بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر لماطعن دخل عليه عبدالله بن العباس قال : فرأيته جزعا فقلت يا أميرالمؤمنين ما هذا الجزع؟ فقال : يا ابن عباس ما جزعي لاجلي ولكن جزعي لهذا الامرمن يليه بعدي ، قال : قلت : ولها طلحة بن عبيدالله قال : رجل له حدة كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعرفه ، فلا أولي امور المسلمين حديدا.

قال : قلت : ولها الزبيربن العوام ، قال : رجل بخيل رأيته يماكس امرأته في كبة من غزل ، فلا اولي امور المسلمين بخيلا ، قال ، قلت : ولها سعد بن أبي وقاص قال : رجل صاحب فرس وقوس ، وليس من أحلاس الخلافة ، قلت : ولها عبدالرحمن ابن عوف ، قال رجل : ليس يحسن أن يكفي عياله ، قال : قلت : ولها عبدالله بن عمر فاستوى جالسا وقال : يا ابن عباس ما والله أردت بهذا ، أولي رجلا لم يحسن أن يطلق امرأته.

قلت : ولها عثمان بن عفان فقال : والله لئن وليته ليحملن آل أبي معيط على رقاب المسلمين ، وأوشك إن فعلنا أن يقتلوه ـ قالها ثلاثا.

قال : ثم سكت لما أعرف من معاندته لاميرالمؤمنين علي بن أبيطالب فقال لي : يا ابن عباس اذكر صاحبك ، قال : قلت : ولها عليا قال : والله ماجزعي إلا لما أخذت الحق من أربابه ، والله لئن وليته ليحملنهم على المحجة العظمى وإن يطيهوه يدخلهم الجنة.

فهو يقول هذا ثم صيرها شورى بين الستة ، فويل له من ربه.

قال أبوالهذيل بينا هويكلمني إذا اختلط وذهب عقله فأخبرت المأمون بقصته وكان من قصته أن ذهب بماله وضياعه حيلة وغدرا ، فبعث إليه المأمون فجاء به وعالجه وكان قد ذهب عقله بماصنع به ، فرد عليه ماله وضياعه وصيره نديما ، فكان المأمون يتشيع لذلك والحمدلله على كل حال (١).

____________________

(١) الاحتجاج ص ١٩٦ ، وقال سبط ابن الجوزى في تذكرة الخواص ص ٣٥ : وفى الباب حكاية ذكرها صاحب ( بيت مال العلوم ) وذكرها أيضا صاحب ( عقلاء المجانين ) عن أبى الهذيل العلاف قال : سافرت مع المأمون إلى الرقة ، ثم ذكر مثله.

٢٨١

بيان : قوله «من أحلاس الخلافة» أي ممن يلازمها ويمارس لوازمها ، من الحلس بالكسر ، وهوكساء على ظهرالبعير تحت البرذعة ، ويبسط في البيت تحت حر الثياب ، ويقال هوحلس بيته إذالم يبرح مكانه.

٣٦ ـ كش : محمد بن مسعود ، عن أبي علي المحمودي ، عن أبيه قال : قلت لابي الهذيل العلاف : إني أتيتك سائلا فقال أبوالهذيل : سل وأسأل الله العصمة والتوفيق فقال أبي : أليس من دينك أن العصمة والتوفيق لايكونان من الله لك إلا بعمل تستحقه به؟ قال أبوالهذيل : نعم ، قال : فما معنى دعائك اعمل وخذ (١) قال له أبوالهذيل : هات سؤلك فقال له شيخي : خبرني عن قول الله عزوجل «اليوم أكملت لكم دينكم» (٢) قال أبوالهذيل : قدأكمل لنا الدين ، فقال شيخي : فخبرني إن أسألك عن مسألة لاتجدها في كتاب الله ، ولا في سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولافي قول الصحابة ، ولافي حيلة فقهائهم ، ما أنت صانع؟ فقال : هات فقال شيخي : خبرني عن عشرة كلهم عنين وقعوا في طهرواحد بامرأة ، وهم مختلف الامر ، فمنهم من وصل إلى نصف حاجته ، ومنهم من قارب حسب الامكان منه ، هل في خلق الله اليوم من يعرف حدالله في كل رجل منهم مقدار ما ارتكب من الخطيئة؟ فيقيم عليه الحد في الدنيا ويطهره منه في الآخرة؟ ولنعلم ماتقول في أن الدين قدأكمل لك فقال : هيهات خرج آخرها في الامامة (٣).

أقول : قد أوردت الاخبارالمتضمنة لاحوال أصحابه عليه‌السلام في باب ردالواقفية وأبواب مناظرته عليه‌السلام ، وباب ولاية العهد ، وباب معجزاته ، وباب ماجرى بينه وبين المأمون.

____________________

(١) في المصدر : أعمل وآخذ.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) رجال الكشى ص ٤٧٠ تحت الرقم ٤٤٠.

