بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ثم قال عليه‌السلام : يا أبا الصلت غدا أدخل على هذا الفاجر ، فان أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلم أكلمك ، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني قال أبوالصلت : فلما أصبحنا من الغدلبس ثيابه ، وجلس فجعل في محرابه ينظر ، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون ، فقال له : أجب أميرالمؤمنين ، فلبس نعله ورداءه ، وقام ومشى وأنا أتبعه حتى دخل على المأمون ، وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة ، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه ، وبقي بعضه.

فلما أبصر الرضا عليه‌السلام وثب إليه فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه ثم ناوله العنقود ، وقال : يا ابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا ، فقال له الرضا عليه‌السلام : ربما كان عنبا حسنا يكون من الجنة فقال له : كل منه ، فقال له الرضا عليه‌السلام : تعفيني عنه ، فقال : لابد من ذلك وما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشئ فتناول العنقود فأكل منه ، ثم ناوله فأكل منه الرضا عليه‌السلام ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال المأمون : إلى أين؟ فقال : إلى حيث وجهتني ، وخرج مغطى الرأس فلم اكلمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب فغلق ثم نام على فراشه ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا.

فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه ، قطط الشعر ، أشبه الناس بالرضا عليه‌السلام فبادرت إليه وقلت له : من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال : الذي جاءبي من المدينة في هذا الوقت هوالذي أدخلني الدار والباب مغلق ، فقلت له : ومن أنت؟ فقال لي : أنا حجة الله عليك ، يا أبا الصلت أنا محمد بن علي. ثم مضى نحو أبيه عليه‌السلام فدخل وأمرني بالدخول معه ، فلما نظر إليه الرضا عليه‌السلام وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره ، وقبل ما بين عينيه ، ثم سحبه سحبا في فراشه وأكب عليه محمد بن علي عليها‌السلام يقبله ويساره بشئ لم أفهمه.

ورأيت في شفتي الرضا عليه‌السلام زبدا أشد بياضامن الثلج ، ورأيت أبا جعفر عليه‌السلام يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره ، فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبوجعفر ومضى الرضا عليه‌السلام فقال أبوجعفر عليه‌السلام : يا أبا الصلت قم ائتني

٣٠١

بالمغتسل والماء من الخزانة ، فقلت : ما في الخزانة مغتسل ولاماء ، فقال لي : انته إلى ما آمرك به ، فدخلت الخزانة فاذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لاغسله معه فقال لي : تنح يا أبا الصلت فان لي من يعينني غيرك ، فغسله.

ثم قال لي : ادخل الخرانة ، فأخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه فدخلت فاذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه وصلى عليه ثم قال لي : ائتني بالتابوت ، فقلت : أمضي إلى النجار حتى يصلح التابوت قال : قم فان في الخرانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط فأتيته به فأخذ الرضا عليه‌السلام بعد ما صلى عليه فوضعه في التابوت وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت فانشق السقف ، فخرج منها التابوت ومضى.

فقلت يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا عليه‌السلام فما نصنع؟ فقال لي : اسكت فانه سيعود يا أبا الصلت مامن نبي يموت بالمشرق ، ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله تعالى بين أرواحهما وأجسادهما ، فما أتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فقام عليه‌السلام فاستخرج الرضا عليه‌السلام من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن.

ثم قال لي : يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب ، فاذا المأمون والغلمان بالباب ، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ، ولطم رأسه ، وهو يقول : يا سيداه فجعت بك يا سيدي ، ثم دخل وجلس عند رأسه وقال خذوافي تجهيزه فأمر بحفر القبر ، فحفرت الموضع فظهر كل شئ على ما وصفه الرضا عليه‌السلام فقال له بعض جلسائه : ألست تزعم أنه إمام؟ قال : بلى ، قال لايكون إلا مقدم الناس فأمر أن يحفر له في القبله فقلت : أمرني أن أحفرله سبع مراقي وأن أشق له ضريحه فقال : انتهوا إلى ما يأمر به أبوالصلت سوى الضريح ، ولكن يحفر له ويلحد.

فلما رأى ما ظهر من الندواة والحيتان وغير ذلك قال المأمون : لم يزال الرضا عليه‌السلام يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا فقال له وزير كان معه : أتدري ما أخبرك به الرضا عليه‌السلام؟ قال : لا ، قال : إنه أخبرك أن ملككم يا بني

٣٠٢

العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم ، وذهبت دولتكم ، سلط الله تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخر كم قال له : صدقت.

ثم قال لي : يا أبا الصلت علمني الكلام الذي تكلمت به ، قلت : والله لقد نسبت الكلام من ساعتي ، وقد كنت صدقت ، فأمر بحبسي ودفن الرضا عليه‌السلام فحبست سنة فضاق علي الحبس ، وسهرت الليلة ودعوت الله تعالى بدعاء ذكرت فيه محمد أو آله صلوات الله عليهم وسألت الله تعالى بحقهم أن يفرج عني.

فلم أستتم الدعاء حتى دخل علي أبوجعفر محمد بن علي عليهما‌السلام فقال : يا أبا الصلت ضاق صدرك ، فقلت : إي والله ، قال قم فاخرجني ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت ففكها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمة يرونني ، فلم يستطيعوا أن يكلموني وخرجت من باب الدار ثم قال لي : امض في ودائع الله فانك لن تصل إليه ولايصل إليك أبدا فقال أبوالصلت : فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت (١).

