبوا إليها وافتر سوها ، فاشتهر اسمها بخراسان بزينب الكذابة ، وحديثها هناك مشهور (١)

٨٠ ـ كشف : من دلائل الحميري ، عن سليمان الجعفري قال : قال لي الرضا عليه‌السلام : اشترلي جارية من صفتها كذا وكذا فأصبت له جارية عند رجل من أهل المدينة كما وصف فاشتريتها ودفعت الثمن إلى مولاها وجئت بها إليه فأعجبته ووقعت منه ، فمكثت أياما ثم لقيني مولاها وهو يبكي فقال : الله الله في لست أتهنأ العيش وليس لي قرار ولانوم ، فكلم أبا الحسن يرد عى الجارية ويأخذ الثمن فقلت : أمجنون أنت؟ أنا أجترئ أن أقول له يردها عليك ، فدخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فقال لي : مبتدئا ياسليمان صاحب الجارية يريد أن أردها عليه؟ قلت : إي والله قد سألني أن أسألك قال : فردها عليه وخذ الثمن ، ففعلت ومكثنا أياما ثم لقيني مولاها فقال : جعلت فداك سل أبا الحسن يقبل الجارية فاني لا أنتفع بها ولا أقدر أدنو منها ، قلت : لا أقدر أبتدئه بهذا قال : فدخلت على أبي الحسن فقال : ياسليمان صاحب الجارية يريد أن أقبضها منه ، وأرد عليه الثمن؟ قلت : قد سألني

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ٧١ ـ ٧٤.

٦٢

ذلك قال : فرد علي الجارية وخذ الثمن (١).

وعن الحسن بن علي الوشاء قال : قال فلان بن محرز : بلغنا أن أبا عبدالله عليه‌السلام كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة فاحب أن تسأل أبا الحسن الثاني عن ذلك قال الوشاء : فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال : كان أبوعبدالله إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ للصلاة وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة فخرجت إلى الرجل فقلت : قد أجابني عن مسألتك من غير أن أسأله (٢).

وعن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : قال لي ابتداء : إن أبي كان عندي البارحة ، قلت : أبوك؟ قال : أبي قلت : أبوك؟ قال أبي في المنام إن جعفرا كان يجيئ إلى أبي فيقول : يابني افعل كذا ، يابني افعل كذا ، يا بني افعل كذا قال : فدخلت عليه بعد ذلك فقال : ياحسن إن منامنا ويقظتنا واحد.

وعن علي بن محمد القاشاني قال : أخبرني بعض أصحابنا أنه حمل إلى الرضا عليه‌السلام مالا له خطر ، فلم أره سربه ، فاغتممت لذلك وقلت في نفسي : قد حملت مثل هذا المال ، وماسربه ، فقال : ياغلام الطست والماء ، وقعد على كرسي وقال للغلام : صب علي الماء ، فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب ، ثم التفت إلي وقال : من كان هكذا لايبالي بالذي حمل إليه (٣).

وعن موسى بن عمران قال : رأيت علي بن موسى في مسجد المدينة وهارون يخطب قال : تروني وإياه ندفن في بيت واحد (٤).

٨١ ـ كش : حمدويه ، عن الحسن بن موسى ، عن علي بن خطاب وكان

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) المصدر ج ٣ ص ١٣٦.

(٣) نفس المصدر ج ٣ ص ١٣٧.

(٤) نفس المصدر ج ٣ ص ١٣٨.

٦٣

واقفيا قال : كنت في الموقف يوم عرفة فجاء أبوالحسن الراضا عليه‌السلام ومعه بعض بني عمه ، فوقف أمامي وكنت محموما شديد الحمى ، وقد أصابني عطش شديد قال : فقال الرضا عليه‌السلام لغلام له شيئا لم أعرفه فنزل الغلام فجاء بماء في مشربة فناوله فشرب وصب الفضلة على رأسه من الحر ثم قال : املا فملا الشربة.

ثم قال : اذهب فاسق ذلك الشيخ ، قال : فجاءني بالماء فقال لي : أنت موعوك؟ قلت : نعم ، قال : اشرب ، قال : فشربت قال : فذهبت والله الحمى فقال لي يزيد بن إسحاق : ويحك يا علي فما تريد بعد هذا ماتنتظر؟ قال : يا أخي دعنا.

قال له يزيد : فحدثت بحديث إبراهيم بن شعيب وكان واقفيا مثله قال : كنت في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى جنبي إنسان ضخم آدم ، فقلت له : ممن الرجل؟ فقال لي : مولى لبني هاشم ، قلت : فمن أعلم بني هاشم؟ قال : الرضا عليه‌السلام قلت : فما باله لا يجيئ عنه كما جاء عن آبائه ، قال : فقال لي : ما أدري ماتقول ونهض وتركني فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءني بكتاب فدفعه إلى فقرأته فاذا خط ليس بجيد ، فإذا فيه : يا إبراهيم إنك تحكي (١) من آبائك وإن لك من الولد كذاوكذا من الذكور فلان وفلان ، حتى عدهم بأسمائهم ، ولك من البنات فلانة وفلانة حتى عد جميع البنات بأسمائهن.

قال : فكانت له بنت تلقب بالجعفرية قال : فخط على اسمها فلما قرأت الكتاب قال لي : هاته ، قلت : دعه قال : لا ، امرت أن آخذه منك ، قال : فدفعته إليه قال الحسن : فأجدهما ماتا على شكهما (٢).