٢٨٢

١٩

*( باب )*

*( اخباره واخبارآبائه عليهم‌السلام بشهادته )*

١ ـ لى : الطالقاني ، عن أحمدالهمداني ، : عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام أنه قال له رجل من أهل خراسان : يا ابن رسول الله رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام كأنه يقول لي : كيف أنتم إذادفن في أرضكم بضعتي ، واستحفظتم وديعتي وغيب في ثراكم نجمي؟ فقال له الرضا عليه‌السلام : أنا المدفون في أرضكم وأنابضعة من نبيكم ، وأنا الوديعة والنجم ، ألا فمن زارني وهويعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقي وطاعتي ، فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة ، ومن كناشفعاءه يوم القيامة نجى ، ولو كان عليه مثل وزرالثقلين الجن والانس ، ولقد حدثني أبي عن جدي ، عن أبيه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رآني في منامه فقد رآني لان الشيطان لايتمثل في صورتي ولا في صورة واحدمن أوصيائي ، ولا في صورة أحدمن شيعتهم ، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءامن النبوة (١).

بيان : قال الجزري في الحديث «فاطمة بضعة مني» البضعة بالفتح القطعة من اللحم ، وقد تكسر أي إنها جزء مني كما أن القطعة من اللحم «جزء من اللحم». ٢ ـ لى : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : والله مامنا إلا مقتول «أو» شهيد فقيل له : فمن يقتلك يا ابن رسول الله؟ قال : شر خلق الله في زماني يقتلني بالسم ثم يدفنني في دارمضيعة وبلاد غربة ، ألا فمن زارني في غربتي كتب الله عزوجل له أجرمائة ألف شهيد ، ومائة

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ٦٤. وتراه في عيون اخبارالرضا ج ٢ ص ٢٥٧.

٢٨٣

ألف صديق ومائة ألف حاج ومعتمر ، ومائة ألف مجاهد ، وحشر في زمرتنا ، وجعل في الدرجات العلى من الجنة رفيقنا (١).

بيان : قال الجزري في حديث كعب بن مالك «ولم يجعلك الله بدار هوان ولامضيعة» بكسرالضاد مفعلة من الضياع أي الاطراح والهوان ، كأنه فيه ضائع.

وقال الجوهري : ضاع الشئ أي هلك ، ومنه قولهم فلان بدارمضيعة مثال معيشة.

٣ ـ ن ، لى : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن الصادق جعفربن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستد فن بضعة مني بأرض خراسان؟ لايزورها مؤمن ألا أوجب الله عزوجل له الجنة وحرم جسده على النار (٢).

أقول : سيأتي أكثرأخبارهذا الباب في باب المزار ، وأثبتنا بعضها في أبواب ما صدرعنه عليه‌السلام في طريقه إلى خراسان ، وبعضها في باب كيفية قبوله عليه‌السلام ولاية العهد وبعضها في أحوال خروجه من المدينة.

٤ ـ ن : تميم القرشي ، عن أبيه عن أحمد الانصاري ، عن الحسن بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام ـ وذكر أسؤلة القوم والمأمون عنه عليه‌السلام جواباته عليه‌السلام وساق الحديث إلى أن قال : فلما قام الرضا عليه‌السلام تبعته فانصرف إلى منزله ، فدخلت عليه وقلت له : يا ابن رسول الله الحمد لله الذي وهب لك من جميل رأي أميرالمؤمنيبن ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله لقولك ، فقال عليه‌السلام : يا ابن الجهم لايغرنك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع مني ، فانه سيقتلني بالسم ، وهوظالم لي أعرف بعهد معهود إلي من آبائي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاكتم هذاعلي مادمت حيا.

قال الحسن بن الجهم : فما حدثت بهذا الحديث إلى أن مضى الرضا عليه‌السلام بطوس مقتولا بالسم ، ودفن في دارحميد بن قحطبة الطائي في القبة التي قبر هارون

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ٦٣. وتراه في عيون أخبارالرضا ج ٢ ص ٢٥٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٥٥. أمالى الصدوق ص ٦٢.

٢٨٤

إلى جانبه (١).

٥ ـ ن : بهذا الاسناد عن أحمد ، عن الهروي في خبر طويل عن الرضا عليه‌السلام في نفي قول من قال إن الحسين عليه‌السلام لم يقتل ولكن شبه لهم ، قال عليه‌السلام : والله لقد قتل الحسين عليه‌السلام وقتل من كان خيرا من الحسين أميرالمومنين ، والحسن بن علي ، وما منا إلا مقتول ، وإني والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني ، أعرف ذلك بعهد معهودإلي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره به جبرئيل عن رب العالمين عزوجل (٢).

توضيح : قال الجوهرى «الغيلة» بالكسرالاغتيال ، يقال قتله غيلة : وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فاذا صارإليه قتله (٣).

٦ ـ ن : الوراق ، عن الاسدي ، عن الحسن بن عيسى الخراط ، عن جعفر بن محمد النوفلي قال : أتيت الرضا عليه‌السلام وهو بقنطرة إبريق (٤) فسلمت عليه ثم جلست وقلت جعلت فداك إن اناسا يزعمون أن أباك حي! فقال : كذبوا لعنهم الله لو كان حيا ما قسم ميراثه ولا نكح نساؤه ، ولكنه والله ذاق الموت كما ذاقه علي ابن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : فقلت له : ما تأمرني؟ قال : عليك با بني محمد من بعدي ، وأما أنا فاني ذاهب في وجه لا أرجع ، بورك قبر بطوس ، وقبران ببغداد ، قال : قلت جعلت فداك عرفنا واحدا فما الثاني؟ قال : ستعرفونه ، ثم قال عليه‌السلام : قبري وقبر هارون هكذا وضم باصبعيه (٥).