بيان : قوله عليه‌السلام «ربما كان عنبا» أي كثيرا ما يكون العنب عنبا حسنا يكون من الجنة ، والحاصل أن العنب الحسن إنما يكون في الجنة التي أنت محروم منها ، والسحب : الجر.

١١ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن أبي ذكوان قال سمعت إبراهيم بن العباس قال : كانت البيعة للرضا عليه‌السلام لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين و زوجه ابنته ام حبيب في أول سنة اثنتين ومائتين ، وتوفي سنة ثلاث ومائتين بطوس والمأمون متوجه إلى العراق في رجب ، وروى لي غيره أن الرضا عليه‌السلام توفي وله تسع وأربعون سنة وستة أشهر.

والصحيح أنه توفي في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة ثلاث و مائتين من هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

____________________

(١) عيون أخبارالرضا ج ٢ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٥.

(٢) عيون اخبارالرضا ج ٢ ص ٢٤٥.

٣٠٣

١٢ ـ ن : الطالقاني ، عن الحسن بن علي بن زكريا ، عن محمد بن خليلان قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عتاب بن أسيد قال : سمعت جماعة من أهل المدينة يقولون : ولد الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام بالمدينة يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول سنة ثلاث وخمسين ومائة عن الهجرة ، بعد وفاة أبي عبدالله بخمس سنين وتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباد من رستاق نوقان ، و دفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها هارون الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة ، وذلك قي شهر رمضان لتسع بقين منه سنة ثلاث ومائتين ، وقد تم عمره تسعا وأربعين سنة وستة أشهر ، منها مع أبيه موسى بن جعفر عليه‌السلام تسعا وعشرين سنة وشهرين ، وبعد أبيه أيام إمامته عشرين سنة وأربعة أشهر ، وقام عليه‌السلام بالامر وله تسع وعشرون سنة وشهران (١).

١٣ ـ ن : ذكرأبوعلي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه الذي صنفه في أخبار خراسان أن المأمون لما ندم من ولاية عهد الرضا باشارة الفضل بن سهل ، خرج من مرو منصرفا إلى العراق (٢) واحتال على الفضل بن سهل حتى قتله غالب خال المأمون في حمام سرخس بمعافصة ، في شعبان سنة ثلاث ومائتين واحتال على علي ابن موسى الرضا عليه‌السلام حتى سم في علة كانت أصابته فمات ، وأمر بدفنه بسناباد من طوس بجنب قبرالرشيد ، وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين وكان ابن اثنتين وخمسين سنة ، وقيل ابن خمس وخمسين سنة.

هذا ما حكاه أبوعلي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه ، والصحيح عندي أن المأمون إنما ولاه العهد وبايع له للنذرالذي قد تقدم ذكره وأن الفضل بن سهل لم يزل معاديا ومبغضا له ، وكارها لامره لانه كان من صنايع آل برمك ومبلغ سنين الرضا عليه‌السلام سبع وأربعون سنة ، وستة أشهر ، وكانت وفاته في سنة ثلاث و

____________________

(١) عيون اخبارالرضا ج ١ ص ١٨ و ١٩.

(٢) قد مر هذا الحديث بتمامه في باب ولاية العهد والعلة في قبوله لها تحت الرقم ١٩ ، فراجع.

٣٠٤

مائتين كما قد أسندته في هذا الباب (١).

١٤ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن عبيدالله بن عبدالله ومحمد بن موسى بن نصر الرازي ، عن أبيه والحسين بن عمرالاخباري ، عن علي بن الحسين كاتب بقاء الكبير في آخرين أن الرضا عليه‌السلام حم فعزم على الفصد فركب المأمون ، وقد كان قال لغلام له : فت هذا بيدك لشئ أخرجه من برنية ففته في صينية ثم قال كن معي ولا تغسل يدك وركب إلى الرضا عليه‌السلام وجلس حتى فصد بين يديه ، وقال عبيدالله بل أخر فصده ، وقال المأمون لذلك الغلام : هات من ذلك الرمان وكان الرمان في شجرة في بستان في دارالرضا عليه‌السلام فقطف منه ثم قال : اجلس ففته ففت منه في جام فأمر بغسله ثم قال للرضا عليه‌السلام : مص منه شيئا فقال : حتى يخرج أميرالمؤمنين فقال : لا والله إلا بحضرتي ولولا خوفي أن يرطب معدتي (٢) لمصصته معك ، فمص منه ملاعق وخرج المأمون ، فما صليت العصر حتى قام الرضا عليه‌السلام خمسين مجلسا فوجه إليه المأمون قد علمت أن هذه إفاقه وفتار للفضل (٣) الذي في بدنك (٤) وزاد الامر في الليل فأصبح عليه‌السلام ميتا فكان آخر ما تكلم به «قل لو كنتم في بيوتكم لبرزالذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وكان أمرالله قدرا مقدورا» (٥) وبكرالمأمون : من الغد فأمر بغسله وتكفينه ، ومشى خلف جنازته حافيا حاسرا يقول : يا أخي لقد ثلم الاسلام بموتك ، وغلب القدر تقديري فيك ، وشق لحد الرشيد فدفنه معه ، وقال : أرجوأن ينفعه الله تبارك تعالى بقربه (٦).

بيان : «البرنية» بفتح الباء ، وكسرالنون وتشديد الياء إناء من خزف

____________________

(١) عيون اخبارالرضا ج ٢ ص ١٦٦.

(٢) الرمان : حلوه ملين للطبيعة والسعال ، وحامضه بالعكس ، القاموس ج ٤ ص ٢٢٩.

(٣) للفصد خ ل. (٤) يديك خ ل.