بيان : تحكي من آبائك أي تشبههم في الخلقة أو عدد الاولاد ، أو أنك تحكي عن آبائك فلا اخبرك بأسمائهم ولكن اخبرك بأسماء أولادك لخفائهاو لايبعد أن يكون تصحيف آبائي أي تحكي عن آبائي أنه كان يظهر منهم المعجزات فها أنا أيضا اظهرها.

____________________

(١) في المصدر : نجل.

(٢) رجال الكشى ص ٣٩٨ الرقم ٣٤١.

٦٤

٨٢ ـ كش : نصر بن الصباح قال : حدثني إسحاق بن محمد ، عن محمد بن عبدالله بن مهران ، عن أحمد بن محمد بن مطر وزكريا اللؤلوئي قال إبراهيم بن شعيب : كنت جالسا في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى جانبي رجل من أهل المدينة فحادثنه مليا وسألني من أين أنت؟ فأخبرته أني رجل من أهل العراق ، قلت له : فمن أنت؟ قال : مولى لابي الحسن الرضا عليه‌السلام فقلت له : لي إليك حاجة قال : وماهي؟ قلت : توصل إليه ، رقعة قال : نعم ، إذا شئت ، فخرجت وأخذت قرطاسا وكتبت فيه «بسم الله الرحمن الرحيم إن من كان قبلك من آبائك كان يخبرنا بأشياء فيها دلالات وبراهين ، وقد أحببت أن تخبرني باسمي واسم أبي وولدي ، قال : ثم ختمت الكتاب ودفعته إليه ، فلما كان من الغد أتاني بكتاب مختوم ففضضته وقرأته فإذا في أسفل من الكتاب بخط ردي «بسم الله الرحمن الرحيم يا إبراهيم إن من آبائك شعيبا وصالحا وإن من أبنائك محمدا وعليا وفلانة وفلانة غير أنه زاد أسماء لانعرفها ، قال : فقال له بعض أهل المجلس : اعلم أنه كما صدقك في غيرها فقد صدقك فيها فابحث عنها (١).

٨٣ ـ قب : عن إبراهيم مثله وفي آخره فقال الناس له : اسم حنث (٢).

بيان : لعل المعنى أنها اسم أولاد الزنا الذين لاتعرفهم ، فانه يقال لولد الزنا ولد الحنث لانه حصل بالاثم.

٨٤ ـ كش : حمدويه ، عن محمد بن عيسى ، عن على بن الحسين بن عبدالله (٣)

____________________

(١) المصدرص ٣٩٩ و ٤٠٠.

(٢) مناقب ابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣٧١ ، وفيه : اسم حنث أنبأك ، وقال المحشى في الذيل ، كذا في النسخ المتقنة الموجودة عندى ، واما النسخة المطبوعة بالغرى فقد أبدلها بمافى نسخة الكشى سواء.

(٣) في المصدر المطبوع جديدا بالنجف وكان عليه معولنا ( على بن الحسين بن عبدربه ) وقال المحشى في الذيل : في النسخة المطبوعة ( عبدالله ) بدل ( عبدربه ) والتصحيح من كتاب الرجال ) أقول : عنونه الاردبيلى في جامع الرواة مرتين باللفظين وحكم بانهما

٦٥

قال : سألته أن ينسئ في أجلي فقال : إن تلقى ربك ليغفر لك ، خير لك ، فحدث بذلك إخوانه بمكة ثم مات بالخزيمية بالمنصرف من سنته ، وهذه في سنة تسع وعشرين ومائتين رحمه‌الله فقال : فقد نعى إلي نفسي (١).

٨٥ ـ كش : محمد بن مسعود ، عن محمد بن نصير ، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال : كتب إليه علي بن الحسين بن عبدالله يسأله الدعاء في زيادة عمره حتى يرى مايحب فكتب إليه في جوابه : تصيرإلى رحمة الله خير لك فتوفى الرجل بالخزيمية (٢).

٨٦ ـ كش : وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار بخطه حدثني الحسن ابن أحمد المالكي عن عبدالله بن طاوس قال : قلت للرضا عليه‌السلام : إن يحيى بن خالد سم أباك موسى بن جعفر صلوات الله عليهما؟ قال : نعم ، سمه في ثلاثين رطبة ، قلت له : فما كان يعلم أنها مسمومة؟ قال : غاب عنه المحدث ، قلت : ومن المحدث؟ قال : ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الائمة عليهم‌السلام وليس كلما طلب وجدثم قال : إنك ستعمر فعاش مائة سنة (٣).

٨٧ ـ كش : حمدويه ، عن الحسن بن موسى ، عن الحسين بن القاسم (٤)

____________________

شخص واحد. وفيه نقلا عن رجال الاستر آبادى بعد ذكر الخبر الاتى عن محمد بن نصير عن محمد بن عيسى : ( وهذا ربمانبه على ان على بن الحسين بن عبدربه ، هوعلى بن الحسين بن عبدالله وهو غير بعيد ، وعندى انه على وجه ليس بغلط في النسخ ، بل لانه كان يقال عليه الاسمان ، ولو لقبا وكناية ، والله اعلم ) انتهى.

(١) رجال الكشى ص ٤٣٠.

(٢) رجال الكشى ص ٤٣٠ ، والخزيمية منزلة من منازل الحاج بين الاجفر والثعلبية ، قاله الفيروز آبادى.

(٣) رجال الكشى ص ٥٠٣ في حديث.