٧ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن عون بن محمد ، عن محمد بن أبي عباد قال : قال المأمون يوما للرضا عليه‌السلام : ندخل بغداد إنشاء الله نفعل كذا وكذا ، فقال له : تدخل

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٠٠ ٢ ـ ٢٠٢.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٢٠٣ في حديث.

(٣) الصاح ص ١٧٨٧.

(٤) في المصدر. أربق : وهو بضم الباء : بلدة برامهرمز قاله الفيروز آبادى.

(٥) المصدر ج ٢ ص ٢١٦.

٢٨٥

أنت بغداد يا أميرالمؤمنين ، فلما خلوت به قلت له : إني سمعت شيئا غمني وذكرته له ، فقال : يا أبا حسين ـ كذا كان يكنيني بطرح الالف واللام ـ وما أنا وبغداد و لا أرى بغداد ولاتراني (١).

٨ ـ ن : الهمداني عن علي ، عن أبيه ، عن موسى بن مهران قال : رأيت علي ابن موسى الرضا عليه‌السلام في مسجد المدينة وهارون ـ وهو يخطب ، فقال : أترونني وإياه ندفن في بيت واحد؟ (٢).

٩ ـ ن : ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي عن محمد بن الفضيل قال : أخبرني من سمع الرضا عليه‌السلام وهو ينظر إلى هارون بمنى أو بعرفات ، فقال : أنا وهارون هكذا ـ وضم بين أصبعيه ـ فكنا لا ندري ما يعني بذالك حتى كان من أمره بطوس ما كان فأمر المأمون بدفن الرضا عليه‌السلام إلى جنب قبر هارون (٣).

أقول : قد مر بعض الاخبار في باب معجزاته عليه‌السلام.

١٠ ـ ن : ماجيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن عبدالرحمن بن حماد ، عن عبدالله ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسين بن زيد قال : سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام يقول : يخرج ولد من ابني موسى اسمه اسم أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام إلى أرض طوس ، وهي بخراسان ، يقتل فيها بالسم ، فيد فن فيها غريبا من زاره عارفا بحقه أعطاه الله تعالى أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل (٤).

١١ ـ ن : الوراق عن سعد ، عن عمران بن موسى ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن محمد بن الفضيل ، عن غزوان الضبي قال : أخبرني عبدالرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد قال : قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام : سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسم ظلما ، اسمه اسمي واسم أبيه

____________________

(١) المصدر ج ٢ ص ٢٢٥.

(٢ و ٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٢٦.

(٤) المصدر ج ٢ ص ٢٥٥.

٢٨٦

اسم ابن عمران موسى عليه‌السلام ألا فمن زاره في غربته غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر ، ولو كانت مثل عدد النجوم ، وقطر الامطار ، وورق الاشجار (١).

أقول : قد أوردنا كثيرا من أخبار هذا الباب في باب ثواب زيارته ، وفي باب معجزاته ، وفي باب أحواله متوجها إلى خراسان ، وفي باب ولاية العهد : وباب احتجاج المأمون على المخالفين.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ٢٥٨ و ٢٥٩.

٢٨٧

٢٠

* ( باب ) *

* ( اسباب شهادته صلوات الله عليه ) *

١ ـ ع ، ن : المكتب والوراق والهمداني جميعا عن علي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان قال : كنت عند مولاي الرضا عليه‌السلام بخراسان وكان المأمون يقعده على يمينه ، إذا قعد للناس ، يوم الاثنين ويوم الخميس ، فرفع إلى المأمون أن رجلا من الصوفية سرق فأمر باحضاره ، فلما نظر أليه وجده متقشفا بين عينيه أثر السجود فقال : سوءة لهذه الآثار الجميلة ، ولهذا الفعل القبيح ، أتنسب إلى السرقة مع ما أرى من جميل آثارك وظاهرك؟ قال : فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا حين منعتني حقي من الخمس والفئ.

فقال المأمون : وأي حق لك في الخمس والفئ؟ قال : إن الله عزوجل قسم الخمس سته أقسام وقال : «واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان» (١) وقسم الفئ على ستة أقسام فقال عزوجل : «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى. فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لايكون دولة بين الاغنيا منكم» (٢) قال : بما منعتني (٣) وأنا ابن

____________________

(١) الانفال : ٤١.

(٢) الحشر : ٧.

(٣) في نسخة الاصل وهكذا نسخة الكمبانى ( فما منعتنى ) فمنعتنى حقى خ ل.

٢٨٨

السبيل منقطع بي ومسكين لا أرجع إلى شئ ومن حملة القرآن (١).