(٥) الاحزاب : ٣٨.

(٦) المصدر ج ٢ ص ٢٤٠.

٣٠٥

قوله : «إفاقة وفتار» يقال : فتر فتارا أي سكن بعد حدة أي هذاموجب للافاقة وسكون الحدة والحرارة التي حصلت بسبب فضول الاخلاط في البدن ، وفي بعض النسخ «آفة وفتار للفصد الذي في يديك» أي هذه آفة حصلت بسبب فتور وضعف نشأ من الفصد.

١٥ ـ ير : أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن الرضا عليه‌السلام قال : لمسافر : يا مسافر هذه القناة فيها حيتان؟ قال : نعم جعلت فداك قال : أما إني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البارحة ، وهو يقول يا علي ما عندنا خيرلك (٤).

بيان : لعل ذكرالحيتان إشارة إلى ماظهر في قبره منها ، أو المعنى أن علمي بموتي كعلمي بها.

١٦ ـ غط : محمد بن عبدالله بن الحسن الافطس قال : كنت عند المأمون يوما ونحن على شراب حتى إذا أخذ منه الشراب مأخذه صرف ندماءه واحتبسني ثم أخرج جواريه ، وضربن وتغنين ، فقال لبعضهن : بالله لما رثيت من بطوس قاطنا فأنشأت تقول :

سقيا لطوس ومن أضحى بها قطنا

من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا

أعني أبا حسن المأمول إن له

حقا على كل من أضحى بها شجنا

قال محمد بن عبدالله : فجعل يبكي حتى أبكاني ثم قال : ويلك يا محمد أيلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن أنصب أبا الحسن علما والله أن لوبقي لخرجت من هذا الامرو لاجلسته مجلسي غيرأنه عوجل فلعن الله عبيدالله وحمزة ابني الحسن ، فانهما قتلاه.

ثم قال لي : يا محمد بن عبدالله والله لاحدثنك بحديث عجيب فاكتمه ، قلت : ما ذاك يا أميرالمؤمنين؟ قال : لما حملت زاهرية ببدر أتيته فقلت له : جعلت فداك بلغني أن أبا الحسن موسى بن جعفر ، وجعفر بن محمد ، ومحمد بن علي ، وعلي بن الحسين والحسين كانوا يزجرون الطير ، ولا يخطؤن ، وأنت وصي القوم ، وعندك علم ماكان

____________________

(١) بصائرالدرجات ص ٤٨٣.

٣٠٦

عندهم ، وزاهرية حظيتي ومن لا اقدم عليها أحدامن جواري ، وقد حملت غير مرة ، كل ذلك تسقط ، فهل عندك في ذلك شئ ننتفع به؟ فقال لا تخش من سقطها فستسلم وتلد غلاما صحيحا مسلما أشبه الناس بامه ، قد زاده الله في خلقه مزيدتين في يده اليمنى خنصر وفي رجله اليمنى خنصر.

فقلت في نفسي : هذه والله فرصة إن لم يكن الامر على ما ذكر خلعته ، فلم أزل أتوقع أمرها حتي أدركها المخاض ، فقلت للقيمة : أذا وضعت فجيئني بولدها ذكرا كان أم انثى ، فما شعرت إلا بالقيمة وقد أتتني بالغلام كما وصفه زائد اليد والرجل ، كأنه كوكب دري فأردت أن أخرج من الامر يومئذ وأسلم ما في يدي إليه ، فلم تطاوعني نفسي ، لكن رفعت إليه الخاتم ، فقلت دبرالامر فليس عليك مني خلاف. وأنت المقدم ، وبالله أن لو فعل لفعلت (١).

قب : الجلاء والشفاء عن محمد بن عبدالله مثله (٢).

١٧ ـ يج : روي عن الحسن بن عباد وكان كاتب الرضا عليه‌السلام قال : دخلت عليه عليه‌السلام وقد عزم المأمون بالمسير إلى بغداد فقال : يا ابن عباد ما ندخل العراق ولانراه ، فبكيت وقلت فآيستني أن آتي أهلي وولدي ، قال عليه‌السلام : أما أنت فستدخلها وإنما عنيت نفسي فاعتل وتوفي بقرية من قرى طوس ، وقد كان تقدم في وصيته أن يحفر قبره مما يلي الحائط بينه وبين قبر هارون ، ثلاث أذرع ، وقد كانوا حفروا ذلك المواضع لهارون فكسرت المعاول والمساحي ، فتركوه وحفرواحيث أمكن الحفر.

فقال : احفروا ذلك المكان فانه سيلين عليكم ، وتجدون صورة سمكة من نحاس وعليها كتابة بالعبرانية ، فاذا حفرتم لحدي فعمقوه وردوها مما يلي رجلي فحفرنا ذلك المكان وكان المحافر تقع في الرمل اللين ووجدنا السمكة مكتوبا عليها بالعبرانية : «هذه روضة علي بن موسى ، وتلك حفرة هارون الجبار» فرددناها

____________________

(١) غيبة الشيخ ص ٥٣ و ٥٤ وقدمر في باب المعجزات ص ٣٠ عن العيون.

(٢) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٣٣.

٣٠٧

ودفناها في لحده عند موضع قاله.

١٨ ـ شا : كان الرضا علي بن موسى عليه‌السلام يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ويخوفه بالله ، ويقبح له ما يركبه من خلافه ، وكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ويبطن كراهيته واستثقاله ، ودخل الرضا عليه‌السلام يوما عليه فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب الماء على يديه ، فقال : لا تشرك يا أميرالمؤمنين بعبادة ربك أحدا فصرف المأمون الغلام وتولى تمام وضوء نفسه وزاد ذلك في غيظه ووجده.