(٤) كذا في نسخة الكمبانى. وفى المصدر المطبوع وهكذا جامع الرواة وغير ذلك نقلا عن الكشى ( الحسن بن القاسم ) ، وقال الممقانى : ان الشيخ عد الحسين بن قاسم في رجاله من أصحاب الرضا عليه‌السلام واستظهر بعضهم كونه مصحف الحسن ليكون موافقا

٦٦

قال : حضر بعض ولد جعفر عليه‌السلام الموت فأبطأ عليه الرضا عليه‌السلام فغمني ذلك لابطائه عن عمه قال : ثم جاء فلم يلبث أن قام ، قال الحسين : فقمت معه فقلت له : جعلت فداك عمك في الحال التي هو فيها تقوم وتدعه ، فقال عمي يدفن فلا نا يعني الذي هو عندهم ، قال : فوالله ما لبثنا أن تماثل المريض ، ودفن أخاه الذي كان عندهم صحيحا ، قال الحسن الخشاب : وكان الحسين بن القاسم يعرف الحق بعد ذلك ويقول به (١).

بيان : تماثل العليل قارب البرء.

٨٨ ـ كا : محمدبن يحيى ، عن أحمد بن محمد وغيره ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن عمر بن يزيد قال : دخلت على الرضا عليه‌السلام وأنا يومئذ واقف وقد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل فأجابه في ست وأمسك عن السابعة ، فقلت : والله لا سألنه عما سأل أبي أباه ، فان أجاب بمثل جواب أبيه فكانت دلالة فسألته فأجاب بمثل جواب أبيه أبي في المسائل الست فلم يزد في الجواب واوا ولا ياء وأمسك عن السابعة وقد كان أبي قال لابيه : إني أحتج عليك عندالله يوم القيامة أنك زعمت أن عبدالله لم يكن إماما فوضع يده إلى عنقه ثم قال : نعم ، احتج على بذلك عندالله عزوجل فما كان فيه من إثم فهو في رقبتي.

فلما ودعته قال : إنه ليس أحد من شيعتنا يبتلي ببلية أو يشتكي فيصبر على ذلك إلا كتب الله له أجر ألف شهيد ، فقلت في نفسي : والله ما كان لهذا ذكر.

____________________

لهذا الذى في كش ، وقال صاحب قاموس الرجال : قلت بعد كون نسخة الكشى كثيرة التحريف فليستظهر أن الحسن هذا مصحف الحسين ليكون موافقا لما في رجال الشيخ ، مع أن نسخ الكشى في هذا مختلفة بين الحسن والحسين ، ولذا عنونه القهبانى هنا ، وقال : سجيئ في الحسين ، وعنونه في الحسين أيضا ونقل الخبر مع اختلاف فيه ، راجع قاموس الرجال ج ٣ ص ٢٢٥.

(١) رجال الكشى ص ٥١٠.

٦٧

فلما مضيت وكنت في بعض الطريق خرج بي عرق المدني (١) فلقيت منه شدة فلما كان من قابل حججت فدخلت عليه ، وقد بقي من وجعي بقية فشكوت إليه وقلت له : جعلت فداك عوذ رجلي وبسطتها بين يديه ، فقال لي : ليس على رجلك هذه بأس ، ولكن أرني رجلك الصحيحه ، فبسطتها بين يديه فعوذها فلما خرجت لم ألبث إلا يسيرا حتي خرج بي العرق وكان وجعه يسيرا (٢).

٨٩ ـ كا : أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن ابن قياما الواسطي وكان من الواقفة قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام فقلت له : يكون إمامان؟ قال : لا إلا وأحدهما صامت ، فقلت له : هو ذا أنت ليس لك صامت ، ولم يكن ولد له أبوجعفر عليه‌السلام بعد ، فقال : والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ويمحق به الباطل وأهله ، فولد له بعد سنة أبوجعفر عليه‌السلام فقيل لابن قياما : ألا تقنعك هذه الآية؟ فقال : اما والله إنها لآية عظيمة ، ولكن كيف أصنع بما قال أبوعبدالله عليه‌السلام في ابنه (٣).

٩٠ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء قال : أتيت خراسان وأنا واقف فحملت معي متاعا وكان معي ثوب وشي (٤) في بعض الرزم ولم أشعر به ولم أعرف مكانه ، فلما قدمت مرو ونزلت في بعض منازلها لم أشعر إلا ورجل مدني من بعض مولديها فقال لي : إن أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول لك :

____________________

(١) عرق المدينى أو المدنى مركب اضافى ، وهو خيط يخرج من الرجل تدريجا ويشتد وجعه ، منه رحمه‌الله في مرآت العقول.

(٢) الكافى ج ١ ص ٣٥٤.

(٣) الكافى ج ١ ص ٣٢١ و ٣٥٤.

(٤) يقال : وشى الثوب يشيه وشيا : نمنمه ونقشه وحسنه ، فهو واش والثوب موشى فالوشى مصدر يقال على نقش الثوب ويكون من كل نوع من الثياب الموشية تسمية بالمصدر والوشاء كشداد مبالغة في الواشى ، والذى يبيع ثياب الابريسم. وأما الرزم فهو جمع رزمة ماشد في ثوب واحد.