فقال له المأمون : أعطل حدا من حدود الله وحكما من أحكامه في السارق من أساطيرك هذه؟ فقال الصوفي : ابدأ بنفسك فطهرها ثم طهر غيرك وأقم حد الله عليها ثم على غيرك ، فالتفت المأمون إلى أبي الحسن عليه‌السلام فقال : ما تقول؟ فقال : إنه يقول سرقت فسرق ، فغضب المأمون غضبا شديدا ثم قال للصوفي : والله لاقطعنك فقال الصوفي : أتقطعني وأنت عبدلي؟ فقال المأمون : ويلك ومن أين صرت عبدا لك؟ قال : لان امك اشتريت من مال المسلمين ، فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب حتى يعتقوك وأنا لم اعتقك ثم بلعت الخمس بعد ذلك فلا أعطيت آل الرسول حقا ، ولا أعطيتني ونظرائي حقنا.

والاخرى أن الخبيث لايطهر خبيثا مثله ، إنما يطهره طاهر ، ومن في جنبه الحد لايقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه أما سمعت الله عزوجل يقول : «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» (٢).

فالتفت المأمون إلى الرضا عليه‌السلام فقال : ما ترى في أمره؟ فقال عليه‌السلام : إن الله جل جلاله قال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله «فلله الحجة البالغة» (٣) وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة ، وقد احتج الرجل ، فأمرالمأمون عند ذلك باطلاق الصوفي واحتجب عن الناس ، واشتغل

____________________

(١) المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل في آية الخمس والفيئ يتامى آل الرسول ومساكينهم وابناء سبيلهم بقرينة الالف واللام حيث انها في أمثال هذه المواضع عوض من المضاف اليه فكانه قال ( لله ولرسوله ولذى قرباء ويتاماهم ومساكينهم وابن سبيلهم ) فلا حق في الخمس والفيى لعامة المسلمين.

وأما هذا الذى ذكره الصوفى فعلى مذاهب فقهاء العامة حيث يقولون : انها الفقراء المسلمين وأيتامهم وأبناء سبيلهم دون من كان من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصا.

(٢) البقرة : ٤٤.

(٣) الانعام : ١٤٩.

٢٨٩

بالرضا عليه‌السلام حتى سمه فقتله ، وقد كان قتل الفضل بن سهل وجماعة من الشيعة.

قال الصدوق رضي‌الله‌عنه روي هذا الحديث كما حكيت ، وأنا برئ من عهدة صحته (١).

بيان : قال الجوهري : المتقشف الذي يتبلغ بالقوت والمرقع (٢).

٢ ـ ن : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الانصاري قال : سألت أبا الصلت الهروي فقلت : كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه‌السلام مع إكرامه ومحبته له ، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟ ، فقال : إت المأمون إنما كان يكرمه و يحبه لمعرفته بفضله ، وجعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس أنه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم ، فلما لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلا عندهم ومحلا في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء ، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة.

فكان لايكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة و الملحدين والدهرية ولاخصم من فرق المسلمين المخالفين له إلا قطعه والزمه الحجة وكان الناس يقولون : والله إنه أولى بالخلافة من المأمون فكان أصحاب الاخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده ، وكان الرضا عليه‌السلام لايحابي المأمون من حق وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله فيغظه ذلك ، ويحقده عليه ، ولا يظهره له ، فلما أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم (٣).

٣ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن القاسم بن إسماعيل قال : سمعت إبراهيم ابن العباس يقول : لما عقد المأمون البية لعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام قال له الرضا عليه‌السلام (٤) يا أميرالمومنين إن النصح واجب لك ، والغش لاينبغي لمؤمن

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٧ و ٢٣٨. علل الشرائع ج ١ ص ٢٢٨.

(٢) يعنى المرقع من الثياب ، راجع الصحاح ج ٤ ص ١٤١٦.

(٣) عيون اخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩.

(٤) قال سبط ابن الجوزى في التذكرة ص ٢٠٠ : قال علماء السير : فلما فعل

٢٩٠

إن العامة لتكرم ما فعلت بي والخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل ، والرأي لك أن تبعدنا عنك حتى يصلح لك أمرك ، قال إبراهيم : فكان والله قوله هذا السبب في الذي آل الامر إليه (١).

أقول : قد مرت العلل في ذلك في باب ولاية العهد ، وباب ما جرى بينه وبين المأمون.

____________________

المأمون ذلك ـ يعنى عقد ولاية العهد للرضا ( ع ) ـ شغبت بنوالعباس ببغداد عليه ، وخلعوه من الخلافة ، وولوا ابراهيم بن المهدى ، والمأمون بمرو ، وتفرقت قلوب شيعة بنى العباس عنه فقال له على بن موسى الرضا : يا أميرالمؤمنين : النصح لك واجب والغش لا يحل لمؤمن : ان العامة تكره ما فعلت معى ، والخاصة تكره الفضل بن سهل فالرأى أن تنحينا عنك حتى يستقيم لك الخاصة والعامة فيستقيم أمرك.

(١) المصدر ج ٢ ص ١٤٥.