وكان عليه‌السلام يزري على الفضل والحسن ابني سهل عندالمأمون ، إذا ذكرهما ويصف له مساويهما وينهاه عن الاصغاء إلى قولهما ، وعرفا ذلك منه ، فجعلا يخطئان عليه عند المأمون ، ويذكران له عنده ما يبعده منه ، ويخو فانه من حمل الناس عليه فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه فيه ، وعمل على قتله عليه‌السلام.

فاتفق أنه أكل هو والمأمون يوما طعاما فاعتل منه الرضا عليه‌السلام وأظهر المأمون تمارضا فذكر محمد بن علي بن حمزه ، عن منصور بن بشر ، عن أخيه عبدالله ابن بشر قال : أمرني المأمون أن اطول أظفاري على العادة ، ولا اظهر ذلك لاحد ففعلت ، ثم استدعاني فأخرج إلي شيئا يشبه التمرالهندي فقال لي : اعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم قام وتركني ودخل على الرضا عليه‌السلام وقال له : ما خبرك؟ قال : أرجو أن أكوان صالحا قال له : أنا اليوم بحمد الله أيضا صالح ، فهل جاءك أحد من المترفقين في هذا اليوم؟ قال : لا ، فغضب المأمون وصاح على غمانه ثم قال : فخذماء الرمان الساعة فانه مما لا يستغنى عنه ، ثم دعاني فقال : ائتنا برمان فأتيته به ، فقال لي : اعصر بيديك ، ففعلت وسقاه المأمون الرضا عليه‌السلام بيده وكان ذلك سبب وفاته ، فلم يلبث إلا يومين حتى مات عليه‌السلام.

وذكر عن أبي الصلت الهروي أنه قال : دخلت على الرضا عليه‌السلام وقد خرج المأمون من عنده ، فقال لي : يا أبا الصلت قد فعلوها ، وجعل يوحد الله ويمجده.

وروي عن محمد بن الجهم أنه قال : كان الرضا عليه‌السلام يعجبه العنب فأخذله

٣٠٨

منه شيئا فجعل في موضع أقماعه (١) الا بر أياما ثم نزع وجيئ به إليه ، فأكل منه وهو في علته التي ذكرنا فقتله وذكر أن ذلك من لطيف السموم.

ولما توفي الرضا عليه‌السلام كتم المأمون موته وليلة ، ثم أنفذ إلى محمد ابن جعفرالصادق عليه‌السلام وجماعة آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم وبكى ، وأظهر حزنا شديداو توجع وأراهم إياه صحيح الجسد ، وقال : يعز علي يا أخي أن أراك في هذه الحال ، قد كنت اؤمل أن أقدم قبلك ، فأبى الله إلا ما أراد.

ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه ، وخرج مع جنازته فحملها حتى أتى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها سناباد على دعوة من نوقان من أرض طوس ، وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن عليه‌السلام بين يديه في قبلته ، ومضى الرضا عليه‌السلام ولم يترك ولدا نعلمه إلا ابنه الامام بعده أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام وكان سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهر (٢).

بيان : في قب (٣) الا برالمسمومة ، ولعله المراد هنا ، يحتمل أن يكون هذا خاصية ترك الا بر في العنب أياما

١٩ ـ أقول : ذكر أبوالفرج في المقاتل ما ذكره المفيد رحمه‌الله من أوله إلى آخره بأسانيد ، ثم روى بالسناده عن أبي الصلت الهروي أنه قال : دخل المأمون إلى الرضا يعوده فوجده يجود بنفسه ، فبكى وقال : أعزز (٤) علي يا

____________________

(١) الاقماع ـ جمع القمع والكسر ـ : ما التزق بأسفل التمرة والبسرة ونحوهما ، ويطلق على آلة توضع على فم الاناء فيصب فيه الدهن وغيره ، وكأنه على التشبيه.

(٢) ارشاد المفيد ص ٦٩٦ و ٢٩٧.

(٣) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٧٤.

(٤) يقال : أعزز على بما اصبت به ، وقد اعززت بما أصابك : اى عظم على.

٣٠٩

أخي بأن أعيش ليومك ، فقد كان في بقائك أمل ، وأغلظ علي من ذلك وأشد أن الناس يقولون أني سقيتك سما وأنا إلى الله من ذلك برئ ثم خرج المأمون من عنده ومات الرضا عليه‌السلام فحضره المأمون قبل أن يحفر قبره وأمر أن يحفر له إلى جانب أبيه ثم أقبل علينا فقال : حدثني صاحب هذا النعش أنه يحفر له قبر فيظهر فيه ماء وسمك ، احفروا فخفروا ، فلما انتهوا إلى اللحد نبع ماء وظهر فيه سمك ثم غاص فدفن فيه الرضا عليه‌السلام (١).

٤ ـ كشف : من دلائل الحميري ، عن معمر بن خلاد ، عن أبي جعفر ـ أو عن رجل ، عن أبي جعفرالشك من أبي علي ـ قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : يا معمر اركب قلت : إلى أين؟ قال : اركب كمايقال لك قال : فركبت فانتهيت إلى واد ـ أو إلى وهدة الشك من أبي علي ـ فقال لي : قف ههنا فوقفت فأتاني فقلت له : جعلت فداك أين كنت؟ قال دفنت أبي الساعة ، وكان بخراسان (٢).

يج : أحمد بن محمد ، عن معمر مثله (٣).