٦٨

ابعث إلي الثوب الوشي الذي عندك ، قال : فقلت : ومن أخبر أبا الحسن بقدومي وأنا قدمت آنفا وما عندي ثوب وشي ، فرجع إليه وعاد إلي فقال : يقول لك : بلى هو في موضع كذاوكذا ورزمة كذا وكذا فطلبته حيث قال : فوجدته في أسفل الرزمة فبعثت به إليه. (١)

٩١ ـ كا : علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عمن ذكره عن محمد بن جحرش قال : حدثتني حكيمة بنت موسى قالت : رأيت الرضا عليه‌السلام واقفا على باب بيت الحطب وهو يناجي ولست أرى أحدا فقلت : ياسيدي لمن تناجي؟ فقال : هذا عامر الزاهرائي أتاني يسألني ويشكو إلي فقلت : ياسيدي احب أن أسمع كلامه ، فقال لي : إنك إن سمعت به حممت سنة فقلت : ياسيدي احب أن أسمعه ، فقال لي : اسمعي فاستمعت فسمعت شبه الصفيرور كبتنى الحمى فحممت سنة (٢).

٩٢ ـ قب : مرسلا مثله (٣).

٩٣ ـ عيون المعجزات : روي عن الحسن بن علي الوشا قال : شخصت إلى خراسان ومعي حلل وشي للتجارة فوردت مدينة مرو ليلا وكنت أقول بالوقف على موسى بن جعفر عليهما‌السلام فوافق موضع نزولي غلام أسود كأنه من أهل المدينة فقال لي : يقول لك سيدي : وجه إلي بالحبرة التي معك لاكفن بها مولى لنا قد توفي فقلت له : ومن سيدك؟ قال : علي بن موسى الرضا عليه‌السلام فقلت : مامعي حبرة ولا حلة إلا وقد بعتها في الطريق ، فمضى ثم عاد إلي فقال لي : بلى قدبقيت الحبرة قبلك فقلت له : إني ما أعلمها معي فمضى وعاد الثالثة فقال : هي في عرض السفط الفلاني فقلت : في نفسي إن صح قوله فهي دلالة وكانت ابنتي قد دفعت إلي حبرة وقال : ابتع لي بثمنها شيئا من الفيروزج والسبج من خراسان ونسيتها

____________________

(١) الكافى ج ١ ص ٣٣٥.

(٢) الكافى ج ١ ص ٣٩٥.

(٣) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٤٤ ، وفيه عامر الدهرائى.

٦٩

فقلت : لغلامي هات هذا السفط الذي ذكره ، فأخرجه إلي وفتحه ، فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه ، فدفعتها إليه وقلت : لا آخذلها ثمنا فعاد إلي وقال : تهدي ماليس لك؟ دفعتها إليها ابنتك فلانة ، وسألتك بيعها وأن تبتاع لها بثمنها فيروزجا وسبجا (١) فابتع لها بهذا ماسألت ، ووجه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان.

فعجبت مما ورد علي وقلت : والله لاكتبن له مسائل أنا شاك فيها ولامتحننه بمسائل سئل أبوه عليه‌السلام عنها فأثبت تلك المسائل في درج وعدت إلى بابه والمسائل في كمي ومعي صديق لي مخالف ، لايعلم شرح هذا الامر.

فلما وافيت بابه رأيت العرب والقواد والجند يدخلون إليه ، فجلست ناحية داره وقلت في نفسي : متى أنا أصل إلى هذا وأنا متفكر ، وقد طال قعودي وهممت بالانصراف إذ خرج خادم يتصفح الوجوه ، ويقول أين ابن ابنة إلياس؟ فقلت : ها أنا ذا فأخرج من كمه درجا وقال : هذا جواب مسائلك وتفسيرها ، ففتحته وإذا فيه المسائل التي في كمي وجوابها وتفسيرها ، فقلت : اشهد الله ورسوله على نفسي أنك حجة الله ، وأستغفرالله وأتوب إليه ، وقمت ، فقال لي رفيقي : إلى أين تسرع؟ فقلت قد قضيت حاجتي في هذا الوقت ، وأنا أعود للقائه بعد هذا.

عم ، قب : مما روته العامة من معجزاته روى الحسن بن محمد بن أحمد السمر قندي المحدث بالاسناد عن الحسن بن علي الوشاء مثله (٢).

____________________

(١) الفيروزج : حجر كريم معروف وفتح فائه أشهر من كسرها ، والسبج معرب " شبه» محركة خرز أسود شديد السواد ، قال في البرهان : هو حجر أسود له بريق يشبه الكهرباء في اللطافة والخفة طبيعته بارد يابس وله خواص عديدة ، يصنع منه الخاتم ، وغير ذلك ، اه ، وأما قراءة المصنف «السيح» وهو ضرب من البرود والعباء المخطط ، فلا يناسب ذكر الفيروزج ، مع أن البرد أيضا نوع من الحبرة فقد رغبت ابنته عنها لتبتاع بثمنها ماترغب فيه النساء من الحلى والحلل ، لا أن تستبدل حبرتها بعباءة.

(٢) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٣٦.

٧٠

بيان : السيح ضرب من البرود وعباءة مخططة (١).

٩٤ ـ يج : روى مسافر قال : أمر أبوإبراهيم عليه‌السلام حين اخرج به أبا الحسن عليه‌السلام أن ينام على بابه في كل ليلة أبدا مادام حيا إلى أن يأتيه خبره قال : فكنا نفرش في كل ليلة لابي الحسن في الدهليز ثم يأتي بعد العشاء الآخرة فينام فاذا أصبح انصرف إلى منزله ، وكنا ربما خبأنا الشئ منه مما يؤكل فيجيئ ويخرجه ويعلمنا أنه علم به ماكان ينبغي أن يخبأ منه.