٢٩١

(٢١)

* ( باب ) *

* ( شهادته وتغسيله ودفنه ومبلغ سنه ) *

* ( صلوات الله عليه ولعنة الله على من ظلمه ) *

١ ـ شا : قبض الرضا عليه‌السلام بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث و مائتين وله يومئذ خمس وخمسون سنة ، وامه ام ولد يقال لها : ام البنين ، وكانت مدة خلافته وإمامته وقيامه بعد أبيه في خلافته عشرين سنة (١).

٢ ـ كا : قبض عليه‌السلام في صفر من سنة ثلاث ومائتين وهوابن خمس وخمسين سنة وتوفي عليه‌السلام بطوس في قرية يقال لها سناباد من نوقان على دعوة ، ودفن عليه‌السلام بها وكان المأمون أشخصه من المدينة إلى مرو على طريق البصرة وفارس ، فلما خرج المأمون وشخص إلى بغداد أشخصه معه فتوفي في هذه القرية (٢).

٣ ـ كا : سعد والحميري معا ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان (٣) قال : قبض علي بن موسى عليه‌السلام وهو ابن تسع وأربعين سنة وأشهر ، في غام اثنتين ومائتين : عاش بعد موسى بن جعفر عليهما‌السلام عشرين سنة إلا شهرين أو ثلاثة (٤).

____________________

(١) الارشاد ص ٢٨٥.

(٢) الكافى ج ١ ص ٤٨٦.

(٣) في السند حذف ، والصحيح : عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبى بصير ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام بقرينة سائر الروايات ، وقد روى الكلينى رحمه‌الله في باب مواليد الائمة عليهم‌السلام في كل باب حديثا بهذا السند ، والظاهر أن الكلينى رحمه‌الله أخرج تلك الاحاديث عن أصل محمد بن سنان فتارة ذكر تمام الاسناد بينه وبين الامام عليه‌السلام ، وتارة ذكرالاسناد بينه وبين محمد بن سنان اعتمادا على ما سبق.

(٤) الكافى ج ١ ص ٤٩٣.

٢٩٢

٤ ـ كف : توفي الرضا عليه‌السلام في سابع عشر شهر صفر يوم الثلثاء سنة ثلاث و مائتين سمه المأمون في عنب وكان له أحد وخمسون سنة.

٥ ـ ضه : كان وفاته عليه‌السلام يوم الجمعة في شهر رمضان سنة ثلاث ومائتين وهو يومئذ ابن خمس وخمسين سنة ، وكانت مدة خلاقته عشرين سنة.

٦ ـ الدروس : قبض عليه‌السلام بطوس في صفر سنة ثلاث ومائتين.

٧ ـ د : في الثالث والعشرين من ذي القعدة كانت وفاة مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام. وفي كتاب مواليد الائمة في عام اثنين ومائتين وفي كتاب المناقب يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان سنة اثنتين ومائتين ، وقيل : سنة ثلاث ، وفي الدر : يوم الجمعة غرة شهر رمضان سنة اثنين. مائتين وكذا في كتاب الذخيرة.

وقال الطبرسي : في آخر صفر سنة ثلاث ومائتين وقيل يوم الاثنين رابع عشر سنة اثنتين ومائتين بالسم في العنب في زمن المأمون بطوس وقيل دفن في دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها سناباد بأرض طوس من رستاق نوقان ، وفيها قبرالرشيد وعمره يومئذ خمس وخمسون سنة ، وقيل تسع وأربعون سنة وستة أشهر ، وقيل و أربعة أشهر ، وقيل تسعة وأربعون سنة ألا ثمانية أيام : أقام مع أبيه تسعة وعشرين سنة وأشهرا وبعد أبيه اثنين وعشرين سنة إلا شهرا وقيل عشرين سنة.

٨ ـ ن : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن خلف الطاطري عن هرثمة بن أعين قال : كنت ليلة بين يدي المأمون حتى مضى من اليل أربع ساعات ثم أذن لي في الانصراف ، فانصرف ، فلما مضى من اليل نصفه قرع قارع الباب فأجابه بعض غلماني ، فقال له : قل لهرثمة : أجب سيدك ، قال : فقمت مسرعا وأخذت علي أثوابي وأسرعت إلى سيدي الرضا عليه‌السلام فدخل الغلام بين يدي ودخلت وراءه فاذا أنا بسيدي عليه‌السلام في صحن داره جالس.

فقال : يا هرثمة فقلت لبيك يا مولاي فقال لي : اجلس فجلست فقال لي : اسمع وع يا هرثمة ، أوان رحيلي إلى الله تعالى ولحوقي بجدي وآبائي عليهم‌السلام وقد

٢٩٣

بلغ الكتاب أجله ، وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك ، فأما العنب فانه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط في العنب وأما الرمان فانه يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده ليلطخ حبه في ذلك السم.

وإنه سيد عوني في ذلك اليوم المقبل ، ويقرب إلى الرمان والعنب ، ويسألني أكلهما فآكلهما ، ثم ينفذ الحكم ويحضرالقضاء فاذا أنامت فسيقول أنا اغسله بيدي فاذا قال ذلك ، فقل له عني بينك وبينه ، إنه قال لي لاتتعرض لغسلي وولا لتكفيني ولا لدفني ، فانك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما اخر عنك ، وحل بك أليم ما تحذر ، فانه سينتهي.