٢١ ـ عم : روى محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب نوادرالحكمة ، عن موسى ابن جعفر ، عن امية بن علي قال : كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي جعفر عليه‌السلام وأبوالحسن عليه‌السلام بخراسان ، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه ، فدعا يوما الجارية فقال : قولي لهم يتهيأون للمأتم ، فلما تفرقوا قالوا : لاسألناه مأتم من؟ فلما كان من الغد ، فعل مثل ذلك فقالوا : مأتم من؟ قال : مأتم خير من على ظهرها ، فأتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك بأيام فاذا هو قدمات في ذلك اليوم.

____________________

(١) مقاتل الصالبيين ص ٣٧١ ـ ٣٧٤.

(٢) كشف الغمة ج ٣ ص ٢١٦.

(٣) الخرائج والجرائح ص ٢٣٧.

٣١٠

* ( تذييل ) *

اعلم أن أصحابنا والمخالفين اختلفوا أن الرضا عليه‌السلام هل مات حتف أنفه أو مضى شهيدا بالسم ، وعلى الاخير هل سمه المأمون لعنه الله أغيره (١) والاشهر بيننا أنه عليه‌السلام مضى شهيدا بسم المأمون ، وينسب إلى السيد علي بن طاوس أنه أنكر ذلك ، وكذا أنكره الا ربلي في كشف الغمة ، ورد ما ذكره المفيد بوجوه سخيفة حيث قال : بعد إيراد كلام المفيد :

____________________

(١) قال سبط ابن الجوزى في التذكرة : ذكر أبوبكر الصولى في كتاب الاوراق أن هارون كان يجرى على موسى بن جعفر وهو في حبسه كل سنة ثلاثمائة ألف درهم ولنزله عشرين ألفا ، فقال المأمون لعلى بن موسى لا زيدنك على مرتبة أبيك وجدك ، فأجرى له ذلك ووصله بألف ألف درهم.

ولما فصل المأمون عن مرو طالبا بغداد ، ووصل إلى سرخس ، وثب قوم على الفضل ابن سهل في الحمام فقتلوه ، ومرض على بن موسى ، فلما وصل المامون إلى طوس ، توفى على بن موسى بطوس في سنة ثلاث ومائتين.

وقيل انه دخل الحمام ، ثم خرج فقدم اليه طبق فيه عنب مسموم قد ادخلت فيه الابر المسمومة من غير أن يظهر أثرها ، فأكله فمات ، وله خمس وخمسون سنة ، وقيل تسع و أربعون ودفن إلى جانب هارون الرشيد.

وزعم قوم أن المأمون سمه ، وليس بصحيح فانه لما مات على عليه‌السلام توجع له المأمون ، وأظهرالحزن عليه ، وبقى أياما لايأكل طعاما ولا يشرب شرابا وهجر اللذات.

أقول : ان الذى يزعم أن المأمون سمه ، لا ينكر توجعه واظهار الحزن عليه بل يزعم أنه فعل ذلك مصانغة. قال :

ثم اتى بغداد فدخلها في صفر سنة اربع ومائتين ولباسه ولباس اصحابه جميعا الخضرة وكذا اعلامهم ، وكان قد بعث المأمون الحسن بن سهل إلى بغداد ، فهزمهم واختفى ابراهيم ابن المهدى ونزل المأمون بقصرالرصافة.

قال الصولى : فاجتمع بنوالعباس إلى زينب بنت سليمان بن على بن عبدالله بن العباس وكانت في القعد والسؤدد مثل المنصور ، فسألوها ان تدخل على المأمون وتسأله الرجوع

٣١١

بلغني ممن أثق به أن السيد رضي الدين علي بن طاوس رحمه‌الله كان لا يوافق على أن المأمون سقى عليا عليه‌السلام السم ، ولا يعتقده ، وكان ـ ره ـ كثير المطالعة والتنقيب والتفتيش على مثل ذلك ، والذي كان يظهر من المامون من حنوه عليه وميله إليه واختياره له دون أهله وأولاده مما يؤيد ذلك ويقرره ، وقد ذكرالمفيد رحمه‌الله شيئا ما يقبله عقلي ولعلي واهم ، وهو أن الامام عليه‌السلام كان يعيب ابني سهل ويقبح ذكرهما إلى غير ذلك وما كان أشغله بأمور دينه وآخرته ، واشتغاله بالله عن مثل ذلك.

____________________

إلى لبس السواد وترك الخضرة ، والاضراب مثل ما كان عليه ، لانه عزم بعد موت على بن موسى ان يعهد إلى محمد بن على بن موسى الرضا ، وانما منعه من ذلك شغب بنى العباس عليه ، لانه كان قد اصر على ذلك حتى دخلت عليه زينب.

فلما دخلت عليه ، قام لها ورحب بها واكرمها ، فقالت له : يا اميرالمؤمنين انك على براهك من ولد ابى طالب والامر بيدك اقدر منك على برهم والامر في يد غيرك او في ايديهم ، فدع لباس الخضرة ، وعد إلى لباس اهلك ، ولا تطمعن احدا فيما كان منك.

فعجب المأمون بكلاكها ، وقال لها : والله يا عمة ما كلمنى احد بكلام اوقع من كلامك في قلبى ، ولا اقصد لما اردت ، وانا احاكمهم إلى عقلك.