فلما كان ليلة أبطأعنا واستوحش العيان وذعروا ، ودخلنا من ذلك مدخل عظيم ، فلما كان من الغد أتى الدار ودخل على العيان ، وقصد إلى ام أحمد وقال لها : هاتي الذي أو دعك أبي! فصرخت ولطمت وشقت وقالت : مات سيدي فكفها وقال : لاتتكلمي حتى يجيئ الخبر فدفعت إليه سفطا (٢).

أقول : سنورد كثيرا من معجزاته عليه‌السلام في الابواب الآتية لكونها أنسب بها.

٩٥ ـ وروى البرسي في مشارق الانوار أن رجلا من الواقفة جمع مسائل مشكلة في طومار وقال في نفسه : إن عرف الرضا عليه‌السلام معناه فهو ولي الامر فلما أتى الباب ، وقف ليخف المجلس ، فخرج إليه الخادم وبيده رقعة فيها جواب مسائله بخط الامام عليه‌السلام ، فقال له الخادم : أين الطومار؟ فأخرجه فقال له : يقول لك ولي الله : هذا جواب مافيه فأخذه ومضى.

قال : وروي أنه عليه‌السلام قال يوما في مجلسه لا إله إلا الله ، مات فلان ، فصبر هنيئة وقال : لا إله إلا الله غسل وكفن وحمل إلى حفرته ، ثم صبر هنيئة وقال : لا إله إلا الله وضع في قبره وسئل عن ربه فأجاب ثم سئل عن نبيه فأقر ثم سئل عن إمامه فعدهم حتى وقف عندي فما باله وقف ، وكان الرجل واقفيا.

____________________

(١) الصحاح ص ٣٧٧.

(٢) لم نجده في الخرائج والجرائح ورواه الكلينى في الكافى ج ١ ص ٣٨١.

٧١

وقال : إن الرضا عليه‌السلام لما قدم من خراسان توجهت إليه الشيعة من الاطراف ، وكان علي بن أسباط قد توجه إليه بهدايا وتحف ، فاخذت القافلة واخذ ماله وهداياه وضرب على فيه فانتثرت نواجده ، فرجع إلى قرية هناك فنام فرأى الرضا عليه‌السلام في منامه وهو يقول : لاتحزن إن هداياك ومالك وصلت إلينا وأما همك بثناياك فخذ من السعد المسحوق واحش به فاك قال : فانتبه مسرورا وأخذ من السعد وحشا به فاه فرد الله عليه نواجده ، قال : فلما وصل إلى الرضا عليه‌السلام ودخل عليه ، قال : قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقا فادخل هذه الخزانة فانظر ، فدخل فاذا ماله وهداياه كلها علاحدته.

٩٦ ـ دعوات الراوندى : عن محمد بن علي عليهما‌السلام قال : مرض رجل من أصحاب الرضا عليه‌السلام فعاده فقال : كيف تجدك؟ قال : لقيت الموت بعدك ، يريد ما لقيه من شدة مرضه فقال : كيف لقيته قال : شديدا أليما قال : مالقيته إنما لقيت مايبدؤك به ويعرفك بعض حاله إنما الناس رجلان : مستريح بالموت ومستراح منه فجدد الايمان بالله وبالولاية تكن مستريحا ففعل الرجل ذلك ثم قال : يا ابن رسول الله هذه ملائكة ربي بالتحيات والتحف يسلمون عليك وهم قيام بين يديك فائذن لهم في الجلوس فقال الرضا عليه‌السلام اجلسوا ملائكة ربي ثم قال للمريض : سلهم امروا بالقيام بحضرتي؟ فقال المريض : سألتهم فذكروا أنه لو حضرك كل من خلقه الله من ملائكته لقاموا لك ولم يجلسوا حتى تأذن لهم هكذا أمرهم الله عزوجل ثم غمض الرجل عينيه وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله هذا شخصك ماثل لي مع أشخاص محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده من الائمة وقضى الرجل.

٧٢

(٤)

* ( باب ) *

* ( وروده عليه‌السلام البصرة والكوفة وما ظهر منه عليه‌السلام ) *

* ( فيهما من الاحتجاجات والمعجزات ) *

١ ـ يج : روي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال : لما توفي موسى بن جعفر عليهما‌السلام أتيت المدينة فدخلت على الرضا عليه‌السلام فسلمت عليه بالامر وأوصلت إليه ماكان معي ، وقلت : إني سائر إلى البصرة ، وعرفت كثرة خلاف الناس وقد نعي إليهم موسى عليه‌السلام وما أشك أنهم سيسألوني عن براهين الامام ، ولو أريتني شيئا من ذلك فقال الرضا عليه‌السلام لم يخف علي هذا فأبلغ أولياءنا بالبصرة وغيرها أني قادم عليهم ولاقوة إلا بالله ثم أخرج إلي جميع ماكان للنبي عندالائمة من بردته وقضيبه وسلاحه وغير ذلك ، فقلت : ومتى تقدم عليهم؟ قال : بعد ثلاثة أيام من وصولك ودخولك البصرة ، فلما قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم : إني إتيت موسى بن جعفر قبل وفاته بيوم واحد فقال إني ميت لامحالة فاذا واريتنى في لحدي فلا تقيمن وتوجه إلى المدينة بودائعي هذه ، وأوصلها إلى ابني على بن موسى فهو وصيي وصاحب الامر بعدي ، ففعلت ما أمرني به وأوصلت الودائع إليه وهو يوافيكم إلى ثلاثة أيام من يومي هذا فسألوه عما شئتم.