قال : فقلت : نعم يا سيدي قال : فاذا خلى بينك وبين غسلي فسيجلس في علو من أبنيته ، مشرفا على موضع غسلي لينظر ، فلا تعرض يا هرثمة لشئ من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض قد ضربت في جانب الدار ، فاذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها فضعني من وراء الفسطاط وقف من ورائه ، ويكون من معك دونك ولا تكشف عن الفسطاط حتى تراني فتهلك ، فانه سيشرف عليك ويقول لك : يا هرثمة أليس زعمتم أن الامام لايفسله إلا إمام مثله فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس؟.

فاذا قال ذلك فأجبه وقل له : إنا نقول إن الامام لايحب أن يغسله إلا إمام فان تعدى متعد وغسل الامام لم تبطل إمامة الامام لتعدي غاسله ، ولا بطلت إمامة الامام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه ، ولو ترك أبوالحسن علي بن موسى بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى. فاذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني ، فضعني على نعش واحملني.

فاذا أراد أن يحفر قبري فانه سيجعل قبرأبيه هارون الرشيد قبلة لقبري ولا يكون ذلك أبدا فاذا ضربت المعاول نبت عن الارض ولم ينحفر منها شئ ، ولا

٢٩٤

مثل قلامة ظفر ، فاذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له عني : إني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد فاذا ضربت نفذ في الارض إلى قبر محفور وضريح قائم.

فاذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني إليه حتى يفور من ضريحه الماء الابيض فيمتلئ منه ذلك القبر ، حتى يصير الماء مع وجه الارض ، ثم يضطرب فيه حوت بطوله فاذا اضطرب فلا تنزلني إلي القبر إلا إذا غاب الحوت وغار الماء ، فأنزلني في ذلك القبر وألحدني في ذلك الضريح ، ولا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه علي فان القبر ينطبق بنفسه ويمتلئ ، قال : قلت نعم يا سيدي ثم قال لي : احفظ ما عهدت إليك واعمل به ، ولاتخالف ، قلت : أعوذ بالله أن اخالفك أمرا يا سيدي قال هرثمة : ثم خرجت باكيا حزينا فلم أزل كالحبه على المقلاة (١) لا يعلم ما في نفسي إلا الله تعالى.

ثم دعاني المأمون فدخلت إليه فلم أزل قائما إلى ضحى النهار ثم قال المأمون : امض يا هرثمة إلى أبي الحسن فاقرأه مني السلام وقل له تصيرإلينا أونصير إليك؟ فان قال لك بل نصير إليه فتسأله عني أن يقدم ذلك قال : فجئته فاذا اطلعت عليه قال لي : يا هرثمة أليس قد حفظت ما أوصيتك به؟ قلت : بلى ، قال : قدموا نعلي فقد علمت ما أرسلك به ، قال : فقدمت نعله ومشى إليه ، فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه ، وقبل بين عينيه ، وأجلسه إلى جانبه على سريره ، وأقبل عليه يحادثه ساعة من النهار طويلة ، ثم قال لبعض غلمانه : يؤتى بعنب ورمان.

قال هرثمة : فلما سمعت ذلك لم أستطع الصبر ، ورأيت النفضة (٢) قد عرضت في بدني فكرهت أن يتبين ذلك في فتراجعت القهقرى حتى خرجت

____________________

(١) المقلاة : وعاء من نحاس أو خزف يقلى فيه الطعام ، يقال : هو على المقلاة من الجزع.

(٢) النفضة ـ كحمرة وهمزة ـ رعدة النافض من الحمى أو غيره.

٢٩٥

فرميت نفسي في موضع من الدار.

فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي قد خرج من عنده ورجع إلى داره ثم رأيت الآمر قد خرج من عند المأمون باحضارالاطباء والمترفقين ، قلت ما هذا فقيل لي : علة عرضت لابي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام فكان الناس في شك وكنت على يقين ، لما أعرف منه.

قال : فلما كان من الثلث الثاني من الليل علا الصياح ، وسمعت الوجبة من الدارفأسرعت فيمن أسرع ، فاذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محل الازرار قائما على قدميه ينتحب ويبكي ، قال : فوقفت فيمن وقفوا وأنا أتنفس الصعداء ثم أصبحنا فجلس المأمون للتعزية ثم قام فمشى إلى الموضع الذي فيه سيدنا عليه‌السلام فقال : أصلحوا لنا موضعا فاني اريد أن اغسله فدنوت منه فقلت له ما قاله سيدي بسب الغسل والتكفين والدفن ، فقال لي : لست أعرض لذلك ، ثم قال : شانك يا هرثمة.