فقالت : وما ذاك؟ فقال : الست تعلمين ان ابابكر رضى الله عنه ولى الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يول احدا من بنى هاشم شيئا؟ قالت : بلى ، قال : ثم ولى عمر فكان كذلك ، ثم ولى عثمان فأقبل على اهله من بنى عبد شمس فولاهم الامصار ولم يول أحدا من بنى هاشم ، ثم ولى على عليه‌السلام فأقبل على بنى هاشم فولى عبدالله بن العباس البصرة وعبيد الله بن العباس اليمن ، وولى معبدا مكة ، وولى قثم بن العباس البحرين وما ترك أحدا ممن ينتمى إلى العباس الا ولاه ، فكانت هذه في أعناقنا فكافأته في ولده بما فعلت.

فقالت : لله درك يا بنى ولكن المصلحة لبنى عمك من ولد أبى طالب ما قلت لك ، فقال : ما يكون الا ما تحبون إلى آخر ما قال.

٣١٢

وعلى رأي المفيد رحمه‌الله أن الدولة المذكورة من أصلها فاسدة ، وعلى غير قاعدة مرضية ، فاهتمامه عليه‌السلام بالوقيعة فيهما حتى أغراهما بتغيير رأي الخليفة عليه فيه ما فيه ، ثم إن نصيحته للمأمون وإشارته عليه بما ينفعه في دينه لاتوجب أن يكون سببا لقتله ، وموجبا لركوب هذا الامرالعظيم منه ، وقد كان يكفي في هذا الامر أن يمنعه عن الدخول عليه أو يكفه عن وعظه ، ثم إنا لانعرف أن الابر إذا غرست في العنب صارالعنب مسموما ولايشهده القياس الطبي والله تعالى أعلم بحال الجميع وإليه المصير ، وعندالله يجتمع الخصوم انتهى كلامه (١).

ولايخفى وهنه إذا لوقيعة في ابني سهل لم يكن للدنيا حتى يمعنه عنه الاشتغال بعبادة الله تعالى بل كان ذلك لما وجب عليه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفع الظلم عن المسلمين مهما أمكن ، وكون خلافة المأمون فاسدة أيضا لايمنع منه كما لا يمنع بطلان خلافة الغاصبين إرشاد أميرالمؤمنين إياهم لمصالح المسلمين في الغزوات وغيرها.

ثم إنه ظاهر أن نصيحة الاشقياء ووعظهم بمحضرالناس لا سيما المدعين للفضل والخلافة ، مما يثير حقدهم وحسدهم وغيظهم ، مع أنه لعنه الله كان أول أمره مبنيا على الحيلة والخديعة لا طفاء نائرة الفتن الحادثة من خروج الاشراف والسادة من العلويين في الاطرف فلما استقر أمره أظهر كيده ، فالحق ما اختاره الصدوق والمفيد وغيرهما من أجلة أصحابنا أنه عليه‌السلام مضى شهيدا بسم المأمون اللعين ، عليه اللعنة ، وعلى سائر الغاصبين والظالمين أبد الآبدين.

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ١١٢.

٣١٣

٢٢

* ( باب ) *

* ( ما أنشد من المراثى فيه عليه‌السلام ) *

١ ـ قب : أبوفراس :

باؤا بقتل الرضا من بعد بيعته

وأبصروا بغضه من رشدهم وعموا

عصابة شقيت من بعد ماسعدت

ومعشر هلكوا من بعد ماسلموا

لا بيعة ردعتهم عن دمائهم

ولا يمين ولا قربى ولا رحم

وأكثر دعبل مراثيه عليه‌السلام منها :

يا حسرة تتردد وعبرة ليس تنفد

على علي بن موسى بن جعفر بن محمد

ومنها :

يا نكبة جاءت من الشرق

لم تتركن مني ولم تبق

موت علي ، ابن موسى الرضا

من سخط الله على الخلق

وأصبح الاسلام مستعبرا

لثلمة بائنة الرتق

سقى الغريب المبتني قبره (١)

بأرض طوس سيل الودق (٢)

أصبح عيني مانعا للكرى

وأولع الاحشاء بالخفق

____________________

(١) كذا في المصدر وفي نسخة الاصل ( سقى الله الغريب المبتنى قبره ) ولايستقيم وزن الشعر.

(٢) كذا في نسخة الاصل بخط يد المؤلف قدس‌سره ، وفى المصدرالمطبوع ج ٤ ص ٣٧٦ ( سبل الودق ) والظاهر ( مسل الودق ) ومسل بضمتين جمع ( مسيل ) على غير قياس.

٣١٤

ومنها :

ألا مالعين بالدموع استهلت

ولو نقرت ماء الشئون لقلت

على من بكته الارض واسترجعت له

رؤس الجبال الشامخات وذلت

وقد أعولت تبكي السماء لفقده

وأنجمها ناحت عليه وكلت

فنحن عليه اليوم أجدر بالبكا

لمرزئة عزت علينا وجلت

رزئنا رضي الله سبط نبينا

فأخلف الدنيا له وتولت

وما خير دنيا بعد آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

ألا لا تباليها إذا ما اضمحلت

تجلت مصيبات الزمان ولا أرى

مصيبتنا بالمصطفين تجلت

ومنها :

ألا أيها القبرالغريب محله

بطوس عليك الساريات هتون (١)

شككت فما أدري أمسقي شربة

فأبكيك أم ريب الردى فيهون

أيا عجبا منهم يمسونك الرضا

ويلقاك منهم كلحة وغضون

____________________

(١) تمامه على ما في مقاتل الطالبيين ص ٣٧٢ و ٣٧٣ ( ط النجف ) هكذا : قال أبوالفرج : وأنشدنى على بن سليمان الاخفش لدعبل بن على الخزاعى يذكر الرضا عليه‌السلام والسم الذى سقيه ، ويرثى ابناله وينعى على الخلفاء من بنى العباس :