فابتدر الكلام عمر وبن هداب (١) عن القوم وكان ناصبيا ينحو نحو التزيد والاعتزال ، فقال : يامحمد إن الحسن بن محمد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه وزهده وعلمه وسنة ، وليس هو كشاب مثل علي بن موسى ولعله لو سئل عن شئ من معضلات الاحكام لحار في ذلك ، فقال الحسن بن محمد وكان حاضرا

____________________

(١) قال الفيروز آبادى : وهدبة بن خالد ويعرف بهداب ككتان محدث.

٧٣

في المجلس : لاتقل ياعمرو ذلك فان عليا على ماوصف من الفضل ، وهذا محمد بن الفضل يقول : إنه يقدم إلى ثلاثة أيام فكفاك به دليلا ، وتفرقوا.

فلما كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا عليه‌السلام قد وافى فقصد منزل الحسن بن محمد داخلا له داره ، وقام بين يديه ، يتصرف بين أمره ونهيه فقال : يا [ حسن بن ] محمد أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمد بن الفضل وغير هم من شيعتنا وأحضر جاثليق النصارى ورأس الجالوت ، ومر القوم يسألوا عما بدالهم فجمعهم كلهم والزيدية والمعتزلة ، وهم لا يعلمون لمايدعوهم الحسن بن محمد فلما تكاموا ثني للرضا عليه‌السلام وسادة فجلس عليها ثم قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام؟ قالوا : لا ، قال : لتطمئن أنفسكم ، قالوا : من أنت يرحمك الله قال : أنا على بن موسى بن جعفر بن محمدبن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب وابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صليت اليوم صلاة الفجر في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع والي المدينة ، وأقرأني بعد أن صلينا كتاب صاحبه إليه واستشارني في كثير من اموره فأشرت عليه بما فيه الحظ له ووعدته أن يصير إلى بالعشى بعد العصر من هذا اليوم ، ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه ، وأنا واف له بما وعدته ولاحول ولاقوة إلا بالله.

فقالت الجماعة : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مانريد مع هذا الدليل برهانا وأنت عندنا الصادق القول ، وقاموا لينصرفوا فقال لهم الرضا عليه‌السلام لاتتفرقوا فانى إنما جمعتكم لتسألوا عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الامامة التي لاتجدونها إلا عندنا أهل البيت فهلموا مسائلكم.

فابتدأ عمر وبن هداب فقال : إن محمد بن الفضل الهاشمي ذكر عنك أشياء لاتقبلها القلوب ، فقال الرضا عليه‌السلام : وماتلك؟ قال : أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله وأنك تعرف كل لسان ولغة ، فقال الرضا عليه‌السلام : صدق محمد بن الفضل فأنا أخبرنا بذلك فهلموا فاسألوا قال : فانا نختبرك قبل كل شئ بالالسن واللغات

٧٤

وهذا رومي وهذا هندي وفارسي وتركي فأحضرنا هم فقال عليه‌السلام فليتكلموا بما أحبوا اجب كل واحد منهم بلسانه إنشاءالله.

فسأل كل واحد منهم مسألة بلسانه ولغته ، فأجابهم عما سألوا بألسنتهم ولغاتهم فتحير الناس وتعجبوا وأقروا جميعا بأنه أفصح منهم بلغاتهم.

ثم نظر الرضا عليه‌السلام إلى ابن هداب فقال : إن أنا أخبرتك أنك ستبتلى في هذه الايام بدم ذي رحم لك كنت مصدقا لي؟ قال : لا ، فان الغيب لايعلمه إلا الله تعالى ، قال عليه‌السلام : أوليس الله يقول : «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول» (١) فرسول الله عند الله مرتضى ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ماشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وإن الذي أخبرتك به يا ابن هداب لكائن إلى خمسة أيام فان لم يصح ماقلت في هذه المدة (٢) فاني كذاب مفتر ، وإن صح فتعلم أنك الراد على الله ورسوله ، ، وذلك دلالة اخرى ، وأما إنك ستصاب ببصرك وتصير مكفوفا فلا تبصر سهلا ولا جبلا ، وهذا كائن بعد أيام ، ولك عندي دلالة اخرى إنك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص.

قال محمد بن الفضل : تالله لقد نزل ذلك كله بابن هداب ، فقيل له : صدق الرضا أم كذب؟ قال والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنه كائن ولكنني كنت أتجلد.

ثم إن الرضا التفت إلى الجاثليق فقال : هل دل الانجيل على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : لودل الانجيل على ذلك ماجحدناه ، فقال عليه‌السلام : أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث فقال الجاثليق اسم من أسماء الله تعالى لايجوز لنا أن نظهره قال الرضا عليه‌السلام : فان قر رتك أنه اسم محمد وذكره وأقر عيسى به

____________________

(١) الجن : ٢٧.

(٢) في المصدر وهكذا نسخة الكمبانى زيادة «إلا» وهو سهو.

٧٥

وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقر به ولاتنكره؟ قال الجاثليق : إن فعلت أقررت فاني لا أرد الانجيل ولا أجحد ، قال الرضا عليه‌السلام فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد وبشارة عيسى بمحمد ، قال الجاثليق : هات! فأقبل الرضا عليه‌السلام يتلو ذلك السفر من الانجيل حتى بلغ ذكر محمد فقال : يا جاثليق من هذا الموصوف؟ قال الجاثليق صفه قال : لا أصفه إلا بما وصفه الله ، هو صاحب الناقة والعصا والكساء النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الاقصد ، والمنهاج الاعدل ، والصراط الاقوم.