قال : فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط قد ضرب ، فوقفت من ظاهره وكل من في الدار دوني ، وأنا أسمع التكبير والتهليل والتسبيح ، وتردد الاواني وصب الماء وتضوع الطيب الذي لم أشم أطيب منه قال : فاذا أنا بالمأمون قد أشرف علي من بعض علالي داره ، فصاح بي : يا هرثمة أليس زعمتم أن الامام لايغسله إلا إمام مثله؟ فأين محمد بن علي ابنه عنه؟ وهو بمدينة الرسول وهذا بطوس بخراسان؟ قال : قلت له : يا أميرالمؤمنين إنا نقول إن الامام لايجب أن يغسله إلا إمام مثله ، فان تعدى متعد فغسل الامام لم تبطل إمامة الامام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الامام الذي بعده ، بأن غلب على غسل أبيه ، ولو ترك أبوالحسن علي ابن موسى الرضا عليها‌السلام بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى.

قال : فسكت عني ثم ارتفع الفسطاط فاذا أنا بسيدي عليه‌السلام مدرج في أكفانه

٢٩٦

فوضعته على نعشه ، ثم حملناه فصلى عليه المأمون وجميع من حضر ثم جئنا إلى موضع القبر ، فوجدتهم يضربون بالمعاول دون قبر هارون ليجعلوه قبلة لقبره والمعاول تنبوعنه لا تحفر ذرة من تراب الارض.

فقال لي : ويحك يا هرثمة أما ترى الارض كيف تمتنع من حفر قبر له؟ فقلت : يا أميرالمؤمنين إنه قد أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر أمير المومنين أبيك الرشيد لا أضرب غيره ، قال : فاذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا؟ قلت : إنه أخبر أنه لايجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره ، فان أنا ضربت هذا المعول الواحد نفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره وبان ضريح في وسطه فقال المأمون : سبحان الله ما أعجب هذا الكلام ولا عجب من أمر أبي الحسن ، فاضرب يا هرثمة حتى نرى.

قال هرثمة : فأخذت المعول بيدي فضربت في قبلة قبر هارون الرشيد فنفذ إلى قبر محفور ، وبان ضريح في وسطه ، والناس ينظرون إليه ، فقال : أنزله إليه يا هرثمة فقلت : يا أميرالمؤمنين إن سيدي أمرني أن لا أنزل إليه حتى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ منه القبر ، حتى يكون الماء مع وجه الارض ثم يضطرب فيه حوت بطول القبر ، فاذا غاب الحوت وغار الماء ، وضعته على جانب قبره ، وخليت بينه وبين ملحده ، قال فافعل يا هرثمة ما أمرت به.

قال هرثمة : فانتظرت ظهورالماء والحوت ، فظهر ثم غاب وغار الماء والناس ينظرون إليه ثم جعلت النعش إلى جانب قبره ، فغطي قبره بثوب أبيض لم أبسطه ثم أنزل به إلى قبره بغير يدي ولايد أحد ممن حضر ، فأشار المأمون إلى الناس أن هالوا (١) التراب بأيديكم فاطر حوه فيه ، فقلت : لا تفعل يا أميرالمؤمنين قال : فقال : ويحك فمن يملؤه؟ فقلت : قد أمرني أن لايطرح عليه التراب وأخبرني أن القبر يمتلئ من ذات نفسه ثم ينطبق ويتربع على وجه الارض ، فأشار المأمون إلى الناس أن كفوا.

____________________

(١) في النسخ : هاتوا ، وهو تصحيف ، يقال : هال عليه التراب : صبه.

٢٩٧

قال : فرموا ما في أيديهم من التراب ، ثم امتلا القبر وانطق وتربع على وجه الارض فانصرف المأمون وانصرف ودعاني المأمون وخلابي ثم قال : أسألك بالله يا هرثمة لما أصدقتني عن أبي الحسن عليه‌السلام قدس الله روحه بما سمعته منك ، فقلت قد أخبرت أميرالمؤمنين بما قال لي ، فقال : بالله إلا ما قد صدقتني عما أخبرك به غيرالذي قلت لي.

قلت : يا أميرالمؤمنين! فعما تسألني؟ فقال : يا هرثمة ، هل أسر إليك شيئا غير هذا؟ قلت : نعم ، قال : ما هو؟ قلت : خبر الغنب والرمان ، قال : فأقبل المأمون يتلون ألوانا يصفر مرة ويحمر اخرى ويسود اخرى ثم تمدد مغشيا عليه ، فسمعته في غشيته وهو يهجر ، ويقول : ويل للمأمون من الله ، ويل له من رسوله ، ويل له من علي ، ويل للمأمون من فاطمة ، ويل للمأمون من الحسن والحسين ، ويل للمأمون من علي بن الحسن ، ويل له من محمد بن علي ، ويل للمأمون من جعفر بن محمد ، ويل له من موسى بن جعفر ، ويل له من علي ين موسى الرضا هذا والله هو الخسران المبين ، يقول هذا القول ويكرره.

فلما رأيته قد أطال ذلك وليت عنه ، وجلست في بعض نواحي الدار ، قال : فجلس ودعاني فدخلت إليه وهو جالس كالسكران فقال : والله ما أنت أعز علي منه ولا جميع من في الارض والسماء ، لئن بلغني أنك أعدت بعد ما سمعت ورأيت شيئا ليكونن هلاكك فيه.