على الكره ما فارقت أحمد وانطوى

عليه بناء جندل ودفين

وأسكنته بيناخسيسا متاعه

وأنى على رغمى به لحنين

ولو لا التأسى بالنبى وأهله

لاسبل من عينى عليه شؤن

هو النفس الا أن آل محمد

لهم دون نفسى في الفؤاد كمين

أضربهم ارث النبى فأصبحوا

يساهم فيه خيفة ومنون

رعتهم ذئاب من امية وانتحت

عليهم دراكا أزمة وسنون

وعاثت بنوالعباس في الدين عيشة

تحكم فيه ظالم وظنين

وسموارشيدا ليس فيهم لرشدة

وها ذاك مأمون وذاك أمين

فما قبلت بالرشد منهم رعاية

ولا لولى بالامانة دين

٣١٥

ومنها :

وقد كنا نؤمل أن يحيا

إمام هدى له رأي طريف

يرى سكناته فيقول عنهم

وتحت سكونه رأي ثقيف

له سمحاء تغدو كل يوم

بنائله وسارية تطوف

فأهدى ريحه قدرالمنايا

وقد كانت له ريح عصوف

أقام بطوس ملقحة المنايا

مزار دونه نأي قذوف (١)

بيان : «الخفق» الاضطراب أي جعل الاحشاء حريصة في الاضطراب ويقال : تهللت دموعه أي سالت واستهلت السماء في أول مطرها.

وقال الجوهري : التنقير عن الامر : البحث عنه ، وقال : الشأن واحد الشؤن وهي مواصل قبائل الرأس وملتقاها ، ومنها تجئ الدموع أي لو بحثت وأنزلت جميع ماء الشؤن لكان قليلا في ذلك قوله «فأخلفت» أي فسدت وتغيرت وقل خيرها قوله : «لاتباليها» أي لاتبال بها و «السارية» السحاب يسري ليلا والا سطوانه وهتنت السماء تهتن هتنا وهتونا انصبت وسحاب هاتن وهتون ، والردى الهلاك ، وريب الردى كناية عن الموت بغير سبب من الخلق ، وكلح تكشر في عبوس ودهر كالح شديد ، وغضنت الرجل غضنا حبسته ، وغضون الجهة ما يحديث فيها عند العبس من الطي قوله : «فيقول عنهم» أي تخبر سكناته عن فضائل أهل البيت ورفعة محلهم

____________________

رئيسهم غاو وطفلاه بعده

لهذا دنا باد وذاك مجون

ألا أيها القبرالغريب محله

بطوس عليك الساريات هتون

شككت فما أدرى أمسقى شربة

فأبكيك أم ريب الردى فيهون

وايهما ما قلت ان قلت شربة

وان قلت موت انه لقمين

ايا عجبا منهم يسمونك الرضا

ويلقاك منهم كلحة وغضون

اتعجب للاخلاق أن يتخيفوا

معالم دين الله وهو مبين

لقد سبقت فيهم بفضلك آية

لدى ولكن ما هناك يقين

(١) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٧٦ و ٣٧٧.

٣١٦

قوله : «سمحاء» أي يد سمحاء أو طبيعة ، قوله : «فأهدى» أي أسكن مهموز والقذوف البعيد.

٢ ـ ن : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الانصاري قال : قال ابن المشيع المرقي (١) رضي‌الله‌عنه يرثي الرضا صلوات الله وسلامه عليه :

يا بقعة مات بها سيدي

ما مثله في الناس من سيد

مات الهدى من بعده والندى

وشمرالموت به يقتدي

لا زال غيث الله يا قبره

عليك منه رائحا مغتدي

كان لنا غيثا به نرتوي

وكان كالنجم به نهتدي

إن عليا ابن موسى الرضا

قد حل والسؤدد في ملحد

يا عين فابكي بدم بعده

على انقرض المجد والسؤدد

ولعلي بن أبي عبدالله الخوافي يرثي الرضا عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات :

يا أرض طوس سقاك الله رحمته

ماذا حويت من الخيرات يا طوس

طابت بقاعك في الدنيا وطيبها

شخص ثوى بسناباد مرموس

شخص عزيز على الاسلام مصرعه

في رحمة الله مغمور ومغموس

يا قبره أنت قبر قد تضمنه

حلم وعلم وتطهير وتقديس

فخرا فانك مغبوط بجثته

وبالملائكة الابرار محروس (٢)

بيان : و «شمرالموت» لعل المعنى أن الموت شمر ذيله وتهيأ لاماتة سائر أخلاق الحسنة أوالخلائق ، و «المرموس» المدفون ، قوله «عزيز» أي شديد عظيم يقال أعزز علي بما اصبت به ، وقد اعززت بما أصابك أي عظم علي (٣).

____________________

(١) المدنى خ ل.

(٢) عيون اخبار الرضا ج ٢ ص ٢٥١ و ٢٥٢.

(٣) راجع الصاح ج ٢ ص ٨٨٢.