سألتك ياجاثليق : بحق عيسى روح الله وكلمته ، هل تجدون هذه الصفة في الانجيل لهذا النبي؟ فأطرق الجاثليق مليا وعلم أنه إن جحد الانجيل كفر فقال : نعم هذه الصفة من الانجيل ، وقد ذكر عيسى في الانجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم فقال الرضا عليه‌السلام : أما إذا لم تكفر بجحود الانجيل وأقررت بمافيه من صفة محمد ، فخذ علي في السفر الثاني فاني اوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة ، وذكر الحسن والحسين.

فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا عليه‌السلام عالم بالتوراة والانجيل فقالا : والله قد أتى بمالا يمكننا رده ولا دفعه إلابجحود التوراة والانجيل والزبور ، ولقد بشر به موسى وعيسى جميعا ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا ، فأما اسمه فمحمد فلا يجوز لنا أن نقر لك بنبوته ، ونحن شاكون أنه محمد كم أو غيره ، فقال الرضا عليه‌السلام : احتججتم بالشك فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد؟ أو تجدونه في شئ من الكتب الذي أنزلها الله على جميع الانبياء غير محمد؟ فأحجموا عن جوابه ، وقالوا : لايجوزلنا أن نقرلك بأن محمدا هو محمد كم لانا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الاسلام كرها.

٧٦

فقال الرضا عليه‌السلام أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله وذمة رسوله أنه لا يبدؤك منا شئ تكره مما تخافه وتحذره ، قال : أما إذ قد آمنتني فان هذا النبي الذي اسمه محمد وهذا الوصي الذي اسمه علي وهذه البنت التي اسمها فاطمة ، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والانجيل والزبور [ قال الرضا عليه‌السلام : فهذا الذي ذكرته في التوراة والانجيل والزبور ] (١) من اسم هذا النبي وهذا الوصي وهذه البنت وهذين السبطين ، صدق وعدل أم كذب وزور؟ قال : بل صدق وعدل ، ماقال إلا الحق.

فلما أخذ الرضا عليه‌السلام إقرار الجاثليق بذلك قال لرأس الجالوت : فاسمع الآن يارأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود ، قال : هات بارك الله عليك وعلى من ولدك ، فتلا الرضا عليه‌السلام السفر الاول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فقال : سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود؟ ولك من الامان والذمة والعهد ما قد أعطيته الجاثليق ، فقال رأس الجالوت : نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم قال الرضا عليه‌السلام : بحق العشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟ قال : نعم ، ومن جحدها كافر بربه وأنبيائه.

قال له الرضا عليه‌السلام : فخذ الآن في سفر كذا من التوراة فأقبل الرضا عليه‌السلام يتلو التوراة ورأس الجالوت يتعجب من تلاوته وبيانه ، وفصاحته ولسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد رأس الجالوت : نعم ، هذا أحماد وأليا وبنت أحماد وشبر وشبير تفسيره بالعربية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، فتلا الرضا عليه‌السلام إلى تمامه.

فقال رأس الجالوت لما فرغ من تلاوته : والله يا ابن محمد لولا الرئاسة التي

____________________

(١) مابين العلامتين ساقط من نسخة الكمبانى ، فراجع.

٧٧

حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد واتبعت أمرك فوالله الذي أنزل التوراة على موسى والزبور على داود مارأيت أقرأ للتوراة والانجيل والزبور منك ، ولا رأيت أحسن تفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك.

فلم يزل الرضا عليه‌السلام معهم في ذلك إلى وقت الزوال فقال لهم حين حضر وقت الزوال : أنا اصلي وأصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت والي المدينة ليكتب جواب كتابه وأعود إليكم بكرة إنشاء الله ، قال فأذن عبدالله بن سليمان ، وأقام وتقدم الرضا عليه‌السلام فصلى بالناس وخفف القراءة وركع تمام السنة وانصرف فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك ، فأتوه بجارية رومية فكلمها بالرومية والجاثليق يسمع ، وكان فهما بالرومية ، فقال الرضا عليه‌السلام بالرومية : أيما أحب إليك محمد أم عيسى؟ فقالت : كان فيما مضى عيسى أحب إلي حين لم أكن عرفت محمدا فأمابعد أن عرفت محمدا فمحمد الآن أحب إلي من عيسى ومن كل نبي فقال لها الجاثليق : فاذا كنت دخلت في دين محمد فتبغضين عيسى؟ قالت : معاذ الله بل احب عيسى واؤمن به ولكن محمدا أحب إلي.

فقال الرضا عليه‌السلام للجاثليق : فسر للجماعة ما تكلمت به الجارية وما قلت أنت لها وما أجابتك به ، ففسر لهم الجاثليق ذلك كله ، ثم قال الجاثليق : يا ابن محمد ههنا رجل سندي وهو نصراني صاحب احتجاج وكلام بالسندية ، فقال له : أحضر نيه ، فأحضره فتكلم معه بالسندية ثم أقبل يحاجه وينقله من شئ إلى شئ بالسندية في النصرانية فسمعنا السندي يقول ثبطى [ ثبطى ] ثبطلة ، فقال الرضا عليه‌السلام : قد وحدالله بالسندية.

ثم كلمه في عيسى ومريم فلم يزل يدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسندية : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ثم رفع منطقة كانت عليه فظهر من تحتها زنار في وسطه فقال : اقطعه أنت بيدك يا ابن رسول الله ، فدعا الرضا عليه‌السلام بسكين فقطعه ، ثم قال لمحمد بن الفضل الهاشمي : خذ السندي إلى الحمام وطهره ، واكسه وعياله واحملهم جميعا إلى المدينة.