قال : فقلت يا أميرالمؤمنين إن ظهرت على شئ من ذلك مني فأنت في حل من دمي قال : لا والله أو تعطيني عهدا وميثاقا على كتمان هذا وترك إعادته ، فأخذ علي العهد والميثاق وأكده علي قال : فلما وليت عنه صفق بيده وقال : يستخفون من الناس ولايستخفون من الله ، وهو معهم إذ يبيتون ما لايرضى من القول ، وكان الله بما تعملون محيطا (١). وكان للرضا عليه‌السلام من الولد محمد الامام وكان يقال له : الرضا ، والصادق

____________________

(١) النساء : ١٠٨.

٢٩٨

والصابر ، والفاضل ، وقرة أعين المؤمنين ، وغيظ الملحدين (١).

بيان : نبت عن الارض أي ارتفعت ، ولم تؤثر فيها من قولهم نبا الشئ عني أي تجافى وتباعد ، ونبا السيف إذا لم يعلم في الضريبة ، قوله «والمترفقين» أي الاطباء المعالجين برفق ، قال الجزري : في الحديث أنت رفيق والله الطبيب أي أنت ترفق بالمريض وتتلطفه وهوالذي يبرءه ويعا فيه «والجبة» صوت السقطة ، و «العلالي» جمع العلية بالكسر وهي الغرقة.

٩ ـ ن : الهمداني ، عن علي بن أبراهيم ، عن ياسرالخادم قال : لما كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتل أبوالحسن عليه‌السلام فدخلنا طوس وقد اشتدت به العلة ، فبقينا بطوس أياما فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين فلما كان في آخر يومه الذي قبض فيه كان ضعيفا في ذلك اليوم فقال لي بعد ما صلى الظهر : يا ياسر أكل الناس شيئا؟ قلت : يا سيدي من يأكل ههنا مع ما أنت فيه.

فانتصب عليه‌السلام ثم قال : هاتوا المائدة ولم يدع من حشمه أحدا إلا أقعده معه على المائدة يتفقد واحدا واحدا ، فلما أكلوا قال : ابعثوا إلى النساء بالطعام فحمل الطعام إلى النساء فلما فرغوا من الاكل اغمي عليه وضعف ، فوقعت الصيحة وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات ، ووقعت الوجبة بطوس وجاء المأمون حافيا وحاسرا يضرب على رأسه ، ويقبض على لحيته ، ويتأسف ويبكي و تسيل الدموع على خديه فوقف على الرضا عليه‌السلام وقد أفاق فقال : يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي فقدي لك وفراقي إياك أو تهمة الناس لي أني اغتلتك وقتلتك ، قال : فرفع طرفه أليه ثم قال : أحسن يا أميرالمؤمنين معاشرة أبي جعفر ، فان عمرك وعمره هكذا وجمع بين سبابتيه.

قال : فلما كان من تلك الليلة قضى عليه بعد ما ذهب من الليل بعضه ، فلما أصبح اجتمع الخلق وقالوا : هذا قتله واغتاله يعني المأمون وقالوا : قتل ابن رسول

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٤٥ ـ ٢٥٠.

٢٩٩

الله وأكثروا القول والجلبة ، وكان محمد بن جعفر بن محمد عليهما‌السلام استأمن إلى المأمون وجاء إلى خراسان وكان عم أبي الحسن فقال له المأمون : يا أبا جعفر اخرج إلى الناس وأعلمهم أن أبا الحسن لا يخرج اليوم وكره أن يخرجه فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفر إلى الناس فقال : أيها الناس تفرقوا فان أبا الحسن لا يخرج اليوم ، فتفرق الناس وغسل أبوالحسن في الليل ، ودفن.

قال علي بن إبراهيم : وحدثني ياسر بما لم احب ذكره في الكتاب (١).

١٠ ـ لى ، ن : ماجيلويه وابن المتوكل والهمداني وأحمد بن علي بن إبراهيم وابن تاتانة والمكتب والوراق جميعا ، عن علي ، عن أبيه ، عن أبي الصلت الهروي قال : بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسين عليه‌السلام إذ قال لي : يا أبا الصلت ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون وائتني بتراب من أربعة جوانبها ، قال : فمضيت فأتيت به فلما مثلت بين يديه ، قال لي : ناولني هذا التراب ، وهو من عند الباب فناولته فأخذه وشمه ثم رمى به ثم قال : سيحفرلي ههنا ، فتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها ثم قال في الذي عندالرجل ، والذي عند الرأس مثل ذلك ثم قال : ناولني هذا التراب فهو من تربتي.

ثم قال : سيحفرلي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا إلى سبع مراقي إلى أسفل وأن تشق لي ضريحة ، فان أبوا إلا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا فان الله تعالي سيوسعه مايشاء ، وإذا فعلوا ذلك فانك ترى عند رأسي نداوة ، فتكلم بالكلام الذي أعلمك فانه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففتت لها الخبزالذي أعطيك فانها تلتقطه ، فاذا لم يبق منه شئ خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغارحتى لابيقى منها شئ ثم تغيب فاذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي اعلمك فانه ينضب الماء ولايبقى منه شئ ولاتفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.

____________________

(١) عيون اخبارالرضا ج ٢ ص ٢٤١ ـ ٢٤٢.

٣٠٠