٣١٧

أقول : وروى الابيات الاخيرة ابن عياش في كتاب مقتضب الاثر عن علي ابن هارون المنجم عن الخوافي وزاد في آخره :

في كل عصر لنا منكم إمام هدى

فربعة آهل منكم ومأنوس

أمست نجوم السماء آفلة

وظل أسدالثرى قد ضمها الخيس (١)

غابت ثمانية منكم وأربعة

يرجى مطالعها ما حنت العيس

حتى متى يظهرالحق المنير بكم

فالحق في غيركم داج ومطموس

٣ ـ لى ، ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن هارون بن عبدالله المهلبي عن دعبل بن علي قال : جاءني خبر موت الرضا عليه‌السلام وأنا بقم فقلت قصيدتي الرائية :

أرى أمية معذورين أن قتلوا

ولا أرى لبني العباس من عذر

أولاد حرب ومروان وأسرتهم

بنو معيط ولاة الحقد والوغر

قوم قتلم على الاسلام أولهم

حتى إذا استمسكواجازوا على الكفر (٢)

أربع بطوس على قبرالزكي به

إن كنت تربع من دين على وطر

قبران في طوس خيرالناس كلهم

وقبر شرهم هذامن العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما

على الزكي بقرب النجس من ضرر

هيهات كل امرئ رهن بما كسبت

له يداه فخذ ما شئت أو فذر (٣)

٤ ـ ن : قال الصولي : وأنشدني عون بن محمد قال : أنشدني منصور بن طلحة قال : قال أبومحمد اليزيدي رضي‌الله‌عنه لما مات الرضا عليه‌السلام رثيته فقلت :

ما لطوس لا قدس الله طوسا

كل يوم تحوز علقا نفيسا

بدأت بالرشيد فاقتنصته

وثنت بالرضا علي بن موسى

بإمام لا كا لائمة فضلا

فسعود الزمان عادت نحوسا

____________________

(١) الخيس ـ بالكسر ـ الشجر الملتف ، وقيل : ما كان حلفاء وقصبا ، وغابة الاسد.

(٢) في بعض النسخ : حتى اذا استمكنوا.

(٣) أمالى الصدوق ص ٦٦٠ و ٦٦١ ، عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٥١.

٣١٨

ووجدت في كتاب لمحمد بن حبيب الضبي :

قبر بطوس به أقام إمام

حتم إليه زيارة ولمام

قبرأقام به السلام وإذ غدا

تهدي إليه تحية وسلام

قبرسنا أنواره تجلوالعمى

وبتربه قد تدفع الاسقام

قبر يمثل للعيون محمدا

ووصيه والمؤمنون قيام

خشع العيون لذا وذاك مهابة

في كنهها لتحيرالافهام

قبر إذاحل الوفود بربعه

رحلوا وحطت عنهم الآثام

وتزو دوا أمن العقاب وأو منوا

من أن يحل عليهم الاعدام

الله عنه به لهم متقبل

وبذاك عنهم جفت الاقلام

إن يغن عن سقي الغمام فانه

لولاه لم تسق البلاد غمام

قبر علي ابن موسى حله

بثراه يزهو الحل والاحرام

فرض إليه السعي كالبيت الذي

من دونه حق له الاعظام

من زاره في الله عارف حقه

فالمس منه على الجحيم حرام

ومقامه لاشك يحمد في غد

وله بجنات الخلود مقام

وله بذاك الله أوفى ضامن

قسما إليه تنتهي الاقسام

صلى الا له على النبي محمد

وعلت عليا نضرة وسلام

وكذا على الزهراء صلى سرمدا

رب بواجب حقها علام

وعليهما صلى ثم بالحسن ابتدا (١)

وعلى الحسين لوجهه الاكرام

وعلى علي ذي التقى ومحمد

صلى وكل سيد وهمام

وعلى المهذب والمطهر جعفر

أزكى الصلاة وإن أبى الاقوام (٢)

الصادق المأثورعنه علم ما

فيكم به يتمسك الاقوام

____________________

(١) في المصدر : وعليه صلى.

(٢) في المصدر : الاقزام ، الاقوام خ ل. والقزام جمع القزم ـ بالتحريك اللئيم.

٣١٩

وكذا على موسى أبيك وبعده

صلى عليك وللصلاة دوام

وعلى محمد الزكي فضوعف

وعلى ما استمر كلام

وعلى الرضا ابن الرضا الحسن الذي

عم البلاد لفقده الاظلام

وعلى خليفته الذي لكم به

تم النظام فكان فيه تمام

فهو المؤمل أن يعود به الهدى

غضا وأن تستوسق الاحكام

لولا الائمة واحد عن واحد

درس الهدى واستسلم الاسلام

كل يقوم مقام صاحبه إلى

أن ينبري بالقائم الاعلام

يا ابن النبي وحجة الله التي

هي للصلاة وللصيام قيام

ما من أمام غاب عنكم لم يقم

خلف له تشفى به الاوغام

إن الائمة يستوي في فضلها

والعلم كهل منكم وغلام

أنتم إلى الله الوسيلة والاولى

علموا الهدى فهم له أعلام (١)

أنتم ولاة الدين والدنيا ومن

لله فيه حرمة وذمام

ما الناس إلا من أقربفضلكم

والجاحدون بهائم وسوام

بل هم أضل عن السبيل بكفرهم

والمقتدى منهم بهم أزلام

يرعون في دنياكم وكأنهم

في جحدهم إنعامكم أنعام

با نعمة الله التي يحبو بها

من يصطفي من خلقه المنعام

إن غاب منك الجسم عنا إنه

للروح منك إقامة ونظام

أرواحكم موجودة أعيانها

إن عن عيون غيبت أجسام

الفرق بينك والنبي نبوة

إذ بعد ذلك تستوي الاقدام

قبران في طوس الهدى في واحد

والغي في لحد يراه ضرام

قبران مقترنان هذا ترعة

حبوبة فيها نزول إمام

وكذاك ذلك من جهنم حفرة

فيها تجدد للغوي هيام

قرب الغوي من الزكي مضاعف

لعذابه ولانفه الارغام

____________________

(١) في نسخة الكمبانى ( علم الهدى ).

٣٢٠