٧٨

فلما فرغ من مخاطبة القوم ، قال : قد صح عندكم صدق ماكان محمد بن الفضل يلقي عليكم عني؟ قالوا : نعم ، والله لقدبان لنا منك فوق ذلك أضعافا مضاعفة ، وقد ذكرلنا محمد بن الفضل أنك تحمل إلى خراسان؟ فقال : صدق محمد إلا (١) أني احمل مكرما معظما مبجلا.

قال محمد بن الفضل : فشهد له الجماعة بالامامة ، وبات عندنا تلك الليلة فلما أصبح ودع الجماعة وأوصاني بما أراد ومضى ، وتبعته حتى إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق فصلى أربع ركعات ثم قال : يا محمد انصرف في حفظ الله غمض طرفك فغمضته ثم قال : افتح عينيك ففتحتهما فاذا أنا على باب منزلي بالبصرة ولم أرى الرضا عليه‌السلام قال : وحملت السندي وعياله إلى المدينة في قت الموسم.

قال محمدبن الفضل : كان فيما أوصاني به الرضا عليه‌السلام في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي : صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك وأعلمهم أني قادم عليهم وأمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري فصرت إلى الكوفة فأعلمت الشيعة أن الرضا عليه‌السلام قادم عليكم فأنا يوما عند نصر بن مزاحم إذ مربي سلام خادم الرضا فعلمت أن الرضا عليه‌السلام قد قدم ، فبادرت إلى دار حفص بن عمير فاذا هو في الدار فسلمت عليه ثم قال لي : احتشد من طعام تصلحه للشيعة ، فقلت : قد احتشدت وفرغت مما يحتاج إليه ، فقال : الحمدلله على توفيقك.

فجمعنا الشيعة ، فلما أكلوا قال : يا محمد انظر من بالكوفة من المتكلمين والعلماء فأحضرهم فأحضرناهم ، فقال لهم الرضا عليه‌السلام : إني اريد أن أجعل لكم خظا من نفسي كما جعلت لاهل البصرة ، وأن الله قد أعلمني كل كتاب أنزله ثم أقبل على جاثليق ، وكان معروفا بالجدل والعلم والانجيل فقال : يا جاثليق هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء يعلقها في عنقه ، إذا كان بالمغرب فأراد المشرق فتحها فأقسم على الله باسم واحد من خمسة الاسماء أن تنطوي له الارض فيصير من المغرب إلى المشرق ، ومن المشرق إلى المغرب في لحظة؟ فقال الجاثليق : لاعلم

____________________

(١) في طبعة الكمبانى ( على أنى ) وهو سهو.

٧٩

لي بها وأما الاسماء الخمسة فقد كانت معه يسأل الله بها أو بواحد منها يعطيه الله جميع ما يسأله قال : الله اكبر إذا لم تنكر الاسماء فأما الصحيفة فلا يضر أقررت بها أم أنكرتها اشهدوا على قوله.

ثم قال : يا معاشر الناس أليس أنصف الناس من حاج خصمه بملته وبكتابه وبنبيه وشريعته؟ قالوا : نعم ، قال الرضا عليه‌السلام : فاعلموا أنه ليس بامام بعد محمد إلا من قام بما قام به محمد حين يفضي الامر إليه ، ولا يصلح للامامة إلا من حاج الامم بالبراهين للامامة ، فقال رأس الجالوت : وما هذا الدليل على الامام؟ قال : أن يكون عالما بالتوراة والانجيل والزبور والقرآن الحكيم ، فيحاج أهل التوراة بتوراتهم وأهل الانجيل بانجيلهم ، وأهل القرآن بقرآنهم ، وأن يكون عالما بجميع اللغات حتى لا يخفى عليه لسان واحد ، فيحاج كل قوم بلغتهم ، ثم يكون مع هذه الخصال تقيا نقيا من كل دنس طاهرا من كل عيب ، عادلا منصفا حكيما رؤفا رحيما غفورا عطوفا صادقا مشفقا بارا أمينا مأمونا راتقا فاتقا.

فقام إليه نصر بن مزاحم فقال : يا ابن رسول الله ما تقول في جعفر بن محمد؟ قال : ما أقول في إمام شهدت امة محمد قاطبة بأنه كان أعلم أهل زمانه ، قال : فما تقول في موسى بن جعفر؟ قال : كان مثله ، قال : فان الناس قد تحيروا في أمره قال : إن موسى بن جعفر عمر برهة من الزمان فكان يكلم الاتباط بلسانهم ، ويكلم أهل خراسان بالدرية وأهل روم بالرومية ، ويكلم العجم بألسنتهم ، وكان يرد عليه من الآفاق علماء اليهود والنصارى ، فيحاجهم بكتبهم وألسنتهم.

فلما نفدت مدته ، وكان وقت وفاته أتاني مولى برسالته يقول : يابني إن الاجل قد نفد ، والمدة قد انقضت ، وأنت وصي أبيك فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان وقت وفاته دعا عليا وأوصاه ودفع إليه الصحيفة التي كان فيها الاسماء التي خص الله بها الانبياء والاوصياء ، ثم قال : ياعلي ادن مني ، فغطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأس علي عليه‌السلام بملاءة ثم قال له : أخرج لسانك ، فأخرجه

٨٠